ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 23/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

22-03-2013

تحديات المعارضة السورية

عماد الدين أديب

الشرق الاوسط

22-3-2013

أعرف أن مهنة الكتابة السياسية ليست مهنة علاقات عامة أو رسالة يومية من الترضية والحصول على حب وسعادة كل القراء وكل الأطراف.. وأعرف جيدا أن رأيي الذي سأكتبه اليوم بشأن المعارضة السورية قد يفتح على شخصي الضعيف أبواب الجحيم.. ولكن ما أقوله هو تعبير عن قناعاتي ومشاهداتي للأحداث. إنها مسألة ضمير من دون أي زيادة أو نقصان!

ما أريد التأكيد عليه اليوم هو أن المعارضة السورية بأسلوب تفكيرها ومصالحها وارتباطاتها المحلية والإقليمية والدولية وبطريقة هيكلتها الحالية تواجه 4 إشكاليات أساسية لا يمكن التغاضي عنها وهي:

أولا: إن خلافات هذه الفصائل مع بعضها البعض أكبر من خلافاتها - أحيانا - مع النظام الذي ثارت ضده، وهي إشكالية وقعت فيها كل فصائل معارضة ما بعد الربيع العربي.

ثانيا: أنه لا توجد خارطة طريق واضحة ومحددة يمكن أن تطمئن الشعب السوري أولا، وأصدقاء سوريا المخلصين ثانيا، حول كيفية إعادة بناء نظام ما بعد الأسد.

ثالثا: أن هناك رؤى متضاربة حول أسلوب إسقاط النظام الحالي ما بين الحوار والعمل العسكري، وما بين الجمع بينهما.

وحتى أنصار الحوار في حالة انقسام ما بين:

أ) الحوار مع الأسد نفسه.

ب) الحوار مع شخصيات قريبة من نظام الأسد.

ج) اختيار شخصيات بعثية لكن لم يكن لها أي دور تنفيذي.

رابعا: تعرض فصائل المعارضة لضغوط القوى الإقليمية المختلفة والتي قررت ممارسة صراعاتها ومشاكلها من خلال هذه الفصائل، مما يزيد من حالة الانقسام والتشرذم السياسي.

إن ما نريده للمعارضة السورية هو النجاح في بناء دولة مدنية عصرية مستقلة بعيدة عن الهيمنة أو السيطرة الإقليمية أو الدولية.. وما نريده ونحلم به للمعارضة السورية هو القدرة على إقامة مجتمع مدني غير متطرف يحافظ على فكرة الدولة السورية الموحدة البعيدة عن الطائفية أو المناطقية أو نزعات التقسيم المشبوهة.

لذلك أنا قلق على مستقبل المعارضة السورية.

===================

عن الكرد السوريين وانتخاب غسّان هيتو

هوشنك أوسي *

الجمعة ٢٢ مارس ٢٠١٣

الحياة

انتخب «الائتلاف الوطني السوري...» غسّان هيتو، المتحدر من أصول كرديّة، رئيساً للحكومة الموقّتة. وفور إعلان النبأ، اكتظت صفحات الكرد السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي بفيض جديد – قديم يغرف من معزوفة المؤامرة إيّاها، والتي تقول: «إن هذا الشخص ليس كرديّاً، لكونه لا يجيد التحدّث باللغة الكرديّة»، وأنه «لا يمثّل الكرد»، وانه «حصيلة مؤامرة وتواطؤ تركيا وقطر واميركا على الكرد السوريين»، وانه «مرشّح الإخوان...»، وأنه «ليس سوريّاً كونه قضى غالبيّة سني عمره في أميركا»، وانه «يحمل الجنسيّة الاميركيّة»، و «أن ابنه جهادي أتى من أميركا ليقاتل في دير الزور»... وأنه وأنه!. وربما طالبت قلّة قليلة جدّاً بالتريّث وعدم التسرّع في إطلاق الأحكام على الرجل، قبل ان نرى كيف سيكون أداؤه، وما الذي يمكن ان ينجزه للسوريين عموماً وللكرد على وجه الخصوص، كون بعض اقطاب المعارضة السوريّة، «منَّنوا» الكرد على انتخابه، كما «منّنوهم» سابقاً بانتخاب عبدالباسط سيدا رئيساً للمجلس الوطني السوري!

وسيدا كرديّ حقيقيّ ومتحدر من عائلة وطنيّة كرديّة سوريّة لها جهد وباع في النضال السياسي الكردي، كما يسبق هيتو بسنوات ضوئيّة لجهة الانشغال بالهمّ السياسي والثقافي الكردي السوري، ومع هذا لم يقبل به الكرد السوريون، فكيف لهم ان يقبلوا بالسيّد هيتو؟، مع الاحترام لهذين المعارضين السوريين.

وفور إعلان انتخاب هيتو، بدأ الكرد وغيرهم لعبة نبش ماضي هذا الرجل وحاضره، للتأكيد على عدم أهليّته لتولّي منصبه الجديد، وللتأكيد على انه لا يمتّ للكرديّة بأيّة آصرة وصلة! وهذا الموقف جرى على خلاف العادة الكرديّة في «نبش» التواريخ وكتب التراجم وسيَر المشاهير للتأكيد على كرديّة هذا المثقف او ذاك الشاعر أو الفنان أو المخرج او الفيلسوف أو المؤرّخ أو العالم أو الشيخ أو النبي! لدرجة ان بعض أكرادنا الأفاضل، وصل الأمر بهم الى «تكريد» النبي آدم والنبي نوح والنبي ابراهيم. وعليه، فالساسة والمثقفون الكرد حين كانوا يريدون التأكيد على الدور والتأثير الكردي في الحضارة العربيّة والاسلاميّة، وفي مرحلة التحرر الوطني السوري، كانوا يسردون قوائم طويلة عريضة من اسماء الساسة والقادة والمثقفين المتحدرين من أصول كرديّة، كصلاح الدين الايوبي وأحمد شوقي وعبّاس محمود العقّاد وقاسم أمين ومحمد كرد علي ويوسف العظمة وابراهيم هنانو... وفي الوقت عينه، تراهم الآن، يسعون لـ «الطعن» بصدقيّة كردية هيتو وقبله سيدا؟!

هذا السلوك الاعتباطي والارتجالي، إن جاز التعبير، ينمّ عن خلل في بنية الوعي السياسي والثقافي الكردي. ليس لكون هيتو «سوبر مان» او «رجل المرحلة»، وليس للدفاع عنه، كونه ليس متهماً أصلاً بالدفاع عنه، بل لأن الانجراف في تعاطٍ كهذا قد يدفعه (إن كان قد خطر في باله انه من أصول كرديّة)، لأن يتبرّأ «ضمناً» من هذه الأصول، ويعمل ضدّ مصلحة وحقوق المكوّن الكردي في سورية!. فبدلاً من الترحيب بانتخاب هيتو، ومطالبته بأن يكون على مستوى المرحلة واستحقاقاتها، وأن يكون صوت السوريين عموماً، وصوت المعارضة الوطنيّة الديموقراطيّة، الداعمة للحقوق الوطنيّة الديموقراطيّة الكرديّة، وحقوق كل الاقليّات، في سورية، نرى الكثير من كردنا، ينزلقون، في شكل شعبوي بل غوغائي، لاستهداف الرجل، والدفع به، ربما، لاتخاذ مواقف سلبيّة، تجافي الحقوق الكرديّة!

هكذا، يبرع الكرد السوريون في اختلاق الخصوم والاعداء، بدلاً من تقليلهم وكسب المحايدين!

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، نرى ان بعض الكرد السوريين ممن يزعمون انهم منخرطون في الثورة السوريّة ويسعون لاسقاط النظام، يغرّد لسان حالهم، في الوقت عينه، على ايقاع إعلام النظام السوري، والحديث عن «الثالوث الشيطاني» المعادي للكرد: تركيا وقطر وأميركا!؟ فما هذا التقاطع الغريب والمعيب مع اعلام طغمة الاسد؟! إن هذه النغمة تثير الشكوك والريبة بقدر ما يمكن ان يثير انتخاب معارض غير معروف، كهيتو، من الاسئلة والظنون. لقد انزلق كردنا السوريون للتشكيك في هيتو، وكأنّ قادة الاحزاب الكرديّة «سوبرمانات» في السياسة والادارة والدراية في علوم التقانة والدنيا والآخرة! واذا أجرينا إحصاء او تحرّياً عن رؤساء الاحزاب الكرديّة السوريّة الـ99، فقد لا نجد واحداً منهم يجيد اللغة الانكليزيّة! وربما نجد ان بعضهم لا يتقنون اللغة الأمّ (الكرديّة) قراءة وكتابة! فلبّ الاشكال ليس في ان غسّان هيتو يتقن اللغة الكرديّة أم لا. ذلك ان هنالك من يتقنها ويعمل تابعاً صغيراً للاستخبارات السوريّة والتركيّة والايرانيّة!

هكذا يسود بين الكرد السوريين، مثقفون وساسة، ما يشبه «الطعن» و «النأي بالنفس» في الوقت نفسه، فنراهم لا يشتركون في أيّ مؤتمر بفعّالية، ثمّ يشككون في التمثيل الكردي فيه! ولا يشاركون لكنهم يطالبون بالحصص المنسجمة مع حجم الكرد ووزنهم في المعادلة السياسيّة الوطنيّة!؟

صحيحٌ جدّاً ان المعارضة العربيّة، الاسلاميّة منها والعلمانيّة، ما زالت غير متبرّئة من الموروث البعثي - الشوفيني، اثناء التعاطي مع حقوق الاقليّات القوميّة والدينيّة في سورية، ولكنْ صحيح أيضاً ان الكرد السوريين، لم ولن يحرجوا أو يعرّوا هذه الذهنيّة والسلوك لدى هذه المعارضة عبر انتهاج هذا النمط من التفكير والممارسة السياسيّة والاعلاميّة السلبيّة!

وإذا افترضنا ان غسّان هيتو مرشّح الاخوان والسلفيين وثالوث تركيا – قطر – اميركا، فهل يقبل الكرد بمرشّح روسيا – ايران – الصين؟! ذلك ان الخيار الوطني الديموقراطي الخالص والنزيه، من المستحيل توفّره الآن. وما على السياسي المحنّك، الذي يزعم الدفاع عن حقوق الذين يمثّلهم، إلاّ التعاطي مع الوقائع بواقعيّة، والعمل على تغيير الواقع المفروض في إطار، وتحت سقف، الممكن. زد على ذلك ان من يزعم ان الاخوان والسلفيين قد سطوا على الثورة السوريّة، وهذه حقيقة لا خلاف عليها، ان يسألوا أنفسهم: لماذا ترتكوا الثورة وحيدة، ينهشها الاخوان والسلفيون، حتّى أوصلوها الى هذا الدرك من الطائفيّة المقيتة؟!

قصارى القول: حين تولّى بشّار الاسد الحكم، مطلع سنة 2000، هللت له كل اطياف المعارضة السوريّة، ومن بينهم الاكراد. وعوّلوا على الاسد الابن، ومنحوه الفرص، واطلقوا على بداية حكمه وصف «ربيع دمشق» وقالوا عنه انه درس في لندن، و «شاف بلاد برّا» وانه مثقف وفهمان، وطبيب عيون...!. فلماذا لا يعطون هيتو فرصة ان يثبت للجميع ان الشكوك والظنون التي تحوم حوله ليست في محلّها. جرّبوا الرجل، ثم احكموا.

===================

الكيماوي استباقاً للتسليح ومعركة دمشق؟

وليد شقير

الجمعة ٢٢ مارس ٢٠١٣

الحياة

سواء «تيقنت» روسيا والولايات المتحدة الأميركية من هوية الجهة التي استخدمت سلاحاً كيماوياً في بلدة خان العسل قرب مدينة حلب، أم لم تفعل، فإن قصف البلدة بهذا النوع من السلاح يؤذن بمرحلة جديدة من الصراع العسكري والسياسي في سورية. إنها مرحلة «الكيماوي» في الحرب الدائرة في سورية.

وعلى رغم ان الرئيس الأميركي الذي يزور المنطقة مع ترويج سبق الزيارة، بأنه لا يحمل معه جديداً بالنسبة الى عملية السلام، قال إن استخدام الكيماوي «سيغيّر اللعبة»، فإن حديث الأميركيين عن أن لا أدلة بعد على استخدام أسلحة كيماوية يشي بأن واشنطن غير جاهزة بعد للرد على تطور كهذا، وأنها، على الأرجح ستشيح بنظرها عما حصل، لأن «لا جديد» لدى أوباما في ما يخص الأزمة السورية أيضاً، ولأنه ما زال في موقع المتفرج على تصاعد القتال في سورية. والتجربة تدل الى أن لا مشكلة لدى أوباما في الإخلال بالتزاماته التي أعلنها قبل أشهر حين قال إن استخدام الكيماوي خط أحمر، تماماً كما فعل قبل أربع سنوات حين وعد بقيام الدولة الفلسطينية بعد عام ثم تراجع عن اشتراطه على اسرائيل وقف بناء المستوطنات قبل استئناف المفاوضات مع السلطة الوطنية الفلسطينية.

فاللغط الأميركي والروسي حول أنه لم يتم التيقن من استخدام السلاح الكيماوي في خان العسل، يفترض أن اتهام النظام السوري المعارضة بأنها وراء استعمال هذا السلاح يمكن أن يكون قابلاً للتصديق، على رغم ان واشنطن استبعدت ذلك وأن موسكو تراجعت أول من أمس بلسان نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف عن هذا الاتهام بدعوتها الى إجراء تحقيق لأن ليست هناك أدلة دامغة في شأنه. إلا أن دون هذا الافتراض الكثير من الحجج المنطقية التي تجعل منه واحدة من الأكاذيب الكبرى التي يتفنّن النظام السوري باختراعها منذ بداية الثورة السورية في درعا: حين يقتل ويدمر ويسحل ويرتكب المجازر ويتهم خصومه بفعلته. فهناك أسئلة بسيطة تجعل من افتراض اتهام المعارضة غير قابل للتصديق. ولو كان للأخيرة القدرة على استخدام الكيماوي، فلماذا لا ترمي به ثكنات الفرقة الرابعة للحرس الجمهوري، أو ثكنة من ثكنات جيش النظام أو تجمعاً من تجمعاته التي تقاتل الثوار، أو مطاراً من المطارات التي ينطلق منها سلاح الجو لقصف البلدات والمناطق التي يتمكن «الجيش السوري الحر» من تحريرها.

وإذا كانت قوات المعارضة تملك سلاحاً كيماوياً، فلماذا لا تقصف به القصر الرئاسي السوري أو مقر وزارة الدفاع اللذين أشارت الأنباء الى أن المعارضة تقصفهما منذ أسبوعين بقذائف الهاون، بدلاً من قصف بلدة خان العسل التي تخوض منها قتالاً مع جيش النظام وشبّيحته؟

وإذا كانت هذه الأسئلة لا تكفي للتشكيك برواية النظام التي تتهم المعارضة، فإن الخبراء يقولون ان استخدام الكيماوي في القصف يحتاج الى اختصاصيين، لأن الغازات التي تحملها رؤوس الصواريخ، تحتاج لتجهيزها الى خلط نوعين من الغازات من أجل تحويلهما الى غاز «سارين» وغيره قبل اطلاقها، فهل لدى قوات المعارضة هذا النوع من الاختصاصيين؟

لكن ترجيح فرضية إطلاق النظام للصاروخ الذي حمل مواد كيماوية على خان العسل، والتي هي أقرب الى الحقيقة، يطرح افتراضات وأسئلة من نوع آخر، بعيداً من محاولة الخارجية السورية إغراق المجتمع الدولي بالسعي الى لجنة تحقيق دولية مستقلة في هذا الشأن. فاستخدام الكيماوي يجيء رداً على جملة خطوات وضعت النظام السوري في حال أكثر حرجاً مما كان عليه قبل المفاوضات الروسية – الأميركية التي انتهت الى ليونة من واشنطن إزاء طلب موسكو ترجيح الحوار والحل السياسي. فالنظام كان في حاجة الى الرد على إعلان بريطانيا وفرنسا عن اتجاههما الى تقديم أسلحة جديدة الى «الجيش الحر» وغض النظر الأميركي عن ذلك، وعلى الأنباء عن تسريب أسلحة ومقاتلين من الحدود الأردنية الى درعا تمهيداً لتوجه المعارضة نحو خوض معركة دمشق بقوة أكثر من السابق، ورداً على تعيين غسان هيتو رئيساً للحكومة الموقتة من المعارضة تمهيداً لهجوم ديبلوماسي – سياسي لاحتلال مقعدي سورية في القمة العربية والأمم المتحدة ولإدارة مناطق محررة بدءاً من الشمال السوري... وأخيراً رداً على تضييق الخناق على النظام لجهة حركته المالية والتي تفيد التقارير بأن الإجراءات المالية الأوروبية لمعالجة الأزمة القبرصية ستمس الأموال التي يحتفظ بها في بعض المصارف القبرصية – الروسية.

هل يمكن نظام الأسد أن يستخدم الكيماوي من دون علم روسيا التي أعلن قادتها أن هذا السلاح تحت السيطرة؟ وإذا كان تم ذلك بإجازة روسية لتوجيه رسالة محددة، فما هي هذه الرسالة، في إطار الصراع الدولي على سورية وفيها؟

===================

وقفة مع التحول الكيماوي للأزمة السورية

التاريخ: 22 مارس 2013

الوطن السعودية

 لم يكن الهجوم بالأسلحة الكيماوية الذي تعرض له سكان قرية خان العسل قرب حلب مجرد حدث عادي عابر في مجرى الأزمة السورية، فالهجوم كان نقلة نوعية يستحق الوقوف عنده مطولا ومناقشة تداعياته ومؤشراته في الذكرى الثانية لاندلاع شرارة الاضطرابات في هذا البلد. ولا تأتي أهمية الهجوم الكيماوي بسبب عشرات الضحايا والجرحى الذين سقطوا نتيجة الهجوم فقط، ففي كل يوم يصاب ويقتل العشرات في عمليات القصف والمعارك الدائرة، بل إن عدد ضحايا بعض التفجيرات الانتحارية كان أكبر من عدد الذين سقطوا نتيجة الهجوم الكيماوي، وغالبيتهم أيضا من النساء والأطفال.

القضية هنا هي رمزية الهجوم الكيماوي، فمن الواضح أن المادة التي استخدمت في هذا الهجوم كانت بدائية وبسيطة، وذلك واضح من قلة عدد الضحايا نسبيا وسهولة علاج المصابين. ولا شك أن الأسلحة الكيماوية الحديثة المتطورة قادرة على إيقاع آلاف، وربما عشرات آلاف الضحايا في فترة زمنية قصيرة، ويمكن مقارنة ذلك مع ما حدث في حلبجة في 1988، عندما استخدم النظام العراقي غاز السيانيد ضد الأكراد وقتل أكثر من 5000 شخص في ذلك الهجوم. وبعد مرور 25 سنة، لا بد أن هناك الآن أسلحة أكثر فتكا وفعالية من تلك التي استخدمت في هجوم خان العسل.

وهنا لا بد من التجرد والحديث بكل شفافية وموضوعية عن هذا التحول الخطير حول مسؤولية هذا الهجوم. فتبادل الاتهامات والشتائم بين النظام والمعارضة لن يفيد الأطفال والنساء والذين سقطوا ضحية الهجوم، ولن يكشف من نفذه بهذا الأسلوب. الأمر يحتاج إلى تحقيق دولي محايد لا تسمح ظروف البلد الحالية بإجرائه. كما أن مجرد تبادل الشتائم والاتهامات لن يفيد في منع استخدام السلاح الكيماوي مرة ثانية وثالثة وبفعالية أكبر. لكن هناك حاجة ماسة لأن تقوم الدول المؤثرة على جميع الأطراف باستخدام كل ما لديها من نفوذ للضغط على الجميع وتحذيرهم بضرورة عدم تكرار هذا التطور الخطير والذي قد تكون نتائجه في المرة القادمة كارثية بكل معنى الكلمة.

وفي ضوء كل ما يحدث وما يعانيه الشعب السوري منذ عامين، يبرز السؤال الأهم: ألم يحن الوقت لإيقاف الدمار في سورية؟

===================

تحديات أمام حكومة الثورة

تاريخ النشر: الجمعة 22 مارس 2013

د. رياض نعسان أغا

الاتحاد

أبارك لشعبنا السوري ولادة أول حكومة تبدأ حقبة جديدة في تاريخ سوريا، وأدرك خطر ما ستواجهه من تحديات غير مسبوقة، ولاسيما أنها لن تكون حكومة منفى، وإنما ستكون في ساحة المعركة، ومع الثوار الذين يتعرضون للقصف المدفعي والصاروخي. وستكون مع المشردين الذين تهدمت بيوتهم وأسواقهم، وصاروا بلا مأوى وبلا عمل، وأعدادهم بالملايين، وقد باتت عملية البناء تعني البدء من الصفر في كثير من المناطق التي تعرضت لتهديم المدارس والمشافي والمخابز والمصانع وجل البنى التحتية ومصادر الطاقة من الماء والكهرباء. وستكون الحكومة بحاجة إلى ذراع تنفيذي، وإلى بناء السلطة القضائية، وسيكون التحدي أكبر مع تصاعد العنف، ومع ما تكنه بعض الدول الكبرى من مخططات لا نعلم كل خفاياها. لكن السوريين جميعاً باتوا قلقين من المواقف الغامضة والملتبسة التي تبدي دعماً كلامياً للشعب السوري، ولكنها تخاف من انتصار ثورته. وقد كثر حديث بعضها عن القلق على مستقبل الأقليات، والتخوف من الأسلمة والتطرف، ومن الصوملة والأفغنة، وكل ذلك يجعل الشعب السوري يخشى أن تكون هذه الأوهام المفتعلة ذرائع لتمرير خطط قد تظهر فجأة لتقضي على حلم السوريين بوطن مستقر ينعمون فيه بالحرية والكرامة.

وهذه الذرائع مجرد فزاعات لا وجود حقيقياً لها على أرض الواقع، فالتلويح بالخوف على الأقليات افتعال لمشكلة غير موجودة، فالسوريون الذين صهروا حضارات العالم في ثقافتهم العريقة عاشوا أسرة واحدة لم تفرقها الأديان والمذاهب عبر التاريخ إلا حين كان الغزاة يفتعلون ذلك، كما حدث يوم الغزو المغولي والصليبي والانتداب الفرنسي، ولم تنجح قط خطط التفرقة، لأن التفاعل الاجتماعي السوري كان أقوى من كل الفتن التي أثارها الغزاة.

ولقد عبرت هذه الأقليات عن انتماءاتها الوطنية الأصيلة، وعن انصهارها في اللحمة الوطنية منذ أيام جبلة بن الأيهم إلى أيام فارس الخوري وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي إلى أيام جورج صبرا وميشيل كيلو، وعارف دليلة، وحبيب صالح وسواهم كثير من الذين يعتبرون رموز حركة المواطنة اليوم. وأما الأكراد - وأخصهم لكثرة ما يشاع عن طموحات بعضهم- فهم في قلب هذا النسيج وفي شريانه، من قبل عهد صلاح الدين الأيوبي إلى عصر إبراهيم هنانو، وصولاً إلى عصرنا اليوم، حيث اختار السوريون عبدالباسط سيدا رئيساً للمجلس الوطني قبل الشيخ معاذ الخطيب، وحيت يختارون اليوم أول رئيس لحكومة الثورة غسان هيتو وهما كرديان.

ولا أنكر أنني أغالب حرجاً في ذكر هذه التفاصيل وذكر الأسماء ببعدها الرمزي، ولكننا بتنا مضطرين أن نرد على من يفتعل خوفاً على الإثنيات والطوائف والأعراق ليمهد لطرح أفكار خبيثة، تحلم بالتقسيم أو المحاصصة، وتجعل نتائج الثورة كارثية على السوريين جميعاً.

وأما القلق من التطرف ومن الجبهات المسلحة فهو كذلك مفتعل، لأن الشعب السوري مضرب المثل عالمياً في تقديم الإسلام المعتدل، وهو الذي قدم عبر القرون نموذج الوسطية التي جعلت الإسلام راسخاً في عقول ووجدان السوريين. ولئن كانت بعض القوى قد أدخلت إلى الساحة السورية بعض المتشددين، فإنهم لا يشكلون أية ظاهرة خطيرة على المستقبل، لأن الحاضنة الاجتماعية الوسطية المعتدلة لا تقبل أي فكر متشدد أو متطرف. ويبدو أن كثيراً من الوهم والمبالغة يشوب التوصيف الراهن، إن من حيث العدد، أو من حيث قوة الحضور، وينبغي أن يفهم المراقبون أن لجوء الثائرين والناس عامة إلى الدين في ساحات الموت والشهادة أمر طبيعي، لأنه يشكل طاقة إيمانية ودافعاً روحانياً، ولولا إيمان الناس بربهم لما تمكنوا من الصبر على ما يذوقون من بلاء وفواجع غير مسبوقة. وينبغي أن يفسر هذا التدين في مساره التاريخي والوجداني دون التباس أو تزييف أو تهويل. وحسب السوريين مرجعية أنهم شهدوا ولادة أول دولة عربية مدينية أسسها الأمويون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أبنائهم في دمشق، وهي التي نشرت الإسلام بتمثل حضاري لكل ثقافات العالم في عصرها.

وأما تحذير السوريين من تحول سوريا إلى ساحة إرهاب، فإن معظم السوريين يدركون أن تردد المجتمع الدولي في دعم ثورتهم بشكل قوي وفعال هو الذي يتيح للفوضى أن تجد بيئة للإرهاب ولو أن الجيش الحر وجد الدعم المطلوب لتمكن من ملء كل الفراغات، وهو جيش وطني بامتياز، ومن يقلق حقاً على مستقبل سوريا، ويخشى من تداعيات الفوضى، فإن الوقاية الممكنة اليسيرة هي في دعم الجيش الحر وتمكينه، وهو القادر في المستقبل على لمِّ شمل الجيش السوري كله، وإعادة بنائه بما يضمن لسوريا أمنها واستقرارها.

وبالطبع لن نستبعد أن يدور حوار سياسي مضطرب بين فصائل الثورة ومكوناتها في المستقبل، ولكنني أتفاءل بأن يفيد السوريون من الدروس والعبر الراهنة في كل البلاد التي سبقتهم، مثل تونس وليبيا ومصر. وأعتقد أن توجه الأكثرية إلى نماذج الدولة السورية في الخمسينيات سيشكل ضمانة لرؤية وطنية قابلة للتطوير، فعلى رغم أن الخمسينيات السورية كانت مرحلة انقلابات عسكرية انتهت باللجوء إلى الوحدة مع مصر، إلا أنها شهدت تجربة ديمقراطية غنية بتنوعها وحيويتها، وشكلت حاضنة للقوى السياسية الوطنية، ولولا أن سمة العصر آنذاك فرضت على سوريا صراعات عسكرية بتداعيات نكبة فلسطين لكانت التجربة الديمقراطية التي أجهضها عهد الوحدة مع مصر قلد بلغت ذروة تضاهي ما بلغته أوروبا. وقد عادت سوريا إلى خبرتها الديمقراطية في فترة الانفصال القصيرة، حيث ابتعد العسكريون عن الحكم وسلموه للمدنيين قبل أن يعود العسكر إلى الحكم عام 1963 ويدفنوا التجربة الديمقراطية في سوريا خمسين عاماً.

ولكيلا لا تكون ولادة الحكومة الثورية الجديدة ترسيخاً لثنائية بغيضة تشكل مشهداً مخيفاً في وجود حكومتين لسوريا ونشيدين وعلمين، فإننا نحث المجتمع الدولي على تجسيد اعترافه بالائتلاف الوطني عبر الاعتراف الكامل بشرعية حكومية واحدة وتمثيل دبلوماسي واحد. ومع ثقتنا بصمود شعبنا وقدرته على تحقيق النصر، فإننا نتفاءل بأن يحسم المجتمع الدولي تردده، وأن يجد حلولاً سياسية يتوقف من خلالها شلال الدم، ويتم معها الحفاظ على ما تبقى من سوريا قبل أن يجهز عليها التدمير الشامل، مع تحقيق هدف الشعب في انتقال السلطة إليه ليبدأ مرحلة إعادة بناء الدولة والمجتمع.

===================

هزيمة التضليل في الثورة السورية

ياسر أبو هلالة

الغد الاردنية

بعد عامين من ثورة الشعب السوري الملحمية، فإن أكثر ما يقلق هو إنكار التضحيات، في ظل طول أمد الثورة، وقوة ماكنة التضليل الإعلامي للنظام السوري وحلفائه. ولا شك في أن ألق أي ثورة يخفت بعد مدة، وتبدأ عيوبها وأخطاؤها بالظهور. ولم تكن الثورة السورية محظوظة كثورتي تونس ومصر اللتين أنجزتا نصرهما وهما متألقتان في عيون الشعبين التونسي والمصري، تماما كما في عيون العالم.

لم يكن متوقعا في البداية أن تصمد الثورة في ظل فائض الدموية والإجرام. وبعد أن صمدت في عامها الأول، لم يكن متوقعا أن يصمد النظام في العام الثاني. لكن تكافأت القوتان في ظل الدعم الإيراني والروسي غير المحدود للنظام، مقابل تخاذل حلفاء الثورة. بالنتيجة، بدأ في العام الثالث تحسن المعادلة العسكرية لصالح الثوار، بفضل شجاعتهم وصمودهم، وبسبب تخفيف الحظر على تسلحهم.

مقابل المعركة الضارية على الأرض، ثمة معركة أشد ضراوة على الرواية؛ هل ما يجري ثورة شعب حر ضد نظام دكتاتوري، أي امتداد لموجة الربيع العربي، أم هي عصابات إرهابية تعيث فسادا بدعم إسرائيلي-أميركي؟ إن إنكار معاناة الضحايا من المعاناة نفسها.

في الاستطلاع الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تبين أن الرأي العام العربي بخير، وأنه تمكن من هزيمة التضليل، على الرغم من استخدام أبشع أشكال الكذب، واللعب على القضية الفلسطينية والغرائز الطائفية.

إذ أظهرت النّتائج أنّ هناك شبه توافق بين أغلبيّة مواطني المنطقة العربيّة، وبنسبة 77 % من المستجيبين، على أنّه "من الأفضل لسورية اليوم أن يتنحى الأسد عن السلطة"، مقابل معارضة 13 % لهذه العبارة. في حين بين 8 % من المستجيبين أنهم لا يمتلكون رأيا محددا، ورفض 2 % الإجابة عن السؤال.

وعند تحليل اتجاهات الرأي العام في البلدان المستطلَعَة آراؤها نحو تأييد عبارة "من الأفضل أن يتنحى الأسد عن السلطة" أو معارضتها، تشير النتائج إلى أن أكثرية المستجيبين في كل بلد تؤيِّد تنحّي الأسد عن السلطة، باستثناء الرأي العام اللبناني الذي انقسم إلى: 44 % أيدوا تنحي الأسد، مقابل 46 % عارضوا تنحيه.

ومفتاح فهم هذا الانقسام في الرأي العام اللبناني هو تحليل النتائج بحسب طوائف المستجيبين ومذاهبهم. إذ ثمة شبه إجماع لدى المستجيبين الشيعة على معارضة تنحي الأسد، بنسبة 89 %، مقابل 6 % يؤيِدون تنحّيه. وعلى النقيض من ذلك، فإن تأييد تنحي الأسد تركز بين المستجيبين السنة والدروز؛ إذ أيد 77 % من المستجيبين السّنة التنحي، وعارضه 4 %، كما أيد 75 % من المستجيبين الدروز التنحي، وعارضه 10 % منهم. أمّا المستجيبون المسيحيون بطوائفهم المختلفة، فقد انقسموا في موقفهم من المسألة؛ إذ أيد 42 % منهم التنحي، وعارضه 44 % منهم. ومعنى ذلك أن الاستثناء اللبناني فيما يتعلق بالموقف من الأزمة السورية، هو انعكاس للانقسام الطائفي السياسي اللبناني تجاه العديد من القضايا؛ ومنها الأزمة السورية. وقد عبّر هذا الانقسام عن نفسه، في بعض الأحيان، من خلال مواجهات مسلحة بين مؤيِدي النظام السوري وبين مؤيِدي الثورة.

وقد أيد 91 % من المصريّين تنحّي الأسد، فيما كانت نسبة المؤيّدين 90 % في الكويت، و88 % في السّعوديّة، و87 % في اليمن. هذا في حين كانت أقل نسبة تأييد لتنحي الأسد موجودة بين المستجيبين العراقيين، على الرغم من أن أكثرية الرأي العام العراقي، وبنسبة 51 % من المستجيبين، تؤيّد التنحّي، فيما عارض ذلك 26 % منهم. وهذا مؤشر إيجابي على تعافي العراق نسبيا من اللوثة الطائفية، والذي يعد مؤشرا له أهميته المستقبلية بعد انتصار الثورة السورية الذي لا يبدو بعيدا.

yaser.hilila@alghad.jo

===================

الثورة السورية في ذكراها الثالثة.. هواجس الخوف من سقوط النظام

عبد عرابي

2013-03-21

القدس العربي

دخلت الثورة السورية عامها الثالث، أيام طويلة مرت على السوريين كأنّها دهور، قضوا فيها ليال ظنّوا أنّهم لن يطلع عليهم ضوء النهار، فقدوا كثيراً من أهليهم وأحبابهم، وترك أكثرهم بيته وفرّ بأولاده حاملاً بعض ثيابه إن استطاع، وتشرّدوا هائمين على وجوهم، ما إن يستقر بهم التشريد في مكان حتى تلاحقهم قذائف المدافع والدبابات والطائرات، فينتقلون إلى مكان آخر وهكذا دواليك، حط ترحال بعضهم في خيمة لم تدفئهم من برد ولم تقهم من مطر، وبعضهم لم ينل شرف الحصول على مثل هذه الخيمة، فَقَدَ أكثرهم كل ما جناه طوال حياته، وأمسى محتاجاً لأدنى مقومات الحياة.

قدّم السوريون خلال هذين العامين تضحيات هائلة، حوالي مئة ألف من الشهداء، ومئتي ألف من المعتقلين والمفقودين، ذاقوا ألواناً من الظلم والقهر والعذاب لم تعرف البشرية مثل وحشيّتها وهمجيّتها، مجازر يذبح فيها الأطفال والشيوخ والنساء، ويحكم فيها بالإعدام على كلّ مظاهر الحياة من نبات وحيوان، وانتهكت فيها كلّ القيم والمقدسات، فمثّل بالجثث، واغتصبت النساء، ودنّست المصاحف، وهدّمت المساجد ومنعت فيها الصلوات.

ومع ذلك صمدوا صموداً أسطورياً أمام آلة القتل والدمار الهمجية، وقدّموا ملاحم بطولية في الثبات والإصرار، ولم يثنهم عن سعيهم لنيل حريّتهم تخاذل قريب أو صمت بعيد أو تآمر حاقد.

عامان ومعاناتهم مع الطغاة والظالمين تتصدر شاشات المحطات الفضائية التي كانت تنقل بعضاً ممّا كان يجري ممّا استطاعت أن تلتقطه عدسة مصوّر خاطر بحياته وربما فقدها من أجل نقل مشهد ممّا رأى، وما يحصل بعيداً عن الأعين والعدسات في أقبية السجون والمعتقلات أشدّ وأفظع وربما لا تتخيله التصورات.

كان بإمكان المجتمع الدولي بدءاً من الجوار والإقليم أن يضعوا حدّاً لهذه المعاناة الفظيعة من بدايتها، ولكنّهم لم يفعلوا، والسؤال الذي حيّر السوريين لمَ لم يفعلوا!! وبعبارة أخرى: لمَ يخشَ العالم من انتصار الثورة السورية؟ فكلّ المبررات والذرائع والأسباب التي قدّمها الأقربون والأبعدون لتفسير تخاذلهم وتقاعسهم عن نصرة المظلومين في سورية لا ترقى إلى معشار معشار المعاناة التي لحقت بهم، فبينما كانت الأسلحة والذخائر تنقل براً وبحراً وجوّاً للطغاة والظالمين كان العالم يناقش مخاطر التسميات الإسلامية لكتائب الجيش الحر وأيديولوجياتهم وطول لحاهم مع أنّ لحى الشبيحة أطول- قدّموا لهم فتاتاً من المساعدات الإنسانية، لينقلب حال المعاناة فتبذل الجهود لمعالجة نتائج الكارثة وآثارها بدل السعي إلى القضاء على أسبابها وإيقاف مصادر نزيفها واستمرارها.

لم يكن خافياً على أحد من السوريين أو غيرهم حالة الخوف الهستيري الذي أصاب الدول الإقليمية والدول الفاعلة عالمياً من انتصار الثورة السورية، ولعلّ تصريحات المالكي الأخيرة تلقي الضوء على نموذج معلن من هذا الخوف الذي يتضمن تهديداً مبطّناً للدول التي ربما تفكّر بدعم المعارضة دعماً حقيقياً معلناً: فانتصار المعارضة برأيه سيؤدي إلى حرب أهلية في لبنان، وقلاقل في الأردن، وحرب طائفية في العراق، ومثله تصريح بعض المؤيدين للنظام السوري من اللبنانيين كحزب الله وبعض المسيحيين وغيرهم، وأقوى منها تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي كانت تتوافد زرافات ووحداناً بخطّها الأحمر وما فوق الأحمر، ومن خلف الجميع التصريحات الروسية التي ما فتئ وزير خارجيتها لافروف على تكرارها في كلّ المناسبات حتى وبلا مناسبات.

أمّا الدول التي تعلن ظاهراً تأييدها للثورة السورية فأكثرها قد أعلن بعض أسباب تردده وتقاعسه عن مدّ يد العون (المجدية) للسوريين وأخفى أسباباً أخرى، وأعظم مثال على ذلك موقف الولايات المتحدة الأمريكية (سيدة العالم) وخلفها الاتحاد الأوربي وبعض العرب، ويتمحور هذا الخوف حول حال سوريّة بعد سقوط الأسد من حيث سيطرة فكر القاعدة وأولادها وأخواتها، وحال الأقليات وخصوصاً الطائفة التي كانت الحاضنة الأساسية للنظام من حيث عدم تفشي روح الانتقام لتشمل من شارك في سفك الدماء ومن لم يشارك.

أمّا الأسباب غير المعلنة لهذه الدول - وهي ترتبط بما هو معلن في جانب من جوانبها- هذه الأسباب غير المعلنة تختلف باختلاف المصالح فأمريكا والغرب بوصلتها أمن دولة الصهاينة، فهم لا يريدون أن تضطرب الجبهة الشمالية لهذه الدولة والتي بقيت هادئة مستقرة ومن غير اتفاقية سلام لمدة أربعين عاماً، لا يريدون دولة حرّة قوية مقاومة (حقيقة) تكون جادة في استعادة الأرض وصون العرض.

أمّا دول الشرق إيران وبعض العرب وربما الصين وروسية (في حالة الجمهوريات الإسلامية التي ما زالت أقليات تطمح إلى الاستقلال) فهذه الدول بالإضافة إلى الأسباب المعلنة خائفة من انتقال العدوى إليها، فحال شعوبها لا يختلف كثيراً عن حال السوريين إلا ربّما ببحبوحة عيش عند بعضهم، أمّا مسألة الحريّات فحدّث ولا حرج، ونجاح الثورة السورية بجهود أبنائها وبدون تدخل خارجي يعني شبه معجزة بمعيار الثورات على الأنظمة القمعية، وخصوصاً إذا ما قورن تجذّر النظام السوري واستبداده وقمعه بالأنظمة التي أسقطتها ثورات الربيع العربي، مما يعطي أملاً لتلك الشعوب بالقدرة على إسقاط أنظمتها القمعية (القوية).

لاشك أن جغرافية سوريّة لها الدور الرئيس في حالة الهلع التي أصيبت بها بعض الأطراف من احتمال انتصار ثورتها عسكريّاً، مع تذكّر دور التنوع السكاني في ديموغرافية السوريين من حيث القوميّات والأديان والطوائف في ذلك، مع عدم إهمال الجانب التاريخي من حيث أثر تحرّر إقليمين عظيمين من بلاد العرب والمسلمين وهما بلاد الشام ومصر في نهضة العرب والمسلمين واستحضار ذلك تاريخياً من بداية الفتوحات الإسلامية إلى الوقوف في وجه المغول والتتار والصليبين إلى نهضة محمد علي ...

كلّ ذلك مع عدم إنكار وجود خلفيات إيديولوجية عند بعض الأطراف (ربما تكون الهاجس وراء خوفها الحقيقي) وإن اختبأت تحت مظاهر أو مسمّيات أخرى، لكنّها تظهر بالتصريحات غير الرسمية و زلات اللسان.

كذلك لا ننكر خوف بعض الدول من فقدان ميزاتها و مصالحها الاقتصادية، وإن لم تكن هذه المصالح مغرية جداً، بل ربما اعتبر هذا العامل هو أضعف العوامل التي تدفع بعض الدول إلى الخوف من سقوط النظام وانتصار الثورة. لعب النظام القمعي في سوريا على هذه الأسباب والهواجس وما يتبعها من تناقضات على المستويين الإقليمي والدولي، وظهر أنّه ما زال صامداً بعد سنتين من الثورة، وهو الذي عُرف عبر تاريخه الطويل بسياسة براغماتية مصلحية غير أخلاقية، تستفيد من تناقضات مصالح الدول العظمى - وخصوصاً أمريكا وعقدتها في حماية إسرائيل- في البقاء والرسوخ، وموقف النظام السوري من الحرب الأهلية في لبنان، والحرب العراقية الإيرانية، وغزو العراق بعد ذلك.. أكبر دليل على هذه البراغماتية المنافقة.

لقد استطاع النظام السوري حتى الآن مساومة كلّ الأطراف - بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- على هواجس خوفها من سقوطه، على أمل بقائه في السلطة أو مساعدته للخروج بأقل الخسائر، هذه الأطراف التي تغافلت عن واجبها الأخلاقي والإنساني تجاه الشعب السوري الذي تُرك وحيداً في معاناته مع القتل والدمار والتنكيل، تحت وطأة هذه الهواجس.

ولكن إلى متى تستمر هذه الهواجس؟ وإلى متى يُسمح باستمرار استثمار النظام واستغلاله لها؟ وما الذي يجب على السوريين عمله لتبديد هذه الهواجس التي ليس لهم فيها ناقة ولا جمل؟ وما الثمن الذي ينبغي على السوريين أن يدفعوه لإبعاد هذه الهواجس؟ الأيام القادمة هي التي ستجيب عن هذه الأسئلة وغيرها.

السوريون اتخذوا قرارهم فلا مساومة ولا تراجع عن مطلب إسقاط النظام القمعي بعد كلّ هذه التضحيات، وهم ماضون نحو ذلك بوجود هواجس الآخرين أو عدمها، حاولوا تقديم بعض ما يبدد هذه الهواجس ممّا يتعلّق بهم، من حيث ضمان حقوق الأقليات، أو سيطرة الجماعات المتطرفة مع محدوديتها وصغر حجمها بالنسبة لمجموع القوى الفاعلة في الثورة، والتي أراد النظام ومن يلفّ لفّه تضخيمها وتهويلها، فالسوريون بيّنوا أنّهم لا يتصورون لهذه الجماعات أيّ دور فاعل في سوريّة القادمة، ولا يتوقعونه ويضمنون ذلك للعالم كلّه، لأنهم بطبيعتهم متدنيين بالفطرة ووسطيين بتدينهم.

أمّا ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية (هاجس) أمريكا والغرب فثوار سورية يعتبرونها القضية المحورية للعرب والمسلمين، ولا يقبلون ولا بصورة من الصور أن يساوموا على ذلك، وسواء بقي هاجس أمريكا والغرب أو تبدد، ولو كان ذلك على حساب إطالة عمر ثورتهم قليلاً وزيادة تضحياتهم، فهم سيأتون فلسطين أحراراً وشتّات شتّان بين الأحرار والعبيد في استعادة حقوق الأمّة وتحقيق آمالها.

كاتب سوري

===================

 سوريا في شرق أوسط على حدود الكارثة

فايز سارة

المستقبل

يجتاز الشرق الأوسط مرحلة لعلها الاصعب في تاريخه الحديث. اذا هو عرضة لتغييرات عميقة، ستصيب البنى السياسية والاقتصادية والعسكرية لهذا التركيب المعقد. واذا كانت ثورة السوريين مؤشراً رئيساً لما يدور من تطورات واحتمالات في الشرق الاوسط، فان ما سبقها من مقدمات ويرافقها من تطورات في سوريا والاقليم، وما يترتب على ذلك من نتائج، تمثل حلقات في مسار المنطقة نحو كارثة، قد يكون من الصعب تقدير حدودها وحجمها، وما يمكن ان تتركه من ترديات على كيانات الشرق الاوسط وسكانه ومستقبل المنطقة وعلاقاتها الداخلية والبينية.

ففي المقدمات التي سبقت ثورة السوريين، يمكن ملاحظة جملة من الوقائع والمعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعقيداتها، التي صارت اليها معظم بلدان المنطقة وانظمتها، واغلبها وصل الى انسدادات من مؤشراتها ازمات سياسية واجتماعية عميقة، ناتجة عن أنظمة حكم استبدادية دكتاتورية، تستند الى فئة او جماعة اقلوية، تحيط بسلطة تعيش خارج النظام والقانون، وتستحوذ على القرار السياسي- الاقتصادي، وتنفرد بالثروة في مواردها وحيازاتها واستهلاكها، وتسعى لاخضاع شعوبها بكل السبل الممكنة، وتستخدم اقصى درجات الحذر والريبة والامن في ضبط حراك وتفكير شعوبها، وهي مستعدة للقيام باقصى ما يمكن من خطوات واجراءات للحفاظ على السلطة والاحتفاظ بها.

وبحكم التجربة والوقائع، لم يعد من الممكن تجاوز الازمات القائمة وتعقيداتها، وماخلفته من انسدادات دون تدخلات خارجية عنيفة، كما حدث في العراق او عبر انفجارات داخلية، تبدو التدخلات الخارجية واحدة من لوازمها ومتمماتها على نحو ما كان المثال الليبي وعلى نحو ما يشير المثال السوري في تطوراته، وكلاهما درس عميق، يبدو عصياً على البيئات السياسية العربية ونخبها الحاكمة ان تفهمه، وقد اصرت كل منها في تجارب الربيع العربي على تذكير الآخرين باختلافها عنهم، وقولها "نحن غير"و"ظروفنا مختلفة" و"ماحدث في بلدان اخرى لن يحدث عندنا".

لقد بين صراع السلطة ومعارضيها كما بدا في ثورة السوريين ومجرياتها، انه صراع عميق وجذري، لا تراجع من طرف فيه في مواجهة الآخر، وان السلطة يمكن ان تستخدم اقصى طاقاتها في التدمير والقتل من اجل الابقاء على سلطتها ونفوذها، فيما أكد اغلب المعارضين اصرارهم على اسقاط النظام وخلق نظام بديل، وولدت من رحم الصراع، تدخلات اقليمية ودولية لديها استعداد للذهاب في الصراع الى نهاياته الحاسمة في الربح او الخسارة مستغلة كل العوامل والظروف المحيطة بالصراع الداخلي وتحويله الى صراع خارجي له ابعاد اقليمية ودولية، يمكن ان تؤدي الى تغيير في الخرائط السياسية للشرق الاوسط وبلدانه تحت لافتات صراعات دينية - طائفية، او قومية - عرقية، وقد بدأت ملامح من تلك الصراعات تتصاعد واضحة في لبنان والعراق وتركيا، تجد لها تجسيدات ومشاركات على مستويات رسمية وشعبية، ولاشك ان وصول تلك الصراعات الى مراحل متقدمة مع استمرار الصراع في سوريا، سيؤدي عبر العنف الى تكوينات كيانية جديدة متعادية، تقوم على اسس دينية طائفية وقومية -عرقية.

وتتزايد الأخطار المحيطة بالمنطقة باضافة الناتج عن الالتهاب السوري ومحيطه الى مايحصل في مصر، والتي لم تستطع ثورتها الخروج من اشكالات جوهرية، كانت قدر طرحتها الثورة في العامين الماضيين، وابرزها امران، يتصلان بعلاقة السلطة بالمجتمع، وعلاقات المسلمين بالاقباط، ويرتبط عدم حل المشكلتين بوصول الاخوان المسلمين الى السلطة هناك، ومحاولتهم ادارة السلطة الجديدة بروح الاستئثار والاخضاع الاكثري الذي يعكس وجهاً اقل مايقال فيه انه وجه آخر لسلطة العهد السابق، مما دفع بالبلاد الى غرق في المواجهات والفوضى الامنية والاختلاف السياسي الحاد، مما يكرس مشاكل سياسية واجتماعية قديمة ويراكم عليها، ويضع البلاد امام انفجارات خطيرة، خاصة وان ثمة مسارات تفتح خطوطها في مصر، تتقارب ومسارات الصراع الذي عاشته سوريا في العامين الماضيين مثل توجه النظام نحو الاستخدام المفرط للقوة، وتشكيل مليشيات موالية للنظام، يمكن ان تدعم توحش الاجهزة الامنية في وقت يقف فيه الجيش حائراً في حسم انحيازاته، وهو امر قد لا يطول، اذا تطورت الصراعات في البلاد.

ومما لاشك فيه، ان الصراعات بما تعنيه من حروب واقتتال داخل بلدان المنطقة او بين دولها، لن تدمر ماهو قائم في المنطقة من امكانات وقدرات بشرية ومادية فحسب، بل سوف تستنزف قدرات وامكانات المنطقة القائمة والمتاحة ايضاً، وترهن مستقبل المنطقة لاجيال قادمة على نحو ما فعلت حروب الخليج في العقود الثلاثة الماضية، وكان من ناتجها ان جعلت بلدين من اهم بلدان المنطقة في واقع متدهور بصورة خطيرة، ومنعت بلداناً اخرى من ان تكون افضل مما هي عليه الآن، وسوف تجر الصراعات الحالية في سوريا وفي العديد من بلدان المنطقة الاوضاع كلها الى الاسوأ، وقد بدأت بوادر ذلك في مؤشرات سورية متعددة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وثمة مؤشرات في لبنان والعراق بينها تصاعد صراع مذهبي بين السنة والشيعة، ومؤشرات صراع بين المسلمين والاقباط في مصر في وقت تتصاعد فيه حدة الصراع السياسي بين السلطة والمعارضة في اغلب بلدان المنطقة من ايران الى العراق وبلدان الخليج ولبنان الى مصر وشمال افريقيا.

ان تصاعد الصراعات في تنوعها وفي تعدد مستوياتها في ضوء ماحدث في سوريا وعجز المجتمع الدولي عن وضع حد له، يعني بالفعل ان الشرق الاوسط مقبل على كارثة كبيرة. والسؤال الطبيعي المطروح، هل يمكن للقوى الفاعلة في المنطقة اولاً وللمجتمع الدولي ثانياً القيام بما يمنع ذلك، خاصة وان المنطقة وكثير من الدول لن يكونوا بمنأى عن تداعيات كارثة كبيرة في الشرق الاوسط، بل ان تلك الكارثة ان حدثت ستترك اثارها المدمرة على دول وشعوب، ربما هي تفكر: انها بعيدة، وهي بمنأى عن آثار كارثة في الشرق الاوسط.

===================

4 عوامل تحكم التحالف "الوهمي" بين روسيا وسوريا

النظام الدولي و"الثورة الاسلامية الكبرى" والمصالح والدين

موناليزا فريحة

2013-03-22

النهار

منذ الايام الاولى للثورة السورية، تعددت التفسيرات للموقف الروسي حيالها، من العوامل الجيو - سياسية في الشرق الاوسط وتحالفات الحرب الباردة، الى تجارة الاسلحة والمصالح الروسية الخاصة مثل منشأة طرطوس. الا أن النتيجة ظلت واحدة:، وهي دعم روسي سياسي شكل سدا منيعا للنظام أمام محاولات اطاحته في مجلس الامن، وعسكري مده بذخيرة اضافية لمواجهة الثوار.

 من موسكو المغطاة بالثلوج والتي لا يزال "ربيعها" بعيدا، عرض مدير مركز "كارنيغي موسكو" دميتري ترينين في مؤتمر عبر الفيديو نظمه مركز "كارنيغي الشرق الاوسط" في بيروت، مقاربته لهذه العلاقة، داحضا بعض "الخرافات" التي ترافق الموقف الروسي، ورافضاً ادراج العلاقة الروسية - السورية في اطار تحالف، معتبرا أن ما بين البلدين أقل من أن يكون تحالفاً من النوع التقليدي.ومع ذلك، أبدى تحفظا عن العنوان الرئيسي لمحاضرته "التحالف الوهمي: السياسة السورية لروسيا".

وخلافاً للرأي السائد، يرفض ترينين ربط موقف موسكو بالتوازنات الدولية في الشرق الأوسط، أو بالتحالفات السابقة للاتحاد السوفياتي، أو بمبيعات الأسلحة، أو بتغيرها من المبررات التي انكب الباحثون على عرضها لشرح الموقف الممانع لروسيا. وعنده أن السياسة الروسية في سوريا تنطلق من أربعة مستويات متدرجة الاهمية، بدءا من النظام الدولي، فــ"الربيع العربي"، والمصالح المادية لروسيا وصولا اخيرا الى دور الدين.

النظام الدولي

في رأي ترينين، ان السياسة الروسية في سوريا ترتكز أساساً، كما كان الحال في ليبيا أو العراق أو يوغوسلافيا، على النظام الدولي، ومَن يقرّر ما إذا كان يجب استخدام القوّة العسكرية. وهذه المقاربة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمصالح الوطنية لموسكو التي تخشى أن يؤدي السماح لأميركا باستخدام القوة ساعة تشاء، الى تدخلات قرب الحدود الروسية، أو داخلها، وخصوصا في شمال القوقاز.

ويسهب في شرحه، مجادلاً بأن موسكو تعتبر أن مجلس الامن يمثل "حصنا للأمن العالمي"، وعليه التركيز على  الحفاظ على السلام والامن الدوليين، وتالياً الامتناع عن دعم أفرقاء في نزاع داخلي، كما هو الحال في سوريا. ومن وجهة نظر الكرملين، ليست سوريا الا مجرد حالة جديدة حيث يسعى الغرب الى تغيير النظام.ولعل التجربة الليبية التي لا تزال ساخنة أوضح دليل له على ذلك".

"الثورة الاسلامية الكبرى"

في المستوى الثاني، يدرج ترينين التقويم الروسي لـ"الربيع العربي"، لافتاً الى الحماسة الفاترة التي أبداها المراقبون الروس لطبيعة التغيير في المنطقة، بحجة أن ما يحصل "ثورة اسلامية كبرى".

وزاد تطور الاحداث في سوريا قلق روسيا، مع تسلل الجهاديين الى صفوف الثورة وتفاقم خطر حرب أهلية بين السنة والشيعة، والعرب والاكراد، والمسلمين والمسيحيين وبروز احتمالات خروج الأسلحة الكيميائية من البلاد، واستخدامها في نزاعات أقرب من الحدود الروسية، خلافا لما حصل في ليبيا.ففي النهاية، لا تبعد دمشق عن مخاشكالا، في جمهورية داغستان الروسية، الا 1200 كيلومتر تقريبا.

وعزز موقف موسكو المعارض اقتناعها بأن اطاحة محتملة للأسد لن تعني نهاية الحرب الاهلية، وإنما بداية المرحلة التالية فيها.ففي حال كهذه، قال بوتين إن الحكومة السورية والمعارضة ستتبادلان، لكن القتال سيستمر.

المصالح المتواضعة

وعلى ذمة ترينين، لا تحتل المصالح المادية لروسيا الا مكانة متواضعة في حسابات روسيا. فدمشق لم تعد حليف موسكو منذ عقدين عندما انسحبت روسيا من التنافس الجيو - سياسي في المنطقة. وإذ واصل بشار الاسد شراء الاسلحة من روسيا، على غرار والده، فعل ذلك كزبون تجاري أكثر منه شريكا استراتيجيا.

أما منشأة طرطوس الروسية الوحيدة من هذا النوع خارج منطقة الاتحاد السوفياتي، فهي اصغر بكثير من أن تكون قاعدة عسكرية مع طاقم لا يتجاوز عديده 50 رجلاً، وإن تكن تذكر العالم بعودة البحرية الروسية الى المياه الدولية.

ولا يلغي ترينين وجود نحو ثلاثة الآف روسي في سوريا من حسابات الكرملين، وخصوصاً مع ايلاء السياسة الخارجية اهتماماً أكبر، قولاً كما فعلا، بسلامة المواطنين الروس في الخارج.

دور الدين

وعند المستوى الرابع للحسابات السورية لروسيا، هناك العامل "الروحي". ويشرح ترينين أن الدين تطور ليصير محوراً أساسياً في الهوية القومية الروسية، وآدابه التقليدية صارت ركيزة للسياسة الخارجية الروسية. وكما في العراق ومصر، كذلك بالنسبة الى سوريا، أبدى المسؤولون الروس علناً قلقهم  على سلامة الاقليات المسيحية وحقوقها في ظل زوبعة صعود الاسلاميين.

بعد عرضه للسياسة السورية لروسيا والتي تشكل موجزاً لدراسة طويلة له في هذا الشأن،يخلص ترينين أن سياسات عدم التدخل التي تمسكت بها موسكو لم تنفع، وهي تلحق ضررا كبيرا بعلاقاتها بالغرب والعالم العربي.كذلك، يعتبر أن اصرار الغرب على تنحي الاسد بدا بلا جدوى.

ومن هذا المنطلق يرى أن ثمة حاجة الى مقاربة جديدة للأزمة السورية.

=========================

الدرس الذي لم يفهمه بشار الأسد!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

21-3-2013

حتى بعد مرور عامين على هذه الحرب المدمرة، التي لا تزال مفتوحة على أسوأ الاحتمالات بما فيها احتمال تمزق سوريا وتشظيها وإقامة الدويلة المذهبية والطائفية التي يجري الحديث عنها على جزء منها، فإن بشار الأسد، الذي يتغنى المحيطون به بعبقريته وبأن الزمان لم يجدْ بمثله، لم يدرك بعد أن العرب كانوا تغاضوا عن إلحاق والده حافظ الأسد «القطر العربي السوري» بـ«بعْثه» وبرسالته الخالدة بحوزة الولي الفقيه في طهران، بعد تلك الحماقة القاتلة التي ارتكبها صدام حسين بغزو واحتلال دولة عربية هي دولة الكويت.

قبل تلك القفزة المشبوهة التي قام بها صدام حسين، التي، بالإضافة إلى أنها قد أوصلت العراق إلى ما هو عليه الآن، قد دمرت ما كان يعتبر أمنا قوميا عربيا - كانت سوريا تعيش حصارا غير مسبوق، والسبب هو أن حافظ الأسد، بمجرد انتصار الثورة الخمينية في فبراير (شباط) 1979، قد أدار ظهره حتى للدول العربية التي ساندته في الكثير من المعارك الداخلية، التي خاضها ضد من كانوا يعتبرون رفاقه في حزب البعث الحاكم، والتي وقفت إلى جانبه بعد انفراد أنور السادات بالذهاب إلى عملية السلام وتوقيع معاهدة كامب ديفيد الشهيرة، والتي «تفهمت» احتلاله للبنان وتظاهرت بتصديق أن اتفاقه مع هنري كيسنجر في عام 1976 قد جاء من أجل إنقاذ هذه الدولة العربية من الفوضى المدمرة وأيضا من أجل انتشال المقاومة الفلسطينية من المستنقع اللبناني الي بدأت تغوص فيه.

ربما باستثناء جماهيرية القذافي العظمى والجزائر بحدود معينة، فإن معظم الدول العربية، إن ليس كلها، لم تستطع استيعاب تحويل دولة عربية رئيسة وأساسية إلى مجرد رقم ملحق بالمعادلة الإيرانية الإقليمية الجديدة، ولم تحتمل انحياز حافظ الأسد إلى الخميني وثورته في حرب الثمانية أعوام على العراق، ولذلك، ورغم أن الرئيس السوري السابق قد حاول التذاكي على هذه الدول بالقول إن قربه من طهران يحميها من أي نزوة شيطانية لأكثر الإيرانيين تشددا - فإن العرب بصورة عامة قد فرضوا حصارا حقيقيا على دمشق، بعضه معلن وبعضه غير معلن، والدوافع والأسباب هنا كثيرة ومتعددة.

كان العرب قد تغاضوا عن مذبحة حماه في عام 1982 التي أزهقت فيها أرواح أكثر من ثلاثين ألفا، معظمهم من المواطنين الأبرياء من لون طائفي معين، وكان العرب قد تغاضوا عن تحويل قوات الردع العربية إلى قوات احتلال فعلي للبنان، وأيضا عن استباحة الكثير من المخيمات الفلسطينية تحت إشراف هذه القوات ومساندتها، كما أنهم قد تغاضوا أيضا عن تلاعب المخابرات السورية بأمن بعض الدول العربية. لكن هذا كله قد تلاشى دفعة واحدة عندما اختار حافظ الأسد التحالف مع إيران الخمينية، التي كان قد اتضح مشروعها التمددي الإقليمي وتصدير ثورتها المنتصرة، وببعد طائفي،إلى دول المنطقة.

لكن العرب، الذين كانوا قد وضعوا نظام حافظ الأسد في دائرة التضييق والمقاطعة بسبب انحيازه، وبلون طائفي ومذهبي لم يكن خافيا، إلى طهران الخمينية - وجدوا أنفسهم مجبرين ومضطرين على القفز من فوق هذا كله بعد احتلال صدام حسين للكويت، وذلك على أساس أن الضرورات تبيح المحظورات، وأنه لا بد من الأخذ بنظرية الصراع القائلة إن الأولوية يجب أن تكون للأهم على حساب المهم، وأن الأهم أصبح، بعد تلك القفزة المشبوهة التي قام بها الرئيس العراقي الأسبق، هو تحرير الدولة الكويتية ودحر الاحتلال عنها.. وهذا قد احتاج إلى تغليب الرئيس على الثانوي والقبول بالنظام السوري على علات، لأن عملية التحرير هذه بقوات دولية كانت تتطلب مشاركة قوات سورية إلى جانب الكثير من القوات العربية.

إن هذا لم يفهمه ولم يدركه بشار الأسد عندما جاء إلى الحكم في عام 2000، ولذلك فإنه بدل أن يحافظ على العلاقات العربية التي خلفها له والده مع الاستمرار في علاقات معقولة ومقبولة مع إيران الخمينية - بدأ يدير ظهره إدارة كاملة حتى للعرب الذين أحسنوا إليه وأحسنوا لوالده قبله، وذلك إلى حد أنه بات يتصرف مع هؤلاء العرب كأنه وكيل للولي الفقيه، بل كأنه مجرد مجند في «فيلق القدس» التابع لحراس الثورة الإيرانية، فأخذ يخبط خبط عشواء، وحول سوريا إلى تابع للدولة الإيرانية وإلى مجرد رقم، وإن رئيسا، في معادلتها التمددية في الشرق الأوسط وفي المنطقة العربية.

وهنا، فإن المعروف أن الحرص على سوريا وعلى مكانتها وعلى دورها العربي، قد جعل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يبادر، وأكثر من مرة، إلى محاولة تصحيح علاقات بشار الأسد مع الدول العربية، التي كانت علاقات نظامه معها متردية وأكثر من سيئة؛ فكانت تلك المبادرة المفاجئة العظيمة في قمة الكويت الاقتصادية في عام 2009، وكانت تلك الزيارة التي رافقه فيها إلى لبنان، وأيضا كان هناك ذلك الاستقبال المميز له في المملكة العربية السعودية.. لكن الرئيس السوري، الذي كان - ولا يزال - ينظر إلى كل شيء، إنْ في الشرق الأوسط وإنْ في المنطق العربية، من زاوية تبعيته لإيران الخمينية، لم يدرك مغزى ومعنى هذا كله فبقي يدير ظهره للعرب بغالبيتهم، وبقي يضع بيضه كله في السلة الإيرانية.

وهكذا، فقد ازداد بشار الأسد، بعد الاحتلال الأميركي للعراق، التصاقا بإيران وازداد ابتعادا عن العرب، بل ومناكفة لهم. وهنا، فلعل ما زاد الطين بلة، كما يقال، أنه - وانسجاما مع مخطط سيطرة الإيرانيين الفعلية، الأمنية والسياسية وكل شيء، على بلاد الرافدين - قد انخرط هو بدوره في لعبة الإيرانيين بالسعي لإغراق الولايات المتحدة في الرمال والأوحال العراقية، وهذا قد اضطره إلى التعاون مع «القاعدة» وإلى تحويل سوريا إلى ساحة أنشطة عسكرية واستخباراتية لـ«فيلق القدس» الإيراني ولحزب الله ولبعض الميليشيات الطائفية العراقية.

ثم، ولقد كانت الخطيئة الكبرى فوق هذا كله عندما بادر إلى معالجة احتجاجات شعبه، التي كانت لا تزال سلمية، بالعنف وبفتح أبواب سوريا على مصاريعها أمام التدخل الإيراني العسكري والأمني السافر وأمام تدخل حزب الله وتدخل بعض الميليشيات العراقية، وكل هذا بأبعاد طائفية ومذهبية مكشوفة ومعلنة، وبتحويل هذا البلد إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وعلى غرار ما كان عليه الوضع في عقد خمسينات القرن الماضي - عقد الانقلابات العسكرية المتلاحقة، التي كان أولها انقلاب حسني الزعيم، الذي أكد مايلز كوبلاند في كتابه الشهير «لعبة الأمم» أنه كان انقلابا أميركيا، وكان آخرها انقلاب والده حافظ الأسد في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970 الذي كان قد حظي هو أيضا بالمباركة الأميركية.

إن بشار الأسد لم يدرك هذا كله، ولم يقدر كرئيس لدولة عربية محورية أن تسليم عنقه وعنق سوريا لإيران ستكون نتيجته هذه النتيجة، وأن العرب الذين أدار ظهره إليهم والذين واجههم بالشتائم عندما حاولوا أن يمدوا إليه حبل النجاة في بدايات هذه الأحداث المتصاعدة والمتلاحقة - لا يمكن أن يتركوه يذبح الشعب السوري ويشتته على هذا النحو، ولا يمكن أن يتركوه يواصل تدمير هذا البلد العربي بهذه الطريقة.

ثم، وربما أن بشار الأسد لم يدرك، حتى بعد عامين من هذه الأحداث التي هرست سوريا هرسا وشردت شعبها ودمرت مدنها وقراها، أن اصطفاف الروس إلى جانبه، وبكل هذا الإصرار، لا هو من أجل سواد عينيه ولا حرصا على نظام «الممانعة والمقاومة»، بل لتصفية حساباتهم مع الولايات المتحدة، إنْ بالنسبة لنفط بحر قزوين والجمهوريات الإسلامية التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي في مراحل الحرب الباردة وقبل ذلك والتي لا تزال تعتبر مجالا حيويا لروسيا الاتحادية، وإن بالنسبة لقواعد الصواريخ الأميركية في بعض دول أوروبا الشرقية، وأيضا وإن بالنسبة لمسألة عالم القطب الأوحد والعالم متعدد القطبية، لكن ومع ذلك فإنه، أي الرئيس السوري، مستمر في الإصرار على التمسك بكرسي الحكم وعلى ذبح وتشريد شعبه، ظانا أن موسكو ستبقى تقف معه حتى النهاية، وظانا أن الإيرانيين سيضمنون له الانتصار، ليس على «الجيش الحر» والمعارضة فقط، وإنما أيضا على العرب كلهم.

===================

تنازلات النظام السوري وتسليح المعارضة يمهّدان لـ«الحوار»

عبدالوهاب بدرخان *

الخميس ٢١ مارس ٢٠١٣

الحياة

لم تمضِ سوى أيام قليلة على الإشارات الأميركية المشجعة لتسليح المعارضة السورية «المعتدلة»، ما انعكس سريعاً على الأرض، حتى عادت واشنطن فأطلقت إشارات معاكسة تُوصف عادةً بأنها من نوع «الرسائل الخاطئة» إلى النظام السوري الذي بمقدار ما يعتقد بأنه يواجه «مؤامرة» بمقدار ما هو متيقن بأن مصالح «المتآمرين» عليه هي معه، ولذلك هم متمسّكون به ولا غنى لهم عنه. فكيف يمكن أن تُقرأ تصريحات الوزير جون كيري إلاّ بأنها محبطة للمعارضة ومشجعة للنظام، خصوصاً حين يقول بوضوح: «نريد أن يجلس الأسد والمعارضة إلى طاولة المفاوضات بغية تشكيل حكومة انتقالية ضمن الإطار التوافقي الذي تم التوصل إليه في جنيف». كما أنه لم يعد يطالب الأسد وحده بـ «تغيير حساباته» بل يريد إلى طاولة المفاوضات «معارضة سورية مستعدة للتعاون»، أي أن عليها هي الأخرى أن تغيّر حساباتها.

لا يمكن القول إن هذا التذبذب الأميركي جديد أو مفاجئ، ولا يُعزى فقط إلى التردد الملازم لباراك أوباما، بل إن تفسيره الوحيد هو أن واشنطن نفسها لم تغيّر حساباتها. فالحل بالنسبة إليها يجب أن يكون سياسياً، ويكون النظام جزءاً منه، ولا سبيل إليه إلا بـ «حوار» بين الطرفين، وهو ما يشكل جوهر تفاهماتها مع روسيا. وعلى رغم أن واشنطن سلّمت قيادة هذا الحل إلى موسكو، فإن كل ما فعلته هو التصعيد اللفظي - توضيحاً لرؤيتها - مرجّحة أن أيام النظام «باتت معدودة»، أو مؤكدةً أنه «سيرحل» أو «يجب أن يرحل».

ولما كانت هيلاري كلينتون أنهت فترتها الوزارية ولم تفلح في إقناع سيرغي لافروف بأن «حل جنيف» يجب أن يبدأ من دون الأسد، فإن خلفها كيري ينطلق من حيث انتهت أي بالتسليم بوجهة النظر الروسية التي تريد «حواراً» مع الأسد ولا تمانع أن يؤدي «الحل» إلى رحيله. وفيما لم تخذل موسكو حليفها في أي مرحلة، لا عسكرياً ولا سياسياً، يبدو كيري وقد نسي أن «الائتلاف» المعارض ولد بناءً على خطة سياسية قوامها زعزعة شرعية النظام وتلحظ نقل تمثيل سورية إلى المعارضة في السفارات والمحافل الدولية والعربية. لكن المشرفين على ولادته خذلوه عسكرياً حين حجبوا السلاح عن «الجيش الحرّ» في الوقت الخطأ، وسياسياً حين تنكّروا لالتزاماتهم. فمثل هذه الخطوات الناقصة والمتلكئة، ثم المبادرة المتأخرة لتصحيحها أو تعويضها، كان لها أسوأ النتائج على معنويات المعارضة «المعتدلة» ومحاولات «توحيدها» أو تنظيم عملها وتذويب تناقضاتها، كما أنها ساهمت، عدا كلفتها البشرية الباهظة، ساهمت بفاعلية في إبراز الجهاديين «المتطرفين» الذين تريد الـ «سي آي أي» الآن تصنيفهم للعمل على تصفية «القاعديين» منهم.

لم يفِ «الأصدقاء» إلا بجزء ضئيل جداً مما وعدوا «الائتلاف» به لقاء اتجاهه إلى «حوار مع النظام»، لكن الولايات المتحدة تضغط لانتزاع انخراطه في هذا «الحوار». وما حصل منذ صيف 2012 عندما طُلب من «المجلس الوطني» المعارض تشكيل حكومة ثم طلب التريث بها، تكرر تماماً مع «الائتلاف» بين تعجّل وإبطاء. وإذ فُهم إعلان الجامعة العربية استعدادها لقبول «الائتلاف» في مقعد سورية على أنه استجابة لضوء أخضر أميركي، إلا أن التأرجح بين تشكيل «حكومة موقتة» أو «هيئة تنفيذية» أظهر حرصاً أميركياً على عدم حرق أي ورقة قد تحبط الدور الروسي. ومع استبعاد «حكومة المعارضة» كونها تناقض «الحكومة الانتقالية» كانطلاقة لـ «حل جنيف»، وُجد أيضاً من يحذّر من أن «الحكومة» أو «الهيئة» قد تشعلان سباقاً إلى التقسيم لأن الأطراف الراغبة في إطلاق حل سياسي، أي النظام وروسيا وحتى أميركا وإسرائيل وإيران، ستستغلّهما ضد «الائتلاف». وعلى رغم ذلك فإن تركيا وأطرافاً عربية عدة لا تطمئن إلى خيار آخر غير رحيل رأس النظام وأعوانه، وتعتبر الحل السياسي بمواصفاته الروسية واحداً من اثنين: إما أنه بحث عن سراب، أو أنه مجرد سيناريو لإبقاء النظام وإنعاشه ليعود فيشكل خطراً على المعارضة وكل من يساندها. لذلك شجعت هذه الأطراف «الائتلاف» على تشكيل حكومة خلال اجتماعاته في إسطنبول تطبيقاً لقرار كان اتخذه سابقاً في القاهرة، من دون الالتفات إلى الفتور الأميركي حيال الفكرة.

على رغم أن المواقف الأميركية الأخيرة رفعت عملياً «الفيتو» عن تسليح المعارضة، بدليل أن بريطانيا وفرنسا تواصلان السعي إلى المساهمة فيه، إلا أن نيات واشنطن استعادت غموضها عبر الإصرار على أن لا هدف للتسليح سوى الضغط من أجل «الحوار» وليس إسقاط النظام عسكرياً. ثم أنها بادرت للمرة الأولى إلى دعوة الفرع الخارجي لـ «هيئة التنسيق» (المعارضة في الداخل) لزيارتها، بعدما استقبلت موسكو ممثلي هذا الفرع، وكأن واشنطن تريد الإيحاء بأن ثمة بديلاً جاهزاً للتحاور مع النظام، إذا واصل «الائتلاف» تردده في المضي بـ «مبادرة الحوار» المشروطة التي طرحها رئيسه معاذ الخطيب. لا شك أن الروس والأميركيين مدركون أن «هيئة التنسيق» معارضة نخبوية محدودة التمثيل إلا أن فرعها الخارجي استمدّ أخيراً دعماً وقبولاً من إيران مما عزز موقعه عند الأطراف الباحثة عن تسوية، لكنهم مدركون أيضاً أن حواراً من دون «الائتلاف» يبقى بلا معنى. وما يدركونه خصوصاً ويعجزون عن حلحلته هو أن تركيبة «الائتلاف» لا تسمح له بالذهاب إلى حوار من دون ضمانات أميركية - روسية مسبقة وتنازلات ملموسة من النظام.

في لقاء مع أحد وفود المعارضة بادر لافروف إلى السؤال: هل أنتم ممن يريدون حلاً سياسياً يبدأ برحيل الأسد أم ينتهي إلى رحيله؟ وكان الجواب سؤالاً أيضاً: وهل لديكم ضمانات لحل ينتهي برحيله؟ والواقع أن مثل هذا التبادل تحوّل منذ أكثر من نهاية 2011 إلى «حوار طرشان» عقيم. فالروس لا يضمنون أي شيء، ويقدمون موقفهم هذا بأنه تطبيق لمبدأ «عدم التدخل»، متغاضين عن التدخل السافر بالمبالغة في تسليح النظام ورفد عملياته بخبراء والمسارعة في تلبية الصفقات التي تطلبها إيران لمصلحته وتدفع ثمنها نقداً. في النهاية يمكن اختزال موقف روسيا بأنه حماية لزبون لديه طلبيات ضخمة وعاجلة وهذا كافٍ لعدم التخلّي عنه.

في الآونة الأخيرة ازداد الاقتناع بأن الطريق إلى «الحل السياسي» لا بدّ أن يمرّ بتغيير في المعادلة الميدانية، طالما أن الأسد متمترس وراء الخطة السياسية التي أعلنها، وهي غير واقعية. سبق للمعارضة أن طرحت شروطاً لم تعد صالحة راهناً نظراً إلى التغيير الهائل في طبيعة الصراع، لكن أحدها يطالب بالإفراج عن المعتقلين الذين يراوحون وفقاً للتقديرات بين مئة ألف ومئة وستين ألفاً، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال. وفي المقابل توصلت التحقيقات الدولية إلى تسمية 150 شخصاً تعتبرهم مجرمي حرب أو مسؤولين عن ارتكاب أعمال قتل وتعذيب. ومن شأن النظام أن يكون قادراً على التنازل في هذين الملفّين، إذ يُطلق المعتقلين من جهة ويقدّم 50 على الأقل من الأشخاص المتورّطين إلى المحاكمة. فبمثل هاتين المبادرتين يمكن أن يشق طريقاً إلى التفاوض، على أن يتبع ذلك مباشرة وقبل بدء الحوار تشكيل مجلس عسكري مناصفة مع المجالس العسكرية للمعارضة، فضلاً عن دمج الأجهزة الأمنية في جهاز واحد يشكّل مناصفةً أيضاً، لكي يشرفا على إعادة هيكلة المؤسسات ونزع الإمرة من أيدي الضباط الحاليين لأن إبقاءهم فالتين من شأنه أن يفسد أي حوار ويفشله. فهؤلاء الضباط ليسوا أهم من سورية ولا أهم من الطائفة، بل إن في محاسبتهم إنصافاً للعلويين الذين رفع بعض منهم قبل فترة شعار «لكم القصور ولنا القبور» الموجّه إلى أبناء الطائفة بعدما ذهبوا بعيداً في مغامرة النظام.

===================

متى تكون المرحلة النهائية في سورية؟

روجر أوين *

الخميس ٢١ مارس ٢٠١٣

الحياة

يمضي كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين في واشنطن وقتاً طويلاً في العمل على المرحلة النهائية لنظام بشار الأسد من دون أن يعرفوا متى سيتحقّق ذلك. ولا شكّ في أنّ الأمر نفسه يجري في لندن ومن الناحية الشرقية من العالم العربي أيضاً.

تنقسم الأهداف العامّة لهذه المرحلة النهائية إلى جزءين. يقوم الجزء الأوّل على احتواء التأثير الكبير المحتمل لانهيار النظام. فيما يقضي الجزء الثاني بالحفاظ على قدر كاف من بنية الدولة ليس من أجل إبقاء سورية قابلة للحكم فحسب بل من أجل تسهيل عودة نحو مليون لاجئ، معظمهم يعيش في المخيمات الموقتة التي أقيمت على طول الحدود في تركيا والأردن وفي أمكنة أخرى.

وبعيداً عن الفوضى والبلبلة التي يثيرها السقوط المنتظر للنظام المحاصر، يخشى الغرب بشكل رئيسي من التأثير الذي قد يخلّفه ذلك على الحكومة في طهران التي تعدّ الحليف الأساسي للنظام في الخارج، والتي ستعتبر هذا الحدث بمثابة هزيمة كبيرة، الأمر الذي قد يدفعها بالتالي إلى إثارة المشاكل في مكان آخر، مثل البحرين. ومن هنا الضغوط الخارجية التي تمارس على العائلة الحاكمة في المنامة من أجل عقد مفاوضات سلام مع المعارضة بهدف تقليص فرص حصول تدخّل مماثل.

ويرى عدد كبير من المراقبين أنّ ممارسة الكثير من الضغوط على العائلة الحاكمة في البحرين قد يولّد نتائج عكسية. ومن ثمّ، يخشى الأميركيون من أن يكون مستقبل قاعدتهم البحرية عرضة للخطر أيضاً. وقد يفترض المرء أنّ الحديث العسكري الصادر من واشنطن بشأن البحث عن موانئ بديلة في مكان آخر على المحيط الهندي يشكّل جزءاً من الحملة الصامتة نفسها من أجل الإصلاح البحريني أو جزءاً من التفكير بصوت مرتفع حول خطة بديلة في حال تغير الأوضاع في البحرين نتيجة التدخّل الإيراني في شؤونها.

أما في ما يتعلّق بمستقبل سورية بعد الأسد، ثمة مسألة الوقع المحتمل الذي سيخلّفه النظام السوري الجديد الذي يهيمن عليه السنّة، على الوضع الذي يزداد خطورة في العراق. وعلى المدى القصير، قد يضاعف ذلك من الضغوط على حكومة نوري المالكي. وعلى المدى البعيد، يطرح هذا الأمر من جديد مسألة مستقبل الكيانات السياسية التي نشأت من الولايات العربية التي كانت خاضعة للحكم العثماني، ما أدى إلى ولادة مجموعة من الدول تعيش فيها أقليات طائفية وعرقية بما فيها الأكراد. ولا عجب في بروز حديث كثير في واشنطن وفي أمكنة أخرى حول الحاجة إلى إعادة التفكير في تقسيم الخرائط الذي تم التوصل إليه بعد الحرب العالمية الأولى.

أما في ما يتعلّق بالوضع بعد سقوط الأسد في دمشق، فقد أدت الحاجة إلى الاستقرار وإلى عودة اللاجئين إلى بروز حديث في واشنطن بشأن ضرورة استخدام ما يسمى «جنوداً ميدانيين» على أن لا يكون عدد كبيراً منهم من الأميركيين باستثناء أولئك الذين سيتمّ إرسالهم للبحث عن أسلحة كيماوية، بل من مجموعة قوى عربية من الخليج تمولها مصادر عربية. ومن جديد، برزت أحاديث حول تسهيل هذا الأمر على رغم أنّ عدداً قليلاً منها برز إلى العلن بسبب الحاجة إلى السرية.

لكنّ إعداد الخطط البديلة شيء ومعرفة متى ستكون الحاجة إليها وتحت أي ظروف سياسية وعسكرية محدّدة سيتم اعتمادها هو أمر آخر. وما يثير الإحباط هو الشعور بأنّ الأمور ستزداد سوءاً في سورية قبل أن تتحسّن، ما يولّد ميلاً للتدخّل بحزم بهدف تطبيق إستراتيجية المرحلة النهائية عاجلاً وليس آجلاً قبل أن يتمّ تدمير المزيد من المنازل وتهجير المزيد من اللاجئين. وهنا ينتقل الحديث سريعاً إلى الأسلحة وإلى الواقع القائل إنّه في ظلّ الأوضاع الحالية، يحصل نظام الأسد على إمدادات بالأسلحة من الإيرانيين وربما من الروس أكثر من الإمدادات التي يحصل عليها الثوّار المعارضون مع العلم أنها تتضمن بشكل رئيسي صواريخ ومعدات لاستخدامها من قبل سلاح الجو السوري.

إلى متى سيتمّ السماح باستمرار اختلال هذا التوازن؟ تعدّ كيفية معالجة هذا الأمر مسألة أخرى. وتشكّل الخشية من أن تقع الإمدادات الخارجية بين أيدي الجهاديين عاملاً على هذا الصعيد فيما العامل الآخر هو الفيتو الذي فرضه الأميركيون والإسرائيليون كما يبدو على إرسال صواريخ أرض جو تُحمل على الكتف من طراز «ستينغر» التي أدّت دوراً كبيراً في إجبار الروس على الخروج من أفغانستان مع العلم أنّها قوية جداً إلى حدّ أنّ الأميركيين قاموا بإحصاء عدد هذه الصواريخ من دون أن يتمكنوا من تحديد مكان وجودها كلّها. ويطرح ذلك احتمال وصول عدد قليل منها إلى الثوّار السوريين إلى جانب صواريخ شبيهة بها روسية الصنع من شأنها أن تغيّر المعادلة، الأمر الذي طالما انتظرته الدول المعادية للأسد، وذلك نظراً إلى القدرة الواضحة لهذه الصواريخ على إسقاط الطائرات المروحية كما تبيّن بعض الأشرطة المصوّرة التي نشرها الثوّار.

لم تصل الحروب الأهلية التي اندلعت في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة إلى نهاية واضحة، على عكس الحروب التي اندلعت قبل الحرب العالمية الثانية في إسبانيا وبعد الحرب العالمية الثانية في اليونان. فغالباً ما تتوقّف هذه الحروب بسبب الإرهاق وأحياناً من خلال الوساطة الخارجية. ويأمل المراقبون الخارجيون في أن تصبح سورية استثناء على أن يحقّق الثوّار فوزاً واضحاً من أجل تمهيد الطريق أمام المرحلة النهائية التي يعمل عليها الأميركيون وحلفاؤهم البريطانيون والخليجيون.

ومهما حصل، يبدو أنّ حقبة تاريخية ستنتهي ومعها ستضمحل محاولة إنشاء دول «علمانية» في سورية والعراق في عهدي حافظ الأسد وصدّام حسين، وستفتح الطريق أمام أنظمة التمثيل الطائفي التي، مهما كانت تحظى بشعبية، ستثير مجموعة جديدة من المشاكل التي لا علاج واضحاً لها في الوقت الحالي، باستثناء محاولة الحفاظ على الأمن وعلى المؤسسات الأساسية للحكم بكلّ طريقة ممكنة.

===================

دخان «الكيماوي» في سورية... أي ضحية؟

زهير قصيباتي

الخميس ٢١ مارس ٢٠١٣

الحياة

في الذكرى العاشرة للغزو الأميركي للعراق، أوباما ضيفاً في إسرائيل يتعهد ضماناً لأمنها لا يتزعزع. وفي الذكرى العاشرة لتدمير قدرات بلد عربي وتصفية علمائه وتهجيرهم، تدك الحرب في سورية نسيج وحدة شعبها، وتلتهم أبناءها وتحرق مقومات الدولة. في الحالين، «البعث» والديكتاتورية هدف، رغم الفوارق بين الغزو والاحتلال لبلاد الرافدين، وانتفاضة تحوّلت ثورة وحرباً للتدمير الشامل في سورية. في الحالين، هل هناك ما هو أبخس ثمناً لضمان أمن إسرائيل الذي يحرص عليه جميع الرؤساء الأميركيين؟

في الذكرى العاشرة لاقتحام المدرعات الأميركية العراق، بذريعة معاقبة الحاكم الشرير الذي هدد العالم وإسرائيل بأسلحة دمار شامل، يتذكر كثيرون أن «البعث» السوري تلقف «رسالة» من واشنطن تحذّره من أنه سيكون الهدف التالي. بات «المارينز» على الحدود الفاصلة بين «بعث» تهاوى وآخر احتمى بأوراق مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

عشر سنين مضت، الفارق بعدها أن عراقاً يحمي «البوابة الشرقية» للعالم العربي، بات من الماضي، خصوصاً بسبب ديكتاتورية صدام حسين وأوهامه بتحدي الغرب، وتضخيمه خيالات القوة. في سورية، وبعد أوهام «ربيع»، خاطف (إعلان دمشق)، قبضة حديد زرعت بذور الانتفاضة والثورة. السيناريو مختلف، لا قوة خارجية للغزو، الشعب يغزو قلاع الخوف. الأميركي الذي «تعلم الدرس»، وتفاهَم مع إيران لتسهيل انسحابه الآمن من العراق، لن يغزو سورية أو يتدخل لإطاحة الحاكم.

تلك كانت رسالة أوباما إلى السوريين منذ البداية، وأما الإطار فهو «سورية ليست ليبيا»، لذلك قاومت واشنطن محاولات «استدراجها» الى حلبة الثورة على نظام الأسد.

ولكن، بعد سنتين على اندلاع شرارة الانتفاضة، ما الذي تبدّل ليذكّر الأميرال جيمس ستافريديس، قائد القوات الأميركية في أوروبا بالسيناريو الليبي؟ هل ألماً لسقوط سبعين ألف قتيل في «الحرب الشنيعة»، أم استباقاً لسقوط وشيك للنظام، يستدعي تسابقاً أميركياً- بريطانياً- فرنسياً على رعاية فصل «حاسم» من مأساة حرب الإبادة في سورية؟ ولكن، ألم يقر ستافريديس بأن التدخل يحتاج إلى مظلة قرار من مجلس الأمن، بالتالي مستبعد ما دامت موسكو وطهران توسّعان مظلة الحماية للنظام السوري؟

والحال أن مجرد تدخل فرنسي أو بريطاني لقصف الدفاعات الجوية السورية، وحرمان النظام من تفوقه الجوي على المعارضين، يستتبعان حتماً استفزاز الكرملين الباحث عن استعادة هيمنته على البحار، فيما ينشر أساطيله في المنطقة، ليدمغ نهج بوتين ببصمة القوة «السوفياتية». لذلك لا شيء على الأرض يوحي بتخلي موسكو عن خطها «الأحمر» في دمشق.

وبمقدار ما كانت اتهامات النظام للمعارضة باستخدام الأسلحة الكيماوية في ريف حلب، قصفاً على تدشين مرحلة الحكومة الموقتة، باختيار رئيسها غسان هيتو الذي اعتبرته دمشق «هارباً من الخدمة العسكرية» (حين كان شاباً) الى خدمة المصالح الأميركية... تفرط موسكو في تبادل الأدوار مع النظام، لتحريض الغرب أو تخويفه من تسليح الثوار.

وأما الرواية الإسرائيلية التي تقف على «الحياد» بين الأسد والثوار، ولا يعنيها سوى ما يُزعم أنه أسلحة كيماوية، فالأرجح انها تستدرج واحداً من أشكال التدخل العسكري الأوروبي برعاية أميركية (السيناريو الليبي... جواً) لنقل مخزونات الأسلحة المتطورة من سورية، وتفكيك الصواريخ البعيدة المدى. بعدها، لا شأن يزعج اسرائيل والغرب، ولو ذهبت المعارضة والمجموعات التي سمّاها معاذ الخطيب تكفيرية ومعها «جبهة النصرة»، إلى حروب تنتصر فيها الفصائل و «الكتائب»، ولا تنهزم سوى وحدة سورية وآمال السوريين بالثورة.

دخان «الكيماوي» في ريف حلب، لم يحجب خلافات المعارضة والتي تدحرجت إلى حلقات أخرى بعد اختيار هيتو رئيساً لحكومة موقتة. لكن المفارقة أن كلاً من النظام والمعارضة طَلَبَ تدخل المجتمع الدولي، إثر ضربة «غاز السارين»، الأول لينقذ نفسه، والثوار لتسريع إسقاطه، في حين تتمنى إسرائيل تدخلاً غربياً لإنقاذ نفسها من أي احتمال يبقي سورية بلداً موحداً، قادراً على استعادة قوته، بعد رحيل الأسد.

===================

خطر الكيماوي في سوريا

التاريخ: 21 مارس 2013

رأي البيان

ارتفع منسوب الخوف والقلق على مآلات الثورة السورية، إثر دخول السلاح الكيميائي على خط الأزمة، فرغم الغموض حول الجهة التي لجأت إلى استخدامه، غير أن التأكيدات قوية بأن هناك عشرات القتلى جراء قصف منطقة في حلب بهذا السلاح الفتاك، ووصلت حالات عديدة إلى المستشفيات عجز الأطباء الميدانيون في مناطق الثورة عن معالجتها أو تشخيصها.

معظم التقديرات تشير إلى أن المعارضة لم تستخدم هذا النوع من السلاح، كما ذهب النظام وحلفاؤه. لكن، بعيداً عن الاتهامات الجنائية والتحليلات التي تقول إن استخدام "الكيميائي" يحتاج إلى خبراء لا يتوفرون إلا في الجيش النظامي، فإن المعطيات الميدانية تشير إلى معادلة لا يُعتقد أنها صدفة. فكلما تقدمت المعارضة في الجانب السياسي، تدخل الحرب الميدانية مرحلة جديدة وتظهر أسلحة للمرة الأولى. فقد ترافق انتخاب معاذ الخطيب رئيساً للائتلاف الوطني المعارض، مع استخدام النظام لصواريخ «سكود»، وقصف حينها ريف حلب من دون أن تنال استغاثات الناشطين مصداقية، إلا حينما سقط أحد هذه الصواريخ على حي سكني في مدينة حلب.

المراحل السابقة للتقدم السياسي للمعارضة، مثل تشكيل المجلس الوطني السوري، رافقها أيضاً تحول ميداني باستخدام عنيف للأسلحة، وكان عنوانها الأبرز حينها البراميل المتفجرة التي كانت تسقط عشرات القتلى لدى سقوطها على الأماكن المكتظة سكانياً. أما الآن، ومع انتخاب غسان هيتو رئيساً للحكومة المؤقتة، فقد دخل السلاح الكيميائي ليرسم أعنف المراحل في مسارات الأزمة السورية.

إنّ التطور الأخير ليس عادياً، فهناك طرف من أطراف الصراع يريد جس نبض المجتمع الدولي، و«معرفة الأجواء» لتقبل ذلك، قبل أن يتم استخدامه على نطاق واسع قد تتكرر معه مآسٍ شبيهة بتلك التي شهدتها من قبل بلدة حلبجة الكردية في العراق.

ن التناول الحذر لهذه المسألة ينبغي أن ينتهي، لأن إيقاع المواقف السياسية حتى الآن تجاه الكيماوي المستخدم بطيء، وهذا يعني أن الطرف الذي يمتلك مثل هذا السلاح سيلتقط الرسالة بأنه حتى يتفق المجتمع الدولي على اتهامه بهذه الجريمة، سيكون قد أنهى مهمّته بهذه الأسلحة.

===================

الشرعية السورية وحكومة هيتو

راجح الخوري

2013-03-20

النهار

وأخيراً "الحكومة السورية الموقتة" التي طال انتظارها وكثر الحديث عن خلافات داخل الائتلاف المعارض حول ضرورة تشكيلها او تسمية "لجان تنفيذية" بدلاً منها لإدارة المناطق السورية المحررة.

الاعلان عن تشكيل هذه الحكومة جاء في الذكرى الثانية لقيام الثورة متلازماً مع تطورين مهمين، الاول هو تصعيد المعارضة عملياتها حيث قصفت مطار دمشق والقصر الجمهوري في ما بدا انه بداية معركة العاصمة، اما الثاني فهو اعلان واشنطن انها لن تقف في وجه اي دولة تريد تسليح المعارضة. صحيح ان الاعلان أضاف ان واشنطن تجد صعوبة في معرفة "الصورة المشوشة للمعارضة وأوجهها المتعددة"، لكن تشكيل الحكومة الانتقالية في اليوم عينه، من شأنه الآن ان ينهي هذا التشويش الناجم اصلاً عن امرين:

 اولاً: العمل سنة كاملة على محاولة تشكيل "حكومة انتقالية" على الطريقة اليمنية وفق "المبادرة العربية"، التي افشلها الاسد بدعم من روسيا والصين وايران طبعاً ليمضي في الحل العسكري.

ثانياً: العمل سنة ثانية على تفسير"اعلان جنيف" ودور الاسد في "الحكومة الانتقالية" وهو ما افشل مهمة كوفي انان ثم الاخضر الابرهيمي، وكل ذلك في ظل موقف اميركي متردد او مشبوه، عارض تسليح المعارضة ولو بما يحميها من القصف الجوي وانتهى بتلزيم موسكو وطهران ايجاد الحل على رغم دعمهما للنظام!

في اي حال هذه حكومة انتقالية لكل سوريا تدير المناطق المحررة وتحضّر لما بعد سقوط النظام، وهي ليست حكومة موازية لحكومة الاسد بما قد يثير المخاوف من الوصول الى التقسيم، لكنها تسقط نهائياً كل المراهنات الروسية والايرانية التي تبنتها واشنطن بعد زيارة جون كيري الى المنطقة، والتي رفضتها المعارضة لأنها تدعو الى تشكيل حكومة انتقالية بمشاركة الاسد بما يعني انها تريد "جلوس القاتل مع القتيل" كما يقول المعارضون!

واذا كانت حكومة الاسد الاخيرة المعيّنة بأمر منه تحظى حتى الآن باعتراف بعض العواصم مثل موسكو وبيجينغ وطهران والجزائر وغيرها، فان حكومة غسان هيتو الكردي القادم من إدارة اهم شركات الاتصالات في اميركا والذي تم اختياره بالانتخاب، تحظى سلفاً باعتراف الجامعة العربية حيث ستجلس في المقعد السوري، ثم ستحظى حتماً بمقعد سوريا في الامم المتحدة، ذلك ان مجموعة دول اصدقاء سوريا تتجاوز الـ140 دولة ستعترف بها بما يمنحها الشرعية عربياً ودولياً.

وعندما يعلن رئيس اركان "الجيش السوري الحر" سليم ادريس دعم قواته للحكومة الموقتة ويتعهد العمل تحت مظلتها، فان ذلك يمنحها شرعية تمثيلية مهمة تتجاوز الواقع في المناطق المحررة الى كل سوريا، وهذا سيعطي حكومة هيتو الحق في إقامة الدعاوى لدى المحاكم والمراجع الدولية لمقاضاة النظام على ما فعله ضد السوريين في العامين الماضيين على الاقل!

===================

"الفتنة" على أجندة دمشق - طهران

عبد الوهاب بدرخان

2013-03-20

النهار

بعدما أصبح تورط "حزب الله" في سوريا علنياً، ولم يعد مجرد دفاع عن سكان في قرى حدودية شيعية او مختلطة، كان لا بد من تغطيته داخلياً، خصوصاً أنه "الحزب الحاكم" ومحرّك خيوط الحكم والحكومة، ليبقى قادراً على حماية كذبة "النأي بالنفس" وقد انكشفت الآن بكونها نأياً عن الشعب السوري وثورته وانحيازاً للنظام وجرائمه.

واقعياً، لا يحتاج الحزب الى اي تغطية، لكن وجودها ولو الشكلي يبقى محبذا عنده ومساعداً. اذ دخل مجلس الأمن الدولي على الخط، وأصدرت رئاسته الروسية بياناً يعرب عن القلق من تورط عناصر لبنانية في الصراع الدائر في سوريا. ورغم ان هذا البيان خضع لتعقيم روسي ليوحي بأنه لا يعني طرفا بعينه، الا انه سلط الضوء على مخاطر امتداد الصراع الى لبنان. وقد بادر رئيس الحكومة الى الترحيب بالبيان الدولي، لكن اي رئيس حكومة يعي تلك المخاطر كان سيقول ان موقف مجلس الامن غير كاف، بل كان ليطالبه باهتمام اكبر، لأن الواقع اكثر خطورة، كذلك التوقعات.

لكن نظام دمشق كان جاهزاً للاستفادة من هذا البيان الدولي، فغداة صدوره ارسل مذكرة الى الحكومة اللبنانية تطلب منها الا تسمح لـ"المسلحين" باستخدام الحدود ممرا لهم. عن اي "مسلحين" تتحدث المذكرة، انها طبعا لا تقصد مقاتلي "حزب الله" الذين انخرطوا في خطة عسكرية هدفها مؤازرة قوات النظام في استعادة السيطرة على منطقة القصير وربطها بالريف الغربي لحمص ليتأمن الطريق من شمال دمشق الى حمص، ومنها غربا الى منطقة الساحل التي ستكون المعقل التالي للنظام عندما يصبح عصابة ولا يعود نظاما.

لم تكن مذكرة دمشق مجرد تحذير بل تهديداً، ما لبث ان بوشر تنفيذه سواء بإطلاق النار والقصف على قرى الحدود الشمالية، او حتى بالاغارة الجوية على جرود عرسال في الشمال الشرقي. هذا التعامل الجديد بين "الدولتين"، وبالتالي – صوَرياً - بين "جيشين"، يأخذ الجدل اللبناني الداخلي الى مكان آخر، ويحرف الانظار عن الدور الخبيث الذي يقوم به "حزب الله". ذاك ان المسلحين المناوئين للنظام لم يعودوا يستخدمون الحدود اللبنانية بالنظر الى ما تعرضوا له من تضييق وتنكيل واعتقال. ورغم ان النظام يعرف ذلك، إلا أن ضعف الحكم اللبناني وعجزه واستكانته تسمح بقولبة الوقائع والحقائق وفرض أجندة نظام دمشق، بما فيها دفع لبنان الى فتنة مذهبية.

لا أحد يريد الفتنة، لكن نظام الأسد يريدها. وطالما أنه يتصرّف في مأزقه الحالي وفقاً للنصائح الإيرانية، يمكن استنتاج ان ايران تريد الفتنة ايضاً. واستتباعاً لا يستطيع "حزب الله" ان يرفضها اذا اصبحت – استراتيجياً - مطلوبة لذاتها، ولمجرد ان لبنان ساحة متاحة لتبادل الاستفزازات الاقليمية. كان المشهد لافتا بعد الاعتداء المفتعل على المشايخ السنّة في مناطق شيعية، كما لو انه "بروفة" لما سيأتي، والأكثر اثارة ان اركان الدولة كانوا في الخارج، كما لو ان وجودهم او عدمه لا يغير شيئا.

 

===================

اوباما والتحديان الايراني والسوري

رأي القدس

2013-03-20

القدس العربي

لا نعتقد ان الرئيس الامريكي باراك اوباما يزور المنطقة من اجل السياحة والاستمتاع برؤية كنائس بيت لحم والقدس او معجزة البتراء في الاردن، فالرجل الذي خبر المنطقة العربية منذ ان كان طالبا ومحاضرا في جامعات شيكاغو وهارفرد وكولومبيا لا يمكن ان يقتصر في زيارته هذه على دور المستمع.

ان يعلن البيت الابيض ان الرئيس اوباما لا يملك خطة للسلام وانهاء الصراع العربي ـ الاسرائيلي، فهذا صحيح ولا يحتاج الى تأكيد رسمي، فعملية السلام التي قادتها الولايات المتحدة على مدى العشرين عاما الماضية ماتت وشبعت موتا ومعها حل الدولتين واتفاقات اوسلو سيئة الذكر.

اوباما يحط الرحال في المنطقة من اجل ان ينفي عن نفسه تهمة معاداة اسرائيل، وتأكيد صداقته لليهود بشكل عام والامريكيين منهم بشكل خاص، وللرد على اتهامات نتنياهو له في هذا الخصوص في محاولة لارهابه ودفعه للتخلي عن مطالبه بتجميد الاستيطان، فالرئيس اوباما، وبشهادة شمعون بيريز رئيس الدولة العبرية، قدم لاسرائيل اسلحة نوعية متطورة ومساعدات عسكرية اخرى ما لم يقدمه اي رئيس امريكي آخر.

القضية الفلسطينية تتراجع بشكل متسارع على سلم اولويات الرئيس الامريكي الزائر للمنطقة، فالرجل مسكون حاليا بقضيتين أخريين، الاولى: هي كيفية التعاطي مع الازمة السورية الملتهبة، والثانية وضع خطط مع حليفه الاسرائيلي لمنع ايران من الوصول، وليس فقط امتلاك، اسلحة نووية.

بالنسبة الى القضية الاولى، اي الازمة السورية، بات واضحا ان الرئيس اوباما يدرس خياراته بعناية، وان كان يفضل ان لا يتورط في اي حرب في منطقة الشرق الاوسط، وهذا ما يفسر موافقة ادارته على خطط فرنسا وبريطانيا لتسليح المعارضة السورية باسلحة حديثة نوعية يمكن ان تمكن الجيش السوري الحر من كسر حالة الجمود الحالية، وتثبيت وجوده على الارض، واضعاف موقف النظام التفاوضي.

الرئيس اوباما مهتم بالدرجة الاولى بالاسلحة الكيماوية السورية، وكيفية الحيلولة دون وقوعها في ايدي الجماعات الجهادية المتطرفة، واستخدامها ضد اسرائيل. فهو لا يريد ان يتكرر السيناريو الليبي، اي تتحول سورية الى دولة فاشلة، وتشكل منطقة جذب للمتشددين المسلمين من مختلف انحاء العالم، وتتحول الى قاعدة لمحاربة اسرائيل.

الرئيس الاسرائيلي بيريز قال امس في حديث لمحطة 'سي ان ان' الامريكية ان اوباما ملتزم بتعهده بمنع ايران من امتلاك اسلحة نووية، والخلاف بينه وبين اسرائيل يتمحور حول توقيت الهجوم العسكري.

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي تعامل مع اوباما بصلف وغرور طوال فترة ولايته الاولى، وجد نفسه في موقف حرج وهو يستقبل ضيفه الامريكي الذي سدد له ضربة قاضية قبل الانتخابات الاسرائيلية عندما وصفه اي نتنياهو بانه جبان ويشكل عبئا على الشعب الاسرائيلي. نتنياهو ارتكب حماقة عندما وضع بيضه في سلة المرشح الجمهوري ميت رومني نكاية باوباما، وها هو يدفع ثمنا باهظا في المقابل.

الحلقة الاضعف في جولة اوباما هي السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، فاللقاء معه يأتي نوعا من المجاملة والتقاط الصور لا اكثر ولا اقل، فلن يكون لدى الرئيس الامريكي اي صدر رحب للاستماع الى الشكاوى من الاستيطان وحكومة نتنياهو اليمينية التي تلوح بزيادة كبيرة في حجم الاستيطان.

من الصعب اصدار احكام جازمة حول هذه الجولة ونتائجها، لكن ما يمكن استخلاصه هو انها جولة يمكن ان تكون للاعداد لحرب، سواء ضد ايران او لاسقاط النظام السوري، او الاثنين معا.

الفلسطينيون ارتكبوا خطأ كبيرا عندما تحلوا بالهدوء، واوقفوا كل اشكال المقاومة المدنية لمنع التشويش على زيارة اوباما، فالهدوء هو اسوأ محام عن قضيتهم العادلة.

===================

عودة الجدل حول الموقف الاميركي من الازمة السورية

د. بشير موسى نافع

2013-03-20

القدس العربي

 

الامريكيون يحسمون موقفهم بضرورة رحيل الأسد ونظامه. لا، الامريكيون يدعون إلى مفاوضات بين الأسد والمعارضة، ويعملون على بقاء الأسد. الامريكيون أسرى الموقف الإسرائيلي من الوضع في سورية. لا، الامريكيون يؤيدون الموقف البريطاني والفرنسي في ضروة تزويد المعارضة بالسلاح. وهكذا، لا ينتهي الجدل حول المقاربة الامريكي للأزمة السورية حتى يبدأ مرة أخرى. وليس هناك من جديد؛ فمنذ اندلاع الثورة السورية والمراقبون، عرباً وغير عرب، مشغولون بالموقف الامريكي وتطوراته. صرح بعض السوريين، سيما بعد أن لجأ النظام إلى سياسة الاجتياحات الدموية للمدن والبلدات الثائرة، في منتصف صيف 2011، برغبتهم في تدخل دولي ما في سورية. ولم يكن خافياً أن التدخل الدولي ليس ممكناً بدون دور امريكي. في ليبيا، لم يستطع الأوروبيون إنجاز المهمة بدون أمريكا؛ وسورية بالتأكيد أكثر تعقيداً، ليس فقط لأن النظام يحتفظ بأداة عسكرية هائلة، وأن ثمة انقساماً طائفياً في البلاد يصب لصالح النظام، ولكن أيضاً لأن قوة دولية بحجم روسيا، وأخرى إقليمية بحجم إيران، تقف إلى جانب النظام قلباً وقالباً. الولايات المتحدة لم تستمع بالطبع لدعوات التدخل؛ واليوم، وبعد تولي جون كيري مقاليد الخارجية الامريكية، وجولته الأوروبية والعربية متعددة المحطات، يتصاعد الجدل من جديد حول حقيقة الموقف الامريكي.

لم يتدخل الامريكيون في سورية، ولكنهم بذلوا جهوداً ملموسة في مجلس الأمن الدولي لإدانة النظام وسياساته، أخفقت في تحقيق أية نتائج ذات أثر بفعل المعارضة الروسية؛ كما شاركوا حلفاءهم الأوروبيين في فرض عقوبات على قيادات النظام وأجهزته الأمنية وعدد من رجال الأعمال الملتفين حوله. ومنذ بدأت دول عربية تمد يد المساعدة للثوار السوريين، المالية منها والعسكرية، غض الامريكيون النظر، بالرغم من إعلانهم المتكرر عن تأييدهم لحل سياسي، يؤمن انتقالاً منظماً وسلمياً للحكم. في نهاية حزيران/يونيو 2012، وبعد إخفاق مجلس الأمن المتكرر في الوصول إلى توافق حول الموقف من الأزمة، توصل الامريكيون والروس إلى ما سيعرف بعد ذلك بإعلان جنيف، الذي أكد على ضرورة تفاوض السوريين، نظاماً معارضة، للتوصل إلى اتفاق حول مستقبل البلاد وفترة انتقالية. ولكن مصير الرئيس السوري، الذي أصبح تنحيه أو إسقاطه هدفاً مبدئياً للمعارضة والثوار السوريين، لم يوضح بصورة قاطعة، وترك لما يعرف في التقاليد الدبلوماسية بالغموض البناء. بعد أسبوع من صدور الإعلان، قال لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، أن إعلان جنيف يطالب بتنحي الأسد. في مناسبات أخرى، أكدت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون أن على الأسد أن يرحل. ولكن الروس ردوا دائماً بأن مصير الأسد ليس شرطاً للتفاوض، ولن يكون هدفاً مسبقاً له، وأن مستقبل سورية ونظام حكمها لابد أن يترك للسوريين أنفسهم ولما يمكن أن يتفقوا عليه.

بهذا، لم يحقق اتفاق جنيف تقدماً يذكر خلال النصف الثاني من 2012. ولأن الولايات المتحدة انتقلت منذ بداية الخريف إلى أجواء الانتخابات الرئاسية، تراجعت المراهنات على الموقف الامريكي بصورة كبيرة. وما إن أعلنت كلينتون رغبتها في التخلي عن موقعها في الإدارة الامريكية، انتظر مراقبو السياسة الامريكية ما يمكن أن يفصح عن الاتجاه الذي يرغب خليفتها في وزارة الخارجية، السيناتور جون كيري، في دفع السياسة الخارجية الامريكية إليه، سيما فيما يتعلق بالأزمة السورية. كان كيري، بصفته رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، مهندس تطبيع العلاقات الامريكية السورية في مطلع ولاية أوباما الأولى، وظن البعض بالتالي أن وزير الخارجية الامريكي الجديد سيتبع سياسة مختلفة عن سلفه. ولكن كيري تحدث في جلسات استماع الكونغرس الخاصة بلغة شبيهة بتلك التي تبنتها كلينتون من الأزمة: إعلان جنيف، تفاوض السوريين، انتقال سلمي للسلطة، وتنحي الأسد. في كانون أول/ديسمبر 2012، في الأيام الخيرة لإدارة أوباما الأولى، ولم تزل كلينتون في موقعها، برز تطور جديد في الموقف الامريكي، عندما أعلنت إدارة أوباما جبهة النصرة، إحدى أبرز قوى الثورة السورية المسلحة، منظمة إرهابية. تتهم جبهة النصرة منذ ظهورها على ساحة النزاع المسلحة في سورية بأنها ليست أكثر من نسخة جديدة للقاعدة، وأن سلوكها في سورية لا يعكس سوى اختلاف مؤقت عن سلوك شقيقتها في بلاد الرافدين، وليس تبايناً في الأهداف النهائية.

في جولته الأوروبية والعربية، أولى رحلاته الخارجية الرئيسية بعد توليه منصبه، نهاية شباط/فبراير وبداية آذار/مارس، احتلت سورية مساحة كبيرة في مباحثات وزير الخارجية الامريكية الجديد مع نظرائه العرب والأوروبيين. وقد توقع عدد من مراقبي السياسة الامريكية والمهتمين بالشأن السوري، بعد مؤتمر كيري الصحافي في لندن، بصحبة وزير الخارجية البريطاني، أن ثمة موقفاً امريكياً جديداً في طريقه للتبلور. ولكن التطور الوحيد الذي أمكن تسجيله خلال مؤتمر أصدقاء سورية في روما، بعد أيام قليلة من مباحثات كيري في لندن، كان الإعلان عن تقديم مساعدة امريكية مالية صغيرة للإئتلاف الوطني السوري. أعاد كيري خلال زيارته المتلاحقة للقاهرة والرياض والدوحة وأبوظبي التوكيد على أن إعلان جنيف لم يزل محور المقاربة الامريكية للأزمة السورية، وأن واشنطن تعمل من أجل دفع السوريين للتفاوض، بهدف التوصل إلى اتفاق على المرحلة الانتقالية. بعد أيام قليلة، أوضح وزير الخارجية الامريكي أن ما يقصده هو التفاوض بين ممثلين (مقبولين) للرئيس السوري والمعارضة التي يمثلها الإئتلاف الوطني. وجد هذا التصريح بالذات ترحيباً حاراً من دعاة الحل التفاوضي، سيما الروس، الذين جعلوا من التفاوض غير المشروط ركيزة لسياساتهم تجاه الأزمة. قلة فقط لاحظت أن جولة كيري الأوروبية العربية، وسلسلة تصريحاته حول سورية، واكبت إعلانات منفصلة من بريطانيا وفرنسا تشير إلى عزم الدولتين تقديم مساعدات عسكرية للثوار السوريين، للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية، حتى إن رفضت دول الاتحاد الأوروبي رفع الحظر عن تصدير السلاح لسورية. في 18 آذار/مارس، قال كيري بلغة واضحة أن الولايات المتحدة لن تقف عثرة أمام أية دولة ترغب في تزويد المعارضة السورية بالسلاح، مندداً في الآن نفسه بالمساعدات العسكرية التي توفرها كل من روسيا وإيران للنظام طوال العامين الماضيين.

فأين هو الموقف الامريكي فعلاً؟

لم تتغير السياسة الامريكية تجاه سورية كثيراً منذ خريف 2011، لا من جهة الفرضيات والأهداف، ولا من جهة المفردات. وبالرغم من التغيير في قمة وزارة الخارجية، فلا يبدو أن كيري سيبتعد عن السياسة التي اتبعتها كلينتون. الأصح القول بأن هذه هي سياسة إدارة أوباما، وأن وزير الخارجية الجديد، كما سلفه، ليس أكثر من معبر عن هذه السياسة في الساحة الدولية. اقترب الامريكيون من الثورة السورية من منطلق تراجع موقع الشرق الأوسط في سلم أولوياتهم الاستراتيجية العالمية، وانتقال اهتمامهم إلى حوض الباسيفيك. وينبع جزء كبير من الاضطراب، الذي يشوب تقديرات الموقف الامريكي، إما من تجاهل هذا التحول في الاستراتيجية الامريكية العالمية، أو في فهم هذا التحول وكأنه يعني انسحاباً امريكياً كلياً من الشرق الأوسط. ما حدث، ولأسباب تتعلق بمتغيرات جوهرية في موازين القوى العالمية، كما في الحدود التي تفرضها الأزمة الاقتصادية المالية العميقة، والمستمرة منذ 2008، أن الصين وجوارها أصبحت منطقة الأولوية القصوى؛ وهو ما يتطلب تغييراً جوهرياً في تقدير واشنطن للحد الأدنى من مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط، وكيفية الحفاظ على هذه المصالح، بأقل قدر ممكن من التكاليف. على أساس من هذا التحول الاستراتيجي في الأولويات الامريكية، لم تكن إدارة أوباما، في أي مرحلة من مراحل الأزمة السورية، على استعداد للتدخل المباشر، لا بالقوات ولا بالجهد العسكري الملموس ولا بالمساعدات العسكرية للمعارضة. والأرجح أننا لن نشهد أي تغيير في هذا الموقف في المستقبل، ما لم يقع تطور كبير ومفاجىء في مسار الأزمة، يمس بتوازنات القوة على المستوى العالمي.

ولأن إدارة أوباما توصلت إلى قناعة منذ الشهور الأخيرة لـ 2011 بأن نظام الأسد أصبح فاقداً للشرعية، وأن الثورة ضده تضم أغلبية الشعب السوري، لم تعترض على قيام دول عربية بتقديم مساعدات مالية وعسكرية للثورة، ولا هي بصدد الاعتراض على تعهد دول أوروبية حليفة، مثل بريطانيا وفرنسا، دوراً مشابهاً. وإلى جانب متغيرات الاستراتيجية العالمية، فإن عاملين رئيسيين آخرين، حددا طبيعة المقاربة الامريكية للأزمة خلال الشهور القليلة الماضية: الأول، كان الإخفاق المستمر في مجلس الأمن، وتصميم روسيا على الوقوف إلى جانب النظام، من ناحية، وصعود نفوذ القوى الإسلامية المسلحة في الساحة السورية، من ناحية أخرى. لعب هذا العاملان دوراً رئيسياً في سعي الولايات المتحدة إلى محاولة إحداث التغيير في سورية بطريقة تضمن بقاء الجسم الأساسي لمؤسسات الدولة السورية، سيما في العاصمة دمشق، حيث مركز أغلب هذه المؤسسات، وانتقال الحكم والسلطة في مؤسسات الدولة هذه بصورة منظمة أو شبه منظمة لأيدي عناصر وقوى 'معتدلة' في صفوف المعارضة. يرى الامريكيون، وهو ربما تقدير صحيح، أن استمرار المعركة إلى النهاية، سيؤدي بالضرورة إلي تقويض نهائي لمؤسسات الدولة السورية، ولأن جماعات مثل جبهة النصرة تتقدم تدريجياً في ساحة الصراع المسلح باعتبارها الأكبر والأكثر فعالية، فإن استمرار المعركة قد يؤدي إلى سيطرة هذه القوى على سورية ما بعد الأسد. ولا يستبعد أن يكون القرار الأنكلو - فرنسي بتقديم مساعدات عسكرية للمعارضة السورية مدفوعاً بالقلق نفسه من تزايد قوة وتأثير الجماعات الإسلامية الراديكالية. بمعنى أن المساعدات الأنكلو - فرنسية ستتوجه لأجنحة معينة في الجيش الحر (توصف عادة بالمعتدلة)، لتعزيز القوة والتأثير النسبيين لهذه الجماعات.

في النهاية، وبكلمة أخرى، ليس ثمة ما يثير القلق أو التفاؤل بأي موقف امريكي مختلف. ولعل مصلحة الثورة والشعب هي في التزام واشنطن بالابتعاد عن الشأن السوري، وبأقل درجة من التدخل في مجريات الثورة السورية. وليس الولايات المتحدة وحسب، بل والحلفاء الآخرين في أوروبا كذلك.

 

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

===================

سورية وخيارات الأسد السياسية

سهيل حداد

2013-03-20

القدس العربي

لقد شكلت التراكمات العميقة التي أحدثها نظام حافظ الأسد في سورية، شرخاً وانقساماً كبيرين لا يمكن تجاوزهما أو ترميمهما وإصلاحهما بالسهولة التي يتصورها البعض، هذا الانقسام رسخ مساراً زمنياً في الفكر التسلطي والاستبدادي، وفارقاً طبقياً في الفكرة والرؤية والتوجه والمصير، حيث لم يعد بالإمكان إقناع ورثة السلطة الحاكمة رغم كل محاولات حلفاء وأصدقاء النظام السوري في الداخل والخارج، بضرورة السير في مبدأ الإصلاح الحقيقي عبر الحوار الجاد مع الشريك الأخر في الوطن، والمتضمن تطبيق مفهوم المواطنة والعدالة واحترام حقوق الإنسان والتنمية الحقيقية والتوزيع العادل لثروات الوطن والمساواة وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد في العائلة الحاكمة وأدواتها المنتشرة والمرتبطة معها في معظم أركان المجتمع وضرورة تقوية مؤسسات الدولة واحترام العمل المؤسساتي واحترام القضاء وسيادة القانون ومبدأ التعايش مع الآخر كشريك في الوطن وضمان نزاهة الانتخابات وحرية التعبير والتفكير والتعددية الحزبية والإعلامية الغير موجهة من الأجهزة الأمنية وفسح المجال لمساهمة مكونات المجتمع المدني في اتخاذ القرارات المصيرية التي تحدد مسار الوطن والشعب السوري.

حاول الوطنيون السوريون إقناع السلطة المتمثلة في بشار الأسد بضرورة تغيير نهجها المتبع سابقاً في عهد حافظ الأسد وضرورة الحد من تجاوزات الأجهزة الأمنية والتخلي عن هيمنتها وتسلطها على المجتمع والكف عن استعباد الشعب السوري وإفقاره وإذلاله ونهب تروات الوطن وتوزيع الغنائم والامتيازات والنفوذ مع عملائها الذين يقدمون الطاعة والولاء وضرورة إبعادهم عن الحياة المدنية ومؤسسات الدولة وتطهيرها من الفساد والمفسدين والحد من تجاوزات عائلة الأسد وأقربائه وتسخير القوانين بما يتلاءم ومصالحهم والكف عن اعتبار سورية وشعبها محمية طبيعية ومزرعة خالدة إلى الأبد لا يحكمها إلا آل الأسد، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل على صخرة الاعتقالات والتعذيب والتهجير والاتهامات بالخيانة والعمالة.

يتساءل البعض ويستغرب البعض الآخر ومنهم بشار الأسد لماذا قامت الثورة السورية ومن هم رموزها وما هي أسبابها وأهدافها.. ولا يتساءل ما معنى أن يهتف البعض ... الأسد أو نحرق الشعب والبلد.. ؟!.

تعتبر السلطة الحاكمة في سورية وريثة الحقبة السابقة وتدفع ثمن خيارات تلك المرحلة، حيث لم تتمكن السلطة الحالية من الخروج عن عباءة سياسة مرحلة حافظ الأسد .. هي تدرك تماماً ما هي المتطلبات الدولية الواجب تطبيقها، وهي على قناعة كاملة بضرورة تطبيقها وهي موافقـــة عليها من حيث المبدأ، إلا أنها عاجزة عن المناورة والحركة وغير قادرة على تنفيذها بسبب قوة المخلب الروسي وفرصته الذهبية للعودة إلى الساحة الدولية عبر الحلقة السورية الرخوة من ناحية، والمخلب الإيراني الشرس الذي لحظ مدى ضعف الأنظمة العربية والانقسامات العميقة فيما بينها وغياب دورهم الفاعل ولحظ صراع القوى الأخرى المتنافسة في إشغال هذا الفراغ العربي إقليمياً 'إسرائيل وتركيا' ودولياً 'أمريكا ـ روسيا ـ الصين' فأنقض على الفريسة السورية الضعيفة لابتلاعها.

أدرك الإيرانيون منذ البداية موقع سورية الحيوي والجغرافي والديموغرافي ومدى قوتها وتأثيرها عربياً وأنها مفتاح البوابة العريضة إلى القضايا العربية القومية التي تمس مشاعر العرب والمسلمين 'فلسطين والأراضي العربية المحتلة' مستفيدة من الخلاف الشخصي بين الأسد الأب ورئيس العراق السابق صدام حسين، حيث حاولت إيران بكل إمكانياتها في عهد حافظ الأسد القوي الذي فرض سياسة التوازن في التحالف والعلاقات مع النظام الإيراني ومنع تثبيت أقدام الإيرانيين في المنطقة العربية بشكل عام وفي سوريا ولبنان بشكل خاص دون موافقته ومشاركته الفاعلة ودوره البارز في رسم السياسة الإقليمية في المنطقة، إلا أن الإيرانيين رتــــبوا كافة أجندتهم خلال الفترة السابقة مـــن أجـــل قطف ثمار جهودهم الســـياسية بعد غياب حافـــظ الأسد عبر الانقضاض على النظام السوري في عهد بشار الأسد الضعيف والهيمنة على السلطة السورية ووضــــعها فريسة في عمق المحور السياسي والأمني والعسكــــري والاقتصادي كأداة وليـــس حليف في المشروع الإيراني الاستراتيجي الكبــير القـــادم إلى المنـــطقة العربية في المرحلة القادمة على متن سفـــينة التعاون والوفاق الأمريكي ـ الإيراني التي نجحت في اجتياز مضيق عدد من ملفات الاختبار في الساحة العراقية والأفغانية والخليجية واللبنانية.

إن بعض مكونات النـــظام السوري تدرك أنها تدفـــع ضريبة خيار الأسد الأب في التحالف مع إيران واستمرارية هـــذه العلاقات في عهد بشار الأسد، وتدرك أيضاً صعوبة الانفكاك نتيجة التداخلات المتشعبة في هذه العلاقة، لذلك فهي تعلم المخاطر الكارثية المرتقبة على سورية وموقعها ودورها ووجودها، هي تقر في الأزقة الضيقة والمغلقة فيما بينها صعوبة تحقيق الحسم العسكري على الأرض، وتوافق ضمنياً على شعار الحوار مع الآخر 'المعارضة' وفق المعطيات الدولية، أي انتظار بلورة الرؤية السياسية الأمريكية ـ الروسية المستقبلية للخروج من الأزمة بحيث يتم الحفاظ على بقاء بعض مكونات النظام السابق ولكن ليس بالضرورة بقاء سلطة الأسد وعائلته، إلا أن اللعبة الدولية المتآمرة على الثورة السورية في بقاء قوة الأسد الأمنية والعسكرية في القدرة على المناورة أفقياً والتدخل المباشر والسريع للقيام بسلسلة من التصفيات والاغتيالات ضمن أركان النظام في أوقات الضرورة، يجعل رموز النظام السوري متردداًً ومقيداً وملزماً بشروط بقاء السلطة والدفاع عنها وعن خياراتها مهما كانت التضحيات. لذلك فإن بعض مكونات النظام تترقب وبحذر شديد تغير المزاج الأمريكي والدولي وبالتالي تبدل المعادلة العسكرية على الأرض حتى يعلنوا تمردهم وانشقاقهم وانقلابهم على السلطة.

إن السلطة الحاكمة وما تملكه من دعم إقليمي ودولي فاعل تدرك قيمة وخطورة الأوراق الإقليمية التي بحوزتها وتلوح بالعبث فيها بين الحين والأخر، (خطورة انفجار الوضع في العراق وتداعياته على دول الخليج ـ خطورة انفجار الوضع الطائفي في لبنان وتداعياته على إسرائيل ـ خطورة انفجار الوضع في تركيا وتداعياتها على القضية الكردية والقضية العلوية داخلياً وعلى الوضع دولياً 'أرمينيا ـ اليونان' وخطورة التقسيم والانهيار الاقتصادي ـ الوضع الأردني شبه المنهار ليس أفضل حالاً والذي لا يحتمل أي اهتزازات سياسية أو اقتصادية ـ دخول المارد الإيراني بثقله الجغرافي والاقتصادي والعسكري في ساحة الصراع بشكل مباشر ليس في سورية وحسب، وإنما في إمكانية قلب الطاولة رأساً على عقب فوق رؤوس اللاعبين وتأثير انعكاسات ذلك على الساحة الخليجية والعراقية والتركية والأفغانية والسورية واللبنانية واليمنية والمنطقة بشكل عام وانعكاس ذلك أيضاً على صراع الضباع سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في الساحة الدولية، لذلك فإن السلطة السورية رغم ضعفها وقلقها مطمئنة بعض الشيء للمناورات السياسية التي تدور هنا وهناك، مستفيدة من ضعف المعارضة السورية وانقساماتها وخلافاتها فيما بينها، فلا تدخر عصابات الأسد جهداً في تنفيذ العمليات الإجرامية والوحشية ضمن المهل الزمنية الممنوحة إليها بمهنية عالية في القتل والتدمير وارتكاب أبشع وأقذر الجرائم بحق الشعب السوري الأعزل على مرأى ومسمع شعوب دول العالم قاطبة.

إن أمريكا وحلفاءها يدركان المعادلة الدولية والإقليمية والمحلية، ويدركان مدى معاناة السلطة السورية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وحاجة الثورة السورية إلى الدعم العسكري والسياسي الخارجي، ويعلمان تماماً أن بقاء السلطة على قيد الحياة مرهون بمدى تأمين الأكسجين الروسي والإيراني إليها من ناحية، وعدم دعم الثورة السورية بشكل فاعل لحسم الصراع من ناحية ثانية، لذلك فإن أمريكا تلعب على الأوتار المختلفة بقذارة النخاسين مع النظام والثورة السورية معاً 'الإستراتيجية والسياسة الأمريكية في التجربة الأفغانية' بما يضمن استنزاف الدول الداعمة للنظام السوري من جهة، وبما يحقق التوازن بين النظام والثورة لإطالة مدى الصراع بينهما وتحقيق المزيد من المكاسب في تدمير كيان الوطن وخاصة في مجالات العلوم والمعارف والعقول وتمزيق الثقافة إلى ثقافات متعددة ومتصارعة فيما بينها وخلق بيئة اجتماعية منقسمة ومفككة تخاف من الآخر واقتصاد مرهون بشروط سياسية قادمة لإعادة الأعمار بما يضمن الطاعة والولاء.

لقد رتبت السلطة الحاكمة أوضاعها على صراع طويل الأمد وأعدت نفسها للاحتمالات والبدائل الخطيرة ومن يعرف الأسد يدرك تماماً بأنه لن يقبل بمشاركة المعارضة في الحكم والسلطة مهما كان الثمن والتضحيات، وجل ما قد يوافق عليه تحديد حجم ومساحة مشاركة الآخر أي 'المعارضة السورية' باعتبارها جزء أساسي في النظام القادم، والنظام حسب رؤيته في نهاية الأمر وبحد ذاته لا يملك القرار ولا يشكل السلطة الحاكمة.

من يعرف الأسد جيداً يدرك أنه لن يستسلم لإرادة الشعب إلا بالقوة، لأنه يؤمن بأن مصدر شرعيته للبقاء في السلطة ينبع من رضا السيد الأمريكي وليس من دعم شعبه 'ولعل خطابه الأخير ووصفه المعارضة السورية مجدداً بالعصابات المسلحة والمجرمين والإرهابيين ومن ثم الإشارة إلى الحوار والحديث مع الأسياد وليس مع العبيد دعوة صريحة لتقديم كافة التنازلات المطلوبة للسيد الأمريكي وليس للشعب السوري 'ولعل تعيين جون كيري وزيراً للخارجية الأمريكية إشارات لها مدلولات في العلوم السياسية ستكشف عن المستور في المرحلة القادمة'.

إن السلطة التي لا تحتمل فكرة الحوار مع أركان نظامها وحلفائها وأصدقائها ومؤيديها ولا تقبل مناقشة أي خيار لحل سياسي معهم بديلاً عن الحل الأمني (فاروق الشرع وجماعته، مناف طلاس وتياره، عبد العزيز الخير وغيرهم) كيف لها أن تفتح حواراً مع أعدائها وخصومها في 'المعارضة' التي تطالب بالإطاحة بها وإسقاط حكمها ومحاكمتها مع رموز نظامها؟!.

في النهاية لم يستفد بشار الأسد من قراءة التطورات الدولية التي حصلت في العالم، ولم يستطع الخروج عن خيارات أبيه السياسية رغم توفر المناخ الداخلي الملائم والظروف الدولية والإقليمية المناسبة خلال فترة حكمه، سقطت الاشتراكية في مرقدها وبقي النظام السوري الفاسد يتمسك حتى يومنا هذا بالنظام الاشتراكي المتهالك الذي دمر المجتمع والدولة داخلياً، سقط حلف وارسو الشيوعي وانهار الاتحاد السوفيتي ولم يخرج نظام الأسد عن المنظومة الأمنية والمخابراتية وخيارات الرهان على المقامر الروسي في الساحة الدولية، راهن الأسد إقليميا في بناء العلاقات مع إيران على حساب العلاقات مع الدول العربية وتركيا، فحلقت إيران في الأفق وانهار العراق في أحضانها ومات حافظ الأسد ودفن تحت الثرى وبقي نظامه الملعون يحكم من القبر حتى سقطت سورية في الجحيم. ألا يحق للشعب السوري أن يقول كلمته: كفى .. احمل يداك الملطختان بدماء الشيوخ والنساء والأطفال وارحل مع خيارات أبيك أيضاً إلى الجحيم وبئس المصير.

=======================

تشكلت حكومة...كيف ستسقط العصابة الاسدية?

غسان المفلح

السياسة 22/03/2013

بعد انتخاب رئيس الحكومة الموقتة قال الصديق برهان غليون:" الطريقة التي تمت بها اجراءات اختيار رئيس وزراء اول حكومة موقتة للثورة السورية لا تليق بثورة عظيمة كالثورة السورية, ولا تعكس الشعور الكبير بالمسؤولية تجاه معاناة ملايين السوريين المنكوبين وآلاف الشهداء والجرحى والمشردين". رغم صحة هذا القول لكنني أجد كما حال الصديق برهان اننا يجب اعطاء زميلنا في المجلس الوطني غسان هيتو فرصته, لأن السيد غسان هيتو كان مرشح المجلس الوطني والهيئة العامة للثورة السورية, بغض النظر عما قيل حول علاقته بجماعة الاخوان المسلمين, انتظرت لاستمع إلى كلمات ختام المؤتمر الذي انتخبه, وكلمته هو بالذات, جاءت اولا كلمة الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية عصبية قليلا, ذات شحنة عالية النبرة في الهجوم على المجتمع الدولي عموماً, وهو هجوم يقوم به كاتب او صحافي او ناشط, لكن ممثل اعلى هيئة سياسية للثورة السورية, يصبح للكلام مغزى مختلف, وخصوصاً اذا اخذنا بعين الاعتبار المغزى السياسي للاجتماع والخطاب معا, وكيف يمكن ترجمة خطاب الشيخ معاذ بهذه المناسبة? خطاب الشيخ معاذ تحدث عن جماعات تكفيرية وسلفية وجهادية لاعلاقة لها بالجهاد كما قال, وطالب الدول التي تدعمها بسحب دعمها وسحب شبابها الذين ترسلهم كونها لاتريدهم, بالطبع كان الاجدى بالشيخ معاذ ان يكمل معروفه معنا ويخبرنا من هي هذه الدول? ربما هناك من سيقول ان هذا تكتيكاً سياسياً, حسنا تدين الثورة وقواها بوجود مثل هذه القوى التكفيرية والمقاتلين الاجانب, من دون ان تكشف عمن ورائها يصبح للحديث معنى آخر نتابعه الآن, رفض التدخل الدولي رفضا قاطعا وهذا ليس جديداً على خطابه عموماً منذ توليه موقعه هذا, مع انه ذكر العالم بالكذبة الاميركية لاحتلال العراق من دون ان يذكر الدور الايراني وغيره في سورية والعراق كونه عرج على الموضوع العراقي من زاوية رفضه للتدخل الدولي, وكل هذا يتناسب مع تصريحه الاول المشهور أنه يرفض وضع سورية تحت البند السابع, واعقبه باطلاق مبادرته للحواروفق معلوماتي المتواضعة لم يطالب الشيخ معاذ بأي دعم للجيش الحر من المسؤولين الدوليين الذين التقاهم, اتمنى ان تكون معلوماتي خاطئة كنت اتمنى ان استمع من الشيخ معاذ بعد كل هذه النبرة العالية, ذات النفحة الشعبوية الاجابة عن سؤال كيف سيسقط العصابة الاسدية? وعلى مبدأ" مقسوم لا تاكل وصحيح لاتقسم".

ثم جاءت كلمة الزميل غسان هيتو التي كانت مدروسة مسبقا, لتضع بعض النقاط على الحروف في بعض المسائل, وخصوصاً انه رفض رفضا قاطعا اي حوار مع العصابة الاسدية, وتحدث بلغة رجل دولة يريد اعمار وادارة المناطق السورية المحرر منها وغير المحرر, ولم يتم طرح مسألتين مهمتين في خطابه, الاولى لم يشر إلى مسألة رؤيته ورؤية حكومته إلى كيفية اسقاط العصابة الاسدية. والثانية لم يشر إلى مصادر دعم هذه الحكومة, التي من المفترض ان يكون لديها مليارات الدولارات كي تنفذ ولو جزءاً يسيرا من برنامجها, الذي طرح ملامحه في خطابه, وكيف سيتم تأمينها?

السؤال الاساسي الذي يواجه الثورة هو في كيفية اسقاط العصابة الاسدية بعد سنتين من الثورة وكل هذا القتل والدمار الذي الحقته هذه العصابة بسورية? بعد هاتين الكلمتين تم انتخاب هيئة سياسية لقيادة الائتلاف ستكون بمثابة اعلى هيئة سياسية بالمعنى القيادي للثورة السورية, وهي مطلوب منها الاجابة عن هذا السؤال, والعمل على تأمين مستلزماته الستراتيجية واليومية. بات لدى الثورة الان مكتب تنفيذي للمجلس الوطني اكبر تجمع معارض داخل الائتلاف, وهيئة سياسية تقود الائتلاف الوطني لقوى المعارضة, وحكومة موقتة فأين الطريق إلى دمشق بعد ذلك?

كاتب سوري

ghassanmussa@gmail.com

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ