ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء  12/11/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التمدين.. كلمة السر لتنصيرهم بالاكراه

الهنود الحمر...بين قبول النصراني أو التعذيب والإبادة

ستيفن هاير وكيفن رود

تعرّض الهنود الحمر لحملات إبادة جماعية في مناطق واسعة من القارة الأمريكية، وفرض المستعمر القادم من خلف البحار لغته وقيمه ونظام حياته وديانته على من بقي حياً منهم.. وإدراك ما قامت وتقوم به البعثات «التبشيرية» (التنصيرية) لتحويل الهنود الحمر وغيرهم من الشعوب قسراً للديانة النصرانية أمر من الصعب فهمه على غير المتابع، لما تقوم به المؤسسة الكنسية لجلب أتباع جدد، خاصة أنهم يستخدمون كافة الوسائل غير الشريفة لتحقيق أهدافهم، وينفذها رهبان وراهبات!

ويأتي اعتراف الحكومتين الأسترالية والكندية بجزء مما كانتا تقومان به لـ«تمدين» سكان البلاد الأصليين وتنصيرهم، محاولة لطلب الصفح من الضحايا وراحة لضمير غاب طويلاً، ومحاولة للفت الأنظار عمّا قامت وتقوم به قوات الدولتين ضد المدنيين في أفغانستان والعراق.

وقدمت الحكومة الكندية رسمياً اعتذارها لمواطنيها الأصليين عن الجرائم التي ارتكبتها بحقهم، وأعلن «ستيفن هاربر» رئيس الوزراء الكندي في خطاب ألقاه في البرلمان الكندي عن أسفه لما جرى لهم في القرن الماضي.. وجاء هذا الاعتذار بعد شهرين من إجراء مماثل قدّمه رئيس الحكومة الأسترالية «كيفن رود» لمواطني البلاد الأصليين عن الجرائم ذاتها، ولكن ما ميّز الموقف الكندي عن نظيره الأسترالي أن الحكومة الكندية تعهّدت بدفع مبلغ ملياريْ دولار لإنهاء ملف القضية، فيما كان الاعتذار الأسترالي بلا مقابل.

وبذلك تكون الحكومة الكندية قد قامت بموقف جريء يُسجَّل لصالحها، واعترفت رسمياً بجريمة الإبادة، التي حاول الكثير من المشاركين فيها إنكارها لعقود طويلة.

وقد انقسم الهنود الحمر في تقييمهم لخطاب «هاربر» الاعتذاري، حيث رحب بعضهم به وتلقاه البعض الآخر على مضض، إذ نقلت وسائل الإعلام الكندية كلمات عن أحد الهنود الحمر قال فيها: «لقد سامحت من أساء إلي خلال عشر سنوات، فكيف لا أسامح الحكومة؟»، فيما نقلت عن هندي آخر قوله: «كيف أسامح من حرمني رؤية طفلي لمدة عشر سنوات؟ وعندما عاد إلى بيته لم أستطع التحدث معه فقد كان يتكلم الإنجليزية فيما كنت أنا أتكلم لغة قومي».

 

جذور القضية

 

وتعود جـــذور القضية إلى أواخر القرن التاسع عشر حين تبنّت الحكومة الكندية قراراً لـ«تمدين ودمج المواطنين الهنود الحمر (سكان البلاد الأصليين) في المجتمع».. وتحت تأثير الكنائس صدر عن مجلس النواب الكندي عام 1857م ما سُمِّي «قانون الحضارة التدريجي»، الذي اعتبر الهنود «أناساً غير متحضرين، عديمي المعرفة بالآلة».

وفي عام 1884م أصدر المجلس النيابي قانوناً آخر، تقوم الحكومة بموجبه بالإنفاق على مدارس داخلية خاصة تُنشأ خصيصاً لتمدين الهنود، على أن يتولى إداراتها مسؤولون تعينهم الكنائس، وكان هدف الحكومة الكندية كما أعلنته «دمج فئات من مواطنيها الأصليين بالمجتمع بعد تهيئتهم لذلك».. إلا أن بعض دعاة حقوق الإنسان وجدوا أن القانون الحكومي يهدف أساساً إلى الإبادة المنظمة لشعب كمجموعة عرقية لها خصائصها، وتحويله قسراً إلى النصرانية.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل توالى إصدار القوانين التي كان من أهمها قانون صدر عام 1920م نصّ على إلزام كل طفل هندي الالتحاق بالمدارس الداخلية (التنصيرية) فور بلوغه سن السابعة، ومن يمتنع عن إرسال أبنائه إلى المدرسة يتم سجنه.. وقد بلغ عدد المدارس التي أُنشئت لتلك الغاية أكثر من مائة مدرسة، وكان تصميم تلك المدارس يشبه تصميم معسكرات الاعتقال الجماعي، أما هياكلها الإدارية فكانت أشبه بالهياكل العسكرية وليس بإدارات مؤسسات تربوية!

وكان الرهبان عموماً مديري تلك المدارس، وكانت صلاحية المدير شاملة، وليس لأحد مراجعته في شيء، فهو في النهاية ممثل الكنيسة، إذ شملت صلاحيات المدير ولاية أمر الأطفال الهنود الحمر فهو المسؤول الأول والأخير عنهم، وله فعل ما يشاء فيما يتعلق بهم.

كان الالتحاق بتلك المدارس إجبارياً وفق القانون، وكان يتم اختطاف الأطفال الـــذين يرفض ذووهم التضحية بهم، ونقلهم إلى المدارس، كما كان يتم التفريق بين الأخوة والأقارب، وتوزيعهم على مدارس متباعدة لقطع أي تواصل بينهم.

ولم يكن الأهالي على علم بالمدارس التي يُجبَر أطفالهم على الالتحاق بها، وعند معرفة البعض بها بعد بحث طويل كان الرهبان يساومونهم على رؤية أبنائهم بالتنازل خطياً عن أراضيهم، أو أجزاء منها، أو يطلبون منهم دفع مبالغ مالية كبيرة، وأحجار كريمة، ومعادن ثمينة، أو قطع من الفراء غالي الثمن.

 

شهادات بعض الضحايا

 

وتنفيــذاً لسياسة التمدين والدمج القسري؛ تعرض الأطفال الهنود من الجنسين لاعتداءات لا يمكن للعقل البشري تصورها، خاصة إذا ما مُورست ضد أطفال.. وما سيرد ذكره هو شهادات واقعية أدلى بها الضحايا أنفسهم، ومدرسون مارسوها عادت إليهم ضمائرهم لاحقاً، ومدرسون عايشوها ورفضوا ممارستها وأعلنوا انسلاخهم عن الكنيسة بسببها، ومفتشون تربويون وصحيون طُرِدوا من وظائفهم لحديثهم عنها.

وما أُُدلِي به من معلومات يبقى قليلاً، فيما الكثير من المعلومات ما زال محفوظاً في سجلات الكنائس، وملفات الشرطة، رغم محاولات إخفائها.. ورغم الصمت الطويل، نشرت وسائل الإعلام الكندية تلك الشهادات، بعد أن ظهرت معلومات تشير إلى نيّة الحكومة الاعتذار عمّا حدث.

فالأطفال في المدارس الداخلية كانوا يتعرّضون لأقسى العقوبات لأدنى سبب، فالتحدث باللغة القومية، أو رفض الأوامر، أو عدم الرغبة في تناول نوع معين من الطعام، وحتى التبول اللاإرادي في الفراش، كان يعرّضهم لعقوبات جسدية عنيفة، فيما كانت عقوبة الهروب من المدرسة، أو رفض التعبّد وفق تعاليم الكنسية تصل إلى حد الإعدام!

جرائم ضد الإنسانية: وشملت العقوبات الضرب بكل الوسائل المتاحة، فقد كان يتم الضرب بالأيدي، وأرجل الكراسي، والطاولات، وبالعصي، وقضبان الحديد، وبالسياط، وكان الطلبة يتعرضون لوخز الدبابيس في ألسنتهم، وآذانهم، وأعضائهم التناسلية!

وكان الطلبة يتعرضون أيضاً للخنق بالأيدي، وللتسميم، وللصعق بالكهرباء، وللإلقاء من النوافــذ، والأسطح، ومن أعالي السلالم، وكان يتم معاقبتهم بوضع رؤوسهم في حُفَر المراحيض، وإجبارهم على أكل الفضلات البشرية، وكان البعض يُجبَر على قتل الأرانب، والقطط، وعلى أكلها ميّتة، كما كان يتم نتف شعر رؤوسهم، وسحلهم على أرضيات إسمنتية، وسجنهم في الخزائن، والطوابق تحت الأرضية لأيام وأسابيع، دون طعام، أو شراب، أو السماح بقضاء الحاجيات في الأماكن المخصصة لــــذلك!

وتعرض العديد من الطلبة للرمي في النار، وللدفن وهم أحياء، بعد إجبارهم على حفر قبورهم بأيديهم، وكثيراً ما تعرض الطلبة للتجويع، وللوقوف حفاة الأقدام على الجليد لساعات طويلة، أو حتى الموت!

وكان خلع الأسنان عقاباً متعارفاً عليه بين القائمين على تلك المدارس، كما كان الشنق عقاباً منتشراً في الكثير من المدارس، بل ولجأ القائمون على المدارس الداخلية إلى جمع الجثث، وإجبار الطلبة على المرور أمامها؛ في محاولة لزرع الرعب في نفوسهم.

وكانت إدارات المدارس الداخلية تقوم بتأجير الطلبة للمزارعين للعمل في الحقول، وجني بدل أتعابهم، كما كان الطلبة يُجبَرون على القيام بأشغال شاقة تمتد حتى 16 ساعة في اليوم، وكان يتم بيعهم لشبكات الدعارة التي تتاجر بالأطفال!

 

فئران تجارب

 

وتقول الشهادات الرهيبة التي نشرتها صحف ومنظمات كندية: إنه تم تحويل الطلبة إلى «فئران تجارب طبية»، وأجرى العديد من الباحثين والمؤسسات البحثية تجاربهم عليهم، وأدى هذا إلى تعرض الطلبة للإشعاعات، والتسمم بغازات سامة، لدراسة تأثيرها على الكائنات البشرية. وكان يتم تعريضهم قصداً للأمراض المعدية، وكثيراً ما تعرّض الأطفال لسرقة الأعضاء، سواء لإجراء تجارب طبية، أو لبيعها!!

وشاركت المؤسسات الأمريكية نظيراتها الكندية في حروب الإبادة للهنود الحمر، وكتبت الصحف الكندية بعد طول صمت عن قيام مكتب التحقيق الأمريكي، وجهاز المخابرات الأمريكية، بإجراء تجارب طبية، وبيولوجية، ونفسية، وطرق التحكم بالتفكير وتوجيهه لصالح المؤسسة العسكرية الأمريكية.

وكان يتم التغطية على الجرائم المرتكبة بتزوير الوقائع، والوثائق، والمراسلات، أو إتلافها، وقتل الشهود، وشراء ذمم القضاة، والضحايا. وقد بلغ عدد الضحايا الــذين قضوا نتيجة مشاريع التنصير القسري أكثر من 50 ألفاً من الأطفال، أما عدد من عانى معنوياً وروحياً؛ فقد زاد عن مئات الآلاف.

 

دور الكنيسة

 

وقد لعبت الكنيسة كمؤسسة دوراً أساسياً في مشروع «تمدين الهنود ودمجهم» في المجتمع، من خلال تأهيلهم، وتنصيرهم، ومن ثمَّ الوقوع في هذه الجرائم، حيث تقاسمت الكنائس الرومانية، والكاثوليكية، والمتحدة، والمثديولوجية، والبرسبتيريانية ضحاياها من الهنود الحمر.

وعارضت الكنائس قانوناً حاول النواب الكنديون تمريره عام 1938م؛ لإلغاء قانون «تمدين الهنود» بعد انتشار صور من الجرائم التي يرتكبها الرهبان والراهبات بحق الطلبة الهنود.

لم يكن ذلك بالجديد على الكنيسة ورجالها، فرائحة الفضائح التي تفوح بها جرائمها من نيوزيلندا وأستراليا شرقاً حتى الولايات المتحدة وكندا غرباً تزكم الأنوف.

ولا ينفك بابا الفاتيكان «بنديكت السادس عشر»، الــذي يتهجم على الإسلام ويتهمه بشتى الاتهامات، عن تقديم الاعتــذارات عما قام به رهبان كنائسه في مشارق الأرض ومغاربها حتى غلبت هـذه الاعتـــذارات على مواعظه.

والأدهى من ذلك أن ينبري بعض رجال الكنيسة ويصفوا تلك الأعمال بالبطولية، ويثنوا على الرهبان والراهبات الــذين ضحوا في سبيل تنصير الهنود الحمر، ولكنهم يقفون عاجزين أمام دموع امرأة هندية حمراء، فقدت ابنتها بعد أن ألقت بها راهبة من نافــذة غرفة من الطابق الثالث، فيما كان يُسمَّى بالمدارس الداخلية!

ــــــ

المصدر : مجلة المجتمع 25/10/2008

-------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ