ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 25/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

24-03-2013

إلى متى سيصمد النظام الأسدي؟

عمر كوش

المستقبل

24-3-2013

فيما تودع الثورة السورية، ثورة الخامس عشر من آذار / مارس عامها الثاني، وتدخل عامها الثالث، فإن السؤال لم يعد يتجسد فيما إذا كان الثوار سيصمدون عاماً آخر، بل إلى متى سيصمد النظام الأسدي في وجه الثورة، التي أدخلته في دائرة بركان ثائر، لن تهدأ حممه، إلا بسقوط النظام، ورحيل كافة رموزه ومافياته؟

ولعل الحديث هنا لا يدور عن مدة زمنية معينة، ولا عن التنبأ بموعد الخلاص من الاستبداد، ذلك أن نظاماً دموياً، توغل حتى رأسه في أعمال القتل والمجازر، وفي تدمير أماكن عيش الناس وأرزاقهم، وتدمير الحاضنة الاجتماعية، لا يمتلك أية فرصة في البقاء والاستمرار في الحكم، إلا بمعونة وإسناد من طرف حلفائه الروس والإيرانيين، ومن دار في فلكهم، إذ يجمع معظم المتابعين للشأن السوري على أن النظام الإسدي ما كان له أن يصمد طوال عامين أمام الثورة السورية الشعبية، ثورة الحرية والتحرر، لو التدخل السافر، المباشر، من طرف قوى المحور الإيراني الروسي، التي تخوض معركة الدفاع عن النظام. وما يزيد صعوبة الحديث عن سقف زمني معين، ربما يطول أو يقصر، لاستمرار بقاء النظام، هو اعتماد ذلك على أمور عديدة، أهمها حجم الدعم العسكري الذي سيتلقاه الثوار من الخارج، إذ لو كان دعم الثوار من طرف "أصدقاء سوريا"، يرتقي إلى حجم الدعم الذي يتلقاه النظام من طرف إيران وروسيا وحزب الله وميليشيات المالكي وسواها، فإنه ما كان ليصمد إلا فترة محدودة، بل لو كان دعم الثوار متاحاً من قبل، وحقيقياً، لما بقي النظام الأسدي إلى يومنا هذا.

في المقابل، فإن الناظر إلى الثورة السورية، بوصفها قضية عادلة، قضية شعب ينشد الحرية والتحرر، يدرك تماماً أن من كسر حاجز الخوف، الذي بناه النظام الأسدي في طوريه، الأب والابن، لن يتراجع أبداً عما بدأه، وسيصمد حتى النهاية، أي حتى إسقاط النظام الأسدي، لأن المسألة باتت بالنسبة إليه قضية لا تراجع فيها مطلقاً، بعد كانت كل المسائل مختلفة تماماً قبل انطلاق الثورة، حيث كان والدا أي طفل سوري، يعلمانه منذ الصغر أن لا يتدخل، وبالأحرى أن لا يتحدث، في السياسة، كي لا تأتي المخابرات لتبحث عنه، وتأخذه إلى "بيت خالته"، الأمر أنتج خوفاً مركباً ومستديماً لدى السوريين من أجهزة الاستخبارات، جعلهم مغيبين عقلياً ومسيرين سياسياً، وأفسح المجال لتلك الأجهزة، التي يصعب عدها بدقة، أن تحتل، مع الوقت وطول أمد الاستبداد، موقعاً لا يتناسب مع وظيفتها المفترضة، بعد أن تغولت، وتحولت الى الأداة التنفيذية الوحيدة للنظام الأسدي، لكن الأمور تغيرت تماماً مع انطلاق شرارة الثورة السورية.

ولا شك في أن لا أحد يمكنه التحكم بمسارات الثورة، وهو ما يميز الثورات عموماً، ويكسب كل منها خصوصية وفرادة، ولعل من أهم خصوصيات الثورة السورية، وهي تكمل عامها الثاني، وتلامس عتبة عامها الثالث، إنها ثورة متفرّدة - أو لنقل "ثورة يتيمة"- تواجه ليس نظاما دموياً مدججاً بكافة أنواع الأسلحة، بل نظاماً تحارب معه وتسانده أنظمة تشبهه، كإيران وروسيا، وتخوض معارك من أجل بقائه واستمراره في القتل.

وأفضى تفرد الثورة السورية إلى حدوث تغير على مسارها، تجسد في تحولها من ثورة تنشد الحرية إلى ثورة تنشد الحرية والتحرر. وتحولها إلى ثورة تحرر يكمن معناه في كونها باتت فعلاً مقاوماً للقتل وللظلم والقهر، أي أنها فعل مناهض للاستبداد في مختلف صوره، ومناهض للاحتلال بمختلف أشكاله وتجسيداته. وقد أماطت الثورة السورية اللثام عن طبيعة وتركيبة النظام، حتى كشفت عن قوة احتلال للدولة والمجتمع، إذ لم يتردد هذا النظام في إقحام قطعات الجيش للهجوم على مناطق المدنيين في مختلف مناطق وبلدات ومدن سوريا، وأطلق العنان لأجهزة الأمن وفرق الشبيحة لقتل الناشطين والتنكيل بأي شخص غير موال، فتزايدت المجازر والجرائم، وتزايدت أعداد القتلى والجرحى والمعطبوين والمعتقلين والمهجرين، وتزايد الدمار والخراب، وظهرت الانشقاقات في الجيش. وبالتالي كان طبيعياً أن يلجأ كثير من السوريين إلى التسلح، دفاعاً عن أنفسهم وأحيائهم وأماكن سكناهم، الأمر الذي اكتسب الثورة مركباً مسلحاً لمواجهة جيش النظام وأجهزة أمنه وشبيحته، وراحت قوى الثورة تتعامل مع النظام بوصفه قوة احتلال، من حقها المشروع مقاومته.

وإذا كان العديد من المراقبين والمهتمين بالشأن السوري قد تفاجأ من بطش النظام السوري وقسوته في التعامل مع الثوار وحاضنتهم الاجتماعية، ومن استعداده الكامل لتدمير أماكن سكناهم، باستخدام الطائرات ومدفعية الدبابات والقاذفات والصواريخ البالستية، فإنه يمكن القول إن معظم السوريين لم يتفاجأوا، بل توقعوا هذا السلوك الوحشي، لأنهم يعرفون طبيعة نظامهم الاستبدادي، الأمر الذي يفسر تردد عدد كبير منهم بالانضمام إلى صفوف الثورة، إذ لا يزال نموذج مجزرة مدينة حماة ماثلاً في أذهان السوريين، ويعرفون أيضاً أن نظامهم لا يسقط ولا يُصلَح بالمظاهرات، ولن يتردد في إطلاق النار عليهم. ومع ذلك خرج السواد الأعظم من السوريين كاسرين حاجز الخوف، ومسطّرين مسيرة ثورة، قلّ نظيرها في التاريخ الحديث.

ويبدو أن مسار الأمور في سوريا، بعد مرور عامين من عمر الثورة السورية، مرتبط بشكل كبير بما يحدث على الأرض، حيث تشير الوقائع إلى أن قوى الثورة تحرز المزيد من التقدم على الأرض، بخاصة مع سيطرة الجيش السوري الحر على محافظة الرقة، بوصفها أول محافظة سورية تتحرر بالكامل من قبضة النظام، وإسقط فيها تمثال الأسد الأب بأيدي سوريين، في مشهد رمزي، مليء بالدلالة، الأمر الذي سيؤثر على انفكاك دير الزور، ومعها المنطقة الشرقية والشمالية، من قبضة النظام السوري. يضاف إلى ذلك التقدم الملحوظ للثوار السوريين في حلب وريف حلب الغربي، ومحاصرة المطارات العسكرية في كل من محافظتي حلب وإدلب، والسيطرة على بعضها، وبالتالي، فإن النظر في الموقف الراهن يشير إلى أن مسار الأحداث في سوريا سيكون أمام مفترقين رئيسيين:

الأول: إصرار النظام على السير بالحل الأمني واتباع نهج الحسم العسكري، رغم علمه بفشل هذا الحل. يقابله تقدم الثوار المضطرد في مختلف المناطق الشرقية والشمالية والجنوبية، وبالتالي السير نحو معركة العاصمة دمشق الحاسمة. وهو أمر ستكون كلفته باهظة على السوريين، بالأرواح والممتلكات، حيث سيتضاعف عدد الشهداء ويزداد الدمار والخراب، وصولاً إلى إسقاط النظام بقوة السلاح. وقد يصعب التنبؤ بالنتائج والإرهاصات التي تتمخص عن هذا السيناريو، خصوصاً في ظل تقارير تشير إلى وجود خطط لدى النظام، في حال فقدانه دمشق، للانكفاء في المنطقة الساحلية، والاحتماء بالمكون الطائفي، وقد يستجلب ذلك تقسيم سوريا إلى دولتين أو أكثر. لكن في مطلق الأحوال، فإن دويلة كهذه لن يكتب لها الحياة، لافتقارها للمقومات اللازمة.

الثاني: أن تضغط روسيا وإيران على النظام بما يكفي، لثنيه عن نهجه العسكري، والدخول في مفاوضات جدية على أساس رحيل الأسد وعائلته وزمرته، والبدء بمرحلة انتقالية، من خلال تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات حقيقية وكاملة، بما يعني تجنيب البلاد المزيد من الويلات والدمار. ولعل هذا السيناريو هو الأقل كلفة في الدماء وفي الحفاظ على ما تبقى من مقدرات البلد، وصون وحدته الترابية والوطنية، لكنه مستبعد في المدى المنظور على الأقل.

ويبقى أنه من الممكن أن يصاب النظام بهزة عنيفة، بفعل صدمة قوية من داخله أو من خارجه، قد لا يقوى عليها، تجعله ينهار سريعاً. وربما تسود في إثرها مرحلة قصيرة على الأرجح من الفوضى أو الفراغ السياسي، ومن الصعب تقدير مآل الأمور في حالة كهذه. ومع ذلك فإن الاحتمالات كلها مفتوحة، والأمر متروك لما يحدث على الأرض.

===================

هل أنجزت المعارضة السورية كل ما عليها ولم يبق إلا تشكيل الحكومة؟

بقلم الطاهر إبراهيم

كاتب سوري

النهار 2013-03-23

 

الحراك الشعبي في سوريا، ومنذ اليوم الأول لثورة الحرية والكرامة كان عفويا، ونموذجيا. في الوقت نفسه كان رد فعل النظام متوحشا عنيفا كما حدث في درعا منذ يوم الجمعة الأولى وحتى الآن، بينما كان تصرف المتظاهرين في الشارع منضبطا. سقط الشهداء واعتقل المتظاهرون. بقي التظاهر سلميا في كل المدن السورية، ولم يكن أمام المتظاهرين إلا هذا السلوك، فلم تكن أجندتهم تسمح بالرد على إجرام النظام حتى لا يعطوا الذريعة للنظام، ولأنهم لا يملكون السلاح فيما لو أرادوا أن يردوا على الرصاص بالرصاص.

التظاهر السلمي كان طابع تلك الفترة. الجيش الحر لم يكن يشكل إلا حيزا صغيرا من المشهد. كان معارضو الخارج والداخل يراقبون الوضع عن كثب. كان عليهم أن يتجمعوا، لكنهم كانوا من مشاربَ شتى. كان عليهم أن يرفدوا الحراك السلمي، وكان بعضهم  يبحث عن دور.

في ظروف ملتبسة وبشكل منفرد أعلنت مجموعة معارضة عن تشكيل مجلسها الوطني الخاص في 15 أيلول 2011. ذهبت لتفاوض بعض الطيف المعارض، واستطاعت أن تفرض رؤيتها، وأعلن عن تشكيل المجلس الوطني في 2 تشرين أول 2011، وكان للمجموعة نصيب الأسد فيه، لكن شخصيات معارضة كثيرة أقصيت عن المجلس الوطني.

مع الأيام أضيف الى المجلس آخرون من دون أن يكون هناك ضابط يضبط الطريقة التي يتم فيها إضافة هذا العضو ورفض ذاك. تضخّمَ العدد وكثرت مؤسسات المجلس الداخلية حيث عيّن فيها أناس مقربون من هذه الجهة أو تلك. عاش المجلس صراعا مكتوما حول النفوذ فيه، ما أضاع عليه خدمة المهمة الأولى له وهي كيفية رفْد الحراك الداخلي. وربما كان تشكيل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” في تشرين الثاني 2012 منقذا للمجلس الوطني من تقديم “كشف حساب” كان عليه أن يقدمه للسوريين بعد عام، لم ينجز فيه إلا ما لا يكاد يذكر.

لكي يقبلوا المشاركة، أصرّ أعضاء المجلس الوطني على أن يكون لهم 40% من جسم “الائتلاف”. هذا وضع عبئاً آخر غير المهمات الوطنية الملقاة على المكون الجديد، إذ أصبح صوت المجلس الوطني قويا. ما أشعر الائتلاف أن نوعا من وضع العصي في العجلات يقوم به أعضاء في المجلس الوطني ممثلون في الائتلاف بعد أن شعروا بأن البساط سحب من تحت أقدامهم وأن المجتمع الدولي ما عاد يكيل في مكيالهم. كان على “الائتلاف الوطني” أن يتحاشى المطبات التي اعترضت طريق المجلس الوطني من قبله. 

رئيس الائتلاف الوطني “أحمد معاذ الخطيب” شعر، وآخرون معه، بأن المجتمع الدولي يريد أن يفرض على “الائتلاف الوطني” أجندة غير تلك التي ثار من أجلها الشعب السوري. فما هي تلك الأجندة التي لا يريدها الشعب السوري، وما هي التحديات التي تعترض طريقه؟

لعل أهم تلك العقبات التي تتم بفعل دولي، هي دحرجة الصخور في طريق الثورة، ليس تجفيف موارد الأسلحة من بين أيدي الجيش الحر فحسب، بل وصرف الثوار عن العمل على إرغام النظام على الرحيل، طوعا أو كرها، تمثل ذلك بسعي واشنطن وموسكو لتشكيل حكومة انتقالية حسب “وثيقة جنيف”، التي لا يعرف أحد من الثوار لمن تكون الكلمة العليا فيها.

تشكيل حكومة مؤقتة أمر مطلوب لكن على أن تحدد مهماتها ابتداء، وليس فقط أن تقوم الحكومة بتعيين مندوب يشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، ثم تضع يدها على خدها لا تدري ما هي الخطوة التالية. وهنا يصبح التساؤل مشروعا: هل أنجزت المعارضة السورية كل ما كان عليها ولم يبق إلا تشكيل الحكومة؟ صحيح أن مؤتمر روما أعلن أن الائتلاف الوطني ممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، إلا أن الصحيح أن هناك من يعتقد أن تشكيل “الائتلاف” لحكومة مؤقتة سيكون افتئاتا على الشعب السوري صاحب الحق في ذلك. فلا بد أن يمهر الشعب السوري هذا الإعلان بموافقته عن طريق ممثليه الشرعيين المنتخبين عن طريق صناديق الاقتراع، وليس هناك حتى الآن من يمثل الشعب السوري بطريقة الانتخاب.

إذا كان تشكيل حكومة مؤقتة له فائدة واحدة أو أكثر فإن تشكيلها له محاذير كثيرة يجب اجتنابها. سوف يقف معارضون سوريون كثيرون من لا يسلم للائتلاف الوطني بتسمية الحكومة المؤقتة. ثم من هو الشخص الذي يمكن أن يحظى باتفاق أكثر أعضاء الائتلاف الوطني، فضلا عن كل المعارضين السوريين، على اختلاف مشاربهم؟ وما الفوائد التي ستجنيها الثورة ككل؟

الخطوة الأهم في نظرنا هي تشكيل سلطة محلية في كل بقعة إدارية (منطقة أو محافظة) تتحرر بشكل كامل، كما حصل عندما تم، مؤخرا، انتخاب مجالس محلية في ريف حلب.

 نذكّر بأن الثورة الجزائرية العملاقة التي كسرت أنف المستعمر الفرنسي وطردته من الجزائر، انطلقت عام 1954 وبلغ عدد الشهداء فيها أكثر من مليون شهيد، لكنها لم تقم بتشكيل حكومة مؤقتة لها إلا في عام 1958 حيث أعلنتها من القاهرة.

صحيح أن جبهات القتال لم يصدر عنها اعتراض على تشكيل الائتلاف الوطني، وأن الائتلاف حصل على موافقة “سكوتية”من فصائل الجيش الحر الذي لم يسمع منه اعتراض. لكن الصحيح أيضا أن الائتلاف لا يضم إلا مجموعة من المعارضين، وهناك أضعافهم خارج الائتلاف.

كان المتوقع أن يعتبر الائتلاف نفسه لجنةً تعمل على تحديد ضوابط وصفات أعضاء لتوسيع الائتلاف، بحيث يضم أكثر المعارضين ومن كل المحافظات السورية، حتى لا يقع الائتلاف في وقع فيه المجلس الوطني من قبل، إذ احتكر النافذون فيه حشد أنصارهم في المجلس.  

===================

شظايا «معركة الشام» إذ تتطاول وتتطاير؟! * عريب الرنتاوي

الدستور

24-3-2013

ليست صدفة أبداً، أن يتقدم السيد نجيب ميقاتي باستقالة حكومته بعد ساعات قلائل فقط من إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما من تل أبيب عن حزب الله منظمةً إرهابية تستحق العزل والاندراج في القوائم السوداء للمنظمات الإرهابية..والتزامن بين الخطوتين، لا يمكن أن يكون وليد لحظته، فثمة ترتيبات وتحضيرات، جرت سراً وعلانية، تفتح الباب لأكثر التكهنات والسيناريوهات، خطورة وسوداوية.

تصريحات الرئيس الأمريكي توجت مساراً سياسياً وحكومياً في لبنان، بدأ برسائل شديدة الوضوح، صدرت عن عواصم عربية وإقليمية ودولية، تحمل في طيّاتها ثلاثة خطوط حمراء: الأول، أنه من غير المسموح لحزب الله أن يستمر في الحكومة، دع عنك قيادتها ولعب دور رئيس في تشكيل وصياغة قراراتها وتوجهاتها..الثاني، أنه من غير المسموح تحت أي ظرف، “العبث” بهيكلة وتوجهات وقيادة الأجهزة الأمنية اللبنانية، ومن هنا هبط قرار التمديد لمدير قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي المحسوب على تيار المستقبل، هبوط الصاعقة على الاجتماع الأخير لحكومة ميقاتي..والثالث، أنه من غير المسموح لحزب الله وحلفائه، فرض قانون انتخابي يمكنهم من الحصول على الأغلبية النيابية، ومن هنا أيضاً جاء إصرار ميقاتي، مدعوماً من الرئيس ميشيل سليمان والنائب وليد جنبلاط ، على دعوة الهيئة الناخبة وفتح باب الترشيح وأخيراً تشكيل “هيئة الاشراف”لإجراء الانتخابات في موعدها، حتى وإن أفضى ذلك إلى إحياء القانون المعروف بقانون “الستين”.

ثمة مكون داخلي في الأزمة الحكومية بلا شك، لكن الأسباب الجوهرية الكامنة وراء الأزمة (الأكمة) إنما تقع في مكان آخر، على مقربة من بيروت، في دمشق وأكنافها، حيث تقع ساحة الاشتباك الإقليمي والدولي الأكبر، وحيث تجري على نحو دامٍ ومدمر، أبشع عمليات تصفية الحساب في التاريخ المعاصر، تارة تحت مسمى الإصلاح والثورة وأخرى تحت شعار المقاومة والممانعة.وحيث الأنظار شاخصة والاستعدادات جارية على قدم وساق، لحسم “معركة الشام” قبل إطلالة الصيف المقبل، وهي المعركة التي يبدو أن شظاياها بدأت تطاول الإقليم برمته، حتى قبل أن تبدأ على نطاق واسع.

المعركة على حزب الله، فُتحت على مصراعيها، ولهذه المعركة مقدماتها في لاهاي وليماسول وبورغاس، وأخيراً في شبكة التجسس التي قالت السعودية أن ناشطاً من حزب الله متورطٌ فيها..أما السبب الرئيس لاستهداف حزب الله، فهو ذاته السبب الذي جعل الأطراف ذاتها، تسابق الزمن لتسليح المعارضة السورية وتشكيل الحكومة الانتقالية (تحت شعار تغيير موازين القوى على الأرض)، وهو السبب ذاته الكامن وراء الحملة الشرسة التي يتعرض لها نوري المالكي وحكومته في العراق، سياسياً وأمنياً.

إنها المعركة على سوريا، وقد امتد لهيبها واتسع نطاق عملياتها، ليطال العراق ولبنان، وعلى نحو مفتوح..والحكومة الانتقالية في سوريا، لن ترى النور، ولن يُكتب لها أن تكون “البديل” المُرتجى لحكومة الأسد ونظامه، ما لم تسقط “حكومة نوري المالكي” في العراق، و”حكومة حزب الله” في لبنان..إنها الأزمة السورية، وقد دخلت من الباب الأوسع في “عصر البلقنة”.

لكأنه “أمر عمليات” واحد، صدر من غرفة عمليات واحدة، يجري تنفيذه بتناغم في هذه الساحات الثلاث، والأرجح أنه لن يقف عندها، سيما بعد أن سجّل المراقبون لجولة إوباما في إسرائيل وفلسطين والأردن، تراجع الرئيس الأمريكي عن نص وروح “بيان جنيف”، وميله من جديد لإحياء لغة التهديد والوعيد في التعامل مع الملف، وكشفه عن تعاون إقليمي ودولي لتدريب المعارضة وتأهيلها لتغيير موازين القوى، ومطالبته المتجددة، بخلاف وزير خارجيته، بتنحي الأسد أو تنحيته، وحرصه الفائق للعادة على إعادة المياه لمجاريها بين أنقرة وتل أبيب، وسخائه في توزيع “ضمانات الأمن وتطمينات الاستقرار” على الأصدقاء والحلفاء.

أما “سؤال المليون دولار” كما يُقال، فيتعلق بالكيفية التي سيرد بها محور طهران – بغداد – دمشق – الضاحية الجنوبية، على الحرب المفتوحة والمعلنة التي يشنها وتُشن عليه، وما إذا كان سيستمر في التعامل مع هذه الملفات بصورة منفصلة، أم أنه سيرد بقرار استراتيجي موحد، فيفتح النيران على كثافتها وعلى كافة الجبهات، على اعتبار أن كل فريق من أفرقاء هذا المحور، سيؤكل يوم أكل “الثور الأسود” .

فلسطينياً، فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح يدور حول ما إذا كان “أمر العمليات” المذكور، سيشمل المصالحة الفلسطينية، سيما وأن الرئيس أوباما “لم يقصّر” بحق حماس أيضاً..والأنباء عن حصاد جولته الفلسطيني، ترجح “استئناف المفاوضات” و”إطلاق إجراءات بناء الثقة”..فهل ستضع واشنطن حماس في سلة واحدة مع حزب الله، أم أن صلاتها “الإخوانية” الممتدة من مصر إلى تونس، مروراً بأنقرة ومعظم العواصم العربية الإقليمية، تُبقي لحماس مكانة متميزة عن تلك التي يحتلها حزب الله في حسابات السياسة الأمريكية..أسئلة وتساؤلات يتعين التريث في تقديم الإجابات القاطعة عليها.

===================

 من الذي أوصل سوريا إلى هذا الحال؟

فيصل القاسم

    أخر مشاركة: 24/03/2013

الشرق القطرية

إذا أردت أن تتعرف على حقيقة الوضع في سوريا منذ بداية الثورة وحتى الآن، فلا تتحدث إلى المعارضين كي لا يتهمك أحد بأنك تستقي معلوماتك من طرف غير محايد، بل تحدث إلى المؤيدين العاقلين، بشرط أن تكون معهم على انفراد دون تسجيل أو تصوير، أو حتى موبايلات. لا شك أنك ستسمع انتقاداً عنيفاً لتصرفات النظام أعنف بكثير من انتقادات المعارضة. يقول رجل أعمال سوري كان على علاقة وثيقة للغاية بالنظام: "إن الأزمة السورية كان يمكن تفاديها بسهولة منقطعة النظير"، فقلت له: "كيف"، فقال: "لو كانت لدى القيادة ذرة حكمة بعد أحداث درعا الأولى، لذهب الرئيس برفقة زوجته إلى هناك لتبريد الأمور، خاصة أنه قبل أيام فقط كان يتجول هو وزوجته في قرى السويداء وسط إعجاب كبير من قبل السكان هناك دون أن يكون هناك أي سبب للزيارة سوى التعرف على أحوال الناس. فلماذا ذهب إلى السويداء في زيارة تفقدية، ورفض الذهاب إلى درعا، مع العلم أن الوضع في درعا خطير للغاية، ويمكن أن يتسبب في كارثة لا تحمد عقباها؟ لو توجه الرئيس إلى درعا ليقول لأهالي الأطفال الذين عذبتهم أجهزة الأمن، وأساءت إلى ذويهم بأن ما حصل كان خطأ، وأن المخطئين سيتعرضون للحساب لتم دفن الفتنة في مهدها".

 يتنهد المؤيد، ثم يتابع قائلاً: "لو كنت محل الرئيس وقتها لأتيت بمحافظ درعا ورؤساء الفروع الأمنية المتورطين في الحادث، وشنقتهم في وسط المدينة أمام أعين السوريين، فأكون بذلك قد ضربت عصفورين بحجر واحد، أولاً أكون قد قمت بتهدئة نفوس أهالي درعا، وثانياً فتحت صفحة جديدة في تاريخ سوريا تتمثل في توجيه رسالة للجميع بأننا نجاري الربيع العربي، وأن الزمن الأول تحول، وأن لا حصانة لأحد بعد اليوم، حتى ابن خالتي عاطف نجيب الذي كان رئيساً لفرع أمني في درعا. ولا شك أن ذلك الإجراء البسيط كان سيلقى رد فعل رائعاً من السوريين، وكان سيؤمن للرئيس حكماً لمدة عشرين سنة قادمة على الأقل".

"لكن الذي حصل"، والكلام لرجل الأعمال المؤيد، "أن النظام ركب رأسه، وأخذته العزة بالإثم، فأقنعه بعض المجرمين بأن عليه المواجهة، لا الاعتذار، مع أن الاعتذار كان سيجنب سوريا هذا الدمار والانهيار الرهيبين اللذين لم تشهدهما البلاد في تاريخها. وبدلاً من التهدئة، ظهر الرئيس في خطابه الأول مهدداً الشعب السوري بالويل والثبور وعظائم الأمور في مجلس الشعب، وقال إنه جاهز للمعركة مع الشعب المنتفض، بدل أن يقول إنه مستعد للنزول عند رغباته. والأنكى من ذلك أنه لم يترك فرصة أمام أحد، حيث قال للشعب: "إما أن تكون مع الدولة أو تكون ضدها، وهذا يعني أنك عدو جدير بالتصفية، مما فاقم الوضع وجعله يزداد اشتعالاً. لا بل إن الرئيس قال بلهجة انتقامية واضحة إنه سيعكس حركة دومينو الثورات العربية في سوريا بالاتجاه المعاكس".

 ويضيف رجل الأعمال أنه كان أثناء إلقاء الخطاب في مجلس الشعب يتناول الغداء في بيت صديق له مؤيد للنظام، فعندما سمعا الخطاب توقفا عن الأكل، لا بل إن صديقه خرج من الغرفة وبدأ يلطم قائلاً: "سوريا ستخرب". وهذا الذي حصل، فبعد أسابيع قليلة نزل الجيش إلى الشوارع، وبدأ العنف الدامي، ناهيك عن أن الدولة جندت حثالات المجتمع من قتلة ومجرمين وقطاع طرق وساقطين اجتماعياً وسجناء خطرين قدامى للتصدي لأي حراك شعبي، وكأنها بذلك تسكب الزيت على النار، وتستفز الشعب كي يثور.

لكنني ما لبثت أن سألت رجل الأعمال المؤيد: "لكن النظام يا صديقي يقول إن الجماعات الإرهابية المسلحة كانت تريدها حرباً مع الدولة منذ البداية، وإنها حفرت أنفاقاً وكدست أسلحة لهذه الساعة منذ عشر سنوات"، فضحك صديقي قائلاً: "مثل هذا الكلام يدين النظام أكثر مما يبرئ موقفه. وكم هو مضحك عندما تسمع المؤيدين وهم يؤكدون أن اللجوء إلى الجيش في الأسابيع الأولى لم يكن لإخماد الاحتجاجات الشعبية المشروعة، بل لمواجهة الجماعات المسلحة التي بدأت بالتخريب والاعتداء على الجيش منذ اليوم الأول. وأنا سأتفق مع هذه الرواية جملة وتفصيلاً. لكن السؤال: أين كانت أجهزة الأمن السورية المشهورة عالمياً ببراعتها وقدرتها على مراقبة دبيب النمل عن تلك "الجماعات المسلحة الخطيرة"، وعن تلك "المخططات الجهنمية" لتلك الجماعات لإشعال سوريا والاعتداء على جيشها وقتل شعبها؟ لماذا لم تتم معاقبة شخصية أمنية واحدة على مدى عامين من الذين يمسكون بزمام الأمن في سوريا منذ عشرات السنين؟ لماذا تم ترفيع بعض الشخصيات إلى مناصب عليا رغم فشلها الذريع في كشف "الجماعات المسلحة" و"الإرهابيين" الذين كانوا يتربصون بسوريا منذ عشرات السنين، ثم وجدوا في الاحتجاجات الشعبية فرصتهم لتنفيذ مخططهم؟ وحتى لو كانت هناك مؤامرات، وليس مؤامرة واحدة على سوريا، ألم يسقط النظام في كل أشراك المؤامرات التي نصبوها له بخفة عجيبة، وبرعونة عز نظيرها؟ ألم يتصرف كالفيل الهائج في محل للأواني الزجاجية؟"

ويضيف المؤيد أن النظام بدل أن يهدّئ الانتفاضة الشعبية راح يعمل على عسكرتها وتحويل مسارها السلمي إلى عنفي دموي، بدليل أن نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع قال في مقابلته الشهير قبل فترة مع صحيفة لبنانية إن الدولة كانت تتوسل رؤية شخص واحد يحمل السلاح على مدى ستة أشهر، لكنها لم تجد. بعبارة أخرى، فالنظام كان يتوق إلى عسكرة الثورة كي يجد مبرراً للقضاء عليها، لكن النتيجة أنه قضى على سوريا، بينما ازدادت الثورة توسعاً وقوة". وكأن أخانا المؤيد يذكرني بالقول الشهير: "من يصنع الأشباح تظهر له".

لماذا تحدى الرئيس السوري في خطابه الأول المنتفضين، وضرب عرض الحائط بكل النصائح الإصلاحية الحقيقية التي وجهها له العقلاء من الحكام العرب في الأيام الأولى من الثورة، ثم راح الآن بعد عامين من الدمار يعرض على معارضيه الحوار؟ لماذا لم يحاورهم قبل أن يحملوا السلاح في وجهه؟ لماذا لم يفكر بالحوار إلا بعد أن فقد السيطرة على معظم البلاد، وانحصر في دمشق ليصبح أشبه بمحافظ دمشق الصغرى، كما وصفه صديقه القديم المفكر السوري صادق جلال العظم؟ أليس في ذلك اعتراف بأن النظام كان مخطئاً في إدارة الأزمة، وأن كل ما حصل حتى الآن من خراب ودماء وانهيار هو المسؤول عنه بسبب تعنته وغطرسته وعناده الرهيب وانسياقه وراء شركاء السوء كإيران وروسيا والعراق؟

ليت النظام فهم المثل السوري الشهير: "دخول الحمّام ليس كالخروج منه"!

===================

الأزمة السورية وخطر «الكتائب الإسلامية»

تاريخ النشر: الأحد 24 مارس 2013

خليل علي حيدر

الاتحاد

هل درس الإسلاميون السوريون الحاليون جيداً تجارب الإخوان؟ هل هم يتابعون اليوم مشاكل الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا؟ وهل الإسلاميون بصدد بناء دولة سورية حديثة غير ديكتاتورية تساهم فيها كل الطوائف والأحزاب، أم أنهم لا يزالون يجرون خلف سراب ما يعتبرونه «النظام الإسلامي الصحيح»، و«دولة الخلافة»؟

هل سوريا التي يريدها عقلاؤها وأهل الخبرة السياسية ومثقفوها ونريدها جميعاً، هي ما يجاهد الإسلاميون في سبيله، أم أنهم، كما يصرح «أبو الشيشان»، وتحلم «جماعة النصرة»، يريدون إقامة سوريا متزمتة متأزمة، في صراع طائفي دائم مع الشيعة في العراق وإيران، ومع العلويين في تركيا ومع المسيحيين في لبنان وفي كل مكان؟!

كما في بيان 1980، صدر في يناير عام 2013 «ميثاق الجبهة الإسلامية السورية الموحدة»، حيث أعلنت إحدى عشرة كتيبة وجماعة وحركة سورية مقاتلة في أنحاء سوريا ومعارضة للنظام، عن تشكيل هذه الجبهة، «بهدف إسقاط النظام وبناء مجتمع إسلامي حضاري يحكم بشرع الله».

وشدد الميثاق على أن الإسلام «هو دين الدولة والمصدر الرئيس والوحيد للتشريع، وبالتالي، فإن الجبهة ستعمل بالأساليب الشرعية كافة على أن لا يكون في البلاد أي قانون يخالف الثوابت المعتمدة في الشريعة الإسلامية).

وتبدو إنشائية وتناقضات بيان الجبهة واضحة، فهو يؤكد على وجوب التعايش بين أبناء الوطن الواحد «مهما اختلفت مشاربهم أو تباينت عقائدهم». ومن جانب آخر ينص البيان على أن الجبهة «تنطلق في معتقداتها من منهج أهل السنة والجماعة، المبني على فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين».

ومثل هذه المرجعية الدينية السلفية الطائفية الواضحة، والتي لا تشير إلى أي فهم دستوري للدولة الحديثة، ولا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تحمل المخاطر إلى وحدة الشعب السوري وخبرته التاريخية وتجربته السياسية الرفيعة. كما أنها تفتح للأسف، المجال من جديد لتكفير العلويين وتبديع وتفسيق الشيعة وكراهية الدروز ومعاداة النصارى، ولا نعلم شيئاً الآن عن مصير العلمانيين من أهل السُنة وحقوق المرأة السورية!

ولم تجد «جبهة النصرة»، حليفة «القاعدة» كما يشاع عنها، كفايتها في التشدد الذي تضمنه الميثاق، فرفضت الانضمام إليها، «مكتفية بالتنسيق معها ميدانياً، بالإضافة إلى إنشاء الطرفين محكمة شرعية مشتركة تحمل اسم محكمة الهيئة الشرعية في مدينة حلب. أما الكيانات المنضوية تحت كنف الجبهة فهي: كتائب أحرار الشام، كتائب الإيمان المقاتلة، كتائب حمزة بن عبدالمطلب، كتيبة صقور الإسلام، سرايا المهام الخاصة، حركة الفجر الإسلامية، كتيبة مصعب بن عمير، جماعة الطليعة الإسلامية، كتائب أنصار الشام، جيش التوحيد».

ما حجم الجماعات الإسلامية في القتال السوري، وما دورها؟ يقال إن الإسلاميين بالآلاف، كما أن معظم المقاتلين يُعدون قريبين منهم، ويتميزون عنهم باعتدالهم مقارنة بعناصر «جبهة النصرة». في سوريا اليوم، يقول الكاتب نذير رضا، «أكثر من خمس جبهات مقاتلة تضم ألوية وكتائب ثائرة يتخطى عديدها المائة ألف مقاتل، وتتشكل من مقاتلين إسلاميين معتدلين وآخرين انشقوا عن الجيش النظامي، وما زالوا يعتنقون الهوية العلمانية في سلوكهم. من هذه التشكيلات «جبهة تحرير سوريا» التي تضم عدداً كبيراً من الألوية، وفيها عدد كبير من الإسلاميين المتعدلين، كما أن هناك تجمع «شهداء وألوية سوريا» في جبل الزاوية. واللافت أن تلك التجمعات تعمل تحت مظلة الجيش الحر، وتتمثل في قيادة أركان الجيش الحر».

المخاوف المحلية والدولية من مآل الثورة تؤكدها تصريحات الإسلاميين وتهديداتهم. وقد نقلت وكالات الأنباء عن مقاتلين من خارج سوريا في حلب من جنسيات مختلفة قولهم «إنهم يقاتلون من أجل إقامة دولة إسلامية في سوريا، سواء رضي المقاتلون المعارضون السوريون الذين يسعون للإطاحة بالرئيس بشار الأسد بذلك أم أبوا».

وأضافت الوكالة إن هؤلاء «أثاروا في الوقت نفسه مخاوف من أنهم قد ينقلبون على حلفائهم السابقين إذا سقط الأسد، لمواصلة كفاحهم من أجل إقامة خلافة إسلامية». ونقلت عن أحد المقاتلين قوله «إن سوريا ستكون إسلامية ودولة قائمة على الشريعة، ولن نقبل بغير ذلك. الديمقراطية والعلمانية مرفوضتان كلية».

بعض المقربين من الإسلاميين، كالشيخ «بلال دقماق»، رئيس «جمعية اقرأ» يخفف من مخاطر هيمنة المتشددين، ولكنه لا ينفي مطامح «المعتدلين»! والفرق في تجارب العرب والمسلمين مع الجماعات الإسلامية، بين «المتشددين» و«المعتدلين»، هو في الغالب الاختيار بين الخنق... والشنق!

ويحاول بعض الإسلاميين التشكيك في المخاوف المثارة ضد التشدد الإسلامي وجماعاته في الأوساط الدولية والأميركية بالذات. ويرى هؤلاء أن مثل هذه المخاوف «تنبع من خوف الغرب من حكومة إسلامية قد تنشأ بعد رحيل الأسد، لأنها ستكون العدو الأول لإسرائيل»، كما يقول الشيخ «دقماق» نفسه. غير أن تجربة السنة والشيعة أثبتت على مدى سنين ممتدة أن أول ضحايا «الحكومة الإسلامية».. هم المسلمون! فبلادهم ستتخلف، وحرياتهم ستختفي، ومشاكلهم ستتفاقم، وعملتهم ستفقد قيمتها، وعزلتهم عن الدين والدنيا ستسود! ومن أين لدولة مثل «سوريا الإسلامية»، التي ستخاصمها إيران الإسلامية والعراق الإسلامية وتركيا الإسلامية، سوريا الإسلامية التي تكون قد خرجت للتو من ديكتاتورية امتدت عقوداً، وحرب أهلية طاحنة، وانقسامات لا حصر لها، وجيش لن يسلحه الأميركان أو الروس أو الأوروبيون، أنِّى لسوريا كهذه... أن تكون نداً لإسرائيل ومن هم وراء إسرائيل!

فكفوا يا أخوتنا الإسلاميين عن مثل هذه التحليلات والمبالغات، التي تحاول إقناع السوريين والعرب والمسلمين بأي نظام إسلامي متطرف، لمجرد أنه مخيف للغرب ومصالحه، والدفاع عن أي جماعة إسلامية إرهابية، لمجرد أنها «تعادي إسرائيل» أو تحارب أعوان أو مصالح أميركا!

يقول المراقبون إن ثقل المقاتلين الإسلاميين موجود في شمال سوريا، وتلفت المصادر المقربة إلى أن مدينة حلب تعد معقل الكتائب الإسلامية المقاتلة، حيث تتوزع فيها عناصر لكتيبة الفاروق ولواء التوحيد الذي نجح في السيطرة على قسم كبير من مدينة «حلب». وفي المدينة نفسها و«إدلب» جماعات أخرى مثل جماعة «الطليعة الإسلامية» و«كتائب أنصار الشام». وتنشط في كافة المحافظات «الجبهة الإسلامية السورية»، و«جماعة لواء الحق» في حمص وأنصار الشام في اللاذقية، وجيش التوحيد في دير الزور. ومن أبرز التشكيلات الإسلامية في دمشق وريفها «لواء البراء» الذي تبنى عملية اختطاف الزوار الإيرانيين، و«لواء التوحيد»، و«لواء الصحابة». وفي العاصمة كتائب أخرى مثل كتائب الإيمان المقاتلة وغرباء الشام وسرايا المهام الخاصة وكتائب أم المؤمنين، إلى جانب «جبهة النُّصرة» التي تعتبر أكثر التشكيلات استقطاباً للمقاتلين، وتوجد في مختلف أنحاء سوريا.

ثمة رابطة متشددة تربط هذه الجماعات فيما يبدو من أسمائها... وإذا نجح النظام في ضرب «جبهة النصرة» بـ«حزب الله» اللبناني، أو إشعال حرب طائفية بين هذه الجماعات والمقاتلين الشيعة في العراق... فاقرأ على العراق وسوريا ولبنان السلام

===================

«حزب الله» يقيل ميقاتي

عبدالله إسكندر

الأحد ٢٤ مارس ٢٠١٣

الحياة

الذين يعرفون جيداً رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يستبعدون أن تكون عدم قدرته على التحمل أو شعوره بالإحراج السياسي وراء استقالته. الأرجح أنه استقال بعدما أدرك أن «الانقلاب» الذي نفذه «حزب الله» على حكومة 14 آذار والإتيان به رئيساً للحكومة، قد استنفد غرضه السياسي، وأن صاحب النفوذ الفعلي في حكومته قرر إقالتها.

لقد أدت الاستقالة إلى أن يكون لبنان من دون سلطة تنفيذية. فحتى لو تمت تسمية رئيس جديد للحكومة، بعد الاستشارات النيابية الملزمة، لن يتمكن أي سياسي سني يمكن أن يُسمى في المنصب من تشكيل حكومة جديدة في المستقبل المنظور. وذلك نظراً لأطنان من الشروط والشروط المضادة المتعلقة بكل ما يخطر في البال من قضايا لبنانية وسورية وإقليمية ودولية. ويشار إلى أنه، حتى قبل الانفجار السوري، لم يكن تشكيل الحكومة اللبنانية أمراً يسيراً، في ظل حسابات الأشخاص وميزان القوة والتصويت في المجالس الوزارية، والتي أطاح آخرها حكومة ميقاتي، عندما دقت ساعة نهايتها. وعليه ستمتد فترة تصريف الأعمال طويلاً، وهي الفترة التي لا يمكن للحكومة أن تتخذ فيها أي قرار.

قد يكون عنوان الخلاف الأخير هو الهيئة المشرفة على الانتخابات والتمديد للمدير العام للأمن الداخلي في الجلسة الأخيرة، لكن قرار إسقاط الحكومة صدر عندما بدا أن السلطة التنفيذية ذاهبة إلى مواجهة مع أنصار سورية، خصوصاً من خلال رد فعلها على القصف السوري داخل الأراضي اللبنانية. فالاحتجاج اللبناني الرسمي الذي، وإن رفض وزير الخارجية التابع لـ «حزب الله» تنفيذه، يعني انكشافاً تاماً للموقع السوري ومؤيديه على المستوى العربي والدولي وفي الأمم المتحدة. خصوصاً أن إدانة القصف السوري لمواقع داخل لبنان ترافقت مع تنديد بخرق لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة.

في هذا المعنى، عاقب «حزب الله» ميقاتي، ومن ورائه رئيس الجمهورية ميشال سليمان المؤتمن على الدستور والسيادة، لأنهما تمسكا علناً على الأقل بسياسة النأي بالنفس عن النزاع السوري وأعلنا معارضتهما لأي تعد سوري في لبنان، بحجة ملاحقة المجموعات المسلحة.

وقبل الطلب العلني من وزير الخارجية اللبناني الاحتجاج لدى سورية على انتهاكها السيادة اللبنانية، «ارتكب» ميقاتي، ومن ورائه رئيس الجمهورية أيضاً، غلطة تسريع التحقيق في قضية ميشال سماحة واللواء علي المملوك، ما وضعهما في تعارض مباشر مع موقف «حزب الله» المدافع سياسياً عن السلوك السوري بكل أشكاله وعن أنصار دمشق في كل ما يفعلون.

بكلام آخر، لم يعد مفيداً لـ «حزب الله»، والنظام السوري من ورائه، الاستمرار بحكومة ميقاتي بعدما كانت وظيفتها الأساسية ضرب حكومة 14 آذار ورئيسها سعد الحريري. لا بل باتت هذه الحكومة مؤذية لعمل الحزب.

لقد راهن «حزب الله»، عبر تمرير مشروع القانون الانتخابي المسمى بالأرثوذكسي، على أن يستقطب حليفه الماروني الجنرال ميشال عون بعدد من المقاعد النيابية يوفر القدرة على تشكيل الحكومات من دون أن يضطر إلى مساومات مربكة لحساباته. لكن، مرة أخرى أفشل رئيسا الجمهورية والحكومة هذا الطموح، وإن نال المشروع غالبية في اللجنة البرلمانية الفرعية. فوضع رأسا السلطة التنفيذية الحزب وحلفاءه أمام واقع التوجه إلى انتخابات في موعدها الدستوري وفق القانون الانتخابي المتاح دستورياً ويقطع الطريق على تأجيل الاستحقاق. لكن دفع الحكومة إلى الاستقالة على هذا النحو يجعل من شبه المستحيل إجراء انتخابات في ظل حكومة تصريف الأعمال التي لن تستطيع، دستورياً، اتخاذ قرارات يفرضها الاستحقاق الانتخابي.

وهكذا دفع «حزب الله» ميقاتي إلى الاستقالة، لأغراض سياسية محددة، وربما أيضاً لأنه بدأ يشعر أن عليه التحرك، من الآن وصاعداً، في إطار الأزمة السورية بما يضعه في مواجهة الحكومة اللبنانية التي، في مثل هذه الحال، من الأفضل أن تكون حكومة تصريف أعمال.

===================

مزيد من الدم السوري

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

24-3-2013

منذ مجيء النظام السوري إلى الحكم عبر انقلاب عسكري مشبوه وغامض، وتسلم حافظ الأسد ومن بعده ابنه السلطة، تقع الجريمة السياسية المهولة الواحدة تلو الأخرى بلا دليل أو إدانة أو سقوط للجناة المرتكبين للحادث.

الحادث المريب الواحد تلو الآخر يمضي دون إجابة وافية عن ظروف القتل ولا أسبابه، وطبعا دون الإيقاع بالجناة ولا القبض عليهم، والاكتفاء بقصة مقتضبة من مصدر سوري رسمي لا يمكن مساءلته ولا الاستفسار منه عن المزيد من التفاصيل.

وها هو فصل جديد من الاغتيالات الغامضة يحدث على أرض سوريا. تفجير إرهابي كبير نفذه انتحاري في أحد مساجد دمشق أودى بحياة أحد أهم علماء العالم الإسلامي؛ محمد سعيد رمضان البوطي، وقضى معه أكثر من عشرين من رواد المسجد. وتتفاوت الروايات المتواترة عما إذا كان منفذ العملية انتحاريا أم أن هناك قذائف هاون تم استخدامها لتنفيذ العملية.

ولمراجعة تبعات هذه العملية لا بد من التفكير فيها من وجهة نظر نظام استخباراتي دموي يحكم بأسلوب «فرق تسد»، وإثارة الفتنة والقلاقل والشك والريبة والخوف بين أبناء الطوائف داخل الشعب، بل داخل الأسرة الواحدة.. هذا هو أسلوبه.

قبل هذا الحادث بأيام قليلة جدا أعلنت المعارضة السورية عن اختيارها لغسان هيتو رئيسا للحكومة الانتقالية في خطوة رمزية ولكنها جادة جدا تعلن فيه للعالم أنها الآن بصدد دور أكثر أهمية، وعلى الأرض، لإدارة شؤون مناطق سوريا المحررة على أيدي قوات الجيش الحر المعارض. ومن المعروف أن غسان هيتو هو من أصول كردية، وكذلك الأمر بالنسبة للشيخ البوطي الذي ينتمي إلى الطائفة الكردية ومن أصول كردية معروفة، وتم تنفيذ العملية الإرهابية في عيد النيروز، وهو أحد أهم أعياد الأكراد..

كل ذلك لا يمكن أن يكون مصادفة، وأن تنفيذ العملية في مسجد ملاصق للسفارة الروسية ومركز جهاز أمني استخباراتي رئيسي في دمشق تحاصره أرتال من الحواجز والجنود المدججة بالسلاح، فكيف لإرهابي محزم بالمتفجرات الناسفة أن يمر وسط كل هذا الحصار الأمني؟

والمسجد هذا بالذات شهد من قبل وقائع أمنية أخرى من قبل بقيت مقيدة ضد مجهول، علما بأن الشيخ الراحل البوطي يسكن في منطقة شعبية جدا ومن الممكن الوصول إليه واغتياله لو كان ذلك من رغبات المعارضة. ولكن النظام استنفد ورقة البوطي ولم يعد لبقائه واستمراره قيمة لرجل تجاوز الـ90 عاما من العمر، وقال كل ما يمكن أن يقال في شأن تأييد النظام ومعاداة الثورة.

ولكن النظام أدرك أن في الخلاص منه بشكل مفجع سيثير ويحرك مخاوف الأقليات مجددا، ويحرك عواطف الناس بحق اغتيال علامة كبير في بيت الله، ولكن الناس لم تعد بالغباء ولا الخوف القديم المتأثر بقصص وأقاويل وتصاريح النظام وزبانيته التي تحولت من مادة غير قابلة للتصديق إلى مادة للسخرية والضحك والنكات.

أرتال من الضحايا الذين سقطوا تباعا عبر السنين في سوريا أو في لبنان تحت النفوذ السوري المهيمن كلها بقيت دون كشف أو معرفة للفاعل. وحادث اغتيال الشيخ البوطي يأتي في ضمن ذات السياق الدموي البشع، كل فصل حزين كهذا يؤكد بلا جدال أن نظام الأسد ليس فقط معيبا على السوريين استمراره، ولكنه وصمة عار على العرب والمسلمين، ومسؤولية الخلاص منه باتت مهمة إنسانية؛ لأن العالم سيكون مكانا أفضل بالخلاص منه ومن نظامه.

البوطي عالم جليل، وهو الآن في دار الحق بين يدي رحمة رحيم ولا تجوز عليه إلا الرحمة؛ لأنه لا شماتة في الموت. ويبقى الدعاء قائما أن يسلم الله سوريا وأهلها.

===================

أبعد من الخرائط الميدانية للصراع في سوريا

فايز سارة

الشرق الاوسط

24-3-2013

كانت بداية السنة الثالثة للثورة السورية فرصة للحديث عن الواقع الميداني للصراع بين النظام والمعارضة المسلحة، وفي إطار ذلك طرحت خرائط ميدانية للصراع، وبدا أن الهدف الأساسي للحديث عن الواقع الميداني وفق خرائط الصراع إعطاء صور تفصيلية عن توازنات القوة على الأرض عبر مقارنة مكثفة بين ما يسيطر عليه النظام بجيشه وقوات أمنه، وما تسيطر عليه قوى المعارضة المسلحة من مساحات في المحافظات والمدن والقرى والأحياء، وبالتالي حساب مقدار الربح والخسارة في صراع الطرفين، وتقدير مستقبل الصراع بينهما.

لقد أشارت الخرائط الميدانية للصراع، التي جرى طرحها أو رسم ملامحها، إلى تقاسم السيطرة على الأرض، حيث إن القسم الأكبر من مساحة البلاد، والممتد في شرق وشمال ووسط البلاد شاملا معظم محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وحلب وإدلب، وأجزاء من محافظات حمص وريف دمشق ودرعا، يقع تحت سيطرة قوى المعارضة المسلحة، والقسم الثاني هو الأقل مساحة، ويمتد بصورة أساسية عبر الشريط الساحلي من طرطوس إلى اللاذقية وجبالهما، وتلحق به مناطق تمثل جيوبا في مدن وقرى في خط الوسط السوري مثل حماه، إضافة إلى مدن الجنوب الكبرى دمشق والسويداء ودرعا، التي تسيطر عليها قوات الأمن والجيش الموالية، والقسم الثالث في خرائط الصراع، وهو الأقل مساحة، يقع خارج سيطرة الطرفين السابقين من المعارضة والسلطة، ويمتد في المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال شرقي البلاد وجزئيا في مناطق الشمال السوري، وهو قسم أقرب في توجهه إلى المعارضة منه إلى السلطة. والخلاصة الرئيسية التي تشير إليها أو تؤكدها خرائط الصراع، وما صاحبها من تحليلات، تفيد بأن ثمة سيطرة متوازنة أو شبه متوازنة بين السلطة والمعارضة على الأرض، وهذا يجعل الصراع ممتدا في المستقبل، بل وقد يجعله أيضا صعبا على الحل في الأفق القريب.

ورغم أهمية تلك الخرائط باعتبارها ترسم لوحة الصراع السوري، وضرورة أخذ ما تطرحه من خلاصات بعين الاعتبار في واقع الأزمة واحتمالاتها، فلا بد من إشارة إشكالية تتصل بتلك الخلاصات باعتبارها مبنية على معطيات جامدة تبرزها الخرائط، أكثر مما تعتمد على حقائق أساسية في مقدمتها أن هذه الخرائط ليست ثابتة ونهائية، بل هي خرائط متحركة، يمكن أن تتغير بين أسبوع وآخر، بل بين يوم وآخر، وهو ما تؤكده وقائع الصراع العسكري على الأرض. فقبل أسابيع فقط كانت الرقة ومناطق من ريف حلب ودمشق ودرعا تحت سيطرة قوات النظام، لكنها انتقلت جميعها لتصير تحت سيطرة قوات المعارضة، ويمكن القول إن تطورات في هذا الاتجاه سوف تتزايد بعد التطورات الجارية في اتصالها بقوى المعارضة المسلحة، والتي تؤكد المعلومات أن تسليحا وتدريبا نوعيا أخذ يدخل في نسيجها، وأن زخما سياسيا يعزز موقفها وإرادتها في ضوء قيام الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة بتشكيل حكومة، لاقت كثيرا من الارتياح الإقليمي والدولي، وكلها سوف تساعد في حدوث متغيرات على الخريطة الراهنة للصراع، تجعل من الممكن تمدد المناطق التي تسيطر عليها قوى المعارضة، وتراجع مساحة المناطق التي يسيطر عليها النظام.

والملاحظة الثانية في موضوع الخرائط أنها لا تعكس بصورة حقيقية روح وموقف سكان المناطق التي يسيطر عليها النظام، وبالتالي فإنها لا تعكس جدية وجدوى تلك السيطرة وقيمتها الفعلية. فمن المؤكد أن ثمة فرقا كبيرا بين سيطرة قوات النظام على محافظة درعا وسيطرتها على طرطوس، حيث الأولى بؤرة الثورة على النظام، فيما الثانية لها مظهر المدينة الموالية، مما يجعل سيطرة النظام في درعا تماثل سيطرة الاحتلال ليس إلا، والحالة في دمشق تقارب صورة سيطرته على درعا، وهي سيطرة أمنية محضة، ومثلها سيطرته على مدينة حماه في الوسط، وفي أغلب المناطق التي ما زال النظام يسيطر عليها. هناك بنى اجتماعية وسياسية، تشكل حاضنة للمعارضة المدنية أو للمعارضة المسلحة، أو هي رافضة لسياسات النظام وسلوكياته في القتل والتدمير اللذين لا يحيد عنهما.

أما الملاحظة الثالثة، التي لا تراعيها خرائط الصراع في سوريا، فإنها تتعلق بالمسار الطبيعي للصراع والذي تكرس خلال العامين الماضيين، وهو تقدم الحراك الشعبي بأشكاله المدنية والمسلحة مقابل تراجع النظام، مما جعل مصير النظام محسوما في كل الاحتمالات بعد كل ما فعله من أعمال قتل ودمار، فقد من خلالها كل أهلية سياسية وقانونية وأخلاقية للاستمرار في السلطة، خاصة أن ذلك تم تحت سمع وبصر العالم، والمعارضة هي القوة الوحيدة المرشحة لوراثة النظام، وهي تحظى بتأييد ودعم قوى إقليمية ودولية واسعة، عبرت عن نفسها وموقفها مرات ولا تزال في المستويين السياسي والعسكري.

وسط تلك الملاحظات، يمكن القول إن خرائط الصراع في سوريا، وما ظهر على جمودها من تحليلات، وما تم الوصول إليه من نتائج، يمكن أن يكون بعيدا عن الحقائق الموضوعية والتقديرات الصائبة، لأن تلك الخرائط ليس ثابتة، ويمكن أن تتبدل بين وقت وآخر، والأهم أنها لا تتضمن ولا تلاحظ روح السوريين وموقفهم من سيطرة النظام على مناطقهم، ولا طبيعة الأزمة، التي تؤكد أن النظام إلى سقوط، وإن احتاج بعض الوقت، وأن معارضيه يسيرون إلى نظام جديد يولد على أنقاض النظام الحالي.

===================

تحدي “استقلالية” قرار الثورة السورية

التعامل مع مفهوم الاستقلالية لايكون بمنطق إنكار الطبيعة المعاصرة للعلاقات الدولية بشكلٍ كامل، ولا بعقلية الانغلاق على الذات، ولا بإنكار حتمية وجود المصالح المشتركة

د. وائل مرزا

الأحد 24/03/2013

المدينة

كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرها خطورةً وأهمية.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً لايمكن الهروب منها بأي شكلٍ من الأشكال.

فهذا البلد يقع في القلب من أكثر المناطق الإقليمية في العالم حساسيةً على جميع المستويات. وثمة تقاطعٌ معقدٌ في مصالح دول إقليمية وعالمية حين يتعلق الأمر بالقضايا العديدة المتعلقة بسوريا ودورها في المنطقة. من هنا، فإن ضمان المصلحة الوطنية السورية العليا لايتحقق بتجاهل تلك الحقيقة ومقتضياتها، ولا بالإصرار على مفهومٍ سكونيٍ انعزالي لموضوع الاستقلالية.

بل إن الأمر على العكس من ذلك تماماً. فنحن نعيش عالّماً لم تعد العزلة فيه فعلاً بشرياً ممكناً. ومامن إمكانيةٍ على الإطلاق لأن نغلق على أنفسنا الأبواب والنوافذ، ونعتقد أن هذا هو السبيل إلى ضمان الاستقلالية. وإذا حاولنا القيام بذلك، في عالمٍ سقطت فيه الحدود والحواجز ثقافياً وإعلامياً واجتماعياً واقتصادياً، فإن النتيجة ستكون أشبه بوجود فريسةٍ في خلاءٍ مفتوح تنتظر صيادها بعجزٍ وسلبية. إذ لن يتوقف العالم عن محاولة التدخل في شؤوننا والتأثير في توجهاتنا، بل والعمل على صياغة حاضرنا ومستقبلنا.

لهذا، يكمن البديل في أن نعترف بأننا نعيش في عالمٍ يموج بأعاصير المصالح، وفي أن ننتقل بوعيٍ إلى موقع الفاعل المُبادر، بدلاً من أن نكون مجبرين على التعاطي مع العالم بمنطق ردود الأفعال.

وإن نظرةً إلى الموضوع تنطلق من فهم الواقع الدولي وموازينه، وتنبع من الثقة الحقيقية بالنفس، وتتمحور حول إدراك مناط المصلحة الوطنية السورية العليا، يمكن أن توظف بفعالية مفهوم الاستقلالية بحيث تحقق تلك المصلحة المنشودة.

وإذا كانت تلك حقائق معادلة الاستقلالية في الأوضاع العادية، فإن المسألة تأخذ أبعاداً أكبر في ظروف الثورة التي تعيشها البلاد حالياً.

فالاستقلالية كمبدأ، وبدلالاتها العامة، مطلوبةٌ بشكلٍ لايقبل المساومة والحوار. وبعد عامين من العطاء والتضحية في سبيل الاستقلال من نظامٍ هو الأكثر دمويةً في تاريخ البشرية المعاصر، لايمكن لقوةٍ في العالم أن تحلم بأن يوجد في الشعب السوري من يستطيع أن يساوم على استقلاليةٍ كانت لاتزال وستبقى العنصر الأول في تحقيق ذلك الاستقلال المنشود.

لن تؤرق هذه الحقيقةُ الغالبيةَ العظمى من العاملين للثورة والمشاركين فيها، لأنهم ليسوا أصلاً في وارد التفكير بمثل تلك الممارسة. لكننا نعيد التذكير بها هنا للتأكيد بأنها سوف تكون سيفاً مُسلطاً على كل من تسوّلُ له نفسه ممارسة الارتهان الذاتي لإرادةٍ تضرّ بالثورة، فضلاً عن محاولة رهن القرار العام لمثل تلك الإرادة.

لكن التعامل مع مفهوم الاستقلالية لايكون، كما أوضحنا أعلاه، بمنطق إنكار الطبيعة المعاصرة للعلاقات الدولية بشكلٍ كامل، ولا بعقلية الانغلاق على الذات، ولا بإنكار حتمية وجود المصالح المشتركة، والغفلة عما يُقدّمه الآخرون، وعن إمكانية الوصول إلى تصوراتٍ مبتكرة وخلاقة لتحقيق تلك المصالح.

ولتأكيد الكلام وتوضيحه، فإننا ندرك مُقتضيات الواقع العالمي والإقليمي المعاصر، وما يفرضه من حدود وحسابات وتوازنات ومعادلات حسّاسة.. ونعترف بحقيقة وجود المصالح والاحتياجات والأدوار المتبادلة في عالم العلاقات الإقليمية والدولية.. غير أن علينا أن ننتبه وننبّه كل من له علاقة، أن قراءة منطق التاريخ ، تُبيّنُ أن هذا الواقع، مهما كانت طبيعتهُ، إنما هو في النهاية بَوتقةٌ و وعاءٌ إنسانيٌ لمجموعةٍ ضخمة ومتنوعة من الخصوصيات المحلّية التي تُشكِّلُه، وأنّ من قوانين العلاقات الدولية والإقليمية الأساسية، أن لكلٍ من تلك الخصوصيات وزناً ودوراً وتأثيراً يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار.. ولايصحُّ تجاوزهُ والقفز عليه بسهولة.. وأن الخصوصيات المحلية، الثقافية منها والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تَرسمُ أحياناً، وبعد استنفادِ كلّ ما فيها من مرونة.. سقفاً لا يُمكن تجاوزه لا من قِبلِ اللاعبين المحلّيين، ولا من قِبلِ اللاعبين الإقليميين والدوليين..

أهمُّ من هذا كله، يجب علينا الانتباه إلى أن التعامل بواقعية مع الحقيقة السابقة بحدّ ذاتها هو الذي يحفظ كثيراً من التوازنات والمعادلات التي أشرنا إليها قبل قليل،وهو الذي يحفظ، بالتالي، المصالح المشتركة..

ثمة حساباتٌ سياسية واجتماعية وثقافية وأمنيةٌ معقدة يجب أن تحصل في معرض أخذ القرارات المصيرية، فليس الأمر أمر عنادٍ من جانب، كما أنه لايجب أن يكون مجرد استجابةٍ تتعلق بمطامح فردية أو رؤيةٍ مجتزأة من جانبٍ آخر.

وفي نهاية المطاف، فإن على الأصدقاء الخُلّص للشعب السوري أن يدركوا أن الشرائح الفاعلة في الثورة السورية بشكلٍ عام، وفي المعارضة السياسية تحديداً، تُدرك تماماً حجم الدعم المقدم للثورة. أكثر من هذا، تدرك تلك الشرائح بشكلٍ دقيق مفاصل التداخل بين مصلحة الشعب السوري وثورته من ناحية، والمصالح الاستراتيجية للأصدقاء الخُلّص من ناحيةٍ أخرى..

وإذا كان الإصغاء لنصائح الأصدقاء طبيعياً، فإن (أهل مكة يبقون أدرى بشعابها) كما يقول المثل العربي العريق. وبالتالي، فإن اتخاذ القرارات النهائية بالنسبة للقضايا الحساسة تحديداً يتطلب معرفةً عميقة وتفصيليةً وشاملةً بتلك الشعاب لن يقدر على الإحاطة بها إلا أهل البيت..

والأرجح أن تكون هذه المعرفة سبباً للوصول إلى قرارات تحقق فعلاً تلك المصالح المشتركة. في حين يمكن أن يتسبب الاعتماد على معلومات جزئيةٍ لصناعة القرار في ضياع تلك المصالح على جميع الأطراف.. ومع تسارع الأحداث في كل مايتعلق بالثورة السورية، فإن شيئاً من الصبر الجميل قد يُظهر صدقية هذا التحليل بكل وضوحٍ وجلاء..

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ