ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 04/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

03-03-2013

ملالي إيران ومعركة الدفاع عن المحافظة 35

اسطنبول ـ عمر كوش

(إلى الشهيد عمر عزيز)

المستقبل

في إحدى الجلسات الدمشقية، التي كانت تجمعنا في بدايات ثورة الخامس عشر من آذار/ مارس 2011، كان الحديث يدور بين ثلة من المثقفين السورين، حول خصوصيات الثورة وآفاقها، وتحدث عمر عزيز عن الخصوصيات، التي كانت مواجهة نظام دموي له امتداداته الإقليمية والدولية من بين إحداها، ويجسدها ارتباط النظام الأسدي بشبكة تحالف صلبة، ذات نسيج مذهبي ظاهر، باطنها يخفي أهدافاً متعددة، لا يحصرها الحفاظ على تركيبة الأنظمة والقوى الميليشاوية، بل تمتد إلى تأبيد وتأليه رموزها، ومصادرة حقوق العامة واحتلال الفضاء العام، وبسط هيمنات وأجندات، وسواها. وتمتد خيوطها من طهران مروراً ببغداد ودمشق، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية في بيروت، ثم رحنا نتساءل عن طبيعة المشروع الإيراني في المنطقة، وعما يريده نظام الملالي من سوريا. وأخذ التفكير ينحو باتجاه الحيثيات التي تجعل نظام إيران الإسلامي يخوض معركة مكلفة، دفاعاً عن رصيفه السوري، ومدى تأثيرها على شعوب المنطقة ودولها، وعلى مآل المشروع الإيراني نفسه.

ولعل إرهاصات معركة الدفاع عن النظام الأسدي التي يخوضها النظام الإيراني منذ بداية الثورة، كشفت عن مضمرات، ما كانت لتظهر، لولا إحساس بعض ساسة النظام الإيراني وآياته، بأن النظام الأسدي بات في حكم الماضي، ويعيش مرحلته الأخير، الأمر الذي أخرجهم عن طورهم الهادئ أو الناعم، وكشف ملامح مشروعهم القومي التوسعي، وبالتالي لم تكن زلّة لسان ما تحدث عنه مهدي طائب، واعتبر فيها أن سوريا بالنسبة إلى المشروع الإيراني هي المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثون، وأنها تكتسي أهمية أكبر من أهمية عربستان (الأهواز) بالنسبة إلى ملالي إيران.

ويبدو أنه كلما ضاق الخناق على النظام السوري، كلما فرطت أعصاب ساسة إيران الرسمية، وبشكل يفضح تورطهم واستخدامهم "الأزمة السورية" كورقة، إلى حدّ اقترح فيه عباس عراقجي، مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون دول آسيا والمحيط الهادي، إدراجها في محادثات النظام، الذي ينتمي إليه، مع مجموعة 5+1، وبما يجعلها ترتقي إلى مصاف قضية الملف النووي الإيراني، بوصفها قضية النظام الأولى، الأمر الذي يكشف طبيعة وتركيبة العقلية، المتحكمة في ساسة النظام الإيراني، ويشير إلى النهج الذي اتبعوه في معاداة الثورة السورية، مقابل الدعم الهائل للنظام السوري، قرين نظامهم في النهج والممارسة والتوجهات، وإلى حجم التورط والتورّم الذي أصابهم، كي يحافظوا على نسيج شبكتهم التي نسجوها في المشرق العربي، ورفعوا عليها يافطة "محور الممانعة"، التي كشفت زيفها وتهافتها الثورة السورية، بعد أن دخل النظام السوري وحلفائه في دائرة بركان ثائر، لن تهدأ حممه وحمولاته، إلا بإسقاط أصحاب الرؤوس الحامية، الذين يتصرفون وكأنهم قادة دول عظمى، في وقت لا تظهر عظمتهم الجوفاء، إلا على شعوبهم، في صورة إقصاء وقمع وخراب وقتل العزل.

كان الأجدى بالنظام الإيراني أن يحسب بدقة ارتدادات وإرهاصات معركة دفاعه عن حكام محافظته الخامسة والثلاثين، وأن يصرف مليارات الدولارات المهدورة، لتلبية احتياجات حياة الناس في المحافظات الإيرانية. واقتصاد إيران أولى بتلك الأموال، خصوصاً وأن عامة الإيرانيين ترزح تحت وطأة فساد و"سلْبطة" مافيات وممارسات نظام مارق، استمرأ مقارعة الكبار، كي يستكبر على شعبه، وعلى ثوار وناس المحافظة الخامسة والثلاثين، وراح يتفاخر ويتاجر بثقل العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية، وهو يعرف أن الأنياب النووية التي يطمح إلى امتلاكها، لن ينالها إلا على حساب إفقار غالبية الإيرانيين، بعد أن أفقر حياتهم السياسية، وصادر مجالهم العام، لصالح إطلاقية وصلاحية ما يقرره الولي الفقيه، ولصالح تحكم غالبية الملالي بمقدرات وقدرات الشعوب الإيرانية.

غير أن الثمن الذي يدفعه النظام الإيراني، يصرف في الحقيقة على معركة دفاعه عن حكام المحافظة الملحقة بمجال نفوذه. وهي بالمناسبة ليست المحافظة الوحيدة الملحقة بإيران، حسب تصورات مهدي طاب ونظرائه، لعله لم يخطأ العدّ، حين لم يقل أن سوريا هي المحافظة الثانية والثلاثون، باعتبار ان عدد المحافظات الإيرانية هو 31، بل إن الكويت والبحرين وجزر الإمارات وجنوب العراق، وربما العراق برمته، وجنوب لبنان أو لبنان برمته، هي أيضاً تدخل في تعداد المحافظات الملحقة بإيران. وربما الأمر لا يتوقف عند هذا الحدّ، لكن تعامل ساسة إيران مع الوضع في سوريا، وكأنه القضية الأهم بالنسبة إليهم في منطقة الشرق الأوسط، يدعو إلى النظر في آلية تفكير ساسة النظام الإيراني، وتلمس الأسباب والحيثيات التي جعلتهم، يرسلون جنرالات ومقاتلين إلى سوريا، ولعل مقتل الجنرال في "الحرس الثوري" حسن شاطري، والذي يحمل أسماء مزيفة ومهام مزيفة، إذ كيف يعقل أن يقتل في سوريا، وهو يترأس "الهيئة القانونية الإيرانية لإعادة إعمار لبنان"، إلا إذا كانت إعادة إعمار لبنان لا تكتمل إلا في القتال إلا جانب النظام السوري، الذي سجل سابقة تاريخية في صفقة مبادلة أسرى إيرانيين من الحرس الثوري، بأسرى سوريين معتقلين في أقبية أجهزته الأمنية.

ويذهب التفكير في أبعاد الدور الإقليمي لإيران إلى المشروع الإيراني الارتدادي، الذي يضرب عمقه في التاريخ، وتحكمه مرجعيات الثأر من عرب اليوم، لمعارك ومواجهات قديمة، لم يخضها عرب اليوم، ولا يسألون عنها، بالرغم من أنهم يشكلون الآخر المختلف معه مذهبياً وعرقياً حسب التصنيف الإيراني، مع العلم أن العرب الذين دخلوا إيران، في غابر الأزمان، دخلوها كمسلمين، وفاتحين، ولم يكنوا العداء للشعوب الإيرانية التي دخلت الإسلام من دون إكراه.

والناظر في عقلية المتشددين في إيران، يجد أنهم دعاة مشروع إيديولوجي، يتخذ تلاوين مختلفة في المنطقة، ويقف وراءه عقل سياسي، يزاوج ما بين الديني والقومي، أي ما بين العقيدة المؤولة مذهبياً، وفق فهم رجال دين متزمتين، وبين الطموح القومي الضارب في عمق الإيديولوجيا والتاريخ الغابر، الأمر الذي يجعل منه مشروعاً جامعاً ما بين السعي إلى الهيمنة والإلحاق وإلى التغيير، وهادفاً إلى تحقيقهما بمختلف الوسائل، المشروعة وغير المشروعة. ولا يقدم دعاته ومناصريه أية تنازلات، ولا يقبلون بالمساومات أو التسويات، حتى وإن تعلّق الأمر بالأسم فقط، حيث مازالوا يرفضون تسمية "الخليج الإسلامي"، التي اقترحت كحل وسط لتسمية الخليج العربي، ويصرون على تسميته "الخليج الفارسي"، بل ويتخذون إجراءات عقابية صارمة بهذا الخصوص.

والمفارق في الأمر هو أن الشعب الإيراني، لا تسكن غالبيته هواجس هذا المشروع، ولا يكنون العداء للشعب السوري أو لسواه من الشعوب العربية وغيرها، في حين أن الموقف الإيراني الرسمي حيال الأزمة في سوريا، اتسم بالانحياز الكامل للنظام السوري، منذ اندلاع شرارة الحراك الاحتجاجي الشعبي فيها، حيث تبنى الساسة الإيرانيون خطاباً داعماً للنظام في نهجه وسياساته الداخلية والخارجية، ونظروا إلى الثورة بوصفها نتاج "مؤامرة خارجية"، "صهيونية وأطلسية"، ثم زادوا عليها صفة "العثمانية"، وحصروا هدفها في النيل من مواقف النظام المعادية للمشاريع الأميركية والصهيونية، ولم يخفوا وقوفهم القوي إلى جانبه بكل إمكاناتهم الدبلوماسية والسياسية واللوجستية والعسكرية، بل دعموه بالرجال والمال والسلاح، وتبنوا وجهة نظره وطريقة تعامله مع الأوضاع الدامية والمتغوّلة في قتل المدنيين وتدمير البلاد. وراحوا يتحدثون عن كربلاء جديدة، بالتناغم مع أزلام النظام السوري، الذين تفتقت أذهانهم عن "كربلاء العصر"، بلغة مخاتلة ومخادعة، توظف كربلاء القديمة، لصالح من يتاجر بدم "الحسين"، وبتجيير أكثر الناس بعداً عن روح كربلاء وروح الدين.

ومنذ عقود عدة، يحاول ساسة النظام الإيراني تنفيذ معادلات، تنهض على قيام إيران بدور الدولة المحورية بأسنان نووية، كي تتزعم المشرق الإسلامي تحت يافطة ذرائعية، فحواها الصراع مع إسرائيل ومجابهة الولايات المتحدة الأميركية. وهي يافطة شعاراتية فارغة، لأن هذا النظام سارع على الدوام إلى مهادنة المشاريع الأميركية والاستفادة منها، بل وساعد الإدارات الأميركية، التي تعاقبت على البيت الأبيض، على تنفيذ مرادها في أفغانستان وفي العراق. في حين أن الصراع المزعوم مع إسرائيل اكتسى معانٍ لفظية، طنانة فقط، لأن الهدف من ورائه ضمان أمن النظام الإيراني وسلامة نخبته الحاكمة، إلى جانب سعيه إلى إيجاد مجال حيوي يضمن نفوذه الإقليمي القوي.

يبقى أن النظام الإيراني يعيش إخفاقات داخلية على مختلف الصعد، ولا يكل عن بحثه المحموم في تعويض تلك الإخفاقات، سوى التلويح بالبرنامج النووي، وبمدّ الأذرع التدخلية، ومحافظات جديدة، واللعب على وتر العصبية القومية، المسبوغة ببلوثة التفوق الآري، الممزوجة بوهم التفوق المذهبي وولاية الفقيه، وما ينتج عن ذلك من عنصرية قومية دينية مركبة، يبيعها النظام، بدلاً من أن يتلفت إلى حاجات ومشاكل غالبية الإيرانيين المسحوقين، والتصالح مع عالم اليوم على أسس المصالح المشتركة، واحترام حقوق الإنسان، والديموقرطية، وسائر قيم العصر.

 

=====================

عن الحل السياسي والحسم العسكري من جديد * ياسر الزعاترة

الدستور

3-3-2013

ليس غريبا أن يتحدث الأخضر الإبراهيمي عن استحالة الحسم العسكري من قبل أي من الطرفين في سوريا، ليس لأنه مقتنع بذلك، بل لأن هذه النظرية هي التي تبرر استمرار مهمته التي جرى تمديدها 6 أشهر أخرى.

في ملف الحل السياسي والحسم العسكري، ثمة تطورات لا تخفى يتابعها المراقبون تشير إلى بؤس نظرية الإبراهيمي الآنفة الذكر، مع أن قناعة النظام باستحالة الحل العسكري هي التي تبدو أكثر رسوخا هذه الأيام، الأمر الذي ينطبق على حلفائه في إيران وروسيا، وما هذه التراجعات التي سجلت خلال الأيام الماضية سوى دليل على ذلك، في ذات الوقت الذي يشير تشدد الائتلاف الوطني إلى شعور رموزه بأن إمكانية الحسم تبدو أكثر وضوحا مما كانت عليه في أية مرحلة سابقة.

حين يخرج وليد المعلم من موسكو ليتحدث عن موافقة النظام على إجراء محادثات مع المعارضة، بما في ذلك من يحملون السلاح، فنحن إزاء تراجع لم يأت من فراغ، تماما كما هو حال تأكيد معاذ الخطيب (زعيم الائتلاف الوطني) على أن “لا محادثات قبل تنحي الأسد ومحاكمة قادة أمنيين”، والذي جاء في ظل معطيات جديدة تشير إلى أن مسألة السلاح قد بدأت تتغير إلى حد ما، ليس فقط بسبب تراجع مستوى الضغوط الغربية، بل أيضا بسبب قدر من التمرد من طرف تركيا وقطر والسعودية التي بدأت تستشعر مخاطر استمرار المعركة إلى أمد أطول، في ذات الوقت الذي تستشعر فيه إمكانية الحسم في ظل استمرار حصار الثوار للعاصمة دمشق.

ليس لدى الروس والإيرانيين ما يمكن أن يقدموه لبشار الأسد أكثر مما قدموه ولا زالوا يقدمونه إلى الآن، اللهم إلا تورط مباشر في المعركة من طرف حزب الله، بمعنى زج الآلاف من مقاتليه في معركة الدفاع عن دمشق، الأمر الذي لن يكون سهلا على المستوى السياسي داخل لبنان، وقد يؤدي إلى انفراط عقد الحكومة، فيما سيفجر الساحة اللبنانية أكثر مما هي متفجرة.

ثم إن تورطا كهذا لن يحسم المعركة لصالح النظام، حتى لو أجّل حسم الثوار لها لبعض الوقت، ثم إنه سيشكل مغامرة من العيار الثقيل قد تكون لها تداعياتها الكبيرة في عموم المنطقة، من حيث الحشد المذهبي الذي يتصاعد على نحو محموم.

إيران أيضا لا تبدو قادرة على احتمال تدخل عسكري مباشر وواضح لصالح النظام، والسبب أن الوضع الداخلي لا يسمح بشيء كهذا على مشارف الانتخابات الرئاسية في حزيران، وهي انتخابات تقترب في ظل تصاعد الحرب بين أجنحة المحافظين على نحو ينذر بتهيئة الأجواء لصالح انتفاضة شعبية مردها الوضع الاقتصادي المتردي بسب العقوبات الدولية، وبسبب عدم قناعة الشارع بمغامرات المحافظين الخارجية، بما في ذلك عدم قناعته بجدوى الإصرار على المشروع النووي.

من هنا، فإن الأمل الذي يراود إيران وروسيا لا زال يركز على إمكانية التوصل إلى حل سياسي يبقي بشار الأسد في السلطة، لأن ذلك سيشكل ضمانة لمصالحهما، مهما كان شكل التغيير المتوقع.

على أن المعارضة ليست غافلة عن هذا البعد، وهي إلى جانب طموحها الجديد بإمكانية الحسم العسكري خلال الشهور المقبلة، فإنها تدرك أن حلا يبقي بشار في السلطة لن يعني غير هزيمة الثورة برمتها مهما كان العرض المقابل.

كلما تراجع النظام وحلفاؤه في الخطاب السياسي، كان بوسعنا أن نشتم حالة الضعف التي يعيشونها، وقناعتهم بأن إمكانية الهزيمة صارت أقرب من ذي قبل. وحين يقول لافروف (محامي بشار) إن “استمرار حمام الدم قد يؤدي إلى انهيار الدولة في سوريا”، فهذا يعكس قناعته بعجز النظام عن الانتصار، بل بقرب انهياره، ما يعني أن على المعارضة أن لا تكتفي برفض الحوار مع موسكو أو زيارة واشنطن، بل عليها أن تضيف إلى ذلك مزيدا من تركيز الجهد في معركة دمشق من أجل حسم قريب.

لا مكان لبشار في سوريا بعد نهر الدماء الذي جرى، ومن يعتقد بغير ذلك يعيش الوهم في أوضح تجلياته، فلا تركيا ولا العرب الداعمون للثورة في مزاج تقبل هزيمة أمام إيران مهما كان الثمن، فضلا عن الثوار الذين يُظهرون كل يوم إصرارا على الانتصار، ومن ورائهم شعب عظيم يمنحهم الحاضنة والإسناد دون كلل أو ملل.

=====================

راي الدستور أين هو دور العرب الحقيقي في سوريا؟

الدستور

 فيما تتصارع الدول الكبرى على سوريا الشقيقة، لا نجد دورا عربيا حقيقيا لانقاذ القطر الشقيق، وحمايته من التدخلات الاجنبية، ووضع حد لتصارع الدول الكبرى التي وجدت في الشام، مساحة للحرب الباردة التي هبت رياحها من جديد.

ان غياب هذا الدور الفاعل هو السبب الرئيس في اطالة امد الحرب، وفي فتح الباب على مصراعيه لتدخل هذه الدول الطامعة، التي وجدت في الحرب الاهلية فرصة للتدخل، وفرصة لاقتسام الكعكة السورية الشهية والعودة الى المنطقة من جديد.

وبشيء من التفصيل؛ فان المأساة التي تطحن الشعب الشقيق مرشحة للاستمرار وقتا طويلا، طالما ان الدول الكبرى المتصارعة لم تصل بعد الى اتفاق حول حل الازمة حلا سلميا يضمن مصالحها، وحينما تصل الى اتفاق؛ فانها ستعمد وبكل الوسائل الى اطفاء لهيب الحرب القذرة ووقف سفك الداء واجبار الفريقين المتصارعين على القبول بهذا الاتفاق.

وفي ذات السياق؛ فلا بد من الاشارة الى الرؤية الاردنية لحل الازمة، وهي رؤية متقدمة سبقت طروحات كثيرة، وتقوم على الحل السلمي كسبيل وحيد لايقاف حمام الدم، وسيل الهجرات المتدفقة والتي تجاوزت ارقامها المليون الى دول الجوار، وانهاء معاناة الاشقاء، والحفاظ على وحدة القطر الشقيق ارضا وشعبا، بعد ان فشلت الحلول العسكرية واثبت الطرفان عجزهما عن تحقيق النصر الحاسم، مما فتح الباب امام التدخلات الاجنبية، ودخول المتطرفين وانصار القاعدة، الى القطر الشقيق، مما ادى الى خوف الاقليات من تداعيات هذه الحرب، وانتشار الفوضى بعد سقوط النظام وانتقالها الى دول الجوار كما حدث في العراق الشقيق، وهذا ما حذر منه جلالة الملك عبدالله الثاني، اكثر من مرة، مشيرا وبكل وضوح بان السبب في عدم انضمام الدروز والمسيحيين الى المعارضة هو الخوف من المستقبل، وسيطرة العناصر المتطرفة على الحكم، وحالة الفوضى وعدم الاستقرار التي من المتوقع ان تسيطر على القطر الشقيق وتصيب بعدواها اقطار الجوار.

ان المتابع للازمة السورية، واهتمامات العالم كله بهذه الازمة، وتداعياتها، والتطورات الاخيرة، إنْ كانت على ساحة المعركة او بين الدول المتصارعة، يجد ان الجميع باتوا متفقين على استحالة الحل العسكري، وان لا بديل للخروج من هذا المستنقع، إلا اللجوء الى الحل السياسي كسبيل وحيد لحماية الشعب السوري من الموت، والدمار الذي اصاب كافة المدن السورية، وحولها الى اطلال يسكنها الخوف والدمار والاشباح.

مجمل القول: مؤسف الى حد الفاجعة غياب الدور العربي الفاعل لانقاذ سوريا الشقيقة، ومؤسف ان نرى تصارع الدول الكبرى على القطر الشقيق لتحقيق مصالحها واقتسام الكعكة السورية، والعودة الى المنطقة من جديد مما يفرض على الدول الشقيقة اجتراح موقف عربي فاعل يقطع الطريق على القوى الطامعة ويقوم على الحل السياسي، وعلى ان يبدأ بوقف سفك الدماء، وتشكيل حكومة تحظى بموافقة كافة الاطراف، تقود المرحلة الانتقالية، وتشرف على انتخابات نيابية ورئاسية، تؤدي الى طي صفحة الماضي، واقامة سوريا الحديثة.

التاريخ : 03-03-2013

=====================

هوامش مهملة... من العذاب السوري

تاريخ النشر: الأحد 03 مارس 2013

خليل علي حيدر

الاتحاد

قلة من المعارضين والساسة والثوّار السوريين كانوا يتصورون أو يتوقعون، أن تبقى بلادهم الثائرة، معلقة على منصة التعذيب والقتل كل هذه الفترة. وحتى عندما أوغل النظام في القتل والتدمير واغتصاب الأحياء السكنية وحرق تاريخ المدن، راود الكثير من السوريين ومؤيدي ثورتهم، ألا يقف العالم، وبخاصة قواه العظمى، متفرجاً على كل هذه المذابح والتصفيات، وأن تنعقد المؤتمرات واللقاءات دون ظهور أي أمل بالخلاص.

كيف يغطي المجتمع الدولي وجهه؟ وخلف أية حواجز يختفي؟ وكيف يمكن لشعب مدني في الحواضر والأرياف السورية أن يجابه قنابل الطائرات وقذائف الدبابات وصواريخ سكود؟! ولا يعلم أحد ما الأسلحة الأخرى التي ستستخدم ضد الشعب السوري في المراحل القادمة من الصراع إن استمر. من الحجج التي تروج لتبرير عدم الحزم الدولي، وصف ما يجري في سوريا على أنه «حرب أهلية» لا «ثورة شعبية ضد نظام استبدادي»، ثورة متواصلة قدم الشعب السوري خلالها، يقول رضوان زيادة، مدير المركز السوري للدراسات بواشنطن، أكثر من سبعين ألف إنسان ما بين عامي 1980 و 2000، وفي أقل من عامين «بلغ عدد الضحايا في سوريا أكثر من 60 ألفاً، أكثر من 90 في المائة منهم من المدنيين». وتقول إحصائيات مجلس الأمن الدولي «إن عدد الضحايا ارتفع من ألف شهرياً مع بداية الثورة إلى خمسة آلاف شهرياً بسبب استخدام النظام السوري المكثف لسلاح الطيران والأسلحة الثقيلة كراجمات الصواريخ والقنابل الفراغية والعنقودية».

الخروج من جحيم النار والصواريخ بالنزوح، وترك البيت والبلد، أو ما بقي منهما، بات مصير آلاف السوريين. وبحسب مفوضية اللاجئين، فإن عدد النازحين الذين تركوا سوريا يقترب من المليون. هؤلاء ارغموا على الهرب من وطنهم بعد أن تحولت أحياؤهم، التي كانت هادئة وآمنة في الماضي، إلى ساحات للقتل. ولكن حياتهم في مناطق النزوح ودولة باتت جحيماً. و«يعاني هؤلاء صدمة انتزاعهم من أراضيهم وابتعادهم عن أناس يمنحونهم إحساس العيش في مجتمع، كذلك رأوا أحباءهم يُقتلون، واضطروا إلى الهرب حاملين معهم الحد الأدنى من ممتلكاتهم، وجارين وراءهم أولادهم الخائفين إلى مدن خيام أقيمت في الدول المجاورة». حياة هؤلاء النازحين قاسية جداً، كما هو معروف ومتوقع. كما أن الاستياء أو التنافس على الحاجيات الأساسية يدفعان بعض اللاجئين إلى أعمال شغب عنيفة الأسوأ من كل هذا على الصعيد النفسي، «أن قلة من هؤلاء السوريين المحتجزين في هذه الدوامة القاتلة يأملون حقاً بالعودة إلى وطنهم قريباً. وهم يدركون أن ما سيرجعون إليه لن يشبه البتة ما يتذكرونه عن الوطن. فقد خلفت الحرب دماراً مهولاً».

يتوزع النازحون السوريون على دول الجوار، ولكل دولة من هذه مخاوفها من النازحين وحساباتها السياسية والاقتصادية. فالأتراك تقلقهم المشكلة الكردية وبخاصة أن بين السوريين نسبة كبيرة من الأكراد داخل سوريا وبين النازحين إلى شمال العراق. وللأردن مخاوفها المعروفة من التوازنات الداخلية وثقل الإسلاميين والتزامات الدولة الاقتصادية، وحتى في لبنان، حيث يسهل اندماج السوريين، يعانون من مشاكل، بما في ذلك من يحاول أن يجد له عملاً كي لا يكون عالة على الآخرين، وكي يسترد شيئاً من نبض البقاء على قيد الحياة الطبيعية!

وقد تخطى عدد النازحين السوريين في لبنان الـ 265 ألف نازح، بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويشتكي هؤلاء، كما يقول تقرير، «من استغلالهم في لبنان برواتب زهيدة».

وحتى من لا يتم استغلاله يتحول إلى إحدى ضحايا غول التضخم وارتفاع الأسعار. من هؤلاء مثلاً «سليمان»، 40 عاماً، مدير سابق لميني ماركت في سوريا. فهو يتقاضى 500 دولار أميركي في لبنان، ينتهي فور قبضه. ويوضح سليمان أنه يدفع 350 دولاراً من راتبه بدل إيجار منزل، فيما يخصص الباقي لدفع بدل تنقلاته من منطقة الأوزاعي إلى الحمراء ذهاباً وإياباً. وأبقى ولده الوحيد المصاب بمرض التوحد من غير دواء ولا عناية، «لأنني عاجز عن توفير دوائه، وعن وضعه في مدرسة متخصصة نظراً لأن تكلفتها، كما أبلغتني إحداها، تصل إلى عشرة آلاف دولار».

وينسحب واقع سليمان، على عدد كبير من النازحين السوريين الذين اكتسحوا سوق العمل البناني منذ أربعة أشهر، «حيث يعمل هؤلاء في ميادين صناعية وتجارية بسيطة، مقابل أجر زهيد يعادل نصف ما يتقاضاه اللبناني في المكان نفسه، فوجدوا وظائف في مواقع سياحية وتجارية كبيرة. ويبحث معظم أفراد الأسر النازحة من سوريا عن عمل في لبنان، حتى لو كان بسيطاً ولا تكفي أجرته لتناول الطعام.

ففي أحد المخابز في لبنان، تم توظيف ما يزيد على 15 فتاة سورية لبيع الخبز والحلويات في الصالة، مقابل راتب لا يتعدى الـ 260 دولاراً شهرياً. وتتكرر الصورة في متاجر بيع الملابس، وفي المطاعم ومراكز التسوق في لبنان. أما سائقو حافلات الركاب الصغيرة، فباتوا يستعينون بسائقين سوريين، يتقاضون بدلاً يومياً يصل إلى 25 ألف ليرة لبنانية (17 دولاراً) مقابل العمل 12 ساعة على الخطوط التي تربط بيروت بالضواحي».

ويتداول السوريون في دمشق قصة أخوين كان أحدهما متطوعاً في الجيش ثم انشق بعد رفضه إطلاق النار على المتظاهرين الذين خرجوا مطالبين بالحرية، وانضم إلى كتائب «الجيش الحر» جنوبي درعا، فيما يعمل الأخ الثاني في الاستخبارات الجوية في المدينة نفسها... وهكذا أصبح كل أخ منهما مع طرف مضاد، وعلى استعداد لقتل أخيه. أبو حسام، 42 سنة، مؤسس جماعة مسلحة. في كل عملية ينفذها يتذكر أن له أخاً في الجيش النظامي: «الصراع هو صراع بين الحق والباطل، أعلم أنه قد يأتي يوم أقف فيه أنا وأخي ضد بعضنا بعضاً في طرفي الحرب، هو اختار وأنا اخترت، وإذا كان هو على باطل يجب أن أحاربه ليتبين الرشد. «وليد» المنتسب إلى الحزب الشيوعي السوري ما زال يؤيد النظام ويدافع عنه ويدافع كذلك عن موقفه: «في حال سقط النظام يعني وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، يعني مصر ثانية، وستحكمنا الشريعة الإسلامية وجبهة النصرة والتيار السلفي التكفيري».

عائلة «الخياط» دمشقية محافظة. السيدة «أم إياد»، 60 سنة، ربة منزل. زوح أم إياد اعتقل مرتين لموقفه الداعم للثورة، وثلاثة من أبنائها مطلوبون لنشاطهم الداعم لـ«الجيش الحر»، وابن آخر قاطعه إخوته لتبنيه موقفاً مخالفاً لموقفهم، وأصغر الأبناء ما زال عسكرياً يخدم في الجيش النظامي. تقول أم إياد: «هذا ابني والثاني ابني، كل منهما بمكان مختلف، نعيش كل أيامنا في الخوف. أولادي مطلوبون والذي يخدم في الجيش قلبي محروق عليه. طلبنا منه أن ينشق ويلتحق بإخوته لكنه رفض، وهو مقتنع، وابني الثالث غاضب على إخوته لأنه يؤيد حكامنا». الانقسام، تضيف مقالة «الحياة»، امتد ليشمل الأقرباء. عمٌّ مع الثورة وآخر مع النظام. هذه مجرد جوانب من المأساة السورية ... قليلاً ما يتحدث عنها الإعلام!

=====================

النووي والثورة السورية والعلاقات العربية الإيرانية

تاريخ النشر: الأحد 03 مارس 2013

د. رضوان السيد

الاتحاد

فيما بين ألماآتا وبرلين وإيطاليا، حفل المشهد خلال الأيام الثلاثة الماضية باجتماعات دولية من أجل مسألتين: أزمة الملف النووي الإيراني مع المجتمع الدولي أو مجموعة 5+1. والأزمة السورية الناجمة عن ثورة الشعب السوري على نظامه طوال العامين الماضيين، وما ترتّب على ذلك من تهجير الملايين، وقتل حوالي مائة ألف من المواطنين السوريين بأسلحة نظام الأسد، واعتقال حوالي نصف المليون مواطن.

في ألماآتا بكازاخستان اجتمع الإيرانيون بعد طول تردد بلجنة 5+1 للتفاوض على مستقبل الملف النووي الإيراني الذي التهبت قضيتُه منذ عام 2004. وجرى نقله إلى مجلس الأمن الدولي. وصدرت بشأنه 4 قرارات دولية شدّدت العقوبات على طهران للتوقف عن تخصيب اليورانيوم. ومنذ ثلاث سنوات يصطنع الإسرائيليون ضجةً حول تهديد النووي الإيراني المحتمل لأمنهم، ولذلك يستحثون الولايات المتحدة على ضرب إيران عسكرياً أو يقومون بذلك بأنفُسهم لمنْع طهران من الوصول إلى القدرة على إنتاج السلاح النووي! والأميركيون - في أيام أوباما بالذات- لا يرغبون في اللجوء إلى العسكر، حتى لا يصيبهم ما أصابهم بأفغانستان والعراق: يحتلون البلدان أو يضربونها عسكرياً، ثم لا تنحلُّ المشكلة التي شنوا الحرب من أجلها. والأميركيون حريصون على إرضاء نتنياهو، لكنهم لا يغامرون بحرب قد تكون لها ردود أفعال وحروب في منطقة الشرق الأوسط. ثم إنها ستُغضب الروس- الشريك العائد إلى الاستقطاب الدولي - الذين تعاونوا معهم في إيران وكوريا الشمالية لهذه الناحية. ولذا فإنّ سياسات أوباما السلمية في النووي الإيراني صارت ميزةً له، كما صنعت مشكلة. الميزة في الحرص من جهة على التعاوُن الدولي، وعدم قطع كل الحبال مع إيران. والمشكلة ناجمة عن إدراك إيران أنّ أوباما لا يريد الحرب، ولذا لا حاجة للتسرُّع في تلبية مطالبه. وقد جرّبت إيران التعاون مع أوباما فاستفادت كثيراً؛ إذ إنّ الأميركيين عندما انسحبوا من العراق سلَّموه لإيران، وأضافوا لذلك مُحاسنة الأسد، والسماح لنصر الله بالاستيلاء على حكومة لبنان، في مقابل عدم التحرش بإسرائيل! وعلى أي حال فإنّ الطرفين (الدولي والإيراني) اجتمعا أخيراً، وعرض الغربيون والروس على إيران تخفيض التخصيب إلى ما دون العشرين، في مقابل التفكيك التدريجي للعقوبات والحصار، ومساعدتها تقنياً وعلمياً. وقال الإيرانيون إنهم سيعرضون عرضاً جديداً تماماً، لكنهم اشترطوا علناً للنظر في الاقتراح الدولي، تفكيك الحظْر والحصار فوراً. لقد التقت الأطراف على مدى يومين لأكثر من عشر ساعات. وما عُرف الكثير عن مجريات اللقاء حتى الآن، لكنّ الإيرانيين خرجوا مستبشرين، وكذلك خرج الغربيون. وعرض كيري على إيران لقاءً ثنائياً. وقبل الغربيون الاجتماع مرةً أُخرى في كازاخستان، ومرةً ثالثة (ربما في اسطنبول) بعد شهر ونصف الشهر من أجل الحديث في «الملف السياسي». وقال الغربيون إنّ الطرفين ما توصلوا لاتفاق، لكنّ الأجواء واعدة، وسيتحققون من إيجابيات الإيرانيين في المرة القادمة. ووحده نتنياهو أظهر انزعاجه من «عدم الحسم»، كما أظهر تشاؤمه بأن تنتهي الأمور على خير مع إيران!

إنّ الذي لفت انتباهي، قول المجتمعين إنّ المرة بعد القادمة ستكون اجتماعاً من أجل الملفّ السياسي. وهذا يعني تفاوضاً على دور إيران في الإقليم. وكانت إيران قد طالبت قبل أسبوعين بإدخال موضوع البحرين وسوريا ضمن التفاوُض على النووي(!)، ورفض الغربيون ذلك. وتعني إيران بذلك أنّ لديها مصلحة بالخليج، ومحوراً بالمشرق العربي، صارا جزءاً من أمنها الاستراتيجي! ولذا، فإذا كان عليها أن «تتنازل» في النووي لطمأنة الغربيين وإسرائيل؛ فلا أقلّ من أن تُراعى مصالحها واهتماماتها في المسائل الأُخرى!

وللمعارضة السورية قصة تُكملُ ما بدأنا به. فقد كان معاذ الخطيب رئيس الائتلاف قد استجاب على طريقته لكلام الأسد بشأن الحوار. ورحّب الغربيون والروس بذلك، دونما نتيجة ظاهرة. وفي حين اختلف المعارضون بشأن مبادرة الخطيب، أقبل الأسد الحوار العظيم على قصف حلب بصواريخ «سكود»، مما دفع المعارضين السوريين إلى التوقف عن الحوار مع واشنطن وموسكو، والتهديد بعدم حضور مؤتمر أصدقاء سوريا بروما. لكنّ وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري، اتصل بالخطيب راجياً الحضور، وواعداً بأشياء جديدة تجاه المعارضة. وكانت التقارير الغربية قد تحدثت عن دخول أسلحة جديدة إلى الثوار بالفعل، ولجهتي الأردن وتركيا. وعلى أي حال فإنّ المعارضة السورية عادت فقررت حضور مؤتمر روما. كما أنّ كيري اجتمع بلافروف في برلين قبل أن يذهب إلى إيطاليا، للتشاور مع رفاقه الأوروبيين، وللتشاور مع الخطيب. ولا يزال الحديث عن الحلّ السياسي عن طريق وثيقة جنيف كثيفاً. لكنّ الروس وضعوا حتى الآن العُقْدة في المنشار لإصرارهم على أن يكون الأسد في الحلّ، بينما يصرُّ المعارضون على غياب الأسد عن المشهد. وقد ذكرت الأنباء أن كيري ولافروف تحدثا عن وثيقة جنيف، فهل حصل تقدم بحيث يوافق مجلس الأمن على قرار تحت الفصل السابع، بشأن الحلّ السياسي في سوريا؟! لن يكون شيء من ذلك واضحاً إلاّ بعد لقاء كيري بالمعارضة، وربما ذهاب المعارضة إلى موسكو. وقد قال وليد المعلم في موسكو إنّ سوريا توافق على التفاوُض حتى مع المسلَّحين، وهو الأمر الذي كانت ترفضه من قبل. فهل صار وَضْعُ الأسد حرِجاً بحيث يقبلُ التفاوُض مع الجميع؟ أم أنّ الأسد يريد مرةً أُخرى كسْب الوقت؟ إنّ ذهاب وليد المعلّم (وليس المقداد بمفرده) إلى موسكو، ربما دلَّ على أنّ هناك شيئاً حقيقياً في الأقوال المتداوَلة عن تزحزُح موقف روسيا: فهل ذهب المعلّم للاطمئنان؟ أم أنه ذهب للإشعار بأنّ الأسد يقبل التفاوض بالفعل؟

ولنعد إلى الجهة الغربية: ظلَّ الأميركيون شهوراً طويلةً يزعمون أنهم لا يستطيعون أكثر من تقديم المساعدات الإنسانية، لأنهم يخشون من وقوع السلاح الثقيل في أيدي المتطرفين الإرهابيين مثل جبهة النُصرة. وسرّب الأميركيون كلاماً بشأن إجماع مستشاري أوباما على ضرورة التدخل بطريقة ما لإزالة الأسد، وأنّ الرئيس هو الذي رفض ذلك! لكنّ كيري الوزير الجديد، تحدث مع الروس، وتحدث مع المعارضين؛ ولذا قد نعرف عن قريب أي الحلين سيتقدم أسرع: العسكري أم السياسي؟ فالمعارضون لا يطلبون تدخلاً عسكرياً أميركياً أو أطلسياً. بل يطلبون حماية جوية، أو سلاحاً ثقيلاً ضد المدرعات والطائرات. ويبدو الجميع الآن في حالة من المرارة ونفاد الصبر بسبب ارتفاع أعداد الضحايا، وكثرة القتلى من الأطفال، واستمرار تدفق اللاجئين على تركيا والأردن ولبنان. ولذا فالتقدير الآن أنه إمّا أن يتقدم الحلُّ السياسي بقرار في مجلس الأمن أو يسقط النظام عسكرياً عن طريق دعم المعارضين و«الجيش الحر» بالسلاح.

ويبقى عاملٌ مهمٌّ لا يمكن إغفالُه. فالكلّ يسأل عن مصالح روسيا في الإقليم، وكيف يمكن إرضاؤها! بيد أنّ أحداً لا يسأل عن «مصالح» إيران، التي تقاتل في سوريا إلى جانب الأسد بجيشها وعسكريي «حزب الله»، وعسكر المالكي. فهل تتناول المفاوضات مع إيران المسألة السورية أيضاً؟ كان الرئيس المصري قد أخطأ عندما أدخل إيران في الرباعية (التي صارت ثلاثيةً بغياب السعودية!) التي رجا أن تُسهم في حلّ الأزمة السورية: وإيران جزء من المشكلة، ولذا لا يمكن أن تكون جزءاً من الحلّ. لكن إذا جرى الحديث في المسألة مع إيران، فليس لضمان مناطق نفوذها، بل للإيضاح أنه لا علاقات سليمة مع العرب إلاّ إذا توقفت عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المشرق العربي والخليج. إنّ على إيران أن تخرج من سوريا ولبنان والبحرين واليمن والجزر الإماراتية، وأن تقيم علاقات صحية مع جوارها العراقي. وليس من المشروع، ولا من المقبول أو المعقول أن يهددنا المالكي و«نصر الله» بالحروب الأهلية إذا سقط النظام السوري!

=====================

هجمات «سكود» دمرت أحياء كاملة

حلب: تصعيد صاروخي جديد

تاريخ النشر: الأحد 03 مارس 2013

ليز سلاي

حلب

الاتحاد

كانت ظلمة الغسق تهبط على المكان في نهاية يوم آخر مرهق من أيام هذه المدينة الممزقة بالحرب عندما بدأت الصواريخ في التساقط، مؤشرة بذلك على ما يبدو إلى تصعيد مفزع في الحرب الأهلية المدمرة، المحتدمة في سوريا.

وقد تركت الصواريخ التي سقطت على منطقتين سكنيتين مكتظتين لا يفصل بينهما سوى ميل واحد، وبتتابع زمني لم يزد عن دقائق معدودات، مشاهد من الدمار تشبه تلك التي تخلفها الزلازل عادة، حيث تهدمت المنازل على نحو لم يعد ممكناً معه التعرف على معالمها، وتمزق سكانها أشلاء في لحظات، وتحول ما كان قبلها أحياء مزدهرة إلى مجرد أكوام من التراب.

والضربتان الصاروخيتان اللتان أصابتا حلب يوم الجمعة، لم تكونا أول استخدام للصواريخ الباليستية في الصراع الدائر في سوريا منذ 23 شهراً، حيث قالت مصادر وزارة الخارجية الأميركية إن صواريخ يعتقد أنها من نوع «سكود» الروسية الصنع، قد أطلقت على ريف حلب في ديسمبر الماضي، وإن ما يقرب من 40 ضربة صاروخية أخرى قد أصابت مناطق مختلفة منذ ذلك الحين.

ولكن الهجمات التي وقعت يوم الجمعة، والهجومين اللذين وقعا الأسبوع الماضي كانت هي أول هجمات تستهدف مناطق سكانية، وهو ما مثل، كما جاء في تقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» انحداراً آخر في الحرب الأهلية في سوريا.

وقد أسفرت الصواريخ الثلاثة التي ضربت مناطق سكنية في حلب، والرابع الذي ضرب بلدة قريبة تسمى «تل رفعت» -وهو ما مثل أكبر معدل للضربات الصاروخية خلال أسبوع واحد- عن مصرع 141 شخصاً، كما جاء في تقرير «هيومان رايتس ووتش»

في حي أرض الحمراء الشعبي الذي أصابه الصاروخ الثاني يوم الجمعة الماضي، وقد روى الناجون أنهم قد شعروا في البداية بأن الهواء قد اُمتص من الجو، قبل أن يتبع ذلك انفجار مدوٍّ يقولون إنهم لم يسمعوا له مثيلًا من قبل.

ومن بين هؤلاء «فؤاد حاجو» (33 سنة) الذي يعيش في منطقة قريبة، ويقول إنه قد شارك في انتشال عشرات الجثث من بين الأنقاض: «في البداية كان هناك انضغاط للهواء، وبعد ذلك رأينا وميضاً، وثم تحول كل شيء إلى سواد».

ويضيف «محمد حاج صالح» (33 سنة) وهو يجلس على حطام منزله المدمر: «كانت هناك أشلاء ملقاة في كل مكان وأجساد ممزقة بفعل الانفجار».

وقد أنكر نظام الأسد هذا الأسبوع أن يكون قد استخدم صواريخ «سكود» لقمع الانتفاضة ضد حكمه، بيد أن العديد من الخبراء العسكريين يقولون إن الأدلة المتوافرة، وقوة الانفجار، وحجم الدمار، والمشاهد الملتقطة بواسطة كاميرات فيديو لصواريخ تطلق من قواعد تقع خارج دمشق قبل الانفجارات بفترة قصيرة، تبين كلها أن الصواريخ من نوع «سكود».

كما أعربت مصادر في إدارة أوباما عن اعتقادها بأن الاحتمال الأرجح هو أن تلك الصواريخ من نوع «سكود» فعلاً.

وفي هذا السياق أدلى وزير الخارجية الجديد جون كيري بتصريح في أول رحلة خارجية له في منصبه الجديد قال فيه إن الهجمات على حلب «غير مقبولة»، وإن استخدامها يتناقض مع عرض المفاوضات الذي قدمته الحكومة السورية.

ومن المعروف أن صواريخ «سكود» ليست دقيقة، ومن الصعب تخيل أن يكون استخدامها لضرب المناطق السكنية مقصوداً به أي هدف آخر غير قتل المدنيين. هذا ما يقوله «جو هوليداي» من معهد دراسات الحرب، الذي يقدر أن مدى هامش الخطأ في تلك الصواريخ يمكن أن يصل إلى ميل.

بيد أن استخدام تلك الصواريخ يمكن أن يشير أيضاً إلى الخيارات المحدودة المتاحة أمام النظام في محاولاته الرامية لقمع ما بات معارضة مسلحة، تزداد قوة على الدوام.

وقال «هوليداي»: في حرب انتقلت بسرعة من الرصاص إلى القذائف إلى طائرات الهليكوبتر المسلحة والطائرات الحربية تعتبر صواريخ «سكود» هي التصعيد التالي إذ ليس هناك شيء أكبر موجود لدى النظام لم يستخدمه، «ويخشى أن تكون الأسلحة الكيماوية هي خطوته التالية»!

ولكن سكان المناطق المضروبة في عاصمة سوريا التجارية، يقدمون نظريات أخرى منها أن تلك الهجمات الصاروخية هي عقاب من النظام على الهجمات الأخيرة التي شنها مقاتلو المعارضة على المطار الدولي الواقع جنوب المدينة، أو ربما يكون المقصود منها جعل الناس ينقلبون على الجيش السوري الحر من خلال تحويل المناطق التي يسيطر عليها إلى مناطق غير قابلة للعيش فيها.

وبصرف النظر عن الغرض من هذه الهجمات المروعة، فإن المؤكد هو أنها تزرع شعوراً بالهلع في أوساط السكان، الذين كانوا قد اعتادوا على انفجارات قذائف المدفعية، والضربات الجوية منذ الهجوم الذي شنه مقاتلو المعارضة على حلب في شهر يوليو الماضي، وتمكنوا من خلاله من السيطرة على ما يزيد عن نصف مساحتها.

«إن قذائف المدفعية تدمر شققاً، والضربات الجوية تدمر مباني، ولكن صواريخ سكود تزيل شوارع بأكملها» هذا ما قاله العقيد «عبد الجبار القايدي» أحد القادة الكبار للجيش السوري الحر في حلب الذي يبدو أنه يجد صعوبة في معرفة كيفية معالجة التهديد الجديد حيث يقول: «تستطيع أن تحتمي من قذيفة، أو من ضربة جوية، ولكن كيف يمكنك أن تحتمي من صاروخ سكود».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»

=====================

عين واشنطن على طهران وليس على دمشق!

خالد الدخيل *

الأحد ٣ مارس ٢٠١٣

الحياة

يقوم وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري هذه الأيام بجولة في المنطقة، وسيكون اليوم الأحد موعد زيارته لكل من الرياض وأبوظبي والدوحة، ومن أبرز الملفات التي تناولها الوزير في جولته هذه ملف الأزمة السورية.

لم يأتِ الوزير معه بجديد، لا حول هذا الملف ولا حول الملف الفلسطيني. هل هناك علاقة لهذين الملفين بالموقف الأميركي من الثورة السورية؟ من بين ما كشفته هذه الثورة منذ أيامها الأولى، أن الموقف الأميركي يتسم بنعومة وطول بال استثنائيين مع طرفي ما يعرف في منطقتنا بـ «جبهة الممانعة» إيران وسورية. قارن موقف إدارة أوباما بين الثورات العربية وستجد فروقاً لم تخطر على بال كثيرين، فمثلاً لم تستغرق الثورة المصرية أكثر من 18 يوماً قبل أن تفرض على الرئيس السابق حسني مبارك التنحي عن منصبه، وهو كان من بين أبرز حلفاء واشنطن وأهمهم. بأخذ هذا الأمر في الاعتبار، معطوفاً على عدد الأيام التي لزمت لتنحي مبارك، كان المفترض أن الوقت لم يكن كافياً لأن يتخذ الرئيس أوباما موقفاً يطالب فيه صديق واشنطن بالبدء فوراً بعملية انتقالية. بعبارة أخرى، بعد ستة أيام من بدء الثورة المصرية، وفق صحيفة الـ«واشنطن بوست»، كان الرئيس الأميركي يلمح إلى ضرورة تنحي الرئيس مبارك. في المقابل، كان الموقف الأميركي أكثر بطئاً في الاستجابة لتطورات الثورة السورية، فحتى 12 تموز (يوليو) 2011، أي بعد خمسة أشهر من بداية الثورة السورية، لم يطالب الرئيس أوباما نظيره السوري بالتنحي، على رغم دموية القمع الذي باشرته القوات السورية ضد المتظاهرين منذ اليوم الأول، وعلى رغم أن عدد القتلى في 11 تموز 2011 كان وصل -وفق الأمم المتحدة- إلى 1500 قتيل. السياسة متوحشة أحياناً، وستتضاعف هذه الوحشية مع تضاعف مأساة الأزمة السورية.

كيف يمكن تفسير هذا الاختلاف في موقف الإدارة ذاتها من أحداث متشابهة في طبيعتها وفي حجمها وفي أهميتها؟ لا يمكن أن يكون النفط هو العامل الأهم هنا، لأن حجم المخزون النفطي لكل من مصر وسورية متقارب، ولا يمكن أن يقدم تفسيراً مقنعاً. يتضاعف إشكال الموقف الأميركي عندما نلاحظ أن إدارة أوباما وبعد مرور عامين على الثورة ووصول عدد ضحاياها من القتلى فقط إلى أكثر من 70 ألفاً، تتمسك بموقفين متناقضين من الأزمة السورية: اقتناع أوباما بأن تنحي بشار الأسد ضروري للتوصل إلى حلّ للأزمة، وفي الوقت نفسه رفضه -عكس ما يرى أغلب مستشاريه- تزويد الثوار السوريين بما يحتاجونه من أسلحة لحماية أنفسهم وحماية المناطق التي يسيطرون عليها من طائرات الرئيس السوري وصواريخه. مصدر التناقض أن إدارة أوباما تعرف أن النظام السوري نظام أمني ضخم وقاتل ومدجج بكل أنظمة التسليح الممكنة، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية، وتعرف الإدارة أيضاً أن هذا النظام يحظى بدعم عسكري ومالي وسياسي من إيران وروسيا، وأنه من دون هذا الدعم لم يكن في إمكان هذا النظام الصمود لعامين حتى الآن في وجه ثورة شعبية وعقوبات وعزلة دولية وإقليمية، وعلى رغم ذلك لا تكتفي إدارة أوباما بعدم تزويد الثوار بالسلاح، بل تحاول منع الآخرين من الذهاب في هذه المهمة بعيداً. لماذا؟ تخشى الإدارة، كما يقال، من أن يصل هذا السلاح إلى أيدي «جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات التي يقال إنها مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وإن هذا الاحتمال يشكّل تهديداً لأميركا ولجهودها في محاربة الإرهاب، وهو موقف يفتقد الحسّ السياسي والإنساني معاً، فإطالة أمد الصراع في سورية وما يتبع ذلك من خطر تحوّله إلى حرب أهلية دينية ستجلب معها الكثير من القتل والدمار ونزف الدم وانتشار المظالم، هو المصدر الأول للإرهاب. أدخلت إدارة بوش الابن السابقة العراق في حرب أهلية طائفية لم تتوقف حتى الآن، وسلمته للنفوذ الإيراني، وفي أعقاب ذلك، ازدادت رقعة الإرهاب ولم تتقلص، ويمكن القول إن الإدارة الحالية ليست في وارد التسليم بنفوذ إيراني أو روسي في سورية، لكن موقفها يشبه ضوءاً أخضر مبطناً للنظام السوري بالمزيد من القتل. لماذا تتخذ الإدارة الأميركية مثل هذا الموقف الملتبس؟ ربما يعبِّر هذا عن حال ارتباك أميركي في ظل أزمة مالية كبيرة في الداخل، وبعد تجربة العراق وأفغانستان، وربما تريد واشنطن أن تستنزف خصومها في الأزمة من دون أن تدفع هي ثمناً لذلك... لكن الموقف الأميركي المتناقض من الأزمة السورية في كل الأحوال ليس جديداً، وهو يتكامل مع الموقف من إيران وملفها النووي. منذ مدة وإدارة أوباما تطالب بمفاوضات مباشرة مع إيران، والأسبوع الماضي استؤنفت المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة الـ5+1 في آلما آتا، عاصمة كازاخستان، وللمرة الأولى انتهت هذه الجولة من المفاوضات بمواقف وتصريحات من الطرفين متفائلة بإمكان تحقيق اختراق غير مسبوق. كيف يلتقي الموقف الأميركي من سورية مع موقفها من إيران؟

عين واشنطن في الأزمة السورية كانت ولا تزال على طهران، ولم تكن يوماً على دمشق. يدرك الأميركيون أن طهران هي صاحبة اليد العليا في التحالف السوري الإيراني في منطقة الشام، وأن ذلك لا يعود الى حجم إيران ومواردها النفطية وموقعها وحسب، مقارنة بحجم سورية ومواردها وموقعها أيضاً، وإنما لأن دمشق عندما وثّقت تحالفها مع إيران في عهد الأسد الابن كانت خسرت أوراقها العربية، وباتت تعتمد على الدعم الإيراني، ثم جاءت الثورة وأجهَزَتْ على شرعية النظام، ما دفعه لزيادة اعتماده على طهران. القيادة الإيرانية تدرك من ناحية أخرى -كما بات معروفاً- أن خسارتها النظامَ السوري تمثل ضربة قاضية لها، ولذلك قد تُقْدِم أمام هذا الخطر على عملية انتحارية في الشام، ومن الأفضل بالنسبة للأميركيين، بعد درس العراق، عدم دفع الأمور في هذا الاتجاه. سورية على حدود إسرائيل، وانهيار الدولة فيها سيجبر واشنطن على التدخل مهما كان الثمن، وهنا تتقاطع المصالح الأميركية والإيرانية والإسرائيلية، لكن الثورة هي العامل الذي يجب أن يتكيّف معه الجميع خارج سورية، ووفقاً لمسيرة هذا العامل ووجهته، بات مستقبل النظام السوري -وبخاصة رئيسه بشار الأسد- محسوماً، فمآله السقوط مهما طال الزمن. يشير الموقف الأميركي المتناقض من الأزمة السورية إلى أمور عدة: ترك قيادة الجهود السياسية في الأزمة السورية إلى موسكو، وليس طهران، فموسكو أهم من طهران، وهي قبل ذلك أقل تأثراً بسقوط الرئيس السوري، ولذلك تأمل واشنطن بأن تكون أكثر استعداداً لقبول أن تكون المرحلة الانتقالية من دون الأسد. ويشير الموقف الأميركي أيضاً إلى أن علاقة إيران بسورية ما بعد النظام لا يجب أن تكون محسومة على النحو السلبي الذي يبدو للجميع، كأن تتفاوض واشنطن في شكل غير مباشر مع طهران حول ما يجب أن يكون عليه مستقبل سورية ومستقبل دورها في المنطقة.

هل تحاول واشنطن بهذا الموقف من الأزمة السورية طمأنة طهران، وقبلها موسكو، بأن سقوط النظام السوري لا يجب أن يكون خسارة كاملة لكليهما؟ هل تفكر واشنطن بتعويض طهران عن كلٍّ من خسارتها في الشام وتنازلها في ملفها النووي، باعتراف دولي بدورها الإقليمي في منطقة الخليج العربي؟ في هذه الحال: أين السعودية ودول مجلس التعاون ومصر من هذه اللعبة؟

=====================

هل من حل سياسي في سوريا؟

فايز سارة

الشرق الاوسط

3-3-2013

يتردد في كل العواصم المعنية والمهتمة بالأزمة السورية كلام وتأكيدات عن ضرورة الحل السياسي للأزمة، ليكون بديلا عن حل عسكري يتفاعل على الأرض مع احتمالات تصاعده إلى حد استكمال تدمير سوريا كيانا وشعبا وإمكانيات، وهذه إحدى الضرورات الدافعة إلى حل سياسي، هدفه الخروج بأقل الخسائر من الأزمة، والسعي لاستعادة الحياة السورية إلى طبيعتها، مع إجراء تغييرات ديمقراطية جوهرية في النظام السياسي/ الاجتماعي، وفي مجمل الحياة السورية.

إن ضرورات الحل السياسي بالنسبة لسوريا والسوريين وللعالم كثيرة، وقد لا تكون على دواعيها خلافات كبيرة إلا في بعض النقاط. وقد كانت الفكرة في العامين الماضيين موضع اهتمام في المستويات المحلية والإقليمية الدولية، حيث تكررت مبادرات الحل من جانب سوريين في الداخل والخارج، ثم من دول قريبة وبعيدة، إلى جانب مبادرات الجامعة العربية والأمم المتحدة، لكنها جميعا اصطدمت بموقف النظام بصورة أساسية، واختلفت في أحيان مع مواقف بعض قوى المعارضة السورية، سواء القوى السياسية أو المسلحة.

إن العائق الرئيسي في موضوع الحل السياسي السوري، يكمن بصورة أساسية في موقف النظام الذي تبدو موافقته وخطواته التمهيدية للحل ضرورية، وخاصة في نقطتين؛ الأولى وقف العمليات العسكرية، والثانية إطلاق المعتقلين، مما سيؤثر بصورة إيجابية على السوريين عموما، ويساعد في قبول المعارضة الانخراط في عملية سياسية جدية وحقيقية، تبدأ في معالجة تداعيات الأزمة وآثارها، مثل اللاجئين والنازحين والإغاثة، وصولا إلى مسبباتها التي تؤدي إلى تغيير النظام وإقامة نظام جديد، يمثل طموحات السوريين في الحرية والكرامة والديمقراطية.

ولا شك أن جلب النظام إلى موافقة جدية للقبول بحل سياسي، يمر عبر تغييرات عميقة في أمرين اثنين؛ أولهما تغيير في المعطيات الداخلية، بحيث يتغير الواقع السياسي أو العسكري أو كلاهما على الأرض. والتغيير السياسي المطلوب في هذا الاتجاه إدخال فئات سورية جديدة في خط المعارضة، وخاصة الفئات «الصامتة» أو «المحايدة»، أو ما يسميه البعض بـ«الأقليات»، مما سيزعزع ما تبقى من قاعدة اجتماعية للنظام. أما في موضوع تغيير الواقع العسكري، فإنه يمكن أن يتم عبر واحد من مسارين؛ أولهما انشقاقات كبيرة في مستوى المؤسسة العسكرية - الأمنية، التي ما زالت تمثل حاضنة صلبة للنظام وقوة للدفاع عنه. والثاني حصول تقدم كبير لقوات المعارضة المسلحة على الأرض، تدفع إلى انكفاء قوات النظام، ومن شأن التغييرات السياسية والعسكرية في الداخل أو بعضها، أن تشكل قوة دافعة للنظام أو بعض منه للذهاب نحو الانخراط في حل سياسي.

أما الشق الآخر في عوامل جلب النظام إلى حل سياسي للأزمة، فهو عامل خارجي. يتناول في جانبه الأول موقف القوى الداعمة، وأبرزها روسيا وإيران، التي لا شك أن تخفيف أو إيقاف مساعداتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية للنظام، أو ربطها بضرورة التوجه إلى حل سياسي، سيلعب دورا مهما، يوازي في أهميته عاملا خارجيا آخر، تمثله الضغوط السياسية والاقتصادية التي يمكن أن يمارسها المجتمع الدولي بدوله وهيئاته لدفع النظام لتوجه جدي نحو حل سياسي للأزمة.

وأيا كانت الأسباب الداخلية أو الخارجية (كلها أو بعض منها) التي ستجلب النظام إلى حل سياسي، فإنها سوف تحتاج إلى حاضنة تطور وتدعم هذا المسار، والأساس في الحاضنة هي الدول التي دخلت، وأثرت في الأزمة السورية في العامين الماضيين، أو الأساسية منها على الأقل، وهو أمر يمكن أن تتعزز قيمته وتأثيره، عبر جعل الدعم الدولي يمر من خلال قرار في مجلس الأمن الدولي، وهذا سيعطي الدعم مشروعية قوية، كما يعطي الجهد في هذا المجال أهمية كبيرة، خاصة في ضوء الفشل الدولي المتكرر عبر العامين الماضيين بالوصول إلى توافق دولي في المجلس.

لقد راكم السوريون وغيرهم من الأطراف العربية والدولية، الدول والمؤسسات، كثير من المعلومات والمعطيات والأفكار والتحليلات حول طبيعة الأزمة في سوريا، والآفاق الممكنة لحلها في مسارات سياسية وعسكرية، كما في مسارات تخلط بين السياسة والعسكرة، وثمة كثير من الموجبات السياسية والاقتصادية والأخلاقية، التي تدفع لأخذ الأزمة السورية إلى معالجة جدية وفعالة تضع حدا لما يصيب السوريين من جرائم ودمار يمكن أن تمتد إلى المحيط، وكل ما هو مطلوب اليوم، هو أن تتوفر إرادة سياسية للذهاب في هذا الاتجاه، وما لم تتوفر مثل هذه الإرادة، فإن كل الكلام الذي يقال، والتصريحات التي يطلقها المسؤولون في أي موقع كانوا، والخطوات التي تتم أينما كانت، لا معنى لها ولا قيمة.

=====================

نعم هو صدام الشيعي

طارق الحميد

الشرق الاوسط

3-3-2013

في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2011 كتبنا في هذا المكان أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هو «صدام الشيعة»، وحينها احتج البعض قائلا إن هذه مبالغة، واستعداء. اليوم، وفي 2013، نجد أن المالكي لا يكتفي بالدفاع عن بشار الأسد، بل إن قوات المالكي تقصف الجيش السوري الحر على معبر اليعربية الحدودي!

المالكي، وقبل أيام، قال إن دعم المعارضة السورية يعد عملا عدائيا ضد العراق، وإن سقوط الأسد ووصول الثوار للحكم يعني حربا طائفية بلبنان، والعراق، وانقساما في الأردن، والآن تقصف قواته الجيش الحر، أي أن الحكومة العراقية لا تدعم الأسد بالتصريحات، أو بتهريب الأسلحة الإيرانية عبر الأراضي العراقية، بل إن قوات المالكي تتدخل الآن في الأزمة السورية، وبالسلاح، مثلها مثل إيران وحزب الله، وإذا لم تكن هذه هي الطائفية، فماذا عسانا أن نقول، وخصوصا أن حكومة المالكي تدعي أنها نابعة من نظام ديمقراطي؟!

يفعل المالكي ما يفعله بسوريا في الوقت نفسه الذي يواصل فيه إقصاء السنة بالعراق، وقمعهم، كما يحدث بالأنبار، وغيرها من المدن والمحافظات الثائرة ضد طائفية نظامه، ورأينا كيف استقال وزير المالية العراقي أمام الحشود الغاضبة يوم الجمعة الماضي بالعراق. ويفعل المالكي ما يفعله في سوريا وهو الرجل الذي يمثل نظاما يعتبر حليفا للولايات المتحدة التي أسقطت صدام حسين وجاءت بهذا النظام السياسي بحجة أنهم، أي من يحكمون العراق، كانوا مضطهدين من ديكتاتورية صدام، ولذلك قامت القوات الأميركية بغزو بغداد وإسقاط النظام، لكن ما حدث كان العكس، حيث إن هذا النظام الجديد تحول إلى حليف لإيران، بل تابع، وها هو يقوم بقصف ثوار سوريا، فهل يمكن بعد كل ذلك الوثوق بحكومة المالكي؟ بالطبع لا. والحق أن المالكي ليس صدام الشيعة وحسب، بل هو أخطر، لأنه يدعم التوجهات الإيرانية القاضية بهدم مفهوم الدولة ونصرة الأحزاب، والجماعات، المحسوبة على إيران، وهذا يعني بالتالي تأجيج الطائفية في المنطقة.

وعندما نقول إنه لا يمكن الوثوق بحكومة المالكي، فلسبب بسيط، وهو أن المالكي، يوما بعد آخر، يثبت أنه رجل يريد عزل العراق عن محيطه العربي، حيث إنه أقرب للمخطط الإيراني بالمنطقة، وليس تعزيز العلاقات العراقية العربية، فالمالكي يناصر أتباع إيران بالبحرين، وسمح بالمظاهرات الطائفية المناصرة لهم في العراق، والأمر نفسه فعله ضد السعودية، وها هو اليوم يقصف الجيش السوري الحر، ناهيك بما يفعله بالعراق كله. ومن هنا فإن قصف القوات العراقية للجيش السوري الحر ما هو إلا دليل قاطع لكل مروجي الاعتدال المزيف، أو ما أسميه الخنوع السياسي، وخصوصا تجاه المالكي، حيث ثبت لهم اليوم أنهم خدعوا مرة جديدة عندما أحسنوا الظن بالحكومة العراقية الحالية، مثلما خدعوا ذات يوم بحزب الله، وحماس، وإيران، وبالطبع الإخوان المسلمين، وكما خدعوا بقضايا لا تعد ولا تحصى.

ولذا، فإن إحدى أهم مميزات الثورة السورية أنها لا تسقط طاغية وحسب، بل إنها تسقط حقبة من الأكاذيب والخداع والتزوير بمنطقتنا.

=====================

لأول مرة منذ صدام.. قوات عراقية تعبر الحدود

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

3-3-2013

أظهر فيديو قوات عراقية تعبر الحدود السورية إلى مدينة اليعربية، شمال شرقي سوريا. وبعد صمت دام نحو أربع وعشرين ساعة اعترفت الحكومة العراقية، لكنها قالت إن الحرب على الحدود طالت مناطق عراقية، وهذا عذر غير مقنع بحكم أن القتال دار في اليعربية نفسها، وهي المنفذ الذي يهرب منه العراق صادراته وصادرات إيران لمساعدة القوات السورية. إن ذلك يعيد للذاكرة ما كان يفعله الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين عندما أرسل قواته لإيران بحجة الخلاف الحدودي وتأمين سلامة الأراضي العراقية، ثم أرسل قواته لاحتلال الكويت.

دخول قوات المالكي وسّع الحرب في سوريا، من حرب بالوكالة إلى حرب مباشرة، لمساندة قوات نظام الأسد الذي يعيش منذ عشرين شهرا في محنة خطيرة!

صارت في المنطقة حرب تكبر على التراب السوري؛ جيش الأسد بكامل قطاعاته وقواته الأمنية وميليشياته، تسانده قوات من إيران، وآلاف من مقاتلي حزب الله من لبنان، إضافة إلى خبراء ومستشارين روس. وباقتحام قوات المالكي الحدود لمساندة قوات الأسد للاحتفاظ بمدينة اليعربية الحدودية صرنا أمام حرب إقليمية كبرى، انضم إليها أخيرا رئيس وزراء العراق نوري المالكي، الذي كثف من تبريراته خلال الأيام الماضية متعهدا بأنه لن يسمح بسقوط نظام الأسد، وأنه أبلغ الأميركيين بأن نظام الأسد في سوريا لن يسقط. هذه القوى المتطرفة، إيران والعراق وحزب الله، تجتمع لأول مرة في حرب كهذه!.. حرب مكشوفة ضد الشعب السوري، في حين لا توجد دولة جارة واحدة تحاول مساعدة الغالبية المستهدفة بهذه الحرب منذ نحو عشرين شهرا، باستثناء استقبال اللاجئين العابرين للحدود والذين تجاوز عددهم نصف مليون مشرد!

التطور الجديد والخطير هو دخول رئيس وزراء العراق المالكي على خط الحرب هذا الأسبوع، مما يوضح لماذا كان المالكي حريصا على إعطاء أحاديث صحافية يمهد من خلالها لإرسال قواته للحرب، بحجة أن سقوط النظام فيه خطر على العراق!

والحقيقة هذه مبالغة منه، فالخطر على العراق بدخول الحرب أعظم من بقائه على الحياد. أما لماذا يفعلها المالكي ويقحم العراق في أول حرب منذ إسقاط نظام صدام، فالسبب واضح.. لقد صار دمية في يد الحرس الثوري الإيراني، الذي يدير الحرب في سوريا، ويتولى الدفاع عن نظام الأسد. المالكي، مثل زعيم حزب الله في لبنان، مجبر على دعم حليف إيران الأول، أي الرئيس بشار الأسد، لأن الإيرانيين يملكون السلطة الكافية لتعيين وإقصاء قيادات مثل العراق وتنظيم حزب الله.

كان المالكي يدعم الجهد الإيراني في سوريا خلال العامين الماضيين سرا، من خلال إرسال الوقود والأموال والأسلحة لنظام الأسد، وسمح للإيرانيين بنقل المقاتلين والأسلحة عبر الأجواء والأراضي العراقية. وآخر تصريح أميركي رسمي يبين حجم الخيبة من تصرفات المالكي الحليف القديم «أبلغنا الحكومة العراقية مرارا اعتراضنا على الرحلات الجوية الإيرانية إلى سوريا عبر الأجواء العراقية، وأبدينا شكوكنا في أنها تحمل أسلحة، لكن الحكومة العراقية (التي تعهدت بتفتيشها) لم تقُم بتفتيش الطائرات سوى مرتين فقط، وكلتاهما جرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي فقط»!

المالكي أصبح اليوم، مثل حسن نصر الله، لا يستطيع قول لا لما يطلبه منه الحرس الثوري الإيراني الذي يملك الكثير من النفوذ ولا يتورع عن ارتكاب جرائم لتنفيذ تهديداته. وهذا موضوع سأناقشه في مقال لاحق.

=====================

غرائب الأزمة السورية ووحشيتها

كلمة اليوم السعودية

3-3-2013

أصبحت الأنباء المتعلقة بالأزمة السورية طبيعية رغم غرابتها أحياناً، و رغم قسوتها ووحشيتها أحياناً أخرى.

من الغرائب التي أصبحت طبيعية أن طهران تتحدث باسم نظام الأسد وتقرر باسمه، ويطرح المسئولون الإيرانيون أنفسهم ناطقين باسم بلد عربي.

يوم أمس قرر وزير خارجية إيران أن بشار الأسد سوف يخوض الانتخابات المقبلة في سوريا، وبهذه اللغة المباشرة دون أية لباقة دبلوماسية بأن مثل هذا الكلام يحمل في طياته إهانة لحليفة بشار الأسد ويعد - بالعرف الدبلوماسي - تدخلاً سافراً في شأن بلد مستقل، لكن طهران - علناً وجهراً - لا تعامل سوريا على أنها بلد مستقل، بل تعاملها على أنها محافظة إيرانية، وسبق أن ردد مسئولون إيرانيون أقوالاً يروجون فيها أن سوريا محافظة إيرانية، وكان هذا التدخل المفضوح غريباً ومذلاً للأمة العربية، لكنه في عهد نظام الأسد أصبح طبيعياً، لأن الأسد نفسه لم يعد يستطيع اخفاء أنه وكيل لطهران وأن طهران هي التي تملك القرار الأول والأخير في نظام الأسد، وأن بشار الأسد ليس سوى موظف لدى طهران وعليه الالتزام بأوامر قادة الميليشيات الإيرانية، وأنه لا يملك حتى التصرف بحرية الكلام أو الحركة، دون أوامر من طهران، فضلاً عن اتخاذ القرارات، وسبق أن أطلق الأسد تعهدات لم يتمكن من الوفاء بها، لأن طهران لم توافق عليها، حتى أصبح الأسد وسوريا أسرى لدى المزاجية والمصالح الإيرانية، بل وحتى صراع الأجنحة الإيرانية في طهران يمتد إلى سوريا ولبنان، والحوادث الوحشية هي أن نظام الأسد وميليشيات رعاته تستمر أياما بإطلاق صواريخ سكود المدمرة على المدن السورية، لأنهم فهموا أن التزام اجتماع أصدقاء سوريا بالحلول السلمية للأزمة في سوريا يعني أن المجتمع الدولي يعطي للأسد شرعية القتل، لكن جعل المدن أهدافا لصواريخ سكود يعد عملاً حربياً عدائياً، ورضي الأسد بالقيام بهذا الدور نزولاً عند أوامر من طهران، لتدمير المدن السورية التي يئست طهران من استعادة السيطرة عليها واستعمارها مجدداً. ومن التطورات الخطيرة أن قوات عراقية اشتركت في قصف مواقع للجيش السوري الحر على الحدود ويسرت لقوات الأسد السيطرة مجدداً على منفذ حدودي، وهذا يعني أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نفذ تهديداته المبطنة ودخل فعلياً الحرب إلى جانب نظام بشار الأسد، وهذا أيضاً ليس غريباً، لأن نوري المالكي - على غرار بشار الأسد - وكيل آخر لطهران في العراق. وهو ينفذ، كما الأسد، برنامجاً إيرانياً للتطهير العرقي والطائفي في العراق، ويبدو أن المالكي ينغمس في عمق الصراع الطائفي الذي أطلقته طهران في المنطقة، ويقامر، مثل بشار الأسد، بنفسه وببلاده، لأن أحرار العراق ينتفضون الآن، ولا يبدو أنهم سوف يسمحون للمالكي بالاستمرار في صفقة بيع العراق لإيران، خاصة أن العراقيين جربوا الإيرانيين وممارساتهم العدوانية ضد العرب «سنة وشيعة» وأدركوا أن الإيرانيين يسعون لتحقيق مصالحهم القومية على حساب العرب إلى أي ملة أو إلى أي مذهب انتموا.

=====================

لوكان من أمري:ماذا يريد بشار الأسد من السوريين؟!

بينة الملحم

الرياض

3-3-2013

    لا يمكن إغفال الجرائم التي ارتكبها النظام السوري عن أعين البشرية، وعن صفحات التاريخ.

الشعب السوري قال كلمته وسل سيفه بوجه القاتل المجرم بشار الأسد. المطالب التي يريدها الإنسان السوري معروفة، وأبرزها الحرية وتفكيك الأدوات الأمنية وتغيير النظام القائم. لكن ماذا يريد بشار الأسد من شعبه؟!

إنه يقول لهم أحكمكم أو أقتلكم!

نعم هذه هي الحقيقة المرة التي لا يصدقها الإنسان العاقل. أين هي إنسانية الأسد؟! وهل هو إنسان فعلاً؟! ويدعي النظام السوري أنه يريد الحوار وهذا كذب محض بل يريد القتل.

لم تكن المعارضة السورية دموية منذ البداية بل بدأت بمظاهرات سلمية وحين بدأت الوحشية لزم الدفاع عن النفس كما قال الأمير سعود الفيصل.

يشخّص حازم صاغية المشكلة حين يقول:» لا نبالغ إذا قلنا إنّ الجيش السوريّ وأجهزة الأمن، وهي الركيزة الداخليّة الأولى والمباشرة لبقاء النظام، من تركة «التحرّر الوطنيّ» إيّاه. فالجيش، في كونه «جيشاً عقائديّاً»، كما في تضخّمه العدديّ، وكذلك الأجهزة الكثيرة في إحكامها السيطرة على المجتمع وصبغه بصبغتها، هي من معالم زمن «التحرّر الوطنيّ» وثقافته ونظرة قواه إلى الحكم والسلطة. وحتّى الأمس القريب كان الحزب الواحد ومنظّماته، وهو هنا حزب البعث، ركيزة للسلطة وثيقة الصلة ب «التحرّر الوطنيّ» وشعاراته المعلنة. بيد أنّ الجيش تحديداً يقع أيضاً في الخانة الثانية، خانة الخوف بوصفه مصدراً في دعم النظام الأسديّ. فلم يعد سرّاً أنّ هذا الجيش إنّما يتماسك بالخوف الذي يضعه في موضع التضادّ مع أهله ومع تركيبته نفسها. والخانة إيّاها تضمّ أيضاً الأقليّات الدينيّة والمذهبيّة، والحسّ الأقلّيّ تالياً.

وهنا، كذلك، تُحمل الأقليّات على الوقوف في مواجهة مع مجتمعها الأعرض، بل أيضاً مع الجوهر الديمقراطيّ والمساواتيّ للوعي الأقلّيّ ذاته.

وليد المعلم يخادع الناس حين يصرح بأن دمشق جاهزة للحوار مع كل من يرغب بالحوار بما في ذلك من حمل السلاح.. وتابع إننا نعتقد بأن الإصلاح لن يأتي من خلال سفك الدماء، بل يأتي من خلال الحوار وهناك تشكيل ائتلاف حكومي للتفاوض مع «معارضة الداخل والخارج.

انتهت على ما يبدو مبادرة معاذ الخطيب للحوار، حين شنّ المجلس الوطني السوري، أحد أبرز مكونات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، حملة شديدة على رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب، رافضاً «الدخول في أي حوار أو تفاوض» مع نظام الرئيس بشار الأسد. وقال المجلس الوطني السوري، في بيان نشر على صفحته على موقع «فيسبوك»، إن «ما سمي بمبادرة الحوار مع النظام إنما هو قرار فردي، لم يتم اتخاذه ضمن مؤسسات الائتلاف الوطني، ولم يجر التشاور بشأنه، ولا يعبر عن مواقفِ والتزامات القوى المؤسسة له».

الحوار مع نظام قاتل دموي يقوم على الحل الأمني والمجازر وقتل الأطفال وسحل الناس ليس موفقاً بل هو انتحار سياسي وإجهاض لكل مكونات الثورة. الأسد يقول:» إن الفصل بين من وصفه بالإرهابي والسياسي أساسي للوصول إلى حل لهذه الأزمة، العملية السياسية تسير إلى الأمام لكن الإرهاب يسير أيضا دون توقف، أبواب سورية مفتوحة لكل من يريد إصلاحاً حقيقياً وحواراً صادقاً»!

قال الشعب السوري كلمته ولكن النظام لم يقل ماذا يريد هو من الشعب السوري، كلمته واحدة:»أحكمكم أو أقتلكم» كما قالها القذافي من قبل والذي انتهى نهاية مأساوية، وضُرب في عقر داره وأنهى الشعب الليبي فترة حكمٍ قاسية ودموية ومؤذية للأسف.

لتتحاور المعارضة فيما بينها أولاً قبل طروحات الحوار مع النظام، وهي طروحات لن تؤدي إلا إلى الخراب والدماء..

==============================

ويسألونك عن الحقائق: وقائع تورط "حزب الله" في الدم السوري

فادي شامية

المستقبل - الأحد 3 آذار 2013

العدد 4620 - شؤون لبنانية - صفحة 4

يحار المرء عندما يسمع الخطابات المنمقة للسيد حسن نصر الله، وقد ضمّنها عظاتٍ دينية، وتذكيراً بالآخرة، وهي تطفح بالاستكبار والتهديد والإساءة! يعجب كيف يحرّف الحقائق وينتقي الوقائع ليرسم الصورة التي يريد؛ ثم يسأل عن الوقائع في معرض الافتراءات. في خطابه الأخير فقرات كثيرة تستدعي فعلاً التذكير بالوقائع، وتبيان الافتراءات؛ لكن ضيق المقام يحصر المعالجة بشق واحد هو الشق السوري، باعتبار أن كثيراً من الوقائع المتعلقة به غير معلومة بالمقدار المطلوب (على أن يعالج الشق اللبناني بمقالة ثانية).  

 

ما أراد السيد نصر الله قوله -في الشق السوري- أنه وحزبه والشيعة ضحايا عصابات إرهابية في منطقة الهرمل- القصير، وأن الدولة تركت هؤلاء لمصيرهم فحملوا السلاح دفاعاً عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وما عدا ذلك افتراءات، فـ "لا سيطرة على أي قرية سنية، أو يسكنها أهل سنة، في تلك المنطقة على الإطلاق، والذي حصل هو العكس. المعارضة المسلحة هي التي قامت في الأشهر القليلة الماضية بالسيطرة على قرى يسكنها لبنانيون شيعة وقامت بتهجيرهم وحرق بعضهم".

 

أضاف نصر الله: "أهم ما نحتاجه لنأخذ موقفاً صحيحاً هو الاطلاع على الوقائع. عندما تأتي حضرتك وتقول لي هناك مخطط، هناك مشروع؛ آتني بدليلك، آتني بمعطى، معطى حسي، معلومة، سند، أي شيء". ومع أن نصر الله نفسه لم يأت بأي دليل على ما نفاه (باعتبار أن البينة على من ادعى وفق خطابه إياه) ولا على ما ادعاه؛ إلا أن الوقائع التي طالب بالبناء عليها تشير إلى عكس ما قال تماماً.

 

أولاً: في معرض نفيه السيطرة على أي قرية سنية؛ أكد نصر الله أن حزبه يسيطر على القرى الشيعية في ريف القصير، وهذا بحد ذاته إقرار بالتدخل في الشأن السوري، لأن القرى ذات الغالبية الشيعية هناك تخضع للسيادة السورية من جهة، وتضم عائلات لبنانية وسورية من جهة أخرى؛ وهذه القرى هي: الجنطلية- الفاضلية- حاويك- بلوزة ( سكان هذه القرى الأربعة شيعة سوريون ولبنانيون)- الديابية (سكانها شيعة سوريون بالكامل)، إضافة إلى القرى التي تضم لبنانيين فقط: الصفصافة-الحمام-مطربا-زيتا-كوكران-وادي حنا. في هذه القرى سلّح الحزب الأهالي من لبنانيين وسوريين، وفرض سيطرته الكاملة، ولما كانت تلك القرى تضم لبنانيين أو سوريين سنة، فقد فرض عليهم الحزب هجرة قسرية؛ تحت طائلة الاعتداء على الأنفس والأعراض. وبالوقائع يسري هذا الوضع على قرية الصفصافة (500 نسمة من السنة والشيعة اللبنانيين؛ تهجر أهلها السنة منها) وبلوزة (قرب الحدود وسكانها لبنانيون وسوريون سنة وشيعة) وحاويك (2000 نسمة سكانها لبنانيون وسوريون سنة وشيعة).     

 

ثانياً: لم يكتف الحزب بالقرى الشيعية أو المختلطة -في المذهب أو الجنسية- التي احتلها؛ وإنما مد سيطرته إلى القرى السورية المجاورة. وبالوقائع يسيطر الحزب بالرجال أو النيران على القرى الآتية: المصرية- السوادية (سكانهما سنة سوريون)- البجاجية (قرب قاعدته في زيتا وسكانها سنة سوريون)- السمكانية (سكانها سنة سوريون هجّرهم الحزب بالكامل)- السماقيات (سكانها سنة سوريون طلب الحزب منهم حمل السلاح معه أو المغادرة)- أكوم (هجّر الحزب أهلها ونهب الممتلكات). ويحاول الحزب من خلال معارك ريف القصير احتلال المزيد من القرى السورية (أهلها سنة بالكامل) وهي: أبو حوري- البرهانية- النهرية- سقرجة- الأذنية- الخالدية.  

 

ثالثاً: يستخدم الحزب الأراضي اللبنانية في الحرب الدائرة على طول الحدود مع القصير؛ مرابض مدفعية نشطة في جرود الهرمل تقصف الداخل السوري- معسكرات تدريب للسوريين واللبنانيين في الهرمل وبعلبك لإعدادهم للقتال في سوريا - معسكر اعتقال في بلدة القصر المقابلة للقصير... وهذه الوقائع تعني أن المسألة أكبر بكثير من لبنانيين يدافعون عن أنفسهم في قرى داخل سوريا.

 

رابعاً: إذا كان صحيحاً أن الذي يقاتل في القصير لبنانيون شيعة من أهل المنطقة؛ فما بال شهداء "الواجب الجهادي" يشيَّعون في بعلبك والجنوب والضاحية الجنوبية؟ في الوقائع؛ أن الحزب شيّع كثيرين؛ وممن اعترف بهم رسمياً: علي حسين ناصيف المعروف بأبي العباس (30/9/2012)، وحسين عبد الغني النمر (7/10/2012)، وحيدر محمود زين الدين (1/11/2012)، وباسل حمادة (10/11/2012)، وربيع فارس (1/2/2013)، وحسين محمد نذر (2/2/2013)... وجميع هؤلاء ووروا الثرى في مقابر في البقاع أو بيروت أو الجنوب، علماً أن قتلى آخرين للحزب شيّعهم بعيداً عن الإعلام، بما في ذلك قتلى المعارك الأخيرة في ريف القصير، الذين اعترف مصدر بالحزب بسقوطهم.

 

خامساً: حصر السيد نصر الله تورط حزبه بمنطقة القصير؛ لكن الوقائع والشهادات المتزاحمة تؤكد تورطه فيما هو أبعد من ذلك بكثير؛ ففي منطقة السيّدة زينب في ريف دمشق يقاتل الحزب بشراسة تحت عنوان: "الدفاع عن مقام السيدة زينب"، ويمتد نشاطه إلى أحياء أخرى في دمشق؛ الحجر الأسود، وأبو رمانة، والمزة. ويقاتل الحزب أيضاً في مدينة الزبداني، وفي بصرى الشام، وقرب مطار دمشق، وفي نقاط قريبة من الغوطة الشرقية وفي منطقة القلمون السورية، ومناطق أخرى تصل إلى حلب، وفي هذه المناطق جميعها بث الثوار أفلاماً تؤكد ذلك (أشار نصر الله في خطابه إلى أفلام "يوتيوب" فيها نداءات طائفية في منطقة القصير متخذاً منها دليلاً على وجود جماعات إرهابية). كما أن الإعلام الحربي التابع للواء أبي الفضل العباس (يضم مقاتلين شيعة لبنانيين وعراقيين وإيرانيين) بث مؤخراً مشاهد لقتال هذا اللواء للدفاع عن مقام السيدة زينب؛ تظهر –بفخر- عناصر للحزب المذكور يقاتلون في سوريا.  

 

سادساً: في الوقائع أيضاً؛ أن تورط الحزب في الدم السوري لم يبدأ قبل عدة أشهر، ولم ينحصر بـ "الدفاع" عن قرى حدودية يسكنها لبنانيون شيعة كما يزعم نصر الله؛ إذ لا يستقيم عقلاً أن تتحول غالبية الشعب السوري من محبة السيد حسن إلى بغضه وحرق صوره منذ الأسابيع الأولى للثورة بلا سبب. ثمة شهادات هائلة على تورط الحزب في دعم النظام بالرجال حتى في الأشهر الأولى، يوم كانت الثورة سلمية بالكامل، وعلى سبيل المثال لا الحصر: بيان "ائتلاف شباب الثورة في سورية" في 20/3/2011، وبيان طلاب جامعة دمشق في شهر نيسان 2011، وشهادة الجندي المنشق والفار إلى تركيا أحمد خلف في 12/6/2011، (شهادته موثقة، لصالح منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة)، وشهادة المقدم السوري المنشق حسين هرموش في 14/6/2011 (القائد الأول لـ "الجيش الحر")، وشهادة الجندي في الحرس الجمهوري المنشق وليد القشعمي في 21/7/2011، وشهادة محامي حماة العام عدنان البكور في 29/9/2011، وشهادة شيخ الثورة السورية الضرير أحمد صياصنة في 16/3/2012، وشهادة العقيد أبو ياسين في1/4/2012، وغيرها كثير من الشهادات التي تؤكد تورط الحزب المذكور في الدم السوري منذ بدايات الثورة.

 

سابعاً: مع أن خطابه كان غارقاً في المذهبية – "لأنه لا يوجد الآن أناس لا يتكلمون إلا بهذه اللغة" كما قال- إلا أن ذلك لم يمنع السيد نصر الله من التأكيد أن "النزاع في سوريا ليس نزاعاً سنياً شيعياً" وهذا صحيح، باعتبار أن الحاصل في سوريا ثورة شعب عظيمة، دون أن يعني ذلك عدم وجود نزعات طائفية داخل الثورة؛ أشار إليها السيد نصر الله في الخطاب إياه، لكن من الذي يغذي النزعة الطائفية في الصراع الدائر في سوريا؟ أليست إيران التي تضع ثقلها إلى جانب النظام المجرم (صرّح الشيخ مهدي طائب، القريب من المرشد خامنئي: أننا لو خسرنا سوريا لا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا إقليم الأهواز فسنستعيده ما دمنا نحتفظ بسوريا التي هي المحافظة الإيرانية رقم 35، وهي تعد محافظة إستراتيجية بالنسبة لنا... لهذا اقترحت الحكومة الإيرانية تكوين قوات تعبئة لحرب المدن قوامها 60 ألف عنصر من القوات المقاتلة لتستلم مهمة حرب الشوارع من الجيش السوري)؟ أليست دعاية "حزب الله" في أوساطه أن "الدور جايي علينا إذا سقط نظام بشار"؟ أليس حثهم الشباب على الدفاع عن مقام السيدة زينب "كي لا تسبى مرتين"؟ أليست دعاوى مواجهة السفياني –الذي هو "حتم من الله"... "سيخرج من الشام".. و"يملكها"-؟! من الذي يبث هذه الأفكار في الشارع الشيعي أليس "حزب الله"؟

أخيراً يسأل السيد نصر الله من منطلق الضحية: "ماذا فعلت الدولة لثلاثين ألف لبناني موجودين هناك (في القصير)، وليس كلهم شيعة بل من مختلف الطوائف، ماذا فعلت لهم؟، وماذا سعت لهم؟" في حين أن الحكومة وأكثر الأجهزة الرسمية تخضع لقرارات الحزب وسياسته؛ إما بحكم القانون انطلاقاً من تابعيتها للحكومة الخاضعة للحزب، وإما بحكم نفوذ "حزب الله" الواضح في غير جهاز رسمي؛ فهل يسأل حزب الله نفسه، أم أنه محترف في قلب الأدوار؟! وفي مطلق الأحوال؛ إذا لم تفعل الحكومة شيئاً للبنانيين في سوريا، فهل يجيز ذلك للحزب أن يدخل الحرب في هناك نيابة عن الدولة وعن اللبنانيين؟ من أوكله هذه المهمة؟ ومتى طالب أصلاً الحكومة –الذي هي تحت سيطرته- ليسمع ردها؟ 

إنها الأسئلة الواجبة في معرض الوقائع التي طلب السيد نصر الله البناء عليها! 

======================

كلام للاستهلاك المحلي

د. محمود نديم نحاس

الاقتصادية الأحد 3/3/2013

عندما كنت شاباً يافعا تساءلت مرة: كيف لا تتوقف وسائل الإعلام السورية عن سباب دولة من الدول الكبرى، ثم إذا بنا نشاهد على التلفاز زيارة رئيس تلك الدولة إلى سوريا سنة 1974؟ وقبيلها زيارة وزير خارجيته الذي حقق السلام لإسرائيل مع الجانب السوري؟ فجاءني جواب ربما لم أفهمه في حينها. قيل لي إن الدولة الكبرى تتفهم أن ما يُقال في الإعلام السوري هو للاستهلاك المحلي.

ورغم أنه بعد تلك الزيارة بدأت المساعدات تصل إلى سوريا لكن لم يتغير شيء في الإعلام! بل كان الإعلام يتبجح بأن الرئيس لن يزور تلك الدولة الكبرى حتى لا تفرض عليه إملاءاتها! مما أجبر رؤساءها على لقائه بشكل متكرر في جنيف، أي في بلد محايد! ثم زاره أحدهم في دمشق. كل هذا والدولة الكبرى تتفهم الكلام المعد للاستهلاك المحلي، والذي رفع من رصيد الزعيم عند مَن لا يعرف الحقائق فصار يُنظر إليه، وإلى ولده من بعده، على أنهما زعيما الصمود والتصدي، وزعيما المقاومة والممانعة! وليت شعري هل هناك من يشرح هذه العبارات، وكل الناس ترى سكون الجبهة السورية مع إسرائيل منذ 1974؟

وفي سياق كلام الاستهلاك المحلي يمكن تفسير تمثيليات غوار التي كانت تنتقد كل شيء في سوريا، حتى كان بعض الناس يظنون أنه سيتم القبض على دريد لحام بعد انتهاء المسرحية. لكن أحداث سوريا فضحت غوار وكلامه الموجّه للاستهلاك المحلي، فإذا به يقف في صف الجلاد الذي كان ينتقده ضد الضحية التي كانت مهمته أن ينفّس عنها ويُضحكها. فقد مرّ عامان على سوريا قضى فيهما عشرات الآلاف، وبُثت صور مبكية لشهدائها، بيد أن غوار لم يعد يرى شيئاً ينتقده. فهل سيتأثر لرحيل صديقه ياسين بقوش الذي رافقه في مسرحياته التي ربما كان "صح النوم" من أشهرها، أم إنه مازال نائماً ولم يسمع عن رحيل هذا النجم الشعبي الذي رحل بقذيفة "آر بي جي" غادرة انهالت على سيارته في حي العسالي في دمشق، تماماً كما رحل مائة ألف أو يزيدون من الأبرياء الطيبين الذين أسهم ياسين بقوش في إضحاكهم والتنفيس عن همومهم؟ لكنه أبكى من بقي بعدهم بسبب النهاية التراجيدية التي انتهى إليها والتي تصلح خاتمة لمسلسل مأساوي ليس فيه مجال للضحك أو للفرح! وهل يمكن للناس أن يروا إنساناً وديعاً مرحاً تقتله قذيفة ثم يفكرون في الضحك مهما تذكروا مشاهد من تمثيلياته التي وهبت البسمة لملايين العرب؟.

وليس متوقعاً من دريد لحام أن يتأثر لهذه النهاية المأسوية لصديق عمره، لأنه لم يتأثر حتى الآن من قصف النظام للمدنيين في جميع أنحاء سوريا، ومازال مستمراً في تصوير أعماله الفنية وكأن شيئاً لم يكن. وقد اختار منطقة القلمون الهادئة في شمال لبنان لتصوير أعماله بعيداً عن أحداث سوريا، لكن بعض الشبان اعترضوا على وجوده في منطقتهم، فرفعوا هتافات مناهضة للنظام السوري، وطلبوا منه مغادرة البلدة، وقد تدخلت قوى الأمن لحمايته وهو يغادر.

إن هؤلاء الشرفاء الذين طردوه لم تكن شعاراتهم للاستهلاك المحلي، وإنما تصرفوا من مواقف مبدئية بسبب مواقفه الداعمة لقتل الأبرياء. هذا القتل الذي يتم بالصواريخ البالستية التي تستهدف المناطق السكنية مما جعل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) تعرب عن صدمتها إزاء مقتل أكثر من سبعين طفلا في يوم واحد، إلى درجة أن المنظمة الحقوقية هيومن رايتس ووتش قالت: (بمجرد أن نظن أن الأمور بلغت من السوء مداها نفاجأ بأن الحكومة السورية وجدت وسائل لتصعيد أساليب القتل).

 

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ