ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 20/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

19-01-2013

الجيش السوري

أزمة في قلب الأزمة

غازي دحمان

المستقبل

19-1-2013

يشكل الجيش السوري أحد أهم عناصر الأزمة واكثرها تأثيراً، وربما أحد اهم إشكاليات سوريا المستقبلية، وعلى الرغم من حالات الإنقسام التي شهدتها البلاد عمودياً وأفقياً، وعلى كل المستويات، ظل الجيش محافظاً على قوته القمعية ومستوى كثافة نيرانه، رغم ما شهدته المؤسسة العسكرية من انشقاقات في بنيتها.

لقد اتضح أن ثمة جيشين في سوريا، جيش عام، وهو لم يكن سوى بنية هامشية، رغم حجمها الكبير، لم يكن لها تأثير في مجرى الحدث، فقد تكشف ان بنية الجيش جرى هندستها بطريقة تجعل من هذه البنية غير ذات فعالية، وظهر أنها تشكل عبئاً في الأزمة، ذلك ان النظام لم يستطع إشراكها في الحدث، إما بسبب عدم تهيئتها لمثل هذا النمط من الأحداث، أو بسبب عدم الثقة بولائها، فجاء إنشقاق غالبية أفرادها مخرجاً مريحاً للنظام وهو ما سماه بشار الأسد عملية التطهير التي ساعد على إنجازها.

المكون الاخر في الجيش هو ما يمكن تسميته الأطراف الصلبة، فهو الذي يتشكل من تشكيلات عسكرية معينة تتكون من فرق وألوية وسرايا، يغلب عليها إنتماؤها طائفيا وجهويا لإتجاه محدد، وتمتلك تجهيزات عسكرية متميزة وتتموضع في اماكن إستراتيجية وحساسة حول العاصمة وداخلها وفي مراكز المدن الرئيسية.

أثناء الازمة، ومع تطورها، امتلكت هذه البنية سلطة على الأرض وأصبحت قيادتها موزعة على مجموعة من الضباط في غرفة العمليات بدمشق، وصارت تعمل على أساس قطاعي، بمعنى كل ضابط يملك القطاع الموجود به ويتصرف بالأرزاق والعباد بالطريقة التي يراها مناسبة لخدمة مصالحه ومصالح الأفراد المحيطين به، أما بالنسبة لهيكلية أوامر الضبط والربط مع المركز فهي تقف عند حدود معينة، على اعتبار أنه يتم تقدير الخطر ذاتياً، وبالتالي طرق التعامل الواجبة وإستراتيجيات المواجهة، وقد ظهر هذا الأمر واضحاً خصوصاً في أرياف درعا ودمشق وحمص.

بذلك تحوّل الجيش، في آلية عمله وطبيعة تشكيلاته، إلى ما يشبه النمط المافيوي، حيث تصبح كل مجموعة مكتفية بذاتها همها الإستحواذ على ما تقدر السيطرة والإحتفاظ به من أراضٍ. صحيح أن هذا النمط من العمل والتشكّل يجعل من كل تشكيل يستخدم كامل طاقته العنفية وفي أقصى درجاتها على اعتبار أنها الوسيلة الوحيدة للبقاء، لكنها بنفس المقدار تجعل من الكتلة العامة للجيش بنى مفككة، بمعنى أن كل وحدة عسكرية تنتمي للضابط المسيطر على القطاع وليس للجيش عموماً، ومن السهل للمراقب للأوضاع الميدانية ملاحظة هذا الأمر بسهولة، ومثال ذلك ما حصل مع كثير من الوحدات العسكرية في ريف حلب، مدرسة المشاة والكلية الفنية وكلية الشؤون الإدارية، وكذا المواقع والوحدات في ريف دمشق ودرعا، حيث تركت هذه الوحدات لمصائرها رغم أنها تعرضت لمدة طويلة للحصار.

وفق هذا السياق المشار إليه فإن الجيش السوري مؤهل، وفي حال استمرار الأزمة وبقائها مدة طويلة، لأن يتحول إلى أزمة مستعصية حتى في ظل سقوط النظام أو مقتل رأسه، ذلك أن آلية عمله الحالية تؤهله للعمل كميليشيات مسلحة بدون عقيدة أو ضابط عسكري وحتى أخلاقي، ما يجعل الجيش أداة مهيأة للبيع والاستئجار من طرف أطراف يهمها استمرار الفوضى في سوريا.

========================

الوالي أردوغان

سميح صعب

2013-01-19

النهار

كان جمال باشا آخر حاكم عسكري تركي على سوريا ولبنان الى حين تعيين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان فيصل يلماظ "والياً" على السوريين اللاجئين في تركيا أو في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة داخل سوريا. الخبر ليس صادماً بالنسبة إلى الذين يدركون السياق الذي تسير عليه سياسة أردوغان منذ وصول حزبه العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية الى الحكم عام 2002.

ذلك أن أردوغان ينتمي الى مدرسة مغايرة لمدرسة مصطفى كمال أتاتورك الذي ألغى الخلافة ونقل تركيا الى دولة علمانية تستلهم القيم الغربية من الحرف اللاتيني الى اللباس. أما حزب العدالة والتنمية فأتى لينقض مبادئ أتاتورك بشكل ممنهج ابتداء بالحجاب وصولاً إلى أسلمة الدولة مجدداً والاستدارة بتركيا نحو الشرق ليعيد بسط النفوذ التركي بطريقة ناعمة عبر دعم الأنظمة الاسلامية الناشئة في المنطقة العربية واستعادة أمجاد الاتراك تحت مسمى الدين.

وبعد تدمير ما يسمى "الربيع العربي" دولاً عربية اساسية مثل مصر وسوريا واليمن، كي لا نذكر دولاً هامشية مثل تونس وليبيا وذلك بعد سنوات من تدمير الولايات المتحدة العراق، لم يعد اردوغان يجد مقاومة عربية في وجهه، خصوصاً ان مصر يحكمها "الاخوان المسلمون" الذين يحكمون تركيا ايضاً. لذا يجد أردوغان الذي يحظى بمباركة أميركية الطريق ممهدة أمام اندفاعه نحو جعل تركيا وصية على العالم السني مجدداً كما كان الحال في ظل الامبراطورية العثمانية. ولن يتسنى لأنقرة وضع مثالي كالوضع الناشئ الآن في المنطقة.

وأطماع تركيا في الشمال السوري ولا سيما منه حلب قديمة وحاول ورثة الامبراطورية العثمانية حتى اللحظة الاخيرة التفاوض مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الاولى كي تبقى حلب ضمن الاراضي التركية. وما اخفقوا في تحقيقه في حلب حققوه في لواء الاسكندرون الذي اهداه الفرنسيون الى الاتراك عشية الحرب العالمية الثانية كي لا تنضم تركيا الى المانيا في الحرب على ما فعلت في الحرب العالمية الاولى.

ان تعيين والٍ تركي جديد على سوريا يؤشر للصورة التي يراها اردوغان لسوريا ما بعد الاسد. ولم يكن مستغرباً ان يرحب "المجلس الوطني السوري" المعارض بالخطوة التركية نظرا الى انه يتخذ اسطنبول مقراً له ويستمد شرعيته من الدعم التركي على نحو اساسي.

بيد ان اردوغان يخوض مغامرة كبيرة باعادة عقارب الساعة الى الوراء بسياسة كهذه لأنها لن تسفر الا عن تدمير سوريا من غير ان يربح مجداً ضائعاً، فضلاً عن عدم امتلاكه اي شرعية في تقرير مصير سوريا او اي بلد عربي ولو تلبس بلبوس الدين ودغدغ مشاعر العرب المسلمين بالحديث عن استعادة الخلافة.

========================

سوريا "غير موجودة" … إذن لبنان "مُعَلَّق"

جهاد الزين

2013-01-19

النهار

التطور الجديد الذي يصنع التحوّلَ في النظرة (الكنَسيّة) المسيحية اللبنانية هو "الالتحام" السياسي الموضوعي بين مسيحيي المنطقة الذين أصبحوا اليوم ليس فقط تحت القيادة السياسية لمسيحيي لبنان بل  تحت قيادتهم "الوجودية".

مثل الحساسية السودانية-المصرية، الحساسية الكويتية-العراقية، الحساسية الباكستانية-الهندية، وُلِدت الحساسية اللبنانية- السورية من لحظة ولادة الكيانين السوري واللبناني حتى قبل استقلالهما باستثناء الحالة في شبه القارة الهندية لأن الانفصال الدامي هناك عام 1947 جَمَع بين الولادة والاستقلال لكل من الدولتين الهندية والباكستانية في لحظة واحدة.

قادت المسيحية السياسية تحت راية النخبة المارونية ما سيتحوّل على مدى عقود، حتى  انهيار الوضع السوري بالشكل الذي آل إليه في نهاية العام الأول من الثورة-الحرب الأهلية، ما سيتحوّل إلى حساسية سلبية من الكيانية اللبنانية تجاه ما اعتقدته طويلا أنه "نوايا" أو مشاريع النخب السورية المتعاقبة على الحكم في دمشق بضم أجزاء من لبنان كانت اقتُطِعت من سوريا أو بضم لبنان كلّه. لقد وصلت هذه الحساسية إلى ذروتها التأزمية مع ظهور الصيغة الفريدة فعلا لاستتباع لبنان السياسي والأمني القسري مع احتفاظه بكامل "الاستقلال" الشكلي. كانت تلك صيغة عهد حافظ الأسد التي لم يقاتِلْها فعليا سوى الكنيسة المارونية - كمسؤولة تاريخيا عن الكيان اللبناني- ومعها أحزاب "المسيحية المقاتلة" بينما عموما انخرطت النخب المسلمة في مشروعها بسهولة نسبية حتى عام 2005.

 في واحدة من النتائج المذهلة للوضع السوري الراهن الذي نكتشف تباعا أهمياته الفائقة الدولية والإقليمية، قد نكون اليوم أمام تحوّلٍ لا مثيل له في لبنان منذ ولادة الكيان اللبناني. فمن كان يتصوّر ان سوريا هي على الحدود "المباشرة"السياسية والأمنية والديموغرافية والدينية لروسيا والصين، وهذه ليست استعارة مجازية، مثلما هي على الحدود المباشرة لتركيا والعراق والأردن وفلسطين ولبنان! ومن كان يتصوّر أننا سنشهد في لبنان بسبب التحولات السورية الزلزالية تغييرا عميقا – ولو لم يكتمل بعد- في معنى ومسار النظرة الكيانية اللبنانية إلى سوريا للمرة الأولى منذ 1920؟

ما هو هذا التغيير اللبناني؟

تَحلّلُ سوريا، "أعاد" عناصرَها إلى مرحلة ما قبل 1920. ومعه نشأت نظرة جديدة لدى الكنيسة المارو نية "أجَّلت" مفهومها الكياني للعلاقة مع سوريا . والتطور الجديد الذي يصنع هذا التحول في النظرة المسيحية اللبنانية هو "الالتحام" السياسي الموضوعي بين مسيحيي المنطقة الذين أصبحوا اليوم ليس فقط تحت القيادة السياسية لمسيحيي لبنان بل  تحت قيادتهم "الوجودية".

إنه بوضوح "تعليق" الاتجاه السابق والتقليدي والتأسيسي لـ"الوطنية الكيانية اللبنانية"ضد الكيانية السورية لسبب جوهري هو أن سوريا نفسها بالشكل الذي عرفناها فيه منذ توحيدها في كيان واحد في الثلاثينات "غير موجودة" سياسيا في المرحلة الانتقالية الراهنة.

سوريا "معلَّقة" او على الأقل "مؤجَّلة"... بالتالي لبنان أيضا بمعنى ما، هو مؤجَّلٌ قياساً إلى حجم انخراط قواه السنية الشيعية في الحرب السورية، مباشرة أو غير مباشرةٍ، تحت الطاولة (القوى الشيعية) فوق الطاولة (القوى السنية)... ومعه متغيّرات موقع مسيحيي لبنان.

ما أظهره "المشروع الأرثوذكسي" للانتخابات النيابية والقائم على اقتراح فريد هو حصر تصويت كل لبناني له حق الاقتراع بالمرشّحين من مذهبه، أن الكنيسة والأحزاب المسيحية الأساسية عادت إلى طرح نوع من الصيغة الفدرالية ولكن المداوِرة للبنان. صحيح أن هذا المشروع غير ممكن التنفيذ بسبب الخلاف "الميثاقي" عليه لكن حضوره بهذه القوة في النقاش العام هو أحد تعبيرات الوضع السوري الجديد ونوع نظرة المسيحيين اللبنانيين الجديدة إلى موقعهم "السوري".

المفارقة الصارخة، ولو أنها لم تتضح بعد، هي أن الصراع في سوريا قد يكون ليس فقط أكثر عنفا وضراوة  من الحرب الأهلية اللبنانية الضارية، بل أيضا قد يكون على الأرجح أكثر خطورة بنيوية على المنطقة، منطقة المشرق. فسيتقرّر في سوريا مرة أخرى، مثل ما بعد 1920، ولكن بصيغة عنفية هائلة، ما إذا كان يمكن أن يلتئم "نِصاب" دول منطقة المشرق العربي وربما بعض غير العربي . فحتى المعلِّقون الأتراك، في "دولة-أمة" قوية كتركيا، بدأوا يطرحون أسئلة جادة حول احتمالات "الانفصال " الكردي عن الجمهورية التركية على ضوء الوضع السوري... فكيف بالنسبة لبلد ضعيف كلبنان هو في قلب الجغرافيا والديموغرافيا السورية وليس على أطرافها؟

علينا أن نقبل فكرة المخاطر الهائلة على بنية الوضع اللبناني الناتجة عن الأزمة السورية حتى لا تفاجئنا التطورات. والإشارة المسيحية الجديدة في هذا الاتجاه كانت سبّاقةً... ليس أقل من ذلك، أي بما يتجاوز كثيرا جدل المشروع الأرثوذكسي بذاته الذي لا مستقبل له عمليا. ولكن الذي ينبِئ بنهاية حقبة وبدء أخرى مختلفة.

إنه لبنان داخل تحَلُّلِ المكوّنات السورية... ومنها إعادة النظر بنوع الحساسية الكيانية التقليدية في لبنان، بل جبل لبنان، تجاه الوضع السوري.

لبنان الذي يُمسكه الآن قرار دولي إقليمي بالاستقرار... فقط لا غير.

========================

من جحيم النار والحصار إلى جحيم البرد والجوع

2013-01-18

القدس العربي

هاهو الشتاء يحلّ على وطننا الشرق أوسطي.. لكنه هذه السنة يحمل معه مفتاحاً آخر يكشف فيه قناع كل من ينادي بالإنسانية، وبان المرج قبل ذوبان الثلج بعدما حلّ على النازحين السوريين والفلسطينيين مأساة بحجم العواصف التي ضربت البلدان العربية، ضربتنا تلك العواصف كما ضربتنا عواصف التخاذل واللامبالاة العالمية تجاه الجسد والدم العربي والإسلامي فأصابت شبه المخيمات التي يقطن أغلبها النساء والأطفال والشيوخ، مخيمات لا تقل ألماً عن أسوأ معتقلات الأنظمة الفاشية المستبدة بعدما أجبرهم العنف العسكري الذي مارسه ويمارسه نظام الأسد طوال السنتين الماضيتين.

لقد إمتدت معاناة النازحين الفلسطينيين والسوريين من سورية عبر مختلف الفصول إلى ان وصلت إلى هذه المرحلة التي حذّرنا منها مسبقاً في كل خطاب ومقال.. لقد حذّرنا كل من إدعى الإنسانية وحقوقها من فصل الشتاء الذي قدم من دون جدوى، وإقتصر الدعم أمام الكاميرات فقط من بعض الشخصيات الذي إنتهى دورهم بعدما أتحفونا بعد زياراتهم للمخيمات بإلتقاط الصور المؤثرة وإلقاء الكلمات العاطفية.

لقد شاهدنا الكارثة بأم أعيننا وهي تنال من المواطنيين النازحيين في البلدان المجاورة وماتحرك إلا الإعلام سعياً منه لسبق صحفي وخبر إعلامي فريد بين الوحول وهناك آخر من يحاول إلتقاط صورة كي ينافس بها كأفضل صورة فيما إنشغل الآخرين بالنيل من هذه الجماعة وهذا الحزب وتحضّر البعض بترسانته العسكرية كي ينقذ صحافياً في مالي. إنها كارثة صوّرت حجم المعاناة والمأساة التي حلّت على من هرب من جحيم النار ليصيبه جحيم البرد والمرض، فلم تجدي نفعاً معونات الأقمشة من السعودية ولا بطانيات الأردن ولا أدوية تركيا ولا مال الأصدقاء الذي لم يصل أغلبه.

إنها حقّاً الإنتفاضة الفاضحة التي فضحت الجميع.. فضحت الأنظمة والأمم وعلماء الدين والمنظمات الحقوقية والمدنية والإعلام والصحافة والتنسيقيات والهيئات.. الأمم المتحدة وعلى لسان أمينها العام لم يتوقف قلقه من إنقسام سورية ولم يلتفت جدياً أبداً لما يحصل للشعب نفسه في الداخل والخارج المُقسّمة أجساده ، وهاهو وزير خارجية فرنسا يصرّح قبل أيام بأن لبنان يواجه مشكلة من جراء تزايد عدد النازحين من سورية ولم يطرح حلّاً لمشكلة النزوح نفسها ولا إلى معاناة النازحين، بل تحركت قطعه العسكرية البرية والجوية في مالي لشن هجوم على مئات من المسلحين هناك. وبمناسبة الضربة الجوية الفرنسية لمالي أتسائل، ألا تخجل الأنظمة العربية وهي تراقب التحركات الفرنسية العسكرية من أجل تحرير صحافي فرنسي في الصومال وبمشاركة قوات أفريقية من أجل مئات من المتطرفين في مالي؟

الدول المستضيفة قبضت المال ثمن قطعة أرض قاحلة صيفا وموحلة شتاءاً تصل فيها درجات الحرارة ماتقارب درجة حرارة دم الأنظمة 'مادون الصفر' ولا تصلح حتى للمرور قربها وأخرى تفتقر للبنية التحتية في ظل شعب يدفع ثمن الحرية التي تخشى تلك الأنظمة أن تصل إليهم.

نحن ننتظر الجهود الجدية والحقيقية العاجلة لإيجاد الحلول الفورية لمساعدة اللاجئين خاصة في الأردن ولبنان، وندعوا الشعوب العربية التي إتخذت الصمت سبيلاً لتحقيق أمنها ونيل كرامتها أن تجرب أضعف الإيمان في التحرك لمساعدة الأخوة من الشعوب المتألمة التي تشتكي أعضائها كلها.. أما ' الأصدقاء' فيكفينا أن تزيد قناعتنا أنهم جزء من آلة التدمير التي تطال سورية على أيدي نظام الأسد وروسيا وإيران.

 

ربحي شعث

========================

العودة إلى سورية

منار الرشواني

الغد الاردنية

بحسب البرقية المرسلة إلى وزارة الخارجية في واشنطن، وحملت توقيع القنصل العام الأميركي في اسطنبول، سكوت فريدريك كيلنر، فإن بشار الأسد استخدم غازاً ساماً ضد المواطنين السوريين في حمص يوم 23 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وإذ أقرت الوزارة بوجود البرقية، إلا أنها نفت على لسان الناطقة باسمها، فيكتوريا نولاند، واستناداً إلى معلومات طرف ثالث كما قالت، استخدام الأسد للسلاح الكيماوي بأشكاله كافة. وهو ما يعني إعفاء الإدارة الأميركية من اتخاذ إجراء مباشر ضد نظام الأسد، كما تعهد الرئيس باراك أوباما، بكلمات عامة فضفاضة في 3 كانون الأول (ديسمبر) الماضي أيضاً، في حال استخدام هذا السلاح.

واستناداً إلى ذاك التعهد تحديداً، تبرز احتمالية أن يكون تقدير القنصل العام صحيحاً تماماً، لكن النفي كان حتمياً لمنع إحراج الرئيس أوباما الذي لن يفي بتعهده السابق. فخطر السلاح الكيماوي السوري دافعاً للتدخل في سورية، لا يتعلق أبداً باستخدامه ضد المواطنين السوريين الذين فاق عدد ضحاياهم أصلاً الستين ألفاً، وإنما هو سلاح خطر فقط في حال وصوله إلى أيد معادية للولايات المتحدة، وإسرائيل بالضرورة.

بالنتيجة، وأياً كانت الحقيقة، تظل القيمة الوحيدة الممكنة لهذا الجدل الأميركي-الأميركي "الرسمي" في تقديم دليل إضافي، وإن لم يكن ضرورياً أبداً، على أن تدخلاً غربياً (أميركياً) في سورية لن يحدث مهما ارتفعت التكلفة البشرية والمادية لمحاولة الأسد الإجهاز على الثورة، وباستخدام الأسلحة كافة؛ من المدفعية والبراميل المتفجرة إلى صواريخ سكود وحتى الأسلحة الكيماوية.

وبناء على المعطيات والحقائق على الأرض، يكون الممكن الوحيد هو مواصلة الحرب بين الثوار وبين جيش الأسد؛ حرب لا يخرج منها السوريون عقوداً وإن توقف صوت الرصاص والقذائف، وتخرج منها سورية حتماً مدمرة تماماً أياً كان مدعي النصر فوق الأشلاء والركام.

وإذا كان الأسد والمحيطون به لا يرفضون خيار تدمير سورية، بل وسعوا إليه وفق شعار "الأسد أو نحرق البلد"، لأن هدفهم هو فقط السلطة وفسادها الذي يعني الكثير من المكاسب؛ إلا أن خيار الثوار، في المقابل، يجب أن يظل كما كان يوم انطلاق الثورة: "التخلص من الأسد لأجل البلد"؛ شعباً وأرضاً، وتاريخاً ومستقبلاً. وبعد أن تأكد موقف المجتمع الدولي المتواطئ أو العاجز في أحسن الظروف، فلم يعد يملك السوريون إلا الاعتماد على أنفسهم وحدهم لإنقاذ سورية من نظام الأسد.

وهذا الاعتماد على النفس يعني العودة بالثورة إلى سورية. فبدلاً من المراهنة على مساعدة خارجية أساساً، أياً كان شكلها، يجب العودة إلى توسيع الثورة بمخاطبة الفئات السورية التي لم تشارك فيها بفعالية بعد. كما يجب العودة إلى مخاطبة الطائفة العلوية تحديداً وتطمينها حقيقة. ومثل ذلك، لا يمكن أن يؤتي أكله بدون ضبط الثوار المسلحين الذين باتوا يرتكبون أخطاء وخطايا بحق مدنيين وأسرى. ويرتبط بهذا تحقيق وحدة بالحد الأدنى بين فصائل المعارضة التي "استأسد" بعضها في الاستعداد للاستيلاء على السلطة بعد الأسد، حتى يكاد يوشك أن يدمر الثورة، وسورية أيضاً.

لا يملك الثوار والسوريون عموماً خيار هزيمة الثورة، تماماً كما لا يملكون خيار سقوط الأسد وخسارة سورية التي لأجلها قامت الثورة.

manar.rachwani@alghad.jo

========================

النظام يتهاوى فهل من سلطة بديلة؟!

عمّار ديّوب *

السبت ١٩ يناير ٢٠١٣

الحياة

المراقب الحصيف لتطوّر الثورة السورية، منذ ولادتها، يعلم جيداً، أن أرض النظام صارت محصورة بأماكن ثكناته العسكرية وأجهزته الأمنية، ولشدّة خوفه راح يغيّر من أماكنها، بل دعّم ما لم يُمسّ منّها في قلب العاصمة بالتحديد، بجدران إسمنتية وفولاذية، ضاحكاً على نفسه متصوّراً أنَّ من الصعب هدمها، على رغم معرفته أنّ من يُسقط الطائرات، ويدمر الدبابات بمقدوره نسف تلك الجدران ومن تحمي. هذه هي حقيقة الوضع.

المطاران الرئيسان، اللذان يعدّان رمزي السيادة، صارا درائق لنيران التشكيلات العسكرية المتعددة. الحلبي منها أغلق، وجزء من مطار دمشق كذلك، وعلى الأغلب سيتوقف نهائياً، وحتى مطار المزة الأقرب للقصر الجمهوري، يتعرض لقذائف مستمرة بين الحين والآخر. هذه المعلومات، تقول بوضوح: إن النظام لم يعد قادراً على الاستمرار.

طبعاً، الأزمة الاقتصادية مهولة، و «حاضنة» النظام أشبعت بالجثث من «شهداء» الجيش والأمن، وحتى الشبيحة (سلاحه غير السلطوي ولكن السلطوي بامتياز) يُقتلون ويتناقصون باضطراد. في الوعي العام الموالي والثائر، هناك خلاصة أولية: لا حلّ لهذه الإشكاليات إلا بتغيير عميق في النظام، أو برحيله، عاجلاً أم أجلاً، وهذا يعني بكل بساطة، أنّ هناك شعوراً عاماً باقتراب انهيار النظام بمؤسساته كافة.

المعارضة التي لا تلتقط هذه الانهيارات، وتعوّل ليل نهار وتندب حظها العاثر أمام الوزراء ورؤساء الحكومات والدول لإنقاذها بتدخل عسكري أو بقرارات ما تسقط النظام بين ليلة وضحاها! لا تزال تدير الظهر للثورة ولأهلها؛ فهي غير معنية بتقديم أي شيء حقيقي للمجتمع الثائر أو ما يُدعى أنّه موالٍ، بل تترك الثورة تحفر سيلها بيديها، وهو ما كان وما يجري. يعنيها فقط قطف ثمار كل هذه الثورة العظيمة، بحجة الخوف من حرب أهلية مدمرة أو إثارة مشكلات إقليمية ودولية، وهو جزء من بروباغندا النظام منذ اللحظات الأولى للثورة!

لو شاءت المعارضة المكرّسة، أن تهتم بالثورة بمقدار انشغالها بالتعرف إلى موظفي الدول العظمى، الذين تعتقد أنهم مسؤولو نظامها الشمولي، وأنّ بيديهم الحل والربط! لفكرت بمقاربة مشكلات الثورة الراهنة وحلِّها، والتي تتمحور الآن حول ضبط سلوكيات التشكيلات العسكرية، بعد تأمين كل احتياجاتها وتنظيمها بقيادة ومرجعية واحدة، وتحديد الموقف من التشكيلات العسكرية الطائفية، لا سيما بسلوكياتها الطائفية تجاه الطوائف الأخرى، أو تجاه الطائفة السنّية نفسها، حيث يُفرض التشدُد والممارسة المتأسلمة على بعض مناطق سورية بطريقة الإجبار، وصوغ موقف نظري أصيل ومشروع سياسي تجاه أفراد الشعب كافة، الثائرين والذين لم يشتركوا بالثورة، وأن نظام الحكم سيكون نظام ديموقرطياً وقائماً على مبدأ المواطنة، من دون أي تداخل بين الشريعة والدستور أو الدستور والغالبية الدينية، وضبط ممارسات التشكيلات العسكرية عبر إصدارها مواقف وبيانات، لا سيما في كل من حمص واللاذقية والمناطق التي فيها اختلافات مذهبية أو عرقية، وأنّه لن يكون هناك أية اعتداءات ذات طبيعة طائفية أو عنفية، والطلب من المناطق التي لم تشارك بالثورة المساهمة في إيجاد حلول لمنع أي مشكلة، وطرد القتلة والمجرمين من أحيائهم، وأن هذا ما ستكون عليه الحال مباشرة حالما يسقط النظام، والعمل على تأمين احتياجات السكان الذين لم يشاركوا كما الذين شاركوا في الثورة.

إذاً، هناك ضرورة لكلامٍ واضح لا لبس فيه، بأن النظام الآتي لن يكون ضد أي طائفة، وتحديداً العلوية، وليس لمصلحة الطائفة السنّية، وأن تحدّد كيفية التعامل مع الذين والوا النظام أو صمتوا عن انتهاكاته، وأن مبدأ العدالة الانتقالية هو ما سيكون فاعلاً بعد الثورة وسيطبق على جميع الأفراد. نعم، لو أن تلك المعارضة تعي دورها التاريخي كممثلة لثورة عظيمة، لكانت سارعت إلى تقديم مثل هذه الأفكار وغيرها، وذلك لتجاوز المشكلات، وجَبّ التخوفات، ووضع الحلول التي تعجّل في إسقاط النظام.

عدم فهم المعارضة المكرسة تلك المشكلات، يبيّن أنها ليست مؤهلة لبناء دولة المستقبل، وليست معنية بمرحلة ما بعد إسقاط النظام ولا بكيفية إسقاط النظام، ولا تقدّر تعقيدات الوضع الذي يكرسه النظام كل يوم سواء لجهة الدمار الشامل للأحياء، أو التفتيت المجتمعي بين المناطق وبين الأحياء أو الطوائف. فهل يعقل أن يُجيّر فيديو يسربه النظام، كفيديو الطعن بالسكاكين، الهمجي بامتياز، لمصلحة الخندقة الطائفية على صفحات «الفايسبوك»، وبين المثقفين؟

تتحمل حصراً المعارضة السياسية المكرّسة، مسؤولية استثارة وعي طائفي ساذج بين تيار من أوساط المؤيدين للثورة، وهو ما سعى إليه النظام منذ بداية الثورة في شكل خاص، وقبل ذلك بالتأكيد.

المعارضة لن تفهم هذا المنطق، لأنها تريد الوصول إلى السلطة عبر منطق صوري بسيط يقول إن الثورة وحدها لا تسقط النظام، ولا بد من تدخل دولي ما، وبحدوثه يسقط النظام؟! هذا ما بنت عليه كل سياساتها، ولا تزال هذه المسلمة البلهاء قائمة في أساسات تفكيرها. ولكن الثورة ستنتصر بسبب قانونيتها الخاصة، وستبقى المشكلات التي أشرنا إليها أعلاه بلا حلّ، وهو ما سيعقّد الوضع حالما يسقط النظام.

بانتفاء قدرة المعارضة، تصبح مسؤولية الأوضاع اللاحقة لإسقاط النظام، بل منذ الآن، على المجالس المحلية والمدن وإعادة تشكيل النقابات والاتحادات ومختلف أشكال التمثيل الشعبي ومنها التنسيقيات، وأن تكون هي المسؤولة عن حل مشكلات الأحياء والمدن، وسورية بأكملها.

وبتحقق ذلك، ستكون لدينا القدرة على محاصرة المشكلات التي ستنشأ، والبدء بتشكيل نوى دولتنا الحديثة. هذا أصل بناء الدولة المقبلة؛ فالشعب الذي قام بكل هذه الثورة العظيمة، ويكاد يسقط السلطة، قادر على بناء مؤسسات النظام الجديد وصولاً إلى استكمال مؤسسات الدولة. كل ذلك عملية صراع مجتمعي وسياسي وفكري، وستكون محصلته الدولة المقبلة بكل إرباكاتها أو نجاحاتها.

 ========================

آليتان في إنتاج الاستبداد:

من الوعد الديموقراطي إلى واقع الطائفية!

ميشيل كيلو

السفير

19-1-2013

لا يعرف معظم بنات وابناء الجيل الذين هم اليوم في الخمسين من أعمارهم، وكذلك من ينتسبون إلى الأجيال الشابة الراهنة، إنه دارت في منتصف القرن الماضي معركة بعثية ضارية ضد الشيوعيين، تركزت جوهريا على نقطتين مهمتين هما: الحرية الفردية والشخصية، وإدارة الأموال والأملاك العامة لمصلحة المجتمع.

كان البعثيون يتهمون الشيوعيين بالعمل على إقامة مجتمع يتنكر للحرية العامة والخاصة، ووضع الملكية العامة في يد الدولة، من اجل انتاج بيروقراطية، ستشكل طبقة جديدة، تستأثر بالقسم الأكبر من الثروة الوطنية، تقوم على استغلال العمال والمنتجين وإن في مستوى مغاير للمستوى الرأسمالي الغربي.

في الشطر الأول، الخاص بالحرية، كان البعثيون يلحون على فكرة المواطنة وحق الفرد في أن يكون حرا بالمعنى الغربي/ البورجوازي للكلمة، الذي يعطيه الحق في حرية التعبير والتنظيم والاجتماع والأمن والعمل... الخ. اما في الشطر الثاني، فكانوا يقولون بملكية المنتجين المباشرة بدل ملكية الدولة لوسائل الانتاج، ويدعون إلى مجتمع يسيّر نفسه ذاتيا ولا تسيره بيروقراطية دولة تتحكم بكل شيء فيه، وتعي نفسها كطبقة جديدة يتعارض وجودها مع ما تدعو الماركسية إليه أو تدعيه من بناء مجتمع غير طبقي.

أُذَكِّر بهذه الوقائع لاؤكد على امرين: ان نظام البعث السوري حقق خلال الأعوام الخمسين المنصرمة وفي أسوأ الصور التي يمكن تخيلها، ما كان ينتقد الشيوعية بسببه، فقد الغى الحرية في جميع تعابيرها وأشكالها العامة والخاصة، والغى حقوق الانسان بما في ذلك حقه في الحياة والعيش والأمان، ووضع يده ليس فقط على الأموال والثروات والأملاك العامة، بل كذلك على ملكيات المواطنين الشخصية، وابتكر أشكالا من الاستغلال لم تخطر ببال من كانوا يستمعون إلى وعوده أو عاشوا تحت سيطرته، من ذلك مثلا ما يعرفه جميع السوريين الذين باعوا ما فوقهم وتحتهم كي يشتروا «ميكروباصا» صغيرا أو شاحنة «سوزوكي» ليعتاشوا منها، من دون ان تقدم السلطة لهم أي عون أو أية تسهيلات، لكنهم وجدوا أنفسهم يدفعون حوالي 60% من دخلهم السنوي على شكل ضرائب للمالية ورشى لرجال الأمن والشرطة، بينما دفع مستوردو السيارات أنفسهم معظم ارباحهم لمن فرضوا أنفسهم عليهم كشركاء من رجال السلطة، مقابل حمايتهم وتمكينهم من بيع السيارات بالسعر الذي يحددونه ويعود عليهم باعظم هامش ربح ممكن.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا حدث هذا الفشل في تحقيق اي وعد من الوعود التي قدمها البعث للشعب؟ ولماذا انتقل نظامه السوري من وعد المواطنة والحرية، والملكية المجتمعية المباشرة لوسائل الانتاج إلى نقيضهما: إلى صورة قريبة جدا مما عرفه معسكر السخرة والاعتقال الستاليني في روسيا السوفياتية؟

اعتقد أن هناك اسبابا كثيرة لتفسير ما وقع، أظن ـ والله اعلم ـ أن اهمها ترتب على هزيمة حزيران، التي ترتبت، بين اسباب عديدة، على فترة تناقضات وصراعات وفقدان اتجاه، بعثت قدرا كبيرا من الارتباك والحيرة في جماعة وجدت نفسها تمسك السلطة بعد الثامن من آذار العام 1963، من دون أن تكون لديها خطط عملية ورؤية استراتيجية لإدارة المجتمع والدولة، تمكنها من تنفيذ الوعود التي قطعتها على نفسها.

لنترك جانبا عناصر النقص التي شابت وعي البيئة المجتمعية الريفية التي تحدر منها معظم قادة البعث، خاصة العسكريين منهم، واشاد ماركس في البيان الشيوعي بالرأسمالية لأنها تقضي ما تنتجه من «بلاهة فلاحية». ولنقف قليلا عند صراعات البعثيين بعضهم ضد بعض، وعند المحاور الثلاثة التي تبلورت حول مسائل ثلاث هي :ضرورة إعادة الوحدة مع مصر، لأن البعث أشد عجزا من أن ينجز أي شيء بمفرده، وقد مثلها محمد عمران، وحتمية بناء مجتمع اشتراكي وقد مثلها صلاح جديد، وبناء نظام سلطوي يعيد إنتاج الدولة والمجتمع طبقا لحاجات الطبقة الممسكة بالسلطة، ومثلها حافظ الأسد، الذي صفى محمد عمران في طرابلس، وصلاح جديد في السجن، واعاد بناء الحزب انطلاقا من تبعيته للمؤسسة العسكرية التي استعملها لبناء سلطوية حققت عكس وعود البعث، فقضت على الحرية بجميع صورها وتعابيرها، وجعلت كل ملكية في سوريا ملكية لها: سواء بوضع يدها عليها أو بإدارتها أو بالسلبطة.

أين كمن جوهر النظام السلطوي؟ أعتقد أنه تجلى في مسألتين مهمتين هما: نفي المواطنة وصفة الفرد الحر عن السوري، وبالتالي نفي حقوقه العامة والفردية، الخاصة والشخصية من جهة، وإنتاج المجتمع بما يجعل منه تكوينا يتم التمييز بين مكوناته حسب قربها وبعدها من السلطة، التي استندت من الآن فصاعدا على تكوينات ما قبل مجتمعية / ما قبل وطنية، احتلت الساحة السياسية بجميع طوابقها، وألغت المجتمع كتكوين جامع يتشكل من مواطنين، هم ذوات حرة متساوية أمام القانون، الذي الغته بدوره كحاضنة حقوق لهؤلاء. باختصار: بدل أن تستند السلطة في الدولة إلى المجتمع الذي ينتجها باختياره الحر، أقيم نظام أسند الكسور المجتمعية المرصوفة إحداها قرب الأخرى على السلطة باعتبارها منتجا وحيدا لسياسة خلت من الآن فصاعدا من الشأن العام والمواطنة، وتحولت إلى ميدان تنشط فيه مافيات متخصصة في مختلف المسائل والقضايا، تغطي فاعليتها مختلف ميادين وقطاعات دولة غدت سلطوية وفقدت أواصرها الايجابية مع مجتمع فقد حضوره ودوره فيها، ولم تبق له أية مصالح مصانة في صورتها السلطوية القائمة.

هكذا تلاشى المجتمع الموحد وحل الآن مجتمعان: مجتمع خاص بالسلطة هو حاملها وحاضنتها، يتكون بصورة حصرية من تكوينات ما قبل مجتمعية تم تحديثها وتنظيمها أمنيا، أنيط بابنائها إدارة البلاد والعباد، وتعظيم الهوة بين سلطة تستند أساسا إلى المنتسبين إلى أجهزة أمنية وعسكرية وعاملين في الحزب ينتمون في غالبيتهم الى هذه التكوينات، ومجتمع البشر العاديين، العاملين والمنتجين، الذي هو مجتمع عمال سخرة واجراء يفتقر إلى جميع انواع الحقوق، على عكس مجتمع السلطة الأمني، الذي يخضعه بجميع وسائل القوة والقسر.

لم يعد هذا المجتمع يطيق ان يذكره احد بالوعود، التي كان قد نال شرعيته من التعهد بتنفيذها. وطور بدلا منها شرعية جديدة تركزت على جانبين: وجود معركة يخوضها دفاعا عن الدولة والمجتمع السوريين، اللذين انتفى وجودهما في ظل النظام السلطوي وبسببه، وصيانة العلمانية من المذهبية، وهذا زعم يبطله ارتكاز النظام على ما اسميته تكوينات ما قبل مجتمعية / ما قبل وطنية هي الطوائف،التي مثل قسما منها وأدخل نفسه في معركة دائمة مع قسمها الآخر، الأغلبي، الذي اتهمه بالأصولية ويا لمفارقات الكذب، بالطائفية بوصفها سمة لصيقة به لا يستطيع الانفكاك عنها او الخروج منها.

لندع الآن جانبا مسألة الدفاع عن دولة ومجتمع سوريا، ولنذكر فقط بأن سنوات النظام الأولى شهدت احتلال اسرائيل للجولان، وأنه مر على هذا الاحتلال نيفا وخمسة واربعين عاما، رفض النظام فعل أي شيء خلالها لزحزحة العدو المحتل عن صدر وطنه وعاصمته، مما جعل من سوريا دولة منتهكة ومنقوصة السيادة. ولنتحدث عن علمانية النظام القائمة على أرضية ما دون دينية، أي طائفية، يستحيل فهمها إلا بوصفها نفيا للدين كجامع روحي لمؤمنين ينتمون الى مذاهبه المختلفة.

لا تستحق العلمانية السلطوية اسمها تحت أي معنى نعرفه للعلمانية، لكونها تخلو من الإنسان، ناهيك عن مكانته المركزية كذات حرة تلزمنا برؤية كل موجود بدلالته. إذا أضفنا إلى ذلك حقيقة أن العلمانية كانت نتاج ثورة ثقافية ممتدة محورها مركزية مكانة الإنسان من الوجود، وإعادة تعيين العلاقة بينه وبين الله، قطب الوجود الآخر، الذي لم تبطل الإيمان به والحاجة إليه، سواء بالنسبة إلى الإنسان الفرد أم إلى الجماعات، وتذكرنا أن العلمانية السلطوية تخرج الإنسان من الشأن العام، والثقافة من المجال العام، وتغيب الحرية عنه وعنهما، وأنها تستند إلى تكوينات نافية للمجتمعية كعلاقة تعاقدية بين أفراد احرار، تكون هذه العلمانية المزعومة دين سلطة يستبدل رموز الأديان برموزها، التي تكتسب قداسة مضاعفة سياسيا وطائفيا: بعد أن تنحدر بالدين والقيم من عالم إنسان حر هو مركز الوجود، إلى عالم وثنية ترغم البشر على عبادة أشخاص، ومن رحاب الحرية وما تنجبه من مجتمعية طليقة الى ضيق الاستبداد وازدراء الحياة وقيمها.

نحن هنا، في هذا المثال السوري، امام الواقع وقد انتزع من إهابه الحقيقي وفقد هويته الأصلية، وشحن بما يحول دون عودته إلى حال الطبيعة، اي حالته الطبيعية، فلا عجب أن تثير المعايير التي تسيره قدرا عظيما من الاضطراب والمقاومة لدى الخاضعين له، وأن تفضي إلى تلاشي وموت كل ما هو نبيل في مجتمع البشر، الذي يغرق في شقاء لا يني يتعاظم، يطاول جميع مناحي واركان وجوده المادية والمعنوية. اليس أمرا طبيعيا أن يكون هذا التطور قد قام على تشويه معنى ووظائف الدولة والمجتمع، وعلى نفي وجود المواطن كإنسان حر، ونفي القيم التي لا تربطه بنظام المذهبية الطائفية ورموزه المقدسة؟

كان الوعد يقدم البعث كقوة تتخطى الانتماءات الدنيا والجزئية، وترتبط بالامة كحقيقة متجاوزة للوطنية، التي حملها اسما تحقيريا هو «القطرية». وها هو الواقع يكشف بطريقة فاضحة آليات انحداره من عالم وعود وردية اغرتنا بـ«الوحدة والحرية والاشتراكية»، إلى عالم مقيت يسند التحديث إلى تكوينات نافية له، ويلغي بالسلطة طابع الدولة المجتمعي، وينفي المواطنة عن رعاياه بنفيه الإنسان كذات حرة وتنمي الدولة حريتها، وينفي الدين السماوي لصالح دين سلطوي يشخصن اربابه ورموزه، هو في الوقت نفسه دين تدميري يرغم البشر على الخضوع له بقوة الأجهزة الأيديولوجية والقهرية، وعلى التعامل معه بوصفه دينهم الجديد، والوحيد.

بدأ تحول وعد الحرية والوحدة والعدالة إلى واقع طائفي عند نقطة محددة هي انقلاب النظام السلطوي على مبدأ المواطنة كناظم للحياة العامة ولعلاقة الدولة مع من هم تحت سلطانها، وتركيزه على السلطة بوصفها حقل العمل العام الوحيد، الذي يجب انتاج السياسة والمصالح والتعاقدات الفردية والعامة انطلاقا منه، يتهدده خطر وحيد هو الحرية. في هذه النقطة المفصلية بالذات يكمن الانزياح نحو المأساة التي نعيش اليوم أفظع فصولها واكثرها خروجا على القيم الإنسانية والوطنية.

 

========================

الأسد «المحلل الاستراتيجي في الشؤون السورية» يطرح الحل!

عادل مالك *

السبت ١٩ يناير ٢٠١٣

الحياة

سورية أيضاً وأيضاً.

بعد غياب لبضعة شهور ظهر الرئيس بشار الأسد في دار الأوبرا «ليحاضر» في المسألة السورية!

وبصرف النظر عن المشاعر الشخصية يجب القول إن الرئيس السوري ظهر متماسكاً هادئاً عالي النبرة في خطابه، على رغم كل الظروف التي تحيط به. لكن، وفي جانب آخر ظهر الرجل وقد «نأى بنفسه» عن كل شيء حتى عن الوضع في سورية. وبدا وكأنه محلل سياسي و «خبير في الشأن السوري» يرسم خريطة طريق لحل الأزمة في بلاده من الآن ولغاية عام 2014 موعد ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة.

ولدى مراجعة خطابه يمكن التوقف عند بعض المواقف الأساسية في معرض سرده لما تشهده سورية وعارضاً «خطة الحل» للأزمة القائمة وكأنه يتحدث من كوكب آخر وعن كوكب آخر.

قال: «إن هناك من يسعى لتقسيم سورية وآخرين لإضعافها لتكون تابعة شأنها شأن الآخرين». وتساءل حول ما يجري: «هل الصراع في سورية على كرسي ومنصب أم صراع بين الوطن وأعدائه... هل هو صراع سلطة أم هو انتقام من الشعب الذي لم يعطِ أولئك الإرهابيين القتلة المفتاح من أجل تفتيت سورية وتفتيت مجتمعها».

وتحدث عن «أن معظم من نواجههم الآن من الإرهابيين الذين يحملون فكر القاعدة» وهذه رسالة واضحة إلى الخارج للقول: «عليكم الاختيار بيني وبين الجهاد التكفيري». ويبدو أن مثل هذا الطرح يلقى بعض التأييد لدى بعض الغرب الأميركي منه والأوروبي، الأمر الذي يوضح بعض التراجع في اندفاعات الأطراف التي عملت ولا تزال على اقتلاع بشار الأسد من جذوره.

ويقول بعض المقربين من دائرة الرئيس السوري في معرض شرحهم وتفسيرهم خطابَه الأخير، إن الأسد انتظر طويلاً في إطار خوضه معركة تنازع البقاء، وإن هذا الخطاب هو نتاج بعض التقدم الذي حققه الجيش السوري ضد الثوار ومقاتليه الكثر من كل لون. ولأن الأسد ما زال متمسكاً بدوره في الأزمة وفي مشاريع الحلول المطروحة لها حتى آخر سوري، فهو طرح ما يسميه مبادرة خطة العمل لإخراج الوضع في سورية مما هو فيه وعليه.

وفي هذا السياق، وحيال فشل جميع المساعي والمبادرات السابقة لحل الأزمة، عرض الأسد خدماته في هذا المجال بالقول: «إننا نمد يدنا للحوار، وسنحاور كل من لديه خلافات سياسية معنا وكل من ينتقد مواقفنا». وفي الخوض في التفاصيل يرى الأسد أن «الحل السياسي للأزمة يجب أن يتضمن التزام الدول المعنية وقفَ تمويل تسليح المعارضة، يلي ذلك وقف الجيش العمليات العسكرية «وسأدعو إلى عقد مؤتمر للوصول إلى ميثاق وطني يتمسك بسيادة سورية ووحدة أراضيها».

هذا إذاً في جانب، ماذا عن الجوانب الأخرى للأزمة السورية؟

تبدو المواقف الأساسية على حالها وخصوصاً من الموقف الروسي والداعم بقوة حتى الآن على الأقل لموقف بشار الأسد، وعليه تبقى موسكو على إمساكها بأحد المفاتيح الرئيسة للوضع في سورية سلماً كان أم حرباً.

وليس هناك من منطق كي تقف فيه الأمور عند هذا الحد، بعد كل ما جرى، لذا فمعارك الكر والفر هي التي ستبقى متحكمة بالوضع. وإضافة إلى ذلك فإن ما تشكو منه بعض فصائل المعارضة السورية في الخارج أوقع بعض الوهن في صفوفها، وتذمر أفرادها من عدم الحصول على الذخائر كافية لمتابعة المعارك، إضافة إلى العجز في ضيق ذات اليد لأن بعض الأطراف الإقليمية والدولية والتي وعدت بسخاء بدعم المعارضة لم تفِ بوعدها.

ومثل هذه الشكوى لطرح التساؤل الجدي الآتي:

هل هناك بوادر تحولات أساسية في مواقف هذه الدول التي «التزمت» إسقاط نظام الأسد بأي ثمن؟

على أن الأمر اليقيني والمؤكد أن كل الرهانات التي عقدت لإحداث تغيير جذري في تركيبة النظام في سورية تخللها وقوع الكثير من الأخطاء سواء في التخطيط أو في التنفيذ.

وقياساً على ما جرى حتى الآن والثورة السورية تستعد لدخول عامها الثالث، المؤكد أن الحسم ما زال بعيد المنال سواء بالنسبة للنظام وأهله، أو بالنسبة لمعارضيه والثائرين عليه.

وفي ظل الوضع القائم يجب التوقف عند النقاط الآتية:

أولاً: تبدو سورية وكأنها دخلت مرحلة «إدارة الأزمة»، وما من طرف باستطاعته الإمساك بالوضع بمفرده، لذا سيبقى الصـراع الأميـــركي - الروســـي الغربـي قـائماً بـاسم المصالح وتـقـاسم النفـــوذ فـي منطقـة بالغة الحساسية والأهمية الاستراتيجية.

ثانياً: من روافد الأزمة وتداعياتها هناك بعض التفاصيل اللافتة ومن ذلك تزويد حلف شمال الأطلسي تركيا بطاريات لصواريخ «الباتريوت». إن السبب الذي أعلن أن هذا النوع من الصواريخ هدفه ضمان أمن تركيا من أي «هجوم سوري يمكن أن تتعرض له». لكن منطق الأمور لا يمكن أن يسلم بهذا التفسير لأن النظام السوري القائم وحتى إشعار آخر من المستبعد جداً أن يقوم بالهجوم على تركيا.

وفي بعض المعلومات أن الدوائر المعنية في روسيا ترى أن «الباتريوت التركي» سيكون عيونها على إيران» وتضيف: «أن الدوائر الأميركية استغلت الأزمة في سورية لتصيب أكثر من عصفور بحجر واحد». ومثل هذه المعطيات تؤكد مدى التداخل والترابط بين الوضع في سورية وأطراف إقليمية فاعلة كإيران، حيث لم يعد ممكناً التوصل إلى حل لأزمة دون أخرى كأزمة النووي الإيراني على سبيل المثل.

ثالثاً: إن الوضع القائم على الحدود اللبنانية – السورية يبعث على القلق لأكثر من سبب. وإذا كان لبنان تمكن من طلب المساعدات من بعض الدول لإيواء النازحين السوريين العابرين إلى حدوده من سورية فهذا لا يعني حل كل جوانب الأزمة.

في الواقع لا أحد يملك الرقم الصحيح لعدد اللاجئين السوريين والفلسطينيين في سورية، لكن الإحصاءات تشير إلى ارتفاع الرقم إلى 120 ألفاً حتى الأيام القليلة الماضية. ولأن الأزمة مفتوحة فهذا يبقي باب اللجوء مشرعاً على مصراعيه وعلى تزايد عدد اللاجئين.

إن مخاوف لبنان هي أمنية حيث يختلط بعض اللاجئين بــ «عناصر مسلحة» أخرى، وتفيد بعض المعلومات بأنهم يغتنمون الفرصة للقيام بتدريبات معينة على القتال والرغبة في العودة إلى الداخل السوري لمقاتلة نظام بشار الأسد.

وعليه، فإن سياسة «النأي بالنفس» التي أعلن لبنان الرسمي عن اعتمادها منذ اندلاع شرارة الأحداث في سورية لا تكفي لتجنيب لبنان محاذير تواصل «جحيم المعارك في سورية».

وبناء على كل ما تقدم، لم تعد المواعيد المتصلة بالوضع في سورية توضع في شكل متقارب، ومن ذلك اجتماع ممثلي الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن والمقرر عقده نهاية الشهر الحالي، وهذا يؤشر إلى أن المواعيد المتعلقة بسورية لم تعد خاضعة لما كان يحدث في السابق... والتباطؤ سيد المرحلة.

أين الوسيط الأخضر الإبراهيمي من كل ما يجري؟

نسبت إليه بعض التصريحات التي تفيد بأن الرئيس بشار الأسد لن يكون جزءاً من الحكومة الانتقالية التي نصت عليها مقررات جنيف، الأمر الذي عرّضه إلى هجمات سورية شرسة من التهم المقزعة فاضطر إلى الإيضاح. ويبدو أن الديبلوماسي الجزائري العتيق يريد أن يختتم حياته المهنية بإنجاز كبير من نوع وقف الحرب في سورية، لكن هذا الأمر لا يبدو سهل المنال مع كل تعقيدات الوضع السوري.

... وماذا عن المعارضة - بل المعارضات السورية؟

لقد رفضت بعض فصائل المعارضة «الطروحات السلمية» التي عرضها الرئيس بشار الأسد، لكن التحليل الواقعي يضع هذه المعارضة في موقع اختبار تاريخي حيال الشعب السوري، لأن رفض طروحات السلام مع وجود بشار الأسد يعني، بل يجب أن يعني وجود البديل عن ذلك. ويجب أن تعلم هذه المعارضات أن الدول الكبرى لا تقف إلى جانبها كرمى لعيون هذا الفصيل أو ذاك.

لذا، فإن الظروف الضاغطة تطالب نجوم المعارضة المنتشرين من على ضفاف البوسفور في تركيا إلى ضفاف شاطئ النيل الأزرق في مصر مروراً بالكثير من عواصم النزاع.

على هذه المعارضة أن تعترف بأن خطأ قد حدث في تقدير قوة نظام الأسد، وفي كيفية التخلص من نظامه. لذا، الآن وبعد انقضاء كل هذا الوقت الطويل، ما كان يصلح للأمس لم يعد صالحاً لليوم، وما هو صالح لليوم قد لا يصلح للغد.

إن الشعب السوري المرابط في الداخل لم يعد ليستسيغ تنقل بعض الوجوه المعارضة بين فنادق الخمس نجوم فيما الجحيم السوري يقض مضاجع سائر أفراد الشعب من مسالمين ومقاتلين.

========================

استخدام «القاعدة» في سوريا

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

19-1-2013

لا بد أنها من المرات القليلة التي يضحك فيها الرئيس السوري بشار الأسد عندما ظهر منتمون لإحدى الجماعات السورية المتطرفة على إحدى محطات التلفزيون العربية يهددون ويتوعدون بأن تنظيمهم يعتزم إقامة نظام إسلامي متشدد محل نظام الأسد. كانت تلك المقابلات كفيلة بإخافة الدول المترددة والقلقة، لتبرهن على صحة روايات النظام السوري للعالم، ويرددها خلفه السياسيون الروس، الذين قالوا إن الغرب سيندم على إسقاط نظام الأسد لأنهم يكررون غلطة أفغانستان، وسيعودون للحرب لمقاتلة «القاعدة» في سوريا هذه المرة. ونحن نرى الفرنسيين الآن يشنون واحدة من أكبر حروبهم في أفريقيا، في شمال مالي، لمقاتلة الجماعات المتطرفة هناك.

ولا شك أن الغرب، وبعض العرب أيضا، في خوف شديد من أن تتحول الثورة السورية إلى أفغانستان أخرى بسبب تدفق الجهاديين للمشاركة في القتال. وبدل أن يدعموا الثوار الوطنيين، ويلجموا نظام الأسد، فإنهم يكتفون بمشاهدة القتال ورصد الجماعات المتطرفة.

والنظام السوري يريد أن يقبل الغرب بفكرة أنه صمام الأمان ضد الإرهابيين وإحباط الثورة وسيكثف من الحديث عن الجماعات المتطرفة، وبكل أسف هي حقيقة موجودة، وبعضها صنيعة النظام نفسه لهذا الغرض، وبعضها يروج النظام لأعمالها وصورها لتخويف العالم من أفغانستان المقبلة.

وقد سبق له أن استخدم نفس التكتيك من قبل عندما كان تحت ضغط دولي شديد بسبب جرائمه في لبنان.. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008 زعم عبر وكالته الرسمية للأنباء (سانا) أن تنظيم «فتح الإسلام» المتطرف فجر سيارة في أحد أحياء دمشق، وأن تيار المستقبل اللبناني المناوئ لسوريا هو وراء التنظيم الإرهابي، وأن الانتحاري الذي فجر السيارة سعودي الجنسية!

طبعا لم يصدق أحد الكذبة السورية، لأن تيار المستقبل اللبناني، ممثلا في رئيس الوزراء حينها فؤاد السنيورة، كان هو من قاد الحرب قبل عام ضد تنظيم «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد.

وثقوا أن الجماعات المتطرفة التي تقاتل على الأرض السورية المحروقة، بعضها فتحت لها سجون الأسد لتخرج عناصرها للقتال، كدليل على أن الثورة السورية ليست إلا جماعات إرهابية، وبعضها تنتمي بالفعل للتنظيم وترفع علمه الأسود.. لكن الغالبية الساحقة من الثوار في سوريا ينتمون للجيش الحر، فالأسد يريد أن يشوه سمعتهم، ويخوف دول المنطقة العربية منهم، ودول الغرب أيضا. ومن صالحه الترويج لصورهم وفيديوهاتهم وبطولاتهم، في حين أنهم دخلوا على خط الثورة قبل عشرة أشهر ولا يمثلون سوى نسبة صغيرة من الثوار.

========================

سوريا بدها كرامة!

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

19-1-2013

كلما كشف العالم حجم جرائم نظام الأسد في حق شعبه، وهي مستمرة بشكل متواصل وتحصد بشكل يومي العشرات من القتلى والضحايا في كافة مناطق سوريا بلا استثناء، يستمر النظام في قدرته على إدهاش العالم بالتفوق على نفسه والقيام بفصول جديدة من الجرائم. فاليوم الأحداث المهينة التي تتعرض لها مخيمات اللاجئين السوريين، وهي تضم الآلاف من الأبرياء الذين تشردوا من بلادهم جراء الوحشية التي يقدم عليها نظام الأسد، بالإضافة إلى المهانة والعوز الذي يتعرض له من في هذه المخيمات، هناك «جواسيس» مزروعة من قبل نظام الأسد يقومون بعمليات تستهدف حرق بعض الخيام وقتل بعض الأشخاص وبالإيقاع بين البعض ومسؤولي الدول المستضيفة.

ولقد نجحوا في كل ذلك بأشكال مختلفة، هذا مع عدم إغفال الأحداث «الغامضة» التي تتسبب في مقتل البعض من اللاجئين في حوادث سيارات أو صدام غريب، وكلها تكون جرائم مقيدة ضد مجهول، ووكر إدارة هذه الأفعال القذرة هي السفارات السورية في هذه الدول المستضيفة للاجئين، وهي سفارات بالاسم فقط، إذ إن موظفي هذه السفارات هم في واقع الأمر ما هم سوى مجموعة من رجال أجهزة المخابرات السورية المعروفة بدمويتها ومتعاونين معهم ممن يطلق عليها مسمى «الشبيحة» البغيض، وهؤلاء المجاميع يتولون إهانة وضرب وسب المراجعين من المواطنين السوريين فيعطلون معاملاتهم وأوراقهم لابتزازهم بشتى الوسائل والطرق.

وليت المسألة تتوقف عند هذا الحد المزعج، ولكن تستمر لتشمل رسائل نصية قصيرة تصل إلى الهواتف الجوالة والبريد الإلكتروني لبعض الشخصيات المستهدفة من عامة الشعب، التي أعربت عن تأييدها للثورة وانتقادها لتصرفات النظام، فيقعون طبعا في الجرم الأعظم وهو الخروج من عبودية بشار الأسد ونظامه، وهي جريمة لا يمكن أن تغتفر، فيجند النظام مجموعة غير بسيطة من «زعرانه» الصغار ليحدثوا نوعا من «الوسوسة» الشيطانية في الأشخاص المستهدفين ليرعبوهم ويخيفوهم ويحذروهم من «هول» ما سيلاقونه إذا استمروا في «نقد» النظام وعدم تأييد الإصلاحات العظيمة التي يقوم بها للقضاء على «المجموعات الإرهابية المسلحة». النظام الأسدي يلاحق السوريين خارج حدود بلادهم ويعمل على إرعابهم وإذلالهم، تماما كما كان يفعل داخل القطر السوري نفسه، ويبدو أن ذلك الأمر هو جزء أساسي من الهندسة الوراثية الشيطانية التي تكون منها نظام حافظ الأسد وابنه ولا يمكن بالتالي أن يخرج منها أبدا.

السوريون في خارج بلادهم يعيشون كوابيس من الإذلال والرعب والقلق والخوف، والوشايات بينهم لا تنتهي ونشر الشائعات المدمرة مستمر، وتعطيل المصالح بل والخلاص من بعضهم بدم بارد مستمر. فنحن اليوم أمام أقذر أنظمة العالم وأكثرها كراهية واحتقارا وازدراء لشعبه، وهو نظام يعلم أن أيامه معدودة، وأنه لا يمكن أن يعود قادرا على حكم نفس الشعب بنفس الطريقة كما كانت مرة أخرى أبدا، فلذلك هو «يودع» السوريين بطريقته القذرة وهو غير «مصدق» أن هناك شعبا يتمرد ويثور ويعترض ضد جنة نظام الأسد، الذي اكتشف الناس أخيرا أنها جهنم وبئس المصير، ولكنهم لن يسمحوا أبدا لأنفسهم أن يكونوا خالدين فيها.

العالم بكل الطرق وبكل التفاصيل سيكتشف تباعا حجم كذبة نظام بشار الأسد وحجم الخوف والمذلة التي عاش فيها السوريون طوال العقود الماضية وحجم الثمن الذي يمنحونه لأجل نيل الحرية الغالية.

السوريون حول العالم يعانون من نظام بشار الأسد وكل نوع من أنواع المعاناة لها ثمن ولها أثر، إلا أن الحقيقة الوحيدة أن كل يوم يستمر فيه بشار الأسد حاكما لسوريا هو في حقيقة الأمر صفعة قوية على كرامة البشرية وانتقاص من آدمية الناس، فلا نامت أعين الجبناء ولا مؤيدي هذا النظام.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ