ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 09/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

08-01-2013

انتهى خطاب الأسد و الحرب مستمرة

علي حماده

2013-01-08

النهار

لم يختلف خطاب بشار الأسد الاخير في روحيته عن جميع خطبه السابقة. فمنذ الخطاب الاول في 30 آذار 2011، بدا واضحا ان الخيار الوحيد الذي اعتمده النظام هو موروث عن "الاب المؤسس" حافظ الاسد، أي الحديد و النار. ففي حين كان من الممكن، وبسهولة نسبية احتواء انتفاضة درعا الاحتجاجية في أيامها الاولى، عبر اتخاذ خطوات تأديبية بحق المسؤولين عن اعتقال الاطفال وتعذيبهم، وتعنيف النساء، و إطلاق النار على المدنيين المعتصمين في الجامع الاموي في قلب البلدة، اختار الاسد و بطانته التعامل بالحديد والدم مع الازمة والمضي الى جحيم القتل المتعمد في كل مكان. و ما هي إلا بضعة أسابيع حتى اشتعلت المظاهرات في سوريا من أقصاها الى أقصاها، و اختار النظام التعامل معها بالاسلوب عينه اي الحديد و النار. وقاومت الثورة السلمية كل أشكال العسكرة لمدة ثمانية اشهر متتالية حتى بلغت الاوضاع حدودا ما عادت تطاق، لتنطلق بعدها الانشقاقات في الجيش، وليلجأ السوريون الى السلاح البدائي للدفاع عن أنفسهم، والبقية معروفة وصولا الى تحول سوريا كلها ساحة لحرب تحرير كاملة الاوصاف بين ثورة تحررية ونظام كان ولا يزال متمسكا بخيار حافظ الاسد الستاليني الذي ما أدى الى وأد الثورة بل فاقمها، وزادها اشتعالا، و اجهز في الوقت عينه على "جمهورية حافظ الاسد" و الارث الذي خلفه لاولاده.

في مطلق الاحوال، لم يشذ خطاب بشار الاسد الاخير في دار الاوبرا  عما سبق من خطب لناحية الروحية، و ان يكن تفرد في طرحه لـ"حل" من ثلاث مراحل يبدأ بوقف مشروط لاطلاق النار، يليه مؤتمر وطني، ثم دستور، وحكومة لينتهي بانتخابات نيابية. وفي الوقت الذي حفلت فيه كلمة الاسد بكل أنواع "البروباغاندا" الممجوجة، فإن أهم البنود التي غابت عن "الحل" الذي طرحه الاسد هو البند المتعلق بتنحيه، وتفكيك النظام بمنظومته المخابراتية. هذا اذا ما استثنينا بندا أساسيا نشك ان يقبل السوريون بتجاوزه، هو بند محاكمة أركان النظام وفي مقدمهم الاسد نفسه و بطانته بتمهة ارتكاب جرائم ضد الانسانية.  لكن اذا ما ركزنا على "حل" الاسد (ثمة من يسميه "اللاحل")، يتبدى ان صاحبه و بالتشاور مع الايرانيين قرر المضي في الحرب المفتوحة. ومن هنا كان الرد العربي و الدولي على الخطاب سلبيا للغاية لكونه لا يلحظ بند التنحي. فلا حل في سوريا بوجود بشار الاسد و بطانته مهما حصل. ولا حوار ممكنا معه او مع جنرالاته. والثورة مستمرة مع كل التضحيات التي يقدمها السوريون حتى تحرير البلاد من النظام بكل وجوهه و تركيبته.

وخلاصة القول إن أي حل لا يتضمن تنحية بشار الاسد عن السلطة ومعه أركان نظامه لن يكون قابلا للحياة، و سيكون وصفة لإدامة الحرب الى ان ينتصر فريق على فريق. وفي حالة سوريا فالثورة مقبلة على الانتصار مهما طال الوقت او عظمت الاكلاف. و هذا واضح من خلال متابعة مسرح العمليات العسكرية.  أول فكرة أتتني بعد الاستماع الى خطاب بشار الاسد قبل يومين، كانت ان الحرب مستمرة، وسوريا ستغرق في مزيد من شلالات الدم لفترة اخرى.

=================

انتخابات رئاسة ايران تحدِّد "الموقف السوري" لأميركا!

سركيس نعوم

2013-01-08

النهار

الموقف الاميركي السلبي من النظام السوري معروف. والتأييد الاميركي لثورة غالبية الشعب السوري عليه، ولمطالبة رأسه بشار الاسد بالتنحّي معروف ايضاً. ولم يتغيَّر هذان الموقف والتأييد رغم دخول بضعة آلاف من الاسلاميين التكفيريين والعنفيين على خط الثورة، ورغم اقدام الادارة الاميركية على إدراج احد ابرز تجمعاتهم وهو "جبهة النصرة" على لائحة الارهاب. ذلك انها تعرف ان "النجاحات" الجغرافية التي حققها الثوار منذ نحو واحد وعشرين شهراً ما كانت لتتحقق لو لم تكن غالبيتهم من ابناء الشعب السوري الذين ما عادوا يطيقون استبداداً وعنفاً واستباحة وظلماً. إلا ان ترجمة السلبية تجاه النظام في دمشق والتأييد للثائرين عليه من اميركا لم تتعدَّ السياسة، ولم تصل الى حد القيام بعمل عسكري جدي مباشرة أو عبر حلفاء اقليميين، او الى حد تزويد الثوار الأسلحة التي تمكّنهم من انهاء النظام او دفعه الى التقهقر تدريجاً. وأسباب ذلك كثيرة منها موقفا روسيا والصين، ومنها الدعم الايراني الواسع للأسد. والامتناع عن الترجمة المذكورة افسح في المجال امام دخول "المجاهدين" او الارهابيين كما تسميهم اميركا الى جانب الثوار الذين كانوا في حاجة اليهم. ولذلك لم يكن منطقياً ان يقوم هؤلاء برفضهم او بإعادتهم الى المكان الذي اتوا منه.

طبعاً اثار الموقف الاميركي هذا شكوكاً كثيرة عند ثوار سوريا. وأثارت تطورات الثورة واستمرار النظام في ضربها نقاشات عدة داخل اميركا في الاوساط الاعلامية والبحثية والسياسية حول اي نهاية للحرب في سوريا تؤمن للأميركيين المصالح الحيوية والاستراتيجية لبلادهم في الشرق الاوسط او تحميها. وهل هي انتصار النظام، او انتصار الثوار، او استمرار الحرب الاهلية طويلاً ريثما تتكون ظروف ملائمة داخل سوريا (تعب وانهيار متبادل) وفي الخارج الدولي لبدء حوار يؤدي الى تسوية تنهي الحرب في الداخل والى تسوية بين دول المنطقة والدول الكبرى في العالم من دونها يبقى تطبيق التسوية الاولى مستحيلاً.

في اختصار ومن دون الغوص طويلاً في كل ذلك يقول متابع اميركي من واشنطن ان بلاده لن تترجم موقفها السلبي جداً من الاسد والايجابي من الثوار الا بعد حصول امرين. الاول، الانتخابات الرئاسية الاميركية وانتهاء الرئيس المنتخب من تركيب فريق عمله ومن ترتيب اولوياته. والانتخابات اسفرت عن تمديد ولاية الرئيس الحالي اوباما، من شأن ذلك اختصار الوقت الذي يحتاج اليه لتقرير سياسته النهائية حيال سوريا. ذلك ان فريق عمله لا يحتاج الى "نفضة" شاملة، فضلاً عن ان سياساته الاقليمية واستراتيجيته الشرق الاوسطية محددتان على وجه الاجمال. اما الامر الثاني فهو حصول الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الاسلامية الايرانية في موعدها الدستوري اي حزيران 2013. واهمية هذا الامر تنبع من الدور الايراني المؤيد للاسد والمعادي لاميركا والغرب، ومن الخلاف الحاد والعميق بين واشنطن والمجتمع الدولي من جهة وطهران من جهة اخرى حول الملف النووي الايراني، وحول دور ايران في محيطها سواء العربي او الباكستاني او الافغاني او... كما انها تنبع من اقتناع بأن حسم الخلاف مع ايران سواء بتسوية ثابتة ونهائية ناتجة من تفاوض جدي او بحرب معها، يفترض الاميركيون انهم قادرون على الانتصار فيها وإعادة ايران الى الوراء من 50 الى 100 سنة (حرب غير برية)، يُسهِّل وعلى نحو كبير وضع نهاية للحرب في سوريا تنهي النظام من دون ان تهدد الطائفة التي تدعمه، وتفسح في المجال امام قيام نظام بديل على صعوبة ذلك. وبهذا المعنى فان التفاهم الاميركي – الايراني الجدي ربما يلغي الحاجة الى تفاهم واشنطن وموسكو حول سوريا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تقبل ايران التخلي عن روسيا وإن اتفقت مع اميركا؟ وألن تبقى في حاجة الى وجودها معها اذا استجدت ظروف بعد التسوية السورية من شأنها تهديدها جدياً سواء في الداخل او في المنطقة؟

ماذا يعني ذلك؟

يعني ان على السوريين ومعهم اللبنانيون المنخرطون في حربهم سواء مع النظام او مع الثوار وكذلك العرب انتظار الانتخابات الرئاسية في ايران. ولكن من يضمن ان تحسم نتيجتها ما يجري في سوريا في ظل معرفة الجميع ان صاحب القرار في ايران ليس رئيس جمهوريتها؟ ولذلك قد يكون من الأفضل ترقب الانتخابات المذكورة ومراقبة الاوضاع الداخلية في ايران قبل اطلاق اي توقع. كما قد يكون من الافضل تناول الحرب الاميركية على ايران بجدية وعلمية قبل اطلاق التوقعات حول من سينتصر فيها.

=================

روسيا الأكثر إحراجاً بعد خطاب الأسد

المراوحة العسكرية تستدرج أخطار التقسيم

روزانا بومنصف

2013-01-08

النهار

ابرز الاسئلة التي بدت مطروحة بعد خطاب الرئيس السوري بشار الاسد وسوقه اعتراضاته على المرحلة الانتقالية التي تضمنها اتفاق جنيف بين مجموعة العمل من اجل سوريا التي انعقدت في نهاية حزيران من العام الماضي، سيكون موجها الى روسيا التي دأب وزير خارجيتها سيرغي لافروف في كل مناسبة على التشديد على تنفيذ ورقة العمل التي اتفق عليها في جنيف ومن ضمنها المرحلة الانتقالية. فمع رفض الاسد اتفاق جنيف والمرحلة الانتقالية، ستواجه روسيا احراجا امام الدول الغربية وتحديا في تسويق افكار حلول للازمة السورية كانت تمسكت بها حتى الآن، خصوصا ان الرئيس السوري لم ينسف كل مبادرة الاخضر الابرهيمي فحسب بل نسف كل الافكار والمبادرات الاخرى بما فيها مبادرة حليفته ايران التي سارع وزير خارجيتها الى اعلان التأييد لما اعتبره مبادرة قدمها الرئيس السوري كما اعلن تماهي خطتي الحل الايرانية والسورية.

احد الاسئلة الاخرى تكمن في اصرار الاسد على محاورة “السيد بدلا من محاورة العبد”، كما قال في توصيفه للمعارضة السورية في الخارج. فهذه الرسالة التي وجهها الى الولايات المتحدة عارضا اعادة الامساك بالسلطة تحت عنوان مواجهة الارهاب والتكفيريين والمحافظة على وحدة سوريا وسيادتها لقيت صدى سلبيا فوريا من الخارج من خلال جملة ردود الفعل الاوروبية والاميركية التي لم تتأخر عن الظهور بعد ساعات قليلة على انتهاء الاسد من القاء خطابه واعتبرت هذا الاخير منفصلا كليا عن الواقع مؤكدة ضرورة تنحيه عن السلطة. اذ ان الرئيس السوري خرج الى العلن من اجل محاولة الافادة من الارتباك الاميركي والدولي حيال البديل منه في حال تنحيه والمخاوف الاميركية خصوصا من السلفيين وكذلك خوف الروس من الاسلاميين ليعرض استمراره لقاء اثمان محددة لم تخرج في الواقع من حيث المضمون عما كرره ولا يزال منذ بدء الازمة التي تشارف على اكمال سنتها الثانية. كما انه يسعى الى محاولة كسب تعاطف او دعم مجددا بناء على اثارة المخاوف مما تتهيأ له العراق على وقع الازمة السورية والمخاطر على لبنان والاردن ومن التخبط الاخواني في مصر ومحاولة فرض اجندتهم السياسية. كما انه يرفض مساواته او وضعه على قدم المساواة كفريق من افرقاء الازمة ويحاول ان يطرح نفسه محاورا وحيدا يعلو وفق افرقاء المعارضة التي تدعمها الدول الغربية. فهل يمكن ان تعيد هذه الدول النظر في مقاربتها للازمة السورية على هذا الاساس؟

الامر مستبعد، بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية متابعة، وجدت خطاب الاسد مخيبا للآمال كما كان في كل خطاباته السابقة بحيث انه في كل مرة اطل علنا كان يتم انتظار خطابه من اجل ان يعلن امرا ما يستطيع فيه ان يقدم جديدا ويحض اي دولة من دول العالم على تغيير موقفها منه لجهة احتمال اثارته جدلا بين الدول الغربية مثلا او بينها وبين الدول العربية على ضرورة اعطائه فرصة جديدة من اجل اثبات حسن نياته ازاء قيادة بلاده على نحو مختلف كليا عما سبق القيام به. الا انه، وعلى رغم سقوط اي رهان عليه منذ زمن ليس بالقصير في ظل اعلانه الاستمرار على اعلان خطوات وهمية في غير توقيتها، فقد تم انتظار اعلانه امرا مختلفا في خطابه الاخير مبنيا على ادراكه ووعيه لخطورة ما وصلت اليه بلاده واقراره بارتكاب اخطاء يود تصحيحها ومد يده الى كل الافرقاء في الداخل والخارج وضرورة ان يتنازل في سبيل انجاح اي حل من اجل انقاذ بلاده وشعبها.

اذ انه، في رأي هذه المصادر، ومع ان لا حل للازمة السورية لا يزال ممكنا مع الاسد، وفق اقتناعات غالبية كبرى من دول العالم العربي والغربي، لانه يستحيل غض النظر عن العدد الهائل من الضحايا الذي يتحمل مسؤوليته الاساسية النظام وحده نتيجة المقاربة الخاطئة التي اعتمدها لحل الازمة، فان ما هو مخيب للآمال ومحبط في رأي هذه المصادر الا يقدم اي عنصر جديد في كل ما سماه رؤيته للحل او افكاره له. اذ هناك اجراءات قام بها حتى الآن ولم تؤت اي ثمار وايكاله لهذه الحكومة مثلا قيادة حوار هو رهان مرشح للفشل لان هذه الحكومة لم تحدث اي رد فعل ايجابي لدى تكليفها وكذلك الامر بالنسبة الى كل خطوة من خطوات رؤيته للحل. وترفض المصادر الديبلوماسية المتابعة مناقشة مراحل الحل التي عرضها الاسد كونها تستند الى خلفية تصب في خانة تعزيز نظامه في حين ان هذا النظام انتهى ولم يعد قابلا للعيش وهو يرفض الاقرار بذلك ويحاول تجاهله. وعلى عكس المظهر القوي الذي حاول الظهور من خلاله فان الحشد الموالي خلال القاء الخطاب في دار الاوبرا يشي بالعكس. ولذلك فان المخاوف بعد هذا الخطاب هي من امرين: احدهما اجهاض اي محاولة او مبادرة جديدة ممكنة بين الدول الكبرى خارج اطار مقاربتها من خلال المنظور الضيق والخاص للنظام للازمة السورية مما سيعطل اي جهد جديد يمكن ان يبذل في المدى القريب. والآخر هو متابعته الحل العسكري الامني، وفق ما لمح اليه مما يعني مراوحة الازمة السورية في الحرب الداخلية حتى اشعار آخر في ظل مخاطر رسم ملامحها من خلال تلميحه الى التقسيم مثلا.

=================

أسد مستأسد بين الواقع والإنكار!

راجح الخوري

2013-01-08

النهار

عند حدود ستين الف قتيل قلب الرئيس بشار الاسد الصفحة ليبدأ فصلاً جديداً من كتاب الدم الذي كان الاخضر الابرهيمي قد بشرنا انه قد يصل الى مئة الف قتيل وأكثر. لكنه لم يقدم لا "خطاب الحل" ولا "خطاب الوداع"، بل "خطاب الإنكار" او إستمرار الازمة، بما يؤكد ان امام السوريين طريقاً طويلاً من الدم عليهم اجتيازه ربما الى الجحيم الذي رآه الابرهيمي!

واذا كان الاسد قدم ما سمّاه خطة للحل من ثلاث مراحل هدفها الواهم طبعاً، محو سنتين من عمر المأساة للعودة الى حكم الطغيان والاستبداد، فإن القراءة الهادئة في الخطاب والأبعاد الإقليمية والدولية التي تحيط بالأزمة ترسم ثلاث حقائق برزت عبر ما قدمه الاسد في عراضته وسط التصفيق المصطنع:

اولاً: أرسل الاسد المقاتلات لتسقط القنابل على حلب واخواتها ووقف ليسقط قنبلته التي أرادها ان تدمر كل الوساطات والمشاريع السابقة، عندما اشترط على اي مبادرة تأتي من الخارج ان تندرج تحت سقف مبادرته "السيادية" التي تقوم على اعتبار ان لا ثورة في سوريا ولا ثوار بل "جراثيم وارهابيون وقتلة ومجرمون"، وهذا ينسف كل الوسطاء والوساطات من مبادرة "الجامعة العربية" الى نقاط كوفي أنان الستة مروراً بأفكار الابرهيمي ومبادرة فاروق الشرع وهي مبادرة النظام عينه وقد اعلنت على لسان الشرع، وايضاً اتفاق "جنيف 1" و"جنيف 2" على الاقل لجهة مطالبة النظام بوقف النار اولاً وسحب الاسلحة الثقيلة، فها هو يملي شروطه على الجميع، المعارضة والدول الاقليمية التي تدعمها وذلك كمقدمة لحل ملخصه: ادفنوا قتلاكم وتعالوا الى طاعتي من جديد!

ثانياً: صحيح ان خطابه يشكل انفصاماً كلياً عن الواقع المأسوي في سوريا لكنه انفصام يستند في النهاية الى معطيات الواقع الكارثي للسياسة الدولية حيال الازمة السورية، فليس سراً عشية المحادثات المتوقعة بين كلينتون ولافروف والابرهيمي ان التردد الاميركي - الغربي في دعم المعارضة يترسخ أكثر مع اتساع الحديث عن نفوذ الاسلاميين في صفوف الثوار، ولا من الاسرار ان تراجع الدعم الخليجي للمعارضة نتيجة ضغوط اميركية تنطلق من تصوير سوريا بؤرة محتملة لـ"القاعدة" للإنقضاض على دول الاقليم!

ثالثاً: واضح ان الاسد يستأسد من منطلق ادراكه أن وصول الاسطول الروسي الى طرطوس هو لحمايته وللرد على صواريخ باتريوت الغربية في تركيا ولترجمة ثبات تمسك موسكو بنظامه، وان التطورات المتصاعدة في العراق زادت تمسك ايران به، وان السياج الاسرائيلي في الجولان سيقنع واشنطن اكثر بترك سوريا ساحة لمذبحة تتخبط فيها ايران وروسيا ويتهاوى في جحيمها اهل "النصرة" ورفاقهم!

إنه كتاب الدم، فصل اول من ستين الف قتيل... والآتي أعظم!

=================

الشعب السوري بين الإبراهيمي وإملاءات المجتمع الدولي

ما يحصل في سوريا هي عملية إبادة وتطهير عرقي يرتقي إلى جرائم الحرب التي يفترض أن يقدم مرتكبوها لمحكمة الجنايات الدولية!!

د. سلطان عبد العزيز العنقري

الثلاثاء 08/01/2013

المدينة

هذه هي خلاصة -بل هدية- مبعوثي جامعة الدول العربية والأمم المتحدة للشعب السوري من خلال تصريحات الإبراهيمي مع بداية العام الميلادي الجديد. فمنذ بداية الانتفاضة السورية والتي قاربت أن تدخل عامها الثاني في مارس 2013م! أكثر من 60 ألف قتيل، وفق إحصائية الأمم المتحدة بالطبع المتحفظة جدًا، ومئات الآلاف من الجرحى والمعاقين والمشردين والنازحين والمهجرين!. قلنا وما زلنا نقول: إن جامعة الدول العربية؛ في ظل الأحداث التي شهدها ويشهدها عالمنا العربي، وما يُسمَّى بالربيع العربي، تحتاج إلى غربلة شاملة، حيث إن جامعة الدول العربية وحدها تتحمل مأساة الشعب السوري وما لحق به من قتل وتشريد وتدمير لقراه ومدنه وبناه التحتية. فهي التي أعطت الفرصة لنظام فاشي قمعي دموي شرس أن يُماطل في تسليم السلطة لحكومة انتقالية كما حصل في ليبيا واليمن، وأن يتمادى بل يستمر في قتل شعبه من خلال مبعوثيها بدءًا من الجنرال السوداني الأجوف (الدابي)، إلى أمين عام سابق للأمم المتحدة تطارده فضائح ابنه المالية فيما يُعرف بالنفط مقابل الغذاء في العراق، إلى الأخضر الإبراهيمي الذي ارتمى في أحضان وزير خارجية روسيا، ونفذ ما طلب منه من خلال اتحافنا بتصريحاته الجهنمية المحبطة للشعب السوري!!

من يُصدِّق أن جامعة الدول العربية تقف مكتوفة الأيدي، بل تضع في أذن طينة والأخرى عجينة على غرار المقولة «لا أسمع لا أرى لا أتكلم» لما يحصل في سوريا، بل إن مبعوثيها يدورون في الفلك الروسي والصيني والإيراني، وهم من أسس بقاء وتطويل أمد النظام واستمراره، بل بتشجيعه بقتل شعبه؟! فروسيا هي من تتحمل مسؤولية قتل الشعب السوري، فوزير خارجيتها لافروف يتبجح بين الفينة والأخرى ويستهتر بدماء الأبرياء بتصريحاته التي تجلب الغثيان، بل إنه الوزير الفعلي لخارجية سوريا بعد أن وجد وليد المعلم، وزير خارجية سوريا والنظام بأكمله، ضالته بمحام بارع في قلب الحق إلى باطل، وقلب الباطل إلى حق. فروسيا أصبحت عرّابة السياسة السورية، بل المحامية والمدافعة والحامية للنظام السوري، وإيران المنفذة لتلك السياسة بتنفيذ سياسات القتل للشعب السوري والتدمير لسوريا من خلال حرسها الثوري الإيراني، وميليشيات مقتدى الصدر في العراق وحزب الله اللبناني وحكومته في لبنان، ومدهم بالأسلحة الروسية التي تشتريها إيران من روسيا وترسلها لشبيحتها وشبيحة النظام في سوريا، فلولا هذا الجسر الجوي للسلاح من روسيا والشبيحة من إيران، من خلال الأجواء العراقية والمعابر البرية وأسطول روسيا في طرطوس لسقط نظام البعث في سوريا قبل أن يدخل عامه الثاني. فما يحصل في سوريا هي عملية إبادة وتطهير عرقي يرتقي إلى جرائم الحرب التي يفترض أن يقدم مرتكبوها لمحكمة الجنايات الدولية!!

إنها بالفعل مؤامرة، ليس فحسب على سوريا وشعبها، بل وعلى العالم العربي بهدف ابتزازه من قِبَل غرب وعجم. فلا الغرب ولا الشرق -ممثلًا بالصين وروسيا والعجم ممثلًا بإيران- يريدون للعالم العربي الخير والأمن والاستقرار والتطور واللحاق بركب التحضر، بل يريدون العرب عبيدًا مستعبدين، وعالة على الغرب والشرق، وسوقًا رائجة لبضائعهم، يشترون ولا يبيعون لهم، ولا يعتمدون على أنفسهم بالتصنيع والمنافسة.

العالم العربي ابتلي بمحن ونكبات من حربٍ عراقية إيرانية ضروس أكلت الأخضر واليابس، إلى احتلال الكويت، إلى احتلال العراق، إلى الدفاع المستميت عن نظام متخلف في سوريا يذبح شعبه، ومحكمة الجنايات ومنظمات حقوق الإنسان تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها بشيء، ولكن إذا عُرف السبب بطل العجب. فتلك المحكمة وتلك المنظمات الحقوقية ما هي في حقيقة الأمر إلا أجهزة تنفيذية لمصالح الغرب وبعض دول الشرق في المنطقة العربية، فكلما كانت تلك الثورات العربية لا تصب في مصلحة الغرب والشرق لا نجد صوتًا لتلك المحكمة وتلك المنظمات الحقوقية، وكلما كانت تلك الثورات العربية تصب في مصلحة الغرب والشرق هبت تلك المحكمة وتلك المنظمات للفزعة واتهام تلك الأنظمة بانتهاك حقوق الإنسان، وأن جرائم تلك الأنظمة ترتقي إلى أن تكون جرائم حرب يجب تقديم مرتكبوها للعدالة!! هذا هو الغرب وهذه هي بعض دول الشرق الذين لديهم الكيل بمكيالين وازدواجية في المعايير في التعامل مع قضايا العالم، ولكن يظل الإنسان كآدمي خلقه الله لكي يعمر الكون، له حقوق يجب أن لا تُنتهك لا من قبل الغرب أو الشرق. ففي الغرب يحترمون رعاياهم من خلال ما يُسمَّى بحرية الاختيار (Freedom Of Choice) ، وحرية التعبير (Freedom Of Expression)، وحرية الكلام (Freedom Of Speech)، أما في العالم العربي فإنهم يتعاملون معك على أنك مُسيّر ولست مُخيّرًا.

=================

الأسد وتسوية الأزمة.. هل يكون الخطاب الأخير؟

د. زهير فهد الحارثي

الرياض

8-1-2013

    توقع الكثيرون ان يخرج الاسد في خطابه بالأمس برؤية لإيجاد حل للازمة في بلاده، غير انه أحبط الكثيرين بل تلقاها شعبه بكل سخرية وتهكم، ففي الوقت الذي قتل فيه 60 الف شخص من شعبه لا يزال يؤكد ان الصراع الدائر هو بين الدولة وعصابات مسلحة

خرج علينا بشار الاسد بعد سبعة أشهر من آخر خطاب له، ليُعيد المشهد الى المربع الاول بلغة لم تخل من المكابرة والغطرسة وجنون العظمة. ألم يطلق على الربيع العربي بأنه فقاعة صابون؟!. تحدث بثقة زائفة كما لو كان لا يعلم ما يحدث في بلاده، وأمعن في اسلوبه الى حد وصفه للأحداث الجارية بأنها ليست صراعا بين حكم ومعارضة، بل هي "صراع بين الوطن وأعدائه، بين الشعب والقتلة".

ومع ذلك فقيامه بطرح مبادرة تعني انه فعلا بات يشعر بخطورة التحركات الاقليمية والدولية وجديتها، فضلا عن نجاحات الجيش الحر الذي صار يحقق تقدما ملموسا على الارض. فهل كان الاسد بذلك الطرح يريد قطع الطريق على الجميع بشأن حل الازمة لاسيما وهو يوقن بأن ثمة تقاربا في الرؤية ما بين واشنطن وروسيا؟

لقد شهدت الايام القليلة الماضية تحركات دبلوماسية بين اطراف عدة بشان الازمة السورية، فهناك حديث عن تفاهمات اميركية - روسية، فضلا عن المواقف العربية بشان تأييد الحل السياسي وضرورة خروج بشار وفقا لمطالب الشعب السوري. ولذا يبدو ان هناك حلحلة للقضية بدليل ان ترتيبات تم التنسيق بشأنها من اجل ايجاد تسوية ما يمكن تبنيها دوليا في اللقاء المرتقب ما بين اوباما وبوتين.

غير ان ردود الفعل من المعارضة والمجتمع الدولي كانت سريعة وصريحة وهي مطالبة الاسد بالتنحي، وان مبادرته ما هي سوى ذر الرماد في العيون وأنها لم تأت بجديد سوى محاولة الايهام بأن النظام لازال موجودا وقويا مع ان المعطيات على الارض تشير الى عكس ذلك.

على أي حال، المراقب لكيفية تعاطي النظام السوري مع الأحداث الراهنة، يلحظ انه ونتيجة للضغوط الخارجية لا يفتأ أن يعلن عن استعداده للشروع في الإصلاح والحوار، فيبدأ في المماطلة والتسويف لتكتشف لاحقا أن المبادرات ما هي إلا كذبة يسوقها النظام. ثم انه عندما يدعو للحوار فهل يا ترى يستقيم هذا مع لغة التهديد والوعيد فضلا عن رفضه للخيارات المطروحة من تسويات ومساع وجهود، ناهيك عن وضع إملاءاته وشروطه وكأنه لازال الحاكم في سورية.

غير أن المثير للدهشة وبعد هذه المدة الطويلة من الصراع وارتكاب المجازر، إصرار النظام على الهروب إلى الأمام، وذلك ما يطرحه من لغة إقصائية وفبركات لكي يسوغ ارتكابه للجرائم الجماعية. وفوق هذا كله يأتي بشار بالأمس ليكرر وعوده الجوفاء ، بل ويشدد على ان أي حل سياسي قادم لابد ان يكون طرفاً فيه.

ولعل المضحك المبكي في حديثه تأكيده على دور الممانعة ودعم قضية فلسطين وانه لا تفريط في الجولان. هكذا كلام بات مستهلكاً ولم يعد ينطلي على احد. كانت سورية تتزعم ما يسمى بحلف الممانعة، مع أنها لم تطلق رصاصة واحدة في الجولان خلال اربعة عقود وتاجرت بالقضية الفلسطينية، واتهمت الآخرين بالتبعية للغرب، بل خلقت شرخا في العلاقات ما بين الخليجيين، وأهل الشام، وفتحت أبوابها لطهران، ودعمت حزب الله، واستهدفت لبنان واغتالت الكثير من معارضيها، وشجعت انقلاب غزة ضد الشرعية.

مشكلة النظام السوري انه تجاوز الخطوط الحمراء فيما يتعلق بتعاطيه مع الداخل أو بالتدخل السلبي في أوضاع بلدان أخرى، وما تبقى له سوى إيران كون القاسم المشترك بينهما، هو البحث عن ضمانات لبقائهما، فضلا عن ان مبادرة الاسد لا تختلف عن المبادرة الايرانية ذات الست نقاط التي طرحتها قبل شهر من الآن.

على ان ما طرحه الاسد كان قد سربته بعض وسائل الاعلام حيث جاء خطابه مطابقا لنصِّ رسالة نقلها نائب وزير الخارجية فيصل المقداد من الأسد إلى موسكو، التي زارها الأسبوع الماضي، وعرض فيها على نائب وزير الخارجية الروسي موافقة الاسد على التسوية بشرط عدم الاعتراض على ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2014، وهذه النقطة تحديدا ستكون محل خلاف كونها محسومة لدى المعارضة والعرب والمجتمع الدولي.

لم يخل خطاب بشار الاسد من اتهامات وتهديدات وهي محاولة تكريس أمر واقع، ولعل المثير يكمن في ما طرحه من مطالب وشروط، فهو يضرب الشرعية الدولية عرض الحائط وانه لا يخضع للضغوط مع ان الجميع على قناعة بأنه لولا الضوء الاخضر الروسي والصيني والدعم الايراني لما أزبد وأرعد مهدداً بحرق الأخضر واليابس.

توقع الكثيرون ان يخرج الاسد في خطابه بالأمس برؤية لإيجاد حل للازمة في بلاده، غير انه أحبط الكثيرين بل تلقاها شعبه بكل سخرية وتهكم، ففي الوقت الذي قتل فيه 60 الف شخص من شعبه لا يزال يؤكد ان الصراع الدائر هو بين الدولة وعصابات مسلحة، وعقلية سلوك كهذه تصنف بلا ادنى شك بأنها انتحار سياسي على اقل تقدير.

ورغم ان الانتفاضة السورية السلمية جاءت لتلجم الاستبداد، وتعبر عن توقها للكرامة والحرية، إلا ان المثير للشفقة هو مكابرة نظام بشار رغم انه في الرمق الاخير ومع ذلك تبقى مرحلة ما بعد بشار غير واضحة المعالم لاسيما وان المعارضة السورية لم تستطع أن توحد مواقفها ورؤيتها ولا زالت المصالح الفئوية تلقي بظلالها على المشهد.

صفوة القول، لا أحد موقن إلى أين تتجه الأمور، ولكن من استمع لخطابه يخرج بقناعة انه جاء ليجهض مساعي الحل، وليس مبادرة لإنهاء الأزمة ما يدلل أن ساعة الصفر قد اقتربت ولعله خطابه الاخير كون نظامه يعيش النزع الأخير.

=================

مأزق شعب أم مأزق رئيس؟

الطاهر إبراهيم

2013-01-07

القدس العربي

عندما انفجرت ثورات الربيع العربي، ظن الرئيس بشار أسد أنه بمأمن - أو هكذا أراد أن يفهم السوريون- من وصول كرة الثلج المتدحرجة من تونس إلى مصر أنها لن تصل سورية. فشل بشار في قراءة نذر الثورة السورية منذ اليوم الأول لاندلاعها. وعندما بدأ المنشقون في الجيش الحر برفع السلاح حماية للمتظاهرين، أخطأ الحساب وظن أنها فقاعة يستطيع اطفاءها -لأنها قليلة العدد والتسليح- بأجهزته الأمنية التي كانت تشكل جيشا آخر موازيا للجيش النظامي.

كان أمام بشار عدة فرص كي يدرك خطأ حساباته. لكن كيف يفهم من أرعى سمعه لببغاوات مجلس الشعب وهم يصرخون: بالروح بالدم نفديك يا بشار؟ وحين سالت الدماء وسقط القتلى في درعا التي يعتبرها السوريون أقرب إلى النظام من غيرها من المدن السورية فشل بشار في أن يتصرف بحكمة. كان من المناسب تطييب خواطر أهالي أطفال درعا. لكنه ترك الحبل على غاربه لحماقة ابن خالته العقيد 'عاطف نجيب' رئيس الأمن السياسي في درعا. وحين عمت المظاهرات المدن السورية واستعصت على الأمن والشبيحة، أوقع نفسه في الخطأ الاستراتيجي عندما زج بالجيش الوطني ليرعب المتظاهرين. رفض الجنود أن يوجهوا سلاحهم نحو صدور إخوتهم المتظاهرين، فأطلق على الرافضين الرصاص من الخلف.

في هذه الأجواء الملبدة والمحتقنة، كانت سورية تدار بعقلية العصابة يساعده في ذلك مجموعة من أقرباء للرئيس احتكرت القرار، ويا ليته كان قرارا في بناء سورية، بل قرارا في تدميرها، حتى أن الأخضر الإبراهيمي قال في القاهرة بعد عودته من روسيا: 'سورية أمام حل سياسي أو الجحيم'. فما هو هذا الجحيم الذي يحذر منه الإبراهيمي؟ باختصار نقول:

ليس عن جدارة وصل بشار أسد إلى سدة الحكم في سورية بل لأنه ابن حافظ أسد الحاكم القوي الذي لم يدخر وسعا ليترك لورثته من بعده ملكا لا ينازعهم فيه أحد. وفي سبيل ذلك اقترف من الموبقات ما لم يفعله حاكم من الحكام الجبابرة في القرن العشرين، ومدينة حماة خير شاهد على مانقول. قد نتفق وقد نختلف من هو الأكثر توحشا من الآخر؟ حافظ أسد الذي دمر نصف حماة وقتل أكثر من 25.000 حموي في عام 1982؟ أم وريثه بشار أسد الذي دمر أكثر من 300 ألف مبنى وقتل حتى الآن أكثر من 60000 سوري؟ لكننا إذا سوينا بينهما في التوحش، فقطعا لن نختلف في أن بشار أسد ليس لديه القدرة على الانحناء أمام العواصف السياسية العاتية، كما كان يفعل أبوه. ففي عام 1980 أفزع حافظ أسد المظاهرة المليونية تجتاح حلب في آذار عام 1980، فدار حافظ أسد حول نفسه مايقرب من180 درجة ليخرج خطيبا في لقاء للشباب، على ما ذكر 'باتريك سيل' في كتابه 'الصراع على الشرق الأوسط' قال: (إن الإخوان المسلمين في سورية ليسوا كلهم مع القتلة، ولا خلاف لنا معهم إطلاقا بل نحن نشجعهم، ولهؤلاء الحق، بل وعليهم واجب أن يقترحوا علينا وأن يطالبونا بكل ما من شأنه خدمة الدين ورفع شأن الدين).

وطبعا انقلب حافظ أسد بعد ذلك على نفسه وأقام سوق المجازر في سورية للإخوان المسلمين حين أصدر القانون 49 الذي يحكم بإعدام كل منتم للإخوان المسلمين. وطبعا كانت الظروف الدولية مواتية للسكوت على المجازر لأن حافظ أسد كان يخدم كل الدول الاستعمارية التي يهمها قمع الشعوب.

بالإضافة لمقدرته على الانحناء أمام العواصف والاستفادة من الظروف الدولية، فقد تمتع حافظ أسد بالمقدرة على قيادة ضباطه الذين قادوا المعركة مع الشعب السوري. كما ضبط تطلعاتهم إلى الحكم مثلما فعل مع شقيقه 'رفعت أسد، الذي استغل مرض حافظ أسد عام 1984 ليجعل من نفسه وريثا له قبل أن يموت، فنفاه خارج سورية بعد أن شفي من مرضه.

إضافة إلى فقدان بشار أسد صفات والده في سياسته الداخلية والدولية، فقد اكسب نفسه عداوات دول عربية لطالما مدت يدها لسورية في الأزمات. كما تورط بالإساءة إلى زعامات عربية، وتحالف مع إيران وحزب الله اللذين لا يحظيان بتعاطف الشارع العربي، كما تجاوز كثيرا من الخطوط الحمر. وهذا أفقده تعاطف الدول التي كانت تقف إلى جانب والده.

وعندما تفجر الشارع العربي بربيعه الذي ما يزال يزهر ورودا، وقع بالخطأ الفظيع عندما ظن أن الشعب السوري الذي روضه أبوه بالقتل والاعتقال والتشريد، سوف لن يجرؤ على الثورة على حكمه الفاسد الجائر، وكان ذلك خطيئته الكبرى.

رفض بشار أسد عندما بدأت ثورة آذار 2011 الوصول مع الشعب إلى الحلول الوسط، 'بحيث لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم'. وعندما أدرك أن عليه أن يرجع وأن يتراجع بعد أن سقط أكثر من 60000 شهيد، عدا عمن لم تستطع الأمم المتحدة إحصاءه، كان الشعب السوري قد شب عن الطوق، ولم يعد يقبل إلا بحريته الكاملة وبالدولة الديمقراطية على كامل التراب السوري. وأن يرحل بشار عن سوريا طوعا أو كرها. فعل يدرك ذلك بشار أسد قبل فوات الأوان؟.

=================

على الرغم من المشهد المسرحي والعبارات الطنانة فايام الاسد اصبحت معدودة ونهاية الحرب مسألة اشهر

ابراهيم درويش

2013-01-07

القدس العربي 

لندن ـ 'القدس العربي' لم تقبل المعارضة ولا الداعمون الدوليون لها بمبادرة الرئيس السوري بشار الاسد الاخيرة، حيث قالت هذه الاطراف ان الاسد لم يقدم اية تنازلات في خطابه يوم الاحد، وهو الاول منذ سبعة اشهر.

فقد انهى الاسد في خطابه، كل الامال بنهاية قريبة للازمة السورية عندما دعا الامة للحشد للدفاع عن الوطن ضد مؤامرة خارجية، تقوم بتنفيذها عناصر سورية متآمرة ومسيرة من الغرب وبعض الدول العربية.

ولاحظت التعليقات الصحافية البريطانية والامريكية ان اختيار الاسد دار الاوبرا، التي افتتحت قبل تسعة اعوام في قلب العاصمة، كان اشارة رمزية الى ان الاسد لا يريد الهروب، من البلاد، حيث تحدث امام جمع من مؤيديه تم اختياره بعناية، ظل يصفق له طوال الخطاب.

ومع رفض المعارضة له باعتباره 'مضيعة للوقت' ولم يقدم شيئا جديدا، فالرد من بعض الدول الداعمة للمعارضة وصفته بالقريب للنفاق، كما جاء في تغريدة لوزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، او انه خطاب رئيس معزول عن الواقع كما ورد في تصريحات الخارجية الامريكية. وهناك اعتراف بان الخطاب لم يقدم اي اطار لانهاء الازمة، حيث قالت صحيفة 'التايمز' البريطانية ان سورية هي جرح الربيع المفتوح وان الاسد في خطابه اراد ان يبقيه ينزف لمدة اطول.

لم يقدم جديدا

وقالت ان الاسد لم يقل شيئا لم يقله في الماضي. ووصفت الاصلاح المحدود الذي قدمه بانه 'سخرية' من السوريين، فهو الذي كان نوعا من الخيال في بداية الانتفاضة، الا انه بات مستحيلا الآن. واشارت الى ان سورية ظلت قوة خبيثة في المنطقة ولكنها كانت مستقرة، ومنذ الازمة تعيش شبه حرب اهلية ولن يمنع من تحولها الى حرب حقيقية الا في حالة نظمت المعارضة نفسها. واشارت الافتتاحية الى المأساة الانسانية واستمرار لجوء السوريين الى الدول الجارة. ولم تنس الصحيفة الحديث عن الخطر الكيماوي، حيث قد يستخدم النظام الاسلحة او المعارضة. وحذرت من الاثار الخطيرة التي تتركها الحرب على المنطقة خاصة المتعلقة بتطور ونمو الشرق الاوسط.

الخطر الجهادي

وفي اطار المعارضة قالت ان الائتلاف الوطني الذي تم تشكيله بدعم غربي كان تطورا مهما، الا ان مدى التأييد الذي يتمتع به ليس واضحا. وترى الصحيفة ان ما بدأ كانتفاضة سلمية تطور الى حرب حتى الموت بين النظام والجماعات الجهادية. وفي الوقت الذي عمل الغرب بجهد للتفريق بين الجماعات المعتدلة وتلك المتشددة، الا انه كلما طال امد الحرب اصبح الصراع في سورية اقل جاذبية - اي تحول الى عنف قاس، مما يثير الخوف، ففي وضع حرب قاسية القوى المفضلة هي تلك التي تؤمن بخيار الحرب.

وتقول ان نبرة التحدي التي ابداها الاسد تقترح ان نظامه لا يقيم توازنه على صخرة ثابتة كما يشك الكثيرون، ولكنه اي النظام لن يدوم ابدا، وحتى لو نجا من الازمة فلن يكون قادرا على ادارة البلاد، لان ثلثي البلاد واقع تحت سيطرة المقاتلين، فحتى المدن الكبيرة مثل حلب وحمص تقع اجزاء منها في يد المقاتلين، اضافة لضواحي العاصمة.

وفي الوقت الحالي يبدو ان النظام لن يسقط قريبا، لكن مشهد الرئيس المحاصر يجب ان يذكر الغرب بان هذه الحرب لم يبق امامها سوى اشهر حتى تنتهي. وقالت انه كان من الظاهر ان نهاية الازمة سيكون عبر صفقة برعاية روسية تجبر الاسد على الرحيل طوعا، لكن لا توجد مثل هذه الصفقة على الطاولة الآن، وبعيدا عن تسليح القوى الحذرة فهناك القليل الذي يمكن للغرب عمله لاخراج الاسد من السلطة. وهناك الكثير الذي يمكنه عمله وهو المساعدة في الكارثة الانسانية من خلال دعم المجتمع الدولي اقامة ممرات آمنة، فمع ان تقرير من سيحكم سورية وتسريع نهاية الاسد ليست في يد الغرب الا ان دورا انسانيا للغرب يعتبر واجبا اخلاقيا.

المأساة ستنتهي

وترى صحيفة 'ديلي تلغراف' ايضا ان نهاية الاسد قريبة، فعلى الرغم من كل الكلام الرنان والتظاهر بالقوة فالمعركة تحولت ضده وايامه باتت معدودة. ووصفت الصحيفة المشهد في دمشق يوم الاحد والمعد بشكل مدروس، المكان: دار الاوبرا والحضور الذي يهتف باسمه والعلم السوري الذي يحمل صور الجنود الذين ماتوا في الانتفاضة، ثم الحضور الذي تجمع حوله بعد نهاية الخطاب وبعد ذلك ما جاء في الخطاب من رسالة مملة عن الدعوة للحوار ورفض للمعارضة بانها 'عصابات مجرمين'.

وتقول الصحيفة في هذا السياق انه وبعد 22 شهرا و60 الفا من القتلى حسب احصائيات الامم المتحدة، فان مجرد وجود الاسد يجعل الحوار مستحيلا.

وتضيف ان الاسد لن يتم نزعه من السلطة الا بالقوة مثلما حدث لحزب البعث وصدام حسين في العراق. وعليه فالادلة تشير الى ان الاسد يخسر المعركة، اي خسارته للاراضي وعدم قدرته على اخراج المقاتلين من حلب، وضواحي دمشق، اضافة الى الاقتصاد المنهار الذي يمنع سقوطه الدعم القادم من ايران والعراق والجماعات المؤيدة للنظام في لبنان.

وتعتقد ان تشكيل الائتلاف الوطني يعطي الدول الغربية قناة ترسل من خلالها الاسلحة القاتلة للمعارضة، حيث يكون بمقدورها انهاء حرب الاستنزاف في سورية، مما يعني ان عام 2013 سيكون عام انهاء الجمود على ساحة المعركة. وتدعو الصحيفة داعمي المقاتلين الذين رفضوا التدخل الغربي حسب قولها العمل مع الائتلاف الوطني والجيش الحر للحد من اثر الجماعات الجهادية والحفاظ على وحدة البلاد المهددة بالحرب الطائفية والطموحات الكردية لبناء دولة، مذكرة ان العراق قدم للعالم تحذيرا عما سيحدث بعد الاطاحة بالديكتاتورية، وكل هذا لا يعني ان ايام الاسد كرئيس لم تعد معدودة.

يذكرنا بصرخات القذافي

وفي قراءة اخرى لريتشارد سبنسر في نفس الصحيفة قال فيها ان دعوة الاسد الشعب للسلاح تذكر بالمحاولات الاخيرة واليائسة للعقيد معمر القذافي، مع ان الاسد لا يشبه الاخير، فهو متعلم ولين ومتعقل وليس لديه تلك النزعة نحو التصرفات العجيبة. فالقذافي في تصرفاته اعطى دائما صورة انه يفضل القتال حتى الموت وبطريقة ميلودرامية بدلا من مواجهة الحقيقة المرة والتنازل او الاستسلام. ولكن هناك بعض المظاهر في خطاب الاسد تجعله منزوعا من الواقع عندما قدم نفسه على انه ممسك بالامور. والواقع يقول غير ذلك ومن هنا فحديثه عن خطوات للحل لا معنى لها لان المقاتلين لا يهربون من المعركة، كما انهم لا يسلمون اسلحتهم. ويضيف الكاتب ان الاسد وان ظل عصيا على التكهنات حول قرب نهايته الا ان ما قدمه في خطابه لا يعطي صورة زعيم يقترب من الانتصار. ويتساءل الكاتب عن السبب الذي يدعو المعارضة لقبول خطة الاسد الاخيرة او التفاوض معه وهم يعرفون انه سيرحل، فالاسد يتحدث عن تقوية الدفاعات الوطنية وهو يعرف انها في حالة من التفكك.

الجيش هو المقصود

وقرأ روبرت فيسك في 'الاندبندنت' في خطاب الاسد انه رسالة لم تكن موجهة للشعب بقدر ما كان 'يعظ' للجيش وعن الجيش، حيث اراد ان يقدم رسالة واضحة من ان الجيش هو حجر اساس السلطة. وقال فيسك ان 'الاسد في الحقيقة كان يتحدث للجنود ولاشباح الـ12 الفا القتلى منهم، فقد لونت مئات من وجوه الجنود 'الشهداء' العلم الكبير الذي رفع على مسرح الاوبرا'، مشيرا الى ان المنظر ربما كان شنيعا ومسرحيا، واخذ اياما من اجل وضع الصور على العلم. ولكن الرسالة كانت واضحة في كل ما قاله الاسد وهو ان الجيش عماد الوطن، حيث حيى الجنود ومدح تضحياتهم وشجاعتهم، ولم يشر لحزب البعث في الخطاب، حيث ظلت وجوه الجنود القتلى تحدق فينا طوال الساعة التي القى فيها الاسد خطابه.وقارن فيسك بين الاسد وهتلر، مشيرا الى ان من يكرهون الرئيس سيقولون ان اهم خطابات القاها الزعيم النازي هتلر كانت في اوبرا 'كرول' في برلين، وكذا اهم خطاب للاسد جاء من دار اوبرا دمشق. ولكن الكاتب يقول ان كل الخطابات هي عروض مسرحية والمقارنة تنتهي هنا. ويشير الكاتب الى ان هتلر كان في خطابه في كرول يعلن الحرب على الولايات المتحدة، فيما كان الاسد يواصل حربه على الجماعات 'الارهابية'.

وقال فيسك ان خطاب الاسد وان بدا مملا لمعارضيه الا انه احتوى على عدد من الاشارات الملغزة، منها المعركة التي دارت بين الاتحاد الديمقراطي الكردي، والجيش السوري الحر في بلدة راس العين- محافظة الحسكة، حيث شعر الاكراد بالتهميش والاهانة. ومن هنا كان الاسد يزجي بالثناء على جماعات غير عربية. وتساءل فيسك ان كان الاسد يريد استعادة الاراضي عبر المناشدة الشعبية عوضا عن القوة العسكرية، قائلا ان حديثه عن الحوار والميثاق الوطني سمعناه من قبل. لكن فيسك صدم عندما قال ان ايدولوجية الجهاديين ورغبة داعميهم الغربيين بتدمير سورية تعني انه لا يوجد هناك شريك يحاوره، حيث تذكر فيسك قول بنيامين نتنياهو عن حماس.

ويختم بالقول ان الاسد كان يتحدث الى الجيش والجنود وليس الحزب او العائلة، وفي النهاية فانه لم يخرج بعد من الحلبة ولا جيشه مما يعني ويا للاسف ان الحرب مستمرة.

لعبة الارقام

وفي مقال اخر عن ارقام القتلى السوريين في الحرب، حيث لاحظ كيف قفز عدد القتلى السوريين وخلال اسبوع الى 15 الفا على الرقم الذي تبناه الاعلام العالمي والذي قدره 'المرصد السوري لحقوق الانسان' وهو 45 الفا. فالامم المتحدة وضعت الرقم الجديد بحوالي 60 الف قتيل. ويقول فيسك ان لا احد ينكر المجزرة في سورية لكن تقدير الارقام في ظل حرب اهلية يظل لعبة خطيرة. فالقوائم التي يعدها الطرف الشرير والاخيار عادة ما تكذب ولا تقول الحقيقة، حيث حذر فيسك اقسام الاخبار في الصحف قائلا ان التاريخ يعلمنا ان المسؤول عن القتل هم 'الاشرار'، وان المدنيين الذين يحملون السلاح عادة ما ينتهون في قوائم الضحايا المدنيين. فالحرب تتنتج قواعدها الاحصائية لكل من طرفي الصراع.

ويتساءل قائلا كم هو عدد القتلى في طرف الحكومة من الجنود، واعضاء الميليشيات والمدنيين المؤيدين للنظام، فوكالة 'سانا' قالت مرة ان عدد الجنود القتلى وصل الفين، فيما سمع العام الماضي من ضباط ان العدد وصل ستة الاف. ويشك الكاتب ان الرقم اعلى وربما وصل الى 10 الاف، مما يدعو للتساؤل ان كان قتلى الجيش السوري يشكلون سدس ارقام الامم المتحدة الاخيرة، وان كان هذا صحيحا فكم هو عدد القتلى من المدنيين المؤيدين للاسد الذين يجب اضافتهم لهذه الارقام، خاصة ان المئات من القتلى في الفترة الاخيرة هم من المسيحيين. ويقول ان واحدا من الاسباب التي تقود المرصد السوري ـ المؤيد للمعارضة للاعتقاد ان مكتب حقوق الانسان ضخم العدد ما هو الا محاولة من المكتب لانتقاد مجلس الامن والامم المتحدة الغاطة في نومها، لعل هذا الرقم يفيقها من سباتها. ويضيف الكاتب متسائلا كم هو عدد القتلى من المقاتلين، قائلا ان الرقم المقدم الينا هو 5500 اضافة الى 372 فلسطينيا. ويختم بالقول ان معرفة عدد القتلى امر صعب، كما حدث في العراق، وقد طبقنا عليهم مقولة تومي فرانكس القائد العسكري الامريكي 'اننا لا نحصي الجثث'، فالقتل لم يتوقف في العراق حتى بعد خروج الامريكيين ففي عام 2012 قتل 4500 عراقي.

=================

اليوم الذي يلي الاسد

صحف عبرية

2013-01-07

القدس العربي 

تقترب نهاية نظام الاسد في سورية، وذلك حتمي وإن لم يكن التاريخ معلوما. وقد امتنعت اسرائيل الى الآن، وحسنا فعلت، عن أي تدخل في الحرب الأهلية، لكن حان وقت أن تُبين لمن سيحكم سورية بعد سقوط الاسد أي نظام علاقات تريد ان تُنشئه معهم. ورغم ان هوية السلطة الجديدة وطابعها غير معلومين، فانه توجد أهمية لمجرد المبادرة الاسرائيلية. وعلى كل حال فان الهدوء والاستقرار اللذين ميزا حدود سورية مع اسرائيل مدة 35 سنة ما عادا مفهومين من تلقاء أنفسهما، ولم تعد الاتفاقات التي تم التوقيع عليها مع الاسد الأب سارية المفعول، فيجب على اسرائيل ان تصوغ بديلا عنها تقبله سورية ويكون مؤمنا لها هي نفسها.

آمن كثيرون الى ان بدأت الحرب الأهلية بأن الانسحاب من هضبة الجولان واعادتها الى سيادة سورية ثمن من المناسب دفعه عن السلام مع سورية، وقد كان للسلام معها مزايا استراتيجية كان أهمها فصلها عن ايران. وتغير الواقع. فلن يوصي حتى مؤيدون بارزون لـ'الجولان مقابل السلام' بتنازل استراتيجي مهم بهذا القدر لدولة تزعزع استقرارها الداخلي بشدة، ولا يتضح البتة طابعها في المستقبل. وليس من المسؤولية العودة الى الصيغة القديمة في الوضع الجديد الذي توجد فيه قوات سلفية قرب الحدود في الجولان.

ما الذي تستطيع اسرائيل اذا ان تعرضه على سورية بعد الاسد؟ يجب ان يقوم العرض الاسرائيلي على حاجات سورية الأساسية وأولها اعادة إعمار الدولة. وتستطيع اسرائيل ان تعرض عليها اتفاق عدم اعتداء لعشر سنين أو عشرين. ويعفي هذا الاتفاق سورية من الحاجة الى بناء جيش حديث وكبير يكلف تسليحه وصيانته المليارات. إن التزام اسرائيل الصريح ألا تعتدي يُسهل على دمشق ان تؤخر كل نفقة حربية لا داعي اليها. وهو يوجب على سورية ضمنا ان تكف عن خطاب اعادة الجولان بالقوة. ولا يجب ان يكون هذا الشرط شرطا مكتوبا موقعا عليه، لكن يجب ان تلتزم سورية في نطاق الاتفاق الجديد ان تفي بعدة شروط يعفي نقضها اسرائيل من التزاماتها:

منع كل مساعدة لحزب الله في لبنان مباشرة أو غير مباشرة.

إبعاد كل القوى غير النظامية (المنظمات السلفية ومؤيدي القاعدة في الواقع) عن الحدود مع اسرائيل مسافة كبيرة يتم الاتفاق عليها.

الحفاظ بالفعل على اتفاق تقليل عدد القوات في هضبة الجولان.

إبقاء قوة الامم المتحدة في هضبة الجولان وتجديد تفويضها.

الامتناع عن كل شراء أو تطوير آخر لاسلحة الابادة الجماعية. إن اقتراحا كهذا سينقل الى السلطة الجديدة التي ستنشأ في دمشق رسالة ارادة خيِّرة ويضبط انضباطنا، وتستطيع اسرائيل ان تربح فقط من مجرد تقديمه.

أفرايم سنيه

هآرتس ـ 7/1/2013

=================

صفعة الأسد للإبراهيمي * عريب الرنتاوي

الدستور

8-1-2013

يربط معظم المراقبين توقيت الخطاب الخامس للرئيس السوري بشار الأسد، باجتماع جنيف المقبل، بين الإبراهيمي وكل من وليام بيرنز وميخائيل بوغدانوف، وهو الاجتماع الذي كان يُعتقد بأنه سينتهي إلى “بلورة” التفاهمات الأمريكية- الروسية أو ما يُعرف اصطلاحاً بـ”جنيف 2”..ويميل معظم المراقبين للقول بأن الخطاب هدف إلى قطع الطريق على اتفاق كهذا، بعد أن شدد الأسد بصورة لا تبقي مجالاً للتأويل، على بقائه في السلطة ليس حتى العام 2014 بل ولولاية ثالثة كذلك، ومهما كان الثمن.

يقوم التفاهم الأمريكي- الروسي الذي يعمل الإبراهيمي على تظهيره، على فكرة جوهرية واحدة: حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، تشرف على مرحلة الانتقال السياسي لسوريا..أما الخلاف فيتعلق بموقع الأسد ومصيره الشخصي وصلاحياته الرئاسية، وما إذا كان يتعين النظر إليه كطرفٍ في “الانتقال” أم مقدمةً وشرطاً مسبقاً له..وكان الرهان معقوداً على تخطي مشكلة “التنحي” بالتوافق على حكومة كاملة الصلاحيات، فتبقى الرئاسة شكلية حتى العام 2014، على ألا يترشح الأسد لولاية جديدة.

جاء الأسد ليقول أن لديه طريقاً آخر..لا مكان فيه للتنحي أو لتفويض الصلاحيات، ولا “مطرح” فيها لتعهدات بعدم خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة..وهو في عرضه لملامح “خطته السياسية”، وضع الحكومة في مكانة متدنية ومتأخرة في عملية الانتقال..فالحكومة القائمة حالياً، حكومة الأسد، هي التي ستبدأ مشوار “الانتقال”، أما الحكومة المقبلة، الموسعة كما وصفها، فوظيفتها ترجمة نتائج الحوار الوطني الذي ستشرف حكومة الرئيس على إدارته وضبط نتائجه ورسم سقوفه وتقرير من سيشارك فيه ومن سيحظر عليه المشاركة.

بهذا المعنى، يبدو أن الأخضر الإبراهيمي قد تلقى بخطاب الأسد، صفعة قوية..ومهمته اليوم لم تعد تنحصر في إعادة ترتيب مراحل الحل كما رسمها الأسد، بل في العودة إلى “المربع الأول” من جديد: إقناع النظام بأنه جزء من المشكلة، وإن لم يكن المشكلة كلها، وأنه لكي يكون جزءا من الحل، عليه أن يعترف بالمعارضة أولاً، وبأنها جزء من المشكلة (وليس المشكلة كلها كذلك) ثانياً، وترويضه للقبول بالمعارضة كجزء من الحل ثالثاً.

على الإبراهيمي أن يجهد في إقناع الأسد (المنفصل على ما يبدو عن الواقع كما يقول كثيرون)، بأنه ليس في موقع المنتصر، ليملي شروطه على الجميع، داخل سوريا وخارجها..صحيح أنه لم يُهزم بعد، وأن الحرب ما زالت طويلة ومفتوحة النهايات..لكنه ليس في وضع يقرر فيه متى يبدأ الحل السياسي وكيف وبمن، وأن زمن الاملاءات قد ولّى، وأن طريق سوريا للخروج من مأزقها يبدأ فقط مع بدء تحقق “التوافق الوطني” وبين مختلف المكونات والتيارات، باستثناء من تورط بالدم السوري من الرأس حتى أخمص القدمين، وهذا ينطبق على النظام وعلى المعارضة على حد سواء.

ليس لدى الإبراهيمي العصا السحرية التي سيرميها على بلاط قصر المهاجرين، لتصبح أفعى..ورهان الرجل معقودٌ اليوم على ما يمكن أن تأتي به محادثاته مع بيرنز وبوغدانوف..موسكو بيدها أن تثني ذراع الرئيس، وواشنطن برهنت أنها قادرة على استتباع المواقف الخليجية والتركية وإعادة صياغتها من جديد (هل تذكرون تجربة المجلس الوطني والائتلاف الجديد)..لكن الأمر المؤسف أن شروط بناء التوافق الأمريكي الروسي لم تنضج بعد، والأرجح أن اجتماع جنيف القادم، لن يحقق مأربه هذا.

خطاب الأسد، وردود الفعل الدولية الغاضبة عليه، برهنا من جديد أن شروط الصفقة الكبرى في سوريا وحولها، لم تكتمل بعد، والأرجح أننا سنكون أمام موجة جديدة وضارية من المواجهات الدامية في مختلف الأرجاء السورية، وبالأخص في دمشق وحولها..فالذي دفع الأسد للاعتراف بوجود الأزمة وانفلات الأمن ودخول بلاده في “حالة حرب”..والذي دفعه للبوح بأن كل ما زعمته سلطات بلاده من تقدم على دروب الإصلاح، ليس إصلاحاً مقنعاً لأحد، بدليل حديثه عن “ميثاق وطني” و”دستور جديد” وقوانين انتخاب وأحزاب جديدة، يؤكد بالملوس أن كل ما تقدم، لم يكن سوى جرعة تخديرية زائفة، لم تقنع أصحابها، فما بالك بمعارضيهم...الذي دفعه لكل هذا وذاك، هو التبدل الكبير في موازين القوى على الأرض بين النظام والمعارضات.

الأسد يراهن على صمود نظامه، ويبني على بعض المؤشرات التي تشف عن ضيق المجتمع الدولي باستمرار الأزمة السورية، وعجزه عن توفير الحل..فيما بعض المراكز الإقليمية والدولية، تراهن على تراخي معنويات الأسد، وتراجع قبضة نظامه، وحالة الانهاك التي تعيشها قواته، لتسجيل اختراق على خطوط القتال حول العاصمة.

يبدو أن معظم الأطراف باتت مقتنعة بتعذر الحسم، وتبحث عن تحسين شروط التسوية على الأرض، قبل الانتقال إلى غرف الدبلوماسية وموائدها..وسيتعين على السوريين دفن المزيد من أبنائهم وبناتهم في الطريق إلى “الصفقة الكبرى”.

التاريخ : 08-01-2013

=================

لماذا الحاجة ملحة إلى تشكيل حكومة انتقالية؟

رضوان زيادة *

الثلاثاء ٨ يناير ٢٠١٣

الحياة

تحول نظام الأسد وبخاصة مع بدء الثورة السورية في آذار (مارس) 2011 وتدريجياً إلى ميليشيا هائلة القوة تخوض قتالاً يائساً ضد الشعب السوري مبددة إمكانياته المادية والبشرية وثرواته، والأخطر من ذلك نسيجه الاجتماعي، عبر دفعه إلى اقتتال طائفي وأهلي بغيض. فالثورة السلمية جوبهت برصاص حي حصد أرواح خيرة شباب سورية وزينتها من غياث مطر إلى تامر الشرعي وحمزة الخطيب. واستهداف المشافي أظهر وحوشاً تمتلئ بالحقد تفرغه بكل أنواع الممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية. مقابل ذلك نجد الشعب السوري صامداً على مدى عامين تقريباً ليس ليحافظ فقط على مقاومته وصموده، وإنما والأهم على تماسكه.

إن سورية اليوم في منتصف المرحلة الانتقالية، فأقسام كبيرة من أراضيها محررة لا يستطيع نظام الأسد الاقتراب منها، فقد تحول من رئيس لسورية إلى محافظ لدمشق وبعض ضواحيها، لا يستطيع الخروج إلى أبعد من قصره قبل أن تسبقه مليشياته وعصابته، وخسارة الأسد لمعظم المعابر الحدودية مع تركيا والعراق تعني بالمعنى السياسي فقدان نظامه القدرة على بسط سيادته على المناطق الجغرافية ذات الأهمية الإستراتيجية. بكل تأكيد يستطيع الأسد أن يقصفها ويحرقها لكنه لا يستطيع بكل بساطة أن يستعيدها، لكن هذه المناطق المحررة في نفس الوقت وفي معظمها لا صلة جغرافية بينها وسهولة استهدافها جواً تمنعها من إعلان ذاتها مناطق آمنة، وإدارتها في ظل غياب سلطة مركزية تديرها تزداد صعوبة وتعقيداً، وكلما طال بقاء الأسد في قصره كانت المرحلة الانتقالية أكثر ألماً.

وهنا تأتي أهمية مشاركة السوريين جميعاً في التوافق على إدارة المرحلة الانتقالية، منعاً من دخول الفوضى ولضمان الانتقال بشكل آمن.

ومع سقوط المعابر الحدودية الرئيسية بين تركيا وسورية وبخاصة معبر باب الهوى والسلامة وجرابلس ثم تل أبيض يكون قد سقط الكثير من نظام الأسد، فسقوط المعابر يعني فقدانه حق ادعاء السيادة وهذا يمنح «الجيش الحر» ميزة مهمة وهي أن طرق الإمداد أصبحت مفتوحة تماماً، وتستطيع المعارضة الآن وبكل سهولة العودة إلى المناطق المحررة من دون أن يكون الأسد قادراً على تهديدها أو الإجهاز عليها.

هناك الكثير من القوى السياسية المعارضة ما زالت ترفض تشكيل حكومة موقتة بحجة أن الشروط الموضوعية لذلك لم تنضج، لكني أرى أن العكس هو الصحيح تماماً، فهذه الشروط الموضوعية لن تتحقق أبداً، إذ من المفروض على الحكومة الانتقالية أو حكومة المنفى أن تحققها.

هدف الحكومة الانتقالية تحقيق الأهداف التالية:

- أولاً: بسط سلطة مركزية على المناطق المحررة لمنع الفوضى ومساعدة المناطق المحررة على إدارة شؤونها فلا المجلس الوطني ولا الائتلاف قادران على بناء هذه السلطة المركزية، وكلما تأخرت أصبح بسط السلطة المركزية أكثر صعوبة.

- ثانياً: على المستوى القانوني عبر نزع الشرعية من نظام الأسد من خلال تسلم السفارات التي لا تسلم إلى كيانات سياسية وإنما إلى حكومات تمثيلية وأخذ مواقع نظام الأسد في المنظمات الدولية.

- ثالثاً: بتشكيل الحكومة التي يجب أن تحصل على الاعتراف الدولي فإنها ستصادق على اتفاق روما الأساسي وبالتالي تصبح الأمور مفتوحة لإحالة النظام المجرم إلى محكمة الجنايات الدولية.

- رابعاً: بتشكيل الحكومة وعلى المستوى الإداري نتجاوز الخلافات العميقة في المجلس الوطني والائتلاف على المناصب والمواقع، فلا تناقش أي أمور لها علاقة بالثورة السورية مثل التسليح أو الدعم الإغاثي، وبالتالي مع تشكيل الحكومة تصبح الأمور الإدارية أكثر وضوحاً والتعامل مع المجتمع الدولي أسهل.

خامساً وأخيراً: هو سؤال من سيخلف الأسد؟ من سيدير المرحلة الانتقالية بعد سقوطه؟ المجلس الوطني لن يستطيع أن يقوم بذلك، ولا الائتلاف بخلافاته الكثيرة قادر على القيام بذلك، لذا لا بد من حكومة انتقالية قادرة على ضبط الأمور بشكل موقت إلى حين إجراء الانتخابات.

إن الأولوية السياسية اليوم للمعارضة هي تشكيل حكومة انتقالية أو حكومة في المنفى، والمعنى القانوني يختلف بين الاثنين، وذلك لن يتم سوى عبر مؤتمر وطني يعقد داخل الأراضي السورية حيث يمكن ذلك، وتكون للمجالس المحلية والثورة والتنسيقيات والجيش الحر والكتائب المقاتلة النسبة الأكبر فيه.

 

=================

سوريّة الشجرة والغابة

حازم صاغيّة

الثلاثاء ٨ يناير ٢٠١٣

الحياة

ضجّ الخطاب الأخير لبشّار الأسد بالعجرفة والإنكار، فاضحاً بنفسه أنّ «الإصلاحات» السابقة لم تكن جدّيّة، بدلالة تكرار الوعد بها. غير أنّه، إلى ذلك، وأهمّ من ذلك، حمل معنيين: الأوّل، إيذان بتصعيد عسكريّ وأمنيّ مؤكّد يرافقه قطع الطريق تماماً على أيّة مبادرة سياسيّة، حتّى لو كانت مجرّد كلام بكلام. والثاني، تركيز على التكفيريّين والسلفيّين أريد منه مخاطبة الغرب والولايات المتّحدة، وذاك لمعرفة الأسد أنّ التدخّل الخارجيّ هو وحده ما يحسم الصراع الذي مضى عليه عامان في سوريّة.

وإذا صحّت المعلومات القائلة إنّ التقدّم الجزئيّ الذي أحرزته القوّات النظاميّة في الأسابيع القليلة الماضية ناجم عن تناقص الذخيرة والإمدادات لدى المعارضين، مقابل أسلحة وإمدادات روسيّة وإيرانيّة جديدة حصل عليها النظام، جاز للأسد أن يستنتج ما استنتجه وأن يبني عليه ما بناه.

فهو، كتلميذ نجيب لمدرسة «الأوراق» التي تحتقر الشعوب ومبادراتها، يذهب إلى النبع وينظر إلى الغابة بدل الشجرة. صحيح أنّ التعليقات التي صدرت عن الولايات المتّحدة وبلدان أوروبا الغربيّة تقطع بأنّ الرئيس السوريّ لم ينجح في مخاطبة الذين أراد أن يخاطبهم. بيد أنّ هذا لا يكفي بتاتاً ما لم يقترن بسلوك أكثر مبادرة وإقداماً تسلكه تلك الدول القادرة وحدها على حسم الصراع المعلّق والمكلف.

وهنا، وأمام المنعطف الكبير والخطير الذي يؤشّر إليه الخطاب التصعيديّ، ولتقصير طريق العنف والموت، يُستحسن بالمعارضة أن تنظر، هي أيضاً، إلى الغابة بدل الشجرة.

وأوّل النظر إلى الغابة طمأنة العالم الديموقراطيّ إلى أنّ سوريّة الجديدة ستكون جزءاً منه. وسوريّة، أقلّه منذ أواسط الخمسينات، لم تكن كذلك. فهي أوّل من انعطف، في العالم العربيّ، نحو التسلّح السوفياتيّ والشرقيّ، وذلك قبل أن يقدم جمال عبدالناصر على «كسر احتكار السلاح». وهي تحدّت كلّ منظومة الدولة – الأمّة في المنطقة بوحدتها، عام 1958، مع مصر. أمّا مع البعث، ومع حافظ الأسد تحديداً، فتحوّلت تلك السياسات الضدّيّة من هواية إلى احتراف، ومن مواقف مبعثرة إلى نهج متماسك.

ذاك أنّ سياسة الأسد في اللاحرب واللاسلم منعت عن منطقة المشرق، لسنوات ترقى إلى 1974، كلّ استقرار سياسيّ على قاعدة السلام الأهليّ ومنظومة الدولة – الأمّة. وكانت لذلك مضاعفات كبرى لم تقتصر، فضلاً عن قمع المجتمع السوريّ وكبته، على شحذ الحرب الأهليّة – الإقليميّة المديدة في لبنان، وتهديد الأمن الأردنيّ من خلال عبوات الموت، وابتزاز الأمن التركيّ عبر دعم «حزب العمّال الكردستانيّ»، والمساهمة النشطة في ترويع العراق عبر إيصال الإرهابيّين، التكفيريّين منهم وغير التكفيريّين، إليه.

ولأنّ سوريّة بلد فائق الأهميّة فأمره لا يقتصر على إسقاط نظام، مع الاحتفاظ بالعدّة التاريخيّة الموروثة بما في ذلك العدّة الإيديولوجيّة لذاك النظام نفسه. فهنا نحن أمام حالة مصغّرة عن التعامل مع بلدان كألمانيا واليابان بعد الحرب العالميّة الثانية بوصفها بلداناً تقودها ظروفها الداخليّة إلى توتير مناطقها الإقليميّة وتوتير العالم تالياً.

وهذه مسؤوليّة فائقة يمليها التاريخ، فضلاً عن السياسة، علماً بأنّ حامل هذه السياسة سيّء الحظّ تعريفاً، لا يُحسد على الخيارات المتروكة له. لكنْ ما العمل إذا كانت هذه هي الخيارات التي تركها لنا تاريخ كهذا، وصارت وحدها الكفيلة بإخراج سوريّة والسوريّين ومنطقة المشرق من حلقة مفرغة إلاّ من الدم؟

فمن أجل أن تكسب المعارضة هذه الجولة التي ربّما كانت أخطر من سابقاتها جميعاً، لا بدّ أن تجد نفسها أمام مطالبات أكثر راديكاليّة، مطالباتٍ لا تقتصر على تصريحات عابرة وحسنة النوايا. وغابة العالم غير شجرة «جبهة النصرة» في آخر المطاف.

=================

التسوية الشبحية بين الترهيب والتهريب

بشير هلال *

الثلاثاء ٨ يناير ٢٠١٣

الحياة

هناك تسوية سياسية شبحية تحوم فوق سورية. فلا يُعرَف حتى بالعناوين العريضة إن كانت تتضمن تنحية الاسد بدءاً او منتصفاً او نهايةً ولا مصير الأجهزة الأمنية أتُعاد هيكلتها ام يُبعد رؤوسها وحسب أم تبقى كما هي في المحتوى وإنما خاضعة لإطار قانوني شكلي جديد، ولا ترسيمة الحكومة الانتقالية للتسوية العتيدة أيكون رئيسها معارضاً من طائفة معينة لطمأنتها الافتراضية أم لا تكون هذه معياراً في اختياره؟ وهل يكون نصف أعضائها او ثلثاها من المعارضة؟ وأية معارضة أتلك المتجمعة في «الائتلاف الوطني» وسلفه «المجلس الوطني» أو يُضاف اليها في حصتها تلك المسماة مثلاً بـ «معارضة الداخل» بما فيها استطراداً جماعة «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير» المنسوبة إلى المعارضة والمقربة من موسكو ومن النظام إلى درجة مشاركة الأخير حكومته الحالية بالسيدين قدري جميل نائب رئيسها وعلي حيدر وزير «المصالحة الوطنية»؟ وهل تكون غالبيتها بالمحصلة النهائية من مريدي النهاية الراديكالية للنظام أم من مؤيدي اعادة نظر جزئية تهجينية؟

كذروة لعبثية التلغيز وشبحيته يقال ويُرَدَّد إعلامياً وديبلوماسياً إن الاطار المفتاحي في التسوية لا يزال «اتفاق جنيف» الأميركي الروسي (30 حزيران / يونيو الأخير) أو نسخة جديدة منه باسم «جنيف 2» يمكن إقرارها في مجلس الأمن تحت الفصل السادس وتكون تجاوزاً لاختلاف تفسيره - وبخاصة حول النقطة المركزية المتمثلة بتنحية رئيس النظام- والذي لم يمنع رغم ذلك المبعوث الابراهيمي المتمتع بتغطية عربية - أممية من اعتماده كمرجعٍ مُعلَن ووحيد لـ «وساطته».

والحال أن بعض كبار دعاة «التسوية» التي أعلن الابراهيمي امتلاك مُقتَرَحٍ بشأنها معروفون بالرغبة بحفظ جوهر النظام ومؤسساته المُوَصّفَة بـ «الدولة». يشمل ذلك «معسكر» طهران الخمينية المتمسكة بـ «واسطة العقد»السورية وموسكو البوتينية المتشبثة بالموقع السوري واستخداماته لاستعادة مواقع سالفة في النظام العالمي وبكين الرأسمالية «الشيوعية» التي تشاركهما كراهية حقوق الانسان وتقديس «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول» واسرائيل التي تشاطرهما ذلك لتحصين اضطهادها المنظم للفلسطينيين ورهاب نهاية نظام تقاسمه جبهة هادئة في لعبة اللاحرب واللاسلم. وهذه القوى هي التي تحتاج بالدرجة الاولى إلى شبحية «التسوية» بمعنى تلغيزها وحجب حقيقة محتواها لتعارضها مع المطالب الأساسية للسوريين الثائرين لإسقاط النظام ومحاولة تهريبها بالضغوط العسكرية والمعيشية الإبادية وبتأجيج ردود الفعل الطائفية واستدراج «الدفاع عن الأقليات».

وثمة قوى في الوسط من هكذا شبحية مثل بعض الأنظمة العربية الانتقالية التي عانت الهيمنة الطويلة للعسكريين كمصر التي تجمع سياستها الخارجية الحالية بين جاذبياتٍ تاريخية تجعلهم يضغطون لبقاء النظام ناقصاً رئيسه وبين حسابات جماعة «الاخوان المسلمين» الطامحة الى دورٍ عربي - إسلامي انطلاقاً من نظرةٍ لم تغادرها الا من طرف لسانها عن الخلافة والأمة.

الوسطية من شبحية «التسوية» تطاول جزئياً واشنطن رأس الغرب المفكِّر والعملاني نظراً لاستراتيجياتها الأوبامية المتجنبة لتورط مباشر في الشرق الاسلامي خصوصاً والتي لا تنطلق فقط من زاوية الفشل الظاهري لأكبر عمليتي تدخلٍ بوشي في افغانستان والعراق ولكن أيضاً من زاوية ترشيد استخدام التفوق الأميركي العسكري في الشروط الجديدة لنسبة وعلاقات القوى العالمية التي تجعل من الصين منافساً استراتيجياً من نوعٍ غير تقليدي كما تعمم مخاطر الحروب غير المتناظرة. وضمن هذا السياق تتردد واشنطن وتدفع اوروبا إلى ترددٍ مشابه في تقديم دعم واسع للمعارضة وخاصة بالسلاح طالما أن «الأزمة السورية» لم تتوسع إلى الجوار أو تطال «مُحرَّم» الأسلحة الكيماوية.

لكن شبحية «التسوية» تستفيد أيضاً من أربع وقائع سورية:

الاولى عدم إقرار قوى النظام ورأسه باستحالة الانتصار على ثورة كسرت حاجز الخوف واضطرت للتعسكُر وأبدت استعداداً غير مسبوق في تقديم التضحيات والإصرار السياسي على اقتلاعه.

الثانية من القوى التي تطلق على نفسها بتسامحٍ إعلامي خارجي اسم «معارضة الداخل» والتي أسهمت موضوعياً بصرف النظرعن النوايا التغييرية لـ «هيئة التنسيق» بتصعيب توحيد المعارضة وتسفيه اضطرار مكونها الشعبي إلى التسلح بوجه خيار الحرب الشاملة عليه ومطلبـها بـإنـهاء النـظام بـدءاً مـن رأسـه كما أسهمت بتقديم الغطاء للتدخل الروسي - الايـرانـي المباشر وللتردد الدولي. إذ تحت شعارات: لا للتدخل والتطييف والعسكرة بدَت هاجيـة لتـطور الحراك الشعبي هجاءً قـطعها عنه وصيَّر نسبـتـها اليه تمثيلاً واعـلاماً وديـبلوماسيـة مجرداً من الواقعية.

الثالثة توغل قوى المعارضة السياسية والعسكرية الجذرية في التجزوء «المؤسسي». إذ تحولت لا مركزية الثورة التي كانت سلاحاً طبيعياً و «عفوياً» فعالاً ضد البربرية السلطانية المركزية للنظام الى أداة لإنتاج مشهد سياسي - عسكري فوضوي ومفتوح لتدخل قوى تكون احياناً نابذة لوحدة العمل الثوري ولاهدافه الاصلية.

الرابعة سعي بعض القوى السلفية والاسلاموية بتعاونٍ مع خارجٍ عربي وإقليمي متشظٍ إلى أسلمة الثورة وصورتها. الأمر الذي يـقدم لها نفعاً احتمالياً خصوصياً لكنه يفيد أيضاً قوى النظام والمدافعين عنه في جهدهم لإنتاج تسوية لا تستحق اسمها.

وبكل هذه المعاني فإن شبحية «التسوية» غدت أداة سلبية خالصة. فهي مُكرَسة للتحريف والتضليل والترغيب والتخويف معاً وتمارس على أطراف الحراك الثوري ومؤيديه النسبيين في الخارج بمقادير متزايدة. ولا عجب في ذلك طالما انها قائمة على غياب اتفاق واضح حول تعريف عناصر الحل السياسي. فتتحول الديبلوماسية عن دورها في الوقت الذي يقوم فيه جنود وثوار حقيقيون على الارض برسم وقائع يعتبرونها بدورهم نهائية ولا تحتاج الى تصديق ديبلوماسي. ما يخلق اختلافات قليلة او كثيرة مع قوى الارض في حين أن هذه الشبحية تعني خلق طلب إضافي على عنف النظام أولاً وزيادة التدخل الايراني - الروسي ثانياً وضغطاً على الغرب لإبطاء دعم الثؤرة السورية ثالثاً.

الإشكال ان الابراهيمي بالتفافيته يقدم غطاء الشرعية الدولية لهذا السياق الشبحي كمثل اقتراحه انتخابات على اساس نظام برلماني التفافاً على»عقدة» تنحي الأسد لإتاحة تحاصصية «لبنانوية» أو «ديموقراطية توافقية» لا تتوافر شروطهما في الوضع السوري فيما يضاعف استخدام الترهيب بوضع السوريين أمام خيار الجحيم أو القبول بتسويته.

ألم يحِن وقت إعادة تحديد مهمته أو «استقالته»؟

=================

سورية وخطر المحاصصة الطائفية!

أكرم البني *

الثلاثاء ٨ يناير ٢٠١٣

الحياة

ليس غريباً أن تسمع اليوم أفكاراً تقول بطائف سوري لوقف الصراع الدامي، تشبهاً بلبنان وكدعوة لتأسيس تشارك في السلطة على أساس المحاصصة الطائفية، أو تقول بأن تشابه النظامين والتركيبتين الاجتماعيتين في سورية والعراق سيقود إلى نتائج متشابهة في إعادة بناء الدولة والسلطة، والتلميح مرة أخرى من قناة التجربة العراقية إلى مبدأ المحاصصة الطائفية.

والحال، فإن هذه الأفكار ما كانت لتأخذ حظها في الحياة لولا وجود بيئة خصبة حافزة، خلقتها صعوبة الحسم والخلاص بسبب ما وصل إليه توازن القوى الداخلي وارتباطاته الاقليمية والعالمية التي يزداد تأثيرها طرداً مع طول أمد الصراع.

وبعبارة أخرى فإن أساليب العنف السلطوي المفرط والتدميري ضد فئات محددة وتحويل الصراع معها إلى صراع وجود، وتالياً محاولات تشويه وطنية الثورة وحصرها في البعد الطائفي، يدفع النسيج البشري المتعايش منذ مئات السنين نحو العداء والتفكك، ويعزز عودة كل مكون اجتماعي إلى اصوله القومية أو الدينية أو الطائفية كي يضمن بعضاً من الحماية والوجود الآمن.

ونسأل، ألا يفضي الإمعان في العنف والتنكيل والتدمير الذي طاول مدناً ومناطق معينة إلى صعوبة التعايش السلمي بين بعض مكونات المجتمع السوري، وإلى ضرب روح التوافق والتسامح والاعتدال؟! وألا يدفع ما حصل، القاعدة الاجتماعية للسلطة، كي تفرض في أية تسوية سياسية، وجود يطمئنها في مؤسسات الدولة، وحصص واضحة في مراكز القرار؟! وأيضاً ألا يؤدي تنامي التطرف ودور تيارات لم تكن موجودة أصلاً في بنية الثورة، كالقوى السلفية الجهادية، وما ترفعه من شعارات عن الدولة الاسلامية، إلى إكراه الأقليات الأخرى كي تتكور أكثر حول نفسها وتتطلع لفرض موقعاً مناسباً لها في الدولة، استناداً إلى التجربتين اللبنانية والعراقية، وقوة تأثيرهما على الصراع السوري بفعل الجوار وجراء امتداد المكونات الطائفية والمذهبية وتماثل ارتباطاتها الخارجية.

وما زاد الطين بلة أن سورية لم تعرف سلطة سعت إلى خلق نسيج اجتماعي يكرس روح المواطنة ويتجاوز الارتباطات المتخلفة قومية كانت أم طائفية أم مذهبية، فهذه الأخيرة بقيت أساس الولاء ومحركاً لأفعال الأفراد وبعض الجماعات، والأنكى أن نظام المحاصصة الطائفية مورس سلطوياً بشكل مستتر في معظم مؤسسات الدولة وطيلة عقود من الزمن، ويعرف الكثيرون أن ثمة توزيعاً للمناصب ولمواقع المسؤولية، وعلى نحو غير معلن رسمياً، بين الادارات والحكومة والجيش وبعض الأجهزة الأمنية، يعطي كل طائفة حصة تتناسب مع تقدير النظام لوزنها أو مدى حاجته اليها، وزاد الأمر تعقيداً سلوك المعارضة السورية التي يبدو أنها لم تخرج من جلباب أساليب السلطة، وبدت محاولاتها مكشوفة حين لجأت بدورها إلى المحاصصة في اختيار الشخصيات القيادية، وبالغت في تقديم أسماء كردية أو علوية او مسيحية أو درزية كجزء من ملاك هيئاتها، لإظهار صورة عن نفسها تقنع الداخل والمجتمع الدولي بأنها، كبديل قادم، تمثل كافة اطياف المجتمع السوري.

التجربة تقول أن المحاصصة الطائفية هي شكل مرضي من أشكال الديموقراطية التوافقية لاحتواء مخاوف مكونات مجتمع تعددي، والواقع يقول إن الأقليات في سورية خائفة فعلاً، ويأتي تخوفها ليس من ماضٍ قمعي تعرضت له، بل مما تشهده بلدان أخرى من سيطرة قوى دينية على السلطة تستقوي بالأكثرية السنية وتسعى لأسلمة الدولة والمجتمع، ما يهدد ثقافة هذه الأقليات وخصوصية عيشها. صحيح أن على الأقليات إدراك أن الاستبداد لا يحمي سوى مصالحه، وأن أفضل طريق لإزالة تخوفاتها هو الانخراط الفاعل في مجرى التغيير والتأثير بنتائجه، لكن صحيح أيضاً أن على قوى الثورة في ظل تعقيدات الوضع الراهن المساهمة في تفكيك هذه التخوفات بتغليب الرؤية الوطنية والممارسات المنسجمة معها والأهم في إنضاج بديل ديموقراطي لا يكتفي بالعنوان العريض بل يخوض في تفاصيل إزالة مخلفات المرحلة الدموية ومقومات بناء الدولة المدنية وطرق إدارتها وفي الأسس الدستورية لضمان المساواة بين المواطنين وحرياتهم وحقوقهم غير المنقوصة.

ثمة من يرى أن نظام المحاصصة الطائفية هو المدخل الأقل سوءاً لوقف الانزلاق نحو حرب أهلية ولتجنب تقسيم البلاد وتفكيكها، أو على الأقل لتغيير المشهد المألوف عن استفراد إحدى الطوائف بالسلطة ومؤسساتها الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وثمة من يعتقد أن هذا الخيار إجباري وكنتاج طبيعي لاستبداد مديد أفرغ البلد من مدنيته وتالياً كمرحلة انتقالية في مجتمع لم ينضج ثقافياً وسياسياً بعد كي يؤسس لدولة المواطنة والمساواة، دون أن يتحسب من أن هذا النظام يقود إلى إباحة التنافس الطائفي الذي بدوره يدفع كل طائفة إلى التماس تحسين موقعها النسبي ضمن النظام ذاته وليس على حسابه، والأسوأ حين تتوسل حلفاء خارجيين أقوياء لتعزيز حضورها ومواقعها، وأنه نظام ينهي تماماً مبدأ المواطنة المنشود حين يتم تعريف كل سوري بطائفته وتفرض عليه كمرجعية سياسية واجتماعية، وحين يتسبب بقيام نظام متعدد الرؤوس أو سلطة هي أشبه بعربة تجرها عدة احصنة في اتجاهات مختلفة، كما وصفها أحد رجال الدين اللبنانيين، تضعف حضور الدولة العمومي وقدرتها على تحقيق وظائفها، من دون أن نغفل أن أحد أهم مخاطر هذا الخيار يكمن في أنه سيفتح الباب أمام صراعات وخصومات حول وزن كل طائفة وأحقية تمثيلها وحصصها في توزيع المناصب وحدود النص على ذلك في الدستور.

والحال أن المحاصصة الطائفية مرفوضة ليس فقط بدلالة عافية مجتمع المواطنة، أو بدلالة خصوصية المجتمع السوري وتاريخ تبلور هويته الجامعة ودولته الوطنية، وإنما أيضاً انطلاقاً من الثقة بإمكانية الحياة الديموقراطية واحترام التعددية والمساواة وسيادة القانون في تجاوز الآثار المدمرة التي خلفها العنف الأعمى وفي بناء التوازن المطلوب لإدارة الصراعات سلمياً بين كافة مكونات المجتمع السوري وقواه المدنية والسياسية، حتى لو طالت هذه المرحلة واكتنفتها بعض الصعوبات والعقبات.

=================

الثورة السورية بين الحسم السياسي أو العسكري

ماجد كيالي *

الثلاثاء ٨ يناير ٢٠١٣

الحياة

لا يوجد في سورية حلّ على الطريقة المصرية والتونسية ولا الليبية أو اليمنية، لاختلاف طبيعة السلطة وتركيبة المجتمع وحجم المداخلات الخارجية، وأيضاً، لأن السلطة في سورية انتهجت الحل العسكري منذ البداية، على قاعدة «الأسد أو نحرق البلد»، أي أنها باتت بمثابة سلطة احتلال، بدليل إمعانها في التدمير والتقتيل في سورية والسوريين. على ذلك فإن مجمل «المبادرات» السياسية التي طرحها هذا النظام كانت مجرد خدعة كبيرة، لأن البلد عنده بمثابة «عزبة» خاصة يتم توارثها من الآباء إلى الأبناء، في مطابقة للشعار المشين: «سوريا الأسد إلى الأبد».

هذا يفسّر استعداد النظام للمساومة على كل شيء، عدا احتكاره للسلطة، فهو مستعد للمساومة على رئاسة الحكومة وتشكيلتها وعلى انتخابات مجلس الشعب وحرية الإعلام، وغير ذلك، وهذا معنى الحوار تحت «سقف الوطن» أو تحت «سقف الأسد» بتعبير أدق!

والحال فإن النظام في سورية، منذ 42 عاماً، هو مجرد طغمة حاكمة أو عصابة (بحسب تعبير معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري)، فلا الحكومة تحكم ولا مجلس الشعب يشرّع، وهي طغمة تغولت على الدولة والمجتمع، وهي التي ينبغي التخلص منها إلى الأبد، مع أجهزتها الأمنية، لعبور مجال التغيير السياسي في هذا البلد.

حقاً، لقد انتهى نظام الأسد، ليس من اليوم، ولا مع تحول الثورة إلى التغيير بالسلاح، وإنما منذ اندلاع الثورة، مع تشليع أظافر أطفال درعا، ومنذ إطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين في درعا ودوما وبرزة والميدان، قبل قرابة عامين.

مع ذلك فإن أي حرب هي امتداد للسياسة، والثورة كأي ثورة قد تضطر، في إطار صراعها، من أجل تغيير الواقع القائم، إلى خوض تسويات معينة، في سبيل تقليل الأكلاف والمخاطر، لا سيما إذا كانت قواها ليست على الدرجة التي تمكّنها من تحقيق الغلبة بأكلاف معقولة ومحمولة.

مجدّداً، لا أقل من إسقاط النظام، الذي لا شرعية له، لكن مشكلة الثورة السورية أنها لم تستطع إنجاز ذلك بعد 22 شهراً على اندلاعها، و 60 ألف شهيد، وأضعافهم من الجرحى، وثلاثة ملايين لاجئ ونازح، وكل هذا الخراب في البيوت والممتلكات والعمران، على رغم تصميم السوريين وتضحياتهم ومعاناتهم وشجاعتهم المدهشة، التي جعلت من ثورتهم الأبهظ كلفة بين مجمل ثورات الربيع العربي، وغير العربي.

ثمة مشكلات وتعقيدات كبيرة لهذه الثورة، وكلما استمرت كلما ازدادت، وهذا طبيعي، ويمكن تفهمه، وخصوصاً لكون سورية بلداً مفتاحياً، يؤثر في جوارها، وما بعد جوارها. وهنا إسرائيل أيضاً، التي يحرص الغرب على ضمان أمنها.

في الداخل ثمة واقع اجتماعي جد صعب، ومعقد، فثمة جماعات سورية لم تنخرط تماماً في الثورة، ليس حباً بالنظام، وإنما لعدم يقينها من المستقبل، وهو واقع ينبغي إدراكه بطريقة صحيحة والتعامل مع متطلباته. أيضاً، ثمة إجهاد واستنزاف لمجتمع الثورة، ذلك أن المناطق الحاضنة تعرضت لتدمير منهجي، ووحشي، ما يصعّب على الثورة، ويزيد أعباءها، لا سيما مع تفتّت البيئات المجتمعية المساندة، وتشرد أبنائها، وافتقادهم لقمة العيش. هذا ليس بالشيء الهيّن، لأنه ينعكس على فعاليات الثورة، بتآكل طابعها المدني/الشعبي، وهذه ليست حالة صحية، فضعف مجتمع الثورة يضعف الثورة ذاتها، حتى لو امتلكت أسلحة، ما ينبغي ملاحظته، لا سيما أن من مهمات القيادة التقليل من المخاطر وإدارة الموارد بأفضل ما يمكن، والوصول إلى الهدف بأقل أكلاف ممكنة.

أما بالنسبة إلى الوضع الدولي، فمن الواضح أن الثورة بحاجة ماسة لمساعدات خارجية، للتسهيلات اللوجستية، وللسلاح، والدعم المالي، لكن الدول لا تشتغل كجمعيات خيرية ولا بعقلية مبدئية أو أيديولوجية، ولا بالعواطف، وإنما تشتغل بعقليات براغماتية وسياسية ومصلحية، وبديهي أن أي دعم يقدم للثورة إنما يبتغي إخضاعها إلى ارتهانات وتوظيفات وتوجيهات معينة، ما يفرض على الثورة تنظيم تصريفها لطاقتها، وتعزيز الاعتماد على مواردها، والموازنة بين حاجاتها ومبادئها، وبين إمكانياتها وأشكال عملها.

لكن ذلك لا يفترض التراجع عن المضي بهدف إسقاط النظام، الذي هو «الصحّ الوحيد» في حياة السوريين، على ما يقول ياسين الحاج صالح محقّاً، وإنما يعني التعامل مع هذا الوضع المعقد بعقلية سياسية، لا بعقلية أيديولوجية تطهرية وشعاراتية، فالصراع لا بد أن يفضي إلى حلول سياسية، وبقدر ما أن مهمة القيادة المسؤولة التأكد بأن لا تعيق هذه الحلول إنجاز الهدف المتوخّى، بل أن تشكّل طريقاً محتوماً إليه، فإن مهمتها أن لا تجد نفسها فجأة في واقع يفرض عليها القبول بأي شيء.

الحقيقة أن هذا الوضع كانت رصدته بصورة أعمق مواد سابقة نشرتها هذه الصحيفة، لا سيما للزملاء ياسين الحاج صالح (9/12) وجاد الكريم الجباعي (31/12) وعصام الخفاجي (1/1) وعبد الوهاب بدرخان (3/1) وراغدة درغام (4/1).

هذا يفيد بأن الثورة السورية أحوج ما تكون إلى طرح مبادرة سياسية، أو «خريطة طريق» للمرحلة الانتقالية، لتوضيح ذاتها إزاء الأطراف المكونة لها، وإزاء مجتمعها، بمختلف أطيافه وتلاوينه، وإزاء العالم، الذي تنشد دعمه، هذا من دون صلة بخطة الإبراهيمي أو غيرها، هذا له علاقة بالثورة ومصالحها وطريقة إدارتها لأحوالها.

الآن، ثمة في مجال التداول في شأن سورية مشروعان، أولهما يتأسس على تسوية مع بقاء النظام، وثانيهما يتأسس على تسوية من دون النظام. المشروع الأول، تطرحه كل من إيران وروسيا، وهو مناسب للنظام، لأنه يطيل عمره، لكن مشكلته أن الزمن تجاوزه، بالنسبة إلى غالبية السوريين، أي حتى للجماعات الصامتة والمترددة، كما بالنسبة إلى القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الوضع السوري.

أما المشروع الثاني، الذي يقوم على مرحلة انتقالية من دون الأسد وطغمته الحاكمة، فتقف وراءه قوى دولية وإقليمية، وهي تنضجه على مهل، في مراهنة على وهن النظام، وإمكان تراجع روسيا عن عنادها في شأن إبقاء موطن قدم للأسد في هذه التسوية. هذا مشروع موجود، وتحدث عنه الإبراهيمي بعبارات ديبلوماسية غامضة ضمنها قوله أن «السوريين يفضلون نظاماً برلمانياً على نظام رئاسي»، وأكد عليه وزراء خارجية كل من فرنسا ومصر، والناطقة بلسان الخارجية الأميركية، الذين تكلموا صراحة، في الأيام الماضية، عن أن لا مكان للأسد في المرحلة الانتقالية، وأن على الأسد أن يتنحّى.

هذا مشروع ربما يشكّل فرصة مواتية للثورة السورية للبناء عليه، وتكريس فكرة إسقاط النظام، مع أدواته الأمنية. أما نهج الرفض المسبق والمطلق لأي حل، حتى ولو كان يتقاطع مع إسقاط النظام، لصالح التشبّث بالحل العسكري وحده، فهذا قد يضعف الثورة، ويتركها لمصيرها، ويزيد أكلافها، ويصعّب من طريقها، لا سيما بعد أن باتت ثورة مسلحة وتحتاج إلى الكثير، القليل منه لا يتوفّر.

القصد أن الثورة السورية معنية بأخذ زمام المبادرة، بطرح «خطة الطريق» خاصتها للمرحلة الانتقالية، وملاقاة أي تصور سياسي يتأسّس على الانتهاء من النظام، وربما أن هذه الثورة معنية، فوق ذلك، بالمبادرة إلى تشكيل حكومة انتقالية موقتة، تكون أكثر تمثيلاً لمجمل مكونات الشعب السوري. الخطة والحكومة باتتا بمثابة ضرورة لترشيد إدارة الثورة لأحوالها ولمجتمعها، بعد عامين تقريباً على انطلاقها، ومع وجود مناطق محررة واسعة، تحتاج إلى مجالس محلية، فالدول تدار بالحكومات وليس بالائتلافات السياسية، والحكومات تعترف بحكومات لا بجماعات سياسية أو عسكرية.

لم يعد يكفي الثورة، وائتلافها الوطني، التوافق على وثائق في هذا الاجتماع أو ذاك، فقد تزعزعت هذه الإجماعات في بيان لجماعات مسلحة في حلب دعت إلى دولة دينية، وفي هيمنة لون سياسي على «المجلس الوطني» وبعده على الائتلاف. هذه أمور مضرّة بالثورة وبمسارها وبالإجماعات من حولها، ما يستدعي الانتقال إلى حالة حكومة وطنية انتقالية. هذا يسهل إدارة الثورة لأوضاعها ويسهّل على الآخرين التعامل معها، بعيداً عن العقليات الضيقة والحزبية، والتي لا تأخذ طابع سورية، وواقع التنوع والتعددية فيها.

فضلاً عن ذلك فإن السوريين معنيون بتوضيح الطابع الديموقراطي والمدني لثورتهم، لا تصدير جماعة مثل «جبهة النصرة». والأهم أن الشعب السوري بمختلف أطيافه بحاجة إلى ذلك، أي إلى نوع من يقين بشأن المستقبل، هذا ينطبق على «طائفة» الصامتين و «طائفة» المترددين و «طائفة» الخائفين. هؤلاء ينبغي أن تستقطبهم سورية المستقبل، وأن تتشكّل التسوية معهم في عقد اجتماعي جديد.

طبعاً ثمة من يعتقد عدم جواز عقد أي تسوية، وأنه ينبغي المضي بالثورة المسلحة إلى نهاياتها، لكنس نظام الأسد نهائياً، ومحاكمته هو وأتباعه، أو قتله كما القذافي، لكن هذا يتطلب شروطاً كثيرة، أغلبها غير متوافر، فضلاً عن أن تأمين هذه الشروط والمستلزمات (لا سيما ما تعلق بالسلاح والمال وحرية الحركة) يفرض شروطاً على الثورة ذاتها، ضمنها الارتهان لدول إقليمية وغربية.

عموماً، في السياسة والصراعات السياسية لا يجوز القول برفض الحلول السياسية بشكل مطلق ومسبق، كما لا ينبغي إعطاء هذا النظام الخسيس فرصة لمزيد من التقتيل والتدمير بحق سورية والسوريين، فشعار العار: «سورية الأسد إلى الأبد»، انتهى إلى غير رجعة، وهذا النظام ساقط. المهم أن لا يسقط وأن لا يتكسّر على رؤوس السوريين.

 

=================

عسكرة الطوائف السورية

غسان الامام

الشرق الاوسط

8-1-2013

1963 - 2013: خمسون سنة هي عمر الظاهرة العلوية. هل كانت هي التحول الانقلابي الوحيد في المجتمع السوري؟ لا. إنما كانت أول ظاهرة لعسكرة طائفة أقلوية، في مجتمع يضم 18 طائفة. ومذهبا. ودينا. بل كانت أول مبادرة طائفية للاستيلاء على السلطة، وإقامة نظام طائفي بالقوة المستترة بدساتير شكلية. وقوانين مبتسرة. وسياسة خارجية تتبنى ظاهريا رعاية قضية العرب المركزية (الفلسطينية). والغرض شراء سكوتهم عن اغتصاب أقلية، لحق سائر المجتمع، في المشاركة في القرار والسلطة.

لكن لماذا صمد النظام العلوي، ولم تصمد أنظمة تونس. وليبيا. ومصر، أمام الصحوة الشعبية؟ لأن هذه الأنظمة ليست طائفية. ولا تستطيع أن تستخدم جيوشها الوطنية ضد مجتمعاتها. حدثت مقاومة نظامية في ليبيا. لأن القذافي جسد نظام العشيرة والقبيلة. هذا النظام الاستبدادي لم يصمد. لأن القبيلة أقل عصبية وتماسكا من الطائفة.

هل يمكن تحقيق مصالحة في سوريا، بين أطياف الثورة والنظام الطائفي. يليها تشكيل حكومة وفاقية تسترد السلام المدني. وتتولى التغيير على أساس الديمقراطية؟ أخفق مسعى الوسيط الدولي كوفي أنان. فورث شعاراته ومهمته الوسيط العربي/ الدولي الأخضر الإبراهيمي.

الأخضر لا يريد أن يفهم أن دبلوماسية المصالحة تجاوزتها الأحداث الميدانية. وفقد النظام شرعيته، منذ أن واجه الانتفاضة بالدبابات. والمدفعية. والطيران. لكن الوسيط ما زال يظن أن تبويس الشوارب ممكن بين الجزار والضحية. بين طاغية قتل 60 ألف إنسان وأهل الضحايا.

ما زال الأخضر يتحدى أمته في الرهان على دبلوماسية العناد الروسية والخداع الإيرانية. يتوعد الأخضر الضحايا بجهنم، إذا لم يقبلوا بجحيم التعايش مع نظام، حَكَمَ عليه الغباء بالانتحار.

لو قرأ الأخضر تاريخ هذا النظام الطائفي، لعرف أن الأب مارس الخداع الراهن، للاحتفاظ بالسلطة المطلقة. كانت تهمي الخيانة والمؤامرة جاهزتين دائما وأبدا، لإدانة وسحق كل من يطالب بالديمقراطية.

جرى اغتيال زعماء السنة في سوريا ولبنان (صلاح البيطار. رفيق الحريري. المفتي حسن خالد...) كلما بدا للنظام العلوي أنهم يشكلون خطرا على استمراره. أُممت النقابات المستقلة عندما اعتصمت مطالبة بالحرية. وعدها الأب بالديمقراطية. عندما أوقفت الإضراب جرى اعتقال المحتجين. بقي بعضهم في السجون أكثر من عشر سنين. وأُوكل إلى ضباط المخابرات اختيار القادة النقابيين، وانتقاء المرشحين الحزبيين والمستقلين في الانتخابات النيابية.

عندما أيقن الإبراهيمي أن شعارات الحوار. والمصالحة. وعفا الله عما سلف، باتت سوريالية مستحيلة، بعدما سجلت الثورة المسلحة انتصاراتها الرائعة، عاد ليطرح شعار «التغيير الحقيقي»، من خلال حكومة توافقية توقف القتال، وتجري انتخابات في عام 2014. وتجلب قوات «الاحتلال» الدولية.

التغيير ليس شعارا. التغيير يعني أولا إنهاء حكم الدولة البوليسية/ القمعية. وفصل النظام عن الدولة. التغيير يعني فك قبضة السلطة الحزبية على الإدارة الحكومية والمحلية. التغيير يعني تحييد الجيش الطائفي. وإعادة بناء جيش وطني، ولاؤه للمجتمع. وللدولة. وللانتماء القومي. جيش محيد سياسيا، كما في أية دولة ديمقراطية. لا علاقة له بالأحزاب. والطوائف. والزعامات.

التغيير يعني شفافية التسيير الحكومي والإداري، تحت رقابة البرلمان. والصحافة الحرة. والالتزام بالدستور. والقانون. التغيير يعني دولة سورية مسالمة لأشقائها وجيرانها ضمنا وعلنا. لا للمغامرات الخارجية لا للتحالفات الإقليمية. لا للاتفاقات والمعاهدات من دون عرضها للنقاش والتصديق في البرلمان.

لا لممارسة الإرهاب تحت شعار المقاومة والممانعة. لا لفرق الاغتيال. لا لمراكز التدريب على الإرهاب. والإجرام. لا للإعلام الكاذب. لا للمغالطة. والتغطية. والكذب. والافتراء، تصدر على لسان وزراء. ومسؤولين. وناطقين رسميين.

هل يضمن الوسيط الدولي الإبراهيمي هذا التفسير الصريح للتغيير؟ من الضحك على الذات والغير، منح نظام القتل والقهر سنتين إضافيتين لإجراء انتخابات رئاسية، بموجب دستور الابن الذي خاطَهُ له المحامي مظهر العنبري «ترزي» الدساتير الشكلية منذ عهد الأب.

وهكذا، فالحوار. والمصالحة. والتغيير، يجب أن لا تكون شعارات تمر تحتها اتفاقات وقف القتال. ونشر قوات «حفظ السلام» دولية، تجمد الحل. وتطيل عمر النظام. وتمنع الثورة من استكمال نصرها النهائي. وتحط من قدر الاستقلال والسيادة.

أترك الإبراهيمي لضميره. وأمته، لأعود إلى موضوع العسكرة الطائفية. فأقول إن الطائفة العلوية وحدها التي تمت عسكرتها. واستفادت من عوامل عدة في بناء نظامها ودولتها. وأولها وجودها الواسع، أصلا، مع أقليات أخرى في «جيش المشرق» الذي تسلمته سوريا ولبنان من فرنسا، كنواة للجيش الوطني.

ثم استفاد العلويون من الصراع السياسي بين اليمين واليسار، في الأربعينات والخمسينات. فأقبلوا على الانخراط في الجيش، فيما اكتفى أبناء الغالبية السنية بأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، مفضلين الانخراط في العمل الحر.

ولعب أكرم الحوراني المحرك السياسي لتلك المرحلة، دورا كبيرا في تسهيل تطويع العلويين في الجيش، ربما نكاية بالأسر الإقطاعية في مدينته (حماه). وعندما اكتشف خطأه التاريخي، وحاول التوازن الطائفي في الجيش، كان الوقت قد فات.

سبق العلويون الحوراني. فقلبوا نظام اليمين الديمقراطي الهش الذي أقامته كتلة ضباط دمشق، بعد إسقاطها دولة الوحدة المصرية/ السورية. ثم كان انقلاب 1963، إيذانا بانطلاق الحكم العلوي في سوريا.

أدار الأب، بحنكة الحيلة والذكاء، الحلف بين نظامه والنظام الديني الشيعي في إيران، من دون إزعاج كبير لدول الخليج العربي المتخوفة من انفلاش النفوذ الإيراني، باتجاه الخليج. والعراق. وسوريا. ولبنان. في الوقت ذاته، احتل الأسد لبنان (1976)، فوق غطاء أخضر أميركي/ إسرائيلي. بل غدا شرطي لبنان في الثمانينات والتسعينات برضا أميركي.

مات الأب في عام 2000. ورثه الابن. فلم يكن على صبر الأب وحنكته في حبك وفك التحالفات. أغلق بشار منتديات الحرية. وساق روادها إلى المعتقلات. ووثق حلفه مع إيران، ودعمه لحزبها الطائفي في لبنان، من دون أن يتذكر حرص أبيه على علاقته العربية مع مصر والسعودية.

عندما اتهم حزب الله ونظام دمشق باغتيال رفيق الحريري (2005)، قال الأسد الابن إن أخلاقه لا تسمح له بارتكاب جريمة قتل. انفجار الثورة السورية أثبت أن نظام بشار تسمح له «أخلاقه» بارتكاب ستين ألف جريمة قتل. ولما تنتهِ المجزرة بعد.

تحدثت بالمنطق الطائفي. ليعرف القارئ العربي بدقة، من هو المسؤول عما جرى ويجري في سوريا. وأخلص إلى القول إن عسكرة الطائفة العلوية حالت دون دمجها في الحياة المدنية السورية. وظلت مستعصية على بوتقة الصهر الاجتماعية في المدن السورية.

لست طائفيا. ما زلت مؤمنا بأن تمسك السوريين بالانتماء القومي العربي، على أساس الالتزام بالحرية والديمقراطية، هو الخلاص للعلويين. وخلاص أيضا لفصائل المقاومة المسلحة التي تتناوشها التيارات الدينية المتزمتة. مع تذكير التنظيمات السياسية في الداخل والخارج بأن التصريح بالالتزام بالهوية القومية الثقافية. والديمقراطية. والحرية، هو السبيل الوحيد لاستعادة الدور السوري المفقود.

=================

من يلعب بالطائفية يحترق

طارق الحميد

الشرق الاوسط

8-1-2013

منذ سقوط نظام صدام حسين في العراق، وحتى اليوم، ومرورا بكل أزمات المنطقة، كان العقلاء على المستويات كافة يحذرون من اللعب بورقة الطائفية، سواء في النظام السياسي العراقي ككل، أو في لبنان، أو الخليج العربي، أو حتى اليمن، وكان التحذير يوجه تحديدا لإيران وحلفائها وعملائها، وكان الرد إما بالاستخفاف، وإما بالتهكم، على تلك التحذيرات.

وبالطبع، فإن أبرز الضالعين في اللعبة الطائفية المقيتة بالمنطقة، إيران، ونظام بشار الأسد، وحزب الله، سواء في عراق ما بعد صدام حسين، وحتى الانتخابات العراقية الأخيرة، أو في لبنان، أو اليمن، وحتى في دول الخليج، حيث لعب هذا الثلاثي، إيران والأسد وحزب الله، مضافا إليهم حلفاء مؤقتون، حسب المرحلة والحالة، أسوأ الأدوار الطائفية الشريرة في المنطقة، تارة باسم الممانعة والمقاومة، وأخرى باسم الأكثرية، حيث قاموا بتشويه الديمقراطية بشكل مذهل، وكذلك باستغلال الجماعات المسلحة الإرهابية، بما فيها «القاعدة»، وأوضح مثال هنا ما حدث في العراق، أو من خلال تحريك الحوثيين في اليمن، أو بالتصفية والاغتيالات، وأبرزها اغتيال رفيق الحريري في لبنان، وبالطبع كانت هناك ماكينة إعلامية تخوينية تساندهم، وتقوم بتضليل الرأي العام بشكل مذهل مستغلة كل ما هو متاح، من إعلام تقليدي وغير تقليدي.

اليوم، ويا سبحان الله، انقلب السحر على الساحر، حيث نجد أن أبرز مَن يشكون من الطائفية هم مَن استخدموها كورقة من أوراق اللعب في المنطقة طوال السنوات العشر الماضية.. فحسن نصر الله يحذر من الطائفية في لبنان وسوريا والعراق، ويحذر من ظهور إمارات إرهابية يقول إنها مدعومة من أميركا، وكلنا يعي ويعلم أنه لولا أخطاء أميركا الفادحة في المنطقة لما تمكن أتباع إيران من فعل ما فعلوه. وعلى غرار نصر الله نجد اليوم مريدي نوري المالكي، وحلفاءه، يحذرون من الطائفية في العراق. والأمر نفسه، أي التحذير من الطائفية، نجده الآن من نظام الأسد، والمدافعين عنه، حيث نسمع الأسد نفسه الآن يحذر من الإرهابيين، ومن يريدون إعادة سوريا لقرون قديمة، بحسب قوله، والأمر نفسه أيضا نسمعه من مسؤولين إيرانيين يحذرون من خطورة الطائفية على المنطقة ككل!

وعليه، فإن جلَّ من يشتكون، ويحذرون، من الطائفية الآن، ويحاولون إقناع الغرب حاليا بخطورتها، هم أنفسهم الذين لعبوا على ورقة الطائفية المقيتة في المنطقة، واعتقدوا أنهم بذلك التذاكي سيشكلون واقعا يصعب تغييره، لكن منذ سقوط نظام صدام حسين، وحتى اليوم، فإن ما حدث هو العكس، حيث لم تعرف المنطقة الاستقرار، وانقلب السحر على الساحر، وعصفت التغييرات بالمثلث الطائفي، إيران وبشار الأسد وحزب الله، ومن تلك المتغيرات بالطبع الزلزال العربي، أو الربيع العربي، الذي يقول عنه الأسد في خطابه الأخير إن «الربيع عبارة عن فقاعة صابون ستختفي»، رغم أن الحاصل الآن هو أن نظام الأسد هو مَن أوشك أن يختفي، هذا فضلا عن تضرر مصالح إيران، سواء في سوريا أو العراق أو لبنان.

ومن هنا، فإن الدرس المعلوم والذي تناساه المثلث الطائفي مطولا، أن من يلعب بالطائفية سيكون أول من يكتوي بنارها، وهذا ما هو حاصل اليوم في منطقتنا، لكن من يتعلم؟!

=================

إيران في مواجهة عجزها!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

8-1-2013

ليس هناك ما هو أصعب على المتبجحين الدائمين بالقوة وسياساتها من السقوط في هاوية العجز، خاصة إن كان مفضوحا، ونجم عن تحد مباشر ولا يحتمل اللبس أو الخطأ.

لعلنا نذكر أن المتبجح الأكبر في منطقتنا كان دوما النظام السوري، الذي كان كتبته وكذبته يعتبرونه «رقما صعبا» لا يخشى شيئا، ولا يخاف التحديات، ولا يعرف المصاعب أو يقر بوجودها، ويزعمون أنه تجاوز دوما ما كان يؤذن بنهايته، وأنه طوع خصومه ولوى أذرع الكبار والصغار؛ القريبين والبعيدين، وتخطى المؤامرات وأنهاها لصالحه في كل مرة تعرض لها. هذا الرقم الصعب قلب - على حد تعبير واحد من كبار منافقيه الإعلاميين - المعادلات والحقائق الجيولوجية (يقصد الجيوبوليتيكية) في المنطقة، وهزم كل قوة واجهته أو واجهها، واخترق المحرمات وعمل وفق قواعد خاصة طورها هو لا تأبه لأحد مهما كان جبارا وعاتيا، ولا تعتد بعرف أو قانون غير قوانينه وأعرافه الخاصة.

لكن المتبجح السوري تحول فجأة إلى ملاك بالمقارنة مع المتبجح الإيراني، الذي بز كل من عرفه التاريخ، باستثناء عتاة مجرميه من أمثال هتلر وأضرابه، في كسب معارك وهمية صنعها خياله، ومن يتابع تبجح قيادته العسكرية، سيظن بكل تأكيد أنهم أغرقوا جميع السفن والأساطيل الأميركية في العالم بطوله وعرضه، وأسقطوا طائرات اليانكي في أقطار الأرض، واقتحموا أسوار القدس وحرروها، وأبادوا الصهاينة عن بكرة أبيهم أو أخذوهم مكبلين بالسلاسل إلى بلاد فارس، وسيظن أنهم يملكون أحدث تكنولوجيا في العالم، فهم طوروا أسرع صاروخ بحري في التاريخ، وصنعوا طائرات لا يمكن لأي رادار كشفها، ومدافع لها من القوة والدقة ما تعجز عن مقاومته أعتى التحصينات والخنادق وأقوى الجيوش و.. و.. إلخ.

والمدهش أن تحدي المتبجح السوري أتاه من حيث لم يكن أحد يحتسب: من شعبه المستضعف والمثقل بأعباء الاستبداد والإفقار والإذلال والهزائم السياسية والوطنية والاحتلال الأجنبي، الذي كان النظام يخال أنه فقد الحياة واختفى من الوجود، ويتحدث عنه بازدراء كشعب من الماضي أو غائب عن الوعي، ثم نهض فجأة وشرع يتحداه وينازله في كل شبر من أرض وطنه، سلميا ومدنيا أول الأمر، ثم بالمقاومة متعددة الأشكال، خاصة منها المسلحة، عندما تواصل العنف الرسمي ضده، فإذا بالنظام المتبجح يظهر عجزا يتناقض أشد التناقض مع ما دأب على نشره من مبالغات حول نفسه، إلى أن بلغ الأمر حدا بان معه تهاوي قواه وتهافت ما أعده طيلة أربعين عاما ونيف لسحق شعبه، وإذا بالأمر ينكشف على حقيقته، والشعب العائد إلى الوعي لا يخاف شيئا ويقدم ما تتطلبه استعادة كرامته من تضحيات، ويصمم أكثر فأكثر على مواجهه الموت بشجاعة الأمل وروح الحرية، التي تمنعه من العودة إلى الوراء أو الالتفات إلى الخلف، وتقرب السلطة من انهيار يبدو وشيكا، رغم أن المتبجحين كانوا يتوهمون أن شعبهم لن يصمد أمام نفخة قوة يطلقونها عليه، وأنه سيسارع إلى بيت الطاعة نادما تائبا.

في هذه الأثناء، بدأ قادة حلفاء النظام من قادة طهران يغطون عجزهم بدورهم عبر تصريحات تهويلية تضخم قدرتهم على تحدي المخاطر السورية، وتوهم من لا يعرفهم أنهم أمام انتصار وشيك، وأن لدى جنرالاتهم الخطط الضرورية للحسم. هذا ما قاله الجنرال قاسم سليماني، الذي أتى إلى دمشق وهو في قمة التبجح، ويقول من شاهدوه بعد شهر من وصوله إليها إنه بدا منهارا تماما، وإن قادته العسكريين لم يجدوا ما يرفعون به معنوياته غير الحديث عن حرب عالمية ستنشب في المنطقة.. اختاروا لها مناسبة مضحكة هي نشر أربع بطاريات صواريخ «باتريوت» أطلسية على الحدود التركية مع سوريا، كأنهم أرادوا الإيحاء بأنهم لا يخافون حربا كهذه، بل يرحبون بها، وكأن من يجب أن يخشاها هو الطرف الآخر، الذي يعرف ما يملكون من قوى ولديه قوة أكبر من إمكاناتهم بما لا يقاس. لقد تحدث هؤلاء مثلما فعل ذلك الخائف الذي وجد نفسه يمشي وحيدا في ليل دامس، فأخذ يغني كي يستجير بصوته ويقنع نفسه بأنه ليس خائفا، أو كما فعل ذلك المسؤول الذي يتوهم أن شعبه سيسير وراءه مهما فعل به، إن هو أدخل الخوف إلى قلبه من عدوه، مثلما فعل النظام السوري خلال قرابة نصف قرن استخدم خلاله تبجحه ضد العدو الذي هزمه بدفشة عام 1967 لأغراض داخلية صرفة، مع أنه لم يفعل شيئا منذ أربعين عاما ونيف لتحرير أرضه من المحتل الإسرائيلي، ورغم أن أعدادا هائلة من السوريات والسوريين أمضوا أعمارهم في السجون بحجة معركة وهمية يخوضها ضد الصهاينة، فإن لعبته لم تمر على مواطنيه ولم تحل دون قيامهم بالثورة في نهاية الأمر.

يلعب القادة الإيرانيون اللعبة نفسها، لكنهم سيكتشفون، متى وقعت الواقعة، أن شعبهم لن يسير وراءهم لمجرد أنهم يخوفونه من عدو يبالغون حتى الافتعال في خوض معارك كلامية ضده، متوهمين أنهم يقنعون مواطنيهم بالسير كالأعمى وراءهم، بينما يرى هؤلاء فيهم عدوهم الرئيسي، مثلما أكدت مظاهراته بعد انتخاب نجاد رئيسا بالتزوير لجمهورية بين أكاذيبها ادعاؤها بأنها إسلامية.

تصرخ إيران بصوت مجلجل كي تستر ضعفها وعجزها عن شعبها الذي يراقب اليوم ما يجري في بلادنا باهتمام، وتغطي هزيمتها في سوريا: الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في اختراقها واحتلال جزء من قرارها، وسيكون من المصائب الجسام خروجها مهزومة منها، بعد كل ما وظفته من مال وجهد في نظامها، وقامت به من أعمال حربية ضد شعبها. تصرخ طهران اليوم من الألم الذي ستعاني منه غدا؛ بعد ضياع موقعها السوري، واضطرارها للانكفاء وراء حدودها، عقب عقود من توسع خارجي ينتهي في أيامنا إلى كارثة لا قدرة لها على درئها.

هل ستخرج السلطة الإيرانية من مأزقها السوري بالجعجعة والصراخ؟ أليس تفكير قادتها بأن هذا ممكن أقصى ما يمكن تخيله من عجز ينزل بدولة؟

=================

أوبرا «سفاح دمشق»!

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

8-1-2013

تعتبر شخصية «حلاق إشبيلية» من أهم أعمال الأوبرا، وهي الرواية التي قام بإعدادها الفرنسي «بومارشيه»، وطورها للأوبرا الإيطالي المعروف «روسيني»، إلا أنه يبدو أن التاريخ السياسي الجديد سيشهد توظيفا جديدا لدار الأوبرا؛ فبعد أن كانت مركزا للفنون الجميلة تحولت إلى مرتع للأقوال القبيحة، متمثلة في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الأخير، وهي ليست المرة الأولى التي يدنس فيها محفلا حضاريا بخطاباته المهينة، فمن قبل كان قد تجرأ وألقى خطابه في جامعة دمشق.

عموما، جاء الخطاب هذه المرة مُعَدا بعناية فائقة والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، وهو موجه للعالم الغربي لأنه يستبق قمة بوتين وأوباما التي ستبحث تبني خطة الإبراهيمي واتفاق جنيف للحكم الانتقالي في سوريا، فرغب في أن يقدم «لوحة» معدة بإتقان لتكون صورة ذهنية قبل لقاء القمة. دار الأوبرا مكان يُضخّم فيه الصوت، لأن المكان مصمم بنوعيات مواد بناء تحدث «الصدى» المناسب، فيبالغ في حجم الصوت وبالتالي في حجم الهتافات والتصفيق والإشادة، كذلك الأمر بالنسبة للحضور، تم إعدادهم بعناية شديدة جدا ليعكسوا تمثيلا دقيقا لفسيفساء الشعب السوري بمختلف خلفياته وطوائفه وطبقاته، فكان بين الحضور نساء محجبات (ليعكس التوجه الديني الإسلامي)، وكان هناك من يرتدي العقال والغترة (ليعكس الحضور العشائري)، وكان هناك العسكر والشباب والطلبة والمتقاعدون، وجميعهم يصفق ويهتف.

دخل بشار الأسد على مسرح معدّ بدقة ومحسوب تُوجّه الإضاءة فيه جيدا، وكذلك الصورة الضخمة التي كانت خلفه وهي مليئة بصور ما يوحي بأنهم ضحايا أحداث العنف في سوريا، وجميع الصور تشكل العلم السوري كاملا، وطبعا كانت تتخلل فقرات الخطاب مقاطع التصفيق الجنوني والهتافات الهستيرية لتختم باندفاع كبير على المسرح لعناق بشار الأسد وتقبيله، في مشاهد تذكرنا بنجوم الروك في حفلاتهم الصاخبة بالغرب.

وطبعا بقي أسلوب الإلقاء والخطابة ذاته لم يتغير؛ شبّه الثوار بأقسى الألفاظ، وأنكر أساسا وجود ثورة، وقال إن للثورة شروطا ومفكرين وأدوات وأهدافا لا بد أن تتوفر قبل أن يطلق عليها اسم ثورة، وهو بذلك كأنه يطلب «بيتزا» من محال الوجبات السريعة. ظل نهج الإنكار والطلبات المستحيلة، وظل يضع شروطا تعجيزية على الآخرين والجميع إلا على نفسه ونظامه المجرم، وأقحم نفسه و«حواره» مع المعارضة في تشبيهات هزلية مضحكة لا يمكن أن يكون مأخذها على محمل الجد ولا الحقيقة. شك الناس كثيرا في أن يكون الخطاب «مباشرا»، كما أوحى النص المرفق مع شاشات البث، لأن دمشق مقطوعة شرايينها المرورية منذ الساعات الأولى ليوم الخطاب، و«رويترز»، وكالة الأنباء العالمية العريقة، قالت إنها تشك في أن الخطاب بث بشكل مباشر، وإن ما حدث هو تسجيل تم بثه لاحقا. بشار الأسد يواصل حكم والده حافظ الأسد، النهج واحد ولم يتغير، ولكنه تجسيد عملي لفكرة حافظ الأسد رئيسا للأبد، وإذا لم يكن الأسد؛ فلنحرق البلد.

إنها «عقيدة» وليست سياسة، هناك قناعة كاملة لدى بشار وزمرته بأن سوريا هي الأسد، والأسد هو سوريا، ولا يمكن الحديث عن أحدهما دون الآخر. كانت هناك كلمات داخل الخطاب الذي ألقاه بشار الأسد فيها إشارات ورسائل مبطنة أيضا؛ فقد شكر كل حلفائه من شبيحة ودول ومؤسسات من الذين أيدوه وساندوه، وأكد على سوريا «موحدة»، وكأن في ذلك تلميحا عن التقسيم المقبل الذي سيكون خيارا يفرضه نظام يرغب في حكم سوريا حتى آخر سوري ميت.

القذافي وصدام حسين طاغيتان وقاتلان ظهرا في أيامهما الأخيرة وسط الشبيحة والهتيفة لإقناع العالم بأنهما يسيطران على الوضع، ولديهما أرتال من المؤيدين، متناسيين أن وضعهما حقيقة أشبه بسفينة الـ«تيتانيك» التي اصطدمت بجبل الجليد واخترقتها المياه وبدأت في الغرق، ولكنهما كقبطان السفينة كانا في حالة إنكار لحجم الكارثة.

خطاب بشار الأسد المسرحي الأوبرالي ليس فقط مادة هزلية، ولكنه سيكون مادة تدرس في يوم من الأيام في مجال علم النفس والحكم، لأن حالة الإنكار والضياع غير مسبوقة تماما. الأوبرا الجديدة اسمها «سفاح دمشق»، تذكروها جيدا.

=================

سوريا: «الرحيل إلى الداخل»

عماد الدين اديب

الشرق الاوسط

8-1-2013

لا بد من التعمق في تحليل خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي جاء بعد طول انتظار، وأختلف تماما مع الرؤية الأميركية على أنه خطاب يقوم على إنكار للواقع، وأنه لم يقدم جديدا، وبلا أي مبادرات حقيقية وعملية.

المنطق الأميركي أو العقلية الأنغلوساكسونية تقوم على المفهوم البراغماتي العملي الذي يقول «إن المنطق يحتم أن يعكس الخطاب السياسي طبيعة وحقيقة الوضع السياسي والعسكري الذي تفرضه الأوضاع على الأرض».

وهذا يعني أن حقيقة الوضع القتالي المتردية لقوات الرئيس السوري كان يجب أن تعكس أي مرونة سياسية للتفاوض. هذا هو المنطق المتعارف عليه، لكنه ليس منطق البعث.

كان الرئيس الراحل صدام حسين يزداد تشددا كلما خسر معركة تلو الأخرى في حربه مع إيران. وكان يزيد من علو الصوت السياسي والتهديد الأمني للولايات المتحدة وإسرائيل كلما ساء الأداء العسكري لقواته في حرب تحرير الكويت.

إن قانون المنطق البعثي هو: استمر في التشدد إلى ما لا نهاية لأن قوتك هي في الرفض الدائم وليس في الرغبة في التفاوض أو المقايضة.

من هنا فإن فهمي المتواضع لخطاب الرئيس الأسد يقوم على النتائج التالية:

1) أن الرجل باق ولن يرحل.

2) أن بشار الأسد يعد نفسه للاستمرار في الحكم من خلال مشروع الدولة العلوية التي تبدأ في الساحل السوري وتتصل بالبقاع اللبناني مع احتمال وجود منافذ للدولة الكردية.

3) أن الرئيس إذا كان لم يهزم عسكريا بعد لأن الدعم العسكري لثلاث فرق عسكرية رئيسية في الجيش ما زال قائما، فهو أيضا لم ينتصر ولم يسحق أعداءه.

إذن بشار يتصرف من منطق غير المنتصر وغير المهزوم الذي يعد العدة لمشروع «الرحيل إلى الداخل».

الرحيل إلى «الداخل» يعني أن نسمع البيان رقم واحد من اللاذقية لمشروع الدولة العلوية بصوت الدكتور بشار معلنا استمراره للكفاح والنضال ضد «المجرمين والإرهابيين» والمشروعات الإجرامية الممولة من الخارج.

لا يمكن لبشار أن يرحل إلى الخارج بعد أن وصلت فاتورة خسائره إلى 60 ألف قتيل ونصف مليون جريح و3 ملايين مهاجر ونازح داخل الوطن وخارجه.

إن ما يحدث الآن في سوريا هو عملية تطهير عرقي بهدف تحضير البلاد لخارطة جديدة.

السؤال المهم: هل القوى الكبرى على استعداد للتفاوض على نصف سوريا أم تريد المحافظة على سوريا بحدودها التاريخية؟!

==========================

الربيع العراقي.. الرؤية والمسار

د. محمد عياش الكبيسي

العرب القطرية | 2013-01-08 

انطلق الربيع العراقي بصورة سريعة ومفاجئة، ثم توسعت دائرته لتشمل المنطقة الأوسع من الخارطة العراقية، بيد أن السيناريو الذي سيرسمه هذا الربيع وصورة التغيير المنشود غير واضحة لحد الآن –هذا على الأقل بالنسبة للذي يراقب الأحداث عن بعد- حيث إن الحالة العراقية مختلفة عن كل حالات الربيع العربي السابقة، وربما اللاحقة أيضا، كما أن الحشود الجماهيرية التي نزلت إلى الشارع فجأة لا يمكن أن تكون قد حددت خارطة الطريق للوصول إلى أهدافها بل ربما لم تتفق حتى على تحديد الأهداف وترتيب أولوياتها.

النقطة الجوهرية التي يمكن اعتبارها المحرك الأساس لهذه الانتفاضة هي (الشعور بالظلم) فأهل السنة في العراق يشعرون اليوم أنهم يعاملون وكأنهم مواطنون من الدرجة الأدنى، أو أنهم يشكلون عبئاً غير مرغوب به في العراق الجديد، وقد تعاظم لديهم الشعور بالخطر وهم يرون اتفاقاً أميركياً إيرانياً على استئصالهم، أما الأميركيون فلما ألحقته بهم المقاومة من خسائر مادية ومعنوية أكبر من أن تحصى، وأما الإيرانيون فلا شك أنهم يعتبرون السنة العراقيين هم العقبة الأخيرة أمام مشروعهم الإمبراطوري التوسعي، إضافة إلى نزعة الثأر والانتقام من أحفاد الصحابة الفاتحين الذين أزاحوا عن الوجود شيئاً ما كان يسمى «الإمبراطورية الفارسية».

تحرك الشارع السني بدافع واضح ومتفق عليه إلى حد الإجماع وهو الشعور بالظلم، وتعبيراً عن هذا الشعور كان المتظاهرون يرفعون صور رافع العيساوي وربما الهاشمي والدليمي تعبيراً عن الشعور بالظلم السياسي، ويرفعون كذلك صور المعتقلين والنساء المعتقلات تعبيراً عن الشعور بالظلم الإنساني والمجتمعي والذي وصل إلى حد المساس بالشرف الذي تصغر أمامه كل البشاعات والمظالم الأخرى.

هذه النقطة التي التفّت حولها الجماهير وبشكل عفوي وغير مسبوق هي النقطة الوحيدة التي يمكن اعتمادها لمعرفة البوصلة الموجهة لكل فعّاليات الحراك وأدبياته، وكل عنوان آخر مهما كان مقنعاً لأصحابه لا يمكن أن يكون نقطة ارتكاز جامعة لهذه الحشود، بل ربما يكون أداة لشق الصف وتشتيت الجهود، فلو أخذنا مثلاً ما يطرحه البعض من الدعوة إلى رفض العملية السياسية ونتائجها وكل المشاركين فيها.. إلخ فما الذي سنخسره في هذا الطرح؟

أولا: من الواضح في كل ميادين الانتفاضة الحضور القوي لرموز السنة السياسيين، فلم تخل مظاهرة واحدة من مشاركة لوزير أو برلماني أو محافظ أو أعضاء في مجلس محافظة.. إلخ والتأييد الجماهيري لكل هؤلاء واضح، ولا يمكن إنكاره أو التشكيك فيه-اتفقنا معهم أم اختلفنا- بل إن هناك من يمكن اعتباره محركاً فعلياً للانتفاضة مثل رافع العيساوي وأحمد العلواني وأثيل النجيفي، مما دعا المالكي إلى المطالبة برفع الحصانة عنهم، وفرقت الجماهير بين السياسي المؤيد لمطالبهم، والسياسي الآخر كما حصل لصالح المطلك، والذي يحاول الآن أن يصحح موقفه. ثانيا: القبائل العربية السنية كان لها الحضور المميز، ونستطيع القول بكل ثقة: إن عشائر الدليم في الرمادي خاصة ومعهم كل عشائر الأنبار هم من يقوم فعلياً برعاية الانتفاضة وحمايتها ومساندتها، وشيوخ هذه العشائر وواجهاتها الرئيسة كلهم أو أغلبهم على صلة وثيقة بالرموز السياسيين.

ثالثاً: مجالس المحافظات، وهؤلاء منتخبون محلياً من أبناء محافظاتهم، وقد تميزت مواقفهم بالتأييد المطلق للانتفاضة، إلى الحد الذي أعلن فيه مجلس محافظة الأنبار إجازة رسمية لكل المشاركين في الانتفاضة من موظفي الدولة!

رابعا: القوى الأمنية المحلية وهي أجهزة تشكلت من أبناء المحافظات وبالتالي فهم يشعرون بأنهم جزء من هذه الانتفاضة، فآباؤهم وإخوانهم وأبناء أعمامهم هم الذين يحتشدون في الساحات، ولا يمكن لهؤلاء إلا أن يكونوا مع أهلهم، وهذا ما حصل بالفعل، وهذا ما ينبغي أن نعمل على استمراره وديمومته.

خامسا: الكرد وهم الشطر الثاني للسنة، وهؤلاء كلهم بقياداتهم وأحزابهم وفعالياتهم الشعبية داخلون في العملية السياسية وهم ركن من أركانها، وهؤلاء اليوم قد أدركوا خطورة المالكي ومشروعه الطائفي الإقصائي، وقد عبروا عن تعاطفهم وتأييدهم المطلق للانتفاضة، إلى الحد الذي أعرب فيه مسعود البرزاني عن استعداده لاستضافة أي سنّي عربي حتى لو كان عزة الدوري، وقد كانت الأعلام الكردية ترتفع في مظاهرات الأنبار، وكان للخطباء الكرد كلمات تضامنية قوية ومميزة.

إن هناك من لا يتورع عن الدعوة لتوجيه الانتفاضة بالضد من كل هذا التيار الداعم والمساند، وهي ذات التجربة التي وقعت فيها القاعدة، حيث أعلنت حربها على جميع مخالفيها رأياً وسياسة وإدارة، وكانت النتيجة أنها لفّت الحبل على عنقها بعد أن أربكت مشروع المقاومة وأفسدت الأجواء الحاضنة لها بشكل أكثر مما كان يتمناه الأميركيون والإيرانيون.

هناك من يطرح عنواناً آخر وهو»الإقليم السنّي» ولا شك أن هذا الطرح يمثل أقصى درجات الشعور بالظلم والخوف على مستقبل الوجود السنّي في العراق، وهو شعور واقعي لا يمكن القفز عليه، ولكنه قد يسبب إرباكاً داخل الجمهور المنتفض، حيث لم يتمكن دعاة الإقليم من تشكيل قناعة واسعة يمكن اعتمادها كنقطة ارتكاز جامعة، لاسيَّما أن الروح المعنوية العالية والمتصاعدة قد ترفع السقف إلى حد إسقاط المالكي وإلغاء كل البنى القانونية والسياسية التي اعتمدها المالكي في سياسة التهميش والإقصاء.

إن المطالب المشتركة لكل المتظاهرين والتي أعلنتها اللجان الشعبية المنظمة لهذه التظاهرات في كل المناطق تنسجم تماماً مع تلك البوصلة ويمكن تلخيصها بالآتي:

1 - إطلاق سراح المعتقلين، والنساء المعتقلات بشكل خاص، وتفعيل قانون العفو العام، ومحاسبة المجرمين الذين قاموا بإساءة المعاملة للمعتقلين والمعتقلات.

2 - إغلاق جميع الملفات التي تستهدف القيادات السنية، والكف عن تسييس القضاء، وإلغاء قانون 4 إرهاب الذي يستخدم بشكل مكثف لاستهداف رموز السنة.

3 - تحقيق التوازن في كل مؤسسات الدولة ومنها المؤسسات العسكرية والأمنية.

4 - تشريع قانون لحماية الخصوصية الثقافية لأهل السنة وكل فئات الشعب العراقي، والكف عن التجاوزات التي تمارس بشكل منظم في المناهج الدراسية ووسائل الإعلام الرسمية.

5 - تسليم الملف الأمني في كل محافظة لقوى الأمن المحلية، ومنع المداهمات التي يقوم بها الجيش بتوجيه مباشر من الحكومة المركزية.

هذه المطالب ليس فيها أية دعوة طائفية، وليست موجهة ضد أي مكون من مكونات الشعب العراقي، كما أنها نزيهة تمام النزاهة عن شبهة التسييس لهذا الحزب أو تلك القائمة، إنها باختصار لا تدعو إلا إلى رفع الظلم عن أهل السنة والذي طالهم بشكل مكثف ومركز من1/4/2003 وإلى اليوم.

هناك من يقول: إن الظلم لم يقع على أهل السنة فقط، فلماذا لا يتحول الربيع السني إلى ربيع عراقي؟ وهذا تساؤل وجيه، فالحكومة ظلمت الشعب العراقي كله، والمحافظات الجنوبية لا تختلف عن المحافظات السنّية من حيث البطالة وسوء الخدمات وتهديم البنى التحتية، بيد أن المحافظات الجنوبية لا تتعرض لمسخ في هويتها، أو تهميش لدورها السياسي أو انتهاك لأمنها وحرمة نسائها.. إلخ، ومع هذا فإن الباب مفتوح لكل المظلومين للمشاركة والمساهمة بدفع الظالم وإيقافه عند حدوده، بل إن رفع الظلم عن السنة لا يصب لصالح السنة فقط بل هو مصلحة وطنية عليا، فماذا يستفيد العراق من إقصاء دور مكون أساس من مكوناته الرئيسة؟

لقد عبّر أهل السنّة عن ترحيبهم بالوفود الرمزية التي جاءتهم من المحافظات الجنوبية، مع أن السياق يقتضي مطالبتهم بالتظاهر في محافظتهم، إن لم يكن بدافع رفع الظلم عن شركائهم فليكن بدافع رفع الظلم عن أنفسهم.

حقيقة أن المالكي ليس متهماً بتهميش السنّة وظلمهم وانتهاك حقوقهم فحسب، بل هو متهم بتسليم العراق كله لدولة أجنبية لها أطماعها الثأرية والانتقامية من العراق وهويته وتاريخه، وهو متهم بالعمل على تمزيق النسيج الاجتماعي للعراقيين، واختطاف مآثرهم الحضارية ومواردهم الاقتصادية، إنه لم يعد مؤتمناً حتى على هواء العراق وترابه، وبالتالي فهناك أكثر من مبرر يصل إلى حد الضرورة لصناعة الربيع العراقي وفي كل المحافظات العراقية..

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ