ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 09/02/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

08-02-2013

العالم الإسلامي و"الثبات" السعودي

الوطن السعودية

التاريخ: 08 فبراير 2013

الثبات على المواقف، هو أبلغ وصف يمكن أن توصف به كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمام مؤتمر القمة الإسلامية الثانية عشرة بالقاهرة، التي ألقاها ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز، إذ جددت هذه الكلمة التأكيد على أن المواقف السعودية لا تتلون بحسب الأزمنة، وإنما تزداد ثباتا مع مرور الوقت.

الموقف السعودي مما يحدث في سورية، ومن طريقة تعامل المجتمع الدولي مع الأحداث هناك هو ذاته منذ فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار حازم، إذ أكدت الكلمة على أن المجلس ما زال مشلولا حتى الآن بسبب معارضة روسيا والصين للعقوبات أو القرارات التي يتحتم اتخاذها لإنهاء الأزمة. والقول بفقدان الأمل في مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة سبق أن صدر عن خادم الحرمين الشريفين بعد تعنت روسيا والصين ووقوفهما في وجه أي قرارات أو عقوبات تسهم في نقل السلطة في سورية، وتحقن دماء الشعب السوري، وهو قول يتسم بالشفافية المطلقة مع المجلس العاجز عن النهوض بدوره، مما يجعل الأمتين العربية والإسلامية أمام مسؤولياتهما تجاه ما يحدث في سورية.

أما القضية العربية والإسلامية الرئيسة، قضية فلسطين، فقد كانت – كالعادة ـ على رأس الاهتمامات، بيد أن التوسع الاستيطاني الذي تمارسه إسرائيل كان الموضوع الأهم في الكلمة؛ ذلك لأنه يمثل حجر الارتكاز في أي مفاوضات، إذ لا يمكن استئناف المفاوضات إلا بعد إيقاف الاعتداء على الأراضي الفلسطينية بوصفها مدار الخلاف، وأنموذج سلب حقوق الشعب الفلسطيني.

إن ما تعانيه الأمة الإسلامية من الفرقة والشتات ناجم – في جل حالاته ـ عن تشرذم فكري ومذهبي، وليس له من دواء سوى الحوار بشقيه: "حوار المذاهب الإسلامية"، و "حوار الأديان والحضارات"، وهما المشروعان اللذان يتبناهما خادم الحرمين الشريفين، ويراهن عليهما بوصفهما طريقا إلى إزالة الاحتقان، والوقوف في وجه التطرف والتعصب المؤديين إلى الصراعات والفرقة، وليس أمام العالم الإسلامي سوى اتخاذ الحوار وسيلة للتفاهم والتقارب من أجل الوصول إلى المشتركات الفكرية التي توحد ولا تفرق.

========================

القمة الإسلامية والمفاجأة السورية

ممدوح طه

التاريخ: 08 فبراير 2013

البيان

ما بين القمة الإسلامية الأولى في الرباط، عقب جريمة حرق المسجد الأقصى المبارك في أغسطس عام 1969، بعد عامين من احتلال إسرائيل لمدينة القدس العربية في عدوان يونيو 1967 والذي انتهى باحتلال الضفة الفلسطينية، وسيناء المصرية، والجولان السورية، وبين القمة الإسلامية الثانية عشرة التي اختتمت أعمالها، أمس، في القاهرة، جرت مياه كثيرة، واندلعت حرائق كبيرة، وتغيرت معالم كثيرة، وتراكمت الأزمات، وتضخمت الملفات أمام المؤتمرات، لكنها بقيت دون حلول حاسمة!

وهذه القمة انعقدت في ظل متغيرات دراماتيكية، اجتاحت تونس ومصر وليبيا واليمن وتتواصل على سوريا، صعدت إلى السلطة فيها جماعات وأحزاب إسلامية إخوانية وسلفية، بوسائل انتخابية في تونس ومصر، ووسائل مختلفة في ليبيا واليمن، في ما وصفه البعض بالربيع العربي جغرافياً، والآخر بالربيع الإسلامي أيديولوجيا..

رغم أن ما صنعته هذه الجماعات من أزمات دستورية وسياسية واقتصادية وأمنية خطيرة، جعلته أقرب إلى صقيع الشتاء من دفء الربيع، وإلى الصيف الحارق من رياح الخريف! وبينما أكتب هذه السطور قبيل افتتاح هذه القمة الثانية عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي، التي تنعقد برئاسة مصر في ظل ذات الأزمات المتفجرة على سطح صفيح ساخن، فقد طرحت أمام القمة ملفات تتضمن قضايا مهمة، مثل كيفية مواجهة التحديات الخارجية والأزمات الداخلية.

واستعادة الوحدة الإسلامية، وتفعيل الحوار بين المذاهب الإسلامية، والبحث عن حلول سياسية واقتصادية وإنسانية عادلة وعاقلة، وقابلة للتحقيق، تتعلق بالقضايا والأزمات الملحة في الدول الإسلامية.. ومنها أتوقف أمام ملفين رئيسيين؛ الفلسطيني والسوري.

وإذ جاءت القضية الفلسطينية في المقدمة باعتبارها قضية القضايا العربية والإسلامية، والتي ظلت بنداً ثابتاً على أجندة القمم الإسلامية العادية والاستثنائية السابقة، واحتلت صدر البيانات التي صدرت على مدى الثلاثة والأربعين عاماً الماضية، وهي حماية المسجد الأقصى من مخططات المستوطنين المتطرفين الصهاينة للعدوان عليه، ودعم صمود مدينة القدس ضد مخططات التهويد عبر إقامة المستوطنات لتغيير الطبيعة الديمغرافية والتاريخية للمدينة المقدسة.فإن من المثير للاستغراب أن نص القرار الذي لم يتغير وظل ثابتاً ربما بنفس العبارات في ما يتعلق بهذه القضية، لم يتغير معه الواقع على الأرض الفلسطينية المحتلة على مدى كل هذه المؤتمرات وعلى امتداد كل تلك الأعوام إلا قليلاً؛ سلبياً بتصاعد عمليات الاستيطان اليهودية دون توقف، وإيجابياً بفعل المقاومة الفلسطينية، وليس القرارات السياسية، بإجبار المحتلين الصهاينة على الانسحاب من غزة مع بقاء الحصار الغاشم على القطاع.

ولا نغفل هنا ما بذل من جهد وما قدم من دعم في هذا المجال لمساعدة الشعب الفلسطيني على الصمود، سواء في الضفة المحتلة أو في غزة المحاصرة، وفي دعم عضوية فلسطين للمنظمة الدولية، إلا أن النتيجة الواقعية المؤسفة هي أن قادة 57 دولة إسلامية تضم نحو مليار ونصف المليار مسلم، لم يستطيعوا على مدى هذه العقود تغيير الواقع على الأرض، حيث القدس ما زالت محتلة، والأقصى ما زال أسيراً، والدولة الفلسطينية لم تقم بعد، رغم مبادرة السلام العربية وكل القرارات الأممية، بسبب غياب الوحدة الإسلامية.

والانشغال بالمعارك المذهبية بين الأشقاء عن التصدي الموحد لاعتداءات الأعداء، ولمؤامرات الفتن والفوضى والانقسامات التي يحركها حلفاء الأعداء! وفي ملف الأزمة السورية، بدا فجأة أن هناك ضوءاً مرئياً في نهاية النفق المظلم، ليس بفعل هذه القمة الإسلامية العادية في القاهرة، ولا الاستثنائية التي سبقتها في مكة المكرمة التي علقت عضوية سوريا في المنظمة الإسلامية.

وليس بفعل الجامعة العربية التي عجزت عن مواجهة الأزمة السورية برؤية واقعية وقابلة للتنفيذ، توقف الاقتتال الدامي وعمليات الهدم والتدمير، فزادت الأزمة اشتعالاً وجرت الدماء أنهاراً، ولم تعد الجامعة جزءاً من الحل الذي جاء من ميونخ الألمانية، في شكل مفاجأة مدوية سبقت القمة الإسلامية بيومين، وكنت أتمنى أن يكون ضمن نتائجها!

صاحب المفاجأة هو إمام المسجد الأموي السابق ورئيس الائتلاف السوري الحالي، أحمد معاذ الخطيب، الذي أعلن اقتراحه الجريء بإجراء مفاوضات مباشرة مع النظام السوري، لوقف نزف الدماء وللتوصل إلى حل سياسي يحقق للشعب طموحه ويحفظ للوطن وحدته، بل وطالب الرئيس بشار الأسد بإيفاد نائبه فاروق الشرع لبدء الحوار، ليخطف الأضواء والاهتمام في الاجتماعات الأربعة التي أجراها مع وزراء خارجية كل من روسيا وإيران والاتحاد الأوروبي ونائب الرئيس الأميركي جو بايدن، بتنسيق الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي والعربي لسوريا.

هذه المبادرة التي تشكل تحولاً بارزاً في مسار حل الأزمة، والتي تجاوزت كل المبادرات العربية أو الإسلامية السابقة، حظيت بدعم دولي ناتج عن تفاهم روسي أميركي على ضرورة التحرك عملياً وسريعاً نحو الحل السياسي.

وذلك لانسداد آفاق الحل العسكري، وخطورة استمرار العنف العبثي ونزف الدم المجاني للشعب السوري، بسبب الاقتتال بلا نتيجة بين المسلحين والثائرين والجيش السوري، وذلك بناء على حصيلة ما توصل إليه الإبراهيمي من ضرورة اعتماد «بيان جنيف» الذي اعتمد الحل السياسي واستبعد الحل العسكري.

وبينما حظيت مبادرة الخطيب التي كسرت الجليد بين المعارضة السورية وكل من موسكو وطهران، وفتحت الباب لحل الأزمة السورية وبدء الحوار الوطني، وصولاً إلى تحقيق التغيير الديمقراطي بتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، بأقل الخسائر وبأقصر الطرق وفي أسرع وقت، بالتشجيع والدعم من الدول المتصلة بالأزمة.

فقد وقعت تلك المبادرة الإيجابية كالصاعقة على رؤوس بعض أطراف المعارضة، كالإخوان المسلمين والمجلس الوطني، وصدرت من عدد من الشخصيات تلك الأطراف تصريحات تتهم الخطيب بأنه «أعلن فشل الثورة السورية، وقصم ظهر الائتلاف الوطني»!

لكن الأغرب كان رد الفعل التركي وبعض الأطراف الإقليمية الأخرى، حيث صدرت تصريحات مرتبكة تشكك في جدوى الحل السياسي، من أبرزها تصريح لوزير الخارجية التركي داوود أوغلو، في حين خالفه أمين منظمة التعاون الإسلامي إحسان أوغلو بالقول: إن «الحل السياسي يظل هو الخيار الوحيد المطروح علي الساحة، مهما احتدمت الأوضاع الأمنية السورية، وهو المخرج الوحيد للأزمة، والبدائل ستكون مرعبة وتأثيراتها سلبية في المنطقة كلها».

وهكذا بدا للجميع أنه لا حل للخلافات والانقسامات على المستوى الوطني والقومي والأممي، إلا الحل السياسي عبر الحوار.. وأن لا صوت معقولاً ولا مقبولاً بات يعلو فوق صوت الحوار الوطني والعربي والإسلامي.

========================

جوع السوريين الى السياسة والمشاركة\

فايز سارة

المستقبل

8-2-2013

لا شك ان كثيرا من متابعي الوضع السوري، يسألون عن السر في صمود السوريين امام آلة القتل والدمار، بالتزامن مع استمرار اصرارهم على تحقيق هدف ثورتهم من اجل الحرية والكرامة، وتغيير حياتهم بما يضمن تغيير نظامهم، وبناء نظام جديد، يرسم ملامح دولتهم المقبلة باعتبارها دولة ديمقراطية تعددية، توفر العدالة والمساواة والتقدم لمواطنيها دون استثناء او تمييز من اي نوع كان.

ورغم ان جواب السؤال حول استمرار ثورة السوريين حافل بالمعطيات والحيثيات والتفاصيل، فان الاهم فيها قد يكون حقيقة رغبة السوريين في استعادة السياسة الى حياتهم باعتبارها علما وفن ادارة المجتمع وتصريف الشؤون العامة، وطموحهم في المشاركة بادارة شؤون حياتهم ورسم ملامح وطنهم وفق ما يرغبون ويشتهون من خلال امكاناتهم المتاحة والكامنة، وتفاعلات تنوعهم السكاني الغني اللذين يرسمان افقا مهما للحياة والمستقبل السوري، لايتجاوز تجربة النظام الحالي المدمرة فقط، بل يتجاوز ماخلفه من مآس ودمارات على السوريين وفي حياتهم.

لقد عكست هتافات السوريين الاولى في درعا للحرية والكرامة وانتقالها السريع الى حمص وبقية المدن والقرى، رغبة التغيير لدى الشارع السوري، وهو امر جرى بعيداً عن التأثير المباشر للجماعات السياسية، بل اعضاء تلك الجماعات بما فيها أعضاء جماعات المعارضة، لم ينتظروا سؤال قيادتهم، وانخرطوا في الحراك الشعبي رغم كل ما احاط بحراكهم من اخطار، لم يكن اطلاق الرصاص على المتظاهرين سوى واحد منها، بل كان الاعتقال بما يرافقه من عذاب وتدمير جسدي ونفسي هو الاسوأ فيها.

وبدا من الطبيعي، ان يبحث الحراك الشعبي المستقل عن الجماعات السياسية المعروفة عن ادواته التنظيمية في ادارة الصراع مع النظام في الجانبين التنظيمي والسياسي، ومن ذلك بدأت تظهر التكوينات التنظيمية الاولى للحراك الشعبي ممثلة بالتنسيقيات باعتبارها هيئات منظمة، هدفها تنسيق الجهود المشتركة في ادارة التظاهرات والاعتصامات والمساعدة في انجاحها من الناحية التنظيمية، ثم امتد الاهتمام لاحقاً الى الناحية الاعلامية، وهو اهتمام صار اساسياً في وظيفة التنسيقيات، قبل ان يشمل اهتمامها قضايا التأمين المادي والاغاثة بانواعها وغير ذلك من مهام فرضها الواقع واحتياجاته، وهو امر فرض تطوراً جديداً في موضوع التنسيقيات، وهو البحث في تنسيق جهودها، مما قاد الى تجميعها سعياً وراء توحيدها، فولدت مستويات من وحدة التنسيقيات، كان الابرز فيها وحدات في مستوى المناطق والمحافظات، وكانت كثيرة، ثم وحدات على المستوى الوطني، ومنها تأسيس لجان التنسيق المحلية، والهيئة العامة للثورة السورية، وبهذا اكمل الحراك الشعبي السوري صناعة شكل جديد ومميز من اشكال التعبير عن حراكه الخاص.

غير ان هذا التعبير بأهميته في ظروفه ووظائفه، لم يستطع ان يغطي احتياجات اخرى للحراك الشعبي، خصوصاً في ما يتعلق بالجانب السياسي، والسبب الرئيس في ذلك التشكيك او الرفض المسبق للسياسة وجماعاتها الذي ظهر في اوساط قطاع من نشطاء الحراك الشعبي في صفوف الشباب، وتصوراتهم عن المعركة مع النظام، وانها يمكن ان تنتهي الى النصر من خلال تظاهرات واعتصامات ونشاط شعبي غير سياسي، وهي تصورات ثبت انها غير صحيحة، بل مضرة ايضاً، وهو ما احست به كثرة من كادرات الحراك الشعبي، وحاولت تجاوزه عبر واحدة من وسيلتين او بهما معاً، كانت الاولى اعطاء المسائل السياسية اهمية ومكانة افضل في اهتمام التنسيقيات وامتداداتها، والثانية انخراط العديد من التنسيقيات في علاقات سياسية او الدخول في تحالفات سياسية في مستويات محلية ووطنية عامة، كما في دخول لجان التنسيق المحلية والهيئة العامة للثورة السورية في الائتلاف الوطني.

والى جانب الخط الذي مثلته التنسيقيات في حراك السوريين، برز خط اخر في الحراك، هو خط العمل السياسي، وفي هذا السياق برز مساران، كان المسار الاول ما قامت به الجماعات السياسية، ولاسيما قوى المعارضة السورية للتوافق مع الحراك الشعبي عبر تواصل مع الجماعات المدنية والاهلية ومع التنسيقيات، وعبر دفع كادرات منها او تشجيعها للحضور في قلب الحراك الشعبي او على ضفافه، وهذا ما حدث من قوى واحزاب معارضة، حاولت اثبات وجودها في الحياة السياسية في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين، والاشارة هنا الى اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي وكل من حزب الشعب الديمقراطي وحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي الذين تواجدوا في مناطق رئيسة للحراك الشعبي ولاسيما في درعا ومحافظة ريف دمشق.

اما المسار الثاني في توجه الحراك الشعبي نحو السياسة، فقد ظهر في مساعي نشطاء وفاعلين في الحراك الشعبي او على حوافه لاقامة وتنظيم احزاب وجماعات سياسية، وهو امر اخذ يظهر بعد اشهر فقط من اندلاع الثورة، ومازال مستمراً ومتصاعداً، حيث شهدت سوريا واوساط الجاليات السورية في الخارج ولادة عشرات من الاحزاب والجماعات السياسية من الاتجاهات المختلفة الليبرالية واليسارية والاسلامية والقومية، والتي غلب على اهتماماتها موضوع الثورة وآفاقها وسبل حلها ومعالجتها، او كانت الثورة سبب تأسيسها، وفي هذا السياق ولدت احزاب وجماعات تطالب باسقاط النظام واقامة دولة ديمقراطية تعددية مثل المنبر الديمقراطي السوري، كما ولدت جماعات وسطية تدعو الى حل وسطي عبر الحوار مثل التيار الثالث، ولم تكن السلطات السورية بعيدة عما يمور به الحراك الشعبي من توجهات سياسية، فحاولت الامساك بجزء من الحراك السياسي عبر اعطاء تراخيص لعدد من الاحزاب الجديدة طبقاً لقانون الاحزاب الذي صدر في العام 2011، وقد تفاوتت مواقف هذه الاحزاب من الاحداث السورية، فاتخذت بعض هذه الاحزاب مواقف مناهضة للسياسات الرسمية مثل حزبي التضامن والانصار، وبعضها تبنى مواقف السلطات السورية او كان قريباً منها مثل حزب سوريا الام.

لقد بدا للحراك الشعبي ولكثير من السوريين، ان الحراك المدني والسياسي اعجز من مواجهة النظام وممارساته العنيفة في القتل والجرح والتدمير، وبالتالي عدم القدرة على اسقاط النظام والانتقال الى المرحلة الثانية في الثورة السورية، وهو اقامة الدولة الديمقراطية التعددية دولة كل المواطنين السوريين، الامر الذي دفع نحو التوجه الى العسكرة واقامة التنظيمات المسلحة، التي بدأت في هدف بسيط معلن، هو حماية التظاهرات السلمية، ثم ذهبت الى هدف اسقاط النظام واقامة دولة ديمقراطية تعددية، قبل أن ترفع بعض التنظيمات المسلحة شعار الدولة الاسلامية على نحو ما تبدو شعارات جبهة النصرة لبلاد الشام واخواتها من التنظيمات السلفية.

ومما لا شك فيه، انه لم يكن بالامكان التحول الى مسار العمل العسكري بدلا من مسار الحراك الشعبي والسياسي، لولا ظروف وشروط احاطت بهذا التحول، وقامت بدفعه بقوة كبيرة، كان اولها وابرزها ضغط النظام لدفع الحراك الشعبي نحو التسلح والعسكرة، وهو نهج بدأ منذ الايام الاولى للثورة ليس فقط بالحديث عن السلاح والمسلحين والجماعات الارهابية والدعم الخارجي لها، انما ايضاً بتشجيع التسلح والقيام بتسليح مناطق او فئات معينة، مما يحرض آخرين على القيام بذلك وهو اسلوب مازال مستمراً، والامر الثاني ضرب وتدمير بنى النضال السلمي والسياسي، وشن حملات القتل والاعتقال والعمل على هجرة وتهجير كوادر الحراك السلمي والسياسي والذي يقال ان عددهم بلغ نحو مائة الف شخص في العامين الماضيين، وهو ما تزامن مع تصعيد عمليات التدمير الواسع لحواضن التظاهرات في المدن والقرى السورية، وكله دفع لنمو انصار خط العمل العسكري في قلب الحراك الشعبي، والعامل الثالث، كان في بروز ظاهرة الانشقاق عن المؤسستين العسكرية والامنية للنظام، ورغبة المنشقين من الجنود والضباط في لعب دور في الثورة، وهو دور مرتبط بما يعرفونه وبخبراتهم في هذا المجال، وثمة عامل رابع واخير، لايمكن تجاهله، وهو دور القوى الخارجية وبعضها من القوى السياسية السورية في المنفى في استعجال اسقاط النظام عبر القوة، اذ هو تكريس لنهج قديم على ماهو عليه الاخوان السوريون الذين وجدوا في هذا عودة لهم الى ساحة العمل في الداخل مستفيدين من دعم مالي ولوجستي من قوى اقليمية راغبة باسقاط النظام بأي وسيلة كانت.

لقد ولدت من رحم تلك الظروف، اولى تنظيمات المعارضة المسلحة، فكان تنظيم الضباط الاحرار الذي اعلنه حسين الهرموش اثر انشقاقه عن الجيش السوري، وتحول انشقاقه وتجربته الى ايقونة قامت عليها تجربة الجيش السوري الحر بقيادة رياض الاسعد وما بعده، وقريباً منها زمنياً ومكانياً، ولدت تنظيمات مسلحة من متطوعين، تحولت كتائب والوية بعضها اتجه للتوافق ولو اسمياً مع الجيش الحر، فيما ذهب آخرون الى الابعد، فاقاموا تنظيمات وجماعات، اتخذ بعضها خط السلفية الجهادية، وتمثل بعضها تنظيم القاعدة او اعتمد خطاً قريباً منه على نحو ما ظهرت تجربة جماعة النصرة لاهل الشام.

خلاصة القول، ان مسار السوريين في العامين الاخيرين وفي ظل ثورتهم العظيمة، انما كان يعكس في الاهم من وجوهه جوع السوريين الى السياسة، التي لم يحرمهم النظام منها فحسب على مدار عقود متواصلة، وانما دمر كل ما يتصل بها من فكر ومؤسسات وشخصيات، وحولها الى جريمة بدل ان تكون عملية سامية اساسها ترسيخ علم وفن وتجربة ادارة المجتمعات البشرية، كما ان ما جرى يعكس رغبة السوريين بالمشاركة في شؤون حياتهم ورسم مستقبل بلدهم، في ان يكونوا بشراً فاعلين، وليس مجرد متلقين، وهو ما كرسته سياسة نظام البعث منذ وصوله الى السلطة قبل خمسين عاماً.

ان اخطاء ومشاكل كثيرة ظهرت في تجربة السوريين في السير نحو السياسة والمشاركة في العامين الاخيرين، وبعضها اخطاء لا شك كبيرة، لكن تجربة سورية مهمة في الحياة تولد من عمق الجفاف والدمار الذي احاط بالسوريين، ولا يخفف من اهميتها ذلك الثمن الفادح الذي يدفعونه من ارواحهم وممتلكاتهم ومن مستقبلهم.

========================

القاهرة وطهران وعمق الهوّة

الياس الديري

2013-02-08

النهار

محمود أحمدي نجاد في القاهرة، وفي الأزهر الشريف، حيث يصغي إلى الإمام الشيخ أحمد الطيّب؟

ضجَّت العاصمة المصريَّة  للمرّة الأولى، ومنذ ثلاثين عاماً، بوصول رئيس إيراني إليها فيما هي غارقة بالأزمات والتظاهرات والاصطدامات... رفضاً للحكم "الإخواني"، واعتراضاً على الاجراءات والقرارات المتّسمة بالتشدّد والأصولية والسلفيّة...

بصورة عامّة وخاصّة وبيْن بيْن، لم تكن الزيارة الأولى لنجاد أقرب إلى شربة ماء، أو لا تختلف عن يوم مميَّز من أيّام شمّ النسيم. بل جُبهت واستُقبلت بوابل من الأسئلة التي لا تخلو من ال|إحراج وتثبيط الهمّة، والتي لا يملك الرئيس الإيراني أجوبة واضحة ومقنعة عنها.

حتّى بعض الفضائيَّات بقَّت البحصة منذ اللحظة الأولى لوصوله، متسائلة هل أن الزيارة ستحاول التأسيس لمشروع علاقات جديدة بين القاهرة وطهران، على رغم التناقض الكبير بين النظام الإخواني في مصر ونظام الملالي في إيران؟

فهل عنده ما يقوله لمصر القلقة على كل شيء فيها ومن كل شيء يزيد طينها بلّة، وللمصريّين الذين لا تزال ألوف منهم تقيم في ميادين الاحتجاج وساحاته... وضد حكم "الإخوان".

حتّى أنَّ بعض المعلِّقين والكتّاب تساءل ما إذا كان أحمدي نجاد قصد القاهرة في مناسبة مؤتمر القمّة الاسلامي و"الرباعيّة الإسلاميّة"، ليوجِّه من هناك رسائل برسم الغرب والشرق معاً.

لكن ذلك كله في كفَّة، وما سمعه الزائر الإيراني من شيخ الازهر في كفة وحده. وكفيل بأن يجعل حكم الملالي ومراجعه الرئيسيّين يعدّون للعشرة والمئة، وخصوصاً حين طالب الطيِّب طهران، وبصوت متماسك ومسموع، بعدم التدخُّل في شؤون الخليج العربي ودوله، وتالياً احترام سيادة هذه الدول والكفّ عن توجيه التهديدات إليها، زرافات ووحدانا.

مما دفع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني للتعبير عن "اعتزازه واعتزاز الخليج بموقف الأزهر الشريف، ومصارحة الشيخ الطيّب لأول رئيس إيراني يطأ أرض الكنانة منذ أكثر من ثلاثين عاماً".

كثيرة هي الأصوات، ومتعدّدة هي الأقلام التي سارعت الى إصدار الأحكام على هذه الزيارة...

فضلاً عن أن الكثير من الحوار الذي دار خلال زيارة الأزهر قد انتشر وأذيع، وعمّم بسرعة هائلة، مع التشديد على رفض الأزهر اضطهاد السنّة في إيران. ودعم طهران للنظام السوري. والتدخل في شؤون لبنان...

وقيل إنّ الزائر الايراني سمع بنفسه الهتافات المعادية التي ارتفعت في مسجد الحسين. مثلما أدرك الوفد المرافق له أنه لم يلاق الترحيب الذي كان يوّده، على كل الصعد.

ربما أُتيح لنجاد أن يكتشف في القاهرة عمق الهوّة بين إيران ودول الخليج... والدول العربية مجتمعة ومنفردة.

========================

لن تُهدي أميركا أعداءها انتصارات... في سوريا؟

سركيس نعوم

2013-02-08

النهار

ستبقى أزمة الشرق الاوسط بلبِّها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي محل اهتمام ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما في ولايته الثانية، يقول متابعون لسياساتها ومواقفها من التطورات الجارية في المنطقة. لكنها لم تعد أولوية كما في ولايته الاولى بسبب غياب رغبة اسرائيل نتنياهو في التوصل الى تسوية نهائية لها ولإجهاضها "حل الدولتين" الذي بذل اوباما جهوداً كبيرة لاقناعها به. وما ساعد إسرائيل في إحباط الحل كان اتجاه الشارع الإسرائيلي نحو اليمين المؤمن باستمرار الاستيطان وبتهويد القدس وبرفض  قيام اي دولة فلسطينية على "ارض اسرائيل". طبعاً ربما يعتقد البعض خارج إسرائيل ان فوز "يسار الوسط" بواسطة الحزب الجديد "هناك مستقبل" بـ197 مقعداً في الكينيست أخيراً يعكس اتجاهاً عند ناخبيها مختلفاً عن اتجاه نتنياهو في سياسات الداخل والخارج. لكن هذا الاعتقاد في غير محله على الاقل حتى الآن. ذلك ان "يسار الوسط" المذكور ركَّز في حملته الانتخابية على أوضاع اقتصادية واجتماعية، لكنه لم يتطرق الى النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي". وفي ظل سيادة اتجاه كالمذكور أعلاه لا يتوقع المتابعون اياهم ان يفتح نتنياهو الباب امام عودة التفاوض الجدي مع الفلسطينيين وتالياً الحل. واوباما لن يفتحه بدوره لأن عليه الاهتمام بأوضاع اقليمية متفجرة أكثر أهمية وخطورة. علماً ان ذلك لا يعني انه "سيُسامِح" نتنياهو على سلوكه السيّئ تجاهه في اكثر من مجال من دون ان يطاول ذلك تأييده المبدئي لدولة اسرائيل ولأمنها. والواقع المفصّل هذا يشير الى ان قضية فلسطين ستبقى من دون حل "عادل" وإن نظرياً مدة طويلة. إلا أن الواقع الاقليمي المتفجّر يشير ربما الى نوع من الحلول لها ليس فيها شيء من العدل تفرضها مستقبلاً إعادة تركيب الشرق الاوسط وفق نظام اقليمي جديد.

ماذا عن اميركا والأزمة – الحرب السورية؟

وقفت اميركا اوباما بحذر مع الثورة السورية عند نشوبها قبل نحو عامين. وبعد ستة اشهر تقريباً فقدت الأمل في رغبة الرئيس بشار الاسد في تنفيذ إصلاح جدي لنظامه ومؤسساته السياسية والعسكرية والامنية او في قدرته على ذلك، فطالبته بالتنحي عن السلطة. كَبُرَت الثورة وحقّقت نجاحات مهمة بفعل التأييد المعنوي الاميركي لها والاوروبي، وبفعل التأييد المالي والتسليحي العربي. لكن النصر الحاسم بقي مستعصياً عليها وسيبقى مدة طويلة جراء تدفّق الاسلاميين الاصوليين المتشددين والتكفيريين والعنف على سوريا لنصرة ثوارها، الأمر الذي أقلق اميركا من تحوّل هذه البلاد ملاذاً آمناً للارهاب ضدها وضد الغرب وإسرائيل والإسلام المعتدل، ودَفَعَها الى "منع" "عرب الثورة" من متابعة مدِّها بما تحتاج اليه على نحو واسع. علماً ان التردد في الموقف الاميركي هو الذي مكّن النظام السوري من استغلال الإسلاميين لإثارة الخوف على الاقليات في بلاده وفي المنطقة كلها، ولدفع المؤيدين للثوار الى التروي في مساعدتهم. وصار المطلوب محافظتهم على مكاسبهم وعدم الإنكسار أمام النظام ريثما تجد اميركا والدول المعنية المؤيدة للثورة والرافضة لها حلاً للأزمة – الحرب السورية. علماً ان عدد الإسلاميين العنفيين والتكفيريين ليس كبيراً بحيث يحجب مشاركة غالبية شعب سوريا في الثورة ضد نظام الاسد أو تأييدها لها.

الى متى يستمر التروي او التريث المشار اليهما أعلاه؟

الحقيقة لا احد يعرف. فأميركا ليست مستعدة للتدخل العسكري المباشر لحسم الوضع في سوريا لأسباب صارت معروفة، منها اوضاعها الاقتصادية ورفض شعبها ذلك بعد تجربة افغانستان والعراق، ورغبتها في تلافي مواجهة حارة وإن بالواسطة مع ايران الإسلامية وروسيا وربما الصين. وهي ليست مستعدة ايضاً لإعطاء موسكو وطهران ما تريدان من تنازلات من اجل تسوية تكرّس نفوذهما، ولا تحقق اي اصلاح جدي في سوريا الدولة والمؤسسات والنظام. وحلفاؤها في الشرق الاوسط لم يعودوا ميالين الى القيام بعمل مباشر لإسقاط نظام الاسد بعدما تأكدوا ان أوضاعهم الداخلية لا تسمح بذلك، وخصوصاً في ظل تفضيل اميركا عدم تورطها وحلفائها في أمر كهذا. وهي ليست مستعدة ثالثاً لإعطاء فوز كبير جداً لمنافستيها روسيا والصين ولعدوتها ايران. ويعني ذلك استمرار الثوار في التقدم البطيء وربما مع تراجعات محدودة، واستمرار النظام في التراجع البطيء ايضاً الى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً.

كيف يترجم المتابعون من واشنطن الموقف الاميركي هذا؟

========================

مبادرة الخطيب والتقاعس العربي

د. محمد حسين المومني

الغد الاردنية

8-2-2013

حظيت مبادرة رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ أحمد الخطيب، بكثير من النقاش والتأويل؛ بين قابل لها ولأهميتها على الأقل من زاوية المعاناة الانسانية التي يتعرض لها الشعب السوري، وبين مشكك في أحقيتها وجدواها، باعتبارها متجاهلة لجرائم النظام ومسار الثورة السورية.

المبادرة، رغم الرفض المشروع لها من قبل البعض، تبقى تمثل تحولا سياسيا ملموسا في موقف تيار عريض من المعارضة السورية، استند إلى فهم أدق للموقف الدولي من الأزمة السورية، وقبل فكرة أن الحسم العسكري قد لا يتأتى أو يتأخر، إن لم يكن هناك تحريك أو تحول سياسي في مواقف الدول الداعمة لسورية، لاسيما روسيا.

وأهمية المبادرة سياسيا تكمن في أنها ستعرّي خطاب النظام الرسمي السوري بأنه قابل للحوار والحل السياسي للأزمة. فالمبادرة ستكشف أن القول بقبول الحوار من قبل النظام ما هو إلا أكاذيب و"بروباغاندا"، وكشف ذلك سيضعف الموقف الداعم لسورية الرسمية. فمبادرة الحوار وضعت سورية الرسمية بين خيارين أحلاهما مرّ: إن لم تقبل بها تكون قد فوتت فرصة الحوار الذي تدّعي أنها تريده؛ وإن قبلت تكون قد أظهرت ضعفا أمام مناصريها في الداخل، وبدأت تتداول في قضايا تعتبرها من المحرمات؛ مثل مستقبل الرئيس، وتغيير نظام الحكم.

بالتزامن مع المبادرة المفيدة سياسيا ودبلوماسيا، نرى تقاعسا عربيا ودوليا معيبا، بدأ يقبل ويبتاع القصة الرسمية السورية في أن بديل النظام الحالي خطير، وأن سقوط هذا النظام سيجعل من سورية لقمة سائغة ومرتعا للإرهاب وتنظيماته. صحيح أن سورية غدت أرضا مستقطبة للإرهاب والأصولية الخطيرة، وصحيح أن التخلص من هذه التنظيمات لن يكون يسيرا، وسيأخذ سنوات طويلة، ولكن الأصح هو أن استمرار حالة اللاحسم في الملف السوري هي المستقطب الأساسي للإرهاب الذي أصبح تزايده مصلحة للنظام، وسببا في إطالة عمره.

لقد وقع العالم، وكثير من الدول العربية، ضحية الخطة السياسية والإعلامية الرسمية السورية بتخويفهم من البديل ومن الفوضى، في تناسٍ غير بصير ولا أخلاقي ربما لسبب الفوضى والإرهاب والمستفيد منهما. ويجب على العالم أجمع الذي يخشى الإرهاب والأصولية المتطرفة، إدراك أن الفوضى ستستمر، والإرهاب سيتعاظم، ما دام الوضع على ما هو عليه؛ وأن بقاء النظام عامل أساسي في تعزيز ذلك. ولا بد أن نعي أيضا أن الثورة التي ضحت بعشرات الآلاف لن تخمد إلا برحيل النظام أو تغييره؛ فعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، ولم يحدث أن عادت في التاريخ الإنساني السياسي، الحديث منه والقديم.

بين الخطوة السياسية والدبلوماسية الإيجابية التي اتخذها رئيس الائتلاف الوطني السوري، والنكوص السلبي غير المتبصر للموقف الإقليمي والدولي الذي وقع ضحية "البروباغاندا" السورية الرسمية، نبقى متيقنين أن للعمل الميداني القول الفصل. ومن لا يتعظ بما حدث مؤخرا في دول عربية أخرى يخطئ حساباته، فالمفاجآت قد تحدث في أي لحظة؛ وكيف لا بعد كل هذا القتل والتنكيل والثأر السياسي الذي يملأ صدور السوريين؟!

mohammed.momani@alghad.jo

========================

أسوأ مآلات الأزمة السورية

تاريخ النشر: الجمعة 08 فبراير 2013

جيفري كمب

الاتحاد

في الثلاثين من يناير 2013، هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية، أهدافاً غير محددة الهوية تابعة لنظام الأسد الذي تكتنفه المشكلات. ووفقاً لمصادر أميركية عليمة كان هدف الضربة قافلة تحمل شحنة من صواريخ إس أيه-17 سطح- جو روسية الصنع يعتقد أنها كانت متجهة لـ"حزب الله" اللبناني ذي الصلة الوثيقة بالنظام.

وقالت تلك المصادر أيضاً، إن من المحتمل كذلك أن يكون هدف تلك الغارة ضرب منشآت لتصنيع الأسلحة الكيمياوية التي تخشى إسرائيل والدول المجاورة لسوريا من سقوطها في أيدي المتطرفين، سواء كانوا من ضمن القوى الموالية للنظام، أو من المجموعات المعارضة السورية الأكثر راديكالية -التي يعتقد أن بعضها ذو علاقة بتنظيم "القاعدة"- وهو أمر لو تحقق، يمكن أن يؤدي في الحالتين إلى تداعيات خطيرة. فبصرف النظر عن نواقص وعيوب النظام، فإن سيطرته التامة على الحدود الوطنية، وعلى القوات المسلحة الوطنية، مثلتا حتى الآن عاملاً مهماً من عوامل الاستقرار في تلك المنطقة الحساسة من العالم.

والمشكلة أن الحرب الأهلية السورية تبدو في الوقت الراهن كما لو كانت قد وصلت إلى درجة بات من الصعب معها على أي طرف من الطرفين المتحاربين أن يحقق انتصاراً حاسماً على الطرف الآخر. فالنظام غير قادر على استعادة المناطق التي سيطرت عليها المعارضة في أنحاء مختلفة من سوريا، غير أنه يبقى مع ذلك قوياً إلى درجة تمكنه من الصمود أمام أي هجوم نهائي تشنه عليه قوى المعارضة بهدف إطاحته.

وفي هذه المرحلة من مراحل الجمود السياسي، يمكن لكافة أنواع التطورات الخطيرة أن تحدث؛ بما في ذلك تعزيز قوى المعارضة الراديكالية، أو اتخاذ قرار من النظام بتصعيد الصراع إلى مستوى الصراع الإقليمي، من خلال استفزاز قوى خارجية، يمكن أن تكون إسرائيل من ضمنها.

وقرار مثل هذا ستترتب عليه تداعيات خطيرة بالطبع. فالقوى الخارجية بما في ذلك تركيا، وروسيا والغرب، وإسرائيل، بصرف النظر عن الخلافات القائمة بينها، لا تريد أن ترى المزيد من القلاقل والفوضى التي تنشرها العصابات المسلحة المزودة بالأسلحة الكيماوية، والتي يحتمل أن تنشئ ملاذات لها في جبال سوريا. فمثل هذا الاحتمال لو تحقق في الواقع، سيؤدي إلى زيادة احتمال التصعيد العسكري على المستوى الإقليمي - كما سبقت الإشارة- ويمكن أن يؤدي -على الأقل- إلى زيادة تدفق اللاجئين من سوريا على الدول المجاورة، وهو ما من شأنه أن يضيف عشرات الآلاف من اللاجئين إلى أولئك الذين فروا سابقاً من سوريا، إلى لبنان، وتركيا والأردن، والعراق. أما الروس، وبعيداً تماماً عن الأجندة الأمنية الإقليمية، فلديهم أسبابهم الخاصة التي تجعلهم يشعرون بالقلق على سلامة الجالية الروسية الكبيرة في سوريا إذا ما سقط النظام.

وعلى نفس المنوال، نجد إيران خائفة من فقدان نفوذها ووضعها الخاص في سوريا إذا ما سقط النظام، وقالت ضمناً إنها لن تتردد في تقديم العون العسكري المباشر له إذا ما قامت إسرائيل بشن هجوم كبير على سوريا. والحقيقة أن الإيرانيين يتطلعون لجعل أي هجوم على سوريا يبدو كما لو كان هجوماً على العالم الإسلامي، بحيث يكون دفاعهم عن النظام في هذه الحالة دفاعاً على ذلك العالم بأسره. ويؤكد ذلك ما صرح به مستشار الأمن القومي الإيراني أثناء زيارة قام بها مؤخراً للعاصمة السورية دمشق، عندما قال "إن سوريا تقف في الخطوط الأمامية للعالم الإسلامي ضد العدو الصهيوني، ويجب على العالم الإسلامي أن يرد الرد المناسب على العدوان الإسرائيلي".

ويمكن لأية حوادث مفاجئة أن تتحول لعوامل تؤدي لـ"تغيير قواعد اللعبة"، ومن ثم تحديد مسار الصراع والمنطقة برمتها. فإسرائيل، وعلى رغم كونها تشعر بالقلق الشديد حيال تصرفات النظام، تشعر بنفس الدرجة من القلق حول أمن خط الهدنة الشمالي مع سوريا عند هضبة الجولان المحتلة. وفيما تقلص قوات النظام من حجم الوحدات التي تنشرها على خط هضبة الجولان، ينتاب الخوف إسرائيل من أن تسيطر المجموعات "الجهادية" على تلك المنطقة تماماً، كما حدث في شبه جزيرة سيناء، عندما انخفضت فيها قدرة الجيش المصري على مراقبة الحدود بشكل كبير.

ونتيجة لذلك تعمل إسرائيل على تعزيز منظومة الأسوار الحدودية في الجولان، بالتوازي مع الجهود التي تبذلها من أجل تحقيق نفس الهدف (تعزيز منظومة الأسوار) في سيناء.

ولاشك أن قيام النظام -عمداً- باستفزاز إسرائيل، ودفعها لشن هجوم على الجولان سيكون علامة واضحة على اليأس، لأنه لن يكون قادراً على كسب الصراع الذي سيترتب على ذلك، كما أن الصراع وتداعياته سيشكل خطورة بالغة على "حزب الله" اللبناني المتحالف معه. وعلى رغم أن إسرائيل ستعاني بالطبع نتيجة لإطلاق الصواريخ عليها من سوريا ومن جنوب لبنان، إلا أنها ستتمكن في نهاية المطاف من حشد قوة النيران الكافية -التي تعتبر العامل الحاسم في تقرير مصير أي قتال- بما لا يتوافر للنظام السوري مثله، على نحو يلحق بهذا النظام- و"حزب الله" بالتبعية- خسائر جسيمة.

ولكل هذه الأسباب، يمكننا القول إن من بين أوائل المهام التي سيضطلع بها وزير الخارجية الاميركي الجديد كيري الذي تولى مهام منصبه خلفاً لهيلاري، تلك الخاصة بالانخراط مع كافة الأطراف الفاعلة في الصراع لمحاولة منع تلك السيناريوهات الخطرة من التبلور على أرض الواقع. فبالإضافة للحوار الوثيق مع إسرائيل، من الضروري أن يعمل كيري على تحسين العلاقات مع روسيا، وضمان أن تركيا ستبقى في مثل تلك الظروف حليفاً رئيسياً للغرب، وأن يضغط على مصر لحثها على العمل من أجل المحافظة على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وأن يقوم بالإضافة إلى ذلك، بتقديم دعم معنوي وعملي لملك الأردن.

========================

في سوريا : حوار الموت والدمار

تاريخ النشر: الجمعة 08 فبراير 2013

د. رياض نعسان أغا

الاتحاد

جاءت دعوة معاذ الخطيب إلى الحوار حول القضية السورية لتعيد الحيوية للعمل السياسي، بعد أن وصل إلى طريق مسدود، ولاسيما بعد أن تحول النظر إلى القضية السورية على أنها قضية لاجئين وإغاثة فقط. وبدأ السوريون يشعرون أن الجامعة العربية أعلنت عجزها عن تقديم حلول، وأن مجلس الأمن يفيد من "الفيتو" الروسي والصيني لإعطاء النظام فرصة أكبر لحله الأمني، بل شعر السوريون بالتجاهل العالمي لقضيتهم ، وأمنوا أنهم تركوا لمواجهة قدرهم في الموت اليومي والدمار الشامل الذي جعل نصف الشعب مهاجراً، أو لاجئاً أو مشرداً ، فقد هدمت ملايين المنازل ، وتم تدمير أكثر من نصف البنية التحتية ، وتركت مدن مكتظة بالسكان ( مثل حلب وحمص ) بلا ماء ولا كهرباء و لا خبز ولا دواء، وبالطبع بلا مدارس وبلا مشاف أو مستوصفات، وارتاب السوريون في أن يكون هناك تفاهم دولي ما لإطالة أمد النزيف، ومن تمكين الطرفين من توازن ما، فلا تتمكن السلطة من قمع الثورة، ولا يتمكن المقاتلون من الحسم العسكري، وكل ما يتم إنجازه هو تدمير سوريا، وقتل شعبها، وإغراقه بالفوضى والتطرف أيضاً .

ولعل شفافية رئيس الائتلاف كشفت حجم معاناة المعارضة، التي لم تكتمل نشوتها بالاعتراف الدولي بها في مراكش، فسرعان ما انفض السامر ونسيت بعض الدول المهمة وعودها وتجاهلت التزاماتها، وكانت تطالب المعارضين بتشكيل حكومة، وتلقي باللوم عليهم لأنهم مفككون وتائهون، ومترددون في الاستجابة، مما اضطر رئيس الائتلاف (كما أتوقع) لإعلان الموقف المالي المخجل لوضع الائتلاف، وللتصريح بأن الوعود والالتزامات الدولية ما زالت كلاماً، وأن تشكيل حكومة يتطلب موازنة تمكنها من التصرف ومن تلبية الاحتياجات، فضلاً عن أن تشكيل حكومة في المنفى سيجعلها موضع انتقاد من مواطنيها الذين يعانون الفواجع الكبرى في الداخل، وستكون أحكامهم عليها غاضبة بحجم الأسى والمرارة .

ومع أنني لا أعرف التفاصيل التي جعلت "رئيس الائتلاف" يطلق دعوته على "فيسبوك" ، وقد قرأتها تحت عنوان (ما رأيكم؟) بمعنى أن الرجل كان يريد مشاورة عامة، إلا أنني أستبعد أن يكون قد انفرد برأيه في توجه خطير كهذا، وربما كان ثمة تنسيق ما مع دول داعمة للحوار، وكنت أدرك أن حرص موسكو على اعتبار تنحي الأسد خطاً أحمر، ومثلها حرص إيران، إعلاءً لسقف التفاوض، فالروس والإيرانيون يبحثون عن مصالحهم، وربما هم يريدون أن يتركوا للتفاوض سقفاً أدنى بقليل، هو القبول بالتفاوض مع النظام، مقابل التنازل عن الخط الأحمر، وقد أيدت مبادرة الخطيب عبر هذا الفهم، لأنني أرى على صعيد شخصي أن أي حوار مع النظام، أو من دون النظام لابد من أن يضمن انتقالاً سلمياً للسلطة لتفادي حدوث انهيار.

لقد كان القلق العام من حدوث انهيار مريع يضع سوريا في مهب رياح الفوضى دافعنا للتفكير في تجمع وطني حر للعاملين في الدولة السورية، وقد دعا إليه رئيس الوزراء المنشق الدكتور رياض حجاب، وكنت ممن لبوا دعوته لحرصنا على لم شمل القوى العاملة في الدولة، كي لا يتكرر ما حدث في العراق بعد الانهيار، وكذلك لحرصنا مع كل شعبنا على ألا يتشرذم الجيش السوري.

فأي انهيار مفاجئ سيعني انفراط عقد الجيش النظامي وقوى الأمن، وسيكبر احتمال انتشار مليشيات مسلحة مختلفة الدوافع والتوجهات، فضلاً عما يمكن أن يحدث في صفوف "الجيش الحر" والثوار أيضاً من منازعات باختلاف الرؤى. وهذه بعض الهواجس التي تقلق السوريين، وفي المقابل يخشى السوريون أن يحتدم القتال، وأن يطول أمده في الشوارع، وأن يحدث في دمشق ( لا سمح الله ) مثيل ما حدث في حلب من دمار، وهذا سيعني نزوح ملايين من السكان في أرجاء الغوطتين وفي البادية، ولجوء مئات الآلاف إلى لبنان والأردن، وهما غير قادرين على الاحتواء.

لهذا أجد الحاجة ماسة على صعيد دولي لتدارك احتمالات مخيفة ستكون لها انعكاسات سيئة جداً على الشعب السوري وعلى دول الجوار، وستحمل المجتمع الدولي مسؤولية إنسانية أكبر بكثير مما هي عليه الآن، وهو العاجز عن تحملها.

وغالبية السوريين يشعرون أن ثمة خطة مبرمجة لترك السوريين يدمر بعضهم بعضاً، حتى إذا تفانوا وتهدم كل شيء في بلدهم وبأيديهم، يقوم الكبار بتقاسم تركة الرجل الميت، وربما يخطط بعضهم لإعادة تقسيم المنطقة ضماناً لأمن إسرائيل التي بدأت تتحدث عن رغبتها بالامتداد إلى مناطق أبعد في العمق السوري.

ومع أن بعض السوريين يتداولون هذه الهواجس في أحاديثهم، إلا أنهم لا يأخذون شيئاً منها مأخذ الجد، فهم يدركون أنهم قادرون على حماية بلدهم ومستقبلهم، ولعل التجربة التي يخوضونها الآن وهي ملحمة كبرى في مواجهة أقسى هجمة عسكرية مدمرة تعرض لها السوريون في تاريخهم ، قد جعلتهم يستهينون بما سيأتي به المستقبل من كوارث، وبالطبع هم يتمنون لو أن صراعهم هذا كان مع العدو الإسرائيلي مباشرة، فربع ما أنفق من مال وعتاد، وما قدم من ضحايا كان كافياً لتحرير الأرض السورية المحتلة، بل ربما كان يكفي لتحرير فلسطين، لكن هذا الهدف لم يكن مدرجاً.

ولا يخفى على أحد أن الحوار المطلوب لن يتم، وأنه أقرب إلى المناورات السياسية منه إلى الحل العملي، ما لم تقم الدول الداعمة لقتل الشعب السوري بالتخلي عن مواقفها المخزية، وبالضغط لترتيب بيئة قابلة لتنفيذ الحوار مع قيادات مسؤولة داخل النظام من غير المتورطين المباشرين في ارتكاب الجرائم وهم كثر، ولابد أنهم مقتنعون بأن الحسم العسكري بات مستحيلاً، وأن استعادة النظام لقوته وحضوره وسيطرته بات وهماً، وأن أي انتصار يريدونه على جثث الشعب كله، وعبر تدمير شامل لسورية سيكون انتصاراً مخزياً وغير قابل للحياة، ولابد للحالمين من التسليم بأن بقاء الحال من المحال، وأن حقبة من التاريخ السوري قد انتهت، وعلينا جميعاً أن نبدأ حواراً جاداً لبدء حقبة جديدة يقودها الشعب بنفسه، بدل مزيد من القتل والدمار وطوفان الدماء، وكل دم حرام.

========================

سورية مقبلة على التغيير... ما مضمونه؟

د. عبدالله تركماني

2013-02-07

القدس العربي

في دولة استبدادية اهتمت سلطتها كثيراً ببناء الرموز (أصنام حافظ الأسد وابنه باسل وصور بشار) واعتنت بتنميق الشعارات، ونحتت لغة سياسية ذات مفردات تعبوية، فإنّ أول وربما أخطر استحقاق يواجهها يدور حول كيفيات بناء الدولة السورية الحديثة. إذ أنّ أغلب المشكلات التي تواجه سورية في المجال الداخلي هي من ثمار النهج الذي اتبعه الحزب الحاكم خلال وجوده في السلطة منذ العام 1963 في إقامة نظام استبدادي استئصالي، حين حوّل سورية إلى دولة فئوية تقودها نخبة من أصحاب الامتيازات الذين يرفضون المساواة بين السوريين. كما أنّ مجتمع الحزب الواحد أشاع حالة من السلبية والعزوف عن الانخراط في الشأن العام، إذ غابت لدى غالبية الأفراد والجماعات المبادرة الذاتية والتفكير المستقل، وحصلت حالة من القطيعة بين أغلبية أفراد المجتمع والنخبة السياسية، بعدما بطشت السلطة بقوى المعارضة وأماتت أي تعبير أو مؤشر على حياة سياسية طبيعية.

إنّ التغيير الشامل في سورية أصبح مهمة إنقاذية، بعد اثنين وعشرين شهراً من ثورة الحرية والكرامة، لا تقبل التردد ولا التأجيل، وأية محاولة إلى إفراغه من محتواه الحقيقي، أو محاولة تقزيمه إلى إصلاح جزئي، أو تغيير أشخاص بآخرين، أو تلميع صور عتيقة، لن تفعل إلا أن تفاقم في سوء الأوضاع، وتضع سورية على حافة المجهول. إنّ الحاجة ملحة إلى إعادة بناء السلطة على أسس جديدة تعطي الدولة طابعاً آخر يوحد المطامح الوطنية العامة، ويؤسس لفاعلية جديدة تستوعب عناصر المجتمع كافة.

فبعد أن سالت دماء عشرات آلاف السوريين من أجل التغيير الوطني الديمقراطي أضحى هذا التغيير على جدول الأعمال السوري، لذلك من المهم محاولة رؤية محتوى ومضامين ومستويات هذا التغيير وصوغ أسئلته. إذ يمكن تلخيص قصة العالم العربي السياسية، بعد ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والحراك الشعبي في الأقطار العربية الأخرى، في التحول المؤسسي القائم على مجموعة قيم: الحرية والكرامة والشفافية والديمقراطية وحقوق الإنسان في داخل الدول.

إنّ التغيير أضحى حاجة موضوعية كي لا تتأخر سورية عن التعاطي المجدي مع التحديات المطروحة عليها، وبالتالي فإنّ تعثر الانتقال من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي هو مجازفة خطيرة بمستقبل الدولة والمجتمع في سورية. إننا بحاجة إلى ديمقراطية حقيقية توفر الإمكانية لاستيعاب المتغيّرات العميقة في الحياة الإنسانية المعاصرة، مما يستوجب مأسسة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والحقوقيين من خلال شرعنة وجود أحزاب وجمعيات علنية تقبل التسويات التاريخية والحلول المعتدلة، وتعتمد الأسلوب السلمي للتغيير والتقدم.

إنّ نجاح أي مشروع للتغيير في سورية مقدماته الضرورية تقوم على الانتقال من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي، بما ينطوي عليه ذلك الانتقال من إلغاء كل القيود على الحريات الديمقراطية، وعلى الدعوة إلى استقلال القضاء وسيادة القانون، بما يضمن قيام دولة حق وقانون عادلة وقوية، دولة المواطنين الأحرار. من خلال صياغة معادلة جديدة في الحياة الداخلية تأخذ بعين الاعتبار تعاظم التحديات، في ظل علاقة بين السلطة والمجتمع قائمة على القناعة والثقة والتفاعل الحر، علاقة مقننة في إطار عقد اجتماعي جديد يوفر الشفافية والمؤسسية والقانون، هي وحدها الكفيلة بوضع سورية على أولى درجات الإصلاح والتغيير المنشودين، وإلا فإننا أمام حالة إعادة إنتاج الماضي بكل مآسيه.

ومن غير الممكن تصور سورية لكل مواطنيها بمعزل عن عودة الروح إلى المجتمع المدني، وضمان مؤسساته المستقلة عن سلطة الدولة، كي يسترد المجتمع حراكه السياسي والثقافي، بما يخدم إعادة بناء الدولة السورية الحديثة. ومن أجل صياغة إطار تعددي لابد من إدراك مخاطر الصيغ الواحدية القسرية التي عرفناها، حيث أنها كانت أداة قمع وتهميش للتعددية الفكرية والسياسية، مما جعل إدراكنا الجمعي مقتصراً على الإدانة الخطابية للمخاطر الخارجية، بدل البحث عن مصادر الخلل في بنانا الداخلية.

وفي هذا السياق يجدر بنا أن نلاحظ أن تكوين منظومة المفاهيم والقيم السياسية والثقافية والأخلاقية الخاصة بالثورة السورية لا يأتي على أيدي المفكرين والمثقفين والمنظرين من مختلف الحقول فقط، بل يُسهم في هذا كله أولئك الذين ولدوا ويولدون في الشارع ومنه. إذ أن الشباب السوري بقدر ما هو بحاجة ماسة إلى تجارب الآخرين فهم كذلك يدركون أهمية إنتاج وعيهم التاريخي والمهمات التاريخية الملقاة على عاتقهم في إطار كفاحهم من أجل سورية الحرية والكرامة والعدالة، مع ملاحظة أنّ ذلك من أجل أن يكون دقيقاً، لابد من وضعه في سياق البنية المجتمعية العامة السورية ولما لها من استطالات جيو - سياسية وتاريخية ومستقبلية.

إنّ عملية التحول الديمقراطي تقتضي إعادة صياغة القيم السائدة، وتغيير أنماط السلوك من خلال مجموعة كبرى متكاملة من التحولات، من أهمها: التغيير من مناخ اليأس والقدرية إلى مناخ الثقة بالذات والقدرة على التحكم في المصير، والانتقال من القدرية التي يسيطر عليها الماضي إلى التوجهات المستقبلية.

وفي هذا السياق لا ينبغي توجيه طاقات الشعب السوري لتصفية الحساب مع الماضي وإهمال تحديات الحاضر وتأجيل التفكير في آفاق المستقبل، لأنّ تصفية الحساب مع الماضي ينبغي، استعانة بخبرات الدول الأخرى التي انتقلت من السلطوية إلى الديمقراطية، ألا تؤدي في النهاية إلى تفكيك الدولة ذاتها إلى مكوناتها الفسيفسائية.

والسؤال الرئيسي هو: كيف يمكن أن يتحقق الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية في سورية؟ أي كيف يتم تفكيك النظام الشمولي والدولة الأمنية؟ وكيف يعاد إنتاج النظام السياسي على نحو يؤسس لديمقراطية تشكل أساساً للتغيير بكل مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بما يفرضه ذلك من إعادة بناء الدولة الوطنية السورية الحديثة؟.

إنّ ثورة الشعب السوري دخلت في طور نوعي جديد، حين رفعت شعارات تتصل بالحرية والمواطنة وحقوق الإنسان والدولة المدنية، وتطلعت إلى إرساء أرضية جديدة لنهوض سوري شامل ركيزته إرادة الشعب الحر، الذي قرر أن لا يقبل من جديد بالمهانة والذل.

والتحدي الكبير هنا لا يقتصر على إصلاح التخريب الإنساني والوطني الذي تسبب به الاستبداد، بل يتعداه إلى ظهور الإنسان الجديد، الفرد المستقل الضمير والعقل. فما هو قادم لا يزال كبيراً، ولا يقل عن ثورة دائمة في أشكال وتعبيرات سياسية وثقافية وإنسانية مختلفة. ففي سورية المستقبل لن تكون مصادرة حرية الرأي مقبولة، ولن يكون سجن صاحب الرأي ممكناً بلا مقاومة، ولن يكون انتهاك حقوق الإنسان مقبولاً، ولن يكون السكوت عن الفساد والتسلط أمراً طبيعياً. وفي المرحلة الجديدة لن يقبل الناس بعدم المشاركة ولن يخضعوا لحالة الطوارئ، بل سيتصرفون انطلاقاً من حقهم الطبيعي في الكرامة والعدالة والمساواة التامة في وطنهم. وهذا سيعني اعتبار الوطن ملكاً لجميع مكوّناته وليس لفرد أو حزب أو أقلية.

ويبقى السؤال: هل يكون النظام الانتقالي مفتاحاً لتوافق سوري عام على محتوى التغيير المقبل، وفسحة لانتقال سلمي وهادئ نحو نظام جديد في سورية؟.

 

' كاتب وباحث سوري في الشؤون الاستراتيجية

========================

القمة الاسلامية همشت الملف السوري

رأي القدس

2013-02-07

القدس العربي 

اختتمت القمة الاسلامية المنعقدة في القاهرة خلال اليومين الماضيين اعمالها امس بالمطالبة بحوار جدي حول سورية بين المعارضة وممثلي النظام لفتح الباب امام عملية انتقالية 'تحقق الطموحات المشروعة للشعب السوري'.

هذه الدعوة للحوار تأتي غير مسبوقة، حيث جرت العادة ان تركز معظم اللقاءات العربية والاسلامية، سواء على مستوى القمة او وزراء الخارجية على المطالبة باسقاط النظام ودعم المعارضة المسلحة، واحيانا التحريض على التدخل العسكري الخارجي.

من المفارقة ان القمة الاسلامية التي تطالب المعارضة بالحوار مع النظام تفعل عكس ذلك تماما، اذ انها جمدت عضوية سورية فيها، وسحبت اعترافها بالنظام الحاكم وهذا يعكس تناقضا كبيرا بين القول والفعل.

بيان القمة جاء غارقا في العمومية، فلم يحدد مكان او آليات هذا الحوار، والجهة التي يمكن ان تشرف عليه، وتضمن تطبيق ما يمكن ان يتمخض عنه من نتائج، وهذا ليس جديدا على اي حال فجميع بيانات القمم الاسلامية كانت انشائية في صياغتها وخالية من اي دسم.

اجواء المنطقة توحي بان هناك قناعة باتت تترسخ في اوساط عربية واسلامية مفادها ان الحل السياسي هو الطريق الاسلم للخروج من الازمة السورية باقل قدر من الخسائر، ومن هنا تتوالى الدعوات للحوار بين السلطة والمعارضة بشكل مكثف هذه الايام.

الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري ادرك جيدا هذه الحقيقة، وكان سباقا في طرح مبادرة للحوار مع ممثلي النظام فتحت عليه نار جهنم، خاصة من قبل شركائه في الائتلاف، والمجلس الوطني السوري على وجه التحديد الذي وجه له اتهامات شرسة بالخروج عن الوثيقة المؤسسة، والاتفاقات التي جرى التوصل اليها باطاحة النظام وعدم التفاوض معه.

صحيح ان الشيخ الخطيب اضطر، وامام الاتهامات بالتخوين والعمالة للنظام اضطر لتعديل هذه المبادرة والقول انه يقصد التفاوض من اجل رحيل نظام الرئيس بشار الاسد، ولكن من الواضح للعيان ان الرجل ادرك تخلي المجتمع الدولي عن المعارضة ولذلك لجأ الى خيار الحوار لحقن دماء السوريين.

القمة الاسلامية نجحت في تحقيق تقارب كبير بين ايران وتركيا والدولة المضيفة مصر، واللقاء الثلاثي الذي ضم زعماء هذه الدول، ودون مشاركة المملكة العربية السعودية الشريك الرابع في اللجنة التي دعت مصر الى تشكيلها للتعاطي مع الازمة السورية.

الرئيس المصري محمد مرسي اعرب عن امله في وقف اطلاق النار قريبا في سورية، وقال ان اللقاء الثلاثي تناول الاطار العام للتسوية، واكد ان اهم نقطة الآن هي التوصل الى وقف اطلاق نار فوري، وان وزراء خارجية الدول الثلاث يعكفون على وضع اطار في هذا الصدد.

عندما تؤيد الولايات المتحدة وبريطانيا مبادرة الشيخ الخطيب للحوار، فان هذا يعني اسدال الستار على مرحلة الخيار العسكري والمعارضة المسلحة، وفتحه على مصراعيه امام الحوار والحل السياسي، وهو حل سيكون عنوان المرحلة القادمة.

========================

مرحلة جديدة في الصراع على سورية

باتريك سيل *

الجمعة ٨ فبراير ٢٠١٣

الحياة

فيما تستمرّ إراقة الدماء في سورية على نطاق واسع، يبدو الوضع في هذا البلد وفي محيطه أبعد ما يكون عن الجمود. وقد ينفع التطلّع إلى ثلاثة تطوّرات أساسية، بالنظر إلى كونها تغيّر طبيعة الصراع.

أولاً، تشعر الولايات المتحدة ودول الغرب الحليفة لها بقلق متزايد حيال بروز مجموعات متمردة مدعومة من تنظيم «القاعدة» في سورية، مثل جماعة «جبهة النصرة» التي فاقت خصومها كافة ببسالتها في القتال على أرض المعركة. وقد أدرجتها واشنطن على قائمة المجموعات الإرهابية الأجنبية.

فضلاً عن ذلك، بدأ عدد كبير من الأشخاص يتساءل عن هدف الولايات المتحدة وحلفائها من شن حرب ضد تنظيم «القاعدة» في أنحاء العالم - في أفغانستان، وباكستان، واليمن، والصومال، ومؤخراً في مالي – بينما يحظى بحرّية تامّة في سورية، الأمر الذي يضمن لـ «القاعدة» بلا شك دوراً أساسياً في أي حكومة قد تنشأ عقب سقوط الأسد. ويتسبب هاجس بروز نظام على نمط حركة «طالبان» على أبواب أوروبا بقلق كبير ويفسّر التردّد الكبير لدى الدول الغربية في تسليح الثوّار.

ومن المفترض أن تنتهي في الأول من آذار (مارس) صلاحية الحظر الذي يفرضه حالياً الاتحاد الأوروبي على إرسال الأسلحة إلى سورية. فهل سيتمّ تجديده أم يُسمَح بتدفق الأسلحة إلى هذا البلد؟ عبّر كلّ من وزيري الخارجية البريطاني والفرنسي وليام هيغ ولوران فابيوس عن تأييدهما الشديد لتسليح الثوّار. لكن، من المرجح أن يواجها معارضة شرسة خلال الاجتماع المقبل الذي سيعقده وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في مدينة بروكسيل في 18 شباط (فبراير) المقبل. ويبدو الغرب اليوم أكثر حذراً في تعامله مع الأزمة السورية.

وثمّة تطوّر مهمّ ثانٍ، يتمثّل بالانقسام المتزايد في صفوف المدنيين ضمن المعارضة السورية، التي كانت كياناً متصدّعاً في أفضل أوقاتها. ولطالما رفض «المجلس الوطني السوري» الواقع مقره في تركيا، الذي تهيمن عليه جماعة «الإخوان المسلمين»، إجراء مفاوضات مع النظام السوري ما دام بشار الأسد باقياً في السلطة، مع العلم بأن هدفه الأساسي هو الإطاحة بالرئيس. ولكن تبيّن أنّ «المجلس الوطني» هيئة غير فاعلة تضم منفيين يتشاجرون مع بعضهم البعض ويعجزون عن السيطرة تماماً على المحاربين في الميدان. ومن أجل معالجة الوضع، دعمت قطر والولايات المتحدّة إنشاء هيئة معارضة جديدة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي – تحمل اسم «الائتلاف الوطني السوري» - برئاسة الإسلامي المعتدل ظاهرياً معاذ الخطيب الذي كان إمام المسجد الأموي الكبير في دمشق. وتمّ ضمّ «المجلس الوطني» القديم إلى الائتلاف الجديد ليكون بمثابة شريك أصغر حجماً له.

إلا أنّ أداء ائتلاف الخطيب الجديد لم يكن أفضل من سلفه. ففشلت عناصره في التماسك بما فيه الكفاية لإنشاء «حكومة» معارضة تحظى بمصداقية وتحصل على دعم مالي وسياسي من الغرب، ناهيك عن الأسلحة.

هذه هي خلفية المفاجآت السياسية التي فجّرتها شخصيتان معارضتان. فقد عبّر هيثم المناع وهو ناشط مخضرم في مجال الحقوق المدنية السورية في باريس، منذ بداية الانتفاضة في عام 2011، عن اعتراضه على لجوء الثوّار إلى الأسلحة. وحين تركّز انتباه العالم على القتال، تمّ تجاهله. إلا أنّ الأزمة العسكرية ساهمت في تغيير الوضع، الأمر الذي سمح للمنّاع بأن يخرج من جديد إلى العلن. وفي 28 كانون الثاني (يناير)، ترأس اجتماعاً ناجحاً جداً لشخصيات معارِضة مثله في مدينة جنيف. وبعد يومين، وفي 30 كانون الثاني، أطلق معاذ الخطيب – الذي لا يرغب في أن يسرق المنّاع الأضواء منه – مفاجأته الخاصة، فأعلن على صفحته على موقع «فايسبوك» نيته «المشاركة في المحادثات المباشرة مع ممثلين عن النظام السوري ...».

وتمّ اعتبار هذا البيان البارز رداً إيجابياً على الدعوة التي وجّهها الرئيس بشار الأسد في 6 كانون الثاني لعقد مؤتمر مصالحة وطني، بهدف إرساء شرعة تحدّد كيفية حكم سورية في المستقبل، على أن تخضع شروط هذه الشرعة للاستفتاء، تليه انتخابات وتشكيل حكومة جديدة وإصدار عفو عام.

وسارع المتشددون المعارضون، لا سيّما جماعة «الإخوان المسلمين»، إلى التنديد بمعاذ الخطيب. وتمّ إجباره على الشرح بأنه تحدّث بصفته الشخصية، إلا أنّ البعض اعتبر أنّ بيانه يعكس توجّهاً متزايداً في أوساط المعارضة التي باتت شبه مستعدة لإعطاء فرصة للحوار، بعد أن بدأت تيأس من التكلفة البشرية والمادية للنزاع. وبالطبع، أدرك الخطيب بدوره، في ظلّ تضاؤل الآمال بإمكان الحصول على مساعدة عسكرية ومالية غربية واسعة النطاق، أنّ الوقت قد حان ربما للبحث في إمكان التوصّل إلى حلّ يتمّ التفاوض عليه مع النظام.

وغنيّ عن القول إنّ إسرائيل تراقب هذه التطوّرات بانتباه كبير. وفي هذا السياق، تمثّل تطوّر كبير ثالث بالهجوم الجوّي الذي شنّته إسرائيل ليل 29-30 كانون الثاني على مركز عسكري أساسي للبحوث في سورية، هو «مركز البحوث» العلمية في جمرايا شمال غربي دمشق. أمّا الدافع المزعوم لإسرائيل، فقام على منع نقل الأسلحة الروسية المتطوّرة إلى «حزب الله» - مثل الرادارات المتطوّرة والصواريخ المضادة للطائرات – التي من شأنها الحدّ من حرية إسرائيل في شنّ هجوم على لبنان متى شاءت.

ولعلّ طموحات إسرائيل بدت في الواقع أكثر طموحاً مع شنّها هذا الهجوم الأخير. فمن المعروف أنها تسعى إلى إسقاط ما يُعرَف باسم «محور الممانعة» ويضمّ إيران وسورية و «حزب الله»، الذي نجح خلال السنوات الأخيرة في تطوير قدرة ردع للنفوذ الإسرائيلي. وكان قصف إسرائيل لمركز البحوث في سورية يهدف إلى استدراج «محور الممانعة» إلى الرد بهجوم على هدف إسرائيلي – الأمر الذي كان سيعطي إسرائيل ذريعة لشنّ هجوم شامل.

وترغب إسرائيل في تصفية حسابها مع «حزب الله» الذي قاومها بضراوة حين اجتاحت إسرائيل لبنان في عام 2006. كما أنّ إسرائيل تخشى من أن تحرز الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا تقدماً خلال اجتماعها المقبل مع إيران، الذي قد يُعقد في كازاخستان في 25 الشهر الجاري. وأكثر ما يثير قلقها هو التقارير التي تفيد بأنّ الولايات المتحدّة وإيران قد تجريان حواراً ثنائياً، كما لمّح نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في الآونة الأخيرة.

ليست إسرائيل راضية عن كلّ هذه الأمور. وهي كانت تحضّ الولايات المتحدّة على مدى سنوات لتدمير منشآت إيران النووية – وإسقاط النظام الإسلامي – بالطريقة ذاتها التي دفع فيها المحافظون الجدد الموالون لإسرائيل بالولايات المتحدّة إلى غزو العراق وتدميره في عام 2003، بالاستناد على معلومات استخبارية مزوّرة. وبالطريقة ذاتها، لا تريد إسرائيل أن يجري أي حوار بين المعارضة السورية والنظام أو أن يتم التوصّل إلى حلّ سلمي. فهي ترغب في إضعاف سورية وتقطيع أوصالها كما حصل منذ نحو عقد في العراق الذي لم يقف حتّى الساعة على رجليه.

وسيعتمد الكثير خلال الأسابيع المقبلة على حكمة فريق العمل الجديد لدى الرئيس باراك أوباما، لا سيّما وزير الخارجية الجديد جون كيري. فهل سيشجع المفاوضات لحلّ الأزمة السورية بشكل سلمي، من أجل وقف الدمار الذي يلحق بالبلد وبشعبه، إلى جانب تفادي زعزعة استقرار تركيا ولبنان، أم أنّه سيلعب لعبة إسرائيل التقليدية القائمة على إخضاع المنطقة، كي تتفرّد ببسط هيمنتها عليها؟

 

========================

في البحث عن حل سحري للكارثة السورية

طلال المَيْهَني *

الجمعة ٨ فبراير ٢٠١٣

الحياة

لايزال «الخطاب السائد» في المشهد السوري، الذي يصنعه صناع الخطاب إعلامياً، أسيراً لتصورات معينة عن «الحل»: فإما أن يكون هذا «الحل» لمسة سحرية قابلة للتحقق الفوري، أو سحقاً دونكيشوتياً للمؤامرة الكونية، أو استنساخاً لـ «حلولٍ» طبّقتْ في دولٍ كمصر أو ليبيا. وإن لم يتحقق «الحل» وفقاً لهذه التصورات، فهو ليس «حلاً»، ولا يستحقُّ بالتالي أي اشتغال أو إشادة، وهكذا يستمر مسلسل سفك الدم والخراب.

قد يكون من الخطأ أن نحصر «الحل» في سورية في سيناريوات مسبقة الصنع، أو أن ننظر إليه على أنه حدث منفصل ومفارق للأحداث، أو كوصفة جاهزة من بنود يتّفق على تنفيذها خلال بضعة شهور. ولعلّه من الأفضل مقاربة «الحل» على أنه عملية مستمرة وطويلة الأمد، تتطور ذاتياً وهي تصنع وتنْضِج عناصرها. ومع التسليم بعدم وجود حلول كاملة وخالية من العيوب، فإن المعيار يبقى في قدرة «الحل» على: الانطلاق من قراءة معمّقة للمشهد المتغير، وتحديد الأهداف التي يتوجب الوصول إليها، والأخذ بالاعتبارات التي تراعي الوضع السوري، مع التخفيف قدر الإمكان من الكلفة البشرية والمادية (أو ما بقي منها).

تظهر قراءة المشهد السوري أن العديد من الأطراف، وعلى رأسها السلطة المستبدة، متمسكة حتى الآن بخيار العنف الذي لن ينتهي، في ظل الاستعصاء الحالي، بحسم عسكري لصالح أي من القوى العنفية، بل بالمزيد من الاستنزاف المؤلم والمَجّاني. وعلى الأرجح لن يطول هذا الاستعصاء قبل أن يفضي إلى واحد من خيارين: إما استمرار الحرب الأهلية حتى التقسيم (وهذا مستبعد) أو الدولة الفاشلة (وهو الأرجح)، أو خلق حل تفاوضي سياسي يعيد للعقل المستباح موقعه، ويفسح المجال للسوريين كي يلتقطوا أنفاسهم، قبل الالتفات إلى معالجة البلايا التي ظهرت بعد أن كانت مستترة طيلة عقود.

وربما يكون غياب النيّة الناجم عن السطحية السياسية والاستقطاب الدولي من أبرز العوائق في وجه أي حل تفاوضي. ولعلّه من البدهي أن تتحمل السلطة (أي سلطة - ومن حيث كونها سلطة) مسؤولية الجرائم وأحداث العنف التي تجري في البلاد التي تدّعي بسط سيادتها عليها (توجيه الاتهام إلى «عصابات» لا يُعفي أي سلطة من المسؤولية). إلا أن الارتهان لـ «منطق الاحتجاج» والاكتفاء بتحميل المسؤولية للسلطة (التي نعلم مسبقاً فقدانها للأهلية)، وبالإعلان التبسيطي عن مواقف التذمر والندب وتقديم الشكاوى لن تساهم في تعزيز «منطق الحل». فالحديث عن الأسباب والاحتجاج شيء، والعلاج واجتراح الحلول شيء آخر تماماً.

ولكن حتى لو تجاوزنا كل هذه العقبات المبدئية (على مستوى النوايا ومنطق المقاربة) فإن العملية التفاوضية ستصطدم، عاجلاً أم آجلاً، بعوائق تقنية تتمثّل في عدم وجود أطراف واضحة المعالم وقادرة على الانخراط في أي تفاوض مفترض. وتنطبق هذه الملاحظة على معظم أطراف المعارضة وعلى النظام (فالنظام أيضاً ليس كلاً واحداً، لكننا نميل إلى إطلاق هذه التسمية على سبيل التبسيط). ولهذا فمن الصعب التنبؤ بتفاصيل التفاوض الذي سيحتاج وقتاً لتحديد الأطراف الفاعلة وأجنداتها. لكن تمكن الإشارة إلى أن أي «حلٍّ» تفاوضي يجب أن يراعي، قدر الإمكان، الركائز التالية:

- مخاطبة عموم السوريين كشركاء في وطن واحد سواء كانوا موالاة أو معارضة أو صامتين. فالتوجه إلى شريحة من السوريين على حساب شرائح أخرى، أو ترسيخ صيغة «غالب ومغلوب» بين المكونات السكانية السورية، هو إقصاء وتحييد وانكسار لقسم من «المجتمع السوري» (لا نتحدث هنا عن السلطة).

- التوازن بين السيادة واللاقطبية: فأي ارتهان لقطب دولي معين يعني مباشرة تشنج القطب الدولي الآخر. ولهذا يجب أن تتوافر جبهة ناضجة سياسياً قادرة على فرض احترامها والتعامل مع مختلف الأقطاب دون وصاية أو ارتهان أو عداوة.

- القدرة على تحقيق توافق دولي على ظروف الحل: يحتاج ذلك إرادة سورية بالحد الأدنى، ويشمل ضغوطات حقيقية لوقف العنف (تدريجياً ومناطقياً)، مع ضمانات ووساطات دولية، وغيرها.

- التفاوض لا يهدف إلى مجرّد التفاوض، بل إلى تغيير جذري في النظام السياسي: ويشمل هذا موقع رئاسة الجمهورية، وإعادة هيكلة القوى الأمنية، والدستور، والمصالحة الوطنية، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات إلخ.

يميل «الخطاب السائد» إلى ربط التفاوض بالضعف والخنوع، وغالباً ما سيتم سحب صكوك الوطنية وتخوين كل من تسول له «عقلانيته» الخروج على حالة الجنون السائد وكسر حالة الاستعصاء المؤلمة. وهذا ما يحدث مع مبادرة الشيخ معاذ الخطيب، وهذا ما حدث سابقاً مع القوى الديموقراطية المعارضة التي طرحت التفاوض منذ ما يزيد على العام. وفي أفضل الحالات سيتم نعت من ينادي بالتفاوض بأنهم وسطيون (بالمعنى السلبي) يساوون بين «الضحية والجلاد». يهمل صناع هذا الخطاب حقيقة أن التفاوض يهدف إلى تغيير جذري، وليس إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أو الإبقاء على أنظمة الاستبداد والفساد. وعملياً فكل ما يقوم به «معارضو التفاوض» هو استحضار مفرط لثنائية «الضحية والجلاد» كوسيلة لاستمرار هذه الثنائية (عوضاً عن محاولة إلغائها)، مع استهتار بالمآسي التي تكتسح الوطن، ودون تقديم أية بدائل حقيقية خلا العنف (في تماه وتماثل مع سلوك النظام).

في كل الأحوال لم يعد المشهد السوري المثقل بالدماء والخراب يحتمل المزيد، والتلكؤ في دعم التفاوض سيفضي إلى نتائج كارثية، بخاصة وأن هناك توجهاً دولياً (نتيجة التخوف من الجماعات المتطرفة)، ورأياً عاماً سورياً في الداخل (نتيجة المعاناة الإنسانية) للسير باتجاه دعم تفاوض يضع حداً للعنف، ويفضي إلى التغيير. التفاوض من أرقى أنواع النشاط السياسي، وانتصار للعقل على العنف والخراب، والمرحلة المقبلة ستشهد فرزاً حقيقياً في الأوراق واللاعبين الأساسيين بناء على قاعدة مع/ضد التفاوض. وأخيراً لا يجب أن ننسى أن سورية والسوريين أمانة في أعناقنا، وأعناق كل المشتغلين بالشأن العام، وأن من ينادي بالحرص على الدماء لا يتردد في حقنها.

========================

إيران وإسرائيل والثورة السورية

رضوان السيد

الشرق الاوسط

8-2-2013

دخلت إسرائيل على الموضوع السوري مؤخرا من بابين: الإغارة على مواقع عسكرية في سوريا ما تزال تفاصيل أهدافها غامضة فيما بين مركز للأبحاث العسكرية وقافلة صواريخ متطورة إلى حزب الله، والإعلان من جهة أُخرى عن إجراءات على الحدود مع سوريا على مرحلتين: إقامة سور عازل يشبه ذاك الذي أقامته إسرائيل ضمن الضفة الغربية والقدس وعلى تخومهما، والقرار أخيرا بإقامة منطقة عازلة في الجولان السوري بعرض 15 كيلومترا للوقاية من التطورات المحتملة بعد سقوط الأسد ونظامه. أما إيران فقد أرسلت إلى سوريا سعيد جليلي مدير مجلس الأمن القومي، وقد بقي الرجل عدة أيام اجتمع خلالها بالأسد، وأعلن بعدها أنّ إسرائيل ستندم على ما قامت به؛ في حين قال مسؤولون إيرانيون آخرون إنّ الردَّ السوري على الهجوم الإسرائيلي سيكون حاسما، ويوشك أن يُدخل الكيان الصهيوني في حالة غيبوبة! وفي الوقت نفسِه اجتمع وزير الخارجية الإيراني صالحي في ميونيخ بمعاذ الخطيب رئيس الائتلاف للمعارضة والثورة، وقال صالحي بعدها إنّ الاجتماع كان ممتازا لأنّ الخطيب قبل التفاوض مع نظام الأسد بشروط!

ماذا يريد الإسرائيليون، وماذا يريد الإيرانيون، وما العلاقة بين التحركين؟ كلا الطرفين الإسرائيلي والإيراني يقف مع نظام الأسد، لكنهما يُعدّان في الوقت نفسِه لصَون مصالحهما إذا سقط النظام. فالإسرائيلي يتخذ إجراءات على الحدود للحماية والوقاية بعد أن ظلَّ ساكنا ومطمئنا منذ عام 1974 من دون سورٍ واقٍ ومن دون منطقة عازلة. هل كان مطمئنا إلى وجود المراقبين الدوليين، أم كان مطمئنا إلى أنّ حكم البعث هو السور الواقي؟ الأرجح هو الأمر الثاني، لأنّ المُراقبين الدوليين ما يزالون موجودين، وسيظلون هناك بعد سقوط النظام. أمّا الغارة الإسرائيلية على مراكز وتحركات عسكرية؛ فإنها تريد التنبيه إلى أنّ «مشكلة» إسرائيل لن تنحلَّ باتفاق الأميركيين والروس على حل في سوريا؛ بل إنها تريد حلاّ لمشكلة حزب الله، والسلاح الذي تكدَّس ويتكدسُ لديه.

وهكذا فإنّ إسرائيل افتقدت وتفتقد بقيام الثورة السورية إلى سورين عازلين وليس سورا واحدا: تريد ضمانا لبقاء الهدوء على الحدود بينها وبين سوريا، وتريد ضمانا أيضا إلى حدودها مع لبنان بسبب بقاء الطرف الآخر للتوازُن المتمثل في حزب الله، والذي ما نشط لشيء بعد حرب عام 2006؛ بل انصرف لإحكام السيطرة على الداخل اللبناني، مطمئنا إلى سطوة المحور الذي أقامه الإيرانيون بين العراق وسوريا ولبنان. فالأطراف العربية الثلاثة للمحور الإيراني، كما أمّنت منطقة نفوذٍ ممتدة لإيران من الأهواز وإلى شاطئ المتوسط، أمّنت لإسرائيل «عدم تحرُّشٍ» لهذه الجهة طوال قرابة 7 سنوات. وخلال ذلك انتقل خطُّ الاشتباك إلى غزة كما هو معروف، إلى أنّ تسلّمت مصر بعد الثورة المسؤولية عن التهدئة لهذه الناحية.

القلق الإسرائيلي المتصاعد إذن هو في أحد تعبيراته، قلقٌ من تزعْزُع المحور الإيراني الذي توصلت إسرائيل معه إلى حالة «ربط نزاع». ومن هناك تأتي العلاقة بين التحركين الإسرائيلي والإيراني. فالإيرانيون أكثر قلقا بالطبع، لأنّ الذي تزعزع هو محورُهم ومركزُهُ سوريا ونظامُها على الخصوص، وإدراكا من إيران لأخطار التزعزع هذه، نشطت منذ قيام الثورة السورية لدعم النظام هناك بشتّى الوسائل المادية واللوجستية والعسكرية المباشرة. وما اكتفت بالدعم المباشر، بل طلبت من المالكي وحزب الله القيام بالشيء نفسِه.

فإلى جانب التسهيلات المالية واللوجستية والعتاد، هناك عدة آلافٍ من المقاتلين، لجهة نهر الفرات، ولجهة دمشق، ولجهة خط حمص - القُصير - الهرمل. بيد أنّ الغارة على المواقع السورية، أثارت لدى الإيرانيين قلقا آخر كبيرا، إذ بذلك تعرضت هيبة المحور الذي تدعي إيران أنها أقامته في وجه إسرائيل، لضربة قوية تستدعي ردا من نوعٍ ما، أو لا تعود هناك فائدة (دعائية على الأقلّ) من مزاعم الممانعة والمقاومة. ومن أجل «الردّ» المحتمل جاء جليلي إلى سوريا. لكنّ «تقدير الموقف» مع الأسد وضباطه، أفضى فيما يبدو إلى أنه لا فائدة تُرجى من تظاهُر النظام القيام بالردّ المُزلْزِل. فهل يقوم حزب الله؟

لقد نقضت إسرائيل شروط الهدنة القائمة بين المحور وبينها بالغارة؛ في حين كان المحور وفيا لالتزاماته وتعهداته بعد الحرب عام 2006. والتي أنجزها الأميركيون مع إيران في سياق انسحابهم من العراق. والاتفاق كان ألا يتعرض المحور للقوات الأميركية أثناء الانسحاب، ولا يتحرش بإسرائيل بعد الانسحاب. والذي حدث أن إسرائيل هي التي تحرشت، بسبب انخفاض منسوب الهيبة، ولأنها تريد ضماناتٍ ما عادت إيران ولا الولايات المتحدة تستطيع تأمينها لها بعد قيام الثورة السورية. بيد أنّ ترميم ما تصدّع اعتمادا على القدرات الهجومية لحزب الله، يُعتبر فخا أيضا: فما الذي يضمن ألا يتحول التعرض الصاروخي لإسرائيل إلى فرصة لها لـ«حلّ» مشكلة صواريخ الحزب من الأساس في حربٍ شاملة أو محدودة؟! ولذا فقد جرى صرف النظر حاليا فيما يبدو عن القيام بأي عملٍ عسكري، انتظارا، ربما، لطلْقة أخيرة يطلقها نظام الممانعة في لحظة الانهيار!

على أنّ الضيق الإيراني لا ينحصر بمشكلته الحالية مع تَداعي النظام السوري. فالإيراني مُقْبلٌ على مفاوضاتٍ مصيرية على النووي مع الأميركيين (الذين قدّموا عرضا أخيرا في لقاء بايدن وصالحي بميونيخ). وهم مترددون في ماذا يفعلون؟ هناك هموم الحصار الخانق، وهموم ضعف محور الممانعة، والمزايدات الداخلية التي تتطلبها انتخابات الرئاسة في يونيو (حزيران) المقبل. وليس من دون دلالة العرض شبه العَلَني الذي يقدّمونه للأميركيين بشأن نفوذهم في المناطق الشيعية بأفغانستان، وإمكانيات التعاوُن ما دام الأميركيون يريدون الانسحاب من هناك عام 2014. كما تعاونوا معهم عند دخولهم إلى أفغانستان عام 2001 - 2002. وشاركوهم عند دخولهم إلى العراق عام 2003. وخلفوهم عند خروجهم عام 2011.

إنّ الذين ينظرون إلى خطوة معاذ الخطيب باعتبارها تراجُعا عن مواقف سابقة، ينسَون أنها خطوة تستند إلى تعديلٍ في الموازين على الأرض. فالمعارضة الآن سلطة على أجزاء كبيرة من الأرض السورية. وصحيحٌ أنّ الأشهر الثلاثة الأخيرة ما شهدت تقدما بارزا للمعارضة العسكرية، وشهدت في المقابل عنفا هائلا من جانب قوات النظام؛ بيد أنّ الروس والإيرانيين (والصينيين الذين مضى إليهم المقداد) يعرفون يقينا (فهم على الأرض أيضا) أنه لا حياة باقية للنظام الذي يدعمونه من قُرابة السنتين من عمر الثورة - ولذا فإنهم (وكلٌّ على انفراد) يستقبلون عرض مُعاذ الخطيب، ويحاولون البناء عليه والحساب لما بعد الأسد: وإلاّ فكيف صار الإرهابيون والعملاء فجأة شركاء مقبولين في حل تفاوضي؟!

إنها «شراكة» قامت منذ مطالع القرن الحادي والعشرين برعاية الأميركيين بين الإسرائيليين والإيرانيين والأتراك على «ملء الفراغ» في منطقة الهلال الخصيب، وكان موضوعها العراق وسوريا ولبنان. وقد خرج من الشراكة – لكونها ما عادت مُجزية - كلٌّ من الأتراك والإسرائيليين في اتجاهاتٍ مختلفة. ودخل إلى الساحة الروس (بحكم موقعهم في النظام الدولي)، والعرب أو بعضهم (بسبب دعمهم للثورة السورية، وتصديهم للتدخل الإيراني في الشؤون العربية). لقد بدأ الحراك الاستراتيجي العربي المعاصر بالصراع على سوريا - بحسب تعبير باتريك سيل. وقد جرت تصفيته بفصل سوريا عن مصر، ثم صرفها للصراع مع العراق، فإلى إلحاقها بإيران قبل أكثر من عقدين. وتكتمل الحركة العربية الجديدة باستعادة سوريا إلى ذاتها، وإلى أمتها العربية.

====================

مبادرة الخطيب فضاء دولي

غسان المفلح

إيلاف 6/2/2013

مبادرة الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية، تأتي لسحب البساط من تحت اقدام الجيش الحر والكتائب المسلحة وقوى الثورة، وليس العكس..وهذا هو الفضاء الدولي السائد، حيث رحبت كل الدول بالمبادرة بما فيها روسيا، ولم تطل استجابة العصابة الأسدية معها، لكنها وضعت شرطا عبر لسان وزير مصالحتها الوطنية علي حيدر بقوله" على رئيس الائتلاف ادانة العنف الممارس من قبل الجيش الحر والكتائب المسلحة"طبعا لأن الثورة من وجهة نظر العصابة عبارة عن جماعات ارهابية.مسارعة الدول بمباركة مبادرة الشيخ معاذ لاطلاق حوار مع نظام العصابة الأسدية جعله يتمسك بها ويعيد طرحها من جديد، ويؤكد عليها والمتضمنة مطلبين من اجل اطلاق الحوار مع العصابة" الأول اطلاق سراح 160 ألف معتقل والثاني اعطاء جوزات سفر للسوريين في الخارج" رغم أنه امام الشيخ معاذ الخطيب وجماعته تجربة الاصدقاء في هيئة التنسيق وتجربة المجلس الوطني برئاسة الدكتور برهان غليون اثناء طرح مبادرة الجامعة العربية، وكيف تم التعامل معهما من قبل العصابة الأسدية.. حيث استفادت العصابة في مزيد من قتل شعبنا وتدمير بلدنا.. الشيخ معاذ كما هيئة التنسيق كما بعض شخصيات المجلس الوطني تستند في طروحاتها على الاجواء الدولية التي تحتك بها..وهذا ما فعله الشيخ معاذ بانه استجاب لهذه الاجواء، بوعي ام بدونه..ولهذا وافق وزير خارجية إيران الشريك في قتل شعبنا منذ بدء الثورة على لقاء الشيخ معاذ الخطيب في موينخ الالمانية. الفضاء الدولي متمحور حول نقطة واحدة وحيدة، وهي عدم احراجه بالتدخل من جهة وعدم انتصار اي طرف في سورية يعني استمرار القتل بلغة الصوملة. تكتيكيا المبادرة تريد كما ادعى حاميلها سحب البساط من تحت العصابة الأسدية، رغم أن مبادرات كثيرة طرحت ولم يتم سحب البساط من تحت اقدام هذه العصابة. لو أن الشيخ معاذ اعاد احياء مبادرة الجامعة العربية، رغم تحفظنا علها إلا ان فيها ما يقال، ربما كان لها وقعا اكبر..من أجل ماذا يريد الشيخ معاذ سحب البساط من تحت اقدام العصابة الأسدية أظن من أجل تحقيق اهداف أخرى السؤال ما هي هذه الاهداف؟ أظن أن الشيخ معاذ كان يعتقد أن العصابة الأسدية ستستجيب لمبادرته لأنه لا يوجد فيها ما يدعو لرحيل عائلة الأسد..من الملاحظ ونتيجة للفضاء الدولي أن كل ما فعلته المبادرة أنها ساهمت في بلبلة صفوف المعارضة وقوى الثورة، ولم تحدث أي أثر آخر...وإن احدثت فليشيروا لنا عليه. يقول الدكتور برهان غليون"من فضائل إطلاق هذه المبادرة أنها حركت المياة الراكدة وأعادت إلى الصفحات الأولى القضية السورية بعد أن كانت قد تراجعت إلى المركز الثاني والثالث، وعززت موقع الائتلاف لدى الدول التي كانت تخشىى تصلب المجلس الوطني، كما أنها أحرجت النظام وأنصاره وأصدقائه الروس الذين طالما رددوا أنهم ليسوا متمسكين بالأسد ولكنهم مع حوار سوري سوري من دون تدخل أجنبي" اعلاميا صحيح ما يقوله الدكتور برهان لأنها تعد تنازلا جوهريا لم يعتد الاعلام عليه، في ان يطرح من قبل من هم محسوبين كممثلين للثورة ليس إلا..الفضاء الدولي مرة أخرى هو فضاء لا يريد انتصار الثورة حتى اللحظة وبعضه لا يريد انتصار الطرفين لا الثورة ولا العصابة الأسدية.. وهذا مكثف في نتائج مؤتمر جنيف لهذا سارعت الدول لدعم المبادرة لكنها لم تحرج الروس..بالعكس الروس الآن اكثر ارتياحا في حركتهم.لأنهم يريدون الحركة والتي تعني مزيدا من الوقت تكسبه العصابة الأسدية.. السؤال أخيرا: لماذا على المعارضة تقديم مبادرة للحوار او للتفاوض؟ سؤال لم اجد اجابة عنه..اتمنى ان اجدها في الدفاعات عن مبادرة الشيخ معاذ.

=======================

دواعي الحوار مع الطاغية

جمال قارصلي

التاريخ: 07 فبراير 2013

البيان

في بداية ديسمبر 2011 كتبت مقالا بعنوان "لنكف عن القتل ونبدأ الحوار من أجل سوريا"، وذلك بعد أن استطاعت السلطة الحاكمة أن تجر الثورة السلمية السورية إلى المواجهة المسلحة وبدأت رقعة هذه المواجهة تزداد يوما بعد يوم. في ذلك التاريخ كانت إمكانيات نجاح الحوار والوصول إلى المصالحة الوطنية أكبر بكثير من يومنا هذا، لأن درجة العنف والإجرام من قبل رجالات السلطة لم تكن قد وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم, من مجازر ودمار واعتقالات وتهجير.

ما كتبه رئيس الائتلاف الوطني أحمد معاذ الخطيب في صفحته الخاصة على الفيس بوك, وما أكده في مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن حول إمكانية إجراء الحوار مع السلطة الحاكمة في سوريا, يأتي في نفس السياق الذي تطرقت إليه سابقا. معاذ الخطيب وضع شروطا واضحة من أجل بداية هذا الحوار، وهي إطلاق سراح 160 ألف معتقل، وتمديد جوازات سفر السوريين في الخارج. ولم يتطرق في مبادرته هذه إلى المواجهة المسلحة التي يقودها الثوار في الداخل, بل اعتبر هذا عملا سياسيا موازيا للعمل الميداني الذي يقوم به الثوار.

للوهلة الأولى كانت المبادرة فيها شيء من المفاجأة، وكانت ردة فعلي الشخصية سلبية تجاهها, ولكنني كلما تعمقت في التفكير حولها, زادت قناعتي بأنها تتضمن كثيرا من النقاط الإيجابية، وأهمها أنها تشير إلى مرونة المعارضة، وإلى النضج السياسي الذي وصلت إليه، وتؤكد أنها قد اكتسبت خبرة في التكتيك والمناورة السياسية. بهذه الخطوة وضعت المعارضة الكرة في ملعب السلطة وأحرجتها، وأنهت بذلك تشدقها بأن المعارضة لا تريد الحوار.

مبادرة معاذ الخطيب لم تكن جديدة على الساحة السياسية, بل هي نفس الفكرة التي تم تداولها بعد أشهر قليلة من بداية الثورة، وكان على فاروق الشرع أن يقودها، ولكن السلطة قررت آنذاك أن تأخذ منحى آخر، فعملت كل ما في وسعها لعسكرة الثورة وجلبها إلى المربع الأمني يقينا منها بأنها ستخرج منه رابحة, وها نحن نرى الآن في أية ورطة وقعت. فالسلطة في الحقيقة لا تريد الحوار وتخاف من الحوار كما يخاف الشيطان من المعوذات وهي تعلم بأن الحوار سيعريها وسيكشف وجهها الديكتاتوري.

الأستاذ معاذ الخطيب كان واضحا وصريحا عندما قال إنه ليس سياسيا بل هو ثائر، وأنه تصرف حسب ما يمليه عليه ضميره ووجدانه. ومن الواضح أنه لم يرجع إلى الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني ويأخذ رأيها في ما صرح به، ولكن قراره هذا لم يأت من عبث ولم يكن ارتجاليا كما يوحي لنا في الوهلة الأولى, بل جاء بناء على ما عايشه ولمسه بنفسه من ضغوط هائلة وتقلبات سياسية كثيرة، تمارسها الأنظمة العالمية على الثورة السورية.

هذه الضغوط لها وجوه كثيرة، منها الغدر والمكر والخداع من أطراف تدعي أنها أصدقاء للثورة السورية، ومنها ما وصل حتى إلى حدود التخاذل والخيانة. هذه الضغوط كان يواجهها هو بشكل مباشر بصفته رئيسا للائتلاف الوطني السوري، وبسبب قربه من المطبخ السياسي العربي والإقليمي والعالمي واطلاعه على بعض ما يدور خلف الكواليس.

إحدى الحجج التي كانت تسوقها القوى العالمية لتبرير عدم دعمها للثورة السورية، هي أن المعارضة غير موحدة, رغم أنها تعلم صعوبة تحقيق ذلك. وعندما تم تأسيس الائتلاف الوطني في اجتماع الدوحة الأخير، والذي انضم إليه حوالي 90٪ من المعارضة السورية, رحب به كثير من المعارضين السوريين المستقلين، ووجدوا أن الوقت قد حان للانخراط في هذا المكون السياسي الجديد، لدعم ثورة الحرية والكرامة التي يخوضها الشعب السوري. لكن الذين انضموا إلى الائتلاف الوطني، كان عليهم أن يعلموا منذ البداية أن هذه الخطوة تتطلب انضباطا صارما والتزاما بالقرارات التي يصدرها الائتلاف والاستعداد لتحمل تبعاتها.

الثورة السورية تتعرض الآن إلى مؤامرة كبيرة، وللأسف أعداؤها صاروا أكثر من أصدقائها، وهنالك دول قليلة تتمنى النجاح لهذه الثورة، ودول إقليمية وعربية تخاف من انتصارها، والمجتمع الدولي أصبح شريكا في مأساة الشعب السوري، وكثير من الدول أصبحت تغير مواقفها. أما السلطة الحاكمة في سوريا فهي تحصل على السلاح المتطور وعلى المليارات من دول صديقة لها.

المعارضة السورية تعيش الآن حالة إذلال من قبل الدول التي وعدت بدعمها، وكثير من الدول الأخرى التزمت الصمت المريب وأخذت دور المتفرج على ما يقوم به سفاح سوريا وزبانيته ضد شعب أعزل.

مبادرة أحمد معاذ الخطيب حركت كثيرا من المياه الراكدة، ودفعت القضية السورية إلى واجهة الأحداث العالمية، رغم التعتيم الإعلامي المفروض عليها. وما قام به معاذ الخطيب فيه روح المبادرة والجرأة والمسؤولية، وهو يستمد قوته من الدعم الجماهيري له، وكما يقول المثل العامي "الطير يطير بريشه".

إذن، على كل من يقف في صف الثورة السورية أن يدعم مثل هذه المبادرات الجريئة، وأن يبتعد عن تخوين الآخرين وعن الحلول المتطرفة والمقترحات المتزمة. السياسة هي فن الممكن، والصراع السياسي مثل المصارعة، ففيها كذلك يمكن تحقيق الفوز على الآخر بواسطة فارق النقاط.. وليس فقط بالضربة القاضية.

========================

دم السوريين مسؤولية مجلس الأمن!

راجح الخوري

2013-02-07

النهار

 كانت الازمة السورية الدامية في مقدم اهتمامات "مؤتمر الامن الدولي" الذي عقد في ميونيخ وحضرته 400 شخصية من 90 دولة وأنهى أعماله أول من أمس. هنا ليس من المغالاة القول ان مجرد عرض وقائع المقتلة السورية امام مؤتمر يحمل هذا الاسم، يكفي ليشكل ادانة قوية للمجتمع الدولي بكامله، وهو الذي يعجز عن ايجاد حل لأزمة لا تدمر بلداً بعينه بل تهدد الامن على المستويين الاقليمي والدولي!

الكبار الذين يمسكون بزمام العالم اذا صح التعبير والذين يفترض انهم يهتمون بالامن العالمي كانوا هناك بالطبع، وكانت هناك ايضاً اقنعتهم الخادعة على وجوههم تحجب وحشية مصالحهم امام المقتلة السورية التي تجاوز عدد ضحاياها الـ60 الفاً، لكن المثير ان الذين يمسكون بعنق مجلس الامن ويكتفون بالتفرج على حمامات الدم، تسابقوا في الكواليس على اجراء فحوص الـ"دي ان اي" السياسي لأحمد معاذ الخطيب، وقد تعاقبوا عليه من غرفة الى غرفة (جو بايدن وسيرغي لافروف وكاثرين آشتون وحتى علي اكبر صالحي)، ولكن يبدو ان المطلوب في النهاية كان التحلل السياسي والاخلاقي من دم السوريين وأن ادفنوا قتلاكم واذهبوا الى التفاوض... حسناً لكن ليس معروفاً على أي أساس وبأي هدف!

وفي انتظار استكمال تشظي المعارضة الذي أحدثه عرض الخطيب المفاجئ من الضروري التوقف امام الصرخة الجريئة التي أطلقها رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم عندما وقف في المؤتمر ليحمّل مجلس الامن المعطّل المسؤولية المباشرة عن استمرار المأساة السورية وعن آلاف الارواح التي أزهقت بنيران قوات النظام.

ولأن إطالة امد الازمة سيدخل المنطقة واستطراداً العالم في أتون طويل من الحروب، ولأن المناسبة هي للامن العالمي، وصلت صراحة الشيخ حمد الى حد يمكن ان يشكل تقريعاً للذين يمسكون برقبة مجلس الامن: "ما دمنا نتحدث هنا في مؤتمر ميونيخ المعني بالامن العالمي، فانني أقول وأؤكد ان الامن العالمي سيظل في خطر ما دام مجلس الامن الدولي المكلف حماية أمن العالم، يعجز عن اصدار قرار يوقف المجازر التي تتعرض لها الشعوب من الحكاّم الديكتاتوريين الذين يقتلون شعوبهم للاستمرار في السلطة"!

لكن المثير انه عندما وقف الشيخ حمد يختصر شعوراً عاماً في المنطقة العربية والعالم عبر شكواه من عجز مجلس الامن عن وقف القتل وفرض الحلول وإنصاف الشعوب وهو ما يحمّل الشرعية الدولية مسؤولية مباشرة عن استمرار مأساة الشعب السوري وعن الارواح التي أزهقت، كانت الادارة الاميركية - الروسية المشتركة تعمل في كواليس ميونيخ لمزيد من اهدار الدم عبر رعاية القتال بين النظام والثوار وترسيخ الانقسام بين المعارضة!

========================

إسرائيل واختراق الأمن القومي العربي: من بغداد إلى حمّام الشط ومن دير الزور إلى الخرطوم

عبد الحميد صيام

2013-02-06

القدس العربي 

في الوقت الذي فاز اليمين المتطرف في إسرائيل في انتخابات عام 1977 بزعامة مناحيم بيغن، اتجه النظام العربي الرسمي إلى التراجع والتفكك والانهيار. فقد قام أنور السادات بزيارته المشؤومة للقدس في نفس العام ودخل في مفاوضات أدت إلى اتفاقية كامب ديفد المذلة عام 1979 والتي أخرجت مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي.

شعرعندها زعماء الحرب الإسرائيليون أن أياديهم أصبحت طليقة فشرعوا في توسيع رقعة عملياتهم العسكرية واختراق الأمن القومي العربي ليس في دول الطوق فحسب بل في رقعة جغرافية شاسعة تمتد من العراق شرقا لتونس غربا. إن حادثة قيام الطائرات المقاتلة الإسرائيلية بتدمير مجمع البحوث العسكرية في جرمايا بسوريا في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء 30 من شهر كانون الثاني (يناير) الماضي ليست الأولى من نوعها وربما لن تكون الأخيرة ليس ضد سوريا فحسب بل وفي أكثر من بلد عربي سواء في ما يسمى دول الاعتدال أو دول الممانعة.

وسنستعرض في هذا المقال مجموعة من الانتهاكات لسيادة عدد من الدول العربية في مشارق الأرض ومغاربها في الثلاثين سنة الماضية. والعينة المدرجة أدناه لا تشمل كل الانتهاكات مثل خروقات المجال الجوي أو الغارات داخل الحدود أو زرع الجواسيس أو إغتيال العلماء والقيادات أو قتل جنود على خطوط التماس لأنها كثيرة. كما أننا لم نتطرق للحروب الخمسة التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 1982 و 2006 وعلى الضفة الغربية عام 2002/2003 وعلى غزة 2008/2009 وأخيرا حرب الأيام الثمانية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012.

 

العراق

عملية بابل: تدمير المجمع النووي أوزيراك (OZIRAK) - 7 حزيران (يونيو) 1981

يقع مجمع أوزيراك حسب التسمية الفرنســـية وتمـــوز حسب التسمية العراقية، تيمنا بالشهر الذي وصل حزب البعث فيه للسلطة، على بعد 17 كلم جنوب بغداد قــــرب مدينة بابل الشهيرة. بني المجمع بمساعدة فرنســـية إســـتمرت نحو خمس سنوات. حاولت إسرائيل وقف البناء بكل الطرق.

ففجرت بعض المواد المعدة للتصدير من فرنسا إلى العراق في نيسان (أبريل) 1979، كما قام عملاء الموساد بتاريخ 13 حزيران (يونيو) 1980 باغتيال العالم النووي المصري يحيى المشد في الحجرة رقم 941 في فندق الميريديان بباريس وهو في طريقه إلى بغداد.

في الساعة 3 و 55 دقيقة مساء إنطلق سرب من الطائرات الإسرائيلية (ف 15 وف 16) من قاعدة عتصيون الجوية فاخترق المجال الجوي الأردني قرب خليج العقبة ثم دخل المجال الجوي السعودي وتحدث قائد السرب زئيف راز بلهجة أردنية مدعيا أنه ضل الطريق ثم دخل المجال الجوي العراقي فلم يتم إكتشافه لأن السرب حلق على ارتفاع منخفض. وصلت الطائرات فوق المجمع الساعة 6 و 35 دقيقة مساء.

أستمرت الغارات لمدة دقيقتين وتركت المجمع ركاما وعادت سالمة - غنى الطيارون في طريق عودتهم نشيدا توراتيا حول عودة النبي اليسع إلى أرض كنعان واحتلالها من سكانها الأصليين. قتل عشرة جنود عراقيين ومهندس فرنسي قيل إنه عميل للموساد وسهل عملية التدمير. إسرائيل دفعت تعويضات لعائلة القتيل الفرنسي فقط. أصدر مجلس الأمن بالإجماع القرار 487 (1981) الذي يدين العملية، ولحقت به الجمعية العامة فأصدرت القرار 27/36 الذي يدين العملية ويطالب إسرائيل بالتعويض.

 

تونس

1. عملية الرِجل الخشبية- حمام الشط - تدمير مقر منظمة التحرير 1 تشرين الأول (أكتوبر) 1985

على بعد أكثر من 2000 كلم قامت ثماني طائرات ف-15 وطائرة بيونغ 707 معدلة لأغراض تزويد الطائرات المقاتلة بالمزيد من النفط في الفضاء بتدمير مقر منظمة التحرير الفلسطينية في منطقة حمام الشط على بعد 18 كلم من العاصمة مخلفة وراءها العديد من الضحايا من بينهم 60 فلسطينيا و200 تونسي وأكثر من 100 جريح. عادت الطائرات بعد أن تم تزويها بالمزيد من الطاقة في الجو فوق البحر المتوسط. مرة أخرى أصدر مجلس الأمن القرار 573 (1985) بتأييد أربعة عشر عضوا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، علما أن الرئيس ريغان قال 'لا نستطيع أن نتقبل مثل هذه العملية'. إسرائيل من جهتها بررت العملية على أنها رد على مقتل ثلاثة من عملاء الموساد في قبرص على يد 'القوة 17' التابعة لحركة فتح. أما الحبيب بورقيبة فكان متأكدا أن مثل هذه العملية لا يمكن أن تتم إلا بموافقة الولايات المتحدة.

2. إغتيال خلـــيل الوزير- أبو جهاد - 16 نيسان (أبريل) 1988

قاد عملية الاغتيال إهود باراك، نائب رئيس الأركان آنذاك، ومساعده موشيه يعالون، قائد 'سرية مقتال' كما تسمى بالعبرية. وقد قام باراك بالتنسيق بين عملاء الموساد على الأرض والزوارق الحربية التي وصلت إلى الشواطئ التونسية. تم الاعتراف رسميا بالعملية في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 حيث قال ناحوم ليف لجريدة يديعوت أحرانوت بأنه 'أفرغ عدة مخازن من الرصاص في جسد الوزير وكان حريصا على ألا يؤذي زوجته'. مجلس الأمن إجتمع لمناقشة العملية وأصدر قراره رقم 611 بتاريخ 25 نيسان (أبريل) وصوت لصالح القرار 14 عضوا بينما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت. القرار أدان انتهاك سيادة تونس واغتيال خليل الوزير لكنه لم يتطرق للفاعل.

 

الأردن

محاولة إغتيال خالد مشعل- 25 أيلول (سبتمبر) 1997

بناء على تعليمات مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتـنياهو، دخل إلى الأردن عميلان للموساد بجوازات سفر كندية، وانتظرا خالد مشعل، رئيس فرع حركة حماس في الأردن، أمام مقر الحركة وغرز أحدهما إبرة قرب أذنه أفرغت حقنات من السم في جسمه ففقد الوعي فورا ونقل إلى مجمع الحسين الطبي وهو بين الحياة والموت. من حسن حظ الرجل والأردن أن حراس مشعل تمكنوا من القبض على العميلين. أثارت الحادثة غضب الملك حسين الذي وقع عام 1994 اتفاقية وادي عربة للسلام مع إسرائيل رغم معارضة الغالبية من الشعب الأردني. هدد الملك حسين إسرائيل بإلغاء الاتفاق ومحاكمة العميلين علنا إن لم يرسل نانتياهو مادة لإبطال مفعول السم فورا وإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين رئيس الحركة الذي كان محكوما بالسجن المؤبد ثمنا لهذا الانتهاك. طار إلى الأردن رئيس الموساد داني أتون حاملا معه الترياق الخاص بإبطال مفعول السم وعاد بصحبة العميلين. بعد أيام أطلق سراح الشيخ أحمد ياسين الذي بقي في غزة لساعة استشهاده بتاريخ 13 حزيران (يونيو) 2003.

 

سوريا

1. التحليق فوق القصور الرئاسية 15 آب (أغسطس) 2003 وحزيران (يونيو) 2006

بعد قيام حزب الله بقصف مستوطنة شلومي في الجليل الأعلى يوم 10 آب (أغسطس) 2003 ومقتل مســـتوطن يدعى هفيف دادون وصل وليم بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأمريكية، إلى دمشق ليحذر القيادة السورية من مغبة عدم تقييد حركة حزب الله. لكن إسرائيل إستخدمت طريقة أخرى في التحذير وذلك بخرق الطائرات المقاتلة للمجال الجوي السوري التي حلقت يوم الجمعة في 15 آب (أغسطس) فوق القصر الجمهوري. تكررت عملية الطيران فوق القصور الرئاسية في اللاذقية في حزيران (يونيو) 2006 أثناء وجود الرئيس داخل القصور.

2. الهجوم على معسكر عين الصاحب 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2003

قامت أربع طائرات من طراز ف- 16 بالهجوم على معسكر التدريب عين الصاحب على بعد 25 كلم شمال غربي دمشق. والمعسكر تابع للفصائل الفلسطينية كالجهاد وحماس والجبهة الشعبية القيادة العامة. تم تدميرالمعسكر وتدمير كمية من الذخائر والمعدات المخزنة فيه. وهي أول عملية عسكرية إسرائيلية داخل الأراضي السورية منذ حرب تشرين (رمضان) 1973. وقد جرح شخص واحد في المعسكر. والعملية جاءت في أعقاب عملية انتحارية قامت بها حركة الجهاد الإسلامي في حيفا.

3. عملية البستان: تدمير مجمع دير الزور للأبحاث النووية 6 أيلول (سبتمبر) 2007

قامت على الأقل 4 طائرات بتدمير المجمع النووي السوري بدير الزور والذي تم إنشاؤه بمساعدة تقنية من كوريا الشـــمالية وتمويل إيراني زاد عن المليار دولار. وقد قام فريق كوماندو إسرائيلي من فرقة 'شالداك' بمعاينة المجمــــع وتصويره قبل يوم واحد من العملية. قتل في الحادث 15 عسكريا وجرح نحو 50. بعد الهجوم المشار إليه بستة أسابيع، زار مراسل 'يديعوت أحرونوت' رون بن يشاي، المنطقة وأعد تقريرا موسعا بناء على شهادات سكان محليين، تؤكد تحليق الطائرات الإسرائيلية في سماء المنطقة.

4. تدمير مركز الأبحاث بجرمايا - 30 كانون الثاني (يناير) 2013

الحادثة قريبة العهد وليست بحاجة إلى مزيد من التفاصيل لكن الجديد فيها أن الحكومة السورية لم تتأخر كثيرا للإعلان عن الهجوم كعادتها، لكنها حاولت استغلال العميلة سياسيا. فقد جاء في بيان رسمي صادر عن قيادة الجيش السوري بأن 'الإرهابيين حاولوا مرارا أن يقتحموا المجمع ويسيطروا عليه لكنهم لم يتمكنوا'. أي أن ما عجز 'الإرهابيون' عن تحقيقه قامت السلطات الإسرائيلية بتحقيقه. وكأن الطرفين الإسرائيلي والمعارضة يخوضان حربا واحدة ضد النظام. السفير السوري في بيروت هو الذي كرر الأسطوانة المشروخة باحتفاظ سوريا بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين. أما الشكوى الرسمية فلم تذهب لمجلس الأمن بل لقائد قوات الأمم المتحدة لفصل القوات في الجولان (UNDOF).

 

الإمارات العربية المتحدة

دبي- إغتيال محمود المبحوح- 19 كانون الثاني (يناير) 2010

وصل مطار دبي نحو 31 عميلا للموساد بجوازات سفر أوروبية في معظمها. وكان من بينهم 12 بريطانيا و 6 أيرلنديين و4 فرنسيين، 4 نمساويين وألماني واحد وعميلان فلسطينيان. دخلت المجموعات المدينة بكل خفة ومهارة وتوزعوا في عدة فنادق بما فيها فندق البستان-روتانا الذي يقيم فيه محمود المبحوح أحد قادة كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، في ساعة الصفر هاجمت مجموعة غرفة المبحوح رقم 230 حيث تم تخديره وصعقه بالكهرباء وخنقه في غرفة نومه. ثم عاد الجميع وخرجوا من البلاد بنفس الخفة والمهارة اللتين دخلا بهما ما عدا الفلسطينيين اللذين اعتقلا لاحقا. مثل هذا الإختراق الأمني الخطير وغير المسبوق، قد يطيح بكل طواقم الأمن والشرطة والمخابرات بكل فروعها ورؤسائها ووزرائها في أية دولة تحترم نفسها وسيادتها. الغريب أن بعض المسؤولين حاولوا أن يلعبوا دور البطولة وراحوا يعقدون المؤتمرات الصحفية ويعلنون عن كشف أسماء العملاء ووضع أسمائهم على قوائم المطلوبين للإنتربول حتى ليعجب المراقب من مثل هذا الموقف الغريب وكأن العملاء اعتقلوا في آخر لحظة ويقبعون الآن في زنازين انفرادية؟

 

السودان

تدمير مصنع اليرموك للأسلحة الخرطوم 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2012

في الساعات الأولى لفجر الأربعاء قامت أربع طائرات إسرائيلية بقصف مصنع 'اليرموك' للذخيرة جنوب مدينة الخرطوم. وقد سمعت إنفجارات هزت المدينة وتتطايرت شظايا الصواريخ والذخائر في كل إتجاه. أعلن وزير الإعلام السوداني أحمد بلال عثمان أن إسرائيل استهدفت المصنع 'لإضعاف قدراتنا الدفاعية وتطويرها من أجل إضعاف السيادة الوطنية السودانية'. وهذه ليست المرة الأولى التي تخترق إسرائيل السيادة السودانية. ففي كانون الثاني (يناير) من عام 2009 هاجمت إسرائيل قافلة عسكرية قرب بور سودان محملة بالذخائر قيل إنها متجهة إلى غزة لإيصال مساعدات عسكرية إيرانية لحركة حماس وتقول مصادر أمريكية إن نحو 40 شخصا قتلوا في العملية. السلطات السودانية لم تتوعد كغيرها بالرد في المكان والزمان المناسبين، ولم تتقدم بشكوى لمجلس الأمن لأنها تعرف سلفا أن المجلس سيُمنع من الاجتماع لمناقشة الشكوى.

الشيء المشترك بين أنظمة الحكم في الدول العربية أنها تلحس كرامتها عندما يتعلق الأمر بإسرائيل لكنها تستأسد على شعوبها عندما تطالب بحقوقها في الكرامة والحرية والمواطنة المتساوية وتمكين المرأة وسيادة القانون وتبادل السلطة واحترام حق التعبير والتجمع والتنقل ولجم الفساد والفاسدين وأنسنة أجهزة الأمن وتحديد دور الجيش في حماية الوطن لا حماية النظام وقتل المواطنين مما يذكرنا بقول عمران بن حطان موجها كلامه للحجاج:

'أسد عليّ وفي الحروب نعامة ربداء تهرب من صفير الصافر'

 

' أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

========================

جواب اللاجواب!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

7-2-2013

قبل بيان الخارجية الأميركية بتأييد إعلان رئيس إئتلاف المعارضة السورية عن إستعداده لمفاوضات (مشروطة) مع نظام بشار الأسد، وكان الاعتقاد حتى لدى قادة هذه المعارضة، بأن المسألة قد تكون مجرد قفزة «مجانية» في الهواء وانها قد تكون من قبيل الهروب من المُرِّ إلى الأمر منه أو انها مجرد مناورة قصيرة النظر محكوم عليها بالفشل وهي لن تؤدي إلاّ إلى المزيد من البلبلة في صفوف «الثورة» وفي أوساط الشعب السوري الذي قدَّم كل هذه التضحيات الجسيمة كي يتخلص فعلاً من هذا النظام الذي من غير الممكن أن تكون هناك حلول حقيقية بدون رحيله وبدون أي تأخير.

لكن هذا البيان كما بات يتضح أنه ليس مجرد «موَّالٍ» أطلقه الشيخ معاذ الخطيب من أجل إلقاء حجر في المياه الراكدة ومن أجْل إحراج هذا النظام والتأكيد للعالم كله، حتى بمن في ذلك الذين يؤيدونه وبقوا يخوضون كل معاركه منذ البدايات ومنذ اللحظة الأولى وحتى الآن وفي مقدمتهم روسيا لافروف، انه ماضٍ في ما كان بدأه وانه لايمكن أن يقبل بأيِّ صيغة حلٍّ تفقده أياً من الصلاحيات التي يجري الحديث عنها والتي هي في الحقيقة كانت ولا تزال في يد بشار الأسد بدون لا شريك ولا منافس.

لقد عزز بيان الخارجية الأميركية آنف الذكر قناعات بعض الذين كانوا ولا يزالون يقولون إنَّ خلافات الروس والأميركيين، بالنسبة للأزمة السورية التي غدت متفاقمة وأصبحت بحاجة إلى معجزة فعلية ليتم حلها الحل المطلوب الذي يرضي الشعب السوري والذي لا يجعل تضحياته تذهب هباءً وأدراج الرياح، تخفي تفاهمات غير معلنة على مجموعة من الخطوات التي إذا تم إتخاذها فإنها على الأقل قد تفتح الأبواب وإن مُواربة للخروج من هذا الإستعصاء الذي طال أمده والذي دفع سوريا إلى دائرة الأخطار الحقيقية التي على رأسها تزايد الشكوك حول بقائها كدولة واحدة وكشعب موحد.

لكن، وهذه «اللكن» يجب أن توضع تحتها عشرات الخطوط، علينا ألاّ نذهب في التفاؤل بعيداً فوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي هو، وليس لا وليد المعلم ولا حتى بشار الأسد، عقدة الأزمة السورية قد غادر ميونخ بدون أن ينْبُسْ بإبنة شفة وبدون ان يقول ولا كلمة واحدة حول ما كان عرَضَهُ قائد المعارضة السورية وأن الإشارة التي أعتبرت بادرة إيجابية فقط هي أنه وجَّه دعوة للشيخ معاذ الخطيب ليزور موسكو كما كان زارها عدد من زملائه في هذه المعارضة.

ولذلك وإستناداً إلى هذا كله يجب عدم الذهاب في التفاؤل بعيداً وبخاصة أنَّ الذي ردَّ على عَرْضِ الشيخ معاذ الخطيب هو رجل المخابرات الإيرانية ومفاوض ملف التوجهات النووية لدولة الولي الفقيه سعيد جليلي الذي لم يخجل من ان يتحدث من دمشق العاصمة العربية التاريخية وكأنه يتحدث من طهران والذي لم يخجل أيضاً من أن يردَّ على هذا العَرْض الذي تقدم به زعيم المعارضة السورية وكأنه لا يوجد في سوريا لا رئيس دولة ولا وزير خارجية.. وكأنه لا يوجد في هذا البلد حتى أيُّ «دَوْمري».. لقد قال هذا المسؤول الإيراني الذي تدخل في أمرٍ من المفترض أنه لا يعنيه أنه على من يريد التفاوض أن يأتي إلى دمشق وأنه يجب أن تكون المفاوضات على أساس أن بشار الأسد هو رئيس دولة «الممانعة والمقاومة»! وهذا في حقيقة الأمر هو جواب اللاجواب! وردُّ من لا يجوز أنْ يقبل به الشعب السوري.

========================

من مكة إلى القاهرة.. سورية الحاضر الغائب

2013-02-07 12:00 AM

الوطن السعودية

6 أشهر مضت بين قمتين إسلاميتين، الأولى استثنائية وعقدت في مكة المكرمة، والثانية اختتمت أعمال دورتها العادية في القاهرة أمس.. ما بين القمتين كانت الأزمة السورية، الحاضر الغائب، وذلك بعد تعليق عضوية سورية في منظمة التعاون الإسلامي.

كان بمقدور السوريين أن يشاركوا في قمة القاهرة، إلا أن عدم اتحاد المعارضة السورية جعلها خارج حسابات الحضور المادي، واكتفت أن تكون حاضرة معنويا من خلال بنود ومقررات القمتين.

دعوة البيان الختامي للقمة الإسلامية للمعارضة السورية بسرعة تشكيل حكومة انتقالية تأتي بعد فشل الأخيرة بالتوافق عليها خلال الاجتماعات التي عقدت أخيرا على الأراضي التركية، وخصوصا بعد أن اصطدم الائتلاف السوري بحاجز قد يهدد مستقبله بعد دعوة رئيسه معاذ الخطيب للتفاوض مع نظام كان وما زال يعتمد الحل العسكري أساسا للحل على الأرض.

تشكيل حكومة سورية انتقالية من شأنه أن يقوي موقف المعارضة السورية سياسيا، ويضفي عليها مزيدا من الشرعية، وخصوصا في ظل الاتفاق الدولي على أن نظام الأسد فاقد للشرعية، وأن أحد أهم الأسباب التي تجعله يتقدم خطوة ويتراجع أخرى هو الخوف من شكل البديل الحاكم لسورية.

أصدقاء سورية الحقيقيون وفروا لها كل سبل العيش الكريم بعد سقوط نظام الأسد، فالمانحون تعهدوا في وقت سابق بأكثر من تريليون دولار للشعب السوري.. معظمها من السعودية والكويت وقطر، وها هي المعارضة تستقبل في أهم العواصم العربية والعالمية، فضلا عن خطوة افتتاح مكتبين للائتلاف السوري في كل من واشنطن ونيويورك.. كل ذلك يعني أن كل سبل النجاح تمت تهيئتها أمام المعارضة السورية لإنجاح مرحلة ما بعد نظام الأسد، ولم يتبق أمامها إلا ترجمة تلك العوامل إلى واقع عملي يكفل انطلاقة حقبة جديدة لدولة سورية حديثة.

الإجماع الإسلامي على دعم الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد، لا يمكن أن يتوقف لمجرد إرهاصات إيرانية تحاول من خلالها شق الصف ومخالفة الإجماع، كما حدث في اجتماعات القاهرة خلال اليومين الماضيين، ولا سيما أن طهران أحد أهم الأطراف التي دعمت ولا تزال تدعم النظام فاقد الشرعية لوجستيا وعسكريا، وهو ما يعني أنها شريك أساسي في المذبحة الرهيبة التي يتعرض لها السوريون منذ ما يزيد على عامين.

========================

«مناورة ميونيخ» جاءت لمصلحة المعارضة السورية

عبدالوهاب بدرخان *

الخميس ٧ فبراير ٢٠١٣

الحياة

سيطر جو من الارتباك على المعارضة السورية، ربما لأن اللحظة حرجة لأسباب ثلاثة: أولها أن «الأصدقاء» خذلوها وأوقفوا كل دعم للائتلاف في الخارج وللحراك الثوري في الداخل، والثاني أن روسيا وإيران استغلّتا انكفاء الولايات المتحدة وهوسها بـ «الجهاديين» لتعيدا النظام إلى وضع هجومي عسكرياً وسياسياً، والثالث أن الضغط اشتد على الائتلاف كي يخطو نحو «الحوار» من أجل حل سياسي للأزمة. وجاءت الموافقة «الشخصية» للشيخ معاذ الخطيب، رغم ربطها بشروط مسبقة، لتُشِيع الإحباط في بيئة المعارضة.

وخلال الأسبوع الماضي صدرت مواقف أميركية تحاول تبديد الانطباع بأن واشنطن غيّرت موقفها من النظام السوري لتصبح أكثر ميلاً إلى تسوية للأزمة بوجوده وحتى بقيادته. واستمر تركيز نائب الرئيس جو بايدن في ميونيخ، وكذلك السفير روبرت فورد في أكثر من عاصمة، على أن نظام بشار الأسد سينهار وأنه لم يعد قادراً على الحكم، فضلاً عن تأكيد مواصلة دعم ائتلاف المعارضة. لكن الكلام الجميل لا يغيّر شيئاً في الواقع، فالمعارضة صدمها إعلان وضع «جبهة النصرة» على اللائحة الأميركية للتنظيمات الإرهابية واعتبرته تزكية لروايات النظام وهدية مجانية تلقفها وبنى عليها. ولكنْ صدمها أيضاً أن تُختذل في هذه «الجبهة»، بل صدمها أكثر أن يُصار الى تجاهل مسؤولية عنف النظام وعجز المجتمع الدولي عن الصعود الطبيعي للتطرف بسبب تفاقم المعاناة. لكن الأسوأ أن المعارضة شعرت بأن المعادلة العسكرية القائمة، أي منع أي طرف من الحسم، أصبحت مهددة، ولم يعد الأميركيون متمسّكين بها. وليس متوقعاً، حتى بعد لقاء بايدن والخطيب في ميونيخ، أي تحسن ملموس في تدفق الأسلحة والذخائر إلى المعارضة.

في وضع كهذا، وطالما أن واشنطن ضغطت لوقف الدعم عن المعارضة، ملبيةً إلحاح روسيا والنظام، كان متوقعاً منها أن تأخذ في المقابل أفضل الشروط لـ «الحل السياسي». واستناداً إلى المعلومات، فإن التفاهمات مع روسيا لم تبلغ حسم «مصير» الأسد، وإنما حددت ما المطلوب منه، لكن الخلاف على آلية التنفيذ، اعتماداً على «اتفاق جنيف» وتفسيراته، أبقى التفاهمات في مربعها الأول، بدليل إخفاق اقتراح «الحكومة بصلاحيات كاملة»، كما نقله الأخضر الإبراهيمي، إذ بدت الأطراف الدولية بعده كأن لم تعد لديها أفكار. وفي تلك اللحظة طرح الأسد ما سماه «خطة الحل» تحت سقف النظام ومن خلال حكومته الحالية وبشروطه. وطبعاً لم تنل الخطة سوى تأييد إيران، وفيما وصفتها موسكو أولاً بأنها «أساسٌ صالح» للبحث عن حل، صار سيرغي لافروف يعتبرها اليوم «خطة الحل»، أي أن المعارضة مدعوة إلى هذه الخطة.

لم ينته المأزق العسكري للنظام بعد، لكنه وحلفاءه بدأوا يتصرفون وكأن هناك منتصراً يستطيع أن يملي شروطه، ولم تنهزم المعارضة بعد، لكن يراد لها أن تعلن أو تهيئ الإعلان عن استسلامها. في هذا الجو الملتبس، جاءت موافقة معاذ الخطيب على «الحوار مع النظام». ورغم أنه أحاطها بشروط، إلا أنها أثارت الاستهجان فضلاً عن الاستياء والاستنكار وما هو أكثر من ذلك، إذ طولب بالاستقالة، وهُدد بالإسقاط. لكن لكل خطوة انفعالية محاذيرها، فبعدما رمي المجلس الوطني في التيه ومُنح دوراً من خلال الائتلاف، قد تؤدي زعزعة الائتلاف إلى القضاء نهائياً على أي إمكان لإيجاد إطار أو كيان يمثل أو يحاول أن يمثل المعارضة. ما الذي دفع الخطيب إلى هذه المجازفة؟ ليس الرجل محترف سياسة أو فاسداً، ولا هو زعيم لحزب أو جماعة، ولا يمكن تخوينه أو اتهامه بـ «بيع الثورة ودماء الشهداء»... لكنه يعرف النظام حق المعرفة، ولا يحتاج الى من يقول له المزيد عن بطشه وإجرامه، والأكيد أنه ليس معجباً بفكرة «الحوار مع النظام». اذاً، لماذا أبدى موافقة مبدئية عليها؟

تردّد أنه تعرّض لضغوط، وإذا كان الاشتباه الأول فيها يتعلق بالأميركيين، إلا أنها ضغوط من أي جهات يمكن تصوّرها، وأولها على الإطلاق النقطة التي بلغها الوضع في سورية، إذ بات منزلقاً بقوة إلى حرب أهلية طويلة لا مصلحة للثورة فيها، أما النظام، فأعدّ نفسه منذ زمن لخوض هذه الحرب والخروج منها الى المساومة على وحدة الأرض والشعب والدولة، ليظفر بـ «الدويلة» العلوية. وثانيها أن المعارضة المعبّرة عن الثورة تجد نفسها، إلى معاناة الشعب التي تجاوزت كل الحدود والخذلان الدولي الذي أوصد الأبواب، مسؤولة وحدها عن المحافظة على سورية التي يرتهنها النظام لمبادلتها بـ «دويلته». لعل الضغوط التي ينطوي عليها هذا المنعطف الأخطر طرحت الحاجة إلى توقّع أي صدمة: كان يمكن أن يقدم رئيس الائتلاف على أي خطوة، كأن يستقيل، أو يدلي ببيان غاضب يكشف فيه المصاعب مع «الأصدقاء» الدوليين... اختار أن يبدي انحناءة أمام الريح ووافق على الحوار بشروط بديهية، لماذا؟ لأنه مدرك أن هذه الشروط، ولو محدودة، لن يلبّيها النظام.

لا أحد، ولا حتى المعارضة المقيّدة أو المدجّنة في الداخل، يستطيع دخول أي حوار من دون شروط، أقلّه لاختبار النظام. وأوحت ردود فعل الروس والايرانيين بعد التحادث مع الخطيب وكأن موافقته على الحوار تشكّل بداية «انتصار» للنظام. وحتى النظام نفسه أبدى بلسان ما يسمى «وزير المصالحة» ترحيباً كان أقرب الى «التشبيح» منه إلى الاستعداد للتصالح. وسواء كان هذا «الحوار» فخاً أم لا، يبدو أن جميع الذين حكوا ويحكون عن «الحل السياسي» لن يتعرفوا إليه إلا عند الشروع به. ولعل رئيس الائتلاف أراد بهذه المناورة أن يعرف أكثر وعن كثب ما إذا كانت هناك فعلاً خطة حل، وحقيقة ما يفكر فيه الأميركيون والروس والإيرانيون، فهم يناورون بعضهم على بعض، وستكون العملية السياسية، إذا قدّر لها أن تنطلق، حلبة لمزيد من المناورات. أستنتج أن ثمة هدفاً يتعجّله حلفاء النظام، وهو دفع الطرفين إلى الانخراط في حوار وكأنه غاية في حد ذاته، أو كأنه سيخلق دينامية تمكّنه من ادارة نفسه ذاتياً. هذا رهان افتراضي أجوف، فالنظام يتظاهر بأنه بدأ ينتصر لكن مقاتلي المعارضة يتحدّونه كل يوم، ويتصرّف كما لو أن المعارضة غير موجودة، لكنه يتلهّف الى حل سياسي معها، وإلا فإن «انتصاره» سيبقى مجرد وهم. في المقابل، تبدو المعارضة أكثر واقعية، فهي تعترف بأن النظام موجود لأنها قاتلته وأفقدته شرعيته وستواصل القتال، مثله، حتى لو اضطرت الى أي «تحاور» معه، لكن طبعاً بالشروط التي تحقق مصلحة سورية كل سورية، وشعبها كل شعبها.

في نهاية المطاف كانت مناورة ميونيخ لمصلحة المعارضة لا ضدّها، فهي لم تخسر شيئاً، ولم تتنازل عن شيء، وانما كانت فرصة للروس والإيرانيين كي يسمعوا مباشرةً أن ثمن «الحل السياسي» الذي يتخيّلونه أعلى كثيراً مما يتصورون ومما يعرضه النظام. تأكد معاذ الخطيب أنه لا يجازف ولا يغامر، بل يلعب اللعبة ويحرج الآخرين. لذلك صرّح بأن الدول الكبرى ليست لديها خطة. أي أن المحك لا يزال في الداخل، على أرض سورية، فما أن قال نعم للحوار وطرح الشروط حتى انكشف النظام بأنه ليس فقط غير مستعد لأي حل، بل قتل كل الحلول وبقي مصرّاً على الحل العسكري، وهو ما بات عاجزاً عن تحقيقه.

========================

عنف الإخوان المسلمين والتفاوض مع النظام

طالب ك. إبراهيم *

الخميس ٧ فبراير ٢٠١٣

الحياة

في أواسط الثمانينات، وأثناء الأزمة المتفاقمة بين النظام السوري وحركة الإخوان المسلمين، وفي لقاء جمع قادة الاستخبارات السورية مع بعض قادة الإخوان والطليعة المقاتلة في ألمانيا الغربية، وبوساطة من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ذكر القائد الميداني لحزب التحرير الإسلامي في طرابلس سمير حسن، وقد كان بين الحضور كوسيط، أن طرفي الخلاف جلسا في جهتين متقابلتين، وبدأ سيل الشتائم بين الطرفين. والشتائم لم توفر أحداً على الإطلاق، لا قائداً ولا طائفة، وهي شتائم لا توجد في أي معجم سياسي أو اجتماعي. وذكر القائد التوحيدي الوسيط أنه جلس يستمع إلى ذاك السيل من الشتائم مستغرباً، ومعتقداً أن التفاوض لن ينجح إن بدأ بتلك الطريقة.

بعد فترة قصيرة من بداية الثورة السورية، أعلن رياض الشقفة المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين في سورية، أن الإخوان المسلمين يقفون خلف الحراك الثوري، في إشارة واضحة على إضفاء طابع إخواني على الحراك، وليفتح باب التخمينات حول ركوب موجة التفاوض مع النظام السوري، معتمداً هذه المرة على وساطة تركية، ومستفيداً من الأحداث النادرة التي عصفت في سورية.

ويأتي ضمن السياق عينه، الإعلان مؤخراً عن وحدة الفصائل الإسلامية المسلحة العاملة في الساحة السورية، باعتبارها نواة واحدة لوحدات مقاتلة، وتخضع لمنهج عمل وأجندة لا علاقة للجيش الحر بها، في الفترة التي ترشح فيها الساحة السياسية بمبادرات دولية وعربية تقود جميعها إلى البدء بعملية سياسية لحل الأزمة المستعصية، والتي تعني التفاوض مع النظام السوري، ويتم تجميل مبادرة التفاوض بإضافة عبارة «من لم تتلوث يداه بالدماء».

توحيد الفصائل الإسلامية تلك هو رسالة فحواها: من يريد أن يفاوض الآن فهذه قوة الإخوان المسلمين، ولن يستطيع أحد إغفالها.

ليس لدى حركة الإخوان المسلمين في سورية طابع خاص يميزها عن بقية الحركات الإخوانية في المنطقة، فهي وإن بدأت كمجموعة من الجمعيات الخيرية والاجتماعية، وتميزت بارتباطها الوثيق بطبقة التجار، وتركز صراعها بداية ضد الحركات القومية والشيوعية، لكن تطورها الداخلي، ووفق تعبيراتها السياسية اللاحقة، كان باتجاه الدفاع عن الطائفة الإسلامية السنية، خاصة المحرومين أو المبعدين عن السلطة، و في 1945 نشر الإخوان أهدافهم، والتي أظهرت اهتمامهم بالجانب المسلح للحركة، وترافق ذلك مع قيام الكثير من أعضائهم بالخضوع لمعسكرات تدريب على استخدام السلاح.

في كل الدعايات التي أراد فيها الإخوان في سورية إثبات ابتعادهم فكراً وممارسة عن العنف، وعن تنظيم الطليعة المقاتلة، الفصيل الإسلامي المتطرف الذي يعتمد العنف أساساً في نظريته وممارسته لها، تأتي الوقائع لتثبت العكس تماماً، وكان آخر حدث بارز في ذلك هو استلام رياض الشقفة منصب المراقب العام، وهو الذي كان أحد أبرز القادة العسكريين لتنظيم الطليعة المقاتلة.

في أواسط الستينات، بدأت تتعالى أصوات في صفوف حركة الإخوان المسلمين من خارج دمشق، تطالب بالمواجهة مع النظام عبر العنف، وعلى رغم الأجواء المشوبة بالغضب من الجماعة تجاه النظام، إلا أن الحركة أصدرت قراراً تم تعميمه، بعدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية مع النظام، الأمر الذي ساهم بمغادرة قيادات وكوادر من الإخوان صفوفها، وتشكيلهم في ما بعد تنظيم الطليعة المقاتلة بقيادة مروان حديد في 1975، التنظيم الذي اعتمد علانية العنف المسلح طريقاً لتغيير النظام السوري «النصيري»، كما كانت بيانات التنظيم المتطرف تصف النظام السوري.

مات مروان حديد، مؤسس وقائد تنظيم «الطليعة المقاتلة» في السجن. وذكرت تقارير السلطة السورية في ذلك الوقت أن سبب الوفاة كان إضرابه عن الطعام، وقد كان أحد إخوة مروان حديد الذي يعمل في السلك الديبلوماسي شاهداً على ذلك، لكن حركة الإخوان المسلمين اعتبرت أن المسألة هي قتل وفق منهج معروف للسلطة السورية.

في حزيران (يونيو) 1979 قام النقيب ابراهيم اليوسف، والذي كان أحد أعضاء تنظيم الطليعة المقاتلة، بتجميع الضباط في صالة الطعام الخاصة بكلية المدفعية في مدينة حلب، وتم عزل الضباط الذين ينتمون إلى الطائفة السنية، باستثناء اثنين رفضا الانصياع لعملية العزل تلك، وتمت عملية إطلاق النار عليهم، فقتل 32 ضابطاً علوياً، وجرح العشرات، ونجا من تلك العملية من استطاع الاحتماء بأجساد رفاقه القتلى أو من استطاع الاختباء في مدخنة المطعم.

في تلك الفترة صدر بيان عن الإخوان اعتبروا فيه أن لا علاقة لهم بتلك العملية لا من قريب ولا من بعيد، لكن النظام وجه أصابع الاتهام إليهم، من دون تمييز بينهم وبين الطليعة المقاتلة. لكن الفترة ذاتها شهدت تفجيرات إرهابية في أماكن كثيرة من سورية، واغتيالات طاولت وجوهاً تنتمي إلى الطائفة العلوية من ضباط وأطباء ورجال دين وبعثيين، وصلت إلى سبعين شخصية في فترة لا تتعدى الثلاثة أشهر.

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1980، صدر بيان في دمشق تحت عنوان «بيان الثورة المسلحة» يعلن عن قيام «جبهة إسلامية» لتنظيم مختلف الحركات الإسلامية، وتنظيم أدوارها. والجدير بالذكر أن البيان حفل بتداخل غريب بين قيادات من تنظيم الطليعة المقاتلة، من أمثال عدنان عقلة، مع قيادات الإخوان المسلمين أمثال البيانوني، في شغل المناصب في الجبهة المعنية...

========================

مبادرة الخطيب.. لا ثقة بهمسات الروس ولا بوشوشات الأميركيين!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

7-2-2013

حتى الآن لم يُعرف على وجه اليقين ما الذي جعل رئيس الائتلاف السوري الشيخ معاذ الخطيب يفاجئ الشعب السوري والمعارضة السورية ومعظم المتابعين لهذا الأمر عربا وعجما وروسا وأميركيين، بـ«مبادرة» فتح أبواب الحوار مع نظام بشار الأسد بشروط غير واضحة المعالم وهي بحاجة إلى «بصارة» وضاربة ودعٍ لتقول ما المقصود ولتحدد ما فرص النجاح ولتتكهن بمن سيكون الرابح ومن سيكون الخاسر في النهاية.

لا يجوز التشكيك في وطنية الشيخ معاذ الخطيب ولا في صدق نواياه ولا في أبعاد دوافعه، لكن في العمل السياسي، وبخاصة بالنسبة لقضية أصبحت على كل هذا المستوى من التشابك والتعقيد والصراع الدولي والإقليمي.. لا يجوز الركون إطلاقا إلى صدق النوايا وطيبة القلب، وتحديدا عندما يكون الخصم هو هذا النظام الذي لا قلبه طيب ولا نواياه صادقة والذي ارتكب كل هذه الجرائم التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها على مدى نحو عامين غاص خلالهما في دماء شعبه حتى الركب.

لو أن الشيخ معاذ الخطيب قد بادر إلى هذه «المبادرة» انطلاقا من الحيثيات التي ذكرها ومن بينها أن الشعب السوري لم يعد قادرا على المزيد من الاحتمال، وأن الدول الكبرى ليس لديها أي تصور لحل هذه الأزمة، لكان عليه أن يناقش هذه الخطوة الخطيرة فعلا مع زملائه في الائتلاف الذي يرأسه، ومع «المجلس الوطني» الذي يشكل العمود الفقري لهذا الائتلاف، وأيضا مع الدول العربية المعنية، ومع الدول الأوروبية الصديقة، ومع الولايات المتحدة.. أما أن يبدو وكأنه متفرد في رأيه، وأنا لا أعتقد أنه كذلك، فإن هذا هو ما جعل ردات فعل بعض رفاقه، الذين يسيرون معه على هذا الطريق الصعب، تأتي على كل هذا النحو من الحدة والعنف و«الاتهامية»!!

ربما، ومع أن بعض الظن إثم، أن هذه «الطبخة» المُرة كانت نتيجة تشاور هذا الشيخ الجليل، الذي لا يحق لأي كان أن يمس بوطنيته أو يشكك في صدق نواياه ونقاء سريرته، مع الإخوان المسلمين (السوريين) الذين بقيت فكرة طرق أبواب التفاوض مع هذا النظام والتحاور معه تطرح عليهم منذ البدايات. وحقيقة أنهم بقوا يرفضون هذا رفضا مطلقا وبخاصة بعدما حول بشار الأسد بتصرفاته الطائشة الرعناء مطالبات إصلاحية سلمية إلى مواجهات عنيفة ما لبثت أن تحولت إلى كل هذه الحرب الطاحنة المحتدمة الآن التي تغطي الجغرافيا السورية وخلفت كل هذا الدمار والخراب. وربما، ومع أن بعض الظن إثم أيضا، أن «إخوان» سوريا، هداهم الله، قد تشاوروا مع أقرب «الأصدقاء» إليهم من الدول العربية وأن هؤلاء بادروا إلى إعطائهم «الضوء الأخضر» لأسباب بعضها يتعلق بمستجدات الواقع السوري لجهة هذا النظام، الذي يبدو أنه كلما ازدادت الأمور تعقيدا، ازداد هو تمترسا في خنادقه وتمسكا بمواقفه واستشراسا بعدوانيته، وبعضها الآخر يتعلق ببعض التأثيرات العربية في المسألة السورية ويتعلق أيضا بما بين روسيا والولايات المتحدة من أمور مخفية تجاه هذه المنطقة ومستقبلها وتجاه موازين القوى العالمية والعالم الأحادي القطبية والمتعدد الأقطاب.

وحقيقة - ومع أخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار، ولكن مع الحرص الشديد على عدم الأخذ بها على أنها مسلمات تُبنى عليها مواقف سياسية - فإنه من المستبعد جدا أن يكون وراء «مبادرة» الشيخ معاذ الخطيب اتفاق أميركي - روسي كامل متكامل، فهذا غير وارد على الإطلاق؛ إذ إن الروس حتى الآن ما زالوا يخيطون بمسلة غير المسلة التي يخيط بها الأميركيون. وإنه غير صحيح كل ما يقال عن أن لافروف ومجموعته، وعلى رأس هؤلاء جميعا فلاديمير بوتين، أصبحوا أكثر اعتدالا وأنهم باتوا أقرب إلى مواقف الذين يرون أنه لا حل لهذه الأزمة السورية المستفحلة، إلا بالتوافق على رحيل بشار الأسد ومجموعته العسكرية والأمنية الحاكمة وبالتوافق أيضا على عدم انهيار الدولة السورية بوصفها دولة.

فانسحاب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومغادرة ميونيخ، بعدما التقى الشيخ معاذ الخطيب وبعدما ناقشه بالتأكيد في حيثيات مبادرته هذه، من دون قول ولا كلمة واحدة حول هذا المُستجد المهم جدا، يدل على أن الروس ما زالوا على موقفهم القائل إن بقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها غير قابل للنقاش وإنه لا بد من أن ينهي «ولايته» الحالية ويترشح لولاية جديدة إن هو أراد ذلك، ثم إن الصلاحيات المقترحة التي ستتمتع بها الحكومة الوطنية قيد التداول مرفوض جدا أن تشمل القرارات المتعلقة بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية. ولهذا، وما دام أن هذا هو واقع الحال، فإن الخوف كل الخوف أن تأخذ «مبادرة» الشيخ معاذ الخطيب - حتى وإن كان الأميركيون والروس ومعهم بعض «الأشقاء»!! العرب قد أشعروه برضاهم عنها وترحيبهم بها - سوريا إلى أزمة أخطر كثيرا من المأزق الذي تمر بها حاليا، وبخاصة إذا أدى تضارب المواقف حول هذه المبادرة إلى المزيد من الصراع الدولي والإقليمي على الساحة السورية وإلى المزيد من انقسامات المعارضة السورية علاوة على انقساماتها الحالية التي هي لا جائزة ولا مبررة.

وإزاء هذا كله، فإن المؤكد أن الشيخ معاذ الخطيب يعرف تمام المعرفة - هذا إذا كان فعلا قد طرح مبادرته هذه من قبيل المناورة - أن بشار الأسد، ولأنه يدرك ويعرف أن الخيارات المطروحة عليه لحل هذه الأزمة حلا سلميا ومن خلال الحوار والتفاوض، كل واحد منها أمرّ من الآخر، سيبقى يسير على هذا الطريق الذي وضع أقدامه عليه منذ أن اختار العنف والحلول الأمنية والعسكرية لمواجهة شعبية مطالبات عادلة كان المفترض أن يتعاطى معها إيجابيا وبالوسائل السلمية.

إن المعروف أن بشار الأسد، وفقا لنصائح المحيطين به من أقارب وأبناء خؤولة وعمومة ووفقا لآراء الإيرانيين والروس، قد اتبع ومنذ اللحظة الأولى درس المجازر التي ارتكبها والده في حماه في مثل هذا الشهر؛ فبراير (شباط) عام 1982، فهؤلاء أقنعوه، وحقيقة فإن ثقافته أصلا هي هذه الثقافة الدموية، بأن الشعب السوري لا يفهم إلا العنف والقوة، ولهذا فإن مجزرة حماه هذه قد جعلته يبقى مستسلما وصامتا لأكثر من ثلاثين عاما. وبالطبع، فإن هذا غير صحيح وعلى الإطلاق، ولذلك فإن المؤكد أنه، أي الرئيس السوري، حتى وإن قُدمت إليه ألف مبادرة كهذه المبادرة، فإنه سيبقى متمسكا بدرس ما فعله أبوه بمدينة حماه، وإنه سيبقى يراهن على أن الشعب السوري في النهاية سيسأم هذه الأوضاع الصعبة التي بات يعيشها وأنه سيفقد الأمل وسيعلن الاستسلام ليسود الهدوء الطويل الذي سيمكنه من أن يورث لابنه «حافظ» الصغير ما أورثه أبوه له بعد وفاته في عام 2000.

ثم حتى وإن كانت هذه المبادرة تنص نصا صريحا على أن التفاوض المقترح يجب أن يكون على رحيل بشار الأسد، فإنها في حقيقة الأمر بعدم تماسكها وبعدم وضوحها وبعدم اقترانها لا بجدول زمني ولا بضمانات دولية، لا يمكن أن تكون إلا مجرد قفزة في الهواء لم يفهمها نظام بشار الأسد إلا على أنها دليل على أنه قد أصاب الشعب السوري ما كان أصابه بعد مذابح حماه في عام 1982. وبالتالي فإنه لا بد من المزيد من العنف والقتل ليصل هذا الشعب إلى حالة الإحباط والاستسلام الكامل، وهنا فإنه يبدو، بل إنه المؤكد، أن هذه هي وجهة نظر الروس، وأن هذا هو رأي حكام إيران.

========================

السعودية والموقف الواضح تجاه سوريا

طارق الحميد

الشرق الاوسط

7-2-2013

جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في القمة الإسلامية بمصر، التي ألقاها نيابة عنه ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز، شديدة الوضوح تجاه الثورة السورية، بل إنها أعادت رسم الحدود، وقطعت الطريق على كل محاولات تمييع المواقف تجاه سوريا.

كلمة الملك السعودي التي ألقاها ولي العهد، كانت شديدة الوضوح عندما طالبت مجلس الأمن الدولي بضرورة اتخاذ موقف حاسم لوقف الظلم والعدوان الذي يطال كلا من الشعب السوري والفلسطيني، نعم، الشعبين السوري والفلسطيني، فجرائم الأسد في سوريا لا تقل عن جرائم الإسرائيليين بحق الفلسطينيين، بل إن حروب إسرائيل في المنطقة لم تتجاوز الشهر بحد أقصى، أو الأسبوعين بحد أدنى، بينما ما يفعله الأسد في سوريا تجاوز كل الحدود، وعلى مدى عامين، وكل يوم يسقط ما يزيد على مائة قتيل سوري، والعالم يواصل المشاهدة بلامبالاة، هذا عدا عن المواقف «المائعة».

وعندما نقول إن هناك مواقف «مائعة»، فإنها تظهر من خلال المناورات، والأكاذيب، التي تأتي إما من دول، أو قيادات، تارة بطرح مبادرات لا معنى لها إلا إطالة أمد الأزمة السورية، ومحاولة منح الأسد المزيد من الفرص، رغم أن الثوار هم من يواصلون التقدم، رغم فارق القوة الظاهر بينهم وبين نظام إجرامي لا يتوانى عن استخدام الطائرات الحربية لقصف المدنيين العزل.

والقصة لا تقف عند حد مواقف بعض دول المنطقة التي لا نفهم ما معنى رفضها للتدخل العسكري الخارجي، خصوصا أن الأسد يواصل القتل، ولا آفاق لحلول سياسية، بل إننا أمام المواقف الإيرانية المخادعة، وكذلك المواقف الروسية الباحثة عن ثمن، ولو على حساب الدم السوري، وهناك التردد الأميركي حول كيفية التعامل مع الأزمة السورية، بل الأدهى عندما يروج البعض في واشنطن أن ما يحدث في سوريا هو حرب أهلية، ثم تأتي وسائل الإعلام الغربية وبعض وسائل الإعلام العربية، للأسف، لتصف ما يحدث في سوريا بالحرب الأهلية، وهذا غير صحيح.

الحرب الأهلية تقع عندما تتناحر جماعات إثنية، أو مكونات من الشعب مع بعضها البعض، لكن ما يحدث في سوريا أننا أمام نظام إجرامي يقوم بقتل شعبه وبالطائرات الحربية، وبشكل فاق كل الجرائم.

وكما قال الأمير سلمان في كلمته، فإن جرائم نظام الأسد قد بلغت «مستويات لا يمكن أن يبرر الصمت عنها، أو عدم عمل أي فعل لردعها».

ولذا فإن الموقف السعودي الواضح، والشفاف، والذي سمى الأشياء بأسمائها في خطاب القمة الإسلامية بمصر حول ما يحدث في سوريا، يعتبر مهما، وجاء في وقته؛ فالمملكة العربية السعودية، منذ اندلاع الثورة السورية، شكلت الرافعة السياسية والأخلاقية للموقف من الثورة، وحاولت السعودية، وتحاول، قطع الطريق على تجار الدم.

ومن هنا فإن مطالبة السعودية لمجلس الأمن بضرورة التدخل لرفع الظلم عن الشعب السوري والفلسطيني تعتبر مطالبة منصفة، وتبين الفارق بين من يريد استقرار وسلام الشعوب العربية، ومن يريد المتاجرة بهم وبالمنطقة ككل.

========================

حرب الجهاديين والجيش الحر

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

7-2-2013

نسب إلى أحد قادة السلفية الجهادية في الأردن قوله: «إن حربا ستقع بين الجهاديين والمقاتلين العلمانيين (الجيش الحر) في حالة سقوط الرئيس بشار الأسد».

عند قراءة هذا التهديد نجد له تفسيرا من اثنين، إما أنه جزء من حملة نظام دمشق التخويفية، أو تصريح صادق يعبر عن مشروع الجماعات الجهادية، وكلا الاحتمالين كارثي.

الحديث منسوب لجهادي يلقب بأبو سياف مؤيد لـ«القاعدة». حديثه حديث متفرج وراء الحدود، لولا توقيته الذي يخدم الأسد فقط، الذي يواجه انتفاضة غالبية الشعب ضده باتهامهم أنهم إرهابيون من تنظيم القاعدة. وهنا يطابق تصريح أبو سياف الأردني مزاعم نظام دمشق ويخدمه خدمة عظيمة. فمن يسمع كلامه مضطر لأن يسائل نفسه، هل الأفضل أن يحكم سوريا شرير أنيق الملبس مثل بشار الأسد، أم شرير رث الثياب يحمل سيفا؟

بكل أسف سيختار كثيرون الأسد على الظواهري، سيختارون «سوريا الأسد» على «أفغانستان طالبان و(القاعدة)»، ولا يمكن أن يقبلوا بسوريا صومالية، ولن يحاربوا لتصبح دمشق تمبكتو أخرى.

هذا التخيل المرعب مبني على فزاعة تقول: إن سقوط الأسد يعني صعود الظواهري وجبهة النصرة و«القاعدة». لكن لماذا نفترض أن إسقاط نظام الأسد، وهو مطلب شعبي واسع، سيليه حتما استيلاء «القاعدة» على دمشق؟ الحقيقة ما يقوله أبو سياف الأردني هو ما يقوله «أبو سياف الأسد»، حملة تخويف المواطن السوري الذي يقاتل منذ عامين من أجل التخلص من نظام جثم على صدره أربعين عاما. وهي محاولة تخويف للدول الواقفة مع الثورة مثل السعودية وقطر، وتخويف للدول الكبرى والأوروبية الأخرى التي رغم التلكؤ تقوم بالتضييق على نظام الأسد ماليا واقتصاديا وسيكون لها دور مهم في تأسيس الدولة السوية الحديثة لاحقا.

ونحن لا نريد أن يكذب علينا أبو سياف ولا نريد أن نكذب بدورنا على الآخرين، نعم.. الوضع في سوريا بالغ الخطورة، فإيران وروسيا تقومان بجهد هائل لإسناد نظام دمشق وحمايته من السقوط وهما سر بقاء الأسد في قصره إلى اليوم. في ظل حملة الترويع والتجويع والإبادة من الطبيعي أن تولد جماعة تنحو نحو الانتقام، وشرائح في المجتمع تؤيد التطرف، لكن من المؤكد أن نظام الأسد، ومعه حزب الله وإيران، وراء تشجيع جماعات إرهابية، أو فتح الطريق لها، لتكون ضمن المعارضة لتخويف المجتمع الدولي الذي يقاتل اليوم «القاعدة» في اليمن وأفغانستان ومالي، ولا يعقل أن يؤيد ثورة ترفع علم «القاعدة».

يقول أبو سياف الأردني: «في حالة الإطاحة بالأسد فإن الجيش السوري الحر أو عناصر بداخله تعادي أفكار جبهة النصرة ستطلب من الجماعات الإسلامية على الفور إلقاء سلاحها.. وهنا راح يصير صدام والخسائر راح تكثر.. لا نستطيع أن نقول كيف حتى لا نستبق الأحداث».

نحن نقول له إنهم سيفشلون، وسيقاتلهم الشعب السوري، انظروا: لقد فشلت «القاعدة» في كل مكان، الجزائر والسعودية ومصر والأردن والعراق وحتى في الصومال ومحاصرة في اليمن وأفغانستان وباكستان. إنها مشروع تكفيري ضد 90% من المجتمع المسلم.

شخصيا أعتقد أن أقواله خدمة مجانية للأسد هدفها إحباط همة الثوار وتشكيك الإنسان السوري في ثورته، وتخويف العالم. الأغلبية ضد «القاعدة»، وضد السلفية الجهادية، وغالبية الثوار السوريين الساحقة جيش حر منشقون من الجيش النظامي وشباب ثائر على الظلم وليسوا جهاديين ولا عربا أو أجانب من «القاعدة». جبهة النصرة، إن كانت حقا من «القاعدة»، فإنها ستنتهي مثل كل تنظيمات القاعدة بالفشل، أما إذا كانت جماعة ثورية سورية فستجد مكانها مع البقية. الذي علينا أن نفهمه أن الجيش السوري الحر، وهو القوة الساحقة، وطني حقيقي، وصيحاته وتكبيراته الدينية يجب أن تفهم في سياقها الصحيح ولا تحتسب على فكر «القاعدة»، إنها مثلما يفعل المقاتلون المسيحيون في جيوشهم يرسمون الصليب، واليهود يحملون التوراة، هذا تدين وليس تطرفا، ومن الطبيعي أن تكون غالبية الناس متدينة وتعبر عن دينها.

الجيش الحر مشروعه بناء بلد جديد، أما «القاعدة» فإن مشروعها الهدم والدم، لهذا فشلت وقاتلها المتدينون. ففي العراق فشل الأميركيون في حربهم عليها واستطاع أبناء العشائر السنية القضاء عليها. السوريون شعب متحضر ومعتدل التدين، لن يسمحوا لـ«القاعدة» الشريرة بأن تخلف نظام الأسد الشرير. وسيفعلون ما فعله السعوديون والمصريون والجزائريون والأردنيون ويفعله اليمنيون برفض فكر التنظيم ورجاله. وبالتالي علينا ألا نجعل فرضية البديل الجهادي سببا في إفشال الثورة السورية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ