ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 18/02/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

17-02-2013

بحثاً عن الإسلام الحضاري في سوريا “1”

تأتي الحاجة إلى إعداد ميثاق شرف يُقدَّم إلى العاملين للإسلام في سوريا،يتناول القواعد الأساسية التي يمكن أن تستوعبهم جميعًا،أوتستوعب أكبرعدد منهم.

د. وائل مرزا

الأحد 17/02/2013

المدينة

بحثاً عن الإسلام الحضاري في سوريا “1”

تسري في سوريا اليوم يقظةُ إسلامية كبرى،وهي ظاهرةٌ إيجابيةٌ مباركةٌ في مجملها، تدل على وعي شرائح كبرى من السوريين،وإفاقةالمجتمع من غفلته،وإحساسه بذاته الحضارية،واعتزازه بدينه،وسعيه للخروج من التخلف،والتحررمن التبعية الفكرية والحياتية.وعلى إدراكهم بأن الإسلام ثورةٌ على معاني الجمود والاستنقاع والتقليد، وسبيلٌ لكسر قيود الذل والهوان، وطريقٌ لبناء مجتمع الحرية والكرامة.

تأتي هذه اليقظة وليدة عوامل عديدة تتعلق بما تعلّمه الشعب السوري من دروسٍ في ثورته.وهي قبل ذلك تعبيرٌعفوي فطري أصيل يدل على رغبة الشعب في العودة إلى جوهر ثقافته،وبرهان ساطع على أن هذا الدين محفوظ برعاية الله، وعلى أنه مغروسٌ في أعماق الفطرة الإنسانية دافعاً للحياة ومحركاً لإقامة الدول والحضارات.

وحتى تكتمل الصورة،فإنه لابد من التأكيد على أن هذه اليقظة تأتي محفوفة بكثير من المشكلات التي قد تؤذيها،وتعرقل حركتها.وذلك حين تراها تنقسم فرقاً وشيعاً. يخالف بعضُها الآخر،وربما يعاديه،ويكيد له.فتنشأ الفتن،وتكثرالعداوات،وتشيع الفرقة،حتى بات بعض الناس يرى أن الخلاف بين هذه التشكيلات حقيقةٌ صارخة، ومرضٌ مزمنٌ،وداءٌعضالٌ،لايكاد ينجومنه إلامَنْ رَحِمَ ربي.

يضاف إلى ذلك أن بعض الجهود المخلصة ينقصها الصواب،فتُنفَق حيث لا تدعوالحاجة،وربما اختارت المفضول الممنوع مع وجود الأفضل المتاح،بل ربما أنفقت فيما يضرُّ ويؤذي.

يضاف إلى ذلك أيضًا أن كثيراً من العاملين تغلب عليهم البساطة والطيبة،اللتان تصلان أحياناً إلى درجة الغفلة.الأمرالذي يسهِّل اختراقهم وتوريطهم من قبل أصحاب النيات السيئة والأجندات المشبوهة.فيدفعونهم إلى ممارساتٍ غير محسوبة،ومغامرات مهلكة،تؤذيهم وتؤذي البلاد والعباد،وُتكرِّه الناس فيهم،بل ربما كرَّهتهم بالإسلام نفسه،وخوَّفتهم منه.

ولعل أكبرميدان يمكن أن تظهر فيه المشكلة هوالميدان السياسي والعسكري،فقد كانت لهم في هذا الميدان جهود وتضحيات،لكن المحظور أن يكونوا هم أول الضحايا،بعد أن يكونوا قد دفعوا ثمنًا فادحًا،كما دفعت البلاد والعباد ثمنًا باهظًا أيضًا،وهوالأخطر والأفظع.

ولاريب أن مثل هذه الظاهرة لايمكن أن تُعْزَى إلى سببٍ وحيد،فلابد من إرجاعها إلى مجموعة معقدة متداخلة من الأسباب المختلفة،منها المباشرومنهاغيرالمباشر،ومنهاالسذاجة والغفلة،ومنهاالعجلة والارتجال،ومنها سهولةالاختراق والتوريط،ومنها الجهل بسنن الله وقوانينه،ومنها المطامع والأهواء التي تلبس لبوسًا دينيًا وأصحابُها طلاب مغانم ورئاسة وثارات،ومنها ما يتعلق بقدرة الناس على الفهم والاستيعاب،ومنها مايتعلق بطبيعة المرحلة التي تمربها البلاد،وهي مرحلة خطرة حرجة لها مضاعفاتها وانعكاساتهاالسلبيةعلى شتى المجالات.

وإذاكان الأمركذلك من حيث تشخيص هذه الظاهرة الخطيرة،وجب علينا أن نقرر بأن العلاج لايمكن أن يكون بتقديم حلٍّ وحيد،بل لابد من مجموعة متكاملة من الحلول التي يسند بعضها بعضًا،ويقوِّي كلٌّ منها أخاه.

ولعل الحل الذي ينال المرتبة الأولى من بين هذه الحلول،ويجعل له أهميةخاصة،هوتصحيح القواعد العامة للعاملين من الإسلاميين في سوريا.ذلك أن القواعد تحكم إلى حد كبيرالتصورَالعام للإنسان،وطرائق المحاكمة والتفكيرعنده،وأسباب العمل والممارسة فيما يفعل. ومن المعروف والبدهي بين الناس أن التصورالخاطئ يقود إلى سلوك خاطئ،وأن التصورالصحيح يقود إلى سلوك صحيح.

وابتداءً فإنه ليس من أحدٍ يدعي أن مجرد تصحيح القواعد سوف يقضي على هذه الظاهرة،ولكن يمكن القول:إنه سوف يخفف منها إلى حد كبير.

إن هذه اليقظة في حاجةٍ ماسةٍ إلى تسديدٍ،وتقويٍم،ونصحٍ ومراجعةٍ،لكونهاعملاًبشريًا فيه الصواب،وفيه الخطأ.

وإذا كانت هذه اليقظة مهددة من خارجها،فإنها مهددة من داخلها أيضًا،وقد يكون التهديد الداخلي أخطر من التهديد الخارجي،وأشد فتكًا.

وإذاكان التهديد الخارجي يأتي من المتربصين بالخط الإسلامي بشتى أنواعهم،كيداً منهم أو جهلاً، فإن التهديد الداخلي يأتي من داخل أهل اليقظة نفسها،من فهٍم خاطئ،أوحماسٍ غير مدروس،أونزعةٍ نفسيةٍ مشوهة،أوعجلةٍ لاتتفق مع طبائع الأشياء،أومثاليةٍ لاتدرك مقتضيات الواقعية،وما إلى ذلك.

ومن هنا تأتي الحاجة إلى إعداد ميثاق شرف يُقدَّم إلى العاملين للإسلام في سوريا،يتناول القواعد الأساسية التي يمكن أن تستوعبهم جميعًا،أوتستوعب أكبرعدد منهم.ويرسم هذا الميثاق أبعادَ قاعدةعريضةٍ مشتركةٍ تتسع لجميع العقلاء والغيورين،وتسمح بمقدارٍمن التنوع ضمن الإطارالمشترك،لأن الناس لايمكن أن يكونوا نسخًا متكررة متشابهة في كل شيء،وهوما يمكن أن يطلق عليه شعار «التنوع ضمن إطارالوحدة».

ومن أهداف مثل هذا الميثاق إشاعة روح المحبة والثقة بين العاملين،والتقريب بينهم نفسياً وعملياً،وتقليل مساحة الخلاف والخطأ،وزيادة مساحة الوفاق والصواب،وتشجيع روح النقد البناء،وتوسيع آفاق النظر والتفكير،واستشراف آفاق الابتكاروالتجديد،والتعاون في المتفق عليه،والتغافرفي المختلف فيه، وتكامل الأدوار،والخروج من دائرة العطالة إلى دائرة الفاعلية.

والواجب أن يطمح مثل هذا الميثاق إلى أن يكون»ورقةعمل»مستمدة من أصول الإسلام ومقاصده الكبرى،بعيدًاعن الإفراط والتفريط،ممثلاً للوسطية والاعتدال،لايحمل صبغةحزب معين،أوتكتل خاص،أوجماعة محددة،أومدرسة دعوية،أواجتهاد فقهي،أوولاء إقليمي،ولايروج لواحدة من هذه الجهات ولاينتقص من سواها.

كمايجب أن يطمح لأن يكون دستورًا فكريًا أخلاقيًا تربويًا عمليًا للدعاة،وحلف فضولٍ يعتمدونه ويقرونه،وإضافة نوعية لانمطية تأخذ مكانها إلى جوانب مثيلاتها من الإضافات الجادة. فماهي ملامح هذا الميثاق؟ هذا ماسيكون موضوع مقال قادمٍ، وربما أكثر.

=======================

إذا خسرنا سوريا نخسر طهران!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

17-2-2013

أفضل توصيف لعلاقة إيران بسوريا، وحجم خسارة طهران من سقوط طاغية دمشق، لخصه أحد رجال الدين الإيرانيين، مهدي طائب، المسؤول عن مكافحة الحرب الناعمة الموجهة ضد إيران، حيث يقول: «لو خسرنا سوريا لا يمكن أن نحتفظ بطهران.. ولكن لو خسرنا إقليم خوزستان الأهواز سنستعيده ما دمنا نحتفظ بسوريا».

ولم يكتف طائب بذلك، بل إنه قال إن «سوريا هي المحافظة الـ35، وتعد محافظة استراتيجية بالنسبة لنا. فإذا هاجمنا العدو بغية احتلال سوريا أو خوزستان، فالأولى بنا أن نحتفظ بسوريا». فهل بعد هذه التصريحات يمكن القول بأن ما يحدث في سوريا هو حرب طائفية بالوكالة، أو أن الثورة السورية هي ثورة متطرفين؟ الحق أنها ثورة شعب يريد التحرر والتخلص من براثن الاحتلال الإيراني لسوريا طوال حكم الأسد الأب والابن، كما أن هذا التصريح الفج الذي يبدو أنه صدر تحت هول مفاجأة ما يحدث على الأرض في سوريا يظهر ورطة المشروع الإيراني في المنطقة، وليس في سوريا وحدها. فسقوط الأسد يعد أكبر، وأقسى، ضربة ستوجه للمشروع الإيراني، ومفهوم تصدير الثورة الخمينية، كما أن سقوط الأسد يعني أن متطرفي إيران سيكونون أمام استحقاقات داخلية طالما تهربوا منها.

المذهل في تصريحات طائب أنها لم تقف عند حد توصيف أهمية سوريا لبلاده، بل إنه ذهب لأبعد من ذلك، حيث تحدث صراحة عن قوة من ستين ألف مقاتل تشرف عليها إيران في سوريا، حيث يقول إن «النظام السوري يمتلك جيشا، لكنه يفتقر إلى إمكانية إدارة الحرب في المدن السورية، لهذا اقترحت الحكومة الإيرانية تكوين قوات تعبئة لحرب المدن، قوامها 60 ألف عنصر من القوات المقاتلة، لتتسلم مهمة حرب الشوارع من الجيش السوري». وهذا العدد يفوق ما كشف عنه مؤخرا عن عدد قوات المقاتلين الذين تشرف عليهم إيران في سوريا وقيل إنه خمسون ألف مقاتل، وبالتالي فإن تصريحات طائب لا تكشف عن أهمية سوريا لإيران بقدر ما أنها تكشف حجم تورطها في الدم السوري، كما أنها تقول لنا أمرا خطيرا وهو أنه في حال لم يتم التعاطي مع الملف السوري بجدية، وبجهد دولي، فإن هناك من سيتصدى لهذا التدخل الإيراني، مما يعني مزيدا من التطرف، والقتال الطائفي، وهذا أمر خطر على المنطقة ككل.

التصريحات الإيرانية هذه وغيرها يجب ألا تقود للتفكير في ضرورة إعطاء إيران دورا ما في سوريا، بل يجب أن تقود إلى تحرك دولي لإسقاط الأسد، الساقط لا محالة، وضرب المشروع الإيراني التمددي في المنطقة، ولا مبالغة إذا قيل إن سقوط الأسد سيكون بمثابة أول خطوة جادة لإيقاف مشروع إيران النووي. وعليه فإن سقوط الأسد لا يعني بالضرورة سقوط إيران، وإنما يعني عودة الملالي إلى حدودهم الطبيعية بطهران، وهذا هو المطلوب، فحينها سيكون أمام متطرفي إيران فواتير واجب سدادها في الشأن الداخلي، وتلك قصتهم هم لا قصة منطقتنا المنكوبة بسبب إيران وتدخلاتها، وطابورها الخامس المنتشر رجاله بيننا، والذين سيصمتون كالعادة ولن يقولوا كلمة تجاه تصريحات مهدي طائب عن سوريا.

=======================

استعصاء الحل السوري

فايز سارة

الشرق الاوسط

17-2-2013

ثمة ما يشبه الإجماع، على أن الأزمة السورية تذهب إلى الأعمق، والأكثر اتساعا في تطوراتها كما في تداعياتها، عشية انتهاء العام الثاني من ثورة السوريين، ويستند الإجماع في رؤيته العامة، ليس فقط إلى المعطيات المتوفرة بما فيها من أرقام ووقائع عن الدمار الذي لحق بالسوريين؛ بشرا وممتلكات ومصادر عيش، إنما في تزايد حجم الدمار المادي الذي عم البلاد، وقد صارت تداعياته تهدد حياة الأكثرية بما فيها من صعوبات العيش؛ بسبب افتقاد الأمن والغلاء، وفقد المواد الأساسية الغذائية والدوائية، وخراب البنى التحتية ودمارها، وهي معطيات تفسر تواصل عمليات هجرة آلاف السوريين للخارج يوميا في أوسع عملية نزوح شهدتها البلاد في تاريخها الحديث.

ومما يزيد دلالة سوء المعطيات السابقة، استمرار السلطات السورية في الحل الأمني العسكري الذي اختارته لمعالجة الأزمة، حيث تتواصل عملياتها، وخصوصا عمليات القصف الجوي والمدفعي، التي لا هدف لها سوى مزيد من القتل والتدمير، وهي عمليات تجد صداها في مبادرات وعمليات مقابلة، تقوم بها قوات المعارضة المسلحة من الجيش الحر والقوى الأخرى، ويؤشر الوضع الميداني إلى توسع مرتقب للصراع بين الجانبين على أمل حسم أحدهما الصراع مع الآخر لصالحه، ويتفق معظم الخبراء على استحالة الحسم العسكري، ما لم تحدث تطورات دراماتيكية في المعطيات الراهنة للقوة القائمة على الأرض من جهة، وفي المساندة السياسية الحاسمة لإحدى القوتين إقليميا ودوليا.

وإذا كان الوضع الميداني واحتمالات تطوره يرسمان حدود التردي السوري في مستواه الداخلي، فإنهما يفتحان بوابة نحو ما يفرضه التردي على الصعيد الخارجي من تداعيات ومشاكل في العلاقة مع دول الجوار وبالدول الأبعد منها، حيث يؤدي في الأولى إلى مشاكل كثيرة، أخذت مؤشراتها في الظهور، كما في تحرك الملف الكردي في تركيا، ومثله ملف التجارة البرية لتركيا مع دول المشرق العربي والخليج عبر البوابة السورية، ومثل ذلك ملف العلاقات الطائفية والدينية في لبنان، ومنه علاقات السنة والشيعة هناك، وهو وضع يقارب الوضع في العراق، وفي كل الحالات فإن بلدان الجوار السوري باتت تعاني من مشكلة اللاجئين السوريين، ولا يبدو أن ثمة قدرة عندها لتلبية احتياجاتهم، وقد لا تكون لدى بعض الدول قدرة على تحمل المشكلة.

إن التأثير المتزايد للتداعيات الداخلية – الخارجية للأزمة السورية، يزيد إلى ما سبق نمو تخوفات دولية من «التشدد الإسلامي» و«الهجرة» و«الإرهاب»، إضافة إلى تداعيات من طبيعة استراتيجية على الجوار والأبعد منه، تبدأ من عدم الاستقرار في شرق المتوسط، وحروب في المنطقة، وصولا إلى جوارها، مما يمكن أن يتسبب في تقسيم كيانات في المنطقة، وإعادة رسم خريطتها، كما يمكن أن يسبب اختلال الاستقرار النفطي فيها عبر حدوث تغييرات تصيب الأسعار ومستويات الإنتاج، وصولا إلى إلحاق الخطر بعمليات إنتاج النفط بما يمثله من عصب في الاقتصادات المحلية لدول المنطقة، وفي الاقتصادات الإقليمية والدولية.

واستعصاء حل الأزمة في سوريا نتيجة إصرار النظام على حل عسكري ورفض الحل سياسي، أدى إلى تزايد المخاوف، وهو ما يفسر الموجة الجديدة من جهود جاءت في إطارها مبادرة رئيس الائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب، بالقبول المشروط للحوار مع النظام، على قاعدة حل سياسي، ومن ذلك إعلان وزير الخارجية الأميركي سعيه بالتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي للعمل على «تغيير حسابات الأسد»؛ بهدف «وقف سفك الدماء وإطلاق عملية انتقال سياسي نحو مستقبل ديمقراطي» في سوريا، التي تعيش وضعا إنسانيا مأساويا. وقد تجاوزت المساعي الروسية ما سبق بالتحرك على أكثر من صعيد، مما يوحي بأن ثمة تغييرات ولو طفيفة في موقف موسكو، حيث دعت إلى توسيع مجموعة العمل الخاصة بسوريا بضم عدد من الدول إلى عضويتها للمشاركة في معالجة أزمة سوريا، التي تتردى أوضاعها، ويتواصل الدمار فيها، وهو أمر لن يتوقف ضمن حدودها، وذهبت موسكو في خطواتها إلى إعلان أنها سوف تستقبل قريبا وزير الخارجية السوري وليد المعلم، كما تستقبل رئيس الائتلاف معاذ الخطيب، ووفودا من جماعات معارضة سورية أخرى، في خطوة تؤكد وجود تحول محدود في الموقف من الأزمة السورية، وفي إطار السعي لحلها وفق خطة جنيف، وسط تأكيدات موسكو دعمها لجهود المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي.

وثمة تطور جديد في سياق المساعي الدولية لعلاج الأزمة السورية، يمثله «مقترح اتفاق السلام السوري» الذي طرح مؤخرا، حيث يجمع بين النظام والمعارضة في مرحلة انتقالية تتم بدعم دولي بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السادس، وينطلق المقترح من ثوابت سياسية للتغيير متوافق عليها، ويضع خطوات إجرائية تدفع البلاد للخروج من الأزمة على مراحل، بدءا من وقف إطلاق النار وعودة الجيش إلى مواقعه وإطلاق المعتقلين.

المشكلة التي تواجه الجهود جميعها ما زالت في مواقف السلطات السورية، التي ترفض التغيير، وإذا وافقت على مشروع أو خطوة ما، فإنها تناور وصولا إلى إفشال ما وافقت عليه، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للقول، إن «المأساة في سوريا تتعمق أكثر من دون أي أفق لحل سياسي»، وأضاف إلى ما سبق دعوته «مجلس الأمن إلى التوحد والتكلم والتحرك بصوت واحد»، ولعله في ذلك يؤكد واحدا من خيارات مواجهة الاستعصاء السوري لحل الأزمة.

=======================

خطوات لمساعدة سوريا

المصدر: صحيفة "غارديان" البريطانية

البيان

التاريخ: 17 فبراير 2013

تحمل الأنباء التي تفيد بأن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد مستعدة لإرسال أحد وزرائها لإجراء محادثات مع زعيم الائتلاف الوطني السوري المعارض - تحمل بعض الأمل في أن التوصل إلى حل تفاوضي في سوريا قد يكون ممكناً. غير أن مستوى العنف صُعد منذ البداية بفعل السياسة الداخلية والمنافسات الجيوسياسية الإقليمية على حد سواء. فعلى المستوى المحلي، أُخذ المحتجون بزخم الربيع العربي. وكانوا ينادون بالتمكين السياسي والكرامة والمزيد من السيطرة على حياتهم. وكان من شأن رد الحكومة العنيف أن يزرع بذور حرب أهلية.

اختُرعت سوريا اليوم من قبل القوى الاستعمارية. فهي ثمرة اتفاقية سايكس بيكو التي أبرمت عام 1916، والحرب العالمية الأولى. وبعد مرور قرن من الزمن، لم تتلاش بنية الحرب الباردة وحدها، ولكن بلاد الشام على مدى السنوات الـ50 الماضية أو نحو ذلك شهدت أيضاً انخفاضاً في تأثير القوى الخارجية.

ومن شأن عملية تفاوضية منفصلة، بين الولايات المتحدة وروسيا، مع بعض المشاركة الممكنة من جانب الصين، أن تكون ضرورية. إذ يمكن لها أن تساعد على تهيئة الدعم الدولي للبنية الجديدة، وهو ما من شأنه أن يحتاج في نهاية المطاف لأن يقرره اللاعبون الإقليميون.

وبمجرد أن يتم إحراز تقدم على هذا المستوى، فإن المستوى الثاني من المفاوضات بين السوريين سيحظى بفرصة أفضل للنجاح. وذلك لأسباب ليس أقلها أن مسألة تدفق الأموال والأسلحة إلى كل من الحكومة والمعارضة سوف تتم معالجتها. ولا ينبغي لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد أو رحيله أن يكون شرطاً مسبقاً، وإنما نتيجة للمفاوضات، وثمرة لاتفاق بين الطرفين.

ومن شأن أي جزء من أي اتفاق مستقبلي أن يتضمن إعادة توزيع السلطة بحيث لا تعود جماعات الأقليات قادرة على احتكار حياة الأغلبية. فقد تمثلت إحدى سمات الاستعمار ورسم الخريطة الإقليمية في عام 1916 في دعم القوة الاستعمارية لقيادة الأقليات. ولكن هذا لم يعد مقبولاً. ويمكن لعملية إعادة التوازن أن تنطوي الآن على إعادة رسم بنية بلاد الشام السياسية من قبل سكان المنطقة.

وسوف تحتاج الدول المشاركة في الوساطة إلى تشجيع نوع مختلف من الثقافة، لا يتم فيها إجراء التغييرات الإقليمية التي لا مفر منها بالعداء وإزهاق الأرواح. وستدعو الحاجة إلى تسوية مؤقتة جديدة تنطوي على تخلي التشيع عن سيطرته في سوريا في مقابل هيمنته في العراق. كما ستدعو إلى إيجاد تسوية تتضمن مشاركة حقيقية للأقليات في كلا البلدين وفهماً جديداً لمفهوم الهوية.

ولا يمكن لبنية بلاد الشام الجديدة أن تكون متجذرة في هويات "تحتاج إلى القتل" من أجل الوجود. ويرجح لتلك الجهود أن تنجح إذا ما سعى وراءها أولئك الذين هم على دراية بحكاية المنطقة الوطنية والفردية، وليس فقط بـ"السياسة الواقعية" لبنية لم يعد لها وجود.

=======================

معاذ الخطيب والتفاوض على التفاوض

تاريخ النشر: الأحد 17 فبراير 2013

د. رضوان السيد

الاتحاد

تسارعت عروض التفاوض المتبادلة بين الأطراف في سوريا. فبعد خطاب للأسد قبل شهر وضع فيه للتفاوض شروطاً كثيرةً تضمنت مواصفات للمفاوضين ولمحددات التفاوض ولنتائجه المسبقة، قال معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض إنه يقبل التفاوُض مع نظام الأسد بشرط اتخاذ ذاك النظام إجراءات لبناء الثقة تتمثل في إطلاق سراح السجينات، وتجديد الجوازات السورية للموجودين بالخارج! وعلى الرغم من أنّ هذه "الشروط" هي بمثابة الجبل الذي أسفر عن فأر؛ فإنّ النظام لم يأْبَه لهذا العرض السخي الذي بدا أنّ الأميركيين والروس يحبّذونه. وفي حين خاضت فصائل"المعارضة" بالخارج (ولا أقول الثورة، لأنّ المقاتلين بالداخل لم يؤيد منهم أحداً تفاوضيات الخطيب) في تكتيكات الخطيب رفضاً أو قبولاً أو ترجيحاً؛ فإنّ الرجل بدا مستميتاً للحصول على شيء من النظام (وليس من الثوار) يُكْسِبُ خطوته المفاجئة بعض الوزن. ولذا وبعد نهاية المدة التي حدَّدَها، عاد فـ"تحدّى" النظام باقتراح أن تكون الحوارات أو المفاوضات على"رحيل النظام" في المناطق المحرَّرة بشمال سوريا.

وردَّ النظام بسيارة مفخَّخة على الحدود مع تركيا تقصَّد بها وفداً من المجلس الوطني السوري، وبكلام لوزير "المصالحة الوطنية" في حكومة الأسد علي حيدر، يعرض فيه على الخطيب أن يحاوره في جنيف. في حين تبرع نائب وزير الخارجية الروسي أن يرتّب لقاءً بموسكو بين الخطيب ووليد المعلِّم وزير خارجية الأسد، واللذين يزوران روسيا الاتحادية آخِر شهر فبراير!

عندما بدأ هذا الكلام حول "التفاوض" من أجل حلٍّ سلمي قبل شهور وشهور، كان قائده المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي. ويومها، وبعد ثلاثة أشهر من المداولات والزيارات لدمشق، عبَّر الإبراهيمي عن خيبة أمله لفشل النظام في الاستجابة للحدّ الأدنى من مطالب المجتمع الدولي والمعارضة السورية. وفي كلامه أمام مجلس الأمن، بدا الإبراهيمي متبنياً لأُطروحة أو وثيقة جنيف، والتي تقول بحلٍّ سياسي تفاوُضيٍّ بين نظام الأسد والمعارضين. إنما الطريف وغير الظريف أنّ موسكو التي تكلمت دائماً عن وثيقة جنيف، باعتبارها أساساً للحلّ هي التي حالت دون الذهاب إلى مجلس الأمن، واتخاذ قرار تحت الفصل السابع بإنفاذها. وذلك لأنّ الأسد لا يقبل إنهاء العنف فوراً، وإدخال قوات سلام دولية للإشراف على وقْف القتال، والشروع في العملية السياسية المشتركة. ولذا فقد بدا الأُفق السياسي أو التفاوضي مسدوداً، إلى أن طَلَع الخطيب بمبادرته ذات الشروط المنخفضة السقف وإن رمت كرةً خفيفة الوطأة في ملعب النظام. وقد فهمْتُّها في ذلك الوقت – أي قبل أسبوعين- بأنها تحريكٌ للجو الخانق، وربما تُضرُّ بالنظام أكبر من إضرارها بالمعارضين. وبخاصة أن الولايات المتحدة وأنصار النظام السوري، أكثروا من الحديث عن قوى الإرهاب والتطرف بين فصائل الثوار بالداخل السوري!

لكنّ ظهور معاذ الخطيب بالقاهرة مع الإبراهيمي من جهة، وتجديده لدعوة الحوار بعد انقضاء المدة، واستجابة النظام والروس على حد سواء؛ كلُّ ذلك يدفع باتجاه احتمالات أُخرى، دون أن نفترض قصر النظر أو سوء الظن بالخطيب نفسه.

قبل ثلاثة أشهُر شاع لدى الأوساط الغربية والروسية على حد سواء، التوجُّهُ القائل إنّ الروس والأميركيين اتفقوا على الضغط خلال فترة تنتهي في شهر فبراير على "تهدئة" أو وسائل كبح وإرغام على التقدم باتجاه التفاوض. الروس يضغطون على النظام، ويقللون من شحنات السلاح إليه. والأميركيون يضغطون على داعمي الثوار لقبول التفاوض، من طريق تأخير الدعم للحكومة المؤقتة، وعدم إرسال السلاح، وبخاصة المضادّ للدروع والطيران. أما وقد شارفت هذه المدة على الانقضاء، فقد تعمَّد الروس الإعلان عن تتابُع إرسال السلاح الثقيل للنظام؛ في حين لا يزال الغربيون يُعارضون دعم الثوار بوسائل الدفاع عن النفس. وهذا الأمر ذكره الأمير سعود الفيصل في مؤتمره الصحفي مع وزير الخارجية النمساوي بالرياض قبل خمسة أيام. فقد قال الفيصل إنّ على المجتمع الدولي اتخاذ قرار حازم بإنهاء العنف في سوريا، أو تمكين الشعب السوري من الدفاع عن نفسه في وجه النظام القاتل. وهذا كلُّهُ يعني أنّ فترة التهادُن الدولي الضاغط قد انتهت من دون نتيجة، في حين ما تلقّى الثوار الدعم المطلوب منذ عام، وازدادت القوة النارية لدى النظام، وصار الإيرانيون إلى تشكيل قيادة مستقلة بسوريا مكوَّنة من العناصر الإيرانية، ومن فيلق القدس المكون من (إيرانيين وعراقيين)، وكتائب "حزب الله"، فالنظام يُعطى فرصة للمرة العشرين للتغلُّب على الثورة، وبعض جهات المعارضة السورية بالخارج تنوء تحت ضغوط العجز، والحاجة لإظهار الاعتدال، وقبول التفاوض مع النظام بغضّ النظر عن مدى إفادة ذلك للنظام دعائياً على الأقل، وتأثيره على معنويات المقاتلين وغيرهم من فئات الشعب المنتظر للخلاص.

بعد قُرابة العامين على اندلاع الثورة السورية، صارت كل الأمور والمواقف واضحة. فأقصى ما يمكن الوصول إليه مع الروس والصينيين هو تخفيف الدعم للنظام، دونما موافقة على قرار بمجلس الأمن بشأن سوريا. وأقصى ما يمكن الوصول إليه مع الأميركيين، هو المساعدات الإنسانية واللوجستية. وأقصى ما يمكن الوصول إليه مع دول الجامعة العربية، القرارات التي اتُخذت وما نفذها لبنان والعراق والجزائر والسودان. ويبقى الأوروبيان(الفرنسي والبريطاني)، وتركيا والسعودية وقطر والأردنّ. وما فرضت هذه الدول، ولا استبشرت بتفاوُضية مُعاذ الخطيب، ولا بعروضه وصِيَغه المتوالية. فأحمد داود أوغلو قال إنّ الحوار انقضى أوانُه. ووزير الخارجية السعودي قال بقرار دولي حازم أو مساعدة الشعب السوري للدفاع عن نفسه. والفرنسيون والبريطانيون لا يزالون يتحدثون عن رحيل النظام، وإنما الصيغة متروكة للسوريين.

إنّ الكلمة اليومَ إذن لإقدار الشعب السوري وتمكينه من الدفاع عن نفسه، وإعانته تسليحاً وغوثاً وإدارةً على إرغام الأسد وأعوانه على الرحيل. وأوضاع الثورة والثوار صعبةٌ اليوم، وأوضاع المدنيين السوريين بالداخل والخارج أصعب. لكنّ الثوار يتقدمون بشمال سوريا وشرقها. وقد يشهد هذا الشهر الذي نحن فيه اكتمال انسحاب قوات الأسد وشبيحته أو استسلامهم بالشمال والشرق. بيد أنّ الإيرانيين على الخصوص يأملون من طريق إرسال قوات من جانبهم، أن يستطيع النظام "الصمود" بمدينة حلب، باعتبارها منطقة مواجهة وتوازُن مع تركيا. وتقاتل قوات النظام بشراسة لتحافظ على نقاط تمركُز قوية بدرعا والحدود مع الأردن. لكنها ستفقد على الراجح أكثر تلك القدرات خلال شهر أو أقلّ أو أكثر. ولذا فالذي يبقى للنظام والإيرانيين: قلب دمشق، الذي لا يستطيعون التخلّي عنه من أجل" الشرعية" المفترضة، ومناطق أساسية في حمص وحماة للامتداد باتجاه وادي النصارى، والحدود اللبنانية من جهة الهرمل، والمناطق المحاذية لجبال العلويين، والساحل. وبحسب تقارير العسكريين السوريين والأجانب، فإنّ قوات الأسد منهارة المعنويات، وما عادت تأمل بالاستمرار حتى في دمشق، لكنها مستميتة في الدفاع عن المناطق العلوية وحواشيها بالجبال والساحل. ويحاول الإيرانيون زيادة الدعم المادي والعسكري لترميم هذه المعنويات. ويبلغ من طموحهم وتطميناتهم للضباط العلويين أنهم حتى إنْ سقط النظام، فيستطيعون الانفراد أو الانفصال بمناطقهم بحماية إيران. وهكذا فإنّ إيران تحاول خَلْق بؤرة توتر وانفصال جديدة بسوريا شأن ما فعلته بلبنان والعراق واليمن والبحرين وغزة.

على أنّ هذه الأحلامَ كُلَّها، ستنهار حتماً إنْ حصل الشعب السوري بالسرعة القصوى على الدعم العسكري والإغاثي الذي يمكّنه من إسقاط نظامه القاتل في الشهور المقبلة.

=======================

 الثورة إذ تأكل أبناءها باكراً

دمشق ـ عمر قدور

المستقبل

17-2-2013

(إلى روح الشهيد العقيد يوسف الجادر "أبو فرات")

أثار اقتراح رئيس الائتلاف السوري معاذ الخطيب التفاوض مع ممثلين عن النظام، لم تتلوث أياديهم بالدماء، لغطاً واسعاً في صفوف الناشطين السوريين. فالشروط التي وضعها الرجل مسبقاً من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات عُدّت أقل من المطلوب من قبل البعض، بينما تحمس البعض لطرح الرجل، في الوقت الذي رفض فيه آخرون التفاوض مع النظام نهائياً وتحت أي شرط سوى رحيله. كل هذه التباينات من حيث المبدأ كان ينبغي أن تعبّر عن تعدد وغنى الثورة، لو لم يذهب البعض إلى ما يقترب من تخوين الرجل، أو الحطّ تماماً من نضجه وخبرته السياسيين، والأنكى من ذلك أن بعض السهام السريعة أتت من قادة في الائتلاف نفسه على شاشات التلفزيون، مستبقين اجتماعاً للائتلاف في اليوم التالي، فمنهم من طالب الخطيب بالاستقالة، ومنهم من عدّ اقتراح الخطيب مجرد رأي شخصي لا يُعبر أبداً عن الائتلاف الذي يرأسه.

لا بد من التذكير هنا بالسمعة الطيبة والشعبية الواسعة اللتين اكتسبهما معاذ الخطيب بمجرد انتخابه رئيساً، وهذا يذكّر أيضاً بالسمعة الطيبة والشعبية اللتين اكتسبهما من قبله برهان غليون قبيل ومع توليه رئاسة المجلس الوطني المعارض. في الحالتين سرعان ما تم تحميل الشخصين مسؤولية فشل المستوى السياسي للمعارضة، ونالا من التهجم والتجريح ما يبدو مستغرباً إزاء السمعة الطيبة المكتسبة قبل حين. لقد خفت نجم غليون إلى مستوى غير مسبوق، وكان يمكن للخطيب أن يلقى المصير نفسه لو تغلب صقور الائتلاف المطالبين باستقالته، ولا يقتصر ذلك على الرجلين فقط، فقد سبق لشخصيات أخرى أن احترقت سريعاً على مذبح المعارضة، بعضها بسبب أدائه المتواضع، وبعضها الآخر بسبب التنافس الشخصي ضمن تنظيماتهم السياسية، والذي تغلب أحياناً على التنافس من أجل تقديم الأفضل على الصعيد الوطني.

بوسعنا هنا أن نستعير مقولة دانتون عن الثورة التي تأكل أبناءها، وإن كان أصلها يتعلق بالصراع على مغانم السلطة بعد الفوز بها. إذ لا يخفى أن الصراع ضمن المعارضة السورية قد أودى بجزء كبير من طاقاتها، في الوقت الذي كان مطلوباً فيه بشدة أن تتوحد الطاقات من أجل إسقاط النظام، وكان أول الشروخ العميقة هو ما تسببت به تلك التي باتت تدعى بمعارضة الداخل، فاستسهل أصحابها توجيه الاتهامات إلى معارضة الخارج، سواء بالعمالة السياسية أو بالارتزاق بمعناه المبتذل، بل تعدى الاتهام تلك المعارضة لينال من أنصارها على الأرض بتهمة التظاهر لقاء مبالغ مالية محددة. لقد أدى تفاقم هذا الوضع إلى اعتبار مطلب توحيد المعارضة على أهداف واضحة وثابتة مطلباً تعجيزياً، وهو أمر عجزت عنه حقاً قوى دولية وإقليمية!

حتى إذا استثنينا تلك المعارضة التي تراوغ في مسألة إسقاط النظام، فذلك لا يعني اتفاقاً في صفوف الذين ينادون بإسقاطه. في الواقع، لم يحدث في أكثر الثورات انسجاماً عبر التاريخ أن كان الثوار متفقين فعلاً على مآل ثورتهم، إذ من السائد دائماً أن توحّد النقمة على النظام القائم بين المختلفين، فيكون هدف إسقاطه هو نقطة الالتقاء الأبرز، إن لم يكن هو التوافق الوحيد فيما بين مجموعاتهم العديدة. ولعل الثورة السورية لا تبتعد كثيراً عن هذا التوصيف، ومن المرجح أن اتساع رقعتها كان على حساب الانسجام الذي أظهرته تظاهراتها وشعاراتها الأولى، من دون أن نغفل دور القمع الوحشي في زرع التطرف، بخاصة الديني منه لدى بعض الأوساط، فضلاً عن تلكؤ أو تخلي المنظومة الدولية عن مهامها في حماية الشعب السوري؛ الأمر الذي قد يعزز نوعاً من العدمية السياسية على حساب الرؤى المنفتحة على الآخر في الداخل والخارج.

لكن الفهم السابق ينبغي ألا يكون مسوغاً لتبرير حالات القصور السياسي لدى المعارضة، وإن أخذنا أيضاً بالحسبان كونها معارضة مبتدئة لشعب مُنع من السياسة لنصف قرن. فالمتغيرات السياسية الإقليمية والدولية تقتضي حداً أدنى من المواكبة، وحداً أدنى من الاتفاق عند كل منعطف لها. يُضاف إلى ذلك أن النظام راح يستفيق من أثر الصدمة ويكتسب، بمساعدة حثيثة من حلفائه، مهارات في التعامل الميداني والإعلامي مع الثورة. ومن المؤكد أن تشتت قوى المعارضة قد سمح ببروز جهات كانت هامشية إلى وقت قريب، لكنها استغلت الفرصة بسبب قوة تنظيمها وانضباطها، فتنظيم مثل "جبهة النصرة" لم يكن قبل أشهر يحظى بهذا الانتشار الميداني، ولم يكن يحظى أيضاً بهذه التغطية الإعلامية الدولية التي باتت عبئاً على صورة الثورة ككل.

خلال ما يقارب السنتين تراكمت سلبيات المعارضة لترهق الثورة بدلاً من ترجمة شعاراتها إلى أفق سياسي، ولعل هذا أدعى لأن تواجه المعارضة ذاتها وتستدرك أخطاءها بدلاً من صراعاتها الداخلية، لأن فشلها الذي انعكس على الثورة بات يهدد الأخيرة بأثمان باهظة قد يطول دفعها من دماء السوريين وعيشهم. إن اقتراحاً مثل اقتراح معاذ الخطيب، وإن توقفت اشتراطاته الأولى عند إطلاق سراح 160 ألف معتقل، يمكن النظر إليه كخطوة أولى، وليكن كخطوة متعثرة، في سبيل التفكير السياسي الجاد، بخاصة أن الاقتراح لا يصدر عن مشروع سياسي مهادن، أو عن تفريط بالحقوق الكاملة للسوريين أسوة بدعوات الحوار التي أطلقتها جهات أخرى.

هي السياسة المفقودة التي كان يمكن لها أن تدفع بالمختلفين مع اقتراح الخطيب، من ضمن الائتلاف، إلى التريث وعدم الحط من قيمته مسبقاً وعلناً، بل اعتباره كاقتراح قابل للبناء عليه. إذ لا فائدة ترجى من قادة يكررون شعارات التظاهرات، بينما تتطلب القيادة الفعلية ترجمة هذه الشعارات إلى جهد سياسي ودبلوماسي، ولا فائدة من تحصيل الإعانات للشعب السوري المنكوب إن لم يقترن هذا بالحصول على الحد الأدنى من الدعم السياسي، وقد لا يكون من فائدة لهذا كله إن لم يترافق مع انتشال الحالة السياسية للثورة من الفوضى وادعاءات التمثيل الشعبي، لأن ما يمثل الثورة بغالبيتها هي قيم المواطنة والوطن لا تلك التنظيمات العابرة للحدود، ولا تلك المعارضة التي بقيت متطلباتها ما دون الثورة.

في تسجيل له بعد تحرير مدرسة المشاة في حلب، وقبيل موته، يعبّر العقيد "أبو فرات" بدموعه وبصوته عن قسوة النصر على الأشقاء/الأعداء في الوطن، ومن الأولى أن يصدق هذا التعبير بين الأخوة/الأعداء في المعارضة. فأي انتصار في صراعاتها الداخلية، بخاصة تلك الصراعات الشخصية الصرفة، ليست سوى هزيمة على المستوى الكلي، وإذا كانت الثورات تأكل أبناءها بعد الانتصار، فعلى المعنيين أن يؤجلوا صراعاتهم إلى أن يتم إسقاط النظام. إلى أن يحين ذلك يبدو أن قدر الثوار على الأرض هو بذل ما في وسعهم ليكتسبوا شارعاً هنا وموقعاً هناك، وفي الوقت نفسه حماية الثورة لئلا تتحقق مقولة دانتون الأخرى: "في الثورات يظل قابضاً على السلطة من هو أكثر نذالة".

================

انقسام في الإدارة الأميركية حول تسليح المعارضة السورية

المستقبل

17-2-2013

هل سيتوقف التاريخ أمام رفض باراك أوباما تسليح المعارضة السورية، فيعتبر هذا الرفض كواحد من ملامح حكمته، أم كخطأ تراجيدي فادح؟

بصورة مفاجئة، اتخذت المسألة بعداً خاصاً، الأسبوع الماضي، في مجلس الشيوخ، عندما اعترف مسؤولان رفيعان في البنتاغون بأنهم، في صيف 2012، ساندوا هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، ودافيد باتريوس، وزير الدفاع، في توصيتهما بتزويد معارضي بشار الأسد بالسلاح.

والمسؤولان هما ليون بانيتا، وزير الدفاع آنذاك، والجنرال مارتن دمبسي، قائد الجيش الأميركي. وقد أعلنا، في خضم النقاش الذي كان جارياً في مجلس الشيوخ بأن الرئيس أوباما وضع الفيتو على اقتراح هيلاري كلينتون وليون بانيتا.

هذه الخلافات داخل الإدارة الأميركية، بعدما صارت علنية، أحدثت ضجة قوية، الى حدّ أنها تفوّقت على قضية أخرى لا تقلّ حساسية، وهي الهجوم على السفارة الأميركية في بنغازي في 11 أيلول الماضي. والجلسة دامت أربع ساعات بفضل السناتور جون ماكين، خصم أوباما في انتخابات 2008، والمؤيد لتسليح المعارضة السورية. فقد أوصل هذه الجلسة الى ذروتها عندما طرح على ليون بانيتا ومارتن دمبسي سؤالاً: "كم من الناس يجب أن يموتوا قبل أن توصوا بدعم عسكري؟ في آذار الماضي قتل 7500 سوري. والآن بلغنا ستين ألف قتيل سوري!". ثم مفصلاً سؤاله، ثانيةً: هل دعمَ البنتاغون اقتراح السيدة هيلاري كلينتون والجنرال دافيد باتريوس بتزويد المعارضة بالسلاح؟ "هل دعمتم اقتراحهما؟". نعم "دعمناه" أجاب، تباعاً، ليون بانيتا والجنرال دمبسي.

منذ أيام، كشفت صحيفة "الوشنطن بوست" أنه، في صيف 2012، تضافرت جهود وزيرة الخارجية ومدير "السي.آي.إي."، من أجل دعم "خطة" تقوم على "التحقيق المعمق بأوضاع المعارضين السوريين، وعلى تدريب المقاتلين من بينهم، وتزويدهم بالسلاح". وقتها، بدا الصراع كأنه يأخذ منحى جديداً. كان النظام السوري مزعزعاً بعد تفجيرات الثامن عشر من تموز في دمشق، والذي تلاه هجوم على مدينة حلب. القصف الجوي الذي لجأ اليه النظام السوري أعاد ميزان القوى لصالحه(...).

الولايات المتحدة تشرف على تزويد المعارضين السوريين بالسلاح الخفيف؛ وهذا السلاح يأتي من قطر والعربية السعودية عبر تركيا. ولكن واشنطن لا تزوّد هؤلاء المعارضين إلا بأجهزة رؤية واتصال، مناظير وهوائيات. وهي تعارض بشدة تزويدهم بالأسلحة المضادة للطائرات، خوفاً من استخدامها ضدهم لاحقاً.

منذ صدور الفيتو الرئاسي الأميركي على تصدير الأسلحة هذه، استمر المعارضون المسلحون بتسجيل النقاط؛ ولكن بكلفة إنسانية عالية جداً، وبتسلّل التطرّف الى صفوفهم بشكل مقلق. هذا التطور دفع الأوروبيين الى مناقشة احتمال رفع هذا الحظر. والبريطانيون هم أكثر الأوروبيين دفاعاً عن هذه الوجهة. الفرنسيون أقل منهم حماسة، فيما يعارضها الاسكندنافيون بشدّة(...).

أما في الولايات المتحدة، فإن شيئاً لم يصدر عن أوباما، يشي بإمكانية تغيير موقفه. في نهاية الشهر الماضي سألته قناة "سي.بي.إس" عن الموضوع، فأجاب بأنه يصعب عليه حسمه، متابعاً: "نحن لا نقدم خدمة لأحد عندما نستعجل الأمور قبل النظر اليها بتمعّن، أو عندما نأخذ على عاتقنا أموراً من دون التفكير بكافة المسؤوليات المترتّبة عليها".

كان يمكن لاستخدام النظام السوري أسلحة كيميائية ضد حمص الشهر الماضي، أن يثني أوباما عن موقفه. إذ طالما أعلن بأن هذا السلاح هو "خط أحمر"، وله "مضاعفات خطيرة". ولكن وزراة الخارجية أعلنت بعد ذلك انها لا تستطيع التأكّد من استخدام النظام السوري لهذا السلاح.

أما طلائع العهد الجديد، فلا تبدو مختلفة. جون كيري، وزير الخارجية الجديد، أعلن أخيراً: "نحن ننظر إلى أي إجراءات، خصوصاً الديبلوماسية منها، يمكن أن نتخذها للتخفيف من حدة هذا العنف"(...).

 

=======================

كيف سيصمد لبنان مع نزف سوري طويل؟

"القطوعات" الأمنية المتلاحقة تختبر الاستقرار الهش

 روزانا بومنصف

 2013-02-17

النهار

هل يستطيع الوضع اللبناني الصمود مع استمرار النزف السوري طويلاً نظراً الى سقوط التوقعات الخارجية بانهيار سريع للنظام واحتمال انعكاس ذلك على جيرانه وفي مقدمهم لبنان وتوالي التداعيات السورية على وضعه الداخلي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وفي ظل توقعات بأنه كلما طال عمر النظام بدا لبنان الذي يواجه استحقاقات دستورية مهمة على كف عفريت على نحو يلمسه اللبنانيون في يومياتهم ويشعرهم بالخوف والاحباط؟

هناك مخاوف كبيرة وحقيقية في هذا الاطار. وقد بدا السؤال ملحاً في اعقاب مجموعة تطورات اخيرة بعد عبور لبنان قطوعات مختلفة من طرابلس الى عكار فصيدا وبيروت وعرسال. وهذه التطورات تتصل في شكل خاص بتدفق النازحين السوريين والانقسام الحكومي حول كيفية مقاربة هذه المسألة المربكة للبنان الى حد انفلات الامور على الصعيد الامني اليومي في مواقع كثيرة وخروجها عن قدرة مراقبة السلطات اللبنانية اكان في حصول حوادث متفرقة خطيرة او في اعتماد لبنان محطة يمكن اللجوء اليها وربما الانطلاق منها لاحقاً نحو سوريا. كما تتصل في ظواهر امنية وسياسية ساهمت في زيادة نسبة القلق لدى المراقبين المهتمين بالوضع في وقت لا يستطيع أحد في الخارج ايلاء الوضع اللبناني اي اهتمام ولا يرغب في ذلك نتيجة الانشغال الاساسي بالوضع السوري في الدرجة الاولى، فضلاً عن اولويات اخرى بحيث يضغط الجميع على الافرقاء اللبنانيين من اجل حصر الخلافات وابقائها بعيدة عن نقل الصراع السوري الى الداخل اللبناني قدر الامكان او السماح بذلك. وهذه الظواهر يدرجها المراقبون وفق الآتي:

- الحوادث الاخيرة في عرسال التي استفزت المخاوف المحلية والغربية من اقتراب الامور في لبنان حد الخطر الكبير نتيجة عاملين أحدهما ملابسات ما حصل وظروفه وارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالوضع السوري مع تورط او توريط للجيش في مواجهات عسكرية تتحول اهلية، ثم طائفية في منطقة بالغة الحساسية على الحدود السورية، والآخر هو الخطاب السياسي المذهبي الذي قارب بدوره خطوطاً خطرة رفعت منسوب المخاوف من فتنة لم تظهر مستبعدة في ظل التوظيف السياسي الكبير لما حصل، كما رفعت منسوب المخاوف من انهيار القدرة على الامساك بالبلد على رغم تأكيدات رسمية امنية وسياسية للمعنيين من الدول القلقة بأن الامور كانت ولا تزال تحت السيطرة من جانب الجيش وان الافرقاء لا يزالون يلتزمون سقف المحافظة على الجيش وهيبته وسقف عدم الانجرار الى صراع داخلي مباشر على الارض، فضلاً عن ان المعنيين من هؤلاء ساهموا في نزع فتيل الانجرار الى فتنة بدت تلوح في افق الصراع القائم تحت مسميات وعناوين مختلفة. ويقول هؤلاء إن هناك مجموعة اخطاء حصلت على المستوى الحكومي وعلى المستوى العسكري والسياسي ايضاً وساهمت في تسعير الوضع الذي يتم محاولة استلحاقه ليس فقط بمعالجات امنية وسياسية، بل ايضاً قضائية لا تقتصر على موضوع عرسال فحسب، بل على مجموعة ملفات اخرى ايضاً بحيث نشطت الحركة القضائية على نحو سريع في الايام العشرة الاخيرة تفادياً لانهيار مؤسسات الدولة نتيجة فقدان الثقة بوجودها اولا ثم بقدرتها على القيام بما يتعين عليها القيام به.

- ان الحكومة بدأت تنزلق بقوة بعيداً عن سياسة "النأي بالنفس" التي وجدت لها دعماً قوياً من الخارج ابتعاداً بلبنان عن الوضع السوري مما قد يعرض الوضع الداخلي لاهتزاز كبير تبعاً لرد الفعل الشعبي على اتاحة الحكومة ووزارة الطاقة عبور شاحنات المازوت الى النظام السوري على نحو يناقض التزام لبنان سياسة "النأي بالنفس" ولو استخدمت الحكومة ذريعة عدم قدرتها على ضبط حرية القطاع الخاص، كما يتسبب بانهيار صدقية الحكومة خارجياً في هذا الاطار مع ما يمكن ان ينعكس ذلك على لبنان عربياً في الدرجة الاولى، بل ان مصادر وزارية تتحدث عن شكل حكومة اكثر منها حكومة في ظل قطاعات يديرها كل وزير على حسابه ولمصالحه او مصالح فريقه. وقد لفت المراقبين سعي رئيس الجمهورية الى الابقاء على مبدأ النأي بالنفس حياً من خلال اصراره على منع تسليم اي موقوف او متهم سوري الى بلاده في هذه المرحلة لاسباب انسانية تصحيحاً لاخطاء في هذا الاطار قد تعرض لبنان لانعكاسات سلبية داخلية وخارجية كثيرة وذلك في حين يستمر التمسك بالحكومة وبقائها على علاتها منعاً لأي اهتزاز للاستقرار الداخلي وحتى الاقليمي عبر لبنان في هذه المرحلة.

- ان الجانب المتعلق بتمرير اسلحة سورية الى "حزب الله" والانخراط الايراني الفعلي والقوي الى جانب النظام دفاعاً عنه او دعماً لبقائه في السلطة بالاستناد الى ما اعلنه مسؤولون ايرانيون كبار كان آخرها اغتيال المسؤول الايراني حسن شاطري الذي اعتبره المتحدث باسم مرشد الجمهورية الاسلامية ابان مأتمه بأنه بمثابة عماد مغنيه لايران يظهر جانباً يفترض انه معروف ومسلم به عن استماتة ايران في الدفاع عن اوراقها الاستراتيجية في سوريا، وتالياً لبنان. الاّ ان انكشاف مدى الانخراط الايراني وعلنيته يستتبع تزايد الحزم العربي، خصوصاً على منع ذلك في ظل مواجهة اكتسبت هذا الطابع بعد عسكرة الثورة السورية ودخول الدول الاقليمية والدولية على خط الازمة مباشرة. وفي هذا الاطار لا يشكل لبنان استثناء لجهة المواجهة القائمة على رغم تمسك كل الافرقاء الاقليميين والدوليين بالاستقرار اللبناني راهناً بالتزامن مع الوضع السوري. الاّ ان هذا الاستقرار ومداه وابعاد لبنان عن المواجهة محكه الترجمة العملية للمحافظة عليه في ظل الاستحقاقات المقبلة من جهة وامكان التنازل سياسيا لتمرير هذه الاستحقاقات على نحو يؤمن مواصلة الاستقرار ومقدار هذا التنازل من اجل تأمينه من جهة اخرى من دون المس بسلاح "حزب الله" او موقعه من ضمن المعادلة السياسية غير المطروح بحثه بالنسبة الى ايران او بالنسبة الى الحزب، علماً انه يشكل أحد أبرز عناصرها الخلافية راهناً وفي جوهر الاستحقاقات المطروحة. فهناك اقتناع بان ايران لا ترغب في فتح مشكلة في لبنان راهناً في موازاة المواجهات التي تخوضها على جبهة ملفها النووي.

- ان احتمال فشل الافرقاء السياسيين في الاتفاق على قانون انتخاب يخشى ان يشكل دليلاً على استحالة اتفاق اللبنانيين من دون ضغط خارجي او رعاية خارجية بما يؤشر الى اعتبار لبنان دولة فاشلة. ولهذا الاعتبار ايضا انعكاساته التي يرى المراقبون وجوب اخذها في الاعتبار.

=======================

العراق سورية لبنان والمواجهة مع إيران

ياسر أبو هلالة

الغد الاردنية

17-2-2013

 من أسوأ كوارث العرب في العصر الحديث الحرب العراقية الإيرانية. صحيح أن تلك الحرب كانت خطأ تاريخيا لصدام حسين تسبب في تدمير البلدين، لكنه لو لم يقم بتلك الحرب الاستباقية لبادرته بها إيران. وبعد الحرب تأكد أن نوايا إيران ليست دفاعية، فقد كانت تعلن أن الطريق إلى القدس يمر بالبصرة، كذلك لم تكن نوايا صدام دفاعية إذ أعلن عن تحرير الأحواز، وبعد الحرب استكمل طموحاته التوسعية باحتلال الكويت وضمها إلى العراق.

 في أثناء الحرب؛ عمل الغرب على إطالة عمرها باعتبارها حربا بالوكالة لتدمير أكبر بلدين معاديين لإسرائيل في المنطقة. ولإطالة عمر الحرب شهدنا كيف زار رامسفيلد العراق وزوده بالسلاح، تماما كما زودت إسرائيل إيران بالسلاح كما في فضيحة إيران كونترا. وبالنتيجة انتهت الحرب، ليستكملها صدام بالكويت، وفي الحربين كان نظام الأسد الأب في دمشق يقف ضد البعث في العراق، وشارك القوات الأميركية في حفر الباطن في قتال الجيش العراقي.

 بالمجمل، دمر العراق على يد الأميركيين الذين تمكنوا من احتلاله وحل جيشه وإعدام صدام حسين. وتحت ضربات المقاومة انسحب الأميركيون من العراق، ليتركوه إلى إيران التي استكملت ما عجزت عنه في الحرب العراقية الإيرانية، فهي تتعامل مع المنطقة باعتبارها وفق عقيدة الحرس الثوري "ساحات الصراع مع العدو"، وعليه كل الطرق تؤدي إلى القدس، من بغداد ودمشق وبيروت والقاهرة ..وصولا إلى الحوثيين في اليمن. من المهم هنا وضع إضاءة ساطعة على ناقلة النفط المحملة بالسلاح الإيراني التي ضبطت في ميناء عدن.

 طموحات إيران لم تعد خطابات تردد في صلاة الجمعة في طهران، اليوم يمسك قاسم سليماني المسؤول عن مركز القدس في الحرس الثوري بمقاليد السلطة في العراق وسورية ولبنان. له لا لغيره الكلمة العليا. وحضور إيران يكاد يكون احتلالا عسكريا، وليس مجرد نفوذ مذهبي وسياسي واقتصادي. وهو ما تحققه في كثير من دول المنطقة بما فيها الخليجية رهبا أو رغبا.

 لقد ظلت إيران تتمدد بالمنطقة بهدوء، بل وبترحيب من أبناء المنطقة في ظل الصراع العربي الإسرائيلي. فالتناقض الوجودي مع المشروع الصهيوني أجّل التناقضات الثانوية سياسيا ومذهبيا. واستغلت إيران هذه المشاعر بشكل ذكي، وبعد حرب تموز كان حسن نصرالله ، وهو الوكيل الشرعي للمرشد الخامنئي، الزعيم الأكثر شعبية في العالم العربي. ولم تنفك حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من حركات المقاومة عن شكر إيران على دعمها للمقاومة ولغزة المحاصرة.

 في 18-3 - 2011 عندما سال الدم السوري في درعا ارتكبت إيران الحماقة الكبرى في تاريخها بعد الثورة. فبدلا من الانحياز للشعب السوري الذي وقف مع المقاومة، واستقبل أبناء الجنوب اللبناني في بيوته من درعا إلى دمشق وحمص.. أو أخذ مسافة عن النظام، وقفت إيران بكل قوة مع بشار الأسد. وتصرفت باعتبارها قوة احتلال. لا قوة حليفة لمواجهة العدو. وبعد عامين من الثورة اتضح أن الشعب السوري يواجه، كما الشعب العراقي، احتلالا لا مجرد استبداد.

 ليس مطلوبا من الشعوب العربية القبول بالتدخل الإيراني لأن الإيرانيين جيران وشركاء وإسرائيل عدو، بل على العكس، الاحتلال هو الاحتلال، صدام احتل الكويت وهو عربي وسني، وكان يجب أن ينهى الاحتلال ويحاسب صدام، وهو الزعيم العربي الوحيد الذي خططت إسرائيل لاغتياله. حافظ الأسد احتل لبنان، واحتفل لبنان كله بخروج الجيش السوري من لبنان.

 على إيران أن تدرك أن الاحتلال ينتهي بالمقاومة، لكن الشراكة الحضارية مع العرب لا تنتهي، والصراع معها ينتهي بهزيمتها وانسحابها، وبعدها يمكن التحالف معها لمحاربة العدو الصهيوني الطارئ على المنطقة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ