ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 30/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

28&29-03-2013

القمة العربية وإخراج سوريا من الانفصال

رضوان السيد

الشرق الاوسط

29-3-2013

قبل خمسين عاما بالضبط خرجت سوريا من دائرة الإرادة الوطنية والعربية بانقلاب 8 مارس (آذار) 1963. وقد عُمِّي الأمر يومها لبعض الوقت، لأنّ القائمين بالانقلاب كانوا ينقلبون في الظاهر على الذين صنعوا الانفصال عن مصر عام 1961، وأنه كان بينهم ضباط بعثيون وناصريون.

انقلاب عام 1961 أراد إعادة سوريا إلى محلياتها بين المدينة والريف، وبين المدني والعسكري. وانقلاب عام 1963 بعد أن انفرد به البعثيون أراد تثبيت فصل الشام عن مصر، وإحلال «الطليعية» التقدمية، محلَّ جمهور الشارع الوطني. فالعجيب أن لا يكون بالجيش العربي السوري في مطلع الستينات وحدويون وتقدميون إلاّ من أبناء الأقليات العِرقية والدينية واللغوية.

والعجيب أنّ الفريق أمين الحافظ الرئيس السني بعد «ثورة» عام 1963 أراد «قهر» جمال عبد الناصر بالإغارة على إسرائيل فورا بدلا من وضع استراتيجيات وتحويل مياه نهر الأردن «وغير ذلك من السخافات»!

وعندما تمردت حماه للمرة الأولى عام 1964، أراد الفريق الحافظ إظهار إخلاصه للقرمطية الصاعدة فأمر بقصف الجامع الذي لجأ إليه المحتجون في أحياء حماه الداخلية! بيد أنّ «غيرته» هذه على الثورة التقدمية العلمانية التي لا تتردد أمام هدم المساجد على مَنْ فيها، ما حمتْه من طرد زملائه له، واضطراره للجوء أخيرا للعراق لعند صدّام حسين وأتْباع «القيادة القومية» مع ميشال عفلق ومنيف الرزاز وآخرين!

وهكذا وخلال خمسين عاما من «ثورة» 8 آذار المجيدة (مثل اليوم المجيد للأمين العام لحزب الله، فهو احتل بيروت، والآذاريون عام 1963 احتلوا دمشق!). مر الحكم في سوريا العربية بثلاث مراحل: مرحلة الصراع مع جمال عبد الناصر إبقاءً على الانفصال لأنه يريد «وحدة مدروسة» - ومرحلة الصراع مع العراق البعثي تبريرا للوجود في السلطة من أجل استيعاب أو تصفية «المقاومات» العربية في فلسطين وغيرها - والمرحلة الثالثة: تبرير الوجود تبريرا كاملا بإجراء ترتيبات مع أميركا وإسرائيل، امتدت منذ السبعينات وإلى رحلة أوباما الأخيرة إلى إسرائيل قبل أيام!

لقد استترت الانفصالية التقدمية دائما بستار الراديكالية والتطرف في الانتصار للعروبة. حتى عندما نافس صدّام حسين حافظ الأسد على هذه السلْعة التي كانت مُربحةً لدى الجمهور يومَها، سارع الطليعيون في سوريا إلى اعتبار أنفسهم تقدميين يساريين واعتبار الآخرين يمينا رجعيا. بيد أنّ هذه الراديكالية التقدمية ما مورست تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، بل مورست تجاه العراق الصدّامي، وتجاه الشعوب العربية في سوريا وفلسطين ولبنان.

وقد عشنا نحن في لبنان مأساة الشعبين الفلسطيني واللبناني مع حافظ الأسد ونظامه، ومع بشار الأسد وسياساته. فقد كان الفلسطينيون والسوريون حتى عام 2010 يُحْصون ضحايا نظام الأسد من الشعوب الثلاثة بـ150 ألف قتيل، و300 ألف معتقل. ولدينا الآن تقارير وقصص كثيرة من السجون والمعتقلات التي قضى فيها زهرة شبان سوريا وشيوخها عشرات الأعوام. كما أنّ لدينا عشرات التقارير عن مذبحة حماه عام 1982، لكننا لا نملك تقارير عن مذابح «فرع فلسطين» في الاستخبارات السورية، ولا تقارير عن أعمال «مخابرات الطيران» وهما الفرعان الأكثر هَولا في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وحتى اليوم. أما عندنا نحن في لبنان؛ فإنّ أكبر الجرائم السورية ارتُكبت تحت عنوانين: عنوان العمالة لإسرائيل بالنسبة للمسيحيين، وعنوان العرفاتية والاستسلام للعدو بالنسبة للمسلمين. وبعد الطائف، ومشاركة حافظ الأسد في الحرب على العراق، ما عاد النظام السوري بحاجةٍ للاستتار بأي شيء. ولذلك كانوا يقولون لنا في التسعينات (بمن في ذلك عبد الحليم خدام): كل من لا يقف مع المقاومة المنحصرة في حزب الله، ونبيه بري، فهو عدوٌّ لسوريا الأسد لأنه لا يقول بتحرير الأرض، وتحرير فلسطين. وعندما انسحب الإسرائيليون من جنوب لبنان عام 2000، اعتبر سوريو الأسد أنّ إسرائيل غدرتْ بهم إذ أسقطت ذريعة بقائهم في لبنان. ثم اخترعوا ملفّ مزارع شبعا ونسوه بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، وهم منذ ذلك الحين يستندون في الإبقاء على سلاحهم إلى عامل «الردع» الذي من أجله لن يجرؤ العدو الصهيوني على الإغارة على لبنان!

لقد ضحكتُ كثيرا عندما سمعتُ بيانات التلفزيون السوري على أثر جلوس المعارضة السورية في مقعد سوريا بالجامعة العربية. فقد صاروا إلى التفرقة بين العروبة (التي هم وُلاة أمرها بزعمهم)، والأعرابية البدوية. وقد سمعتُ هذه النغمة منذ الثمانينات خلال الحرب العراقية الإيرانية. فقد طرد السوريون وعملاؤهم كل السفارات العربية من لبنان باستثناء سفارة الجزائر، وصاروا يُعيّروننا بأننا من الأعراب، بينما هم من أتباع ثورة إيران الإسلامية وولاية الفقيه. ولولا الرئيس الأسد - كما قالوا - لما تنازلوا وظلُّوا يسمُّون أنفسهم عربا! وهكذا وفجأةً صار الأسد وأعوانه في سوريا ولبنان والعراق عربا أما الآخرون فهم بَدْوٌ وأعراب.

المهمَّ في ذلك كلِّه، أنهم لا يريدون أن يكونوا جزءًا منا؛ إذ لو اعترفوا بذلك لما كان من حقّهم الاستئثار بالسلطة لنصف قرن، ولما أمكن لهم أن يقتلوا مئات الألوف، ويشردوا الملايين من بني قومهم. ولذا فالأَولوية للاحتفاظ بالسلطة بالقوة وليس بالاسترضاء، ما عدا ثلاث أو أربع سنوات في بداية عهد حافظ الأسد. حتى إذا دخلت لحظة ضعفٍ لأي سبب، احتاجوا إلى جانب القوة لتعليل أفضليتهم علينا نحن «السواد الأعظم» من العامة والهوام. والتعليلات تختلف باختلاف الحقبة. في الأول العروبة والسعي للوحدة، ثم التقدمية، ثم الاعتدال والتنوير، ثم ثقافة المقاومة، ثم العلمانية والحداثة في مواجهة الإرهاب والتشدد والأُصولية. وهم على استعداد لتقاسُم السلطة مع الإيرانيين ومع الأميركان ومع الإسرائيليين ومع الدب الأحمر، والمهم أن لا يكون بين المقبلين على المطالبة واحدٌ أو أكثر من أبناء الأكثرية السورية أو العربية.

لا شكّ أنّ المشكلات التي تواجهها سوريا وثورتها كبيرةٌ وكثيرة، بيد أنَّ أهمَّها أو أصعبها في موازاة إعادة البناء العمراني والسياسي: الخلاص من هذا الوعي الطليعي والأقلوي المزيَّف والمتعاظم دون داعٍ ودون مستقبل. فلا يمكن لي أن أقبل منك السيطرة علي لأنك أقليةٌ إثنية أو لغوية أو دينية وأنك خائفٌ من فظاعات الأكثرية. وكيف صِرْتَ أنت الذي تكاد لا تعرف العربية ولا تقاليد العيش في مجتمعاتنا التاريخية، عربيا مدنيا، وأنا الباني والمعمِّر وصانع الحضارة لك ولغيرك أعرابيا بدويا؟!

تحيةً للشعب السوري في عهده الجديد، عهد الحرية والكرامة والعروبة. لقد تأخرت الجامعة العربية، لكنها صحّحت أخيرا التاريخ من أجل وضع المستقبل في الوجهة الصحيحة.

================

تناقض روسيا وإيران في سورية ولبنان

وليد شقير

الجمعة ٢٩ مارس ٢٠١٣

الحياة

تستمر مواقف روسيا وإيران، اللتين تخوضان معركة إطالة عمر النظام السوري في لعبة عض الأصابع وليّ الأذرع مع دول الغرب، في إثارة الدهشة والاستغراب لكثرة تناقضها وعدم انسجامها.

وإذا كان قرار القمة العربية منح مقعد سورية للائتلاف الوطني السوري وإتاحة المجال أمام أي من الدول العربية لتسليح المعارضة السورية، استدرج ردود الفعل من موسكو وطهران، فإن ما صدر عنهما لا يؤدي سوى الى تثبيت الانطباع عن مدى التناقض في مواقفهما.

موسكو كانت قالت مع بداية الأزمة السورية إنها ترفض تدخل الغرب في سورية وإنها مع الحوار بين أطرافها، وأيدت خريطة الطريق التي رسمتها الجامعة العربية حول الحوار وإرسال المراقبين العرب، ثم حين قرر أركان هذا الحل العربي تعليق عضوية سورية في الجامعة لرفض الرئيس السوري بشار الأسد التعاون مع بنوده التي صدرت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، اعتبرت القيادة الروسية أن هذا القرار غير مفيد. وخلال السنتين الماضيتين لعبت موسكو على أرجوحة عدم تمسكها بشخص الأسد بل اهتمامها بمصير سورية، كما صرح الرئيس فلاديمير بوتين، ثم على مقولتها بأن الحل السياسي على أساس خطة مجموعة العمل في جنيف لا يعني تنحي الأسد.

وحين صدر قرار القمة العربية الأخير، رأت أن تسليم مقعد سورية الى الائتلاف «غير مشروع». فموسكو ترفع الفيتو في المنظمة الدولية على القرارات الهادفة الى استخدام الضغط على النظام كي يسهّل الحل السياسي وتريد منع منظمة إقليمية مثل الجامعة العربية من ممارسة هذا الضغط ولا تنوي الوقوف على الحياد وترك الدول العربية تختبر قدرتها على الدفع نحو هذا الحل، ولا تريد التدخل الخارجي الذي تبيحه لنفسها بتسليحها النظام وجماعته وغضها النظر عن تدخل جهات أخرى في مقدمها إيران و «حزب الله»، وتنكر على الدول العربية هذا الحق.

أما طهران، فمنذ بداية الأزمة وقفت ضد التدخل الأميركي والغربي ودعت الى «تعاون بين دول المنطقة» لإيجاد حل للأزمة السورية. وفي كل مرة كانت «دول المنطقة»، سواء عبر الجامعة العربية أم عبر التعاون التركي – العربي، تطرح الحل السياسي الذي يقود الى رحيل الأسد، تعلن هي، بالنيابة عن الأسد أنه باقٍ في السلطة وسيترشح للرئاسة عام 2014، ثم تتبنى شرطه وقف دعم الدول العربية للمعارضة بالمال والسلاح مستهزئة بالوقائع المكشوفة عن قتال «الحرس الثوري» الإيراني في مناطق عدة من سورية وكذلك «حزب الله»، وعن تمويلها لحرب الأسد على شعبه، كأن هذا ليس «سابقة خطيرة»، فيما قرار الجامعة العربية ينطبق عليه هذا الوصف وفق الخارجية الإيرانية.

التناقض في مواقف كل من الدولتين صفة تعبّر عن الاستهزاء بالآخرين، أخذ ينسحب على الموقف من الوضع اللبناني. الاستهزاء مفهوم بالنسبة الى طهران لكنه غير مفهوم بالنسبة الى موسكو لأنه خطير.

الثلثاء الماضي ردت الخارجية الروسية عدم الاستقرار اللبناني الى جملة عوامل منها التوتر على الحدود التي «تستخدمها المعارضة السورية وأنصارها في لبنان لنقل المقاتلين والأسلحة». لا تشير الخارجية الروسية الى مرور مسلحي «حزب الله» عبر الحدود ومشاركة مقاتليه في الصراع العسكري داخل سورية. فهل تبرر موسكو بذلك للطائرات الحربية السورية ولمرابض المدفعية قصفها الأراضي اللبنانية؟ وهو أمر يتناقض مع موافقة موسكو على بيان مجلس الأمن الصادر في 14 الجاري الذي ابدى «القلق من الحوادث المتكررة عبر الحدود التي سببت ضحايا بين اللبنانيين، ومن التوغلات داخل الأراضي اللبنانية وتهريب الأسلحة» وانتهى البيان الى دعوة اللبنانيين الى التزام النأي بالنفس والامتناع عن التورط في الأزمة السورية وتطبيق إعلان بعبدا بالحياد.

أما الموقف الإيراني فيدعو الى الريبة حول ما تنويه طهران بعد استقالة الحكومة، التي كانت اليد الطولى في تشكيلها وقيادة الأكثرية فيها، لـ «حزب الله». فالحزب اعتبر أن «ليست الحكومات التي تصنع الاستقرار بل التوافق الوطني هو الذي يحدد شكل الحكومات ومضمونها وأداءها»، مؤكداً إصراره على معادلة «الجيش والشعب والمقاومة». وهو أمر يعاكس تماماً ما تشكلت على أساسه الحكومة المستقيلة. ففي عام 2010 أطاح الحزب حكومة «التوافق الوطني» برئاسة سعد الحريري بحجة الإتيان بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي لأنها في رأي طهران «تحقق الاستقرار وحماية المقاومة وهذا أهم من التوافق الوطني»، كما أبلغت طهران حينها من يعنيهم الأمر. فهل هذا يعني الاستغناء عن تشكيل حكومة جديدة وإبقاء لبنان في الفراغ إذا لم يأت خصوم الحزب في لبنان الى التوافق الذي يريده هو وإيران في خضم الذروة التي بلغتها الأزمة السورية؟

خطورة تناقض الموقفين الروسي والإيراني تكمن في أنهما يكشفان الوضع اللبناني على انخراط كامل في هذه الأزمة.

================

المواقف من الأزمة السورية تعيد رسم خريطة المنطقة

راغدة درغام

الجمعة ٢٩ مارس ٢٠١٣

الحياة

عناوين وصف القمة العربية الـ24 التي عقدت في الدوحة هذا الأسبوع تعكس الانقسام العميق حول ما يحدث في سورية وحول دور قطر في رسم نهج التغيير في المنطقة العربية. فالدوحة تسلمت رئاسة القمة لسنة قد تكون من أهم السنوات في المرحلة الانتقالية. وقطر ما زالت اللغز الذي يحاول حله أو استفهامه ربما كل عربي وغير عربي، باستثناءات قليلة. أمام قطر سنة امتحان عسير قد لا يقيها من مطباته أسلوبها الجريء الذي يتعمّد الاستفزاز والألغاز. إنما ما بين اللغز والإرث مسافة وعلاقة مصيرية ليس فقط لدولة قطر وقيادتها غير التقليدية وإنما أيضاً لمنطقة تمر في مرحلة هشة ومصيرية على السواء. لذلك، من الحكمة أن تتخذ القيادة القطرية قرارات تخلو من نكهة البدعة وأن تحاول التفاهم مع الشعوب العربية على أسس الوضوح. فاللغز ليس سياسة بمستوى جدية الحدث الضخم الذي يهز المنطقة منذ أن أتى التغيير إليها باسم «الربيع العربي». والغموض – بناّءً كان أو مدمراً – ليس سياسة يتقبلها الناس وهم على أرجوحة التساؤلات والقلق. فإذا كان هدف النهج الجديد هو حقاً احترام حقوق الناس، كما تقول القيادة القطرية، أن أولى محطاته يجب أن تكون في بذل الجهد الصادق لتبديد الشكوك في الغايات القطرية والعمل الحقيقي للتعرف إلى أسباب انعدام الثقة بالأجندة القطرية، لمعالجتها. هذا إذا كانت الدوحة راغبة حقاً في توظيف رئاستها لفتح صفحة جديدة تطوي تكتيك الغموض للقفز على أوتار المعادلات الإقليمية والدولية لغايات تخدمها. وقد لا ترغب. فإذا ارتأت الدوحة أن لا داعي لشرح ما في ذهنها طالما تفعل ما تشاء، لن تتخلى عن أسلوبها المعهود. وسيكون ذلك قراراً محزناً.

قمة الدوحة أثارت عناوين متضاربة فوُصفت بأنها قمة «تشريع الفوضى السورية... والعربية» و «سلب مقعد دمشق». ووصفت أيضاً بأنها قمة «احتضان الثورة السورية وعلمها» و «تشريع تسليح المعارضة السورية» وقمة «مقعد دمشق». أحد العناوين وصفها بأنها جزء من «استبدال القومية العربية بالإسلام السياسي»، فيما اعتبرها عنوان آخر قمة «إقرار حق الدول في تسليح المعارضة».

لا خطأ في أن يكون هدف القمة العربية إعادة إعمار سورية بعد كل هذا الخراب المريع. ويستحسن كثيراً أن يتم تنفيذ إنشاء صندوق للقدس ببليون دولار. ليس عيباً أن يُستخدم النفوذ المالي ضد تسلط الحزب الواحد وإطلاق الحكم الراشد. ومن البديهي أن تحتاج قوى المعارضة إلى دعم مالي إذا كان القرار السياسي تسليحها. بل إن الحاجة حقاً ماسة لضخ المال في مداواة جرح ووجع اللاجئين والمشردين السوريين وهم ربع سكان سورية.

واضح أن القرار والنفوذ في رسم خريطة المنطقة العربية بات الآن في أيدي دول في مجلس التعاون الخليجي. قطر بالذات تمتلك الآن رئاسة القمة العربية مما يعطيها شرعية النفوذ، وهي تملك الأموال الطائلة مما يعطيها أدوات النفوذ، وهي تملك الجرأة غير التقليدية مما يوفر لها الركن الثالث البالغ الأهمية في أركان النفوذ والإقدام على القرار.

ما تملكه أيضاً هو إرث الانقسام العميق في أوساط الدول العربية وما يترتب على ذلك الانقسام من خصوم وأعداء. فالدول التي عارضت أو تحفظت على إعطاء مقعد سورية إلى المعارضة في قمة الدوحة دول غاضبة رضخت. فالعراق مخنوق في تمزقه الداخلي، والجزائر ملهية في أولوياتها الداخلية – وهاتان أقوى الدول المتحفظة وزناً ونفوذاً، تقليدياً.

جامعة الدول العربية أيضاً تقع في بطن الانقسام إذ باتت في رأي كثير من أعضائها الغاضبين موضع استفراد دول مجلس التعاون. في وسع أمين عام الجامعة نبيل العربي أن يُشهر في وجه منتقديه أن التطور النوعي في مواقف الجامعة في السنتين الماضيتين هو الذي أخرجها من قمقم إملاء الأنظمة وجعلها تتسم بالجرأة والإقدام لا سيما من أجل رفض التفرج فقط عندما تسفك أنظمة الدول دماء الناس في ليبيا أو في سورية على السواء. دور الجامعة سيكون تحت المجهر مكبَّراً بأضعاف أثناء السنة المقبلة بسبب رئاسة قطر للقمة، ولذلك يجب أن تتحلى بالشفافية والحكمة والإصرار على رفض الانقياد وراء أسلوب اللغز والغموض. فإذا دعمت الجامعة للتوجه إلى الأمم المتحدة لدعم حصول «الائتلاف الوطني» السوري على مقعد دمشق في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على الجامعة أن تكف عن التذمر مما تفعله أو لا تفعله الأسرة الدولية أو مجلس الأمن، وأن تستبدل اللوم بإستراتيجية الإقدام.

مشهد الوفد السوري في مقعد سورية في قمة الدوحة برئاسة معاذ الخطيب، وأمامه علم الثورة السورية، بجانبه ووراءه «موزاييك» من الشعب السوري بتنوع طوائفه وأثنياته، وإلى يساره امرأة، كان مشهداً نوعياً معنوياً وسياسياً وكان أيضاً فريداً في مسيرة الثورات العربية التي انطلقت مع ولادة هذا العقد. فمعظم صور القيادات التي ولّدتها تلك الثورات تكاد تخلو من التنوع وبالتأكيد من النساء. بل إن صبغة الإسلامويين على الحكم وعزمهم على احتكار السلطة والاستفراد بصنع القرار جعل من الانتخابات سلعة رخيصة لإلقاء القبض على الديموقراطية من أجل تحريفها وتشويهها لتخدم غاياتهم الأصلية – امتلاك السلطة وفرض الحكم باسم الدين. قطر متهمة بأنها هي التي تقوم برعاية صعود الإسلامويين إلى السلطة وبالذات «الإخوان المسلمين»، ولذلك هناك انعدام ثقة بقطر في صفوف الحداثيين والمدنيين والعلمانيين في تونس ومصر وليبيا وسورية وأينما كان. رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم حاول أثناء مؤتمره الصحافي بعد قمة الدوحة أن يطمئن بأن بلاده تدعم الجيش المصري وليس تسلط «الإخوان» في خطوة لافتة لكن السياسة القطرية برمتها تحتاج إلى الشرح، وإلا فإنها ستبقى موضع تشكيك وثقة ضائعة مهما لعبت من أدوار مهمة في إطاحة أنظمة الاستبداد.

ففي كل موضوع، هناك لغز قطري. في الموضوع الفلسطيني، مثلاً، تستخدم قطر نفوذها ومالها تارة لترقية «حماس» وتوجيه صفعة إلى السلطة الفلسطينية، وتارة لتدفع إلى مصالحة فلسطينية – فلسطينية في مصر، وكذلك باتخاذ قمة الدوحة قرار إرسال وفد إلى واشنطن للدفع بالعملية التفاوضية مع إسرائيل وإحياء «المبادرة العربية» في العاصمة الأميركية.

في موضوع إيران أيضاً هناك تضارب وبعض الالتباس الذي يتطلب الإيضاح. فللدوحة علاقة عميقة مع طهران منذ سنوات قبل المسألة السورية. قنوات الاتصال بين قطر والجمهورية الإسلامية الإيرانية تبقى مفتوحة والدوحة ترى أن النظام الأمني في منطقة الخليج يتطلب تواجد طهران ضمنه.

وهناك توافق سعودي – قطري كامل في الموضوع السوري يصب بالتأكيد في المحطة الإيرانية في نهاية المطاف نظراً للعلاقة الإيرانية العضوية مع النظام السوري ومع «حزب الله». فأولوية السعودية وقطر الآن هي تغيير النظام في دمشق. وليس صدفة أن قمة «المقعد» في الدوحة التي صفعت النظام في دمشق رافقها الكشف في الرياض عن قيام السلطات السعودية بالقبض على خلية تجسس تتورط فيها إيران.

وسواء رفضت هذا القرار أو استسلمت أمامه، فإيران أمام قرار خليجي، سعودي – قطري بالذات، بأن لا تراجع عن الإصرار على تغيير النظام السوري. قد تود الدوحة تطويق المغامرة الإيرانية في سورية عبر الحوار، شأنها شأن واشنطن، لكنها لن تحيد عن عزمها على عدم التعايش مع ما تريده طهران وهو بقاء نظام بشار الأسد في السلطة. ماذا ستفعل طهران؟ هوذا السؤال الأكبر.

فبينما تخضع إيران لعقوبات اقتصادية لن تتمكن روسيا من التعويض عنها في نهاية المطاف، تطفو الجرأة الخليجية مرتبطة بالقدرة على ضخ المال. وهذا يعطي قوة غير مسبوقة للخليج ستنعكس تماماً حيث معركته مع إيران، في الخاصرة السورية. فالهدف واضح عند دول الخليج الآن، وهو تغيير خريطة المنطقة من خلال تغيير خريطة النظام في سورية.

ما هي الاستراتيجية الخليجية نحو سورية في شقها اللبناني والأردني والعراقي؟ الرد على هذا السؤال فيه طيّات عديدة، منها ما هو جدي ومنها ما يفتقد حقاً الجدية الضرورية.

قد ترغب دول الخليج أن تقرّب الأردن منها بصورة جذرية لكنها ما زالت تتبنى الأسلوب المعهود القائم على تقطير المعونات بدلاً من الالتزام باستراتيجية تضع الشركاء في مرتبة واحدة.

دول الخليج تود أن تفك لبنان عن الهيمنة السورية – الإيرانية، لكنها تبدو هائمة بين التوعد والوعود. ليس لدى هذه الدول وضوح – أو تنفيذ – لتعهدات معالجة أزمة اللاجئين السوريين في لبنان والذين هم في أشد الحاجة إلى المعونة. هناك وعود عائمة، والوعود لا تشكل سياسة جدية إن بقيت بلا تنفيذ.

المعركة على سورية بين دول في مجلس التعاون الخليجي وبين إيران يجب ألاّ تكون عشوائية. فالحديث المطلوب ليس بين الولايات المتحدة وإيران بقدر ما هو بين دول الخليج وإيران. هناك قنوات اتصال بين الدوحة وطهران يجب أن يتم تفعيلها من أجل إقامة حديث ما، هدفه تحييد لبنان حقاً عن السقوط في الهاوية السورية.

لعل هذا الحديث يؤدي إلى كلام المصارحة بأن إيران الآن تملك القرار السياسي في بغداد، بإقرار وقبول أميركي به، إذا وافقت طهران على فك قبضتها عن سورية. فواشنطن ليست غائبة كلياً عما يحدث في منطقة الشرق الأوسط مهما بدت تتأرجح على القرارات. الرئيس باراك أوباما رعى المصالحة التركية – الإسرائيلية بتزامن مع نقلة نوعية في المصالحة التركية – الكردية. وزير خارجيته جون كيري قفز بزيارة مهمة إلى بغداد لإبلاغ رئيس الحكومة نوري المالكي بأن مباركة بقائه في السلطة مرتبطة بإقفاله حدود العراق مع سورية بدلاً من تسهيل الخروقات الإيرانية لأجواء العراق لإيصال إمدادات عسكرية إلى النظام في دمشق.

إنه التموضع مجدداً، إقليمياًَ ودولياً، من أجل رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط الجديد. كفة الميزان أتت لتسليط الأضواء على التحرك الأميركي والخليجي والتركي، لكن زعماء «البركس» بدورهم اجتمعوا وسط استقطاب يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن جداً ناجحاً فيه، أقله الآن، وحتى إشعار آخر.

================

سورية بين احتمالات التفاوض والتشظي

طلال الميهني *

الجمعة ٢٩ مارس ٢٠١٣

الحياة

أعلن في الثالث من شهر آذار (مارس) الجاري عن تأسيس «الحلف الديموقراطي المدني» كمحاولة لكسر جمود الاستعصاء الأليم في المشهد السوري، والتحضير لتفاوض مأمول يتم الإعداد له. فمع الاعتراف بأن «مفاتيح الحل» قد خرجت من أيدينا نحن السوريين لتغدو في عهدة تـوافق دولي بين القوى العظمى، ومـع كل محـاولات التـشويش التي تـسعى إلى إعـاقة مثل هذا التوافق، إلا أن مؤشرات عدة تدل على أن التفاوض، كضرورة سورية وصدى لإرادة دولية متنامية، قد يكون عنوانـاً للمرحلة المقبلة. ولكن هل السوريون مستعدون؟ وما هي الأطراف التي ستشارك؟ وعلى أي أساس ستشارك؟ وكيف؟ ولماذا؟

تصطدم مثل هذه الأسئلة بمعضلات أساسية وسمت المشهد السوري وسلوك اللاعبين الأساسيين فيه على مدى عامين: العنف الذي بدأته السلطة التي لا يمكن لها أن تستوعب وجود أصوات معارضة لها، والعنف المضاد للعنف السلطوي وما تلاه من صراع مسلح، وتعدد الأطراف الخارجية الفاعلة ذات المصالح المتضاربة، وحالة التصحر السياسي وغياب المبادرات الجدية ما أدى بالنتيجة إلى استنزاف لمقدرات البلاد البشرية والمادية.

من هنا جاءت فكرة تأسيس «الحلف الديموقراطي المدني» الذي ضم «تيار بناء الدولة السورية»، وعدداً من قيادات ومكونات «هيئة التنسيق الوطنية»، وبعض القوى والشخصيات السياسية المستقلة. وهذا «الحلف» ليس قطباً، أو حكومةً، أو بنيةً تنظيميةً، أو جسداً سياسياً بالمعنى الشائع للكلمة، وليست الغاية منه ادعاء تمثيل «الشعب».

ولعله من الأدق وصف «الحلف» كمظلة تجمع تحتها الأطراف المعارضة التي تؤمن بفكرة التفاوض كخيار مفتوح للحل، بغض النظر عن اختلافها في التوجهات الإيديولوجية، أو ممارساتها السلمية أو المسلحة. وعليه لا يترتب على الأطراف المنضوية في «الحلف» أي مسؤوليات في المرحلة الحالية، حيث تحتفظ بمواقعها وتمارس نشاطها المعتاد، إلا أنها تتوافق على أن تكون طرفاً في عملية التفاوض في حال تم إطلاق مثل هذه العملية وفق ضمانات دولية معينة.

باب المشاركة في «الحلف» مفتوح لمن يرغب من القوى والشخصيات السورية من دون استثناء أو إقصاء، وهناك دعوات يوجهها «الحلف»، ومحادثات يجريها مع كتائب مسلحة ومجموعات مدنية في الداخل السوري. كما عمد «الحلف» إلى التواصل، وبشكل غير رسمي، مع أطراف في «الائتلاف» مع أنباء عن توافق أولي معها.

ومنذ أيام أنهى ممثلون عن «الحلف» زيارة ناجحة إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث عرضت خريطة طريق مفصلة للمرحلة المقبلة نشر ملخص لها على صفحات الإنترنت وفي الإعلام، كما ستتلو هذه الزيارة جولات دولية وإقليمية إلى موسكو وعدد من العواصم العربية وغيرها. التفاصيل النهائية غير واضحة بعد، ويتردد أنها ستشمل، على الأرجح، تفاوضاً غير مباشر في عاصمة يتم الاتفاق عليها، مع تقديم ضمانات دولية، والتوافق على برنامج مبدئي لحكومة كاملة الصلاحيات، مع جعل مؤسسة الرئاسة مؤسسة ثانوية خلال فترة التفاوض، يتلوها التنحي عن موقع رئيس الجمهورية، وتسليم قيادة الجيش إلى مجلس عسكري مشترك من المنشقين وبعض قيادات الأركان، بما يمهد لإعادة مؤسسة الجيش إلى حضن الوطن، وتحييدها عن الصراعات الإيديولوجية والسياسية.

تلتقي هذه التحركات مع تصريحات الشيخ معاذ الخطيب التي دعا فيها النظام إلى التفاوض، وإلى استعداد المعارضة للتخلي عن السلاح (إذا استطاعت مواصلة طريقها من دونه)، محذراً من تغلغل الجماعات المتطرفة التي لا تخدم مصلحة البلاد. ومع أن النظام قد رد ببعض التصريحات الإعلامية، وعين رئيس وزرائه كمفاوض عن السلطة، إلا أنه لم يبد أي إشارات جدية على المستوى العملي، حيث لا يزال آلاف الناشطين معتقلين في أقبية الاستخبارات، في ظل استمرار المداهمات والاعتقالات واستهداف المدنيين.

ويزداد تعقيد المشهد السوري بوجود أطراف تتبع أجندات غير وطنية أو عابرة للحدود محسوبة على المعارضة أو النظام. حيث تسعى هذه الأطراف إلى فرض قناعاتها بالعنف والجور، ما يدفعها إلى رفض التفاوض من حيث المبدأ، من دون تقديم أي بدائل، في استهتار بفداحة الخطب وعمق الأزمة، وانعكاس لخواء سياسي يدفع السوريون ثمنه من دمائهم. ومن المتوقع أن تصعد هذه الأطراف، التي ستبقى مبدئياً خارج دائرة التفاوض، من عنفها خطاباً وممارسةً، خلال الفترة المقبلة، كرد فعل على اقتراب الاستعدادات للتفاوض. ويمكن أن نلمس هذا التصعيد منذ الآن من خلال الأنباء المريعة التي باتت تتحدث مؤخراً عن استخدام صواريخ سكود والسلاح الكيماوي، والإعلان عن «معركة دمشق»، والتفجيرات الإرهابية التي زاد تواترها وهي تضرب المدن والبلدات السورية (آخرها تفجير جامع الإيمان وسط دمشق)، والمحاصرة الخانقة لأحياء ومناطق كاملة (كما هي الحال مثلاً في حمص والغوطة الشرقية).

يهدف التفاوض إلى تغيير في النظام السياسي، وكبح لتدهور الأوضاع عبر تهدئة تدريجية للعنف تعتمد وقف إطلاق النار مناطقياً، أي مع مراعاة خصوصية ومكونات كل منطقة. لكن أخذاً بتشابكات المشهد السوري في الاعتبار، وبما أصاب الجسد السوري من تهتك، يبدو من الجلي أن الوضع أعقد من أن يحل في سياق عملية تفاوضية. إذ لا يمكن للتفاوض أن يضمن نهاية سحرية وفورية، في ليلة وضحاها، لما تعانيه سورية من فوضى عنفية، ومن المتوقع أن تستمر ميليشيات محسوبة على النظام والمعارضة المسلحة في قتالها العبثي، إضافة إلى عصابات من المجرمين والخارجين عن القانون ممن يستفيد من الوضع القائم، لتشكل هذه العناصر في مجموعها عبئاً ثقيلاً على البلاد لسنوات مقبلة. أما الوصول إلى الاستقرار المأمول فيستدعي رؤى واضحة بعيدة المدى، وبرامج وطنية، وحاضناً اجتماعياً، وعملاً دؤوباً.

منذ أسابيع صرح الأستاذ لؤي حسين، رئيس «تيار بناء الدولة السورية»، بأنه «لم يعد أمام سورية سوى بضعة شهور قبل أن تتفتت»، في إشارة إلى أن سورية في حاجة إلى مبادرات شجاعة وقابلة للتطبيق العملي لحمايتها من التشظي، وإلا فالبلاد ما عادت تحتمل المزيد من العنف، والاستعصاء، والعنتريات، والكلام الخطابي والعاطفي. فقد وصل القتل والدمار إلى مستويات مؤلمة، وباتت البلاد ساحة مفتوحة تعبث بها قوى كثيرة، وتقاتل فيها أطراف عدة بناء على تصورات لا تمت بصلة إلى الوطنية السورية. ومع عجز السلاح عن حسم الأمور، وازدياد معاناة المدنيين، وارتفاع عدد الضحايا، وخراب البلاد بين حملات التطهير والتحرير، يغدو المشهد السوري، في الذكرى الثالثة لانطلاقة الحراك الشعبي، محتاجاً إلى عمل جدي ومسؤول ورصين يضع حداً للعنف المجنون والدم المراق، ويضمن التغيير كأولوية إنسانية ووطنية.

* كاتب سوري

================

احتجاجات اللاجئين السوريين في الخارج

2013-03-29 12:00 AM

الوطن السعودية

لم تكن أحداث الشغب التي جرت في أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا أمس، شيئا جديدا. فقد تكررت مثل هذه الأحداث في جميع مناطق وجود اللاجئين السوريين في دول الجوار، خاصة في الأردن وتركيا، وحدث أكثر من اصطدام بين قوات الأمن في الدولة المضيفة وبين بعض اللاجئين الذين كانوا يحتجون على الظروف المعيشية الصعبة في المخيمات، لكن الجديد هو العدد الكبير(حوالي 600) من اللاجئين السوريين الذين تناقلت بعض وكالات الأنباء خبر ترحيلهم من تركيا إلى الحدود السورية بعد اشتباكات جرت بينهم وبين قوات الأمن التركية في المخيم احتجاجا على الظروف المعيشية السيئة التي يعاني منها اللاجئون.

ولا بد هنا من النظر إلى القضية من منظارين: منظار الضيف ومنظار المضيف. فمن ناحية، لم يترك هؤلاء اللاجئون السوريون بيوتهم ويرحلوا مع أطفالهم لأنهم اختاروا أن يفعلوا ذلك. هؤلاء خرجوا بعد أن تعرضت قراهم ومدنهم إلى القصف فاضطروا للخروج بحثا عن الأمن والأمان، تاركين وراءهم كل ما يملكون من متاع هذه الحياة. وهم يلجؤون إلى إخوتهم في الدين، ومن حقهم أن يظنوا بهم خيرا. وبالتأكيد فقد استقبلت هذه الدول اللاجئين، وأمنت لهم بعض ما يحتاجونه من طعام ومسكن، لكن المؤكد أن ذلك لم يكن كافيا، فقد كانت هناك تقارير صحفية ودولية كثيرة عن سوء الأوضاع الإنسانية التي يعيشها هؤلاء اللاجئون من كل النواحي، بما في ذلك سوء خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، لذلك ليس من الغريب أن يحتج هؤلاء اللاجئون، مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية، وعلى الدول المضيفة أن تستوعب غضبهم، وتحسن من أوضاعهم قدر الإمكان بدل أن تعيدهم إلى النار التي هربوا منها أصلا.

ومن ناحية ثانية، على اللاجئين أن يستوعبوا أنهم ضيوف على البلد الذي حلوا فيه، وبالتالي عليهم أن يتحلوا بأخلاق الضيف وأدبه، فهذه الدول تقتطع من لقمة عيش شعوبها لتوفر لهم ما أمكن من طعام وشراب ومسكن، لكن إمكانات هذه الدول قد لا تسمح لها بالإنفاق دون حساب، خاصة أن عدد اللاجئين يزداد كل يوم بالمئات، وقد تجاوز عدد اللاجئين في دول الجوار بحسب آخر التقارير مليون لاجئ.

إن على الطرفين كليهما أن يستوعبا آلام وظروف الطرف الآخر حتى يمكن تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة للاجئين، إلى أن يتم حل الأزمة في سورية ليعودوا إلى وطنهم شاكرين آمنين.

================

صمت السوريين على خراب سوريتهم

2013-03-28

القدس العربي

وصل الأسد إلى الحكم دون أن يكون له خبرة في أمره، فقد كان يُعدّ نفسه قبل موت أخيه لأن يكون طبيب عيون. ولم يُعرف عنه بعد تسلمه مهام أخيه أي صفة فارقة. كل ما كان معروف عنه أنه ابن أبيه. وكان يشفع له شبابه الذي مثّل للسوريين بارقة أمل في تغيير نظام من أبشع الأنظمة العربية وأكثرها رعونة وتغوّلاً لدرجة تحكمه في كل ما يتصل بحياتهم.

تولى السلطة بدعم من مخابرات أبيه. وبدأ مسيرته التي قادت البلاد إلى وضع أسوأ من الوضع الذي كانت عليه يوم وفاة أبيه. وأدار السياسة الخارجية بالحماقة أكثر منها بالعقل، انتهى إلى علاقات سيئة مع الدول العربية الرئيسية، مصر والسعودية، وأصبح رهينة لإيران.

تجاهل نصائح من حوله ونصائح أصدقاء الأمس. الكل قالوا له إنه 'ما هكذا تؤتى الإبل'! ولكنه أصر على حكاية مؤامرته بالرغم من تكذيبها الضمني من نائبه 'الحردان' في تصريحه الأخير والوحيد منذ ثلاثة أشهر عندما قال لجريدة الأخبار اللبنانية ' في بداية الأحداث كانت السلطة تتوسل رؤية مسلح واحد أو قناص على أسطح إحدى البنايات، الآن السلطة وبكل أذرعتها تشكو ـ حتى إلى مجلس الأمن الدولي ـ كثرة المجموعات المسلحة التي يصعب إحصاؤها ورصد انتشارها'. وكذلك اضطر رئيس وزرائه للانشقاق عنه لقصفه المدنيين بلا ذنب أو رحمة. وحتى وزير خارجيته الذي قَبِلَ في آخر زيارة إلى موسكو بالتحاور مع المعارضة المسلحة فعاد الأسد وسحب البساط من تحت قدميه مضيفاً شرط إلقاء المعارضة لسلاحها، أي أنه لا يريد لا حواراً ولا شيء غير القتال الصبياني الشرير.

بالأمس زار الأسد وزوجته احد المعاهد التعليمية وعزى الأمهات بمن فقدن وأبدى ألمه وحسرته، وفي اليوم التالي كان عيد الأم حيث لم يتوقف القصف المدفعي والجوي في ريف دمشق وعموم سورية لتبكي أمهات أولادهن وليلعنوه إلى يوم الدين، فكل من يموت هو ثمناً لبقائه في السلطة أو تنحيه عنها. ولكنه يُنكر ذلك ويقول إن المقصود هو سورية، فعن أي سورية يتحدث الآن! عن سورية التي كانت أم عن سورية التي قد لا تكون؟

أدخل الأسد سورية في مأساة لم تشهد مثلها لا في تاريخها القديم ولا الحديث. مرت على سورية جيوش مستعمرة كثيرة ولا يذكر التاريخ أنها جلبت عليها خراباً بقدر الخراب الذي جلبهُ عليها، وهو سيدخل تاريخ سورية باعتباره أفظع مخربيها. استعمل ضد السوريين أسلحة محرمة دولياً وهو يستعمل ضدهم الآن السلاح الكيميائي! (ولمن يشك بذلك فعليه تذكر من يستخدم صواريخ سكود ضد المدنيين!) لقد جن جنونه وكأنه لم يعد يملك أي فرصة للبقاء أو النجاة. إنها حماقة الولد المدلل.

الحلقة تضيق حوله وتضيق جداً. فقدَ أكثر من نصف جيشه بين قتيل وجريح ومنشق أو هارب. فرقه العسكرية في حالة عجز كامل، ومجموع الجنود الذين يقاتلون معه لا يزيدون بحال من الأحوال عن خمسين ألفاً. لم يلتحق بتأدية الخدمة العسكرية من السوريين إلا 10 ' من المطلوبين لأدائها! ولم يحقق أي انتصار في معاركه منذ أكثر من سنة. داريا الصغيرة الواقعة في مرمى فرقته الرابعة الشهيرة تقاومه منذ أكثر من خمسة أشهر ولم يستطع إليها سبيلا. يوسّع دائرة معاركه في محيط دمشق وهو اليوم يقصف ريفها بكل اتجاهاته في الغرب والجنوب والشرق والشمال دونما فائدة. بماذا يأمل الأسد اليوم؟ لا أمل له البتة.

لذا يحاول مرة ثانية نشر حريقه إلى لبنان والأردن لعله يجد لنفسه مخرجاً، ويبدو أن حزب الله مستعد للمغامرة ويريدها ليكون تدخله رسمياً فيفتح طريق البقاع إلى حمص. وربما يكون استخدامه للسلاح الكيميائي لإلهاء الآخرين بينما يُحرك الجبهة اللبنانية الشرقية. كأنه يستدعي الغرب للتدخل عسكرياً. عندها ستتحقق ادعاءاته بالمؤامرة. آخر شيء يُفكر فيه هو بقاء ما تبقى من سورية أو لبنان. وصل أبوه إلى السلطة وبقي فيها بدهائه وقسوته، أما الابن فقد حصل عليها دون أي جهد ولا يعرف كيف يحافظ عليها.

نور الله السيّد

================

سر الموقف الروسي من الأزمة السورية!

2013-03-28

القدس العربي

بعد مرور حولين كاملين على بداية الحراك الشعبي في سورية ومن ثم تحوله إلى صراع مسلح دموي بين النظام والمعارضة، ما زال هذا البلد يئن من فرط شراسة وبشاعة الحرب هناك، ويؤدي غاليا من دماء شعبه وبنياته وتراثه التاريخي، كما لازال صراع الفاعلين الإقليميين والدوليين محتدما ومتصاعدا في محاولة لحسم هذه المعركة المدمرة لصالحها أو في الحد الأدنى تثبيت معادلات على الأرض علها تكون مرتكزا لأي مساومة أو تسوية مستقبلية في إطار لعبة مصالح كبرى.

من الأطراف الرئيسية التي تتدخل في يوميات النزاع في سورية نجد روسيا التي تعتبر أحد أبرز اللاعبين الدوليين في المنطقة وأحد أكبر داعمي النظام السوري، فما سر كل هذا الدعم والاهتمام الذي يوليه الروس لسورية؟ وكيف تسنى لهم العودة وبهذه القوة إلى المسرح الدولي بعد سنوات من الانكفاء على الذات تلت تفكك 'الإتحاد السفياتي'؟

لقد تمكنت روسيا بعد صعود'فلادمير بوتين' إلى سدة الحكم فيها سنة 2000، من العودة إلى لعب دورها الإقليمي والدولي في محاولة منها إلى إعادة أمجاد 'الإتحاد السوفياتي' يوم كان أحد القوى العظمى على الساحة الدولية، فبعدما اتجهت السياسة الخارجية الروسية إبان انهيار 'الإتحاد السفياتي' إلى التخلي عن مجموعة من مواقع نفوذها، والدخول في علاقات تطبيع مع الغرب أدت إلى إغراقها في الديون وارتهانها للغرب، أدركت القيادة الروسية ضرورة التخلي عن هذه السياسة والعمل على حماية مصالحها الإستراتيجية، لتبرز من جديد على الساحة الإقليمية والدولية يدفعها في ذلك ثلاث عوامل أساسين:

- يتمثل العامل الأول في العائدات الضخمة الراجعة من صادرات الطاقة ومبيعات السلاح، والذي مكن روسيا في زمن وجيز من تجاوز مشاكل مرحلة الانتقال من اقتصاد اشتراكي صارم إلى اقتصاد لبرالي منفتح وما ميز هذه المرحلة من فوضى وتقهقر اقتصادي وفساد.

- العامل الثاني يتحدد في ممارسات الولايات المتحدة الأمريكية والغرب تجاه روسيا، خصوصا قضم المحيط الإستراتيجي لروسيا عن طريق توسيع رقعة حلف 'الناتو' باستقطاب مجموعة من الدول التي كانت تشكل حلف 'وارسو'، ونصب دروع صاروخية فيها،و كذا محاولة ضمه لدول 'الاتحاد السفياتي' السابق، واتخاذ قرارات تهم الحرب والسلم الدولي بمعزل عن رأي ومصلحة روسيا.

- أما العامل الثالث فيتجسد في انحسار وتراجع قوة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قطبا وحيدا للعالم،نتيجة حروبها الإستباقية ضد الإرهاب وتورطها في حرب غزو 'العراق' و'افغانستان' والتي دفعت فيها الولايات المتحدة أثمان باهظة.

أمام وضع دولي كهذا متسم بقيادة وحيدة للعالم، ومع تعرض المصالح ونفوذ روسيا للضياع في كثير من المناطق من بينها منطقة الشرق الأوسط، دشنت روسيا عودتها للساحة الدولية لإعادة التوازن للعلاقات الدولية وكسر الأحادية القطبية، بمجموعة من الإجراءات من أبرزها إعادة الاعتبار للمؤسسة العسكرية الروسية ومدها بأحدث الأسلحة والمنظومات الصاروخية، والاهتمام بقوتها البحرية التي يتم إعدادها لتكون ركيزة أساسية للدفاع عن مصالح روسيا أينما وجدت خصوصا في الشرق الأوسط، التي تعتبر منطقة إستراتيجية غاية في الأهمية سواء على مستوى الموقع الجغرافي الحيوي وكخزان هائل لمصادر الطاقة وأيضا كسوق كبيرة لتجارة الأسلحة والاستثمار،و بالتالي فمن هذه المنطلق البرغماتي يمكن فهم انخراط روسيا في دعم النظام السوري، فالصراع في سورية في جوهره صراع مصالح بين إرادات إقليمية ودولية ويتخطى كونه اقتتال مسلح بين نظام ومعارضة، بشكل جعل القراءة الروسية للأحداث والمتغيرات العميقة التي تعرفها المنطقة العربية عموما وسورية على وجه الخصوص، تقوم على أساس أن المنتصر في الصراع السوري سيتمكن لا محالة من رسم معالم المنطقة في الاتجاه الذي يخدم مصالحه ونفوذه، وعلى كون أنه إن لم تستمت روسيا في الدفاع عن مصالحها على أبواب دمشق ستجد نفسها مضطرة للدفاع عنها ولكن هذه المرة على أبواب موسكو. وعليه فإنه بناء على هذا المقترب فقط يمكن فهم الدعم الروسي لنظام 'بشارالأسد' واستعمال روسيا لحق النقض في مجلس الأمن لقطع الطريق عن أي تدخل عسكري غربي مباشر في الأحداث الجارية في سورية، ودعوة المسؤولين الروس لإيجاد حل سلمي للأزمة وبدأ حوار بين جميع الأطراف بدون شروط مسبقة، وغير ذلك من الدعم العلني والخفي الذي تمد به روسيا النظام السوري.

محمد الخليفي - المغرب

================

تركيا والاعتذار الإسرائيلي: لا عزاء للاسد.. مشعل الحرائق!

صبحي حديدي

2013-03-28

القدس العربي 

الحرائق، التي توعد بشار الأسد جواره العربي والإقليمي باشتعالها في حال المساس بنظامه، تواصل الانقلاب إلى وبال على ذلك النظام ذاته، من جانب أوّل؛ كما أنها، في جانبها المنطقي الثاني، تُلحق الأذى بمصالح حلفائه الإقليميين، الذين يتوجب أن يكسبوا من تلك الحرائق، وفق حسابات الأسد. المثال قبل الأحدث كان مشروع المصالحة بين السلطات التركية وحزب العمال الكردستاني، والذي يقول المنطق البسيط إنه سوف يسحب الكثير من أدوات اللعب بالورقة الكردية؛ والتي توهّم النظام، صحبة إيران، أنها سوف تربك موقف أنقرة من الانتفاضة السورية، وتضرّ بموقع تركيا السياسي والدبلوماسي والعسكري الإقليمي.

أمّا المثال الأحدث، فهو اعتذار إسرائيل من تركيا، حول حول الغارة الإسرائيلية على 'أسطول الحرّية'، في مياه المتوسط الدولية قبالة شاطىء غزّة، أواخر أيار (مايو) سنة 2010، والتسبب في مقتل تسعة مواطنين أتراك. وإلى جانب أنّ إسرائيل عوّدت البشرية على أنها هي التي تتلقى الاعتذارات، وليس العكس؛ وأنّ صيغة الاعتذار دُرست طيلة أسابيع، كلمة كلمة، ولم تكن بادرة ربع الساعة الأخير قبيل إقلاع الرئيس الأمريكي باراك أوباما من مطار بن غوريون؛ فإنّ شروط التسوية خلف الاعتذار، والتي تخصّ تعويض الضحايا الأتراك ورفع الحصار عن دخول الأشخاص والبضائع إلى غزّة، كانت نصراً مبيناً للدبلوماسية التركية، ولرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان شخصياً.

ذلك ما أجمع عليه المعلّقون الأتراك، خصوم 'حزب العدالة والتنمية' قبل أنصاره في الواقع؛ وما أقرّ به المعلّقون الإسرائيليون، ليس دون جرعة من المرارة هنا، أو خيبة الأمل هناك، حول سابقة كبرى في تاريخ دولة تعوّدت على الدلال، والعنجهية، والغطرسة. وكان جلياً أنّ أردوغان لم يقدّم سوى تنازل واحد وحيد، علني على الأقلّ، هو تخفيف نبرة أقواله حول الصهيونية بوصفها جريمة بحقّ الإنسانية، عن طريق التصريح بأنه إنما ينتقد السياسات الإسرائيلية في غزّة والأراضي الفلسطينية المحتلة. لكنه لم يأل جهداً في تحويل مناسبة الاعتذار الإسرائيلي إلى تشديد واضح على خيارات أنقرة الفلسطينية، إذْ حرص على اطلاع القادة الفلسطينيين، اسماعيل هنية وخالد مشعل عن 'حماس'، ومحمود عباس عن السلطة الوطنية، حول مجريات الاعتذار؛ كما أعلن عزمه على زيارة غزّة والضفة في أجل وشيك، منتصف شهر نيسان (أبريل) القادم.

وليس خافياً على أحد أنّ الملفّ السوري، في بُعده الراهن تحديداً، حيث يتقهقر النظام عسكرياً، وينعزل أو يُعزل سياسياً ودبلوماسياً، ويجرّ حلفاءه الروس والإيرانيين إلى مآزق متعاقبة؛ هو الحافز الأوّل الذي جعل هذا التطوّر الدراماتيكي في العلاقات التركية ـ الإسرائيلية ممكن الحدوث، بعد قرابة ثلاث سنوات من الانسداد. وهذا أمر لم يتردد أردوغان ونتنياهو في التسليم به علانية، ربما لإضفاء المزيد من الوضوح على صفقة مصالح مشتركة لا تحتاج عناصرها الجلية إلى أي إيضاح إضافي. وهكذا، اختار أردوغان مناسبة روتينية عابرة، هي تدشين خطّ قطارات جديد قرب قونية، لكي يقول إنّ تجديد العلاقات مع إسرائيل سوف يسرّع سقوط الأسد، كما سيعزز عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. أمّا نتنياهو فقد ذهب إلى صفحته الشخصية على الـ'فيسبوك'، لكي يقرّ بأنّ 'من المهمّ لتركيا وإسرائيل، اللتين تشتركان في الحدود مع سورية، أن تكونا قادرتين على التواصل، وذلك لمواجهة تحديات إقليمية أخرى، أيضاً'.

المرء، هنا، يعود بالذاكرة إلى مفارقة شهدها ختام العام 2009، حين تمنّى الأسد، في تصريح إلى صحيفة 'حرييت' التركية، أن تتحسن العلاقات بين تركيا وإسرائيل، لأنه 'إذا رغبت تركيا في مساعدتنا في موضوع إسرائيل، فينبغي أن تكون لها علاقات جيدة مع هذه الدولة'؛ وإلا: 'كيف يمكنها، في حال العكس، أن تلعب دوراً في عملية السلام 'في الشرق الأوسط؟'. آنذاك، وهذا هو الوجه الآخر للمفارقة، لم تكن تلك العلاقات تسير من عادية، إلى حسنة وأحسن؛ بل من متوترة، إلى سيئة وأسوأ. وثمة، في الموجبات والعلل ذات الأبعاد الجيو ـ سياسية الأعمق، ما كان يتجاوز بكثير رغبة الأسد في استئناف الوساطة التركية بين نظامه وإسرائيل، أو حتى الموقف التركي (المشرّف، بالقياس إلى تاريخ العلاقات بين أنقرة وتل أبيب) إزاء الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزّة.

والحال أنّ من الحكمة وضع العلاقات التركية ـ الإسرائيلية في هذا السياق الجدلي من الشدّ والجذب، ودفع الظنّ بأنّ الحكومة التركية الراهنة، بقيادة حزب 'العدالة والتنمية' الإسلامي، هي السبّاقة إلى التوتير أو التعكير. والمرء يتذكّر أنّ رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، أرييل شارون، اختار تركيا لتكون أوّل محطة شرق ـ أوسطية يزورها، صيف 2001، بعد انتخابه رئيساً للوزراء. ورغم أنّ الزيارة تمّت لبضع ساعات، فإنّ شارون سمع في أنقرة ما لا يرضيه من مضيفه رئيس الوزراء التركي حينذاك، بولند أجاويد. ولقد أوضح الأخير أنّ سياسة شارون ليست سوى 'وصفة لإراقة الدماء'، وطالب بنشر مراقبين دوليين، وأدان تدمير الاقتصاد الفلسطيني والبنية التحتية، واعتبر أنّ الحصار الذي تفرضه الدولة العبرية على الفلسطينيين سوف يشجّع على ردود الأفعال العنيفة وحدها.

من جانبه اختار شارون التلميح إلى ما تملكه الدولة العبرية من أوراق ضغط على أنقرة، و... أوراق خدمات أيضاً: 'إنّ لدى تركيا بعض المشاكل التي يمكننا أن نساعد في حلّها إذا طُلب منّا ذلك. ولكن في المقابل فإنّ على تركيا أن تساعدنا لاستعادة الأمن في المنطقة، لأنني أؤمن بالعلاقات المبنية على تبادل المصالح'. كذلك اختار شارون الابتزاز العاطفي والديموغرافي، حين ذكّر مضيفه التركي بأنّ مقتل 145 إسرائيلياً خلال أشهر انتفاضة الأقصى يعادل، في النسبة إلى عدد السكان، مقتل 1500 مواطن تركي! وفي جولة التوتر تلك، رغم ذلك كلّه، كانت مباحثات وزير دفاع الدولة العبرية آنذاك، دافيد بن أليعازر، أفضل حظاً مع الجنرالات الأتراك!

استمرار حال الشدّ والجذب مردّه، أيضاً، أنّ المجال الحيوي الجيو ـ سياسي الذي تسعى تركيا إلى التحرّك في نطاقه هو المجال الآسيوي الاسلامي والعربي، وذلك رغم مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أو ربما بسبب جمود تلك المساعي تحديداً. ذلك لأنّ تركيا تظلّ العضو الوحيد الخاضع لفترات 'تمرين' و'اختبار' مطوّلة، وابتزازية بعض الشيء، قبل الانضمام إلى النادي الأوروبي، وتلك هي الرسالة المضمرة في تلميحات الساسة الإسرائيليين إلى إمكان مساعدة تركيا في حلّ مشاكلها. وليس من الحكمة السياسية أن تفسد تركيا صلاتها السياسية والتاريخية والثقافية بهذا المجال الحيوي، لمجرّد كسب ودّ إسرائيل؛ وفي المقابل، لا تملك إسرائيل هامش حركة ملموساً داخل المجال إياه، إذْ ما تزال جسماً غريباً مرفوضاً.

هنالك، أيضاً، جملة الاعتبارات التاريخية والثقافية (الدينية بصفة خاصة)، التي تجعل المضيّ أبعد في التحالف التركي ـ الإسرائيلي خياراً 'غير شعبي' إذا صحّ القول، بمعنى أنه قد يلقى رفضاً واسعاً من جانب الشارع التركي العريض، بدرجة قد لا تختلف كثيراً عن رفض الشارع الإسرائيلي له. جدير بالاستذكار، هنا، أنّ رئيس الوزراء التركي الأسبق مسعود يلماز (الذي استخدم تعبير 'الشراكة الستراتيجية' في وصف العلاقات التركية ـ الإسرائيلية)، كان هو الحريص، أثناء زيارة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، خريف 1998، على إعلان نيّة الحكومة التركية تسليم السلطة الوطنية الفلسطينية مجموعة صكوك عثمانية تثبت امتلاك الفلسطينيين لمساحات هامّة من الأراضي الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، والتي يزعم المستوطنون أنها أملاك قانونية لهم.

وعلى سيرة 'الأملاك القانونية'، في صيف 2004، عُقدت قمّة ثنائية بين رئيس وزراء النظام السوري آنذاك، محمد ناجي العطري، ونظيره التركي أردوغان، شهدت توقيع أولى الاتفاقيات التجارية النوعية بين البلدين؛ كما شهدت 'اتفاقاً من نوع ما'، سرّياً، حول لواء الإسكندرون السوري، الذي تحتله تركيا منذ سنة 1938. وذاك تفصيل لفت انتباه المعلّق الأمريكي دانييل بايبس، الذي يظلّ صهيونياً متشدداً وليكودياً حتى النخاع، ليس حسرة على أرض سورية سليبة بالطبع؛ بل تنبيهاً إلى أنّ النظام السوري لا ينظر بقداسة إلى حدوده مع تركيا، ويمكن استطراداً أن تكون هذه حاله مع حدوده الجنوبية، في الجولان المحتل. والأرجح أن بايبس كان، أيضاً، يربط بين زيارة العطري تلك، وزيارة أخرى إلى أنقرة سبقتها بساعات قليلة، قام بها إيهود أولمرت، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك!

وفي السياق ذاته، ثمة تلك الفتوى الشهيرة التي ابتدعها فاروق الشرع في شباط (فبراير) 2001، حين كان وزيراً لخارجية النظام، وسُئل عن التناقض بين دفء العلاقات التركية ـ السورية، والصمت عن ملفّ لواء الإسكندرون المحتلّ؛ فاعتبر أنّ تسوية هذه المسألة تحتاج 'إلى سنوات عديدة ربما'.

وقال الشرع: 'القضايا التي تبدو حساسة اليوم، يمكن أن تُحلّ بسهولة في المستقبل، حين تبلغ العلاقات الثنائية مستوى لا ينطوي على صعوبات. من الخطأ إيلاء الأولوية لمثل هذه القضايا، لأنّ هذا قد يؤذي التعاون في حقول أخرى. وهي قضايا سوف تُحلّ في النهاية، ولكن يتوجب أن لا ندفع باتجاهها أكثر مما ينبغي'.

ولقد أتى حين من الدهر على النظام السوري، صارت عنده هذه الـ'أكثر مما ينبغي' ليست في مقام العكس، أيّ أقلّ بكثير ممّا ينبغي، فقط؛ بل نقائض ما كان يُراد منها في الأصل، حين كانت سياسات النظام تتوهم إنابة أنقرة في التوسط مع إسرائيل، وإنابة إسرائيل في التقرّب من أمريكا، وإنابة 'حزب الله' في انتحال صفات 'الممانعة' و'المقاومة' و'الصمود'، وإنابة الجهاديين السوريين في الدخول على خطوط الاحتلال الأمريكي للعراق، وإنابة إيران في ابتزاز دول الخليج العربي، وإنابة لبنان أو 'حماس' أو الفلسطينيين أينما وكلما فاحت رائحة صفقة ما...

وفي غمرة هذه الإنابات، وسواها، لم تشتعل الحرائق في جوار، قريب أو بعيد، قدر اشتعالها في بيت النظام ذاته، وفي قلب معادلاته، السياسية والأمنية تحديداً؛ تلك التي لاح ـ طيلة أربعة عقود ونيف من عمر 'الحركة التصحيحية'، وعبر استخدام شتى الأحابيل والأضاليل والأباطيل، واقتراف الخيانات الوطنية العظمى، وارتكاب جرائم الحرب والمذابح بحقّ السوريين... ـ أنها كفيلة بحفظ بقاء النظام، وتسديد نفقات الاستبداد والفساد. فكيف لزارع الريح الصرصر، المتوعّد بإشعال الحرائق في بيوت الجوار؛ أن لا يحصد من العواصف الهوجاء إلا تلك التي تبدأ من تقويض بيته، أسوة ببيوت حلفائه!

 

' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

================

حياد الاردن الصعب في الازمة السورية

رأي القدس

2013-03-28

القدس العربي

 

تعاطي الحكومة الاردنية مع الازمة السورية وتطوراتها يمكن مقارنته بحال شخص يسير في حقل من الالغام شديدة الانفجار ويبذل جهودا كبيرا حتى لا ينفجر احدها، ويفقد احدى ساقيه او الاثنتين معا ان لم يكن اكثر.

الاردن محاط بقوى اقليمية هي الاقوى في المنطقة فهناك العراق في الشرق وسورية في الشمال واسرائيل في الغرب، والمملكة العربية السعودية في الجنوب الشرقي، ولا تمر خمس، او عشر سنوات دون ان تتفجر ازمة داخلية او تشتعل حرب في واحدة من هذه الدول او اكثر.

فعندما احتلت امريكا العراق، وتصاعدت احداث العنف الطائفي فيه، تدفق اكثر من مليون لاجئ الى الاردن، مثلما لجأ اليه الكثيرون قبل ذلك هربا من الحصار الخانق الذي فرضته الولايات المتحدة. ولا ننسى ايضا تدفق اللاجئين والنازحين الفلسطينيين على الاردن في موجات متلاحقة بفعل الحروب الاسرائيلية.

اليوم يجد الاردن نفسه يواجه المعضلة الاكبر في تاريخه الذي يمتد لاكثر من تسعين عاما كامارة ثم دولة، وتتمثل هذه المعضلة بالازمة السورية التي يمكن ان تتطور وربما في اشهر معدودة، الى حرب اقليمية او دولية يكون هو في قلبها ليس بحكم الجوار فقط، وانما بسبب تحالفاته الاستراتيجية مع قوى عربية ودولية متورطة في هذه الازمة بطريقة مباشرة.

السيد عبدالله النسور رئيس الوزراء الاردني علق الجرس بالامس، وعبر عن مخاوف بلاده بوضوح عندما قال في كلمة له في البرلمان ان بلاده لا تريد ان تكون جزءا من حرب اقليمية بسبب الازمة السورية، دون ان يوضح اكثر للمشرعين الاردنيين طبيعة هذه الحرب وكيفية اشتعالها.

الحرب قادمة دون شك، فالحلول السياسية للازمة السورية باتت احتمالاتها شبه معدومة في عملية التسليح المكثفة لطرفي الصراع، فالدول الغربية، ومعها بعض دول الخليج، تسلح المعارضة السورية، او بالاحرى غير الجهادية منها، وروسيا وايران تسلحان النظام وتدعمانه في المقابل.

ثلاث دول ستتضرر بشكل مباشر في حال تحول سورية الى دولة فاشلة غير مسيطر عليها من حكومة مركزية قوية هي الاردن واسرائيل ولبنان، ويمكن اضافة دولة رابعة اليها وهي العراق. فسورية تشهد حاليا حربا اهلية طائفية، وحربا اقليمية بالوكالة على ارضها بين دولتين هما المملكة العربية السعودية وايران، وحربا دولية باردة تسخن درجة حرارتها تدريجيا بين الولايات المتحدة من ناحية وروسيا من ناحية اخرى.

الاردن لا يستطيع ان يكون محايدا في الحربين الاقليمية والدولية في حال بلوغهما الى ذروتيهما، فهو في قلب المعسكر الامريكي ـ السعودي في مواجهة المعسكر الايراني ـ الروسي، ولكنه يحاول قدر الامكان ان لا يندفع كثيرا، وبصورة علنية في دعمه للمعسكر الاول، وتنفيذ طلباته كافة.

العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني لم يلعب اي دور في القمة العربية التي انعقدت في الدوحة، وكان بصدد المغادرة بعد الجلسة الافتتاحية، ليس لان علاقة بلاده مع الدولة المضيفة (قطر) غير ودية على الاطلاق، ولم يكن صدفة ان يعرج على المنامة قبل توجهه الى الدوحة، وانما لانه يريد ان يظهر بمظهر الحيادي، او بالاحرى غير المندفع في موقفه تجاه الازمة السورية التي سيطرت على اعمال القمة كليا.

الصداع السياسي والامني الذي يعاني منه الاردن بسبب تدفق تداعيات الازمة السورية وامتداداتها الى اراضيه، ليس فقط على شكل حوالى مئتي الف لاجئ، وانما استخدام حدوده كممر لمرور الاسلحة والمقاتلين، وتحول بعض مراكزه العسكرية الى قواعد تدريب لقوات صحوات جديدة لمحاربة الجماعات الاسلامية.

صحيح ان الولايات المتحدة قدمت 200 مليون دولار كمساعدات مالية للاردن لاستيعاب هؤلاء اللاجئين وتعويضا عن بعض الخدمات الامنية الاخرى، ولكن الازمة المالية قد تكون جزءا بسيطا من مشاكل الاردن الحقيقية التي تتجه نحو التضخم في الاسابيع او الاشهر المقبلة.

حديث رئيس الوزراء الاردني عن رفض بلاده الانجرار الى حرب اقليمية هو نوع من التمنيات، فهذه الحرب ربما تتحول وتتناسخ الى حروب وقبل انقضاء هذا العام، فاحتمالات الهجوم الاسرائيلي على ايران ما زالت كبيرة، وكذلك حال التدخل العسكري الاقليمي والدولي في سورية، فالمسألة لم تعد متعلقة ببقاء نظام الاسد او سقوطه، وانما بعملية تغيير شامل قد تكتسح المنطقة كلها، وليس لدينا شك ان السيد النسور يعرف هذه الحقائق جيدا مثلما يعرفها العاهل الاردني قبله، بحكم صلاته الوثيقة مع صناع القرار في المنطقة او في العواصم الامريكية والاوروبية.

================

المعارضة السورية.. نجاحات وإخفاقات

د. محمد عاكف جمال

التاريخ: 29 مارس 2013

البيان

مع دخول الثورة في سوريا عامها الثالث، وفشل محاولات المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي في الترويج لحل سياسي للصراع القائم فيها، وبعد أن أحبط النظام السوري مبادرة رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب، لفتح حوار مع بعض من في النظام من وجوه مقبولة لدى المعارضة.

وبعد وصول معاناة الشعب السوري إلى حدود ليس بإمكان المجتمع الدولي الاستمرار في تجاهلها، وبعد تعاظم المخاوف الدولية من تداعيات ما يجري في سوريا على الوضع الهش في كل من لبنان والعراق، طرأت تحولات كبيرة ومهمة، من شأنها أن تسرع في حسم الصراع الدائر في سوريا، الذي عجز طرفاه عن حسمه طيلة السنتين الماضيتين.

التحولات تتلخص في محورين، أولهما نجاح الجيش الحر في تحقيق انتصارات تقربه من النصر، وثانيهما، وهو الأكثر أهمية، التغير الذي حصل في الموقف الغربي حيال النزاع الدائر في سوريا.

على الجانب السياسي، حصل تطور مهم هو الأول من نوعه منذ اندلاع الثورة السورية، حيث عقد في القاهرة، في 23 مارس الجاري وعلى مدى يومين، مؤتمر للمعارضة ضم خمسين شخصية من الطائفة العلوية، أعلنوا تضامنهم مع المعارضة لإسقاط النظام، ودعوة أبناء طائفتهم لمساندة ذلك.

وهم بذلك يبعثون بأكثر من رسالة، المشترك بينها هو رفض الخلط بين الطائفة العلوية والرئيس السوري. أولى هذه الرسائل موجهة للنظام، الذي دأب على اختطاف الطائفة وعلى الافتراض في حساباته أنها تقف في صفه. والثانية للشعب السوري، ومفادها أن طموحات الطائفة هي جزء من طموحات الشعب السوري، الراغب في التخلص من النظام الشمولي الدكتاتوري.

وهي بذلك تنأى بنفسها عن الارتباط بنظام الرئيس الأسد، ولا يتحمل أبناؤها تبعات ممارساته. والثالثة للمجتمع الدولي بغية إنارة جانب طالما تعرض للالتباس، حول تفهم هذا المجتمع لطبيعة الصراع الجاري في سوريا.

من جانب آخر، قرر وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التحضيري للقمة العربية في دورتها العادية الرابعة والعشرين، منح المقعد السوري في الجامعة العربية للمعارضة السورية ممثلة بائتلاف قوى الثورة والمعارضة وبالحكومة المؤقتة التي شكلها الائتلاف.

لكن هذا النجاح السياسي للمعارضة لم يستطع أن يغطي على الانتكاسة في جانب مهم آخر، فما خلص إليه مؤتمر إسطنبول لم يكن مقبولا لدى العديد من الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية السورية، إذ لم يحظ انتخاب غسان هيتو كرئيس للحكومة الانتقالية، بدعم من الائتلاف الوطني الذي اعترض بعض أطرافه على الطريقة التي تم بها انتخابه.

ولم يحظ كذلك بدعم بعض فصائل الجيش الحر. وزادت من قتامة المشهد السياسي، استقالة معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري، في الرابع والعشرين من مارس الجاري، على قاعدة رفضه للإملاءات ومحاولات احتواء المعارضة السورية من قبل بعض الأطراف العربية، إلا أنه حضر مؤتمر القمة لاحقاً.

على المستوى الدولي، هناك تغير في موقف بعض الدول الغربية، حيث قررت هذه الدول التخلي عن حيادها وأصبحت أكثر قربا من خيار التدخل لحسم الصراع في غير صالح النظام القائم.

فقد قررت كل من بريطانيا وفرنسا تسليح المعارضة السورية، على الرغم من أن ذلك يعتبر خروجا على قرارات الاتحاد الأوروبي، المنقسم على نفسه في هذا الشأن، الخاصة بحظر تصدير السلاح إلى أي طرف من أطراف الصراع في سوريا، كما يعتبر خروجا في الوقت نفسه عن السياسة التي سبق لحلف الناتو أن أعلن عن تمسكه بها، وهي أن تحركاته لن تكون من غير غطاء دولي، معتبرا ما ذهبت إليه كل من بريطانيا وفرنسا هو مواقف فردية.

والحقيقة أن موقف هاتين الدولتين لا يثير العجب، فلديهما على خلاف بقية دول أوروبا، صلات ثقافية وعلاقات تاريخية بالمنطقة منذ مطلع القرن المنصرم، حين أسهمتا في وضع خرائطها الجغرافية بُعيد انهيار الإمبراطورية العثمانية. ولديهما ما يؤهلهما للعب دور فاعل في مستقبلها، مع تراجع الدور الأميركي بمجيء الرئيس أوباما ورغبته في التفرغ أكثر ممن سبقوه لمعالجة الداخل الأميركي ومعضلاته.

ويأتي الموقف البريطاني الفرنسي بمثابة احتجاج على استبعاد أوروبا من المشاركة في تقرير مستقبل الصراع داخل سوريا، وحصر مفاتيح حلوله بين الولايات المتحدة وروسيا. وهو موقف يضعف من دور الأمم المتحدة ومؤسساتها الشرعية، ويعيد إلى الأذهان العديد من المواقف التي أسهمت في إضعاف دور هذه المنظمة الدولية، من قبل كبار مؤسسيها وهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي.

وفي ضوء هذا التطور المهم، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي على لسان وزير خارجيتها، أن الولايات المتحدة لا تعترض على قيام بعض الدول الأوروبية بتسليح المعارضة السورية.

الولايات المتحدة رغم أنها لا ترغب في تسليح المعارضة السورية، إلا أنها من جانب آخر ترغب في نهاية سريعة لنظام الرئيس الأسد، وذلك لأنها ترى أن إطالة أمد الصراع تقدم فرصة للجماعات الإسلامية المتشددة التي تسهم في الصراع، لأن تصبح قوى لها دورها في تقرير مستقبل سوريا، وهو ما لا ترغب الولايات المتحدة والغرب حصوله.

من هذا المنطلق نرى أنها تقدم مساعدات عسكرية لا تقل أهمية عن التسليح، وهي القيام بتدريب فصائل مختارة من الجيش الحر في إحدى الدول المجاورة لسوريا، وتقوم كذلك بتزويد بعض فصائل هذا الجيش بمعلومات استخبارية دقيقة، عن وضع القوات المسلحة السورية على الأرض واتجاهات تحركاتها، لتتيح له فرصة التهيؤ لمواجهتها في الوقت المناسب بما يؤهله للتغلب عليها أو إفشال مهمتها.

ثمة أمر على جانب كبير من الأهمية لا بد من الإشارة إليه في ختام هذه المقالة، وهو أن النجاحات العسكرية التي يحرزها الجيش الحر مهما بلغ حجمها وأهميتها، لن تجلب الاستقرار لسوريا ما بعد الأسد، طالما كانت الأطر السياسية للمعارضة مهلهلة وعرضة للتمزق بسهولة.

================

هولاند يتراجع: لا تسليح للمعارضة السورية

السفير

محمد بلوط

29-3-2013

نسلّح المعارضة السورية أو لا نسلحها. لا احد يعرف جوابا فرنسيا رسميا واحدا على سؤال تسليح المعارضة السورية، من وزارة الخارجية حتى الاليزيه.

والأرجح أن مساهمة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الأخيرة للإجابة عن هذا السؤال، في مقابلة متلفزة أمس، لن تزيد الصورة إلا تشويشا عن طريقة صناعة القرار الفرنسي بشأن سوريا، لتعكس التخبط الذي تعاني منه الديبلوماسية الفرنسية إزاء مسألة جوهرية كتسليح المعارضة.

الانعطافة الأخيرة لهولاند هي الاستنكاف عن تزويد المعارضة السورية بأي سلاح. فبعد الحملة الفرنسية - البريطانية في قمة الاتحاد الأوروبي، قبل أسبوعين تقريبا، لرفع الحظر الأوروبي عن تسليح المعارضة السورية الذي «يخدم ديمومة نظام الرئيس بشار الأسد، وتسهيلا للحوار» بحسب الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته لوران فابيوس، قال هولاند «الجديد» عكس ما كان يقوله في بروكسل للأوروبيين.

وقال الرئيس الفرنسي، في المقابلة، إن «كثيرا من انعدام اليقين والوضوح لا يزال يخيم على سوريا، ولن نسلم أسلحة طالما لم نملك اليقين بان المعارضة تسيطر على الوضع، ونحن لا زلنا لا نملك أي يقين بهذا الشأن».

ويبدو الكلام الرئاسي الفرنسي على مسافة سنين ضوئية من كلام رئاسي آخر قيل أمام القمة الأوروبية بالنص إن «المعارضة السورية أعطتنا كل الضمانات المطلوبة بأن الأسلحة التي ستسلم لن تقع في أيدي الجماعات الجهادية». وشرح الرئيس الفرنسي انه طالما لم يكن لدينا ضمانات أن هذه الأسلحة ستستخدم من قبل معارضين شرعيين، بعيدين عن الإرهاب، فإننا لن نسلم تلك الأسلحة.

والأرجح أن الإطار العام للمقابلة التلفزيونية، لم يتح للرئيس التمسك بمبادرته تسليح المعارضة، خصوصا أن الرأي العام بات يستعجل خروج القوات الفرنسية من مالي، التي تقاتل جماعات «جهادية»، يملك بعضها أسلحة كانت فرنسا قد زودت بها المعارضة الليبية المسلحة في ثورتها ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي. كما أن رئيسا فقد ثقة أكثر من نصف الفرنسيين، لا يستطيع اتخاذ قرار من هذا النوع، في لحظة انهيار شعبيته، مع انعدام القدرة على ضمان وصول أسلحة فرنسية إلى جماعات «جهادية» مشابهة لتلك الجماعات التي تخوض القوات الفرنسية حربا ضدها في مالي .

ويبدو أن تعيين غسان هيتو «رئيسا لحكومة سورية مؤقتة»، قد برد حماس الفرنسيين لخوض تجربة تسليح المعارضة السورية. ونقلت صحيفة «الكنار آنشينه»، أمس الأول، عن فابيوس إبلاغه مجلس الوزراء في الاليزيه أن «قرب هيتو من الإخوان المسلمين يملي علينا الكثير من التأني قبل أن نتخذ أي قرار نهائي بشأن رفع حظر السلاح عن المعارضة السورية».

وهي المرة الأولى التي يعيد فيها الفرنسيون النظر بإسلام «الإخوان» الذي أدرج في خانة الاعتدال. وفي هذا تتابع الأجهزة الفرنسية تسليح وتدريب المعارضة السورية للبقاء في الملعب السوري، من دون حاجة إلى أي قرار أوروبي.

 

================

تحالف إقليمي لمواجهة الأزمة السورية

رندى حيدر

2013-03-29

النهار

ثمة اجماع إسرائيلي على ان المصالحة بين إسرائيل وتركيا التي رعاها الرئيس الأميركي هي اهم انجاز حققه باراك أوباما خلال زيارته لإسرائيل. لكن الواضح، أياً تكن الأهمية التي يعلقها الأميركيون والإسرائيليون والأتراك على عودة المياه الى مجاريها بين اهم حليفين استراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة، ان اعتذار نتنياهو من الأتراك بعد طول انتظار لم يأت ارضاء للرئيس الأميركي، بقدر ما كان تلبية لحاجة إسرائيلية الى عودة التعاون والتنسيق مع تركيا لمواجهة ما يجري في سوريا.

لم تعد إسرائيل قادرة على البقاء بمنأى عما يدور في سوريا وخصوصاً مع اقتراب المواجهات بين الثوار السوريين والجيش النظامي من حدودها على هضبة الجولان. ومع ان الحدود الإسرائيلية - السورية لا تزال غير مخترقة كما هو حال الحدود السورية مع الدول المجاورة، فان الوضع عليها يتغير يوماً بعد يوم، وقد انعكس هذا بوضوح على الأرض، كما على المستوى السياسي.

فعلى الأرض، نشأ واقع جديد على الحدود في الجولان، فللمرة الاولى تفتح إسرائيل حدودها لاستقبال الجرحى من المعارضين السوريين ويعترف الجيش الإسرائيلي رسمياً بانشاء مستشفى ميداني في احدى القواعد العسكرية التابعة له في الجولان يقدم المساعدة الطبية للمعارضين السوريين. وهنا تستنسخ إسرائيل مع سوريا تجربتها مع لبنان خلال الحرب الأهلية منتصف السبعينات عندما فتحت ما سمته "الجدار الطيب" على الحدود مع لبنان لتقديم المساعدة للمدنيين اللبنانيين. وفي حينه شكل هذا الجدار الخطوة الاولى نحو انشاء الحزام الأمني وقيام "جيش لبنان الجنوبي". واليوم أيضاً تسمع اصوات مسؤولين عسكريين إسرائيليين تطالب بقيام منطقة أمنية عازلة في الجولان تحت سيطرة قوى سورية قريبة من إسرائيل.

ثمة وجهتا نظر إسرائيليتان في شأن سبل مواجهة تصدع سوريا والحرب الأهلية الدائرة فيها. فهناك دعاة النأي بالنفس وعدم التدخل، لأن أي تدخل إسرائيلي في سوريا ستكون له في رأيهم  نتائج وخيمة مثلما حدث في لبنان. ويرى دعاة هذا الرأي ان الامر الوحيد الذي يبرر تدخلاً عسكرياً إسرائيلياً هو منع اتنقال الأسلحة غير التقليدية الى ايدي "حزب الله" أو تنظيمات  اخرى متشددة. ويبدو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو أقرب الى وجهة النظر هذه.

أما المقاربة الأخرى، فتعتبر ما يجري في سوريا فرصة يتعين على إسرائيل أن تستفيد منها لاقامة تحالف إقليمي مع تركيا والأردن والدول الأخرى المتضررة من عدم الاستقرار في المنطقة نتيجة الأحداث السورية، والعمل معاً لاستيعاب مرحلة ما بعد سقوط الرئيس بشار الأسد ومنع تحول سوريا دولة فاشلة أو دولة جهادية، او تقسيم سوريا دويلات طائفية.

 

================

سوريا الجديدة والدعم الأميركي

تاريخ النشر: الخميس 28 مارس 2013

فريدريك سي.هوف

الاتحاد

مستشار سابق لحكومة أوباما لشؤون الانتقال في سوريا

بالنسبة لمعظم الأميركيين تبدو سوريا كورطة كبيرة، سيكون أفضل ما يمكن عمله بشأنها، هو تركها للسوريين وجيرانهم كي يجدوا مخرجاً منها. ولكن الصراع الذي أطلقه بشار ضد شعبه، يهدد بخلق فضاء غير قابل للتحكم فيه، يتدافع فيه اللاجئون نحو الحدود، ويقيم فيه الإرهابيون قاعدة لهم، وتترك فيه المواد الكيماوية والبيولوجية من دون حراسة، ومتاحة لمن يريد الاستيلاء عليها، ويصبح فيه الكثيرون من سكان سوريا البالغ عددهم 22.5 مليون نسمة، هدفاً للاحتجاز، والتعذيب، والتشريد القسري عن ديارهم، بل وحتى الاغتيال في بعض الحالات بسبب هويتهم العرقية. على رغم عدم وجود حلول بسيطة لهذه الورطة، فإن هناك ما يمكن عمله على نحو عاجل من أجل تقليص حمامات الدم، وتجنب إمكانية تحول سوريا إلى دولة فاشلة، على النمط الصومالي.

بدأ انحدار سوريا نحو الفوضى منذ عامين على وجه التقريب، في صورة احتجاجات سلمية في مدن وبلدات الجنوب السوري الفقيرة، رد عليها بشار بإصدار الأوامر لشرطته بإطلاق النار، واعتقال المحتجين وتعذيبهم- كان من بينهم أعداد كبيرة من الأطفال.

وكان ذلك بمثابة عود الثقاب الذي أشعل نار الغضب الكامن على المظالم الاقتصادية والاجتماعية، التي سرعان ما انتشر لهيبها إلى العديد من المدن السورية، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة. ورد الفعل الدموي من جانب الأسد على الاحتجاجات كان يعكس في الحقيقة مدى الاحتقار الذي يحمله الرئيس السوري المنتمي للطائفة العلوية التي تشكل 12 في المئة من إجمالي سكان سوريا ذات الأغلبية السُنية.

وأدت هذه الحقائق الطائفية المعقدة إلى تحول مجرى وطبيعة الصراع الدائر في سوريا بطرق لا يزال يتعين إدراكها بشكل كامل في الولايات المتحدة. فعندما فضل الأسد العنف على الحوار، لجأ إلى استخدام وحدات الجيش والعصابات الإجرامية المسلحة التي كانت غالبيتها العظمى من العلويين، لقمع الاحتجاجات التي تكاثرت وانتشرت إلى معظم أنحاء سوريا. وبالتصرف على هذا النحو زج الأسد بسوريا في مرجل طائفي يتم فيه استهداف المدنيين بالعنف، والقتل الصريح، بسبب انتماءاتهم الدينية والطائفية.

وعلى الرغم من أن معارضي الأسد الرئيسيين المسلحين وغير المسلحين، مازالوا حتى الآن يحاولون جاهدين عدم ابتلاع الطعم الطائفي الذي ألقاه الأسد لهم، إلا أن الأساليب القمعية الدموية التي يستخدمها النظام دون أدنى رحمة خلقت الفرصة لظهور تنظيمات راديكالية وجهادية تتسم بدرجة عالية من الكفاءة، وبعداء شديد للطائفة العلوية في نفس الوقت، ما أفزع الأقليات الأخرى التي تعيش في سوريا، ونقل الصراع إلى مستويات عبثية من العنف الدموي.

من الأهمية بمكان على ضوء ذلك، أن يتم على نحو عاجل القضاء على هذا النظام، واستبداله بحكومة تلتزم بحكم القانون، والمواطنة، وتدعم المجتمع المدني، وتحمي الأقليات، وهو ما ينطبق لحد كبير على ائتلاف المعارضة الرئيسية للنظام- الذي اعترفت به الولايات المتحدة ودول أخرى بالفعل كممثل شرعي وحيد للشعب السوري- والذي يناقش في الوقت الراهن مسألة إقامة حكومة سورية عاملة على التراب السوري.

وأعضاء ائتلاف المعارضة يترددون حول هذا الأمر، لأنهم غير واثقين من دعم الولايات المتحدة وهو ما كان سبباً في إعلان زعيم ائتلاف المعارضة استقالته من منصبه مؤخراً.

من دون وجود حكومة غير طائفية في سوريا، حكومة تتعهد بحماية السكان المعرضين للمخاطر، وقادرة على العمل كبديل للنظام، فإن احتمال فشل الدولة السورية وسقوطها في هاوية الفوضي سيظل قائماً. وعلى الرغم من صعوبة التحديات الحالية، فإنها يمكن أن تتحول لتحديات غير قابلة للسيطرة والتحكم، وهو ما يعني أنه ليس هناك بديل عن خيار إقامة حكومة موثوقة تحل محل النظام السوري، وهو شيء لن يحدث من دون تشجيع الولايات المتحدة ودعمها السياسي، والعسكري، والمالي، والفني الذي تتردد واشنطن في تقديمه حتى الآن.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

================

برسم الصدمة والترويع!

نشر : 29/03/2013 الساعة00:00 am(GMT +2)

الغد الاردنية

محمد أبو رمان

مناقشة النواب لملف اللاجئين السوريين، وموقف الأردن من الثورة السورية، و"الحفلة العنصرية" التي تمّت عبر مجموعة من النواب تجاه الأشقاء السوريين اللاجئين، أصابتنا بحالة من الصدمة والترويع من المستوى الذي وصلت إليه خطابات بعض النواب، وطغت على صورة المجلس بأسره، لغياب الصوت الآخر، وسكوت النواب الآخرين عن هذا الطرح المخيف!

اللغة التي صدرت عن هؤلاء النواب ترعبنا! فالمهمة المفترضة البديهية لمجلس النواب هي أن يناقش، بروح عقلانية وواقعية وهادئة، هذا الملف، ويقدم ملاحظاته على السياسات الحكومية، لا أن ينفخ روح العنصرية في المجتمع تجاه الأشقاء والجيران، بل ويتبنّى بصورة كاملة دعاية النظام السوري تجاه الثورة، وينسفها بكلمات قليلة، بوصفها صناعة قطرية وسعودية وتركية، لا أنّها إرادة شعب يسعى إلى التحرر والديمقراطية والتخلص من حكم دكتاتوري مذلّ فاسد!

للأسف، هذه الأصوات، برغم أنّها محدودة ومعدودة، إلاّ أنّنا سندفع ثمناً غالياً لها من سمعتنا وكرامتنا. إذ بعد هذا الدور الكبير والمعتبر الذي قام به الأردن، رسمياً وشعبياً، في استضافة مئات الآلاف من اللاجئين، تأتي هذه الخطابات لتشوّه هذا الجانب المضيء. وهي لا تكتفي بذلك، بل تسيء لتضحيات الثوار وجهادهم التاريخي الاستثنائي خلال عامين كاملين!

بالضرورة، مثل هذه "المزايدات الفارغة" لن تقدّم أو تؤخّر على أرض الواقع، فما قمنا به هو واجب إنساني والتزام دولي قانوني وأخلاقي، وهو ما لا يمكن التراجع عنه، إلاّ بتوفير بدائل واضحة لتأمين حياة الأشقاء. أمّا قصة دعم المجتمع الدولي وموقف الدول العربية الأخرى فهي قضية أخرى، تناقش بصورة مستقلة عن حق الإنسان السوري، أولاً، في الديمقراطية والحرية، وثانياً باللجوء من آلة القتل والتدمير، وهو ما خلطه النواب للأسف الشديد، وأساؤوا لمجلسهم ولصورتنا وقيمنا!

كان بإمكان النواب والمجلس عموماً أن يقدّم أداءً سياسياً مختلفاً تماماً، بأن يناقش القضايا التي تؤرق سكان المناطق الشمالية من أجرة المنازل والعمالة، والضغط على البنى التحتية والموارد الطبيعية الشحيحة، وتقديم تصوّرات وخطوط عامة للحكومة للالتزام بها في المرحلة المقبلة. كان ذلك أجدى وأنفع، وأكرم للنواب من "الصورة البدائية" التي ظهروا عليها!

ربما يخفف من وقع هذه الصدمة القاسية في الإعلام والرأي العام المحلي والعربي، مواقف عدد من النواب بالأمس، مثل النائبين عبدالله عبيدات ومدّالله الطراونة وآخرين، بخاصة من كتلة الوسط الإسلامي، الذين دافعوا عن دور الأردن الإنساني، وطالبوا بإيجاد بدائل واقعية ومنطقية، ووجّهوا انتقادات لما يقوم به النظام السوري من جرائم بحق السوريين.

ما هو مزعج وصادم أكثر من مناقشة الوضع السوري، هي تلك الصورة التي تقدّمها الأصوات العالية من بعض النواب عن هذه المؤسسة الدستورية العريقة، وما يفترض أن تمثّله سياسياً ورمزياً، عبر اللغة والمصطلحات والسلوكيات البدائية، سواء في الجلسة المعروفة بجلسة "الأربعاء الأسود" التي كان ضحيتها رئيس الوزراء نفسه، وانتهت بالتلويح بالأسلحة، أو حتى العجز الكامل عن الارتقاء إلى مستوى الاستحقاقات السياسية المطلوبة من المجلس في التعاطي مع التأسيس لحكومة برلمانية. وأخيراً الروح العدائية تجاه الأشقاء السوريين، ولغة المزايدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع!

بتّ أجد العذر الكامل لرئيس الوزراء في طريقة تعاطيه مع مجلس النواب؛ فمثل هذا "الأجواء" تحتاج إلى "ذهنية" خاصة للتعامل معها. لكن من المحزن جداً أن يُقدَّم الشعب الأردني عبر هذه الصورة من "ممثّليه". فماذا فعل بنا قانون الانتخاب والسياسات الرسمية من تهشيم وتكسير وتحطيم ندفع ثمنه من مصالحنا ومستقبلنا وأعصابنا، ونحن نراقب هذا المشهد؟!

================

ليس من أخلاقنا إهانة الضيف

نشر : 29/03/2013 الساعة00:00 am(GMT +2)

الغد الاردنية

ياسر أبو هلالة

من حق النواب، دستوريا، أن يصفوا قمة الدوحة بالمهزلة. لكن هذا ممكن أن يقوم به أي كاتب صحفي أو بائع خضار؛ فيما النائب لا يقبل منه أن يقول كلمته ويمشي، فهو الذي يمنح الشرعية للحكومة التي شاركت في صياغة قرارات القمة، ومثل فيها الأردن على أعلى مستوى. وهذه القمة لم يُجلب لها الأردن مخفورا، وقد عبرت الدولة فيها عن رأي أكثرية الشعب الأردني الذي تُظهر الاستطلاعات من بداية الثورة السورية، وآخرها المؤشر العربي، أنه مع هذه الثورة، وأن من يقفون مع بشار الأسد بحدود 3 %.

ومن حق نواب أن يعترضوا على حكومتهم، وعلى حكومات قطر والسعودية وتركيا، وعلى معاذ الخطيب، وهذا لا يكون بالخطابات. هذه ليست وظيفة النواب الذين عليهم أن يطرحوا الثقة في الحكومة التي وافقت على الحضور، وليطالبوا بقطع العلاقات مع قطر والسعودية وتركيا، ومن فوقهم أميركا.

لكن ليس من حق النواب توجيه إهانات للاجئين السوريين؛ فهؤلاء في كل الدنيا خارج أي نزاع سياسي، ونحن ملزمون شرفا وخلقا ودينا باستقبالهم، وبالقانون الدولي كذلك.

لا يوجد بلد مثلنا فتح أبوابه للاجئين. قبل وحدة الضفتين، استقبل اللاجئين الفلسطينيين، وبعدها في العام 1967، وفي محنة سورية الأولى في الثمانينيات، وفي الحرب الأهلية اللبنانية، وفي حرب الخليج الثانية.

سورية غير؛ فرئيس مجلس النواب سعد هايل السرور الذي نختلف معه كثيرا سياسيا، يمثل نموذجا لوحدة بلاد الشام. فقد كان والده عضوا في مجلس النواب السوري، وقبل ذلك كان للأردن خمسة ممثلين في المؤتمر السوري الأول في المملكة الفيصلية. وأول من سكن عمان الشركس والشوام. وتاريخيا، وإلى نهاية الدولة العثمانية، ظل الأردن وفلسطين جزءا من بلاد الشام.

لا تقبل أبدا اللغة المهينة بحق الضيف. وهذا لا يعبر عن قيمنا، بقدر ما يعبر عن أمرين: لغة شعبوية ضد المهاجرين، موجودة في أعرق الديمقراطيات الغربية، تشيطنهم باعتبارهم عبئا اقتصاديا وسارقي وظائف. والثاني، حالة هلع لدى أنصار بشار الذين شاهدوا نهايته سياسيا، ونزع الشرعية عنه.

لقد كان حضور الوفد السوري في قمة الدوحة مهيبا، يليق بمئة ألف شهيد انتخبوه، يمثل سورية بكل تنوعها: الشيخ معاذ الخطيب، وسهير الأتاسي، وجورج صبرا، وغسان هيتو؛ رجل، وامرأة، إسلامي وعلماني مسيحي، ومسلم كردي وعربي.. الغائب هو السفاح المختبئ من الثوار، والذي لا يستطيع الذهاب إلى روسيا أو إيران.

استقال معاذ الخطيب من رئاسة الائتلاف لأنه عجز عن حماية من يمثله. وقد لقي حفاوة وهو مستقيل، لم يلقها زعيم عربي. بشار أحرق شعبه بصواريخ "السكود" وطائرات "الميغ" ولا يستقيل؛ هذا الفرق بين سورية الماضي وسورية المستقبل، ومصلحتنا في الأردن مع الشرعية العربية وشرعية الشعب السوري، ومن يقفون اليوم ضد الشرعيتين، جزء من الماضي.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ