ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 21/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

20-01-2013

المشهد السوري: التأزم الكبير والتحول القادم

تاريخ النشر: الأحد 20 يناير 2013

د. رضوان السيد

الاتحاد

يسير الملف السوري إلى تقاطُع شديد التأزم من جهة، والبدء في تحول عسكري وسياسي. فالمعارضة تجتمع بتركيا للنظر في تشكيل حكومة انتقالية طال انتظارها، والنظام الأسدي يسير منذ الخطاب الأخير باتجاه الحسم العسكري! تقول المعارضة السورية بكل فصائلها إنه لم يعد هناك أمل في حل تفاوضي ما دام الأسد موجوداً، ولذا لابد من تشكيل حكومة مؤقتة تتساوق مع تطورات عسكرية على الأرض تؤدي إلى اندحار بقايا قواته. بيد أن المعارضين قالوا قبل الاجتماع وخلاله إن الائتلاف لم يتلق الدعم الموعود به منذ ثلاثة أشهُر، لا من ناحية الإمكانيات المادية ولا من الجانب العسكري. وما حصل شيء بارز غير بعض التحسُّن الذي طرأ على مسائل مساعدة النازحين السوريين في دول الجوار.

أما النظام فيذهب على الأرض كما يقول باتجاه طرْد قوات المعارضة من جوار دمشق، مع توجيه ضربات مؤثّرة إليها في سائر المناطق السورية. وتنتشر خلال ذلك الحكايات في سوريا والعراق ولبنان عن قدرات النظام على الحسم في أمد لن يطول. وفي هذا الصدد فإن الإيرانيين كانوا ولا يزالون أنشَط من نظام الأسد لهذه الجهة. وقبل أيام عندما زار رئيس وزراء سوريا طهران، أعلنت الصحف والفضائيات عن تقديم إيران مليار دولار مجدداً للنظام، كما أعلن مرشد الثورة أن طهران باقية مع الأسد حتى إنهاء «المؤامرة» التي اصطنعتها الولايات المتحدة وإسرائيل ودخلت فيها دول عربية وإقليمية!

والواقع أن الشهرين الماضيين شهدا تباطؤاً في تقدم الثوار على الأرض، باستثناء مسألة المطارات في شمال سوريا. وقد شاع أن الدعم الخارجي للثوار تراجع بدلا من أن يتعاظم. وترافق ذلك مع أخبار عن إعلان الأميركيين «جبهة النصرة» كتنظيم إرهابي! وفي الوقت نفسه سلَّموا للروسي يساعده الإبراهيمي قيادة المفاوضات من أجل الحل السياسي. وقد تحرك الإبراهيمي بالفعل في كل اتجاه، مترافقاً مع تصريحات روسية بأن الأسد لا يمكن الاستغناء عنه، بينما أعلن الإبراهيمي عن خيبته من خطاب الأسد، دون أن يذهب إلى قطع المفاوضات معه.

إنما الجديد هو صمْتُ الروسي أو خفوتُ تصريحاته بعد الاجتماع الأخير مع الأميركي والإبراهيمي، وارتفاع الصوت الإيراني في نُصرة الأسد والاستمرار في دعمه. وكان الأسد في خطابه قد شكر الروسي والصيني كأنما كان يودّعهما، فتزايدت الشائعات أن الروسي الذي كان يريد الأسد جزءاً من الحلّ ما عاد يعتبره كذلك. وقد عبر الإبراهيمي عما يشبه ذلك عندما تجاهل الأسد، واقترح إنشاء حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، ما وافق عليها الأسد ولا الثوار. وهذا يعني أن الطرفين: الأسد ومعارضيه، خائبون من الإبراهيمي، وأن الروسي والأميركي يتجهان إلى إخراج حل لا يحضر فيه الأسد، إنما ينبغي أن لا يتجلى في انتصار عسكري على الأرض لخصومه. وربما كان تخفيف الدعم للثوار جزءاً من هذا التوافق المتدرج بعد أن تحقق توازن أو تكافؤ على الأرض تجرأ حتى فاروق الشرع للحديث عنه في حديث نادر له.

يستطيع الأميركيون والغربيون التأثير في المشهد السوري بطريقتين: في مجلس الأمن، وفي دعم الثوار على الأرض. ويستطيع الروسي التأثير بطريقة واحدة وهي دوره في مجلس الأمن. أما السلاح الثقيل الذي يزوِّد الأسدَ به، فقد حل محله في التزويد الإيرانيون، وفي أي حال فإن جيش الأسد لا يزال أفضل عدةً وانتظاماً من كتائب الثوار و«الجيش الحر». وهكذا فإن الضغط الروسي لهذه الناحية ما كان أو ما عاد ثقيل الوطأة في المشهد. ولا يستطيع الروس باعتبارهم جزءاً من مجلس الأمن ومن النظام الدولي، أن يصمُّوا آذانهم وعيونَهم عن الكارثة السورية، فيتحول استشراسهم إلى التسبب في انسداد للوضع الإقليمي والدولي. لذا فالراجح أنهم فاوضوا في الشهور الأخيرة على مصالحهم في المنطقة، وتوصلوا إلى وضع مُرض أو شبه مُرض. ولهذين الاعتبارين: المشاركة في النظام الدولي، وصَون المصالح، يتجهون الآن إلى تعاوُن في الإخراج النهائي للحل في سوريا، ظهرت بعضُ معالمه، ولم تظهر معالمه الأخرى بعد.

ما هي الصعوبات الباقية؟ أهم الصعوبات بالطبع الموقف الإيراني، والتصرفات الإيرانية. فإيران تنظر إلى محورها في العراق وسوريا ولبنان، نظرةً واحدةً. وتعتبر أن انهيار إحدى الحلقات، هو انهيار للمحور كله، وفشل للسياسات الخارجية الاستراتيجية في العقد الماضي، فيما بين غزة وبغداد. وعندها مفاوضات صعبة على النووي وعلى الحصار، وسيؤثر انهيار النظام السوري عليها أيضاً لهذه الجهة. وهي تريد من جهة ثانيةٍ صفقةً جديدةً مع الأميركيين بشروط تلائمها، وتريد أيضا ملاقات أخرى بالسعودية ودول الخليج. والعقبة في طريق ذلك كله ما تعتقده من نجاحات حققتها في العقد الماضي، وهي لا تريد التنازل عنها. إنما من جهة ثانية أو ثالثة، ما كان سارياً وجارياً منذ عام 2008، ما عاد سارياً الآن. فوقتها كان المحور الإيراني مستقراً، وما كان الحصار قد تكاثف عليها. ولذا تبدو لدى ساستها وأمنييها هذه التأرجحات التي تميل غالباً إلى التطرف بما لا يسمح ظاهراً بالتفاوض على صفقة بشأنها لا مع الأميركيين ولا مع الخليجيين. ثم إن علاقاتها بالروس ليست على ذلك القدر من الوثوق، بل يمكن القول إن العلاقات الإيرانية مع تركيا لا تزال أفضل من العلاقات مع روسيا، رغم التوترات الأخيرة بشأن سوريا، وبشأن الملف العراقي!

ولنعد إلى الملف السوري. تتجه الأمور إلى تعاون بين الأميركي والروسي والخليجي بشأن سوريا. ولأن السياسة الإيرانية بطيئة في تحولاتها بسبب العوامل سالفة الذكر، وبسبب الوضع الداخلي الإيراني (الصراع بين تيارات المحافظين حول خامنئي)؛ فإن إيران ليست جاهزةً للتعاون فضلاً عن الشراكة. ولذا فالمتوقع أن يتنامى دعم الوسائل الدفاعية للثوار، والذي كان مطلوباً حصوله منذ ستة أشهر على الأقل. إذ إن ذلك متعلق بمكافحة الطيران ومكافحة الدروع وحسْب. وهذه أمور يعرف العسكريون أنه يمكن التحكم بها حتى لا تقع في أيدي «الإرهابيين»، وتحقق فعاليةً بارزةً على الأرض. وتقوية «الجيش الحر» هذه تحدث آثاراً سريعة، ليس من بينها دفع الأسد للتفاوض، بل دفع قطاعات الجيش الباقية لذلك. فالأسد صار خارج الحسبان. وهذا الضغط البارز من جانب الثوار، ومن جانب الروس، قد يدفع الإيرانيين لإعادة النظر، أقله لجهة الخوف على بقية أجزاء ومفاصل المحور، وتعاظم الخسائر التي لا يمكن تعويضها ولو بالاستمرار في خوض المعركة مع النظام الأسدي، والأمل في أن تجتذب مصر الإخوانية إلى صفها!

لقد انتهى أمران: انتظار تراجع الأسد باتجاه التفاوض على الرحيل. وانتظار اطمئنان الروس إلى شراكتهم في الحل ومصالحهم في المنطقة. وهكذا يحدث الآن هذا التحول البطيء والمتسارع في الوقت نفسه، والذي كلف السوريين عشرات الألوف من القتلى، ومئات الألوف من المعتقلين، وملايين من النازحين والمهجرين. هل يصح تسمية ما يحصل وسيحصل حلا ً سياسياً كما يُصر الجميع؟ نعم، ما دامت فيه أو من ضمنه قوة سلام عربية أو دولية. والله المستعان.

========================

سوريون يعانون وعالم يتفرج

تاريخ النشر: الأحد 20 يناير 2013

ترودي روبين

الاتحاد

تحولت سوريا لتصبح أكثر عروض الواقع فظاعة. فأي أحد لديه القدرة على الدخول لموقع «يوتيوب» أصبح باستطاعته مشاهدة شرائط فيديو بشعة لطائرات النظام وهي تقصف المدنيين عمداً، ولطوابير الخبز، وللمساجد، والجامعات، والبنايات السكنية، والأسواق الخارجية، وهي تنهار على رؤوس قاطنيها والمترددين عليها.

وتقول تقارير الأمم المتحدة إن ما يقرب من 60 ألف سوري قد لقوا مصرعهم منذ اندلاع الأزمة السورية. كما استشهدت دورية «فورين بوليسي» ببرقية سرية لوزارة الخارجية الأميركية جاء فيها أن الأسد ربما يكون قد استخدم الغاز السام ضد المدنيين في حمص الشهر الماضي.

والمشهد العام في سوريا يشبه في الوقت الراهن المشهد الذي كانت عليه هايتي عقب الزلزال المدمر الذي ضربها، وأدى إلى مصرع مئات الآلاف من سكانها. وطالما أن الأمر كذلك، فما السبب الذي يدعو العالم للتفرج على ما يحدث من دون أن يفعل المزيد، من أجل مساعدة هؤلاء الذين يعانون من الحاجة الماسة.ونطاق الكارثة التي تعرض لها السوريون، يبرزه تقرير جديد صادر عن لجنة الإنقاذ الدولية وهي جماعة للمساعدة الدولية تمارس نشاطها في الشرق الأوسط ،حيث ورد فيه أن 600 ألف سوري قد فروا إلى الدول المجاورة المثقلة بالأعباء مثل لبنان والأردن، والتي تحتاج إلى مساعدات دولية عاجلة لتوفير احتياجات اللاجئين السوريين الذين فروا إلى أراضيها، والمرشحة أعدادهم للتزايد باستمرار.

وفي نفس الوقت هناك ما يقرب من مليوني سوري نزحوا من ديارهم لمناطق أخرى داخل سوريا ذاتها، ويحاولون المحافظة على حياتهم وسط ظروف يعانون فيها من نقص الأطعمة، والأدوية، والمأوى، وهو ما تفاقمه موجة البرد التي تضرب المنطقة حالياً.

وما يزيد من معاناة العائلات السورية، حالات اغتصاب النساء والفتيات من قبل رجال مسلحين، وهي ظاهرة باتت مألوفة في الوقت الراهن، وكذلك قيام السلطات الحكومية باستهداف المستشفيات والأطباء.

ورغم تلك المعاناة، فإن النداء الذي وجهته الأمم المتحدة لجمع 1.5 مليار دولار لم يحقق المرجو منه.

وتواصل منظمات ومانحون خصوصيون من دول عربية ضخ أموال للجماعات الإسلامية في سوريا، حيث تقوم تلك الجماعات بتوزيع التبرعات الخيرية على المدنيين اليائسين، وتتحول جراء ذلك إلى أبطال في نظر المستفيدين.

وبدون موارد كافية فإن «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» الذي اعترفت به الولايات المتحدة باعتباره «الممثل الشرعي للشعب السوري» لن يكون قادراً على ترسيخ نفوذه على المناطق المحررة من سوريا، أو تعزيز الشبكات الوليدة المكونة من المجالس المحلية.

وهذا يعني أن فرصة مهمة لتأسيس قناة فعالة لتخفيف معاناة السوريين، وتسهيل عمل الحكومة الانتقالية التي يمكن أن تتفاوض على السلام، قد ضاعت. وسوف يكون هذا بمثابة كارثة جديدة تحل بالسوريين الذين تعذبوا بما فيه الكفاية جرّاء جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد ضدهم على مرأى ومسمع من العالم كله.

--------

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي.تي. إنترناشيونال»

========================

“الشعارات” العربية قبل الربيع وبعده

ربما كان مطلوباً إعادةُ النظر في سيمفونية انتقاد (ثقافة الشعارات).إن لم يكن احتراماً لمقتضيات العقل والمنطق في قراءة الأحداث، فليكن احتراماً لأمثال هؤلاء

د. وائل مرزا

الأحد 20/01/2013

المدينة

ليس بالشعارات وحدها يحيا الإنسان. هذا صحيحٌ تماماً. وكثيراً ماغرق العرب بشكلٍ عام، والسوريون جزءٌ منهم، على مدى عقود في عقلية الشعارات.

ساهمت في ترسيخ هذا الواقع سياساتٌ لم تترك للناس مجالاً للمشاركة العملية في صناعة الحاضر والمستقبل. فانغمس الجميع في صناعة الكلام.

لم تكن الشعارات لافتاتٍ تُرفعُ فقط في مناسبات العرب. وإنما كانوا ينامون ويصحون عليها. كانت الشعارات حبةً سحريةً تحلُّ كل المسائل، من رغيف الخبز إلى تحرير فلسطين، مروراً بقضايا التنمية والحرية والمشاركة والإصلاح، وحلّ مشكلات الجوع والفقر والمرض والبطالة والتخلف.

حتى أصبح التعامل مع واقع المجتمعات العربية من خلال الشعارات ثقافةً وأسلوبَ حياة.

أدرك بعض المثقفين منذ تلك الأيام حجم الإشكالية الكامن في تحويل الشعارات مضموناً للثقافة وأسلوباً لممارسة السياسة. كان هؤلاء يعرفون أن هذا سيُنتج مصيبةً مضاعفةً في عالم العرب. فالأسلوب المذكور لن يفشل فقط في التعامل مع القضايا الأساسية التي يجب التعامل معها، وفي حل الإشكاليات الكبرى المطروحة على الساحة، بل إنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى تعميق تلك المشكلات. بل وإلى توليد مشكلاتٍ جديدة. لهذا، كان نقدهم للظاهرة مصحوباً بالمطالبة بتحقيق ماتدعو إليه الشعارات.

مضت تلك السنوات، وظهرَ الفشل المتوقع في كل مجال. ثم جاء الربيع العربي،وعادت قضية الشعارات إلى الساحة مرةً أخرى.

وفي سوريا تحديداً، ملأت الشعارات فضاء الثورة منذ اللحظة الأولى. فمن أسماء الجمع إلى هتافات المظاهرات ولافتاتها، مروراً بعباراتٍ صارت من أدبيات الثورة، خرجت من الصدور إلى الواقع شعاراتٌ تُعبّر عن كل الآلام والآمال المتعلقة بالماضي والحاضر والمستقبل.

لكن رفع الشعارات وترديدها لم يأتِ هذه المرة من استغراقٍ مزيف بصناعة الكلام، وإنما انبثق عن إرادةٍ عملية لصناعة الحياة، عبّرت عنها ممارسات وتضحيات تُصرّ على تحقيق الحرية والمشاركة والإصلاح والتنمية، وحلّ مشكلات الجوع والفقر والمرض والبطالة والتخلف، والبحث عن دورٍ يليق بسوريا وشعبها في هذا العالم.

وعلى مدى عامين، ظهرت التحديات التي تواجه الثورات العربية بشكلٍ عام، والثورة السورية تحديداً، فظهرت ردود الأفعال عليها من قبل بعض المثقفين (الواقعيين)، وسرعان ماأصبح انتقادُ شعارات الثورة (موضة) كاسحة ركبها الكثيرون. وتفنّنَ هؤلاء في نحتِ مصطلحات واختراع تعابيرَ وألفاظ تهدف إلى إظهار السّبق في مسيرة الانتقاد الكبرى، والتنافس على تصدّر صفوفها الأولى.

فواحدٌ يهجو (منطق المثاليات)، وآخرُ يُسفّهُ ثقافة (العنتريات)، وثالثٌ يسخر من (الإصرار على الحياة في الماضي).. وهكذا،تظهر في واقعنا العربي اليوم صنعةٌ جديدةٌ تعتاش على نقد (ثقافة الشعارات).

قفزت الغالبية العظمى من شريحة المثقفين الذين ركبوا موضة نقد الشعارات فوق قضيةٍ مفصلية. نسيت أو تناست أن المضمون الذي كانت تشير إليه تلك الشعارات، حتى في العقود الماضية، كان يتعلق بجملة حقوق أساسية يستحق المواطن العربي أن يحصل عليها بحكم كونه إنساناً وبحكم كونه مواطناً. وأن ارتباط هذا الإنسان بتلك الحقوق أمرٌ فطريٌ وطبيعي يدخل في صلب تكوينه البشري. وأن هذا لاعلاقة له بإساءة استخدام الشعارات في المراحل السابقة.

ربما استُلب العربي المسكين في تلك المراحل بالشعارات، لكن علينا أن نتذكر أن هذا الاستلاب لم يتعلق بمضامين خرافية أو وهمية لتلك الشعارات. وإنما لأن مضامينها كانت، ولاتزال، تمثل الحدّ الأدنى لحقوقه الشخصية من الحياة الكريمة إلى الحرية والمشاركة، ولحقوقه المعنوية من الاستقلال واحترام العالم لهويته ووجوده وكرامته. وكان تعلّق العربي بهذه المضامين مشروعاً وطبيعياً، بل ومطلوباً بكل المقاييس.

لاينتفع العرب شعوباً وحكومات في شيء حين تستمر جوقة انتقاد (ثقافة الشعارات) فتصبحَ هدفاً في حدّ ذاتها. فالعرب كانوا يبحثون عن الكرامة الشخصية والمعنوية، الخاصة والعامة، حين تفاعلوا مع مرحلة الشعارات في الماضي. وهم لايزالون يبحثون عنها في حاضرٍ مُفعم بالحيوية والتغيير، ولو أحاطت به تحديات كثيرة.

ثمة شعارات كثيرة رفعها السوريون على شكل لافتات وهتافات خلال الأشهر الطويلة الماضية. وكان مما قالوه فيها: (فقط في سوريا: العنفُ يُولّدُ التضحية)، (الزبداني لاتنزف بل تسقي بساتين تُفّاحها)، (كيف نخاف ونحن نرى الجنة في أفواه مدافعكم وبنادقكم)، (نريد وطناً بالألوان)، (لن نعود إلى الوراء.. الشعب ذاق الكبرياء.. والكلُّ أجمع أمره.. حريةٌ أو لابقاء)، (لاتسألني متى النصر.. قل لي ماذا فعلتَ لتستحقه؟)، (ادلب لاتريد حظراً جوياً.. فهي تصنعه..)،(إذا كانت حريتنا هي موتنا.. فدعونا نعيش موتنا بحرية)، (الثورة.. تذكرة دخول.. وليست تذكرة خروج..).

وفي مشهدٍ مهيب، يقف شابان ممشوقا القامة على ركام منزلٍ مُهدّم يحملان لافتةً كُتب عليها (من تحت الرُّكام.. سنُسقط النظام).

وأخيراً، يُظهر مقطع فيديو فتاةً محجبة تكتب بالبخاخ على حائط في حماة في يوم عيد الفصح عبارة (أخي المسيحي: سأحمي صليبك بدمي.. فصحٌ مجيد).

ثمة دلالاتٌ لانهاية لها في هذه (الشعارات). فهي تُعبّر عن جملةٍ من القيم والمعاني التي يدفع الشعب السوري دمه لتحقيقها على أرض الواقع. والذين يرفعون هذه الشعارات لايفعلون ذلك أمام مايكروفونات الإعلام في مهرجانات خطابية رسمية، وإنما ينحتونها من عمق تجاربهم الشخصية ليرسموا بأحرفها وكلماتها كل مايعيشونه عملياً من الآلام والأحلام والأشواق والتطلعات.

من هنا، ربما كان مطلوباً إعادةُ النظر في سيمفونية انتقاد (ثقافة الشعارات).إن لم يكن احتراماً لمقتضيات العقل والمنطق في قراءة الأحداث، فليكن احتراماً لأمثال هؤلاء.

========================

تطورات الجزائر ومالي ورقة توظيف للنظام السوري

والمجتمع الدولي يكتفي بتعداد ضحايا المجازر المتلاحقة

روزانا بومنصف

2013-01-20

النهار

مع تسلم الرئيس الاميركي باراك اوباما مهماته رسمياً اليوم، مستهلا ولايته الرئاسية الثانية، تكثر التكهنات والتوقعات حول الخطوات التالية التي يمكن ان يتخذها في مقاربة الولايات المتحدة للأزمة السورية على اثر اعتراف الادارة الاميركية  بالائتلاف السوري المعارض ممثلاً شرعياً للشعب السوري في 11 كانون الاول الماضي، لكن من دون الدفع في اتجاه اعتباره ممثلاً وحيداً للشعب السوري، وتالياً حرمان النظام من اي نافذة ديبلوماسية له على الخارج، خصوصا في الامم المتحدة. ويثير عدم الاقدام على هذه الخطوة تساؤلات كبيرة وغير مفهومة، خصوصاً انها اعتمدت في ليبيا حين تم الاعتراف بالمعارضة اللييية ممثلاً وحيداً للشعب الليبي، وكانت سابقة باعتبار انه يتم الاعتراف بالدول وليس بالحكومات، مما حفّز المزيد من الانشقاقات عن النظام، في موازاة التساؤلات ايضاً عن عدم خوض حملات اعلامية وسياسية كافية دعماً للمطالبة باحالة الجرائم في سوريا على المحكمة الجنائية الدولية ولو انها محكومة بقرار من مجلس الامن يتعذر الحصول عليه في ظل الفيتو الروسي والصيني.  لكنها خطوات مؤثرة على الصعيد المعنوي، وان لم تكن غير مؤثرة في تغيير موازين الحرب الداخلية على نحو مباشر، وفي توجيه الرسائل عن عدم امكان بقاء النظام او المساومة معه او مع الدول الكبرى على ذلك. وهناك ترقب كبير على هذا الصعيد، خصوصاً ان النظام صعّد أخيراً حجم اعتداءاته وضراوتها مع زيادة حجم المجازر ونسبتها ضد المدنيين في الاسبوعين الاخيرين بوتيرة شبه يومية، والتي يتحمل مسؤوليتها النظام وفق تقارير مباشرة نقلتها وسائل إعلام اجنبية من حمص وسواها ولم ينفها النظام، اذ تحدثت وسائل اعلامه عن عملية تنظيف لمناطق ومن بينها حمص، ممن اعتبرهم النظام ارهابيين في حين انها عائلات بكاملها، خصوصاً ان هذه المجازر طاولت سوريين من طائفة معينة. وهذا التصعيد في العمليات العدائية والانتقامات يشكل ابرز تحدٍ للمجتمع الدولي الذي يقف عاجزاً عن اي خطوة لمنعها او الحؤول دونها والاكتفاء بتعداد عدد الضحايا الذي تجاوز حتى الآن وفق الامم المتحدة ستين الف قتيل ممن أمكن احصاؤهم. في الوقت الذي يستفيد النظام من عدم الحماسة الدولية في اتجاه اتخاذ المزيد من الخطوات الضاغطة المتعلقة بالتمثيل الديبلوماسي او بالاحالة على المحكمة الجنائية الدولية رغبة في عدم التصعيد مع موسكو في الدرجة الاولى وابقاء التواصل قائما معها حول الموضوع السوري، كما يستفيد من عدم  دعم المعارضة بالسلاح الذي يساعدها على الانتصار عليه على رغم تهديد بعض الدول بذلك، وفقاً للمواقف البريطانية مثلاً في هذا الاطار. اذ يساعده ذلك على اشاعة الاعتقاد بأن الباب لا يزال مفتوحاً امامه من أجل تصحيح الوضع وعدم التخلي عنه اذا أحسن لعب اوراقه مجدداً، خصوصاً من خلال توظيف ورقة محاربة الارهابيين الاسلاميين او على الأقل من اجل الايحاء بذلك لجماعته والداعمين له. فالنظام وابان معركته من اجل التمديد للرئيس اميل لحود في العام 2004 بقي يعتقد في ظل استمرار الزيارات الديبلوماسية الاميركية الى دمشق ان التهديدات الغربية بالقرار 1559 كانت مجرد كلام لا طائل منه باعتبار انه يستمر في التفاوض مع الديبلوماسيين الاميركيين الزائرين حول لبنان وملفات اخرى حيوية بالنسبة الى الولايات المتحدة على صعيد التبادل الامني والاستخباري بما يجعل من المستحيل القطع معه او حرمانه شرعية استمرار سيطرته على لبنان. ولم تدرك واشنطن سوى متأخرة انها كانت توجه الرسائل الخاطئة للنظام او على الاقل تسمح له بقراءة خاطئة لمواقفها قبل ان تستدرك ذلك بالغاء الزيارات الديبلوماسية للعاصمة السورية في تلك المرحلة من اجل تصويب تحديد ماهية المطلوب من النظام. وهو ما تعتقد مصادر سياسية انه يحصل اليوم مجدداً من خلال الخطاب الاخير للرئيس السوري الذي حاول السعي الى اقناع الغرب بمحاورته من اجل مواجهته الاسلاميين او من خلال ترجمة التقاعس عن تفعيل القرارات التي اتخذت في مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في مراكش  مطلع كانون الاول الماضي و بقاء الباب مفتوحاً أمامه للمساومة.

وما تخشاه المصادر السياسية المتابعة ان تكون التطورات الاخيرة في سوريا وخارجها تركت اثارها في المقاربة الغربية ازاء سوريا، اذ ان الفورة الاسلامية المتعاظمة من ضمن الربيع العربي واستكمالا في المنطقة تثير الحذر الشديد في المقاربات الغربية للازمات في دول المنطقة. فالتدخل الفرنسي العسكري في مالي في مواجهة الاسلاميين وعملية احتجاز الرهائن الغربيين في الجزائر كرد فعل على التدخل الفرنسي في مالي من بين أسباب اخرى ترسم علامات استفهام كبيرة لدى الدول الغربية على رغم غياب الصلة المباشرة بين ما يحصل في مالي والجزائر والتطورات في سوريا. لكن بعض المعلقين الاميركيين مثلا يبررون من خلالها عدم التدخل الاميركي العسكري في سوريا ويثنون عليه. ومع ان التدخل العسكري الغربي في سوريا لم يرد في اي لحظة منذ عسكرة الثورة السلمية ضد النظام، فان التورط الفرنسي في مالي مدعوماً من الدول الغربية يجعل التدخل في سوريا أمراً يقارب الاستحالة، اياً تكن الاسباب، بما فيها المضي قدماً  في عملية الاعدامات والانتقامات الميدانية، ولأن فرنسا يفترض ان تكون أحد الداعمين الأساسيين في هذا الاتجاه في حال حصوله، فضلاً عن تلهي الغرب بمسألة اخرى غير تركيز الاهتمام على سوريا.

ومن جهة اخرى فان التدخل الغربي في مواجهة الاسلاميين في مالي ومواجهة الجزائر احتجاز اسلاميين رهائن غربيين هو الذي يتلطى وراءه النظام من اجل المضي في التصدي لمعارضيه تحت عنوان مواجهته الاسلاميين الارهابيين، بما يوفر للنظام فرصة التوظيف من زاويتين على الاقل: الأولى ان هناك معياراً مزدوجاً للتعامل الغربي ازاء الاسلاميين "الارهابيين" لجهة السعي الى محاربتهم في مالي والجزائر وعدم اتاحة المعاملة بالمثل في سوريا، نظراً الى ان النظام يتجاهل وينكر الثورة ضد حكم عائلته المستمر منذ اربعين عاما. والزاوية الاخرى العزف على وتر ردود فعل الاسلاميين على العامل الغربي بما يردع اي محاولة لدعم معارضيه، خصوصاً في ظل المخاوف الاميركية وسواها من تصاعد فورة الاسلاميين ضمن المعارضة في سوريا.

فهل ثمة ما ينقض هذا المنحى في المدى المنظور ام ان المراوحة ستكون سيدة الموقف وفق المؤشرات الكثيرة في هذا الاطار؟

========================

المنسى السوري... المنساة السورية

ياسين الحاج صالح

المستقبل

20-1-2013

المنسى بلاد ووضع ونظام سياسي.

إنه موطن النسيان العام، الأرض التي تكون فيها منسيًا، لا شأن لك، لا يحس بك أحد ولا يذكرك أحد (غير ذويك وأخصّائِك).

وهو وضع المحرومين من الذكر العام، من لا يتكلم عنهم أحد أو يشعر بهم أحد، بينما هم يتألمون أو يموتون. المنسى، بالخصوص، حال من يهانون ويعذبون ويقتلون في سياقات عامة، دون شهود ودون رواية، ودون تكريم. وهذا بخاصة في زمننا الراهن الذي يستطيع توفير سجلات وصور ومعلومات مباشرة أكثر من أي وقت سبق، لكنه ينتج من التجاهل والمهانة والإهمال الكثير أيضا.

ومثل السجن والمنفى، المنسى وضع سياسي، إنه نتاج سياسة إنساء، حرمان من القول والحضور، أو فرض المجهولية على قطاع من السكان أو على جميعهم.

بفضل الثورة الاتصالية لم يكد يبقى ثمة منفيون ومناف اليوم. المنسى هو المنفى المعاصر، والمنسيون هم المنفيون. منفيون داخل بلدانهم، لكن خارج الذكر العام والمجال العام، لا يعترف بهم ولا يُروْن، ولا يفكر بهم أحد، ولا تُسجّل سيرهم ولا تروى قصصهم، ولا تسمع أصواتهم، ولا تحفظ صورهم.

حماه

ضحايا حماه السورية عام 1982 سقطوا في لجة المنسى التي كانتها سوريا كلها في ذلك الحين. كان مواطنوهم يذهبون بالألوف إلى السجون والمنافي، لكن كان مصيرهم هو الأقسى بإطلاق. عُذِّبوا وقتلوا، واغتصبت نساء، ودمرت البيوت ونهبت الأملاك، ولم يُروَ شيء من ذلك في وقته أو يُذكر. ليس هناك مواد مصورة مزامنة، ولا تكاد توجد شهادات حية. كتبت أشياء في أوقات لاحقة، لكنها قلما تقدم روايات شخصية أو سيرا مرتبطة بأوقات محددة وأماكن بعينها وأسماء ووجوه. عبر حال المنسى، قُتِلوا مرتين، مرة في المذبحة في شباط 1982، ومرة بحرمانهم من الذكر العام واعتبارهم ضحية جمعية لا ملامح لها.

كان الغرض من هذا العقاب الوحشي صنع ذاكرة خوف ومنعكسات خوف مناسبة. الوجه الآخر للمنسى العام هو الذكر الخاص، أن تبقى المقتلة في ذاكرة الناس، لا ينساها أحد، لكن أن يتداولوا الكلام في شأنها همسا وفي نطاقاتهم الخاص. بهذا يصان مفعولها الترويعي كهوْل غير محدد، كواقعة شبحية رهيبة لا شكل لها، ولا يمكن استيعابها. كان من شأن التداول العام بشأنها أن ينظمها ويحددها، فينزع طابعها الشبحي، ويجعل منها واقعة تاريخية قابلة للفهم، بلا "سحر" ولا هوْل.

لكن في المجال العام، مذبحة حماه لم تقع.

العالم

المنسى نتاج تحولين خاصين بالعالم المعاصر.

أولهما أنه لم يعد ممكنا لأحد أن يعيش خارج الدولة، "مكتوما"، وتاليا لم يعد ممكنا وجود ألم خاص. آلام الناس اليوم عامة وسياسية، ما يقضي بأن يعترف بها بهذه الصفة، وأن تشكل السياسة بحيث تنتج أقل الألم.

والتحول الثاني يتمثل في أن السياسي هو ما يَظهر ويُعرض ويُروى، ويوضع بين يدي الجمهور، أو في متناول الانتباه العام. وبما أن الألم سياسي، وبما أنه مهم، بل هو المهم (أكثر من أخبار الرؤساء والملوك وأقوالهم)، فينبغي أن يٌعرض ويعمم كي يطلع عليه الجميع ويتحملون المسؤولية حياله.

ثم إن الذكر (التذكر والرواية) لم يعد فعلا نفسيا أو تراثا محليا. إنه اليوم فعل "موضوعي"، مجسد في مؤسسات وممارسات عامة، وهو أيضا فعل سياسي وصراعي، تحاول الدول التحكم به والسيطرة عليه. وفاعل الذكر مجتمعات كبيرة ودول، والعالم. ومثله النسيان. ليس النسيان غفلة أو سهوا أو مجرد نقص في التذكر. إنه فعل منظم ومتعمد، وسياسي أيضا.

الحمويون قبل جيل أصابهم ألم سياسي جدا، ومنع هذا الألم من أن يُذكر، بل أسدل عليه ستار من النسيان بجهد سياسي منظم.

كان هذا حال السوريين جميعا بدرجات أقل فداحة. كانت سوريا منسى. وكان نظامها منسى، جهاز لمنع الذكر العام ولقمع الذاكرة والرواية.

الطغيان

عموما الطغيان عدو للذاكرة، لا يريد أن ترى سيرته لأن كل سيرة تتضمن التحول والنقص والزوال أو الموت، وهو ما لا يطيقه الطغيان المنشغل بتأبيد الحاضر. ولا يريد أن يروي المحكومون سيرهم الخاصة، لأن هذا يعني امتلاك القول الشخصي والشوق الخاص والذات المستقلة، مما هو انتهاك لأساس الطغيان: لا قول غير قوله، ولا فعل غير فعله، ولا نزوع غير نزوعه، ولا أنا مستقلا إلا أناه.

لذلك الطغيان هو المنسى. حالة مكتومية سياسية عامة. ولذلك الثورة على الطغيان خروج من الغمر ومن النسيان. من المكتومية السياسية إلى مجتمع الذكر.

من السجن أيضا، ومن المنفى.

بما هي انفجار اجتماعي، الثورة حالة "فجور" سياسي، انتهاك للنسيانات المفروضة، وهتك للحجب السياسية المسدلة على وجه المجتمع ولسانه.

و"أبطال" فجورنا اليوم هم الذاكرون، مقاومو النسيان، بخاصة أولئك "المراسلون المواطنون"، الذين يصورون قصص السوريين ويدونونها، ويتيحون فرص الكلام لمواطنيهم. يحطمون جدران المنسى الأسدي.

الثورة

خلافا لحماة قبل أكثر من ثلاثة عقود، الثورة السورية اليوم تسجل نفسها أولا بأول، تدون يوميات فجورها على يد أولئك "الأبطال". لم تعد سيرة الموت السوري اليوم أسيرة النفوس والنطاقات الخاصة الضيقة. صارت تجد دربها أولا بأول إلى الذكر العام.

لكن لا ريب أنه تضيع قصص كثيرة جدا، وتحال إلى النسيان آلام وفجائع لا تحصى. وبقدر ما إن رهان الثورة هو أن يكون لكل فرد قوله، وأن يتمكن من رواية قصته بنفسه، فإن رهان الثورة الواجب هو أن تستخرج من المنسى الحكايات التي طويت والفجائع التي لم ترو، هذا بقدر ما إن الثورة لا تكتمل دون خروج جميع من هم في السجن، وعودة جميع من هم في المنفى (إن شاؤوا).

المذْكَر

يخرج السجناء إلى عالم حرموا منهم ويستعيدون حرية فقدوها، ويعود المنفيون إلى "الوطن"، ما هو العالم المقابل للمنسى؟ ما هو "المَذْكر"؟ ذاكرة من هي التي يجب أن تسترجع سير المنسيين وصورهم؟ لا تكفي ذاكرة الأسرة والأصدقاء والجماعة الصغيرة. المنسى وضع سياسي كما سبق القول، والذكر ينبغي أن يكون سياسيا. الذاكرة والنسيان فعلان عاما وسياسيان اليوم كما سبق القول أيضا.

الذاكرة المعنية هي أولا الذاكرة الوطنية. ووسائل التذكر هي السجلات الوطنية والمتاحف، وقبل الكل وسائل الإشهار العامة: الصحف والإذاعات والشاشات ومواقع الانترنت، وكذلك النصب التذكارية والمسارح والسينما...

خلال حكم حافظ الأسد ووريثه كانت سوريا "مَذْكرا" حصريا للأب وسلالته، بقدر ما هي منسى عام لجميع السوريين. خاضت سوريا حروبا عديدة، لكن ليس هناك شهيد واحد بملامح شخصية، غير ابن حافظ الأسد الذي مات في حادث سيارة. ولم يحصل أن كُرِّم مثقف أو فنان سوري إلا إذا كان مواليا، أو متخليا عن أي دور عام مستقل.

لطالما كان المنسى السوري بمثابة إعدام سياسي، أو محو من الذكر العام (العلني و"على رؤوس الأشهاد"). الأشهاد اليوم هم "المواطنون" جميعا. ويسهل الإعدام السياسي المحو والإبادة الفعليين.

ومقابل هذا الإعدام هناك حياة مضاعفة وحضور مضاعف ومفرط لحافظ الأسد ثم وريثه. كأن خلاصة كل الحيوات التي أحيلت إلى النسيان رُكِّزت في حياتيهما.

من السمات الجوهرية للنظام الأسدي احتكار المجد لشخص واحد وأسرة واحدة. يتسامح بـ"الشهرة" و"النجاح" اللذين تدرهما وسائل الإعلام الجماهيرية على فنانين ورياضيين، لكن حتى هنا الأمر مشروط دوما بالولاء. أما "المجد"، بمعنى اقتران الشهرة بالحرية والدور الاجتماعي المستقل، فهذا محظور بتاتا. لم يكن يطاق حتى مثقف مُتلوِّن مثل نزار قباني، رغم أو لأنه كان حائزا على شعبية حقيقية، لا تدين للنظام البعثي بشيء. المثقفون السوريون الآخرون عاشوا في المنفي أو مارسوا رقابة ذاتية متشددة.

المجد للحاكم وحده. صدام حسين، وهو شبيه لحافظ الأسد، لكن "متجه نحو الخارج"، سمّى نفسه "المجيد" بعد كارثة 1991.

المنساة

المنساة السورية هي السيرة الغائبة والصوت الغائب أو المنسي للسوريين خلال الحكم الأسدي بخاصة. وهذا الغياب هو أحد أوجه المأساة السورية وإحدى أدواته. من السهل حبس المغمورين، من لا ذكر لهم، ليس صعبا قتلهم، من يبالي بتعذيبهم والتنكيل بهم وإهانتهم؟

كان التحكم بحركة المعلومات في عهد الطاغية الأب شبه كامل، ولطالما ضاعفته وكالات التزييف أو الذكر الكاذب في الداخل السوري، وفي لبنان الذي جرت السيطرة عليه طوال ثلاثة عقود. ولطالما وجد النظام بعض الصعوبة في اعتقال أشخاص مذكورين (عمر أميرالاي، ممدوح عدوان، برهان غليون،... من بين المعروفين الذين تعرضوا لـ"مشكلات أمنية"). صفتهم كمعروفين تشكل حماية نسبية لهم، وتضمن أن تروى قصصهم إن تعرضوا للاعتقال وما هو أسوأ منه.

الذِّكر

هذا الجانب من الواقع السوري يساعد في تصور ما ينتظر من الثورة، أو ما يتعين أن يكون معيارا للحكم على ما تحقق. غير رواية السير السورية كلها، يلزم امتلاك أدوات الذكر العام التي سبقت الإشارة إليها من قبل المجتمع. ليس لها أن تكون أدوات إشهار وتمجيد لفرد أو عائلة أو حزب. ليس لحاكم أو حزب احتكار الذكر العام وأدواته لأنهما من أدوات السلطة والنفوذ الحاسمة.

في زمننا الحاضر، هذه الأدوات بأهمية الكتابة قبل خمسة آلاف سنة. الحرمان منها هو بمثابة فرض للأمية على المحرومين. أمية الذكر العام.

الأهم على كل حال أن يتملك المجتمع أدوات الذكر وإنتاج الذكر (كما تملك الكتابة وأدوات إنتاجها)، بما فيها امتلاك الفضاء العام. الذكر هو التذكر والرواية، أن نتذكر وأن نروي ما نتذكر. أن نشهد.

التخلص من نظام المنسى لا يكفي بحد ذاته من أجل التحرر. يلزم استحضار المنساة السورية بأكبر قدر من التفاصيل المضبوطة، ووضعها بين أيدي المعنيين، السوريين.

الخروج من المكتومية هو عنوان لثورة اجتماعية يمتلك فيها الأفراد والجماعات أسماءهم وصورهم وسيرهم، وأدوات تعميمها. هذا جانب أساسي من الثورة السورية لا يقل أهمية عن الجانب السياسي. وهو يساعد في نصب حواجز تحول دون الطغيان. مجتمع المغمورين المجهولين النكرات هو المجتمع الذي يمكن أن يتحكم فيه الطغيان. يصعب فعل الأمر نفسه في مجتمع المذكورين، الذي يتملك أفراده شخصياتهم وقصصهم.

لكن هل تحتمل سوريا أن تكون "مَذْكرا" تاما؟ أن يُفتح باب الذكر على سعته للجميع؟ نعلم أن مما قد يُذكر ما يثير السوريين ضد بعضهم، ولبعض ما نراه اليوم هذا المفعول.

يحتاج الأمر إلى نقاش مفتوح. المبدأ هو حق الذكر للجميع، لا يجوز تقييده إلا في أندر الحالات. ونتصور أن حرية الذكر، بما فيها حرية النقاش العام، تصلح مشكلاتها. وأن التقييد، وإن لمصلحة عامة تبدو وجيهة، يفتح باب التسلط والرقابة. والأمية.

العالم...

الثورة السورية قد تكون أول مأساة عالمية غطت نفسها بصورة واسعة وواعية جدا، ربما ثأرا من المنسى الأسدي، من تحالف المأساة والمنساة ضد السوريين في جيل سبق. دسّت الثورة صورها وقصصها تحت أنوف العالم ككل، ووضعت سوريا على رأس قائمة الكفاح العالمي من أجل الحرية والذكر، فارضة على العالم أن ينتبه ويصغي.

لا تزال الاستجابة محدودة بعد نحو عامين من الكفاح، وهي تبلغنا أن هناك خللا فادحا في نظام الذكر العالمي، إن جاز التعبير. أن في العالم مناسي واسعة، صحارى يغيب فيها الذكر والتذكر، أن بلدنا الذي ولدت فيه الأبجدية أحد هذه الصحارى. وأن النظام الدولي الذي لا تكف الثورة عن تذكيره شريك للنظام الأسدي الذي جعل البلد منسى.

وما سبق قوله عن أن التذكر والنسيان فعلان عاما وسياسيان، هو اليوم واقعة عالمية أكثر وأكثر. ليس هناك مجتمعات تعيش خارج العالم. وتاليا إن ما ينسى وما يذكر مرتبط بنظام العالم اليوم، وليس بالنظم السياسية المحلية وحدها. في هذه الحيثية يمكن القول إن العالم اليوم يشبه المنسى الأسدي أكثر مما يشبه أي بلد ديمقراطي، في الغرب أو غير الغرب. ويمكن تعريف الديمقراطية، في هذا السياق المحدد، بأنها الترتيب السياسي الذي يتيح لأكبر عدد من الأفراد الذكر العام، التذكر والرواية "على رؤوس الأشهاد".

الذاكرات الوطنية لم تعد تقبل العزل عن بعضها. وأحد ميادين الكفاح اليوم هو التملك المتساوي للذكر والمساواة بين الذاكرات أو الشهادات. ظاهر اليوم أن الذكر والذاكرة الأميركية مهيمنان عالميا، وذكر الغرب وذاكراته قوية الحضور. والذاكرة والذكر الإسرائيليين ربما يكونان الأقوى عالميا. إسرائيل هي الحالة القصوى للّامنسى، للمذْكر. إنها تشغل في العالم الموقع الذي كان يشغله حافظ الأسد في سوريا.

بالمقابل، تشكل بلدان بأكملها مناسي عالمية، منها بلدنا.

========================

في القضاء على المظاهر السلميّة للثورة السوريّة:

كسر الأصابع وقلع الحناجر وذبح بالسكاكين

سوريا ـ خاص "نوافذ"

المستقبل

20-1-2013

تغيّرت أشياء كثيرة في حياة السورييّن، منذ انطلاق الثورة فيها في 15/3/2011، لا بل تغيّرت كلّ مناحي حياتهم؛ من خلال انهيار حاجز الخوف في دواخلهم، (وانهيار حياتهم ومدنهم في المقابل)، وكذلك انهيار الخوف في جيناتهم الوراثيّة؛ التي تدخل فيها سابقاً الرئيس الراحل حافظ الأسد من خلال نظريّته الأمنيّة المبتكرة؛ حيث أوجد في كلّ بيت سوريّ ثلاث شخصيات: الفاسد والمخبر والخائف. لأنّ الفاسد والمخبر، اللذين استحدثا، وتمّ تطويرهما، لعبادة رأس السلطة، والافتقار إلى الأخلاق والإنسانيّة، سيُشكلان حماة للنظام، وجيشاً جاهزاً لدعم استمراره على أساس المصلحة والمنفعة المشتركة. لدرجة أنّ تطوّر الفساد في سوريا جعل منظومة الفساد نفسها تضع قوانينها المعطلة لكلّ القوانين الأخرى، التي جعلها النظام شكليّة لا أكثر، إلا عندما يرى مصلحته، ومصلحة أزلامه، في إعادة الاعتبار لها. بينما الخائف، وفق تلك النظريّة، سيتحوّل، شاء أم أبى، ومهما طال الزمن، إلى طيف لا يمكن له إلا التفكير في العيش ولقمة العيش، ولا يمكن له أن يؤثر في استمراريّة هذا النظام، من عدم استمراريته، إلى الأبد.

الثورة يقودها الخائفون والمسحوقون

وهذا بالضبط ما جعل النظام يفقد صوابه عندما تجرّأ الخائفون على مناصرة الثورة المصريّة، ومن بعدها الليبيّة، وتبني شعاراتها؛ فقام باعتقال الأطفال، الذين كتبوا تلك الشعارات على سبّورات مدارسهم وحيطانها، وقلع أظافرهم وطردهم من المدارس، كي لا يفكر الآباء "الخائفون" بالمطالبة بأيّ شيء. لكن "الخائفين على البلد" لم يتراجعوا عن شجاعتهم؛ مطالبين بإطلاق سراح أطفالهم، والكفّ عن تهميشهم وتهميش مطالبهم في الحياة بكرامة. فقام العميد عاطف نجيب، رئيس فرع الأمن السياسيّ في محافظة درعا، وهو ابن خالة الرئيس بشار الأسد، بتهديد آباء الأطفال المعتقلين بأنه على استعداد لقتل أطفالهم، وإنجاب أطفال جدد من زوجاتهم بنفسه! في دليل كبير على وقاحة ممثلي النظام، ووقاحة بنية النظام نفسه، في الاستعداد لانتهاك أعراض المواطنات على مرأى من أزواجهم أو ذويهم أو أطفالهم. ولم يتراجع شباب حوران عن الدفاع عن كرامتهم، بل ازدادت أعداد المتظاهرين والمتضامنين معهم من القرى والمدن التابعة لدرعا إداريّاً. ففكر النظام، الذي لم يعتد على تحدّيه من الخارج فكيف من الداخل، بزيادة جرعة العنف من خلال قيام عناصر الأمن بخلع الحجاب، في الساحة العامة، عن رؤوس النسوة المطالبات بإطلاق سراح أطفالهن المعتقلين، الذين تمّ اعتقالهم بتاريخ 7/3/2011، وبمحاكمة عاطف نجيب على أفعاله التي تشكل جرائم يُعاقب عليها القانون المغيّب بالنسبة لأزلام النظام، في تلك المنطقة المحافظة أصلاً، والاعتداء عليهنّ بالضرب، ما أدّى إلى إعلان العصيان المدنيّ من جانب الذين تخلوا عن خوفهم نهائيّاً. وبزيادة جرعة العنف من قبل النظام؛ بقتل تسعة متظاهرين، في مدينة درعا، اشتعلت الثورة في كلّ المدن والقرى التابعة لها؛ ودعت جهاراً إلى إسقاط النظام هذه المرّة، ومحاكمة الرئيس نفسه على أفعال قريبه المتنفذ، رغم أنها كانت، في البداية، تطلب من الرئيس التدخل شخصيّاً لوقف أعمال العنف ضدّ أهالي المدينة، فأصبح شرط إقالة العميد عاطف نجيب من الماضي البعيد، وشرط إسقاط الأسد ومحاكمته هي مطلب الثوّار. وتساءل مفكرو النظام، وعمال النظريّة الأمنيّة لحافظ الأسد، وسيظلون يتساءلون: متى أصبح لهؤلاء الخائفين والجبناء والمسحوقين والعبيد صوت وقوّة وجرأة؟

وبحصار درعا كلها، من قبل الجيش النظاميّ والشبّيحة والأمن، وزيادة أعمال القتل والاعتقالات والتنكيل، ومنع الأدوية والغذاء وحليب الأطفال، وقطع المياه والكهرباء عن كامل المدينة ولمدة أسابيع، انتقلت الثورة إلى البقاع الأخرى، مثل حمص وإدلب وريف دمشق... تضامناً مع أبناء حوران.

لا بدّ من تفصيل هنا للدلالة على كذب النظام وحماية أزلامه، الذين يُنفذون أوامر النظام ولا يتصرّفون من تلقاء أنفسهم؛ فقد تمّ تشكيل لجنة قضائيّة لملاحقة مَن تسبّب بأحداث درعا، والتعويض على أهاليها، والتي لم تنه أعمالها بعد مرور ما يقارب العام والنصف على تشكيلها، والتي صرّحت بأنه تمّ توقيف العميد عاطف نجيب، بعد إقالته من منصبه، ووضعه في السجن، وهذا كلام لا صحّة له؛ فالعميد عاطف نجيب جاء إلى القصر العدليّ بدمشق، وجلس في مكتب المحامي العام الأول هناك!، وجاء إليه قاضي التحقيق الأول وأخذ أقواله ثم أقفل المحضر نهائيّاً في اليوم ذاته، عائداً إلى القصر الجمهوريّ معزّزاً مكرّماً! ولم يتم لا توقيفه ولا أيّ شيء من هذا القبيل.

دم ثقيل يُراق وخفة دم سلميّ في التظاهرات

ورغم الدم الكثير الذي سال في كلّ بيت سوريّ، وبالتالي سال الحزن والفقد واليتم والنزوح والترمّل والحقد وسوء الفهم مع كلّ العالم...، كان لا بدّ من الالتفات إلى خفة الدم في مواجهة الوحشيّة التي انفلت عقالها هكذا، وسفكت كلّ هذا الدّم.

خفة الدم هذه ظهرت، أول ما ظهرت كارتباط في الثورة، في اللافتات التي كان يحملها الشباب الشجاع، من خلال السخرية من النظام وممثليه وفساده وديكتاتوريّته، ونشر الفكر الحضاريّ في مواجهة كلّ أشكال القوّة والغطرسة والعنف غير المبرّر؛ فاشتهرت لافتات كفرنبل وعامودا ودير الزور وحمص... على أيدي وبأفكار شبّان مهرة ومبدعين، تخلصوا من التشوّهات التي دأب النظام الاستبداديّ على ضخها وخلقها في دماء وجينات الشعب السوريّ، كلّ الشعب السوريّ. وكان يتمّ اعتقال الشبّان الذين كتبوا، أو رسموا، تلك اللافتات واللوحات، ويتمّ تعذيبهم بكسر أصابع أيديهم أولاً، كانتقام من فكرة التعبير بالكلمات والرسم، وحريّة التعبير نفسها. ومنهم مَن لقي حتفه، ومنهم من تمّ اختياره لتوجيه رسالة للآخرين، في أنّ النظام لا يُقيم وزناً حتى للمعروفين منهم على المستوى العالمي؛ كفنان الكاريكاتير الشهير علي فرزات الذي كسروا أصابع يديه بوحشيّة، ورموه على قارعة الطريق بعد جولة من الضرب المبرّح والمهين من قبل الأمن والشبّيحة.

نماذج من اللافتات والكتابات

كانت اللافتات تتطوّر مع تطوّر الأحداث، ومع زيادة آلة القتل في وحشيّتها؛ فتعبير "ارحل" صار "لا ترحل ... جايينك"، مع زيادة تعنت الرئيس في عدم التنحيّ عن الكرسيّ الذي يعضّ عليه، بمساعدة الدول التي ستتخلّى عنه طال الزمن أم قصر، بأسنانه وأسنان نظريّة والده التي لا يُصدّق بأنّ مفاعيلها قد انتهت.

كتب المتظاهرون على لافتة في دير الزور: "تضع الفيفا أربعة حكام لمراقبة /22/ لاعباً يتمتعون بالأخلاق الرياضيّة. بينما تضع الأمم المتحدة /30/ مراقباً فقط لمراقبة جيش الأسد وأمنه وشبّيحته الذين تنعدم عندهم الأخلاق والإنسانيّة".

أو أن تكون اللافتة موجّهة للداخل والمجتمع الدوليّ؛ مثل:"نعم. إنّ ما يحدث في سوريا هو مؤامرة، ولكنها مؤامرة ضد الشعب السوريّ، ورأس حربة المؤامرة هو بشّار الأسد". أو "ما يحصل (في سوريّا) ليس أزمة؛ (بل) هو حلّ لأزمة عمرها أربعون عاماً". أو "إلى الخائفين: نحن لسنا دعاة حرب... نحن دعاة بناء الدولة المدنيّة الديموقراطيّة لكلّ السورييّن".

أو مديحاً للحريّة من خلال مدح المتظاهرات، اللواتي تمّ اعتقال الكثيرات منهن، والتنكيل بهنّ حتى داخل أماكن التوقيف؛ بوضعهن في أماكن توقيف الداعرات والمجرمات الجنائيّات، وطردهنّ من الوظائف والبلد، كاللافتة التي كتب عليها: "سحر الحريّة في أنها قامت على صيغة المؤنث".

كما أن هناك العديد من اللافتات الساخرة من النظام والمجتمع الدولي؛ مثل "نطالب بدخول العصابات المسلحة لحمايتنا من الجيش السوري". أو "نطالب بتدخل خارجي سافر". أو "سوريا خلصت... والأزمة بخير". أو "نطالب بزيادة عدد الدبابات في كفرنبل للتخفيف عن حمص المنكوبة". أو "هل حماية الأقليات يعني إبادة الأكثريّة ؟". أو "بابا وماما استشهدا.... رباب وباسم في المعتقلات". أو "نطالب بمراقبين لمراقبة المراقبين وهم يراقبون". أو "اعلم يا بشار أن إعدامك حقيقة علميّة مثبتة". وهي لافتات قليلة من إبداعات شباب كفرنبل "المحتلة".

وأخيراً نجد لافتة معبّرة جداً عن زيادة أعمال القتل والقصف ، وتحوّل القتلى إلى مجرّد أرقام فقط، وعن تجاهل المجتمع الدوليّ لما يجري في سوريّا؛ وهي اللافتة التي كتب عليها:" خبر عادي: دير الزور تقصف".

الأغاني وسميح شقير ويا حيف

رافق ذلك الإبداع المكتوب إبداع شعريّ وصوتيّ تزايد مع زيادة العنف ضد التظاهرات السلمية، والمتظاهرين السلمييّن. فظهرت الأغاني التي كان ينشدها شبّان؛ صاروا الآن في عداد الموتى، أو المعتقلين، أو النازحين، أو المتخفين عن الأنظار خوف التصفية الجسديّة. وكانت أولى تلك الأغاني أغنية "يا حيف" التي أنشدها المطرب السوريّ المعروف بأغانيه النضاليّة سميح شقير، لتوضيح الصورة الحقيقيّة لعنف النظام ضد أهالي درعا، والتي تقول:"يا حيف. زخّ رصاص على الناس العزّل يا حيف. وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف؟ كيف. وانت ابن بلادي تقتل بولادي وظهرك للعادي وعليّ هاجم بالسيف. يا حيف يا حيف. وهذا اللي صاير يا حيف. وبدرعا ويا يُمه ويا حيف". ثم تكمل الأغنية:" سمعت هالشباب يُمه الحريّة ع الباب يُمه، طلعوا يهتفولا. وشافوا البواريد يُمه قالوا إخوتنا هنن، ومش رح يضربونا. ضربونا يُمه بالرصاص الحيّ، ومتنا، بإيد إخوتنا، باسم أمن الوطن، واحنا مين احنا؟ وافتح التاريخ، واقرا صفحتنا، صفحتنا. مش تاري السجّان يُمه كلمة حريّة وحدي هزتلو أركانوا. أصبح كالملسوع يُمه يصلينا بنيرانو...". والتي تنتهي بجملة صارت صيحة لكلّ السورييّن الثائرين على نظام الاستبداد: "واحنا الي قلنا إللي بيقتل شعبو خاين. يكون مين كاين".

كسر الأصابع وقلع الحناجر وذبح بالسكاكين

هناك مغنون كثر لمع نجمهم بسبب موقفهم الشجّاع في الوقوف إلى جانب مطالب الثورة، وليس بالضرورة بسبب جمال صوتهم؛ بل أن جمال صوتهم كان في موقفهم الشجّاع منذ بداية الثورة. كما أنّ الأغنيات التي صدحوا بها، بحناجرهم المهدّدة بالاقتلاع، لم تبق خاصّة بمكان معيّن؛ بل اشتهرت وذهبت لتعانق حناجر زملاء لهم لم يلتقوا بهم، بل يشبهونهم، على الأقل، في الموقف والمصير.

فاشتهرت أغاني الشهيد "إبراهيم قاشوش"؛ الذي ألقى الأمن القبض عليه، وقام باقتلاع حنجرته، وتعليقها على مدخل مدينة حماه، ومن ثمّ رموا جثته من على أحد جسور نهر العاصي 6/7/2011، بسبب مناداته بالحريّة وتطاوله على شخصيّة الأسد نفسها بوصفه بالقاتل والمندس والغبي والخائن.

إبراهيم قاشوش الذي لم يعمل في فرقة "العراضة"، التي اشتهرت بها عائلته في مدينة حماه، تحوّل فجأة إلى مغنٍ للثورة، عندما اقتبس مقدمة إحدى أشهر أغانيه، "يللا ارحل يا بشار"، من فم أحد عمّال النظافة في شوارع حماه، عندما كان يدندن بتلك الجملة وهو يكنس الشوارع، وحوّلها إلى أغنية طويلة، دأب الثوار السوريون، صغارها وكبارها، وفي كلّ المدن السوريّة على ترديدها. وتحوّل القاشوش نفسه إلى رمز من رموز الثورة؛ جعل شبّيحة الأسد يبحثون عنه طويلاً لقلع حنجرته وتعليقها على مدخل مدينته، كما وعدوا بذلك قائدهم المفدّى.

شخصيّة القاشوش تلك أوحت للموسيقي السوريّ الشهير "مالك الجندلي" لتأليف سيمفونيّة بعنوان "سيمفونيّة القاشوش". وهذا ما حوّل الجندلي نفسه، المقيم في مدينة نيويورك، من أفضل عازف بيانو سوريّ تفتخر به، وتذيع له، القنوات الحكوميّة، والقنوات السوريّة الخاصة كقناة "الدنيا" المدعومة من النظام،والمملوكة لرجل الأعمال "محمد حمشو"، إلى خائن كبير للوطن! ودفع الشبّيحة إلى الاعتداء على والديه، المقيمين في مدينة حمص، وأدّى ذلك إلى كسور وجروح ورضوض عديدة، مع تكسير لكامل أسنان والدته الطاعنة في السن!

القتل والحرق والمكافآت العالية

ومن كثرة شهرة إبراهيم القاشوش في كلّ المحافظات السوريّة، إضافة لصفاته الشخصيّة، لقب الكثير من المنشدين في التظاهرات بالقاشوش، ومنهم الطفل مصطفى جركس (أبو جعفر)، من مدينة دير الزور، الذي لقب بقاشوش الدير. والذي كان يختار مدرسة معيّنة في كلّ يوم، ويقفز من فوق أسوارها؛ ليُحرّض الطلاب على الخروج في التظاهرات، من أجل إسقاط الأسد. اشتهر الطفل أبو جعفر، البالغ من العمر /12/ عاماً، من خلال تحدّيه للأمن والشبّيحة، بالصعود على أكتاف زملائه، وترديد الهتافات والأغنيّات التي تمجّد الحريّة، وتنادي بإسقاط النظام، حتى لو تمّ تهديده بالقتل. وقد تمّت ملاحقة الطفل أبو جعفر في كلّ مكان، واستطاع الأمن إلقاء القبض عليه. وبعد فقدان أثره لمدة شهر في أقبية الأمن، تمّ العثور على جثته بتاريخ 6/3/2012 وقد تمّ التمثيل بها بشكل وحشيّ غريب؛ فقد قلعت عيناه، وقطّعت أعضاؤه، التي تمّ حرقها في النهاية. وكأنّ عقوبة مَن يتجرّأ على الغناء، الغناء فقط، ضد النظام هي الموت والتنكيل لا محالة.

كذلك كان هناك قاشوش دوما وحرستا (محمد أيمن دحدوح) الذي تمّ قتله من قِبَل الأمن بتاريخ 5/2/2012. من دير الزور أيضاً يُعتبر المغني "أسد الفرات"، من أكثر الشخصيّات التي يُريد شبّيحة النظام القبض عليه، مقابل مكافأة مالية بملايين الليرات لمن يساعد في القبض عليه، أوتصفيته جسديّاً؛ بعد أن اشتهر من خلال أغنيته الشهيرة "صُب من دمّك للحريّة".

عبد الباسط الساروت (20 عاماً) تحوّل من "حارس مرمى" لمنتخب شباب سوريّا لكرة القدم، إلى "مشجّع" كبير لزملائه المتظاهرين، بالظهور علناً في كلّ التظاهرات، والمشافي الميدانيّة، وبرفقة الأطفال النازحين، وفرق الإغاثة، وحتى مع المقاتلين، وهو من أكثر المطلوبين في مدينته حمص؛ لدرجة أنه تمّ وضع مكافأة ماليّة مقدارها ثلاثة ملايين ليرة سوريّة، لمن يمكن الأمن من إلقاء القبض عليه، وكذلك لمن يقتله؛ حيث اشتهر بخطاباته المرتجلة، متوعّداً الأسد، ونظامه، بأسوأ مصير. وقد اشتهر بترديد الكثير من الأغاني التي غناها منشدو الثورة السوريّة، ومنها أغنيّة "جنة جنّة" العراقيّة الأصل، وكذلك أغنية "حانن للحريّة حانن، يا شعب ببيتو مش آمن"، التي غناها مع فدوى سليمان.

أمّا أنس الشغري، من مدينة بانياس التابعة لطرطوس، فما زال مصيره مجهولاً لحدّ الآن، بعد اعتقاله من قبل الأمن بتاريخ 14/5/2011، حيث أفاد العديد من النشطاء والمهتمين بقضية الناشط أنس الشغري بان النظام السوري يسعى لاستصدار حكم الاعدام بحقه، على أساس العديد من التهم الموجهة اليه كاضعاف الشعور القومي والنيل من هيبة الدولة وغيرها من التهم التي ليس لها أساساً قانونياً.

ومن عداد المنشدين الذين لقوا حتفهم، على أيدي قوّات الأمن، الشهيد محمد طارق الأسود" (مواليد 1989)، الذي اشتهر بأغنية "أصابع نصر"، واستشهد بعد إصابته بقذيفة هاون في حيّ القرابيص في حمص بتاريخ 24/2/2012.

وقلع الحنجرة، أو قنص المتظاهر السلميّ في حنجرته، لم يكن يخصّ المنشدين فقط، بل كان مصير منظمي وقادة التظاهرات السلميّة، الذين دأب النظام على التخلص منهم واحداً تلو الآخر؛ إما بالقتل أو الاعتقال أو التهجير، كي تنتهي تلك التظاهرات السلميّة، ومظاهرها الحضاريّة، التي استقطبت، جمعة بعد أخرى، ويوماً بعد آخر، الكثير والكثير من الشباب الثائر ضد نظام القمع. فبات الشغل الشاغل لأزلام النظام التنكيل بالمتظاهرين السلمييّن، والدعس على ظهورهم وضربهم في الاعتصامات، كما حدثت في ساحات المدن والجامعات السوريّة المختلفة. فالاعتداء على المتظاهرين تكرّر كثيراً، كانتقام أيضاً من الصوت، مجرّد الصوت، الذي ينادي بالحريّة؛ كما حصل مع المتظاهر السلمي جداً غياث مطر ابن الرابعة والعشرين؛ الذي كان يمنع أيّ متظاهر من الشتم أو الهتاف بما هو طائفيّ أو انتقاميّ، وحتى منع شتم الرئيس في شخصه وعرضه، فتمّ القبض عليه وتعذيبه بشكل شديد، ثمّ تسليم جثته لأهله، بتاريخ 6/9/2011، وهي مقتلعة الحنجرة والعينين. وكان نصيب الصحافيّ الشاب "مصعب العودة الله" مشابهاً؛ عندما ذبحوه بالسكين في وضح النهار على مرأى من ذويه يوم 22/8/2012! لمجرّد أنه ابن درعا، ويكتب على مدوّنته الشخصيّة ما هو مناصر لأفكار الثورة السوريّة.

التبوّل على مراييل طلبة الطب البشري

في تشدّد النظام تجاه التظاهرات السلميّة، والمتظاهرين السلمييّن، الذين كانوا، في كلّ التظاهرات، يُصفقون بأيديهم وهي مرفوعة؛ كدليل على أنهم لا يحملون السلاح، وبأنهم عزّل سوى من الكرامة والكبرياء، كان يبحث النظام عن كيفية استبعاد المظاهر الحضاريّة عن الثورة السوريّة في قيامها على السلميّة؛ وذلك بإجبار الشبّان على التسلح؛ في البداية لحماية التظاهرات والمتظاهرين من شبّيحة النظام وعناصر أمنه، وفي النهاية لمواجهة الجيش الذي خان عهده بانحيازه الى حماية النظام، وهو الفرع، وليس الدولة، أو الشعب، وهو الأصل، وذلك بالاعتداء على الشعب بالرصاص والمدفعيّة الثقيلة والطائرات! كي تصحّ نظريّة النظام بوجود مؤامرة كونيّة ضده، وبوجود عصابات مسلحة إرهابيّة وتخريبيّة تريد إسقاط الوطن وليس الطاغية، في الحرب الإعلاميّة الشرسة والسّامة التي يتمسّك بها حتى الآن.

وبسبب الاعتصامات المتكرّرة لطلبة الكليّات في جامعة حلب، والمدينة الجامعيّة فيها، كما في باقي الجامعات السوريّة، وبسب أنه من غير المعقول إشاعة أنّ طلاب الجامعة مسلحون أو إرهابيّون؛ كونهم يخضعون للتفتيش اليومي في الكليّات ومداخل المدينة الجامعيّة من قبل مفارز الأمن، لتبرير اقتحامها من الجيش، إلا أنه تمّ اقتحامها في النهاية، من قبل الأمن وشبّيحة النظام، والتنكيل بالطلاب والطالبات، وسحلهم في الشوارع وضربهم، وكذلك ضرب أساتذة الجامعة؛ ممّن رفضوا الاعتداء على طلابهم، ورمي جثة أحد طلاب المدينة الجامعيّة من غرفته في الطابق الخامس، ما أدّى إلى مقتله على الفور. وفي النهاية توقيف الدراسة في جامعة حلب وإغلاقها، وكذلك إخلاء الطلاب من سكنهم في المدينة الجامعيّة!

ولم يعد غريباً، بعد مرور ما يقارب من عامين، ومقتل أكثر من ستين ألف مواطن سوريّ على يد قوّات الجيش والأمن والشبّيحة، والرقم يفوق ذلك برأينا بكثير، واكتشاف المجازر الوحشيّة البشعة، وضرب المدن بالصواريخ والمدفعيّة الثقيلة والطائرات والغازات السّامة، والاستعانة بخبراء روس أو مقاتلين إيرانييّن لذبح المدنييّن من النساء والأطفال والشيوخ، وحرقهم...، أن نتحدّث عن غرابة أن يهجم الأمن والشبّيحة على اعتصام لطلاب الطبّ أمام كليّتهم في حلب؛ حيث قام الأمن بالهجوم عليهم، وهم يحملون السلاح في حرم الكليّة، لإنهاء الاعتصام. وقام الشبّيحة بسحب "المراييل" البيضاء الخاصّة بالطلاب والطالبات والتبوّل عليها في وضح النهار، أمام أعين الطالبات والدكاترة! ثمّ قاموا بضرب الطلاب والطالبات داخل الحرم الجامعي، واقتادوا بعضهم لمراكز الاعتقال.

الملاكم غياث طيفور وطلاب هندسة الميكانيك

تكرّر الوضع في كليّة الميكانيك في جامعة حلب؛ ولكن هذه المرّة تمّ الاعتداء على الطلاب في مدرّج الكليّة أثناء المحاضرات؛ حيث اصطحب بطل الملاكمة الآسيويّ السوريّ غياث طيفور، الذي يملك مركزاً تدريبياً في لعبة الملاكمة، /120/ ملاكماً من مركزه التدريبيّ، مسلحين بالهراوات وأدوات القتال الخاصّة للنيشاكو، وبوكسات حديد وسكاكين، إلى كليّة الميكانيك في جامعة حلب. ثمّ دخلوا إلى أحد مدرّجات الكليّة أثناء إلقاء محاضرة، وطلب، "البطل" غياث طيفور، من الدكتور المدرّس مغادرة القاعة، وعندما رفض المغادرة، وطلب منهم هم المغادرة، قاموا بضربه على وجهه، ثم سحبه من ياقته والرمي به خارج المدرّج. ثم طلبوا من الطالبات مغادرة المكان، وأغلقوا باب المدرّج ببعض المقاعد الدراسيّة، واشتبكوا مع الطلاب. أدّى هذا الاعتداء الوحشيّ إلى كسور متفرّقة في أجساد كلّ الطلاب، مع جروح كبيرة، وفقأت عيون ثلاثة طلاب! وعندما اتصلت إحدى المسؤولات في الكليّة بأمن الجامعة، جاء الأمن بعد فوات الأمن ليقوم بإسعاف الطلاب، ولم يقم باعتقال أحد من جماعة البطل الوطنيّ في الملاكمة، حتى بعد أن اعتدوا على تلك المسؤولة نفسها بالضرب، وأمام رجال الأمن، عندما عرفوا بأنها هي التي اتصلت بأمن الجامعة، بل خرجوا وهم يهتفون بحياة القادة الذي "سيتبرّز" على الحريّة، ومحتفلين بتكسير ألواح الزجاج الكبيرة المنتشرة في الكليّة.

كانت هذه الحادثة هي السبب في تنفيذ الجيش الحرّ تهديداته للملاكم طيفور، بسبب ذهابه إلى الكثير من التظاهرات والاعتداء بالضرب المبرّح، مع ملاكمي مركزه التدريبيّ الخاص، المتكرّر على المتظاهرين، أو مساعدة الأمن في القبض عليهم، فقام عناصر من الجيش الحرّ بقتل طيفور ، بتاريخ 11/3/2012، وهو متوقف بسيّارته الخاصّة في ساحة الجامعة الخارجيّة، كي يكون عبرة لجميع من يحاول التطاول على الطلبة في جامعة حلب.

تكرّر أمر الاعتداء على الطلاب المعتصمين في كثير من الجامعات السوريّة؛ ومنها اعتصام طلبة كليّة الاقتصاد في دير الزور، حيث قفز عدد من عناصر الجيش من على سور الكليّة، كونها ملاصقة لموقع تمركزهم في معسكر الطلائع؛ وقاموا بتفريق المعتصمين بالاعتداء على الطلاب والطالبات بالضرب المبرّح، في اللحظة التي كان المعتصمون يردّدون النشيد الوطني، الذي يوجّه التحيّة لحماة الديار! وفي اليوم التالي حدث الأمر نفسه عندما نفذ الطلاب من جديد اعتصامهم أمام مدخل الكليّة، ولكن هذه المرّة جاءت قوّة من الأمن العسكريّ، بقيادة اللواء جامع جامع، وعندما طلب منهم عميد الكليّة الدكتور والاقتصادي المعروف "ياسين خليفة" عدم الدخول إلى حرم الجامعة بالسلاح، كما تنصّ على ذلك القوانين، قام أحد العناصر من الأمن العسكريّ، وهو برتبة رقيب أوّل، بصفع عميد الكليّة على وجهه ورماه أرضاً أمام جميع الطلاب والطالبات والمدرّسين!

بعد مرور ما يُقارب العامين من اندلاع الثورة السوريّة، ورغم قلع حناجر المطالبين بالحريّة، وقتلهم واعتقالهم وتهجيرهم، للقضاء على عدوّ العسكر والديكتاتوريّة، ما زالت أصواتهم عالية وجميلة وتنعش قلب هذه الأرض الخراب

========================

الباسيج الأسدي!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

20-1-2013

يبدو أن نصائح الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، قد بدأت تتبلور في سوريا؛ حيث أعلن النظام الأسدي عن تشكيل فصيل عسكري جديد سماه «جيش الدفاع الوطني» يأتي كرديف للقوات الأسدية. وبحسب ما نقلته الصحيفة عن موقع «روسيا اليوم» فإن هذا الفصيل «سيتم تشكيله من عناصر مدنية أدت الخدمة العسكرية إلى جانب أفراد اللجان الشعبية التي تشكّلت تلقائيا مع تطور النزاع القائم في سوريا»، وأن مهام هذا الفصيل «ستقتصر على حماية الأحياء من هجمات مسلحي المعارضة، وسيتقاضون رواتب شهرية كما سيكون لهم زِي موحد». وسيناهز عدد هذا الفصيل العشرة آلاف شاب من مختلف محافظات البلاد.

وبالطبع سارعت المعارضة لوصف هذا الفصيل بأنه تسمية جديدة للشبيحة، والحقيقة أن هذا الفصيل هو أقرب لميليشيات الباسيج الإيراني والتي تعني التعبئة، وأسسها الإمام مصطفى أحمد الموسوي الخميني في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، وتتبع الحرس الثوري الإيراني. ويقوم الباسيج الإيراني على تشكيلات متطوعة من موالين لا يشك في تبعيتهم للولي الفقيه. ولعب الباسيج دورا مهما في وأد الثورة الخضراء في إيران إبان الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ومن هنا فإن تشكيل فصيل «جيش الدفاع الوطني»، أو الباسيج الأسدي، ما هو إلا دليل على أن الأسد قد بدأ يفقد ثقته بالجيش، أو ما يعرف بالقوات النظامية إعلاميا، خصوصا مع كثرة الانشقاقات، وهو ما أجبر النظام الأسدي على تجنب تسليح أفراد قواته بالأسلحة الثقيلة أو العتاد المتكامل وذلك خشية انشقاقهم ونقل الأسلحة للجيش الحر الذي بات يسعى لتدمير الدبابات، مثلا، لأنه كان يجد أن عدد القاذفات فيها لا يتجاوز الخمس، وعليه فإن التدمير أسهل من جهود الاستيلاء عليها.

كما أن من دلالات تشكيل الباسيج الأسدي أن النظام بدأ يعيد تموضعه طائفيا بشكل واضح، حيث بات يسعى لاستقطاب أهل المصير، وليس الولاء، خصوصا أن كثيرا من الموالين للأسد باتوا مقتنعين بنهايته المحتومة، لذا فإن النظام يريد ضمان أن تكون ذراعه العسكرية الأخيرة مكونة من مقاتلين يعون أن مصيرهم من مصير الأسد، ولذا فإنهم سيقومون بالدفاع عنه حتى الموت.

ونقول إن هذا الفصيل الجديد، الباسيج الأسدي، هو فكرة إيرانية لأنه يأتي في توقيت لا يجد فيه الأسد أموالا حتى يدفع الرواتب، أو ينقذ اقتصاده، خصوصا أن الثورة تكلفه شهريا مليار دولار، ولذا فإن الواضح أن الباسيج الأسدي يأتي بدعم وتنظيم إيراني، وهو ما يتماشى مع الخطة الأمنية المتبعة في دمشق حيث تقسم العاصمة إلى مربعات أمنية وهو النهج الذي استخدم لقمع الثورة الخضراء في إيران يوم قسمت العاصمة طهران لتفريق الحشود، ومنع اهتزاز الأمن فيها.

الباسيج الأسدي يفضح مدى تورط إيران، وعمق أزمة الأسد الذي لم يعد يثق بقواته، ويظهر حجم الدمار الذي يلحقه الأسد بسوريا، كما أن الباسيج الأسدي يدل على خطورة مرحلة ما بعد الأسد حيث يصار الآن لخلق مجاميع إرهابية، وميليشيات طائفية ستكون مهمتها منع استقرار سوريا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ