ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين  01/12/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حضور هناك وغياب هنا

فهمي هويدي

تملكني شعور بالغيظ والحزن حين قرأت مقالاً لأحد الكتاب الاميركيين دعا فيه الى ترشيح فتاة عمرها الآن 13 عاماً لرئاسة الولايات المتحدة في عام 2044. أول ما خطر ببالي حين قرأت المقال انه بعد النجاح المفاجئ الذي حققه أوباما فإن كل من هب ودب في الولايات المتحدة اصبح يتطلع الى منصب الرئيس. الفتاة اسمها تاليا ليمان، وهي تلميذة بالصف الثامن بولاية «ايوا»، وحكايتها التي رواها كاتب المقال نيكولاس كريستوف تتلخص في الآتي: عندما ضرب اعصار كاترينا ولاية «أورليانز» في سنة 2005 كانت تاليا تبلغ من العمر عشر سنوات، وقد اثر فيها الحدث لدرجة انها حثت زملاءها الاطفال على ضرورة العمل على مد يد العون الى ضحايا الاعصار.

وتحمس الاطفال للفكرة حتى بدأوا حركة لجمع التبرعات من سكان الولاية لهذا الغرض، لفت تحركهم انظار كثيرين وبدأ الناس يتجاوبون مع حملة الاطفال، وظهرت تاليا في برنامج تلفزيوني (تو داي) مما اوصل فكرتها الى قطاع اوسع من الناس، ومكنها من جمع عشرة ملايين دولار لمصلحة ضحايا الاعصار. وقد شجعها النجاح الذي حققته على تأسيس حركة باسم «راندوم كيد» (أقرب ترجمة لها هي عطاء الجيل)، جعلت مهمتها مساعدة الحركات الاجتماعية الشابة في ترتيب الحملات وجمع الأموال لمصلحة المشروعات التنموية.

من خلال حركة «راندوم كيد» اصبح بمقدور الشباب ان يساهموا مع الآخرين في الانشطة الخيرية المشتركة، فقد نظمت الفتاة حملة على موقعها لبناء مدرسة بمنطقة عشوائية في كمبوديا، وساهم في تمويل هذه الحملة أطفال من 48 ولاية اضافة الى 19 دولة، في الوقت ذاته فإنها تعمل مع مجموعة من أطفال المدارس في سبع ولايات اميركية اخرى على تزويد القرى الأفريقية الريفية بالمياه العذبة، وهي ضيفة دائمة على المدارس الأخرى التي تطوف بها لمخاطبة تلاميذها والترويج لمشروعها. وبسبب الفكرة التي أطلقتها والنجاحات التي حققتها فإن منظمة «يونيسيف» للطفولة احتفلت بها قبل ايام وقدمت اليها ما أسمته «جائزة نوبل للاطفال».

ذكر الكاتب ان تحرك الاطفال نموذج للطاقة الكامنة في المجتمع القادرة على إحداث التغيير، وهناك آخرون الى جوارهم يتحركون في الاتجاه ذاته مستنهضين همم الشبان والفتيات لكي يشاركوا في مختلف الانشطة الخيرية التي من شأنها ان تنهض بالمجتمعات الفقيرة وتقف الى جوار المعوزين في أي مكان في العالم. وفي ظل هذه الإمكانات التي وفرتها ثورة الاتصال فإن هذا الدور مرشح للتنامي خلال القرن الواحد والعشرين، الأمر الذي سوف يفرز قيادات من نوع جديد، ستكون تاليا ليمان واحدة منهم بامتياز، وقد اعطاها صوته من الآن في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في العام 2044.

لعلك أدركت الآن سبب الغيظ الذي ينتاب واحدا مثلي وهو يقرأ هذا الكلام ويجد نفسه مدفوعاً الى المقارنة. صحيح أن بيننا من يدعي أنه صوت بدوره لانتخابات الرئاسة المصرية في العام 2044، إلا أن ما يعنيني شيء آخر هو الذي سرب اليّ الشعور بالحزن، ذلك أن تلك الحيوية التي دفعت الأطفال وليس الكبار وحدهم الى التحرك لمحاولة إغاثة ضحايا الاعصار وتقديم العون الى المجتمعات الفقيرة في العالم، هي ذاتها التي عرفتها مجتمعاتنا الاسلامية يوماً ما حين كان صغار المزارعين والتجار والمهنيين والحرفيين ينافسون كبار الملاك في وقف الأراضي على أعمال البر وخدمة المجتمع، وهو ما كشف عنه الدكتور ابراهيم غانم في دراسته حول «الأوقاف والسياسة في مصر» التي بينت ان اكثر من 90% من أوقاف الصعيد و80% من أوقاف الوجه البحري قدمها أولئك «الصغار»، وهي الظاهرة التي تراجعت كثيراً بعد ثورة عام 1952 ضمن ما تراجع من حضور للمجتمع امام تغول السلطة التي لم ترحم ولا تركت رحمة الله تنزل بالناس.

ـــــــــــــ

المصدر : الدستور المصرية 28/11/ 2008

-------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ