ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 08/08/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


"الواقعيون" مقابل "المثاليين"

في سياساتنا الخارج

هنري كيسينجر

ترجمة نسرين ناضر

سجّلت الديموقراطية تقدّماً مدهشاً في الأشهر الأخيرة: انتخابات في أفغانستان والعراق وأوكرانيا وفلسطين، وانتخابات محلّية في السعودية، وانسحاب سوري من لبنان، وفتح المجال للترشّح للانتخابات الرئاسية في مصر وثورات مناهضة للاستبداديين في قرغيزستان.

نادراً ما بدت الظروف مرنة هكذا والبيئة مطواعة إلى هذه الدرجة. ولسياسة الرئيس جورج دبليو بوش جزء من الفضل في إطلاق هذه الموجة الإيجابية. وقد عجّل فيها خطاب تنصيبه الثاني الذي جعل من تقدّم الحرية في العالم الهدف المحدِّد للسياسة الخارجية الأميركية.

فسّر النقّاد هذه الأحداث بأنّها انتصار لل"مثاليين" على "الواقعيين" في الجدل حول طريقة إدارة السياسة الخارجية الأميركية.

على الأرجح أنّ الولايات المتحدة هي البلد الوحيد حيث يمكن استعمال كلمة "واقعي" كصفة سلبيّة. يجب ألا يدّعي أيّ واقعي جدّي أنّ السلطة تبرّر ذاتها. ويجب ألا يوحي أيّ مثالي أنّه لا علاقة للسلطة بنشر المثاليات.

المهمّ هو إرساء نوع من الانسجام بين هذين العنصرين الأساسيين في السياسة.

لم تتقدّم الديموقراطية بفعل زخمها فقط. فقد كانت الظروف مهمّة بقدر التخطيط. أصبحت الانتخابات في العراق وأفغانستان ممكنة بفضل الانتصارات العسكرية الأميركية على حركة "طالبان" وصدام حسين. والانتخابات الأوكرانية هي نتيجة انهيار السلطة السوفياتية ثم الروسية في أوروبا الشرقية، وعكست الانتفاضة اللبنانية عزلة سوريا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتحوّلت الانتخابات الفلسطينية واقعاً ممكناً بفعل موت ياسر عرفات وفشل الانتفاضة الثانية.

إذن لا يعالج الجدل حول المثالية والواقعية عادةً جوهر الموضوع.

لا تنفي المدرسة الواقعية أهمية المثاليات أو القيم. لكنّها تصرّ على إرساء توازن حذر وحتى غير عاطفي بين القوى المادّية وفهم تاريخ المجتمعات – خصوصاً مجتمعنا - التي تؤلّف النظام الدولي وثقافتها واقتصادياتها.

لا تتحمّل مدرسة الفكر المثالي القيود المفروضة على الذات. لا ترفض بالضرورة الناحية الجيوسياسية للواقعية لكنّها تترجمها إلى دعوة لشنّ حملات عنيفة باسم تغيير النظام.

على الرغم من أنّ وصفة تغيير النظام تُقدَّم كعقيدة جديدة، فهي تتبع سابقة راسخة. كانت الحافز وراء الحروب الدينية في القرن السابع عشر، وحروب الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، والحلف المقدّس، ونسخة تروتسكي عن الشيوعية، والجهاد الإسلامي المعاصر.

يحكم الواقعيون على السياسة انطلاقاً من قدرتها على المثابرة لتحقيق هدف على مراحل يكون كلّ منها غير كامل بالمعايير المطلقة لكن لا تجري محاولة لتنفيذه في غياب القيم المطلقة.

أما المثاليون فيُبعِدون هذه القيود ويركّزون على الهدف الأسمى. يرفضون النقاش العرضي حول الجدوى والذي يشكّل العنصر الجيوسياسي المحتوم أحد مكوّناته.

يبحث الواقعيون عن التوازن بينما يسعى المثاليون وراء الهداية. لهذا يسبّب "الصليبيون" عادةً اضطرابات ومعاناة أكثر من رجال الدولة.

لطالما أصرّت الاستثنائية الأميركية، التي تعتبر نفسها مدينة مضيئة على جبل، على إظهار أنّ القيم الكونية تتخطّى الإملاءات التقليدية للمصلحة الوطنية.

في عالم من الجهاد والإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، أطلق الرئيس بوش في خطاب تنصيبه الثاني تحدّياً يتخطّى مصالح بلد واحد وتستطيع مجتمعات عدّة مواجهته بدون أن يكون في الأمر إساءة لمصالحها الخاصّة.

اعتبر أنّ الولايات المتحدة تسعى إلى التقدّم نحو الحرية وليس إلى إرسائها نهائياً في وقت محدّد، وأنّها تقرّ بالتطوّر التاريخي الذي يجب أن يكون أساساً لأيّ عملية ناجحة. وعلى هذا الأساس، يجب أن يسير الواقعيون والمثاليون معاً نحو الأمام.

يجب أن يأخذ التزام واضح بأجندة الحرية المبادئ الآتية بالاعتبار:

لا تعتمد عملية "الدمقرطة" على قرار واحد ولا يمكن إنجازها دفعةً واحدة. وعلى الرغم من أنّ الانتخابات مرغوب فيها، فهي ليست سوى البداية في مشروع طويل.

يجب أن يفهم الأميركيون أنّ النجاحات لا تنهي التزامهم بل على الأرجح تعمّقه أكثر فأكثر. فعندما نتدخّل، نتحمّل المسؤولية حتى عن نتائج لم نشارك في صنعها.

ليست الانتخابات ضمانة أكيدة لتحقيق نتيجة ديموقراطية. يبدو أنّ الراديكاليين أمثال "حزب الله" وحركة "حماس" تعلّموا آليّات الديموقراطية بهدف تقويضها وإرساء السيطرة الكاملة.

في البلدان حيث هناك فراغ يجب ملؤه وحيث تنتشر قوّات أميركية، قدرة الأميركيين على التأثير في الأحداث كبيرة. لكن حتى هناك، من غير الممكن أن نأخذ نماذج بُنيت على مرّ قرون في المجتمعات المتجانسة لأوروبا والولايات المتحدة ونطبّقها أوتوماتيكياً على مجتمعات متنوّعة إتنياً ومنقسمة دينياً في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا.

في المجتمعات المتعدّدة الإتنية، يؤدّي حكم الغالبية إلى الإخضاع الدائم للأقلية إلا إذا كان جزءاً من هيكلية فيديرالية قوية ونظام ضوابط وتوازنات. من الصعب جداً تحقيق هذا الأمر من خلال التفاوض بين أطراف يعتبرون السيطرة من المجموعات الأخرى تهديداً لصمودهم. لكنّه يحدّد إلى أيّ مدى يمكن بلوغ الأهداف الديموقراطية في العراق، وبدرجة أقلّ في أفغانستان.

أما لبنان فيجسّد وجهاً آخر من أوجه هذه الاعتبارات. الانتفاضة التي أدّت إلى طرد القوّات السورية شاهد على نموّ الوعي الشعبي إنما أيضاً على البيئة الاستراتيجية المتغيِّرة.

منذ عام 1958 تولّى التدخّل الخارجي ثلاث مرّات – الولايات المتحدة عام 1958 وسوريا عام 1976 وإسرائيل عام 1981 – زمام الأمور في لبنان للحؤول دون الانحدار نحو العنف، وتأدية دور الحكَم بين المجموعات المسيحية والسنّية والشيعية والدرزية التي تؤلّف الكيان السياسي اللبناني.

والاختبار هو في معرفة إن كانت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي قادرين على التوصّل إلى إطار عمل سياسي متّفق عليه، وعلى حشد وجود دولي لضمان عدم سقوط الأهواء المتصادمة في دوّامة العنف من جديد.

الدمج بين الاستراتيجيا والقيم، والعملي والمثالي – وليس التركيز المفرط على واحد على حساب الآخر – هو الأساس لبناء مستقبل لبنان.

في مصر والسعودية، لا فراغ في الوقت الحالي لكنّ حدوثه محتمل. السياسة الحكيمة هي التي تبذل جهوداً لتخطّي الركود والضغوط التي من شأنها أن تحوّل الإطار السياسي الحالي صراعاً بين الفصائل الراديكالية أو انتصاراً لإحداها. وإذا انحرفت السياسات في أيّ من الاتجاهين فقد تحوّل هذين البلدين "عقب أخيل" في السياسة الشرق الأوسطية بكاملها.

أخيراً هناك تحدّي التعاطي مع مجتمعات مثل الصين وروسيا التي لم تعتمد حتى الآن على التقليد السياسي الغربي إلا بدرجة محدودة أو لم تعتمد عليه مطلقاً في انتقالها إلى العالم المعولم. وقد استندت حتّى الآن إلى تاريخها الخاص أو هويّتها الوطنية. فإلى أيّ حدّ تستطيع أميركا التأثير في هذه العملية وما السبيل لذلك؟ وفي أيّ اتّجاه؟

يجب أن يربط تطبيق أجندة الحرية قيم التقليد الديموقراطي بالإمكانات التاريخية للمجتمعات الأخرى.

ينبغي تفادي الخطر المتمثّل في ردود الفعل التي يمكن أن تولّدها سياسة قائمة على مفاهيمنا الداخلية في مجتمعات أخرى مثل تحلّق هذه المجتمعات حول الوطنية أو قيام ائتلاف من المستائين من المحاولات لفرض ما يعتبرونه هيمنة أميركية.

تحتاج الاستراتيجيا الضرورية لتطبيق أجندة الحرّية إلى بناء توافق على الصعيدَين الداخلي والدولي. إنّه الاختبار الذي يبيّن إذا كنّا ننتهز الفرصة لإحداث تغيير منهجي أو نشارك في تسلسل أحداث عابر وحسب.

النهار 14/5/2005

عن "إنترناشونال هيرالد تريبيون"

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ