ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 07/02/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

06-02-2013

تغول السلطة: الحالة السورية

د.خالص جلبي

تاريخ النشر: الأربعاء 06 فبراير 2013

الاتحاد

منظر المصفقين للأسد بتاريخ 6 يناير 2013 من المحتشدين في «الأوبرا» وهو يلقي خطابه بعد ثورة عشرين شهراً ومصرع ستين ألفاً وهرب ستة ملايين، يحكي ذلك التصفيق آلية الجماهير العمياء بيد نخبة سيئة تسوقها إلى حتفها بظلفها.

يقول برتراند راسل: «ربما تكتفي الحيوانات بالوجود والتوالد في حين يتشوق الناس إلى التوسع والتمدد، ولا حدود لهذه الرغبات في هذا الصدد، إلا ضمن إطار ما يحدده لها الخيال من حدود ممكنة». وقليلون هم أولئك الذين يصمدون أمام هذا الإغراء. ولو عرض على أي زعيم غربي حكم أي جمهورية من جمهوريات العالم الثالث، لانفرجت أساريره وزعم أن جذوره البعيدة من ذلك البلد، لأنه يعلم أن الجماهير ستصفق له إلى الأبد.

 يستعرض ديفيد كيبنيس David Kipnis في كتابه، «مالكو القوة» The Powerholders ثلاثة مظاهر رئيسية لمالك القوة:

1- إضافة الانتصارات إلى سجله، وأما الكوارث فتبقى للحمقى المقصرين من مساعديه. 2- وتحت تأثير خدر «هيروين» القوة التي تحقنها في وعيه الفئة المستفيدة، قد يعتقد بتعاليه عن النقد ونزاهته من الخطأ. 3- وفي النهاية قد يقع تحت إدمان «هيروين القوة»، فالمدمن يقع مع تعاطي الهيروين في قبضة الإدمان من جرعة واحدة. وإذا كانت أبخرة الحشيش تعمي الرؤية وتقود إلى الهلوسة، فهذا هو مصير بعض النظم عند انفصالها عن واقع شعوبها. وكل الهزائم العربية اعتبرت انتصارات للأنظمة. هكذا يعلم طلاب المدارس الذين يرضعون ثقافة الغلط ويعيشون محنة ثقافة مزورة.

وعندما تحطم أسطول نابليون في معركة «أبو قير» على يد البريطاني «نيلسون» ومعه أعظم تحفة فنية عسكرية «سفينة الشرق» عزا الكارثة إلى قائده «برويه» لأن نابليون كان مشغولاً بتسجيل انتصاراته عند سفح الهرم على فرسان المماليك الذين انفصلوا عن صيرورة التاريخ.

ويصف «كيبنيس» في فقرة خطيرة: «كلما ازدادت القوة في يد أحدهم مال إلى اعتبار نفسه مهماً، وأنه مسموح له بالتصرف لأن الآخرين أقل شأناً».

حكى لي صديق حين التحق بالجيش السوري فاستقبل المدرب الفوج ممن جاء لتأدية خدمة العلم، ومنهم أطباء ومهندسون فكانت الكلمة الأولى لهم: انسوا شهاداتكم لأنها تحت حذائي هذا!

لقد أظهرت التجارب أن بعض المسجونين يخسرون مع الوقت احترامهم لأنفسهم وآدميتهم، ويكون انتقام النفس في هذه الإهانة العميقة رهيباً إذا وقعت الواقعة. ومنه نفهم سر هذا الانفجار الهائل في سوريا عام 2012.

وبالمقابل فإن مشاعر الاعتداد بالنفس تتصاعد عند جبابرة القوة في وسط تحيط بهم فئة تعيش على التملق والمديح بما ليس فيهم. وتقول لهم، إن كل ما يفعلونه صدق وعدل ومبرر.

كذلك أظهرت الدراسات أن أفظع الناس وأدعاهم لأن يخشاهم المرء هم أولئك الذين ينقصهم الحس القيادي ليصبحوا فجأة في مكان الصدارة والقرار.

ويروي تاريخنا أن الحجاج بن يوسف جلس يوماً لقتل أصحاب عبدالرحمن بن الأشعث، فقام رجل منهم فقال: أصلح الله الأمير إن لي عليك حقاً؟ قال: وما حقك؟ قال: سبّك عبدالرحمن يوماً فرددت عليه. قال: من يعلم ذلك؟ قال: أنشد الله رجلاً سمع بذلك إلا شهد به؛ فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذلك أيها الأمير. قال خلوا عنه. ثم قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر؟ قال: لقديم بغضي إياك. فقال الحجاج: ويخلى عنه لصدقه.

إنها قصة مفزعة من تاريخنا، يقتل فيها الإنسان على الكلمة، ويطلق سراحه بكلمة، ويخلدها تاريخنا على أنها من المآثر.

إنها نكبة بكل معيار ولكن أكثر الناس ظالمون.

========================

هل تعتذر المعارضة في حال تعذر سقوط الأسد؟

بشير عيسى *

الأربعاء ٦ فبراير ٢٠١٣

الحياة

الحكم على أي مسار سياسي رهن بالنتائج التي يخلص إليها، وعلى اعتبار أن النتائج جاءت مغايرة لما كان ينشده الحراك في الحالة السورية، فهذا يعني بالضرورة وجود أخطاء بنيوية لم يتم التوقف عندها ملياً، لتصحيح النهج الذي تبناه الحراك وتقويمه. وهنا نود الإشارة إلى أهم الأخطاء التي ارتكبتها معظم قوى المعارضة.

أولاً: محاولة العديد من التيارات السياسية الاستئثار بحصر شرعية التمثيل، على خلفية إيديولوجية وحزبية جاءت سابقة على الهم الوطني الجامع، ما حال دون إيجاد جبهة موحدة تكون نداً وبديلاً يرضى عنه معظم السوريين، فكان الضرب بالأيدي والتخوين وكَيْل الشتائم في ما بينها سمةَ المشهد. وبدل الدفع باتجاه التوحد على المشترك وتنحية الخلافات إلى حين تحقيق المبتغى، ظهرت أصوات تبرر ما حدث، ملقيةً باللوم على النظام، وفي الوقت ذاته اعتبرته حالة صحية وديموقراطية!

ثانياً: مراهنة المجلس الوطني المعارض، ومعه الائتلاف المُشّكل مؤخراً، على التدخل العسكري على الطريقة الليبية، وهو رهان بدت ملامح فشله مع أول فيتو، وبدل البحث عن خيارات أخرى، ظل الرهان قائماً على إمكانية أن تغيّر روسيا موقفها. وهنا يحضرني مقال لميشيل كيلو في «السفير» اعتبر فيه بأن روسيا ستحسم أمرها في نهاية المطاف، لأنها ستدرك بأن مصالحها ستكون مع الشعب وليس مع نظام استعدى شعبه عليه. وعشية الفيتو الثاني، أطل على شاشة «الجديد» ليقول: على المعارضة أن تتفاوض مع الروس ويعطوهم كل شيء، ليستدرك قائلاً: إلا السيادة طبعاً! مع أننا منذ بداية الأزمة تحدثنا من على هذا المنبر، عن صلابة الموقف الروسي، لأسباب بات الكل يُدركها.

ثالثاً: الإفراط في التفاؤل بأن أيام الأسد باتت معدودة منذ الأشهر الأولى، على خلفية محاكاتهم لما جرى في «دول الربيع»، حيث بدأت المعارضة بالحديث عن مرحلة ما بعد الأسد، لاسيما مع إنشاء المجلس الوطني في اسطنبول، وتُرجم هذا التوجه مع أول حكومة ظل، لم يكتب لها النجاح، بسبب اختلاف المعارضين على الكراسي، وفق تعبير هيثم المالح، ثم تبعتها حكومة ثانية وثالثة، إلى أن وصلنا لمبادرة سيف-فورد، التي مهدت لإنشاء الائتلاف المعارض برئاسة الخطيب إمام الجامع الأموي! على أمل تشكيل حكومة تكنوقراط تقود المرحلة الانتقالية.

رابعاً: الاستخفاف بقوة نظام الأسد وبالمؤسسة العسكرية الداعمة له، حيث يرددون في كل مناسبة بأن الأسد مختبئ ويهم بالهرب، وخطابه الأخير كان مسجلاً! منكرين عليه شعبيته، وواصفين من يقف معه بحفنة من الشبيحة، وبأن نظامه متآكل من الداخل وآيل للسقوط. أما بالنسبة للجيش النظامي فكان توصيفهم له خطأً أخلاقياً، حين اعتبروه جيش الأسد، كونه يضم مكونات المجتمع السوري كافة. وكانت هذه إحدى نقاط الخلاف بين هيئة التنسيق والمجلس الوطني، إذ توهم الأخير أن الجيش سينقسم ويتفكك بفعل الانشقاقات الفردية، وهذا ما لم يحدث.

خامساً: السكوت عن الخطاب والسلوك الطائفي، رغم تحذيرنا من على هذا المنبر قبل أن تبادر هيئة التنسيق وترفع لاءاتها الثلاث، وهو ما عزز تخوف الأقليات والمعتدلين من الطائفة السنية، إضافة لغض الطرف عن التسلل الكبير للجهاديين، واعتبارهم ظاهرة هامشية في الثورة. أما الخطأ الاستراتيجي، فيتمثل في دفاعهم عن «جبهة النصرة»، بعدما كانوا يعتبرونها صنيعة الأجهزة الأمنية، وهذا ما صب في صالح النظام، فعرف الأسد كيف يستثمره في خطابه بدار الأوبرا، إذ شكل دفاع المعارضة عن القوى المتطرفة لاحقاً معظمَ أعمدة هذا الخطاب، وكانت هذه هدية مجانية قدمتها عن غير قصد، وأظهرت معها الأسد أكثر ارتياحاً وثقة، ليقول على الملأ إنه مع مبادرة جنيف ولكن بشروطه!

في هذا السياق يمكن تفهم رفض المعارضة مبادرة الأسد، لكن استمرارها على النهج ذاته من دون إعادة تقييم لمسار تجربتها كله، هو المأساة بعينها، حيث اعتبر الائتلاف المعارض أن خطاب الأسد يهدف إلى إحباط الحل الديبلوماسي للصراع! وهو موقف غريب ومتناقض، كون الائتلاف اشترط رحيل الأسد قبل الدخول في أي تفاوض مع نظامه، فلماذا إذاً يُحرِّم ما حلله لنفسه؟

واستمراراً في المأساة والغرابة، وصف أحمد رمضان عضو المجلس الوطني، الخطاب على «سكاي نيوز»، بأنه خطاب الوداع! وأن روسيا وإيران تخدعان الأسد وتضللانه! بينما رأى وليد البني على شاشة «بي بي سي» أن الشعب الذي ثار بكل أطيافه سوف يزيله هو وعائلته من الحكم!... مرة أخرى تؤكد المعارضة على الثورة والتحدث باسم الشعب!

سادساً: عدم رؤيتها التحولَ الذي طرأ على المزاج الشعبي، بعيداً عمن والى أو عارض، فالواقفون في الوسط بدأوا يفقدون صبرهم جراء طول الأزمة واستعصاء الحل السياسي، فغياب الأمان مع انكفاء الدولة، وانتشار فوضى السلاح، وما نتج عنه من أعمال سلب ونهب وخطف طاولت حتى النساء والأطفال في كل المناطق، إضافة لضرب البنى التحتية، كل ذلك أدى لانحطاط الواقع المعيشي والقيمي، حتى بات معظم الناس يترحمون على ما مضى وانقضى. وهنا لا يعود مجدياً تحميل النظام وحده مسؤولية ما يجري، ولنا أن نتذكر كيف رفعت المعارضة شعار «لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس»! وما تبعه من تخريب للمدارس وتهديد للمدرسين والطلاب.

في هذا السياق يمكن النظر لعملية استهداف جامعة حلب، والتي ذهب ضحيتها العشرات، من زاوية أنها تصب في صالح النظام، رغم اتهام واشنطن له، والذي جاء معيباً برأي لافروف. الأمر عينه يحدث مع حالة التجويع، التي يمر بها الشعب ويستثمرها النظام، فالعقوبات الدولية التي فُرضت على سورية رأى فيها بعض المعارضين حافزاً ليثور من لم يثر من الشعب ويُسقط النظام!

بهذا الغيض نسألهم: في حال لم يسقط الأسد، هل ستعترف المعارضة بأخطائها وتعتذر لمن سيبقى من الشعب؟

========================

خطر الإسلاميين في سورية يهدد تركيا

نهاد علي أوزكان *

النهار

الأربعاء ٦ فبراير ٢٠١٣

يُعدُّ الهجوم الإرهابي في الجزائر بمثابة إنذار الى الحكومات الغربية وشركاتها العاملة في مناطق نائية. ولا شك في أن الربيع العربي ليس فاتحة تاريخ الحركات المسلحة المتطرفة في الشرق الأوسط، لكنه حرث تربة غنية ازدهرت فيها هذه الحركات. وتشير المعلومات إلى تعاظم احتمال كر سبحة هجمات إرهابية مماثلة لهجوم عين أميناس في الجزائر. والحملة العسكرية الفرنسية على الإسلاميين المتطرفين في مالي أماطت اللثام عن النزاع غير المتكافئ الذي ستتواصل فصوله في المرحلة المقبلة. وتعاظمت قدرات الإسلاميين المتطرفين في مالي إثر حوادث ليبيا، والتي أفضت إلى مقتل السفير الأميركي في بنغازي. ويُرجح أن يعيد التاريخ «الليبي» نفسه في سورية، وأن تُستهدف المصالح الغربية جراء انتشار السلاح ومراكمة الميليشيات الخبرات القتالية. فالمعارضة السورية تضع يدها شيئاً فشيئاً على ترسانة أسلحة نظام الأسد، ومنها الأسلحة الكيماوية، والميليشيات ستكتسب أصول استخدام العتاد العسكري، فيتعاظم النزاع.

ومع تواصل فصول الحرب الأهلية في سورية، يتقاطر «الإسلاميون» من تركيا وأنحاء المعمورة للمشاركة في القتال على الأراضي السورية. وفي المتناول ملاحظة الإقبال على تجنيد المقاتلين «العالميين» عبر شبكة الإنترنت. ولا يخفى أنهم لا يقصدون سورية للمشاركة في إرساء الديموقراطية، وان خطابهم «الجهادي» لا يمت بصلة إلى الخطاب الغربي عن ديكتاتورية الأسد. والأغلب على الظن أن يواجه الغرب وتركيا في المستقبل القريب تحديات «جهادية» لا يستخف بها، مهما آلت إليه الحرب الأهلية في سورية. ووراء تعاظم هذه الأخطار عدد من الأسباب، منها: 1) السلاح يتدفق الى سورية من تركيا ولبنان والأردن من غير حسيب أو رقيب. والحدود مشرّعة أمام المقاتلين الراغبين في القتال. 2) ضعف سلطة الدولة في سورية. 3) بدأ الطابع المحلي يغلب على شبكات «الجهاديين»، وزدات قدراتهم على استقطاب مواطنين اتراك. 4) تركيا حافلة بمواقع غربية «مغرية» للإسلامويين المتطرفين: ففي 2003، هاجموا مصرف «اتش اس بي سي» وكنيسين والقنصلية البريطانية. 5) تراخي الحكومة التركية المعادية للأسد مع المعارضة السورية الإسلامية المتطرفة.

وتفادي الأسوأ، أي أزمات إرهابية جديدة، هو رهن باتخاذ الحكومات والشركات دروس من حادثة الجزائر.

========================

الحوار ما زال بعيداً

عبدالله إسكندر

النهار

الأربعاء ٦ فبراير ٢٠١٣

كل الناس انشغلت بإعلان رئيس الائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب باستثناء الطرف الآخر المعني بهذا الحوار، أي النظام في دمشق. وبغض النظر عن دوافع إعلان الاستعداد للحوار وشروطه ومبرراته وأهدافه، يتحدث كل من الخطيب والنظام السوري عن شيئين مختلفين لا علاقة لأي منهما بالآخر.

فالنظام بدأ الحوار الذي يبتغيه منذ فترة طويلة، وكلف رئيس الحكومة برعايته. يجري النظام هذا الحوار مع نفسه وأتباعه، ليس من أجل إيجاد حل في البلاد وإنما من أجل الاستمرار في التصدي للإرهابيين، أي كل الفئات والأحزاب والجماعات السورية المعارضة. وهو يرحب بالحوار مع كل من لم تتلطخ أيديه بالدماء ولم يساعد الإرهابيين ومن يعترف بمرجعية النظام، أي يستبعد مسبقاً جميع الذين يبدون أي تحفظ عن مفهومه لطبيعة الأزمة وكيفية معالجتها، وجميع الذين لا يرتبطون مباشرة بأجهزته وأصحاب القرار فيه.

لقد روج النظام لهذا النوع من الحوار، وبدا لفترة أن روسيا والصين دعمتا الخطوة ودعتا المعارضة حينذاك للمشاركة فيه، لكنهما اليوم باتتا تخجلان من مثل هذه الدعوة التي يقتصر مؤيدوها على طهران وأنصارها. نظراً إلى انكشاف نوعية حوار كهذا كتغطية للحل الأمني وإلى ما ينطوي عليه هذا من مراوغة ومحاولات لكسب الوقت.

وأقصى ما يمكن أن يقبل به النظام حالياً هو أن يعلن الخطيب، ومن هم في موقعه، الانضمام إلى الحوار الرسمي. وذلك بعد إعلان نقد ذاتي، بعد فترة ضلال، وإعلان أن النظام وسياسته هما المرجعية في الحوار.

الأكيد أن الخطيب، ولا أحد غيره في المعارضة السورية، في وارد القبول بهذا النوع من الحوار الذي هو أحد أدوات الحل الأمني. لكن يبدو أن ثمة قراءة، يمكن استخلاصها من جملة تصريحات، تعتبر أن الحل العسكري غير متوافر لأحد طرفي المعادلة وأن الموقف الدولي لن يشهد تغيراً يتيح تغيير ميزان القوى على الأرض، فالأجدى إذن التوجه إلى حل سياسي عبر التفاوض.

وليس صدفة أن يسمي الخطيب نائب الرئيس فاروق الشرع كمحاور عن النظام. ففي جملة الأفكار التي جرى تداولها منذ مهمة كوفي أنان، وتم تكرارها في إعلان جنيف وفي ثنايا أفكار الأخضر الإبراهيمي أنه ينبغي الحفاظ على وحدة الدولة السورية التي يمثل نائب الرئيس أحد أوجهها البارزة في الوقت الذي لم يعرف أنه مشارك في الحل الأمني.

ووجدت هذه الأفكار صداها حتى عند الشرع نفسه الذي خرج في مقابلة صحافية قبل فترة يتحدث فيها عن استحالة الحل العسكري وضرورة التفاوض.

هكذا التقى الخطيب والشرع على ضرورة التوجه إلى نوع آخر من الحوار، غير ذلك الذي يجريه النظام مع نفسه. لكن، كما أعلن النظام، عبر الشرع عن وجهة نظر شخصية مرفوضة، واستبعد صاحبها من حوار الحكومة. كما عبرت جماعات المعارضة السورية عن رفضها لتوجه الخطيب الذي اعتبرت دعوته مبادرة شخصية.

وفي الحالين، تبدو الدعوة إلى الحوار صادرة عن غير ذي صفة وغير ذي قدرة، وأكثر من ذلك لا يملك صاحبها أدوات فرضها، على رغم النيات التي يمكن أن تكون وراءه.

وفي الوقت الذي يستمر النظام في الحوار الذي وضعه على مقاسه، يظل بعيداً الحوار الجدي المفضي إلى تسوية فعلية للأزمة السورية تأخذ في الاعتبار ليس المطالب الشعبية فحسب وإنما محاسبة الذين دمروا سورية وشردوا شعبها وقتلوا عشرات الآلاف منه.

========================

إشراك روسيا في حل الأزمة السورية

الشرق الاوسط

2-6-2013

ديفيد اغناتيوس

ميونيخ - تعد سوريا أصعب وأخطر مشكلة يواجهها العالم حاليا، لكن تم طرح فكرتين على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ يمكن أن تنجحا في حث روسيا على الاضطلاع بدور بناء في حل الأزمة، بدلا من السماح لها بأن تظل تلعب دور المتفرج المعوق. ولم تؤت أي من هاتين المبادرتين ثمارهما حتى هذه اللحظة، ومع الأسف لا يزال الوضع يبدو مثل حرب حتى الموت. وظل موقف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، راكدا بإصرار كما اتضح خلال تصريحاته في المؤتمر، حيث أكد معارضة روسيا لأي تدخل للإطاحة بالرئيس بشار الأسد. مع ذلك، دعونا نلق نظرة على الفكرتين الجديدتين بدلا من التمسك بالتعنت القديم:

يقال إن نائب الرئيس، جو بايدن، اقترح في اجتماع خاص مع لافروف يوم السبت أن تعمل كل من روسيا والولايات المتحدة معا من أجل السيطرة على الأسلحة الكيميائية في سوريا في حالة سقوط نظام الأسد.

وتشبه هذه الفكرة التي تقوم على التعاون الروسي - الأميركي لتفادي انتشار أسلحة دمار شامل، واحدة من أكثر المحاولات المشتركة إيجابية عقب نهاية الحرب الباردة عندما تعاونت الدولتان من أجل الحيلولة دون سقوط ترسانة الأسلحة النووية السوفياتية في أيدي آخرين. وعرفت تلك المحاولة باسم برنامج «نان - لوغار» التعاوني للحد من التهديد. وسمي البرنامج باسم عضوين في مجلس الشيوخ هما سام نان وريتشارد لوغار اللذان أقراه عام 1992.

في حالة سوريا، قد تكون المحاولة المشتركة لتأمين ترسانة الأسلحة الكيميائية بمثابة ضمانة لروسيا تؤكد اضطلاعها بدور في أمن واستقرار سوريا والمنطقة في المستقبل.

سوف يقلل هذا أيضا خطر وقوع تلك الأسلحة في أيدي الجماعات الجهادية مثل جبهة النصرة التي لها علاقة بتنظيم القاعدة.

وأكد الشيخ معاذ الخطيب، رئيس ائتلاف المعارضة السورية، مساء الجمعة الماضي في ميونيخ رغبته في لقاء ممثل مقبول لنظام الأسد «من أجل التخفيف من معاناة الشعب السوري». لقد قدم هذا الاقتراح في بداية الأسبوع الماضي وصُبت عليه اللعنات من الأعضاء الآخرين الأكثر تشددا في صفوف المعارضة. مع ذلك، تعد رغبته في عرض المقترح مرة أخرى خلال مناقشة نظمتها هنا مساء الجمعة الماضي مؤشرا إيجابيا. ورحب بمقترحه الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا الذي كان مشاركا هو الآخر في النقاش. الأمر الأكثر تشجيعا كان رد لافروف يوم السبت الماضي بعد مقابلته الخطيب في اجتماع مغلق. لقد وصف رغبة زعيم المعارضة السورية في التفكير بإقامة حوار مع ممثلين للنظام السوري بأنها «خطوة مهمة»، وقال إن روسيا مستعدة للعمل مع المعارضة من أجل تسهيل إجراء هذه المحادثات. على المعارضة أن تقرر حاليا رموز نظام الأسد من ذوي «الأيادي النظيفة» بالقدر الكافي الذي يجعلهم مؤهلين للمشاركة في الحوار. ويعد الفصل بين العناصر «التي يمكن التصالح معها»، وتلك «غير القابلة للتصالح معها» في النظام، خطوة أساسية في أي انتقال سياسي يتم التفاوض عليه.

يمكن القول صراحة إنه من دون مساعدة روسيا لن تكون هناك طريقة للخروج من الأزمة السورية. لقد كتبت منذ أشهر أنه من الضروري أن تركز المهمة الدبلوماسية الأميركية غير المرجحة على الحصول على جائزة نوبل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذا نجح في وضع حد للصراع السوري. من المؤكد أن احتمالات نجاح هذا الأمر ضعيفة، لكن من الجيد أن يسمع المرء بفكرتين حول كيفية قيام روسيا بدور إيجابي في سوريا بدلا من تشجيعها على التدمير المستمر.

* خدمة «واشنطن بوست»

========================

لماذا تماسك النظام؟

الشرق الاوسط

ميشيل كيلو

يتمتع النظام السوري بسمعة تقول إنه نظام متماسك ومتكور على ذاته وغير قابل للتفتت أو التفكك، وعنده القدرة على القتال بما يتوفر له من إمكانات حتى نهاية العالم.

هذه السمعة تنقض صحتها الوقائع التالية:

- عدد من انفكوا من الضباط والجنود وعناصر الأمن من مختلف الرتب عن أجهزة السلطة الأمنية والتعليمية، وعن جيشها وقضائها، وبادروا إلى تأسيس أجهزة دولة بديلة كالجيش والقوات المسلحة، التي ربطت نضالها بالنظام الجديد وشرعت تقاتل منذ الأشهر الأولى للحراك المجتمعي السوري، وتعمل على حماية المتظاهرين العزل، بعد أن ألزمت نفسها بمطالبهم في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة ووحدة الدولة والشعب، وأضافت إليها فكرة جعلت من نضال سوريا الراهنة معركة استقلالها الثاني، أي معركة تحريرها من استعمار داخلي عضوض قتل من السوريين أعدادا أكبر بكثير جدا من تلك التي قتلها منهم الانتداب الفرنسي والإسرائيليون.

- تفاوت الروح القتالية والمعنوية بين قوات النظام، وخوض الفرق والألوية النظامية معاركها بنصف قلب، وتخليها عن سلاحها في حالات كثيرة، وانسحابها في بعض الأحيان من مواقعها بعد قليل من نشوب المعارك ضدها أو مهاجمتها، حتى صارت معنويات ضباطها وجنودها نقطة ضعف لم يعرف النظام كيف يحد من آثارها السلبية بغير فرض رقابة أمنية صارمة على المقاتلين، أكلت كثيرا من قوة أجهزته وأرغمته على تكريس قوى متزايدة العدد لحراسة تماسكه المطلوب. في المقابل، تبدي الوحدات ذات العصبية السلطوية مقاومة واضحة وتمارس عمليات اقتحام وقصف لا تميز بين مدني وعسكري، تستهدف غالبا قرى وبلدات ومدن المواطنين السوريين الآمنين، الذين يعاقبون على عدم ولائهم للنظام وما يساوره من شكوك حول العمل ضده. هؤلاء بالذات يشكلون النواة الصلبة لقوات النظام في الجيش والأمن، التي لم تتفكك إلى الآن، وتعتبر حامل النظام الرئيسي وحاميه المخلص. لكن أنباء كثيرة تؤكد وجود انزياح في معنوياتها ومواقف ضباطها، الذين بدأوا يؤمنون باستحالة الانتصار في المعركة الدائرة منذ قرابة عامين، ويظهرون شكوكا متزايدة في حكمة سياسة تدفع بهم إلى صراع لا أفق له، حتى في حال انتصروا فيه، سيكون من المحال استعادة أوضاع سوريا الطبيعية بعده، سواء بالنسبة إلى السلطة أو إلى الشعب. بقول آخر: إذا ما توفر اليوم برنامج عمل وطني يشارك فيه بعض هؤلاء ويفتح الباب أمام حل آمن يفصل بينهم وبين النظام من دون أن يحملهم تكاليف سقوطه، يمكن لتفكك نواة السلطة الأمنية الصلبة أن يصير أمرا واقعا يلعب دورا مهما في تقريب نهايتها، وإخراج سوريا من المأزق الحالي المرعب.

هل تملك المعارضة شجاعة وحكمة بلورة برنامج عمل وطني جامع لا يقوم على ضمانات لفظية بل على مشاريع عملية واقعية وتشاركية، تحمي الناس بما تمنحه لهم من أدوار تخدم الوطن والمواطن إلى أي جهة انتمى، فيأمن على نفسه ولا يكون بحاجة إلى تطمينات لا تغني ولا تسمن، يعلم أنها لا تلزم أصحابها بعد سقوط النظام، ولا تترك لدى الخائفين من المواطنين غير الإحساس بعدم الأمان، وأن مصيرهم مرتبط بإرادة من يحمل السلاح ضدهم اليوم، ولا يعلمون ما قد يكون قراره حيالهم غدا؟ أعتقد أن تفكك النظام يرتبط بالجواب عن هذا السؤال، الذي يجب أن يجيب عنه بكل وضوح وصراحة مجموع الصف المعارض، بما في ذلك ضباط ومقاتلو الجيش الحر، الذين عليهم دعوة زملائهم السابقين من ضباط الجيش الرسمي إلى الانفكاك عنه، والانضمام إليهم أو إلى تشكيلات مشتركة تضم مجموعات مختلطة تضمن الأمن والسلام في مناطقها، وتعيد المهجرين والمشردين إلى قراهم ومدنهم، وتمنع جميع أنواع التعديات عليهم، وتعمل على استعادة اللحمة الوطنية بين السوريين لأن تمزيقها لا يفيد أحدا غير أسرتين أو ثلاث أسر حاكمة، لم تمثل يوما إرادة أي جهة شعبية أو تكوين مجتمعي أصيل في بلادنا، ومن غير المقبول أن يديمها موقف معارض، يفتقر افتقارا تاما إلى بعد وطني جامع، فهو يدعو إلى الانتقام لدى بعض الأطراف، وإلى الثأر لدى أطراف أخرى، ويرى سوريا بعين الإقصاء والتمييز ولا يراها بعين الوطنية الجامعة وحاجة مكوناتها بعضها إلى بعض، كي تبقى سوريا وطنا واحدا، اليوم وفي المقبلات من الأيام.

لماذا لم تفكر المعارضة بفصائلها المدنية والعسكرية بهذا الحل، الذي ينسجم مع الديمقراطية، مطلبها الرئيسي المزعوم؟ ومتى تتخلص من هذا النقص المدمر في موقفها من مسألة وطنية على هذا القدر من الأهمية والحساسية، يتوقف عليها مصير بلادنا اليوم وغدا، بمعنى الكلمة الحرفي؟ ومتى تضع تصورا برنامجيا واضحا يقوم على استعادة علاقات السوريين الطبيعية، التي كانت نموذجا يضرب به المثل في التآلف والعيش المشترك، لكن النظام نجح في تخريبها بعد حملات تخويف مرعبة نظمها بكل عناية وتصميم، أفاد فيها بوجود تقصير مخزٍ في سياسات المعارضة تجاه مكونات معينة ومهمة جدا من الجماعة الوطنية السورية، جعلها عاجزة إلى اليوم عن الحد من تأثير النظام البالغ السلبية والإيذاء على قطاعات واسعة منها، دفعها إلى الوقوف معه، وأجبر قطاعات منها على القتال تحت قيادته، لمجرد أنها لم ترَ لنفسها مكانا آمنا تذهب إليه، أو خافت ألا تجد مكانا كهذا، في حال انشقت عنه؟ السؤال الآن: هل المعارضة، بما فيها الجيش الحر والكتائب المقاتلة، على استعداد لتقديم مثل هذا المكان لمن يتركون صفوف النظام، والنظر إلى هؤلاء بوصفهم شركاء في الوطنية انتقلوا إلى جانب الشعب، ولا بد من إعطائهم كامل الحق في الدفاع عن أنفسهم وعنه، وتزويدهم بالمستلزمات الضرورية لذلك من سلاح ومال وغذاء، جنبا إلى جنب مع إخوتهم في المقاومة الوطنية السلمية والمسلحة؟

بقيت نقطة أخيرة، وهي أن النظام أدخل في روع كثير من أنصاره أن نظامه يضمن حياتهم وأمنهم، وأن زواله يعني زوالهم الجسدي، وحلول نظام بديل محله لن يكون لهم أي مكان فيه، يختلف عنه اختلاف الليل عن النهار.. هذه النقطة التي تثير قلق الكثيرين خاطئة من ألفها إلى يائها، لأن الديمقراطية سترى في هؤلاء مواطنتهم لا طائفتهم، وستمنحهم حقوقا مساوية لحقوق غيرهم، ودورا يحميه القانون والشعب في تقرير الشأن العام، يعزز حقوقهم ويصونها ولا ينتقص منها، علما أن المجال العام سيبقى مفتوحا أمامهم، وسيكون باستطاعتهم أن يصيروا نوابا ووزراء وموظفين ورجال علم وضباطا وجنودا في جيش بلادهم الوطني... إلخ. بكلام آخر: إن النظام البديل يمثل مصلحة وطنية وإنسانية بالنسبة لهؤلاء، ولن يأخذ منهم شيئا يمتلكونه اليوم غير موالاتهم لآل الأسد ومخلوف ومن لفّ لفهم، علما أن من يستشهدون من السوريين في سبيل الحرية لا يفعلون ذلك كي يحرموهم منها، بل ليجعلوا منهم أيضا مواطنين أحرارا كغيرهم، فهم يستشهدون من أجلهم أيضا، رغم أنهم يقفون اليوم على الجانب الآخر من جبهة القتال، ويخوضون معركة ليست بالقطع والتأكيد معركتهم.

يعتبر تفتيت نواة السلطة الصلبة مصلحة وطنية عليا لا بد أن يشارك جميع السوريين في تحقيقها، بما في ذلك من ينتمون اليوم إلى النظام.. فهل ننتظر أن تتفتت من تلقاء نفسها خلال فترة قد تكون طويلة، أم نقوم بما يتطلبه الواجب الوطني لفعل ذلك، فننقذ حيوات آلاف السوريين، بما في ذلك حيوات كثيرين من مواطنينا الذين يقاتلون في صفوف جيش وأمن السلطة؟

========================

«حق الرد» على إسرائيل.. متى وأين؟

سمير صالحة

الشرق الاوسط

اختراق المقاتلات الإسرائيلية للعمق السوري ومهاجمة أهداف على تخوم العاصمة دمشق وعودة هذه الطائرات إلى قواعدها سالمة لن تحسب هذه المرة على أنها واحدة من العمليات الروتينية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بين الحين والآخر. فتوقيت الهجوم وطريقة تنفيذه حمل معه أكثر من تساؤل واستفسار.

من المهم طبعا التدقيق في الروايات السورية والإسرائيلية حول الاعتداء ومقارنتها وتحليلها، ففي حين تقول دمشق إن العملية استهدفت مركزا سوريا لأبحاث ودراسات عسكرية، لمحت تل أبيب إلى أن المستهدف هو شاحنات محملة بالصواريخ في طريقها إلى حزب الله ومركز لتطوير التكنولوجيات الحربية السورية يشكل خطرا على التفوق الإسرائيلي وغير المسموح بتجاوزه.

ما الذي يعنيه هذا العمل العسكري الإسرائيلي العدواني؟ وهل هو حقا دخول إسرائيلي مباشر على خط الأزمة السورية كما يرى البعض؟ هل هذه العملية الحربية هي محاولة إسرائيلية لخلط الأوراق وتوجيه بعض الرسائل الداخلية والإقليمية والدولية التي تحتاج إليها في هذه الظروف؟ هل سترد دمشق على الغارة الإسرائيلية أم أن البعض سيتحرك بالوكالة عنها للدفاع عن خطه الأحمر، بقاء النظام السوري، ويوجه إلى إسرائيل الصفعة المناسبة؟ هل التحرش الإسرائيلي الأخير بدمشق على هذا النحو سيقود حتما كما تقول أنقرة إلى تهديد السلم الإقليمي؟ أليس التلويح الدائم بورقة من هذا النوع هو مركز القوة في استراتيجية نظام الرئيس الأسد والمدافعين عنه حتى اليوم؟

دمشق قالت إنها تملك القرار وتملك المفاجأة في الرد على العدوان، وهي تردد أنها لن تقع في المصيدة الإسرائيلية التي تحاول استدراجها إلى المواجهة وأنها هي التي ستختار المكان والزمان الذي يبدو أن طهران هي التي ستحددهما طالما أن القيادة الإيرانية تقول إن الرد على العدوان الإسرائيلي سيشكل صدمة كبيرة لإسرائيل تصيبها بحالة من الغيبوبة.

تل أبيب تلتزم الصمت كعادتها في عمليات مماثلة، لكن الرسالة الإسرائيلية الأقوى تقول إن الخطوط الحمراء الإسرائيلية تنافس ليس فقط الخطوط الحمراء السورية، بل الإيرانية وحتى الروسية المحذرة من التطاول على السيادة السورية وتقديم أي عمل عدواني على النظام السوري، وكأنه استهداف لهذين البلدين. إذا لم ترد دمشق ولم يرد حلفاؤها على العدوان الإسرائيلي فقد يشجع ذلك الآخرين على التدخل تحت ذريعة أو أخرى، وتكون إسرائيل أول من يدشن عمليات التدخل الإقليمي العسكري المباشر في الموضوع السوري، فكيف ستتصرف دمشق وطهران وموسكو؟

بشكل آخر، نتنياهو المنهمك في تشكيل حكومته الجديدة أراد منذ البداية أن يحدد أهدافها وطريقة عملها، وإن تل أبيب متمسكة بمعادلة عدم السماح بتغيير موازين القوى لصالح أطراف في حالة حرب أو نزاع معها حتى ولو كان ذلك يمنح دمشق وطهران الفرصة التي يرددان أنهما يحتاجان إليها لإشعال فتيل الانفجار في المنطقة. فهل سيأتي الرد على إسرائيل أم أن ضبط النفس السوري الذي تعودنا عليه منذ عقود لن يخيب آمال البعض؟

الرسالة الإسرائيلية تعني طهران أيضا، فهي تشير إلى أنها جاهزة أيضا للمنازلة وأنها تفتح الطريق أمام واشنطن لتتحرك هي الأخرى إذا ما كانت ستبحث عن أسباب كافية للدخول إلى مسرح العمليات القتالية، فهل سترد إيران؟ وهل ستستجيب إدارة البيت الأبيض للنداء الإسرائيلي؟

دخول إسرائيل بهذا الشكل يأتي بعد أكثر من رسالة إسرائيلية باتجاه أنقرة حول التقارب وتحسين العلاقات، لكن أردوغان سارع وقبل أن يتحدث البعض عن تنسيق تركي إسرائيلي في هذه العملية للتنديد بالعدوان الإسرائيلي الذي لا يفاجئ أحدا ونحن تعودنا عليه، لكنه لم يتردد في توجيه رسالة مماثلة إلى النظام السوري يسأله فيها متى وكيف سيرد.

الأتراك يتساءلون: هل كفاءة الطيارين الإسرائيليين هي العالية، التي نجحت في الوصول إلى قلب العاصمة السورية، أم أن الرادارات السورية التي التقطت الطائرة التركية التي كانت تقوم بمناورة من دون ذخيرة هي التي عجزت عن اعتراض طريق المقاتلات الإسرائيلية وهي تحلق في سماء العاصمة السورية؟

ما لم يقُله أردوغان لكنه أراد التذكير به هو نجاح أجهزة الرصد السورية أو الروسية في المتوسط باكتشاف تحركات الطائرة التركية واستهدافها فوق المياه الدولية قبل أشهر وعجز هذه الأجهزة الدائم عن التقاط وإسقاط المقاتلات الإسرائيلية. فهل هو فشل حقيقي أم هو تجاهل للهجمات الإسرائيلية لأن المعركة الحقيقية لسوريا وشركائها لم تعد مع تل أبيب، بل هي مع الثوار المنتفضين في المدن السورية، وهي لا تريد التفريط بالرجال والعتاد في مواجهة ليست بين أولوياتها؟

دمشق تدرس حيثيات العملية وتداعيات الخطوات المحتملة وتستعد لمعركة «خاربة خاربة» لكنها مشتتة الذهن، أين ومتى وكيف ستستخدم مخزونها الحربي.

ومع ذلك تظل الغارة الإسرائيلية على دمشق خرقا لمواثيق وأعراف وقواعد المجتمع الدولي والأمم المتحدة وتستحق التنديد بها رغم معرفتنا أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. لكنه في الوقت الذي كانت فيه الدول والمنظمات العربية والإسلامية تدين العدوان، كان مجلس الأمن الدولي يندد بالاعتداء الإرهابي على السفارة الأميركية في أنقرة. هل هي ازدواجية المعايير الأممية أم أن دمشق ستتذرع بالفراغ الدولي والخرق الإسرائيلي لمعايير السلام والأمن الدولي لتفاجئنا برد ساحق ومميت؟

ربما موسكو التي وصفت العملية بالعدوان على دولة ذات سيادة قادرة على فعل شيء ما غير استخدام حق النقض الذي لجأت إليه أكثر من مرة للذود عن النظام السوري.

========================

المعارضة السورية وامتحان مبادرة الخطيب

رأي القدس

2013-02-05

القدس العربي

شن المجلس الوطني السوري، احد ابرز مكونات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هجوما عنيفا امس على الشيخ محمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف بسبب مبادرته التي طرحها باستعداده للقاء ممثلين عن نظام الرئيس الاسد لحقن دماء الشعب السوري.

بيان المجلس نسف مبادرة الشيخ الخطيب هذه، ووصفها بانها قرار فردي لم يتم اتخاذه ضمن مؤسسات الائتلاف الوطني ولم يجر التشاور بشأنه، ويتناقض مع وثيقة تأسيس الائتلاف، التي تنص على هدف اسقاط النظام القائم برموزه وحل اجهزته الامنية ومحاسبة المسؤولين عن سفك دماء الشعب السوري وعدم الدخول في مفاوضات مع النظام القائم.

العلاقة بين المجلس الوطني السوري وبين الشيخ الخطيب لم تكن جيدة، ولا نبالغ اذا قلنا ان المجلس دخل تحت مظلة الائتلاف مكرها، لانه كان يعتبر نفسه، اي المجلس، التنظيم الاكثر تمثيلا للمعارضة السورية.

اكثر من مسؤول في المجلس الذي يشكل الاخوان المسلمون الفصيل الاكبر فيه، عبر عن عدم ارتياحه لوجود الشيخ الخطيب على رأس الائتلاف، ولكن ضغوطا عربية ودولية املت هذه الخطوة، واضطر المجلس لقبولها مكرها، ولا نستغرب ان يكون هؤلاء المعارضون لرئاسة الخطيب استغلوا مبادرته هذه للعمل على الاطاحة به.

المشكلة الاساسية لم تكن رئاسة الخطيب للائتلاف، ولا حتى مبادرته للحوار، وانما الدول الغربية والعربية التي خذلت المعارضة السورية، واوقفت الدعم المالي والعسكري لها، وطالبتها بالدخول في مفاوضات مع النظام للتوصل الى حل سلمي. فقبل اقل من عام كانت هذه الدول تهدد بالتدخل العسكري الخارجي على غرار ما حدث في ليبيا، وايدت ارسال صفقات اسلحة حديثة لدعم الثورة المسلحة، واعترفت بالائتلاف ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري في مؤتمر مراكش لتجمع ما يسمى باصدقاء الشعب السوري. ولكن جميع هذه المواقف انقلبت رأسا على عقب، وجرى استبدالها بضغوط على الائتلاف المعارض لمحاربة التنظيمات الجهادية الاسلامية، وجبهة النصرة على وجه الخصوص، والدخول في حوار مع النظام.

الشيخ الخطيب عرف هذه الحقيقة المأساوية، وقرر ان يطرح مبادرة الحوار لحقن دماء الشعب السوري، ووقف اعداد الشهداء عند ستين الفا، وهو رقم مرعب بكل المقاييس، بعد ان وصلت الاوضاع الى حالة من الجمود، فلا المعارضة استطاعت الاطاحة بالنظام بعد عامين من الثورة المسلحة، ولا النظام استطاع القضاء على الثوار او المخربين مثلما يصفهم في ادبياته.

المجلس الوطني السوري بمثل هذا الهجوم الشرس على مبادرة الخطيب ورفضها بقوة اعفى النظام في دمشق من حرج كبير، فلو انتظر ساعات لجاء الرفض منه لها، اذ كيف سيقبل هذا النظام مفاوضات مشروطة بخروجه من السلطة، وتسليم الحكم لخصومه؟

لا نستبعد ان يؤدي بيان المجلس الوطني السوري هذا الى اضعاف، بل ربما انهيار الائتلاف الوطني، او استقالة الشيخ الخطيب من رئاسته او الاثنين معا، فمن الواضح ان المعارضة السورية تعرضت لخديعة كبرى، وجرى استخدامها من قوى عظمى في لعبة امم لتقسيم النفوذ والغنائم في المنطقة العربية.

========================

في النظام السوري والمعتقلين والتفاوض والإبراهيمي

طلال المَيْهَني

2013-02-05

القدس العربي

لم يأتي خِطابُ الرئيس السوري بجديد. فقد عاد ليؤكدَ أنه يتحدث باسم شريحةٍ من السوريين على حساب شرائح أخرى من السوريين المعارضين لحكمه قام بوصفهم، وباتهامٍ تعميميٍ واستعلائيٍ، بأنهم حفنةٌ من المجرمين، وأنه ماضٍ في استخدام العنف كسبيلٍ لإدارة الكارثة التي تعصف بالوطن. ويدلُّ هذا على إفلاس النظام السوري الذي لا يملك عملياً سوى العنف كأداةٍ وحيدةٍ يتقنها، على الرغم من أن تطور الأحداث يُظْهِرُ بَجَلاءٍ أن العنف لم ولن يأتِ إلا بالمزيد من الضحايا والخراب والتفتيت.

ومن ناحيةٍ أخرى يبدو أن الرئيس السوري قد اعترف، بعد 22 شهراً من بدء الحراك، بأن سوريا تعيش كارثةً وأنها ليست 'بخير' كما كان يُكَرِّرُ سابقاً. كما ألْمَحَ، ولأول مرةٍ، إلى ما اعتبره خارطةَ طريقٍ لحلٍ يعتمد شكلياً على السياسة، مقترِحاً بعض 'الإصلاحات' التي سبق وتم إطلاقها، وواضعاً العملية بِرُمَّتِها تحت إشراف السلطة عِوَضاً عن أن تكون طرفاً كباقي الأطراف. وليس من المُستغرب أن المعارضة بأطرافها في الداخل (كهيئة التنسيق وتيار بناء الدولة) والخارج (كالائتلاف) قد رفضتْ هذه الدعوة لأنها تفتقد المصداقية، وتُوغِل في الإقصاء، ولا تؤسّس 'لحلٍ جامعٍ' يخرج البلاد من أزمتها.

وقد تعدّدتِ التحليلات للخطاب من قائلٍ بأنه خطابُ قوةٍ يقدم مبادرةً تستحق النظر فيها (وهذه رؤية مؤيدي النظام)، إلى قائلٍ بأنه خطابُ شخصٍ مهزوزٍ وفاقدٍ للثقة أو منفصلٍ عن الواقع. وفي رأيي فالخطاب لا يعدو كونه دفعةً معنويةً لمؤيدي النظام، مع تمريره لدعوة 'الحل السياسي' كمحاولةٍ استباقيةٍ للتهيئة لمناخٍ دولي بدأ بالتشكل. وبكل الأحوال لن يكون التوقف عند تحليل الخطاب مُفِيداً خاصةً وأن دعوة الرئيس السوري ليست مؤسسةً، من وجهة نظري، على أي رؤيةٍ استراتيجية. كما أن سوريا تَمُرُّ حالياً في 'الوقت المُسْتَقْطَع'، حيث تُعيد أطراف الصراع ترتيب مواقعها ومواقفها، لتقوّي من خياراتها التفاوضية في المرحلة القادمة التي قد تَتَمَخَّضُ عن حراكٍ دوليٍ بدأ ينشط حالياً.

وبعد أيام تناقلتْ وكالاتُ الأنباء خبراً عن صفقةٍ إيرانيةٍ-تركيةٍ تم بموجبها إطلاق سراح ما يزيد عن 2100 سوري من سجون النظام، مقابل 48 إيرانياً مُحْتَجَزاً من قبل إحدى كتائب الجيش الحر في الشمال السوري. يثير هذا الخبر بضع نقاطٍ مهمةٍ يجب الوقوف عندها:

1- غدا المعتقل السوري، في سجون النظام، رهينةً وورقةً يتم التفاوض عليها في صفقات! مع العلم أن معظم المعتقلين موقوفٌ في أقبية المخابرات دون توجيه أي تهمةٍ، ودون العَرْض على القضاء. أما الذين عُرِضوا على القضاء، أو تم توجيه تهمٍ بحقّهم فلا تشملهم هذه الصفقة. ومن الملحوظ أن هناك الآلاف من المعتقلين الذين لم يطلق سراحهم، ونذكر منهم الناشط يحيى الشربجي، والمحامي خليل معتوق، والمعارض عبد العزيز الخيّر، والطبيب محمد عرب، والناشط الحقوقي مازن درويش، وغيرهم كثير.

2- إن تحويل الإنسان السوري إلى ورقةٍ أو رهينةٍ يتم اللعب بها في إطار صفقة، ليس سوى إهانة عميقة لسوريا وسيادتها (المغتصبة بشكلٍ مُخْزٍ)، وللسوريين الذين غَدَتْ إنسانيتهم مستباحةً في وطنهم، و'مشروطةً' بالتهليل لهذه السلطة الفاشلة التي أمْعَنَتْ بهذه الفِعْلة في اغتصاب السيادة (والأمثلة متعددة آخرها الاختراق السافر للطائرات الإسرائيلية للأجواء السيادية السورية).

3- من الملاحظ أن خطاب الرئيس السوري قد رفض التفاوض مع من سمّاهم 'بالجماعات الإرهابية والمُجرمة' من أجل إيجاد 'حلٍّ' للكارثة في سوريا. لكن، على خلاف ذلك، يبدو باب التفاوض مع هذه 'الجماعات' 'مفتوحاً' إذا تعلّقَ الأمر بإطلاق سراح مواطنين إيرانيين (غير سوريين)!

4- وقد أظهر هذا التصرف أن السلطة لا تأبه بأرواح جنود وضباط الجيش النظامي، أو بغيرهم من مقاتلي الجماعات غير الرسمية التابعة لها. فهناك المئات منهم في أيدي الكتائب المعارضة إلا أن النظام آثَرَ، بعد أن رَضَخَ للضغوطات، التخلّي عن سوريين معارضين مقابل 48 إيرانياً لا يحملون الجنسية السورية. ويعكس ذلك تماماً العقلية (أو اللاعقلية) التي تُحْكَمُ بها البلاد، وتُدارُ بها الأزمة التي باتتْ كارثةً جَرّاء السياسات الفاشلة لسلطةٍ فاقدةٍ للأهلية تستخدم السوريين كوقودٍ لحربٍ عَبَثِيةٍ في سبيل بقائها على الكرسي!

ولكن يمكننا استخلاص ثلاث إيجابياتٍ في سياق كل ما سبق. الإيجابية الأولى في تحرير بعض المعتقلين السوريين، وعودتهم إلى أهلهم وأحِبَّتهم. وهذا حقٌ لهم في وطنهم، وليس مَنّـاً أو تكرُمةً من أحد (مع التأكيد مرةً أخرى على أن الآلاف من المعتقلين ما يزالون قابعين في السجون).

وتكْمُنُ الإيجابية الثانية في تساؤل كثيرٍ من الأخوة الموالين السوريين عن أسباب هذا التصرف المُهين الذي أقْدَمَتْ عليه السلطة، سواءً على مستوى انتهاك السيادة، أو على مستوى التخلّي عن جنود وضباط الجيش النظامي وعدم الاكتراث بمصيرهم. حتى أن منهم من بدأ يستشعر بمرارةٍ أن هذه السلطة قد ورّطتهم في حربٍ بغيضةٍ مع أخوتهم المعارضين السوريين دون أن تأبه بهم وبحالهم.

أما الإيجابية الثالثة فهي أن حل المُعْضِلة السورية ممكنٌ عبر التوافق والضغط الدولي (عبر المساعدة في توفير 'شروط الحل'). فالسلطة السورية استجابتْ، تحت الضغط، إلى صفقةٍ 'إقليميةٍ' إيرانية-تركية، فما بالكم بضغطٍ حقيقيٍ روسيٍ-أمريكيٍ على كل الأطراف الفاعلة في الشأن السوري؟ ألا يمكن لذلك أن يؤسس لانفراجٍ حقيقيٍ؟ وتجدر الإشارة هنا إلى أن الموقف الدولي حول سوريا لم يتغير منذ البداية خاصةً على مستوى الممارسة التي بقيتْ سلبيةً على خلاف الفقاعات الإعلامية التي حفل بها الخطاب الدولي. وما طرأ مؤخراً فهو تبدلٌ طفيفٌ في هذا الخطاب الدولي الذي بدأ يستشعر خطورة الاستعصاء في المشهد السوري. مما كشف بشكلٍ جليٍّ بعض القوى السورية التي كانت تبيع الناس أملاً كاذباً، مما قد يساعدها في تَبَنّي مقاربةٍ واقعيةٍ وقابلةٍ للتطبيق لوقف شلال الدم الذي يستبيح البلاد.

وتأتي في هذا السياق الدعوة إلى التفاوض التي أطلقها الشيخ معاذ الخطيب مؤخراً، حيث يبدو أنه قد ضاق ذرعاً بحالة التشدد واللامبالاة لدى بعض الأطراف داخل الائتلاف. وتتلاقى دعوة الخطيب مع ما فتئتْ بعض القوى الديمقراطية تدعو إليه خلال العام الماضي خاصة بعد أن ساد العنف في المشهد السوري. ومع أن دعوة الخطيب تفتقر إلى التفاصيل والآليات إلا أنها قد تؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ خاصةً مع تعالي الأصوات الداعمة لها من الداخل السوري، وعلى المستوى الدولي. وقد تُشَكِّل هذه المبادرة جزءاً من مبادرةٍ أشمل يعمل عليها السيد الأخضر الإبراهيمي، حيث تسربتْ أنباءٌ عن طرحه بنوداً عمليةً وجديدةً في تقريره الأخير إلى مجلس الأمن. وعلى الأرجح سيأخذ التفاوض، في حال التوافق عليه كـ 'حل'، صيغةً غير مباشرة وبرعايةٍ وضماناتٍ دولية.

هذا مع أن جهود الإبراهيمي تُجَابَه بنوعٍ من الاستهتار واللاجِدّية من كثيرٍ من الأطراف السورية التي تؤمن بحلولٍ عسكرية، أو حلولٍ سحرية، ودون أن تكترث إلى الموت البطيء لملايين السوريين الذين باتوا محاصرين في أتون الصراع العنفي، أو نازحين داخلياً وخارجياً. ويزداد تعقيد الصورة بغياب إرادةٍ عاقلةٍ عند السوريين من أصحاب الصوت العالي (سواء في النظام أو المعارضة)، مما يُرَسِّخُ حالةً من عدم الانفراج، حتى الآن، على مستوى آخر المحادثات بين الروس والأمريكان في جنيف، ويُصَعّب من مهمة الإبراهيمي. وبينما نتابع الأخبار المؤلمة القادمة من سوريا، سيبقى المشهد السياسي على الأرجح جامداً على المستوى العملي، مع شيءٍ من التغير على مستوى الخطاب، على الأقل حتى يستلم جون كيري مهامه كوزيرٍ للخارجية الأمريكية (قد يتلو ذلك لقاء جنيف 2 الذي يكثر الحديث عنه).

وفي هذه الأثناء ستستمر الدعوات التي تُوَجّه إلى معاذ الخطيب كي يصمت، أو إلى لإبراهيمي كي يستقيل، دون تقديم أية بدائل، وكأن وجود صوت العقل (الخافت حتى هذه اللحظة) هو السبب في كل ما يجري، وكأن إسكات العقل سيحقق لنا الحل السحري الذي طالَ انتظاره!

========================

الغارة الاسرائيلية على سورية: كل الرسائل!

2013-02-05

القدس العربي

مهند محمد صبّاح

لم تكن اسرائيل لتقوم بقصف مواقع سورية إلا بعد حصولها على الموافقة الامريكية لهذا العدوان. بعد البيان العسكري السوري تأكد تورط اسرائيل بالهجوم وإن لم تعترف به اسرائيل لغاية الآن، وهذا ما عودتنا عليه اسرائيل في عملياتها الارهابية، سواء من اغتيالات لقيادات خارج حدود فلسطين المحتلة مثل اغتيال المبحوح او عماد مغنية، او عند الهجوم على سورية خلال الاربعة اعوام الماضية على الاقل. بغض النظر عن ماهية الهدف الذي تم قصفه، سواء كان مركزا علميا تطويريا، حسب الرواية السورية، أو كانت قافلة تهريب أسلحة حسب الرواية الاسرائيلية غير الرسمية.

القصف الاسرائيلي الاخير على سورية بعث برسائل عديدة خاصة إذا ما ادركنا الرسائل والابعاد العسكرية والسياسية الكامنة من ورائه.

الابعاد العسكرية من مثل هذا الهجوم اذا صحت الرواية الاسرائيلية هو تخوف هذا الكيان من ان تمتلك اذرع المقاومة في المنطقة وخاصة حزب الله لأسلحة ذات بعد استراتيجي في الصراع المسلح وخلخلة منظومة الردع الاسرائيلية في أي حرب قادمة، تماما كما حدث بالأسلحة الليبية بعيد انهيار نظام العقيد القذافي وامتلاك المقاومة جزءا منها (حسب مصادر العدو الاعلامية). أيضا هي رسالة مزدوجة لحزب الله والجمهورية الايرانية بان المؤسسة العسكرية الاسرائيلية قادرة على الحفاظ بزمام المبادرة العسكرية وشن أي هجوم استباقي يحقق مبدأ الردع والتفوق. هي رسالة أقل حده بكثير لمصر الجديدة بأن اسرائيل قادرة على حماية امنها الاستراتيجي بدعم امريكي غير قابل للنقاش وتأكيدا على متانة هذا الحلف الاستراتيجي بينهم يتأتى من خلال موافقة الولايات المتحدة الامريكية على الهجوم الاخير على سورية.

أما الابعاد السياسية، فهي ادراك تام بأن النظام السوري أصبح غير قادر على امتلاك السيطرة على الارض، وان قدرة النظام كنظام بالمفهوم القوي على الاستمرارية لأمد بعيد أصبحت شبه ضئيلة، وان التغييراَت لا محالة وإن كان تغيير ضبابي غير واضح المعالم.

اسرائيل اعتادت ان تتعامل مع أي خطر تهديدي قبل وقوعه، وما يقلق اسرائيل هو فعالية الحكم المستقبلي فيسورية من حيث شدة عداءه لإسرائيل خاصة مع تصاعد تنامي قوة الحركات الاسلامية في المنطقة وخسارة النظام المصري السابق والحليف الحامي لأمن اسرائيل. العملية العسكرية الاسرائيلية المحدودة هدفت الى احراج النظام الايراني امام الشعوب العربية وقوى المقاومة في المنطقة وذلك بعد التصريحات التي ادلى بها المسؤول الايراني رفيع المستوى بان ايران سوف تدافع عن حليفتهاسورية وان أي اعتداء عسكري علىسورية هو بمثابة اعتداء عسكري على إيران ذاتها.

هناك بعد اَخر لا يجب اهماله، وهو بعد للداخل الاسرائيلي بأن اعداء اسرائيل لا زالوا يشكلون خطر وجودي على الكيان وإشعار مواطنيه بأنهم مستهدفون على الدوام. لذلك اعلنت بلدية حيفا الأستنفار في المدينة بعد القصف، وقبل ذلك بزمن قليل تم نصب القبة الحديدية على الحدود معسورية ، ناهيك عن محاولة نيتنياهو تحسين ظروف تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الاخيرة التي أضرت بحزبه هو وليبرمان. هو يريد ان يحرج قوى االيسارب بأنهم غير مهتمين بمستقبل اسرائيل الوجودي وسيعيهم لإسقاطه سيكون كارثة على امن اسرائيل، ويريد ان يضع الخطوط العريضة للحكومة المستقبلية لتكون حكومة يمين وحرب بامتياز تعفيه من أي التزام تجاه عملية السلام مع الفلسطينيين و ليستمر في مصادرة الاراضي وتهويد القدس. ايضا تقلل الضغط الدولي عليه بخصوص العملية السلمية بحجة ان لديه ائتلاف حكومي معقد وصعب. وبالتالي يضع جدول اعماله بنفسه بدون اية ضغوطات دولية.

خلاصة القول، الغارة الاسرائيلية تدل على ان تدميرسورية هو الهدف، تدمير بالمعنى التام و ليس فقط اسقاط نظام حزب البعث. المعارضة المسلحة غير قادرة على حسم الموفق ولا النظام ايضا قادر على انهاء الصراع الدموي مع المعارضة وبالتالي استهداف مقدرات الدولة ومصادر التقدم فيها، سواء من الناحية البشرية والعلمية والاقتصادية وإغراق البلاد في نزاع دموي طاحن بعيد الأمد يستهلك جميع موارد البلاد على مرأى الدول الاقليمية والعالمية التي لو ارادت انهاء العنف في سورية لفعلت منذ زمن على غرار ليبيا. وكل ذلك يصب في مصلحة اسرائيل الامنية والعسكرية. للأسف اصبحتسورية ساحة لتبادل الرسائل بين جميع الخصوم في المنطقة ودول العالم 'المتحضر' وتصفية الحسابات ومجالا جغرافيا لتعزيز النفوذ للجميع، وتخويف الشعوب العربية من مجرد التفكير في التغيير لكي يفضلوا العيش بذل على ان يموتوا من تضحيات الحرية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ