ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 29/12/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

27&28-12-2012

ثنائية الرهان على سقوط الأسد واستقرار لبنان

بهاء أبو كروم *

الجمعة ٢٨ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

كانت سورية مستقرة نسبياً من الناحيتين السياسية والاقتصادية قبل الثورة، وهو ما كان يشجع بشار الأسد على القول إن حصانة الاستقرار في سورية تكمن في الوطنية التي يتحلى بها الشعب وبانتمائه القومي واصطفافه خلف القيادة السياسية. رهان النظام على وطنية وعروبة مواطنيه كانت في مكانها إنما تجيير هذه الوطنية لصالح نظام القمع والتهميش لم تكن لتعكس الواقع على حقيقته. لقد كانت المشكلة تتلخص في غياب الديموقراطية وسيطرة المقاربة الأمنية وإقصاء فئة كبيرة من السوريين عن المشاركة بالسلطة أضف إلى أن تموضع سورية على الخارطة الإقليمية في محور الممانعة الذي كان سبباً في استقرارها أضحى لاحقاً السبب الرئيسي لاندلاع الثورة وبالتالي فإن ظروف الحرب الداخلية كانت مضمرة والتعالي عن التماسها وتقدير حجمها أديا إلى تفجرها بهذا الشكل الدموي. فهل في لبنان الظروف مشابهة؟

الجواب البديهي هو نعم وربما هناك أسباب إضافية تدفع إلى الاعتقاد بأن لبنان يختزن عوامل إضافية أكثر تجذراً، ربما لو كنا لا نزال في مرحلة الحرب الباردة والتوازن الذي قام بين معسكري الشيوعية والرأسمالية لكانت الحرب اندلعت من دون مقدمات، إذ لبنان الساحة كان ليحل محل غيره من الساحات. لكن ونحن أمام معادلة دولية مغايرة فالتركيز على سورية يساعد لبنان على اجتياز المخاطر آنياً، سيما وأن مقومات الحسم تبقى قائمة على قاعدة التغيير في سورية بينما في لبنان لا يؤدي الاشتباك إلى نتائج مختلفة.

مع ذلك لا يجوز الإتكاء على هذه الخلاصة إذ يوم تنتهي الثورة في سورية إلى انتصارها المحتم سيبرز السؤال عن لبنان، وهو سؤال مباح في ظل صراع المحاور الذي يدور في المنطقة وفي ظل ترجماته الداخلية.

فالمتاح لبنانياً يكمن في تصحيح المعادلة الداخلية، أو ما يسمى بإعادة تشكيل السلطة والتوازن الداخليين اللذين انهارا لصالح الممانعة عند سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري في بداية العام 2011، وهذا التصحيح سيكون بمثابة الحد الأدنى، وهو ضرورياً بعد سقوط الأسد، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، لكن من الأجدى أن يتم قبل ذلك.

إلا أن القضية لا تتوقف هنا، فالخطأ الذي ارتكبه بشار الأسد عندما راهن على وطنية وعروبة مواطنيه لصمتهم عن أدائه وسياساته مؤهل لأن يتم استنساخه على المستوى اللبناني. لقد أدى اختزال حالة الاعتراض على واقع أن لبنان يشكل ساحة من ساحات المواجهة بين إيران والغرب إلى تفاقم هذه المسألة. وللاعتراض هذا مقوماته وامتداداته وأسبابه وهو لا ينشأ من فراغ. فاستراتيجية النأي بالنفس عن الأحداث في سورية التي اتبعتها الحكومة اللبنانية تقف عند منتصف الطريق ولا تصل إلى حدود أبعد من ذلك. ولا يضير إن قيل اليوم إن التوحد حول القضية التي دفعت اللبنانيين إلى إخراج الوصاية في العام 2005 يتجدد اليوم عبر المطالبة بوقف استخدام لبنان في الصراع الإقليمي الدائر واعتباره ساحة لهذا الصراع. ويمكن الانتباه لحجم تبني هذا الطرح على المستويين الشعبي والرسمي في آن، إذ يتخطى هذا التبني اصطفاف 14 و 8 آذار. فتموضع لبنان ضمن استراتيجية الممانعة التي حمت استقراره المشروط والنسبي لحد اليوم ستكون هي ذاتها سبباً في عدم استقراره لاحقاً، وهذا الأمر ليس له علاقة بوطنية اللبنانيين أو عروبتهم أو ما شاكل. طبعاً لذلك شروطه أيضاً.

يبقى أن حادثة اغتيال اللواء وسام الحسن شكلت مؤشراً حقيقياً إلى مراوحة لبنان في المكان ذاته الذي سبق اندلاع حرب تموز، وقد حمل هذا الاغتيال ملامح انخراط الساحة اللبنانية من جديد في معادلة الفرز بين المحاور والأحلاف، أضف إلى أن القبض على نظام الأسد متلبساً بالجرم المشهود في قضية ميشال سماحة يدل على حجم استهداف الاستقرار في لبنان. في هذه الحمأة يشتد التجاذب حول قانون الانتخابات المقررة صيف العام 2013 في ظل مقاطعة فريق 14 آذار للمجلس النيابي. والواضح أن قانوناً يحمل إمكانية مسبقة لخسارة طرف بذاته كالقانون الذي جرت على أساسه انتخابات العام 2009 من الصعب أن يضمن إجراء الانتخابات في وقتها المحدد، واللبنانيون اعتادوا الدخول في جولات من الضغوط المختلفة كلما اقترب موعد إقرار قانون للانتخابات.

* كاتب لبناني

==============

الأكراد ينتهزون فرصتهم

باتريك سيل *

الجمعة ٢٨ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

يظنّ عدد كبير من الأكراد أنّ الاضطرابات الحالية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، في سورية والعراق وإلى حدّ أقل في إيران وتركيا، تتيح لهم أفضل فرصة توافرت لهم في العصر الحديث لتقرير مصيرهم. ويبدو أنهم عازمون على انتهازها. ولربما تتمّ إعادة رسم خريطة المنطقة أمام أعيننا.

خلال الأربعمئة سنة من حكم الإمبراطورية العثمانية، كان الأكراد يحظون بسيادة كبيرة وبوحدة سياسية. ومنذ أن بدأوا يعيشون في جبال يتعذر الوصول إليها، سمح لهم العثمانيون بإدارة شؤونهم الخاصة. وحين هُزمت الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وقّعت على معاهدة «سيفر» مع الحلفاء المنتصرين عام 1920 فيما وعدت البنود العديدة الواردة في هذه المعاهدة الأكراد بقيام دولتهم الخاصة. إلا أنّ الأتراك لم يرضوا بذلك وكانوا عازمين على إنشاء دولة تركية قوية على أنقاض الإمبراطورية.

وحارب الحركة القومية التركية بزعامة مصطفى كمال أتاتورك معاهدة «سيفر». وعقب مفاوضات طويلة، أجبر الحلفاء على التوقيع على معاهدة جديدة عُرفت باسم معاهدة لوزان عام 1923 التي اعترفت بسيادة الجمهورية التركية الجديدة وبحدودها. وشكّل ذلك نبأً سيئاً بالنسبة إلى الأكراد لأنّ معاهدة لوزان لم تأت على ذكرهم. وبدلاً من ذلك، وجدوا أنفسهم مقسّمين بين دولة تركيا الجديدة وبين العراق وسورية، الدولتين العربيتين اللتين شكلتهما بريطانيا وفرنسا من الولايات العثمانية السابقة. وأُجبر الأكراد منذ ذلك الحين على أن يعيشوا في الشتات والقمع.

وأعاد عدد من التطوّرات الإقليمية المهمّة إحياء آمال الأكراد بعيش حياة أفضل اليوم.

* في العراق، يبدو أنّ الحكومة المركزية في بغداد والحكومة الإقليمية الكردية في أربيل على شفير الحرب. فقد نشر الجانبان أعداداً كبيرة من الجنود على طول الحدود المتنازع عليها في منطقة كركوك الغنية بالنفط. وتعزى الأسباب المباشرة للنزاع إلى العقد الذي وقّعته الحكومة الإقليمية الكردية مع شركة «إكسون موبيل» من أجل التنقيب عن النفط في منطقة كركوك وإلى الشراكة الاستراتيجية المقترحة في مجال الطاقة بين الحكومة الكردية وتركيا. وقد يتطلّب ذلك عقد صفقة مع شركة تركية مدعومة من الحكومة تُعنى بالتنقيب عن النفط وببناء خطوط الأنابيب لتصديره من الحكومة الكردية إلى تركيا بهدف نقل النفط والغاز الكرديين إلى الأسواق الدولية. وغنيّ عن القول أنّه في حال تمّ المضي قدماً في هذه المشاريع، قد يخطو الأكراد العراقيون خطوة أقرب في اتجاه الحصول على الاستقلال.

وتشن بغداد حالياً معركة مضادة. فقد أعلن سامي العسكري، مستشار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إنه في حال وضعت «إكسون» إصبعها على هذه الأرض ... فسندخل في حرب على النفط وعلى السيادة العراقية. وعيّنت بغداد اللواء عبد الأمير الزيدي قائداً للقوات العراقية التي تواجه الحكومة الكردية. ويقال إنّ هذا اللواء أدّى دوراً مهمّاً في «حملة الأنفال» التي شنّها صدام حسين ضد الأكراد عام 1988. وبغية تحدّي هذه الخطوة، قام رئيس الحكومة الكردية مسعود برزاني بزيارة رفيعة المستوى إلى كركوك حيث تفقّد الخطوط الأمامية لقوات «البيشمركة» في 10 كانون الأول (ديسمبر).

وفي هذا الوقت الدقيق، أدّت الجلطة الدماغية التي أُصيب بها الرئيس العراقي الكردي الأصل جلال طالباني (79 سنة) إلى إزاحة وسيط محتمل بين بغداد وأربيل عن الساحة.

وخوفاً من أن تدفع الشراكة الوثيقة بين الحكومة الكردية وتركيا، بغداد إلى عقد تحالف وثيق مع إيران، حضّت الولايات المتحدّة الحكومة الكردية على إبطاء وتيرة الصفقات النفطية مع تركيا. غير أنّه تمّ تجاهل دعوة واشنطن هذه. إذ يبدو أنّ الأكراد مصممون على الحصول على الاستقلال.

والجدير ذكره أنّ المنطقة الكردية المستقلة نشأت في ظلّ الحماية الغربية لشمال العراق عقب الغزو الأميركي عام 2003. وحظيت الحكومة الكردية بفضل علمها الخاص ونشيدها الوطني ورئيسها وبرلمانها، بخصائص الدولة المستقلة لا سيّما في ظلّ وجود قواتها المسلحة (البيشمركة) والكلمة تعني «الأشخاص الذين يواجهون الموت» والمقدّر عددهم بـ 200 ألف جندي. وعلى رغم أنّ دستور العراق الجديد الذي أُقر عام 2005 اعتبر هذا البلد دولة فيديرالية مؤلفة من عرب وأكراد إلا أنّ منطقة كردستان التي شهدت ديناميكية وازدهاراً تحرّرت من سيطرة بغداد.

* في سورية، تدمّر الحرب الأهلية الطويلة هذا البلد الذي كان قوياً وموحداً. وبدأ القتال العنيف الذي يدور بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد المحاصر وبين عدد من المجموعات التي تضمّ محاربين من الثوّار، يتحوّل إلى حرب طائفية بين الأكثرية السنية وبين الأقلية العلوية التي تحظى بتمثيل جيّد في الجيش وفي قوات الأمن. ويبدو أنّ القتال يؤدي إلى تفكيك سورية وتقسيمها علماً أنّ كلّ طائفة ومجموعة إثنية تسعى إلى الدفاع عن نفسها.

في الصيف الماضي، سُحبت قوات الحكومة السورية عمداً من القرى ذات الأكثرية الكردية على طول الحدود مع تركيا. ومن خلال تسليم هذه المنطقة الاستراتيجية إلى الأكراد، كان النظام السوري يسعى بوضوح إلى معاقبة تركيا لدعمها الثوّار السوريين. وربما سحب النظام قواته لأنّه كان بحاجة إليها في مكان آخر. كما يحكم الأكراد هذه المنطقة من خلال حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي» الذي تشكّل عام 2003 وتحالف مع «حزب العمّال الكردستاني».

وفي شمال سورية، هناك المجلس الوطني الكردي وهي مجموعة تتألف من 11 حزباً كردياً سورياً تشكّلت عام 2011. وفي 11 كانون الأوّل(ديسمبر)، قال رئيس هذا المجلس شيركو عبّاس في مقابلة إنّ الولايات المتحدّة وحلفاءها الأوروبيين وافقوا على توفير المال والمعدّات اللوجيستية لجيش كردي مستقل قوي بما فيه الكفاية لإبقاء المجموعات المحاربة الإسلامية والسلفية خارج المناطق الكردية في سورية. ولم يخف عبّاس طموحه بإنشاء منطقة كردية مستقلة ضمن سورية الفيديرالية على شكل المنطقة الكردية شمال العراق.

* تمّ إجبار تركيا في المقابل على تقديم تنازلات لمصلحة الأكراد. وتمّ وضع حدّ لإضراب عن الطعام نفذّه سجناء سياسيون أكراد في تشرين الثاني (نوفمبر) بعد دعوة وجهها إليهم زعيم «حزب العمّال الكردستاني» عبد الله أوجلان من سجنه في جزيرة إمرالي. وأقرّ رئيس الوزراء التركي رجب طيّب إردوغان بالدور الذي أدّاه أوجلان على هذا الصعيد. فضلاً عن ذلك، هناك مؤشرات إلى أن إردوغان ينظر في إمكان عقد مفاوضات سياسية مع أوجلان وتقديم تنازلات إضافية للأكراد.

* قامت إسرائيل، التي طالما كانت تتطلع إلى إضعاف الدول المجاورة لها، بتسليح أكراد العراق وتدريبهم ضد بغداد. ومنذ حرب عام 2003، باتت علاقتها وثيقة مع الحكومة الكردية. ويقال إنّ الطائرات الإسرائيلية من دون طيّار تعمل ضد إيران من خلال قواعد موجودة داخل المنطقة الكردية كما يقال إنّ جهاز «الموساد» أجرى عمليات استخباراتية عبر حدود المنطقة الكردية ضد منشآت إيران النووية. ويقال إن إسرائيل تدعم مجموعات كردية مسلحة داخل إيران مثل حزب «بيجاك» أو (الحزب من أجل حياة حرة في كردستان) لشنّ هجمات مسلّحة ضد أهداف إيرانية.

لكنّ يبدو أنّ مصائب قوم عند قوم فوائد. فكلّما غرق العرب في الانقسام والحرب، كلما انتصر أعداؤهم وكلّما اعتقد الأكراد أنّ حلمهم بالاستقلال سيتحقّق أخيراً.

* كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الأوسط

==============

إحياء خطة جنيف لسورية أو تجاوزها

وليد شقير

الجمعة ٢٨ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

كالعادة، استقبل النظام في سورية الممثل الخاص الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي بالمجازر المروعة في حلفايا وريف حماة وحلب والرقة ودير الزور وريف دمشق، وبمزيد من التدمير الممنهج، لإبلاغ من يجب أنه لن يتراجع قيد أنملة، مهما أظهر من استعداد للبحث في الأفكار التي طرحها عليه بإحالتها على لجنة من القيادة لدراستها، وأنه سيتمسك بالسلطة مهما كان الثمن، وأن تقدم معارضيه على الأرض لا يعني أنه غير قادر على الصمود وإلحاق الكثير من الأذى بهم وبالشرائح الاجتماعية والشعبية التي يسيطرون عليها بحيث تستحيل البلاد دماراً وأرضاً مخضبة بدماء الأبرياء لاستدراج ردود الفعل الطائفية.

وهو ودّع الإبراهيمي بمثل ما استقبله. وسيرافقه خلال زيارته موسكو غداً بالأنباء المروعة، وبفزّاعة الحرب الأهلية التي نجح على مدى 21 شهراً من الأزمة في إرساء أساسها الميداني، رداً على فكرة الحكومة الانتقالية «الكاملة الصلاحيات» التي اقترحها عليه الثلثاء الماضي، والمستمدة من التفاهم الأميركي – الروسي على صيغة تنفيذية لخطة «مجموعة العمل من أجل سورية» التي أقرت في جنيف في 30 حزيران (يونيو) الماضي، ولم تجد طريقها الى التنفيذ بسبب رفض الأسد ترجمتها الى أفعال، ما أدى الى استقالة المبعوث السابق كوفي أنان في تموز (يوليو) الماضي، وإلى سحب المراقبين الدوليين، الذين تعرضوا للمضايقات من قوات النظام، على رغم أن خطة جنيف تدعو الى تأمين سلامتهم والتعاون معهم.

وإذا كان التوافق الغربي – الروسي على صيغة لترجمة خطة جنيف تعذر قبل 6 أشهر، فإن التقدم الذي أحرزته المعارضة كان عنصراً ضاغطاً هذه المرة، مع الإبراهيمي من أجل البحث عن المساحة الدولية المشتركة التي أصر عليها الديبلوماسي المحنك لمواصلة مهمته. بات المدافعون عن النظام يتحدثون عن عدم قدرة أي من الفريقين على الحسم، بعدما كانوا يقولون إن النظام سيحسم المعركة لمصلحته. حتى طهران باتت تقول إن «الاشتباكات العسكرية بلغت طريقاً مسدوداً» بعدما توقعت ومؤيدوها، خصوصاً «حزب الله»، انتهاء المعارك لمصلحة جيش الأسد وميليشياته. المراهنة على تفوّق النظام حالت دون ترجمة خطة جنيف بالمرحلة الانتقالية من دون الأسد لأن موسكو كانت، مثل طهران، مع مرحلة انتقالية باستمرار الأسد في السلطة حتى 2014. وتراجع هذه المراهنات على تفوق قواته على المعارضة واستعادته الأرض هو الذي أتاح اقتراح أفكار من النوع الذي طرحه الإبراهيمي على الأسد وتقضي بأن يوافق الرئيس السوري على أن تتولى الحكومة الانتقالية كل صلاحيات الدولة، بما يعني أن يبقى رئيساً لشهور قليلة من دون صلاحيات. وهي صيغة مركبة توفق بين موقف موسكو السابق بأن يكون الحل بوجود الأسد، وموقف الغرب بأن الحل يشمل تنحيه. وهو الحل الذي يشبه النموذج اليمني.

يدور الكثير من المناورات في وقت بلغت مهمة الإبراهيمي مرحلة مفصلية، عليها يتوقف إمكان تجديد الحياة في خطة جنيف، أو الإقرار بعدم صلاحيتها. الخيار الأول يجدد الحد الأدنى من التوافق الدولي الذي تحرص عليه موسكو وواشنطن، والثاني يجسد انتقال الصراع بينهما الى مرحلة جديدة. وهو خيار لا يبدو أن القوى العظمى تفضله. ولهذا السبب يمكن القول إن اقتراحات الإبراهيمي تشكل الوسيلة التي تضمن إحياء خطة جنيف التي كانت في حال «كوما» خلال الأشهر الستة الماضية. وما قول الإبراهيمي إن في خطة جنيف ما يكفي من العناصر إلا محاولة منه للقول إنه يمكن الانطلاق منها لاقتراح الحلول. فهي تنص في الفصل الثاني منها على «قيام جسم حكومي انتقالي يتمتع بسلطة تنفيذية كاملة تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى تتشكل برضى متبادل». وفي ما يخص إعلان الإبراهيمي أمس أن أفكاره تضمنت انتداب قوات حفظ سلام الى سورية، يذكر أن خطة جنيف نفسها كانت في الفصل الرابع منها أشارت الى أن مجموعة العمل الدولية ستقدم الدعم لتطبيق الاتفاق بين الأطراف (السوريين) و «هذا يمكن أن يشمل وجوداً دولياً مساعداً بانتداب من الأمم المتحدة إذا طُلب ذلك...». وحين يقول الإبرايمي إن خطة جنيف قد تتطلب تعديلاً، فهذا قد يشمل هذه النقطة بالذات لتكون أكثر وضوحاً لجهة إرسال هذه القوات من دون أن يُطلَب ذلك (من السلطات السورية)، طالما أن الإبراهيمي قال إن البديل لعدم القبول بأفكاره هو إصدار قرار ملزم للأطراف السورية في مجلس الأمن.

امام الإبراهيمي أيام صعبة لتحويل أفكاره الى سلة اتفاق دولي، لا سيما أن طهران قالت علناً إنه «لا يمكن تقديم أي حل خارج المبادرة الإيرانية» التي تقترح حواراً يقود الى لجنة مصالحة، توفر الأرضية لحكومة انتقالية، تبدو في المرتبة الثالثة من الخطوات التي تقترحها، قياساً الى ما يقترحه الإبراهيمي بالتنسيق مع موسكو وواشنطن.

هل يعني الاعتراض الإيراني أن الولوج الى مرحلة جديدة من إدارة الأزمة يتطلب نقلة جديدة في الأوضاع الميدانية، وتحديداً في دمشق مع ما يعنيه ذلك من مجازر جديدة ودمار فظيع؟

==============

الاعتذار ليس عيباً

حسام عيتاني

الجمعة ٢٨ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

لعل جهاد مقدسي، المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية السورية، الأصدق مع نفسه بين منشقي ربع الساعة الأخير عن النظام. ردد مرات لا تحصى في الأشهر العشرين الماضية أن ما تشهده بلاده مؤامرة أميركية - إسرائيلية - تركية، فانتهى إلى تصديق ما قال وذهب منشقاً إلى رأس المؤامرة: وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

اختفى المقدسي الذي يقال انه موجود الآن في الولايات المتحدة ينقل إلى الأميركيين كل ما يعلم عن نظام بشار الأسد. لم يتوجه إلى مواطنيه بكلمة ولم يعلن انشقاقه. ظل حتى في فراره من دمشق وفياً لإرث الانتهازية والرثاثة المثيرة للغثيان التي زرعها نظام البعث في اتباعه. وكأن الصغار لا يستطيعون إلا أن يكونوا صغاراً، بغض النظر عن الجهة التي يقفون فيها.

انشقاق المقدسي، أو «إجازته الإدارية» - على ما يعتبر مسؤولون في النظام- جاءت في سياق تزايد فرار مسؤولي أجهزة الدولة الذين شعروا بدنو أجل حكمٍ رفعهم إلى مناصبهم الحالية. مع رفض كل تعميم والتشديد على إيجابيات عمليات الانشقاق في أي لحظة جاءت.

المدهش أن الأكثرية من هؤلاء الذين سجلوا شرائط مصورة يعلنون فيها، ببزاتهم العسكرية أو ببدلاتهم الأنيقة، تخليهم عن النظام والتحاقهم بالثورة، لم تقل كلمة اعتذار واحدة عما فعلت أثناء العهد السائر إلى نهايته. لم تصدر إشارة واحدة إلى الندم أو الاستعداد للخضوع إلى المساءلة القانونية أمام محاكمات عادلة. مسؤولون في أجهزة الأمن والجيش تابعوا ممارسة المهمات التي كلفهم النظام بها إلى اليوم الذي ضمنوا فيه سلامتهم الشخصية فانتقلوا إلى صف الثورة. ثم ظهروا بقيافتهم الكاملة للحديث عن «النظام الأسدي المجرم». وكأن الأسد كان يعمل منفرداً ومن دون آلة قمع وقتل واسعة ومتشعبة تشمل بعضاً ممن ينشق في هذه الأيام. وكأن دماء السوريين التي سالت غزيرة، سفكت على أيدي مجهولين قدموا من كوكب آخر.

معلوم أن الاعتذار علامة ضعف عندنا. وعلامة على نقص في الرجولة واختلال في نصاب الذكورة التي ينبغي أن تتجسد في كل من يتولى وظيفة عامة. أما الإقرار بالمسؤولية عن الأخطاء والجرائم المتراكمة منذ نصف قرن والاعتراف بالشراكة في نهب المال العام أو قتل المتظاهرين، فأمور لا يمكن أن تخطر في بال أي منا.

تحمّل المسؤولية لا يليق «بالرجال الرجال» الذين تستعد شريحة مهمة منهم للعودة إلى وظائفها السابقة، حاملة الثقافة السياسية والاجتماعية ذاتها، ما إن يختفي بشار الأسد من المشهد. هذا على الأقل، ما تقوله تقارير صحافية غربية تتحدث عن تشكيلات للحكومة الانتقالية لا تخلو من أسماء من شاركوا النظام البعثي في كل موبقاته على امتداد عقود. الأقلية التي أبدت أسفها على ما بدر منها تبدو استثناء من النوع المؤكد للقاعدة.

لا يعني الاعتذار مسحاً للوح الماضي ولا بداية ناصعة مطهرة من درن سابق، بل يشير إلى استعداد الموظفين الأمنيين والعسكريين المنشقين أخيراً لبدء مرحلة جديدة يتحملون فيها تبعات وعواقب أفعالهم مثلما هي الحال في الدول التي تقيم وزناً للإنسان. والمرحلة الجديدة هذه شديدة الأهمية ليس في سورية وحدها، بل في كل «الإقليم» الذي تأثر أثراً سلبياً من سياسات عهدي الأسد الأب والابن، وخصوصاً لبنان وفلسطين.

لا جديد في أن «ثقافة» الحزب الحاكم ضربت عميقاً في النسيج السوري، وحري بالثورة العثور على طريقة لائقة للتعامل مع منشقي اللحظات الأخيرة، حتى لا يكون في داخل كل منهم «جهاد مقدسي» صغير.

==============

سوريا بعد مهمة الإبراهيمي

تاريخ النشر: الجمعة 28 ديسمبر 2012

د. رياض نعسان أغا

الاتحاد

وددت أن تنجح المهمة الأخيرة للإبراهيمي على رغم أني لا أعرف خفاياها، وأظنها أدق وأشد مما أعلن عنه، وأن يجد النظام فرصة أخيرة لمخرج يوقف شلال الدماء ويجنب سوريا ما يمكن أن يحدث إثر انهيار غير مرتب، ربما يجر على سوريا وطوائفها في ساحات انتقاماً وتصفيات فوضوية ما لا يطاق من الويلات. وددت أن يفعل الأسد ما فعل رؤساء سوريون من قبل مثل شكري القوتلي والشيشكلي حين تنازلا عن الحكم طواعية فداء لسوريا، ووددت لو أن المعارضة السياسية وضعت الكرة في الملعب الآخر، فالسياسة ملعب لاحاجة لشرح قوانينه.

وأقول إنني لا أعرف تفاصيل مهمة الإبراهيمي الروسية المنشأ، لأن الرسالة فيها كانت غائمة، وهي لم تلق قبولاً قبل أن يصل الإبراهيمي، فقد سارع النظام إلى الرفض، وكان التعبير عنه دموياً، وقد فهم المراقبون مجزرة حلفايا رداً عملياً، حيث قُتل العشرات من النساء والأطفال الذين كانوا ينتظرون رغيف الخبز بعد انقطاعه أياماً جاع فيها الناس، وقد تلتها مجازر أخرى أمام ثلاثة أفران في البصيرة وبلدات أخرى وتم يومها قصف براميل التدمير على معرتمصرين وكورين وسواهما في إدلب وعلى عدة بلدات في محافظات أخرى، واستخدم الغاز المميت في حمص، في تصعيد فهمه المراقبون رفضاً للحلول السلمية، وإصراراً على متابعة طريق القمع الدموية.

وفشل مهمة الأخضر يغلق الباب أمام أية طروحات سياسية تفاوضية، وقد أنذر الإبراهيمي بخطر ما يمكن أن يحدث من تصعيد كبير في القتل والتدمير بعد فشل مهمته، وأتوقع ظهور تحولات كبرى في المواقف الدولية، ربما تكون بوادرها في التلويح بتوقف المساعدات الإغاثية من هيئة الأمم، كما ظهرت بوضوح حالة التجاهل الدولي لمضمون واستحقاقات الاعتراف بالائتلاف المعارض بعد مؤتمر مراكش.

ولعل مزية المهمة أنها أعلنت للمرة الأولى موقفاً من القضية السورية تتوافق عليه روسيا مع الولايات المتحدة، ولابد أن الاتحاد الأوروبي كان شريكاً في الباطن، ولكنني أشك في صدقية الاختلاف المعلن بين موقف روسيا وأميركا من البداية، لكننا مضطرون أن نأخذ بالمذهب الظاهري أحياناً، وأن ندع الشكوك، دون أن نغمض أعيننا عما هو مستتر، وندرك أن الولايات المتحدة لم تكن معنية فعلاً بإيجاد حلول سياسية جادة تجنب شعبنا مزيداً من التدمير، حتى بتنا نبحث عن التماهي في موقف روسيا وأميركا، وبتنا نعتقد أن هناك من تروق له هذه المجازر، ومن يسعده أن يرى السوريين يدمر بعضهم بعضاً، ومن يتمنى أن يرى سوريا تعود إلى العصور البدائية.

لقد فهم كثيرون أن عجز المجتمع الدولي عن فرض مخرج سلمي سياسي يوقف هذه الفاجعة الإنسانية الكبرى غير مقنع، وفهموا أن جلسات مجلس الأمن وما كان فيها من "فيتو" حول القضية السورية هي مجرد تمثيليات، ويرى بعضهم أن هذا الموقف المتردد لم يكن دفاعاً عن النظام، فالعلاقات السورية الروسية لم تكن متينة خلال السنوات العشر الماضية، بل كنا نعتب على بوتين تجاهله زيارة سوريا خلال سنوات حكمه، وحتى عندما زار المنطقة مؤخراً اكتفى بزيارة تل أبيب، ولم تكن زيارة ميدفيدف الخاطفة عام 2010 أكثر من مجاملة قال فيها "نحاول أن نوطد العلاقة مع أصدقاء سابقين"، وكان قد التقى الأسد عام 2008 في سوتشي ليؤكد له الأسد وقوف سوريا مع روسيا في حربها يومذاك ضد جورجيا. ويومها تمنى الأسد أن تعود الصداقة بين البلدين، وأقصد من هذا التذكير إشارة إلى أن العلاقات السورية الروسية لم تكن حتى قبل عامين قوية بما يكفي لأن تلعب روسيا هذا الدور الذي تلعبه الآن، على رغم أن مدفيدف قال بوضوح إنه "يوجه انتقادات إلى الرئيس الأسد والمعارضة على حد سواء لأن سفك الدماء يتحمله الطرفان، وهما يتقاسمان المسؤولية عما يحدث".

والفهم بأن موقف روسيا كان بتنسيق مع الولايات المتحدة يزيده تأكيداً موقف الصين التي لا شأن لها فيما يحدث، على رغم كون العرب سوقاً واسعة للمنتجات الصينية.

وبالطبع لم نكن نريد من المجتمع الدولي أي تدخل عسكري، كان ما نطلبه هو أن يجتمع الموقف الدولي في مجلس الأمن على فرض إيقاف نزيف الدم منذ بدايته، وعندها لن تكون إيران قادرة على التفرد، وبالمناسبة ليس صحيحاً تماماً ما يقال عن عمق العلاقات السورية الإيرانية، فهذه العلاقات قائمة على الشك المتبادل، ولم تكن تجارب التعاون الاقتصادي ناجحة في شيء مع إيران، ولكنها علاقات الضرورة المتبادلة، بل إنني كنت ألمس بقوة ارتياحاً عاماً للعلاقات مع تركيا أكبر من الارتياح للعلاقات مع إيران التي كانت تضيق بتردد سوريا في قبول البعد الديني لإيران وبإصرار سوريا على كون الخليج عربياً وليس فارسياً، وتضيق بشوق سوريا لعلاقات قوية خارجة عن السرب الإيراني مع الغرب ولاسيما حين بدأ شهر العسل السوري الفرنسي في عهد ساركوزي الذي فتح أبواب أوروبا لاستقبال سوريا بعد سنوات من الجفاء.

والعجيب أن سوريا لم تجد الدعم القوي من أصدقائها المفترضين (روسيا وإيران) إلا حين بدأ نزيف الدم، وكان أولى بالأصدقاء أن يسارعوا إلى حقنه بدل أن يشجعوا على مزيد من التدمير، وكان بوسعهم أن يقدموا النصح، وأن يعملوا على تفادي الانهيار، كما فعل أصدقاء آخرون كانوا أقرب بكثير إلى الأسد، وحاولوا تقديم المشورة وتجنيب سوريا طوفان الدم، وأقصد أردوغان وأمير قطر، وقادة الإمارات، ولم تكن المملكة العربية السعودية بعيدة، فقد تم تقارب كبير غسل شجون الماضي القريب.

أما وقد فشلت مهمة الأخضر، فلن يبقى سوى الإصرار المتصاعد على متابعة القتل والدمار، فهل سنشهد صحوة ما للضمير الإنساني لنصرة شعب سوريا قبل أن تقع كارثة العصر إذا دخلت الثورة (لا سمح الله) في أتون حرب طائفية مازال شعبنا يرفضها على رغم كل الدفع إليها؟

==============

تفاقم الأزمة الإنسانية في سورية

الوطن السعودية

التاريخ: 28 ديسمبر 2012

تقترب الثورة السورية من إكمال عامها الثاني، ولا يزال الأمل بإيجاد مخرج سياسي للصراع الدموي بعيدا، بل شبه معدوم، فالنظام، مدعوما بقوى عالمية وإقليمية، يصر على الاستمرار في تصفية الشعب، والمعارضة، ترفض دخول حوار ما لم يرحل النظام، وعلى رأسه الرئيس الأسد، وهو ما يرفضه النظام تماما، الأمر الذي يدخل الأزمة في دائرة مفرغة قاتلة يدفع أبناء الشعب السوري ثمنها في كل لحظة تمر دون الوصول إلى حل.

التكلفة البشرية لهذا الصراع، وصلت إلى عشرات آلاف القتلى والجرحى، الغالبية العظمى من هؤلاء الضحايا هم من المدنيين الذين يشهدون بلادهم تتعرض للدمار دون أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل جدي وإيجابي لحل الأزمة، لكن هناك جانبا آخر للصراع أغفلته معظم أجهزة الإعلام العربية والعالمية، وهو المعاناة الإنسانية للشعب السوري، خاصة بعد حلول فصل الشتاء، وبالتحديد في مدينة حلب التي تشهد أعنف المواجهات منذ أسابيع طويلة. ف

صل الشتاء نزل على حلب، أكبر المدن السورية، وهي تدخل شهرها السادس تقريبا من المواجهات العنيفة والدامية بين قوات المعارضة والجيش النظامي. وفيما تنخفض درجات الحرارة، ومع أصوات القصف وانفجارات القذائف التي لا تكاد تتوقف على مدار الساعة، وغياب الإدارة المدنية بشكل شبه كامل، تتجه المدينة بشكل ثابت إلى حالة كارثية مؤكدة. الأحياء التي على "خطوط الجبهة" تحولت إلى أكوام من الركام.

معظم أحياء المدينة ليس فيها كهرباء ولا ماء، وهناك نقص حاد في وقود التدفئة (المازوت) وفي أسطوانات الغاز. هناك أيضا نقص كبير في الغذاء والدواء والرعاية الطبية. الأمراض والأوبئة بدأت تنتشر. الناس بدؤوا يقطعون الأشجار التي تزين الشوارع والحدائق ليستخدموها وقودا للتدفئة. أكوام القمامة تتراكم في الشوارع بسبب عدم جمعها منذ أشهر. والناس بالمئات يقضون ساعات طويلة في "طوابير الخبز" للحصول على أرغفة يعودون بها إلى بيوتهم.

هذا الوضع يجب أن يجد حلا سريعا. فليس من مصلحة أحد أن تستمر المعاناة في حلب بهذا الشكل. من المؤكد أن الثورة ستكون أول الخاسرين إذا استمرت معاناة الشعب الذي يفترض أنها قامت من أجله.

فالحلبيون لم يعودوا معنيين بالمواجهات بين الجماعات المسلحة والقوات النظامية. الحلبيون الآن مشغولون بالبحث عن رغيف خبز يدخل بطون أطفالهم، وجالون مازوت يبعد برد الشتاء عنهم، وجرة غاز تعين الأم على طبخ حساء لأبنائها. وفي جميع الأحوال، ليس هناك كهرباء ليشاهد الحلبيون إعلام هذا الطرف أو ذاك.

الأزمة السورية... حلب أنموذجا، تتفاقم، ويجب وضع حد لها في أسرع وقت ممكن.

==============

النزاع في سوريا.. أهو حرب أهلية؟

د. محمد عاكف جمال

التاريخ: 28 ديسمبر 2012

البيان

بدأت النخب السياسية في العالم العربي تتداول مصطلح "الحرب الأهلية" منذ عدة عقود من السنين، وخلال ذلك كانت هناك وقفات حذرة متخوفة متسائلة متشككة، حول صحة وسم بعض النزاعات المسلحة بهذا الوصف، وذلك لأسباب وجيهة. فغياب معايير التقييم الموضوعية لطبيعة النزاعات المسلحة الدائرة من جهة، والتخوف من مواجهة تداعيات هذا الوسم إعلاميا من جهة أخرى، مثلت، وربما لا تزال، عوائق أمام مواجهة الحقائق المرة.

ولعل أبرز الحروب التي شهدتها المنطقة العربية، والتي لا يشك أحد في كونها حروبا أهلية، هي سلسلة الحروب التي اندلعت في السودان بين الشمال والجنوب منذ عام 1955، والتي تمخض عنها مؤخرا الانفصال في دولتين عام 2011، والحرب اللبنانية في الفترة الواقعة بين عامي 1975 و1990،.

والتي انتهت بتسوية هشة في الطائف، وجرى ترميمها أكثر من مرة بعد أن برزت أطراف جديدة في النزاع، وما زالت بين الحين والآخر تهدد بالانفجار من جديد. وهناك نزاعات أخرى يتردد البعض في إلباسها لبوس "الحرب الأهلية"، كما جرى في العراق بين عامي 2006- 2008، وكما يجري الآن في سوريا.

فبالنسبة للعراق ليس من المستبعد أن ينزلق من جديد إلى فترة الاحتراب المذهبي، بنمط مختلف يتخذ طابعا مناطقيا، على الرغم من أن نزاعا من نوع آخر قد أضيف لساحاته، إثر التصاعد الخطير في حدة الخلافات بين إقليم كردستان والحكومة المركزية، رغم أن فرص تحول هذا الخلاف إلى نزاع مسلح ليست كبيرة.

لكن طبيعة النزاع في سوريا، وعلى الرغم من تردد الكثيرين في وسمه بالحرب الأهلية لأسباب كثيرة، فهو كذلك فعلا، فقد حسمت الأمم المتحدة ذلك في العشرين من ديسمبر الجاري، حين أصدر محققون تابعون لها في مجال حقوق الإنسان، تقريرا ورد فيه "إن الصراع في سوريا أصبح مقسما على أسس طائفية.

مما يضع الأقلية العلوية الحاكمة على نحو متزايد في مواجهة الأغلبية السنية، مع وجود مقاتلين أجانب يساعدون طرفي النزاع". وهو ما رفضه المجلس الوطني السوري المعارض، الذي أكد أن "ما يجري في سوريا هو نزاع بين نظام سفاح وناس يطالبون بالحرية والمساواة".

يعود مصطلح "الحرب الأهلية" إلى القرن الأول قبل الميلاد، حيث استخدم لوصف الحروب التي حدثت في الإمبراطورية الرومانية. وقد استخدم هذا المصطلح منذ ذلك الحين في جميع النزاعات التي تحدث تحت مظلة كيان واحد، سواء كان هذا الكيان قبيلة أو مدينة أو دولة.

الحرب الأهلية هي نزاع مسلح بين أطراف منظمة داخل البلد الواحد، قد يكون أحدها الجيش النظامي نفسه، أو بين دولتين كانتا في السابق دولة واحدة، وقد تكون بدافع رغبة أحد أطراف النزاع داخل الدولة في الانفصال لتكوين دولته الخاصة به، أو لتغيير سياسة بلاده، أو بدافع الرغبة في السيطرة والاستئثار بالحكم.

وتقع الحروب الأهلية في الدول التي تكون مجتمعاتها مختلطة الدين والمذهب والعرق، أو في الدول التي لا تزال شعوبها ترزح تحت سطوة التقاليد القبلية والمناطقية. وبتعبير آخر، تقع حصريا في الدول التي فشلت في صياغة هوية وطنية كأبرز المشتركات بين مواطنيها، وفشلت لذلك في الارتقاء إلى مستوى الدولة المدنية.

وينجم عن الحرب الأهلية عادة عدد كبير من الإصابات، وضياع قسم لا يستهان به من الموارد الطبيعية، كما أنها تتسبب في إخفاقات كبيرة في الخدمات أو تعطيل كامل لها، وتصاحبها عادة هجرة السكان المدنيين إلى مناطق أخرى داخل البلد نفسه أو إلى الدول المجاورة، هذا إضافة إلى تباطؤ خطط التنمية أو توقفها، وتزايد نشاطات المنظمات التي تقوم بالجرائم المنظمة.

وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي تحصل في منطقة النزاع وما يجره من ويلات على سكانها المدنيين غير المنخرطين فيه، إلا أن الحروب الأهلية لها تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة التي تحدث فيها. فهي قد تتسبب في تدخلات خارجية، وقد تشعل نار حرب إقليمية، خاصة حين تكون لأطراف النزاع امتدادات خارجية مع دول الجوار، إثنية أو دينية أو مذهبية أو إيديولوجية.

فما هي المعايير التي تستخدم للحكم على طبيعة النزاع؟

لن نبحث عن إجابة لهذا التساؤل لدى محترفي العمل السياسي، فالمتطلبات المهنية المصلحية لهؤلاء لا تتيح لهم حرية الإشارة بجرأة إلى حقيقة ما يدور في ساحات العالم العربي، دون أن يتخذوا الحسابات الخاصة بردود الأفعال وتأثيرها على حجم نفوذهم، وإنما سنبحث عن الإجابة لدى المؤسسات الأكاديمية التي مرجعياتها الوحيدة هي الحقيقة.

معهد السلام العالمي لديه إجابة عن ذلك، وهو معهد مستقل مركزه مدينة نيويورك، مهامه تنحصر في العمل على منع النزاعات بين الدول وضمن الدول نفسها، ولأجل ذلك وضع بعض المعايير للتمييز بين النزاع المسلح والحرب الأهلية.

فقد اعتبر هذا المعهد أن النزاع المسلح داخل الدولة الذي يشترك فيه طرفان أو أكثر، وتكون فيه الحكومة أبرز الأطراف ولا تتردد في زج الجيش النظامي فيه، ويكون الطرف أو الأطراف الأخرى في صفوف المعارضة، ويندلع بسبب الخلاف على طبيعة نظام الحكم أو ممارسات الحكومة أو حول عائدية بعض المناطق، ويسقط فيه أكثر من خمسمائة قتيل خلال عام واحد من اندلاعه، يعتبر هذا النزاع المسلح حربا أهلية.

وقد وُضع هذا التعريف للحرب الأهلية، استنادا إلى التعريف الذي وضعه قسم بحوث السلام والنزاعات في جامعة أوبسالا السويدية، الذي أصدر موسوعة تحت مسمى "بيانات أوبسالا حول النزاعات في العالم"، وتضمنت توثيقا دقيقا لجميع النزاعات التي حدثت في العالم منذ عام 1970.

والتي تعتبر المصدر الأكثر دقة والأكثر استعمالا في العالم. كما أصبحت التعريفات التي وضعت من قبل هذا المركز البحثي، أساسا معياريا للحكم على طبيعة النزاعات والحروب التي تجري في العالم.

جزء كبير من الحقيقة يكمن في الأرقام، فأعداد الضحايا الذين سقطوا في العراق بين عامي 2006 و2008، وأعداد ما سقط من ضحايا منذ اندلاع الثورة السورية قبل ما يقرب من عامين، تجعل الإجابة عن التساؤل الذي ورد في عنوان المقالة هينة.

==============

مآلات سوريا ولعبة الصراع

تاريخ النشر: الجمعة 28 ديسمبر 2012

جيفري كمب

الاتحاد

تدل التقارير التي نقلتها وسائل الإعلام المختلفة بشأن استخدام نظام الأسد في سوريا لصواريخ سكود، والقنابل العنقودية، بالإضافة إلى غازات سامة، ضد تجمعات سكانية، مما خلف عدداً من القتلى في صفوف المدنيين... يدل ذلك على مدى اليأس الذي بلغه الجيش التابع للنظام والتململ الذي باتت تعيشها الآلة العسكرية، إذ لا يمكن لجيش نظامي جدير بهذا الاسم، يمتلك أسلحة ومعدات ثقيلة وقوات منظمة على أحسن مستوى، أن يلجأ إلى استخدام أسلحة ثقيلة وصواريخ لا تفرق بين عسكري ومدني، إلا إذا كان فقد السيطرة الأمنية على الأرض وبات قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة. وهو ما يبدو أن الجيش السوري قد بلغه بعد شهور من مواجهة الثوار في أماكن متفرقة، وفتحه لجبهات متعددة أرهقت قوته وحمّلته الكثير من الأعباء. وفي الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث الميدانية، ويحقق فيه الثوار اختراقات مهمة على أرض المعركة، وفيما تتصاعد مخاوف المجتمع الدولي من استخدام الأسلحة الكيماوية التي يملكها النظام، بدأت القوى الدولية، ومن بينها روسيا، تفكر في مستقبل البلاد بعد سقوط النظام وتطرح السيناريوهات الممكنة، كل حسب مصالحه الخاصة، لتتحول سوريا إلى ساحة كبرى للصراع بين القوى الدولية الباحثة عن نفوذ، أو تأثير في المعترك السوري والتهيأ لما بعد الأسد.

والسؤال الرئيسي الذي يطارد المراقبين والدول الكبرى، هو: ماذا ستكون عليه سوريا بعد انهيار النظام، لاسيما أن جل التقديرات ترى في سقوطه أمراً حتمياً، وإن استغرق أسابيع أو ربما شهوراً قليلة؟ ولعل ما يعقد الوضع السوري أكثر هو تعدد فصائل المعارضة التي تحمل السلاح من جهة، وكثرة الطوائف والأقليات المتوجسة على مصيرها في المرحلة المقبلة من جهة ثانية.

ومن بين السيناريوهات التي راجت خلال الفترة الأخيرة، لجوء النظام وأركانه إلى المناطق الساحلية، حيث الكثافة العلوية، لإقامة كيان خاص يتم الدفاع عنه بما تبقى من الأسلحة والموالين للأسد، إلا أنه من غير المرجح أن يتحقق هذا الخيار بالنظر إلى حجم الدماء التي أريقت في سوريا، وتورط النظام في جرائم مروعة، كما لن يقبل الثوار بفرار الأسد وبقائه داخل سوريا بعد مقتل أكثر من 40 ألف شخص طيلة الشهور الماضية، وإذا كان الأمر ما زال سهلًا على الأسد لترك البلاد والاحتماء في الخارج هو وعائلته، إلا أن الخوف كله يكمن فيما ينتظر الأقليات التي لن تستطيع مغادرة البلاد. والأمر هنا لا يقتصر على العلويين المتوجسين من الثورة والمستقبل، بل ينسحب الخوف على المسيحيين القلقين من تولي الإسلاميين للسلطة بعد سقوط الأسد وتأثير ذلك على وضعهم في وقت تمتعوا فيه بنوع من الأمن في ظل نظام الأسد.

ويبقى التطور اللافت هو ما حصل على الجبهة الكردية، حيث تمكنت فصائل المعارضة الكردية في سوريا من توحيد مواقفها، وإنهاء الصراع الذي نشب بين الثوار في أماكن معينة، بل تمكنوا من استقطاب الدعم التركي ومساندة منطقة كردستان العراق، وهو ما يعكس التعاون المستجد بين تركيا وأكراد العراق، وتقاربهم على خلفية القلق التركي المتصاعد من الوضع في بغداد، والميول الديكتاتورية للمالكي. هذا التقارب التركي الكردي يندرج على ما يبدو في إطار تنسيق المواقف وتهيئة الوضع لمرحلة ما بعد الأسد. لكن ماذا سيحصل لأنصار الأسد بعد مغادرته لسوريا؟ روسيا التي دعمت حتى الآن النظام دبلوماسياً، وربما حتى بالسلاح، يعيش الآلاف من مواطنيها في سوريا، وهو ما دفعها إلى التصريح بأن موعد إجلاء رعاياها قد لا يكون بعيداً، كما أن المصالح الروسية في سوريا معروفة، وعلى رأسها القاعدة التي أنشأها الاتحاد السوفييتي على الساحل السوري، باعتبارها أول قاعدة عسكرية له في المياه الدافئة التي طالما سعت روسيا إلى امتلاكها. لذا ستسعى روسيا في الأخير، على غرار إيران، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المصالح، والخروج بأقل الخسائر الممكنة.

أما على الجانب الآخر، حيث تصطف أميركا وفرنسا وبريطانيا وبعض الدول العربية، فإن الوقت قد حان لتقديم دعم أكبر للمعارضة بعد توحيدها مؤخراً بهدف تعزيز حظوظ العناصر المعتدلة في صفوف المعارضة، ومنع المتشددين من ملء الفراغ في المرحلة المقبلة، لكن من غير المتوقع أن يصل الدعم إلى إرسال جنود إلى الساحة السورية عدا ربما دعم فكرة إقامة منطقة لحظر الطيران تسهر تركيا بالخصوص على ضمانها. كما أنه من غير المتوقع أن تعمد الدول العربية إلى المشاركة العسكرية المباشرة في في الحرب الدائرة، لتبقى تركيا البلد الإقليمي الوحيد المهيأ لدخول المعركة، وإن كان الحكومة في أنقرة ترفض ذلك بشدة، لأنها تعرف جيداً بأن انخراطها المباشر في الصراع السوري لن يصب في مصلحتها.

وبالطبع سيكون لسقوط الأسد تداعيات كبيرة على الإقليم، لاسيما لبنان، حيث يتمتع "حزب الله" بثقل وازن في الحياة السياسية، فبرحيل الأسد عن السلطة سيخسر "حزب الله" حليفاً قوياً وداعماً صلباً كان يفتح له الطريق أمام المساعدات القادمة من إيران، والتي ستتأثر سلباً بسقوط النظام حيث ستفقد إطلالة مهمة على البحر الأبيض المتوسط، وسيتراجع نفوذها في الشرق الأوسط.

بيد أن تداعيات الصراع السوري لا تقف عند لبنان، بل تمتد أيضاً إلى الحدود الجنوبية مع إسرائيل، فرغم احتلال الدولة العبرية للمنطقة الجنوبية لسوريا، ظلت منذ سبعينيات القرن الماضي تنعم بالهدوء، فهل تتحول الجولان إلى منطقة شبيهة بسيناء المصرية، وتصبح مرتعاً للتهريب وتناسل التنظيمات المتشددة؟ دون أن ننسى الحدود الأخرى مع الأردن والعراق اللذين سيعملان في المرحلة المقبلة على التأسيس لعلاقات قوية مع الحكام الجدد في دمشق لحفظ الأمن على الحدود وضمان الاستقرار في المنطقة. أمام هذه السيناريوهات والأسئلة المفتوحة، سيظل من الصعب التنبؤ بما سيؤول إليه الوضع في سوريا بعد الأسد، وإن كان الأكيد أنها ستبقى طرفاً أساسياً في لعبة الصراع بالشرق الأوسط.

==============

الربح والخسارة في ميزان الأسد

محمد حسن مفتي

تاريخ النشر: الجمعة 28 ديسمبر 2012

عكاظ

لا شك أن رسالة جموع الشعب السوري الشجاع لنظامه المستبد المتعجرف كانت واضحة منذ لحظة اندلاع الثورة وانطلاق شرارة المقاومة في ربوع سوريا بأكملها، وهي الرسالة التي تنضح برفض وكره نظام جثم على أنفاس السوريين لأكثر من أربعة عقود متتالية في ظل نظام سياسي عجيب يتعذر تصنيفه، فلا هو بالنظام الجمهوري ولا هو بالنظام الملكي، بل خليط منهما توشحت فيه الملكية المطلقة بوشاح الجمهورية وسيطرت خلاله نخبة قليلة في المجتمع مقربة من النظام الحاكم على مقدرات البلد وخيراته وثرواته، مستسيغة قهر الشعب المغلوب على أمره ومستبيحة لنفسها التحكم في حياته وإفساد مستقبله وتحديد مصيره. طالت الثورة السورية وطال معها عناء الشعب المقهور بين لاجئين ومشردين خارج سوريا وبين محارَبين محاصرين بنيران المعارك داخلها، تدهورت كافة جوانب الحياة الاقتصادية مع اشتداد المعاناة واحتدام المعارك داخل سوريا التي يدك النظام بنيتها التحتية والفوقية وكافة مرافقها ومؤسساتها يوما وراء يوم مخلفا وراءه شبحا لدولة، وتاركا مجتمعا فقد أواصره وتفككت أوصاله وازدادت محنته مع طول الصراع وتعمقه واشتداد أواره، وفي ظل ذلك ظل الأسد مكابرا متعنتا عنيدا، مكابرا كبرياء الظالم ومعاندا عناد اليائس ومتعنتا تعنت الطاغية، وقد وضع النظام منذ انطلاق شرارة الثورة الأولى معادلة ربحه وخسارته، وهي المعادلة التي قامت على أساس أن الحرب مهما طالت ومهما ازدادت ضراوتها فلن تمسه هو أو أسرته شخصيا من قريب أو من بعيد، لن تكلفه حياته أو حياة أحد أبنائه فهي بمنأى عنه حيث تدور رحاها بين الشعب والجيش، الجيش الموالي له حيث ترتبط مصالحه بمصالح الأسد ولا وجود له إلا من خلال مظلته، فكلاهما تربطه مصالح نفعية واستبدادية وتسلطية تجعل مصيرهما مشتركا وحياتهما مترابطة ومستقبلهما واحدا وبقية أخرى من جنود بائسة تخشى بطشه. الحرب طبقا لحسابات الأسد يتم تمويلها من أموال الدولة بغض النظر عن أنها في الواقع أموال الشعب وخاصته، أما ثرواته الشخصية فهي بمأمن من العبث محفوظة في خزائن الغرب دون أن يتمكن أحد من لمسها أو التفكير في المساس بها، أما العدو فهو الشعب السوري المستضعف الذي يهفو لاستنشاق نسمة حرية لم يذقها من عقود طويلة، الشعب الذي ولد وترعرع في ظل نظام دموي باطش يمثل إرث أسرة الأسد المستبدة، هذه هي معادلة الربح والخسارة لدى نظام الأسد، فإن خسر الحرب فالمال ليس ماله والضحايا ليسوا أهله وانهيار مقومات الدولة لا تعنيه، ولو كسب فهو البطل المغوار الذي حرر كامل التراب السوري من المرتزقة والجواسيس والعملاء والخونة. وعلى الرغم من أن الثورة السورية لم تكن الأولى في ثورات الربيع العربي، إلا أن بشار تعامل مع ثورته وكأن ليس هناك سوابق تكللت بالنجاح وأزاحت أنظمة بعضها أقل بطشا واستبدادا منه ومن طغمته الحاكمة، فما إن اندلعت الثورة السورية حتى وجدناه يسارع بالإعلان عن أن سوريا تختلف تماما عن تونس ومصر وليبيا، ومروجا لنفس الأكاذيب وناشرا جميع المزاعم التي رددها كل نظام قبل الإطاحة به. لم يتورع بشار عن ارتكاب نفس الخطأ ولم يتعظ من الثورات التي سبقته، لم يرتدع أمام قوة المارد التي خرجت من القمقم وأبت العودة دون أن تحقق أهدافها، كابر ولا يزال مكابرا رافضا الاتعاظ والمثول أمام قوة الواقع وإزاء حكم التاريخ، ولاشك أن هذا العناد والرفض لا يأتي من فراغ، فالأسد يخشى انكشاف التاريخ عن أسرار دموية تحفل بها سجلاته وسجلات أسرته الغابرة، يخشى الميراث الأسود الذي سيفضحه هو وأسرته ويضعهما في المكان اللائق بهما في التاريخ، إنها حلقة أخرى من حلقات الاستهانة بأرواح الشعب السوري ودمائه، حلقة من سلسلة طويلة فقدت فيها الأمهات أبناءهن والزوجات أطفالهن والرجال كرامتهن، من أجل معادلته البائسة التي أصر على الخروج منها بأقل الخسائر وأكثر الأرباح.

==============

فشل البرهيمي يرتّب تصعيداً مزدوجاً

وضغط دولي لاستدراك الفرصة الأخيرة

روزانا بومنصف

2012-12-28

النهار

لا تعزل مصادر ديبلوماسية غربية المهمة الاخيرة للموفد العربي الدولي الى سوريا الاخضر الابرهيمي في لقائه الرئيس السوري بشار الاسد واركان نظامه في دمشق في هذا التوقيت عن جملة عوامل واهداف تحددها وفق الآتي: اولا ما يتصل بالتطورات السياسية التي حصلت في الشأن السوري والتي تمثلت في مؤتمر الدوحة الذي عقد الشهر الماضي وادى الى تجمع المعارضة من ضمن ائتلاف كبير سرعان ما حظي باعتراف على نطاق واسع بانه الممثل الشرعي للشعب السوري. وقد تكرس هذا الواقع في اجتماع اصدقاء سوريا الذي عقد في المغرب في 12 كانون الاول الجاري وتوجته واشنطن بالاعتراف بالائتلاف ايضا ممثلا شرعيا للشعب السوري في مؤشر على زيادة نسبة الضغط على النظام من اجل الاقرار بواقع مختلف عليه ان يتكيف معه. ثانيا ما يتصل باقامة ادارة عسكرية للمعارضة عمدت الى تنسيق العمليات العسكرية ويعتقد انها وراء تقدم حققته المعارضة المسلحة على الارض الى درجة وصولها الى ابواب دمشق مهددة الاسد في عقر داره. وقد رافق هاتين الخطوتين معلومات تحدثت عن مكاسب للمعارضة في مناطق سورية عدة وفقدان النظام سيطرته عليها في موازاة عدم قدرته على استعادة هذه السيطرة مما اشعل موجة توقعات غربية على مستوى عال بان النظام بات او هو على وشك الانهيار. وقد لفت مراقبين غربيين ان روسيا اقرت بالوقائع الجديدة على الارض والتي يمكن ان تؤدي الى انتصار المعارضة ودخولها معركة كبيرة في العاصمة.

وبحسب هذه المصادر فان هذه العناصر المباشرة شكلت الخلفية الحقيقية للتحرك الذي قام به الابرهيمي في الايام الاخيرة مدفوعا من الدول الكبرى والدول الاقليمية على حد سواء من اجل ان ينقل الى الاسد الصورة الحقيقية لما يجري في الخارج وتوقعات هذا الاخير وكذلك رغبة المجتمع الدولي حتى الان ممثلا بالدول الغربية الكبرى في ان يجد النظام في هذه المعطيات والضغوط التي لا ينوي الغرب التراجع عنها فرصة لمراجعة حساباته وان يقرر الرحيل عن السلطة بارادته باعتبار ان الباب لا يزال مفتوحا امام هذا الخيار ودول كثيرة تتمنى ان يعتمده الرئيس السوري قبل فوات الاوان وهي لم تلجأ الى التهديد بملاحقته امام محكمة الجنايات الدولية او ما شابه للارتكابات التي قام بها على رغم بعض الاصوات وهي لا تزال تفضل ان يختار الرحيل طواعية الى اي بلد يمكن ان يقبل باستقباله. فالدول الكبرى اتخذت مجموعة من المواقف والخطوات وهي تعطي النظام فرصة لاستيعاب ابعادها وتقويمها على النحو الذي يسمح له بالتصرف على اساسها وتجنبا لمسار يبدو حتى الآن انه يسير وفق خط بياني واضح. اذ ان عدم تجاوب الاسد مع جهود الابرهيمي الاخيرة في المساعدة على التمهيد لمرحلة انتقالية تقتضي ما تقتضيه من خطوات باتت معروفة، أما الخطوات المقبلة في ضوء فشل مهمة الابرهيمي في حال حصول ذلك ستكون على الارجح وفق مسارين على الاقل:

الاول الاستمرار في الضغط الديبلوماسي والسياسي من اجل تأمين مروحة واسعة من الاعترافات الدولية بالائتلاف السوري المعارض بديلاً من النظام وعلى طريق نزع اي شرعية متبقية لهذا الاخير عبر اي مظهر سياسي او ديبلوماسي يوحي بذلك. ومن غير المستبعد ان تحمل بعض الدول هذا الامر الى الامم المتحدة بالتعاون مع دول اقليمية لا ترى ولا تقبل امكان بقاء الاسد في السلطة في اي تسوية سياسية محتملة حتى لو كان وجوده شكليا ومن دون اي صلاحيات نظرا الى الثقل الكبير المتمثل في سقوط ما يزيد على 45 الف قتيل حتى الان. وهذا الاحتمال اي التوجه الى الامم المتحدة من اجل الحصول على اعتراف اكبر بالائتلاف السوري المعارض ممثلا عن سوريا بدلا من النظام الحالي يمكن ان يعزله كليا ويشكل ضربة قاصمة له بالنسبة الى داعميه مع ما يمكن ان يثيره الامر من تداعيات خطيرة بالنسبة اليه. فالدول الغربية ستعاود استئناف ضغوطها بقوة من اجل التزامه التنازل السلمي من دون معارك اضافية في حال امكن تجنب ذلك.

اما المسار الآخر فهو ان التطورات على الارض ستأخذ طريقها ايضا بعدما وصلت الى ابواب العاصمة مع ما يمكن ان يرتب ذلك عليه في الدرجة الاولى من مسؤولية تدمير دمشق خصوصا ان صموده لاشهر في المواجهة لن يعني في اي حال امكان استعادته السيطرة او حتى بقائه في السلطة في سوريا. فهل تكون مهمة الابرهيمي الفرصة الاخيرة على هذا الطريق؟

==============

الأسد إلى أين؟

موسكو ومصير التسوية في سوريا

هاني شادي

السفير

خلال مؤتمره الصحافي السنوي، الذي عُقد في العشرين من الشهر الجاري، توقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند الأوضاع في سوريا، قائلا «إن موسكو ليست قلقة على نظام بشار الأسد، بقدر قلقها على مستقبل سوريا، مشيراً الى ان تسوية الأزمة السورية يجب ان تتضمن ما يمنع استمرار الحرب الأهلية، وانهيار الدولة السورية، كما حصل في ليبيا التي تسير نحو الانهيار». وأضاف بوتين «نحن ندرك ان هذه العائلة توجد في السلطة منذ 40 سنة، ولا ريب ان التغيير لا بد منه». وإذا كان بوتين قد انتبه أخيراً إلى «أن عائلة الأسد في الحكم منذ أربعين عاماً.. وأن هذا يعني ضرورة التغيير»، فإن مثل هذه التصريحات، في رأينا، ليست جديدة تماماً على القيادة الروسية، التي دأبت منذ مطلع العام الجاري على القول بأنها «لا تتمسك بالرئيس السوري، ولكنها ترفض التدخل الخارجي في شؤون سوريا».

ومع ذلك، نعتقد أن تصريحات بوتين تعكس، بدرجة ما، تطوراً معيناً في الموقف الروسي من الأزمة السورية. فقد باتت موسكو، تقترب، أكثر فأكثر، من إدراك حقيقة صعوبة بقاء بشار الأسد في منصبه خلال الفترة القادمة. ولكن الروس، في الوقت ذاته، يدركون مدى صعوبة تنحي بشار الأسد طواعية. ولذلك نرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الثاني والعشرين من الشهر الجاري يقول «إن روسيا والصين ستعجزان عن إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي حتى إذا حاولتا فعل ذلك». وبناء على ذلك، فإن الخلاف حالياً يتمحور حول سبل إقناع الأسد بالرحيل، وآليات نقل السلطة، وطبيعة المرحلة الانتقالية. وهنا، تحديداً، يكمن الشيطان في التفاصيل. فروسيا، وعلى لسان رئيسها، تدعو إلى البحث عن صيغة لتسوية الأزمة تستند إلى «ضرورة تفاوض الأطراف السورية على كيفية العيش مستقبلاً، وكيفية ضمان أمنها ومشاركتها في إدارة الدولة، ومن ثم تغيير النظام الحالي على ضوء الاتفاق، الذي يتم التوصل إليه، استناداً إلى إعلان جنيف في 30 يونيو / حزيران من العام الجاري». وهذا يعني أن الكرملين ما زال متمسكاً، حتى اللحظة، «بضرورة البدء أولا بالتفاوض بين النظام والمعارضة، وبعد ذلك يجري البت في مصير الرئيس السوري». ويذهب بوتين إلى أبعد من ذلك، عندما يقول «إن الاتفاقات على اساس الانتصار في الحرب الدائرة في سوريا لا تعد مناسبة، ولا يمكن ان تكون فعالة». وكأنه يرغب التشديد على أن هذه الحرب لن ينتصر فيها أي طرف من الأطراف. ويمكن تفسير هذه الرسالة «البوتينية» على أنها تشير إلى أن موسكو قد تخلت عن القناعة السابقة، التي كانت تسيطر على عقول بعض ساستها ونخبتها، من أن النظام سيتمكن من الحسم العسكري. ويمكن أيضاً تفسيرها كرسالة للمعارضة المسلحة بأن الانتصار ليس بالسهولة التي تتصورها.

موسكو لا تغلق الأبواب، كما يبدو، أمام المبادرات المتعلقة بتسوية الوضع في سوريا، والتي تُطرح من قبل «اللاعبين» الآخرين. ففي أثناء زيارة الرئيس الروسي إلى تركيا مطلع الشهر الجاري، طرحت عليه أنقرة خطة لتسوية الأزمة السورية، تتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضم شخصيات وطنية وتكنوقراط من الموالين للنظام السوري ومن المعارضة، بحيث يسلمها الأسد صلاحياته خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجديد (2013)، تمهيداً لإجراء انتخابات عامة لاحقاً. وتقول مصادر تركية إن موسكو اعتبرت هذه الصيغة «مبتكرة»، من دون أن يعني ذلك موافقة الكرملين عليها بشكل كامل. خاصة أن هناك تسريبات عن خطة أخرى لتسوية الأزمة السورية، تبلورت عبر تفاهمات أولية بين موسكو وواشنطن، وترمي أيضاً إلى تشكيل حكومة انتقالية لها كامل الصلاحيات، تعمل على تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية خلال عدة أشهر. وتسمى هذه الخطة بصيغة «بيرنز ـ بوغدانوف». ومن المعروف أن ميخائيل بوغدانوف صرح في 13/12 أمام المجلس الاجتماعي الروسي، الذي يمثل المجتمع المدني في المؤسسة الحاكمة العليا الروسية، «بأنه لا يستبعد انتصار المعارضة السورية، لأن القوات الحكومية تفقد السيطرة على المزيد من الأراضي». غير أن الخارجية الروسية نفت ذلك. ويبدو أن الصيغة التركية تقترب من الصيغة الروسية الأميركية، وتتشابه معها إلى حد كبير في «الحيرة» بشأن مصير الرئيس السوري، ولذلك لا نستبعد أن تتمخض عنهما صيغة ما، قد يُطلق عليها «جنيف 2»، كما يتردد في كواليس السياسيين الروس.

غير أن إيران، الحليف الأقوى لنظام بشار الأسد، بدأت تشعر بالقلق من الصيغة التركية، ومن التفاهمات الروسية الأميركية، ومن تصريحات بوتين أيضاً. فطهران تعلم جيداً أنه في حال موافقة موسكو على خطة معينة بشأن التسوية في سوريا، فإنها ستمنحها الضوء الأخضر في مجلس الأمن الدولي. ولذلك سارع نائب وزير الخارجية الإيراني بزيارة موسكو في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عارضاً مبادرة لحل الأزمة السورية تتضمن إجراء حوار بين النظام والمعارضة لإنشاء لجنة مصالحة، ثم تشكيل حكومة انتقالية بوجود بشار الأسد كرئيس شرعي لسوريا. وحسب الخطة الإيرانية، التي لم تعلق عليها موسكو حتى هذه اللحظة، يمكن أن تضم هذه الحكومة الانتقالية معارضين غير متورطين بأعمال إجرامية في الآونة الأخيرة. وبعد ذلك، ووفق جدول زمني معين، يتم إجراء الانتخابات البرلمانية، وأخيراً يمكن الحديث عن انتخابات رئاسية. ويبدو أن طهران تتمسك ببقاء الرئيس السوري في الحكم حتى انتهاء ولايته في العام 2014، وهو ما يتعارض مع ما طرحته تركيا على الروس، وربما مع التفاهمات الأولية الروسية ـ الأميركية أيضاً. وفي خضم تعدد خطط تسوية الأزمة السورية، يصل نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، إلى العاصمة الروسية (27/12) ليطمئن على الموقف الروسي بعد تصريحات بوتين المتعلقة بالرئيس السوري. وسيحضر بعده الأخضر الإبراهيمي لبحث التسوية «المرتقبة». وكأن روسيا، في رأي البعض، بات لديها «المفتاح السحري» لتحديد مصير الأسد، ونظامه، ومجمل الأزمة السورية.

==============

هل أصبح الأسد عبئاً إقليمياً ودولياً!

د.نقولا زيدان

المستقبل

28-12-2012

لم تصدق نبوءة مشعوذي حضارة" المايا" حول نهاية العالم في 21 كانون الأول 2012 فما زالت البشرية حية ترزق... كما لم تصدق نبوءة لعنة الفراعنة حول عدم المساس بقبورهم فقد تم اكتشاف محتويات قبورهم وأهراماتهم فأصبحت جزءاً من التراث العالمي.

حقاً لم يسقط العالم إنما بشار الأسد هو المهدد بالسقوط الحتمي الوشيك الآن.. فقد قاربت السنة السورية الدموية المأسوية الثانية نهايتها وهو ما زال في سدة الرئاسة السورية. إنما يلاحظ المراقبون الدوليون أن ثمة لغة جديدة ونبرة مختلفة ومنحى مغايراً تبرز في التعاطي مع هذا الدكتاتور الدموي ونظامه الفاشي. أصبحنا نلاحظ الآن أسلوباً جديداً في التعاطي الإقليمي والدولي معه لم نعهده من ذي قبل ألا وهو محاولة التفريق بين رحيله ونظامه من جهة وبقاء سوريا من جهة أخرى.. ويبرز "فلاديمير بوتين" بلا منازع رائداً سباقاً في هذه المقولة إذ راح يصرح أنه لا يهم كثيراً بقاء الأسد أو رحيله بل الأهم هو مستقبل سوريا.

وما من شك على الإطلاق أن ما عناه "بوتين" هو ضمان مصالح روسيا في سوريا حتى ولو دقت الساعة واضطر الأسد لحزم حقائبه والرحيل.

إلا أن كلام "بوتين" هذا يحمل في طياته مخاوف جدية حول مستقبل سوريا كدولة وككيان مستقل واحتمال تعرضها الجدي للتقسيم، خصوصاً إذا ربطناه بتصريح للأسد نفسه يقول فيه إنه غير عازم، مهما كلف الأمر، على مغادرة سوريا. وتروج في بعض الأوساط الدولية مخاوف جدية من احتمال استعدادات يجريها الدكتاتور للانتقال من دمشق الى اللاذقية أو طرطوس.

ليس هذا فحسب بل سبق هذين التصريحين كلام صدر عن الخارجية الروسية عندما صرح "بوغدانوف" أن فرص قدرة الأسد على البقاء تتضاءل وأن الجيش السوري الحر يحقق إنجازات عسكرية كبيرة على أرض المعركة.

وقد سارعت الخارجية الروسية بعدها بأيام في محاولة لتصويب تصريح "بوغدانوف" هذا وأن ثمة خطأ ما قد جرى في ترجمة أصله الروسي.

فلنتذكر جيداً، منعاً لأي التباس أو فهم خاطئ لتطور المواقف الإقليمية المعنية أو الدولية بالنسبة لسوريا. ففي لقاء جنيف في 30 حزيران 2012 جرى الاتفاق بين روسيا وأميركا على فهم مشترك بين الدولتين لعبارة "ما بعد رحيل الأسد" عندما سارعت هيلاري كلينتون الى الحديث عن وجوب تنحي الأسد بينما استدرك وزير خارجية روسيا "لافروف" للكلام عما يمكن أن يحدث عام 2014 في سوريا بعد نهاية ولاية الرئيس السوري. ويبدو في هذا الصدد أن الطرفان لا يجدان غضاضة في استمرار الحرب السورية لما بعد 2014.

علينا أن نذهب أبعد من ذلك لندرك المواقف فقد جرى البحث يومياً بين "بوتين" والقادة الأتراك حول مستقبل الأسد، إنما لم يحصل بعد اتفاق نهائي محدد. وقد أبدى حلف الناتو وتركيا بالذات إظهاراً واضحاً لحسن النيات عندما تم نصب أربع بطاريات "باتريوت" في عمق الحدود التركية على حدودها الجنوبية الشرقية (حوالى 100 كيلومتر) لطمأنة السوريين والإيرانيين معاً أنها لن تطاول عمق أراضيهما.

لا بل وجه أحمد داود أوغلو رسالة الى إيران يحضها فيها على الضغط على الأسد لإيجاد مخرج ما لحل الأزمة السورية، ولم تحمل رسالة أوغلو أي تحذيرات قد يُفهم منها التلويح بتدخل عسكري تركي لم يكن يوماً جدياً في أي حال.

لقد سبق كل هذا زيارة علي لاريجاني رجل إيران القوي الى سوريا (ولبنان) وتركيا حيث تحدثت المعلومات عن نصائح إيرانية عقلانية للأسد بوجوب التنحي إلا أن الأخير رفضها رفضاً باتاً، ذلك أنه ما زال يعتقد بإمكانية سحق المعارضة المسلحة عسكرياً. وحيال العناد الأسدي اضطرت إيران للعودة الى تبني مقولة "التسوية السياسية أو الحل السياسي".

إن الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية لا يهمها كثيراً شخص بشار الأسد وطاقمه بقدر ما يهمها استمرار وثبات الخط اللوجستي الممتد من إيران مروراً بالعراق وسوريا ووصولاً الى جنوب لبنان، فإذا تنحى الأسد وجاءت الى السلطة في سوريا حكومة على غرار نور المالكي ممالئة للأميركيين والإيرانيين في آن معاً فإن طهران تجد فيه الحل الأقل سوءاً. ذلك أن ما يهم طهران هو تأمين مقعد لها على طاولة مفاوضات السلام لحل مشكلة الشرق الأوسط. إن هذا الخط اللوجستي بالنسبة لإيران لأهم بكثير من رأس بشار الأسد نفسه.

وفي هذا الصدد علينا ملاحظة تركيز حسن نصر الله أمين عام حزب الله على "سوريا" أكثر منه على تركيزه على "شخص الأسد" وذلك في جميع خطبه السياسية الأخيرة.

ثمة سؤال ملح لم يعد باستطاعة أحد تجنبه" هل أصبح الأسد بمجازره وعزلته العربية والدولية وبطاقمه وزبانيته عبئاً ثقيلاً لا يُطاق على الجميع؟ أي بالتحديد على حلفائه الأقربين والأبعدين؟ على الإيرانيين وحزب الله أولاً وعلى الروس والصينيين أيضاً. ثمة شعور عام يدل على ذلك. بل حتى المعارضة السورية المعتدلة في الداخل يكتنفها شعور كهذا.

فلا عجب إذا رأينا الاخضر الابراهيمي يحاول كمندوب دولي وعربي، النفاذ من هذه الثغرة للوصول الى تسوية سياسية للأزمة. تسوية عصية تكاد تكون مستحيلة لتظل سوريا موحدة قبل السقوط النهائي في مشروع التقسيم.

==============

توقعات متداولة بعد رحيل الأسد

طاهر العدوان

الرأي الاردنية

28-12-2012

يطرح المتابعون للوضع في سوريا عدة سيناريوهات للمشهد السوري بعد رحيل الاسد ، خاصة بعد ما تواترت الانباء عن قرب هذا الحدث ، اما بإنجاز اتفاق على مرحلة انتقالية لا وجود للرئيس فيها ، او بحسم المعركة على الارض في دمشق وغيرها . ومن الملاحظ ان المخاوف من استخدام أسلحة كيماوية قد تراجعت وخف الحديث عنها في الدوائر السياسية والإعلامية في امريكا وأوروبا حتى ان اعلان الجيش الحر بان الاسد استخدم غازا ساما في حمص لم يلق ردود فعل تتناسب مع حجم التحذيرات التي كانت واشنطن وباريس ولندن وحتى موسكو قد أطلقتها قبل أسابيع .

زوبعة الاسلحة الكيماوية تدلل مرة اخرى بان سيناريوهات الرعب التي تنطلق من العواصم العالمية المعنية قد تكون بعيدة جداً عن حقائق الأوضاع على الارض . ويلاحظ انها تثار إعلاميا كلما حقق الجيش الحر انتصارات مهمة على النظام ، وان مبعث الخوف من هذه الجهات ليس حماية السوريين من الاسلحة الكيماوية انما طرح مسالة التدخل العسكري وحشد التبريرات له في المستقبل للتدخل في رسم مستقبل سوريا بعد ان اصبح جليا بان قادة الثورة يرفضون اي تدخل من هذا النوع بل ويعتبرونه محاولة أخيرة للسيطرة سياسيا وعسكريا على نظام ما بعد الاسد .

والتوقعات لا تقتصر على العواصم الاجنبية . ففي الاردن تتداول بعض الأوساط سيناريوهات محتملة في حالة سقوط الاسد مثل توقع ان تنجر سوريا الى حرب أهلية قد تدوم عامين وهناك من يتنبأ بان تستمر سنوات طويلة على غرار ما حدث في لبنان والعراق . وتصل مثل هذه التوقعات الى حد التخوف من ان يتسبب الوضع في سوريا الى تسلل مجموعات إرهابية الى الاردن . واذا كان المنطق والمسؤولية يفرضان التحسب امنيا لأي تطور من هذا النوع في حالة تحول الاراضي السورية الى منطقة جذب للجماعات المسلحة المتطرفة، ذات النزعة العابرة للحدود ، فان احتواء مثل هذه المخاوف والاخطار يكون اولا بالبحث عن حقائق الصراع ومعرفة حجم ووزن القوى المنخرطة فيه . ووضع الخطط الطارئة لمواجهة كل حالة ، واعتقد ان هذه المخاوف اقل حجما مما يتوقع الكثيرون واقل مما يتوقع المسؤولون الاتراك الذين نصبوا بطاريات الباتريوت على حدودهم .

توجد مبالغات كثيرة يتداولها الاعلام الأجنبي ودوائر صنع القرار فيه عن الثورة السورية واحيانا عن قوة النظام وما يملك من أسلحة دمار . وهي كما قلنا ليست بريئة ، فمن الواضح ان امريكا وبالتعاون مع اسرائيل تسعيان لفرض نظام معين في مرحلة ما بعد الاسد وهو امر سيلاقي الفشل الذريع فالسوريون لم يقدموا عشرات الآلاف من الضحايا ليكونوا لعبة في يد واشنطن وتل أبيب ، كما ان امريكا تعرف بان روسيا هي الضامن للسيطرة على مخزون السلاح الكيماوي وأنها تلقت من موسكو ما يكفي من التعهدات لكن ما تريده واشنطن هو ( تأمين ) هذا السلاح اي الاشراف على تدميره في مرحلة ما بعد الاسد كما فعلت مع السلاح الليبي .

لا اعتقد ان بلدا بحجم سوريا سيكون لقمة سائغة بيد أية مجموعة متطرفة ومن يتابع اصطفافات الشخصيات المعارضة وتشكيلاتها السياسية والعسكرية والإعلامية سيجد ان فرصة( لبننة ) سوريا او ( عرقنتها) ضئيلة الاحتمال بل انها ستكون مجرد مغامرة لا مستقبل لها ،

==============

سورية: جيش النظام يتقهقر وسيناريوهات الكارثة تتقدّم

صبحي حديدي

2012-12-27

القدس العربي

في أواخر نيسان (أبريل) 2011 قامت وحدات من الفرقة الرابعة المدرعة ـ مدعومة بعشرات الدبابات وآلاف الجنود، وبعد قصف مدفعي تمهيدي مباشر ـ باقتحام مدينة درعا، واجتياح ساحاتها والكثير من شوارعها الرئيسية.

الفيديوهات التي نُشرت على موقع 'يوتيوب' آنذاك، والتي سُرّبت من عناصر النظام أنفسهم، بقصد الردع والترهيب، أظهرت عشرات المواطنين من أهل درعا، وقد بُطحوا أرضاً على بطونهم، وجنود الفرقة الرابعة يدوسون على ظهورهم، وسط تعالي الهتاف الهستيري: 'الله! سورية! بشّار وبسّ!'.

قبل درعا، وبعدها بأسابيع قليلة، كانت الفرقة الرابعة تنتشر أيضاً في ريف دمشق، وحمص، وحماة، واللاذقية، وحلب، وإدلب، ودير الزور، والحسكة، والسويداء، وكان ماهر الأسد، القائد الفعلي للفرقة، بمثابة آمر الفرقة الأوحد، ورئيس أركانها المفوّض بصفة مطلقة، يعاونه (بسبب من انعدام الخبرة العسكرية) جمهرة، منتخَبة ومنتقاة بعناية، من ضباطه الخلّص المقرّبين.

روح العجرفة لدى جنود الفرقة، من ضباط وصفّ ضباط وأفراد، كانت في أوجها، ولم يكن المرء بحاجة إلى التدقيق في وجوه الجنود، أو الإصغاء إلى هتافاتهم، لكي يدرك أنّ هؤلاء هم العمود الفقري لأمن البيت الأسدي، ونظام 'الحركة التصحيحية' عموماً، من جانب أوّل.

كان جلياً، من جانب ثانِ، أنّ المنخرطين في تحقير المواطنين، على غرار ما جرى في درعا وبانياس وعشرات المناطق الأخرى، يدركون أنّ أساليب الإهانة هذه ليست ناجعة فحسب، من أجل كسر روح الانتفاضة، بل هي الوحيدة اللائقة بكلّ معارض، أو متظاهر، أو محتجّ (لم يكن أحد يرفع عصا، في تلك الحقبة، وكانت الصدور العارية هي السلاح الوحيد الذي يُشهره الحراك الشعبي).

بعد نحو عام، مطلع نيسان (أبريل) الماضي، وفي حمص هذه المرّة، تسرّب فيديو جديد يُظهر اللواء بديع العلي، القائد الجديد (الشكلي، أيضاً) للحرس الجمهوري، وهو يتحدّث إلى مجموعة مختلطة من ضباط الحرس والفرقة الرابعة، في مناسبة ما اعتبره النظام، آنذاك، نصراً عسكرياً حاسماً في حمص (اللواء العلي سخر من معركة ستالينغراد، بالمقارنة مع سقوط حيّ بابا عمرو!).

الهتاف، بادىء ذي بدء، لم يعد يتذكّر سورية، وصار مقتصراً على رأس النظام (بالروح! بالدمّ! نفديك يا بشار!)، كما استُبدل الخجل من صفة الشبّيح، بالفخار بها (شبيحة للأبد! لأجل عيونك يا أسد!). وأمّا أقوال اللواء نفسه، فقد كشفت ـ دون وعي منه، أغلب الظنّ ـ بعض خفايا، ومزايا، هذه الوحدات الموالية: الترغيب الصريح، عبر التلويح بالترفيع والسيارات، والاعتراف باستحداث 'وحدات مغاوير' للعمليات الخاصة، يدربّ عناصرها مدربون من داخل القطر ومن خارج القطر (في أوّل تلميح/ زلّة لسان حول وجود 'الحرس الثوري' الإيراني)، والتلفّظ بتعبير 'المناطق الآمنة' داخل القطر، التي ينتمي إليها بعض أفراد الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، ويمكن بالتالي أن يسافروا إليها لقضاء إجازاتهم...

اليوم، في المقابل، قياساً على أمثلة الفشل العسكري المتعاقبة، في ريف دمشق ودرعا وحلب وريف حلب وحماة وإدلب ودير الزور وريف الرقة وجبل الزاوية وجبل التركمان، فضلاً عن دمشق العاصمة ذاتها، أو حيثما انتشرت أو تنتشر وحدات من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، لم يعد النظام يزجّ هذه الوحدات في قتال مباشر على الأرض، خسرته أصلاً في معظم نقاط الاشتباك، وصار يعمد إلى تأمين انتشارها ضمن وضع غير قتالي، أو سحب بعضها هنا وهناك، تمهيداً لإشراكها في معارك ختامية، يلوح أنّ رأس النظام ينوي خوضها في مواقع ذات طبيعة مفتاحية و'ستراتيجية'، مثل دمشق العاصمة، ومناطق حمص المتاخمة لمحافظة طرطوس، وبعض البلدات الكبرى في جبال الساحل السوري.

وإذا كان هذا الخيار بمثابة إقرار ضمني بإخفاق الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، في مهامّ كسر روح الانتفاضة شعبياً، وكذلك دحر القدرات العسكرية لمختلف تشكيلات المقاومة المسلحة، فإنّ الخيارات البديلة (استخدام سلاج الجو، والمدفعية الثقيلة والصاروخية، والبراميل المتفجرة، والألغام البحرية...)، تتجاوز مستوى اليأس، أو 'خيار اللاخيار' على حدّ وصف الصحافية الروسية صوفي شيفارنادزة بعد لقائها مع بشار الأسد مؤخراً.

هذه، في وجهة أولى، خيارات انتحارية لا تضمن للنظام أيّ ثبات على الأرض، بل تكفل له العكس من حيث تعرّض مواقعه للقضم التدريجي من جانب كتائب الجيش الحرّ، وهي، في وجهة ثانية، خيارات تسير على نقيض ما ينصح الحلفاء، لأنها تؤذي جهودهم المحمومة لإيجاد مخرج للنظام ذاته، ولهم أيضاً، وتُكسب المعارضة مزيداً من هوامش المناورة المضادة.

على سبيل المثال، يتردد أنّ الخبراء الروس، العسكر مثل رجال الاستخبارات، ضاقوا ذرعاً بعدم إصغاء النظام إلى نصائحهم، وخاصة واحدة 'ذهبية' بينها، مفادها أنّ القصف الجويّ لن يبدّل شيئاً على الأرض، مقابل انهيار وحدات النظام الكلاسيكية (كما في سقوط الكتائب والأفواج الصاروخية هنا وهناك، وسقوط مدرسة المشاة في حلب، وحصار المطارات العسكرية والمدنية...).

وهذا اعتبار يتعزز أكثر، بالمعنى العسكري واللوجستي الصرف، حين توضع في الاعتبار حقيقة تمكّن المقاومة من الحصول على أسلحة مضادّة للطيران، غنمتها من الترسانات التي انسحبت منها وحدات النظام الموالية، أو التشكيلات العسكرية الكلاسيكية التي ظلّت على هامش المواجهات، بقرار من الأسد في الواقع، خشية مسارعتها إلى الانشقاق عن النظام إذا سنحت الفرصة.

على الجانب الإيراني، يتردد أنّ بعض المراجع الدينية، وتلك الأمنية أيضاً (في مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، شخصياً) لم تعد تخفي خشيتها من لجوء الأسد إلى تحويل الطائفة العلوية، على المستوى المدني والأهلي الصرف، وفي الضيع والقرى والبلدات، إلى حطب يشعل معارك النظام الاخيرة.

ذلك لأنّ طهران باتت ترى في علويي سورية جزءاً منتسباً، بالإرادة أو بالقسر، إلى التيار الشيعي الإقليمي العريض.

ولهذا صار واجباً على إيران، التي تزعم تصدّر الصفّ الشيعي، أن تتصدّر أيضاً جهود حماية سواد العلويين المدنيين من أيّ أذى جماعي قد يلحق بهم، سواء أتى من طوائف أخرى، لأسباب سياسية أو طائفية شتى، أو تسببت فيه سيناريوهات الكارثة، التي قد يلجأ إليها الأسد في محاولات أخيرة، قصوى وانتحارية.

الفارق بين فيديو درعا، أواخر نيسان 2011، وفيديو بابا عمرو، أوائل نيسان 2012، هو، على نحو بليغ، خلاصة مآلات، وتناقضات، هذا الطراز من الوحدات العسكرية الموالية، التي تتقهقر اليوم على الأرض، وبالتوازي معها تتقدّم سيناريوهات الكارثة، حيث اليأس والروح الانتحارية هي الطاغية على ذهنية الطغاة. هي، في مستوى أوّل، ذراع النظام الضاربة في قمع الانتفاضة، انتشرت حيثما اقتضت عمليات حصار المدن أو اقتحامها أو قصفها، عبر المدرعة أو الدبابة أو الحوّامة، فضلاً عن كامل الأسلحة النارية الأخرى.

وهذه، الفرقة الرابعة في المثال الأبرز، وحدة مدرّعة في الأساس، لكنّ تسليحها نخبوي ومتميّز، وترسانتها لا تقتصر على العدّة العسكرية بل تشمل أدوات القمع الأخرى (من العصا الكهربائية إلى الغاز المسيل للدموع، مروراً بالهراوة والقنابل المسمارية...)، وامتيازات عناصرها، من حيث الراتب والتعويضات والسكن والتأمين، لا تُقارن بما يحصل عليه العسكريون في جميع وحدات الجيش السوري الأخرى.

لكنها، في مستوى ثانٍ، ترنّحت تحت عدد من الضغوطات اليومية، أبرزها الأوّل هو اهتراء معنويات أفراد الفرقة أمام الصمود الأسطوري للتظاهرات، وارتقاء الشعارات يوماً بعد يوم، في علاقة طردية مع اشتداد آلة القهر. كلّما حوصرت منطقة، ودُمّرت بيوتها وسُفكت دماء أبنائها، نساء ورجالاً وشيوخاً وأطفالاً، ارتفعت أكثر فأكثر روحية المطالبة بإسقاط النظام، والتعريض المباشر برموزه العليا، بشار الأسد وشقيقه على نحو محدد. وكلما أوغلت الفرقة في الإجراءات الكفيلة ببثّ الفرقة بين السوريين (مثل قصف مئذنة هنا، أو العبث بمسجد هناك، أو كتابة شعارات مذهبية وطائفية بين حين وآخر...)، جاء الردّ الشعبي أكثر تمسكاً بالوحدة الوطنية، وأعلى وعياً بمخططات النظام.

نمط الضغط الثاني كانت تصنعه حقيقة أنّ الفرقة هجين مختلَط من بقايا وحدات عسكرية سابقة، كانت لها صولاتها وجولاتها في التاريخ القمعي لـ'الحركة التصحيحية'، وتوجّب على حافظ الأسد أن يفككها ويعيد تركيبها، بين حقبة وأخرى. تلك السيرورة فرضتها اعتبارات تخصّ قطع الطريق على الأجندات الخاصة لقادة تلك الوحدات، من أمثال رفعت الأسد (قائد 'سرايا الدفاع')، وعلي حيدر (قائد 'الوحدات الخاصة')، وعدنان الأسد (قائد 'سرايا الصراع')... صحيح أنّ هؤلاء باتوا خارج المشهد القيادي، حتى قبل أن تبدأ عمليات توريث الأسد الابن، إلا أنّ ما جرى تكريسه على نطاق التوريث داخل البيت الأسدي، جرى أيضاً استلهامه بصياغات متغايرة على صعيد مناقلة النفوذ والامتيازات بين قادة الصفّ الأوّل، ووكلائهم قادة الصفوف الثانية والثالثة.

وفي العموم، يعرف الضابط في الفرقة الرابعة أنّ ماهر الأسد اختار له البقاء في كتائبها، فلم يشمله بأعمال التطهير التي أعقبت اندلاع الانتفاضة، لأنّ ولاءه ثابت، وقد تمّ التحقق منه خلال هذه العملية أو تلك، كما لا يجهل، وهنا التفصيل الأهمّ، أنّ انتماءه إلى هذه العشيرة أو تلك، من هذه الضيعة التابعة لهذه المنطقة، وليست تلك التابعة لمنطقة أخرى، كان حاسماً في ترشيحه للبقاء. لكنه، أغلب الظنّ، لم يتطهر تماماً من ذاكرة شخصية تضمنت ولاءاته السابقة، وامتيازاته التي لم تكن أضأل، بل كانت أوفر ربما، مع ضباط من أمثال العقيد معين ناصيف (صهر رفعت الأسد، والضابط الأبرز في 'سرايا الدفاع')، أو العميد هاشم معلا (بطل حصار حلب، 1980، و'مدمّر الإخوان المسلمين' حسب التسمية المفضّلة لدى محبّيه)، أو العميد محسن سلمان (حاكم لبنان العسكري أواسط الثمانينيات، إسوة بحاكمها الأمني غازي كنعان).

اليوم صارت أقلّ ظهوراً تلك الفيديوهات التي تصوّر همجية أفراد الوحدات الموالية ضدّ أبناء الشعب السوري، والمدنيين العزّل بصفة خاصة، ليس لأنّ التسريبات صارت نادرة، بل ربما لأنّ مستوى المشاركة في الهمجية انحسر على الأرض، وانتقل إلى السماء! وما تتعرّض له هذه الوحدات من ضغوط بنيوية تخصّ تركيبها الأصلي، وأخرى لوجستية وعسكرية ناجمة عن هزائمها على الأرض، لا تبدو وكأنها تبدّل الكثير في سلوك الولاء الأعمى، والذهاب أبعد في خيانة الوطن والشعب.

ولهذا فإنها تتقهقر على الأرض، ولكنها لا تنفصل عن الخيارات الأخرى التي تنذر بسيناريوهات الكارثة، والأرجح أنها لن تتورّع عن الانخراط فيها. كيف لا، وهي صفّ 'الشبيحة للأبد'!

==============

مبادرة الابراهيمي والفوضى الدموية

رأي القدس

2012-12-27

القدس العربي

السيد الاخضر الابراهيمي المبعوث العربي والدولي غادر دمشق عائدا الى لبنان برا بعد لقائه بالرئيس بشار الاسد ومناقشة مبادرته السياسية التي يعتقد انها الفرصة الاخيرة لحل الازمة السورية.

مجيء الابراهيمي الى دمشق ومغادرتها عن طريق البر تجنبا لمطار دمشق بسبب الاخطار الامنية، يعكس صعوبة الاوضاع في العاصمة السورية نتيجة لاختراق المعارضة المسلحة لاحياء عديدة، واقتراب الاشتباكات من قلب العاصمة.

خطة السيد الابراهيمي التي حملها معه الى موسكو يوم امس تقوم على اساس بقاء الرئيس الاسد في السلطة حتى نهاية ولايته في عام 2014، على ان تتولى مقاليد الحكم في البلاد حكومة وحدة وطنية بصلاحيات قوية خلال فترة انتقالية تنتهي بعد اجراء الانتخابات الرئاسية.

السيد الابراهيمي يتكتم على تفاصيل مبادرته ورد الرئيس السوري على بنودها، وما اذا كان سيقبل ان يكون رئيسا بلا صلاحيات حتى انتهاء ولايته، وان يعتزل الحياة السياسية بعد ذلك؟

سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي الذي يعتبر المسؤول الاول عن ملف الازمة السورية يتحدث في مؤتمراته الصحافية، عن ضرورة التمسك ببيان جنيف الذي صدر عن مجموعة العمل الدولية حول الازمة السورية، وهذا البيان ينص على الانتقال السلمي للسلطة، ولكن النقطة الخلافية فيه تتعلق بما اذا كان هذا البيان ينص صراحة على تنحي الرئيس الاسد. فالتفسير الامريكي يقول بالتنحي، بينما يرى نظيره الروسي عكس ذلك تماما.

من الواضح ان مجموعة دول اصدقاء الشعب السوري برئاسة الولايات المتحدة تجاوزت 'بيان جنيف' كليا، وتعمل الان على تسليح المعارضة السورية بأسلحة حديثة يمكن ان تقلب الموازين، وتعجل بسقوط النظام. ولذلك كان لافروف مصيبا عندما اتهم هذه الدول بالازدواجية في خطابها، اي انها تؤيد الحل السياسي علنا وتعمل على تأجيج العمل المسلح على الارض والتحريض على مواصلة الحرب.

النقطة الاهم في تصريحات لافروف تتمثل في قوله ان البديل للحل السياسي هو الفوضى الدموية، لان الحسم العسكري في سورية لصالح هذا الطرف او ذاك غير مضمون، فالبلاد دخلت في حرب اهلية طائفية حسب تقديرات الامم المتحدة.

الفوضى الدموية بدأت فعلا، فهناك عدة جهات تحارب النظام اولا، وتتنافس فيما بينها في الصراع على السلطة ثانيا، فحتى لو تم التوصل الى حل سلمي فان التطبيق لن يكون سهلا.

فاذا كان الائتلاف السوري الذي يشكل مظلة لمعظم فصائل المعارضة المسلحة وغير المسلحة يتطلع الى قيام دولة علمانية تحفظ حق الطوائف والعرقيات على قدم المساواة مع الاغلبية السنية، فان الجماعات الجهادية المسلحة ترى عكس ذلك تماما، وترىد اقامة دولة اسلامية سلفية الطابع والممارسة.

فرص الحل السياسي السلمي تتراجع بشكل متسارع وقوة الجماعات الجهادية تتعزز يوما بعد يوم في ظل استمرار الصراع، ولهذا نعتقد ان فرص نجاح مبادرة الابراهيمي محدودة للغاية، فهل تقبل القوات المسلحة السورية الخضوع للحكومة الانتقالية الجديدة والشيء نفسه ينطبق على المؤسسة الامنية؟

الطريق لحل الازمة السورية طويل ومظلم ولا يبدو ان هناك ضوءا في نهاية نفقه، والفوضى الدموية هي الثابت الوحيد المتوقع، والسؤال الوحيد الذي لا يملك احد الاجابة عليه، في السلطة او المعارضة، هو الى متى تستمر هذه الفوضى؟

 

==============

«كمين» دمشق والمناورة نحو الساحل

وفيق السامرائي

الشرق الاوسط

28-12-2012

بعد أن فشلت مشاريع تحريض مكونات الشعب السوري، التي تدخل ضمن مصطلحات الأقليات المدرجة في فلسفة النظريات الشوفينية، على الثورة، والتقدم الكبير الذي أحرزه الثوار في حلب، وفشل مشروع تفكيك النسيج الوطني على أسس تآمرية حاول فصيل كردي الترويج لها، طبقا لتحضيرات واتفاقات مسبقة تمت في مدينة أربيل برعاية من رئيس إقليم كردستان. ونتيجة التطور السريع الذي قاد إلى بدء الصفحات التمهيدية لمعركة دمشق الكبرى، تأكد سحب تشكيلات قتالية إلى قلب العاصمة، ونشرها في مناطق مختلفة، منها جبل قاسيون وغيره، وحشد عدد كبير من وحدات المدفعية والصواريخ، لمحاولة استدراج قوات الجيش الحر إلى مناطق قتل مهيأة مسبقا، تحت كثافة نارية كبيرة.

في ضوء هذه الصورة، أثبت الثوار قدرة واضحة على تشخيص النيات المعادية، والتريث في تنفيذ الاندفاعات العميقة، وهو ما زاد من يأس قيادة السلطة ودفعها إلى تصرفات طائشة على غرار إطلاق صواريخ «سكود» على أهداف مدنية، مسجلة سابقة فريدة من التهور في كل عمليات مجابهة الثورات والأحداث الداخلية. إضافة إلى التلويح باستخدام الأسلحة الكيماوية من خلال توزيع تجهيزات الوقاية على القوات العاملة تحت قيادة السلطة، وتكرار الحديث عن تحريك بعض المواد، وتأكيد الامتناع عن استخدامها، وهو تأكيد يفهم بطريقة معاكسة، وفقا للطروحات الأخيرة لوزير الإعلام السوري، الذي يحاول التظاهر بأن سلطتهم تمسك بزمام الأمور وما هي إلا مسألة وقت ويحسم الصراع لمصلحتهم.

طبقا لما هو متاح من معلومات وتصورات، فإن قيادات الجيش الحر تفتقر إلى وجود مقر قيادة مركزي، وقيادة جوالة، وجهاز استخبارات مركزي يتولى توجيه الفروع المنتشرة ضمن مناطق المجالس العسكرية، وهي مهمة بالغة الضرورة، تقع على عاتق كبار الضباط العاملين مع الثوار، وعلى عاتق الأجهزة الصديقة، غربية وعربية وإقليمية. ورغم هذا النقص فإن الوعي الميداني أحبط خطط السلطة لاستدراجهم لتطوير معركة دمشق وفق حسابات غير محكمة النهايات، وانعكس إيجابا بإطالة مدة الصفحات التمهيدية، وهي مدة افتراضية في كل حسابات الجيوش تتوقف على سير العمليات القتالية ومكاسبها، والمناورة بجزء من الكتائب تجاه الساحل.

ويبدو أن نشاطات ومناورات وتحركات السلطة أصبحت واضحة أمام الثوار، فيما يتعلق بمرحلة ما بعد معركة دمشق، ومحاولات التحضير المستمر لقبول معركة فاصلة في منطقة الساحل، حيث بدأت السلطة بنقل قوات وتجهيزات وأسلحة، ومن المرجح نقل أسلحة كيماوية أيضا لتكون قوة ردع للمرحلة الحاسمة. وأسس إدراك المعارضة لهذه المعطيات، لوضع خطط للمناورة بقوات وجهد، ووضع خطط لتحريك الوضع في المناطق الساحلية بين اللاذقية وطرطوس، لإرباك قدرة السلطة على إدارة الصراع وتشتيت جهدها العسكري، لتسهيل معركة دمشق الكبرى، فكلما اتسعت جبهات الصراع تعذرت قدرة تأمين السلطة لطرق الإمداد على اتجاهات مختلفة.

التهديد المحتمل تصعيده خلال الأسابيع القادمة يدفع السلطة إلى نقل قوات أكثر من منطقة دمشق؛ لأن المعارك هناك لم تعد خاضعة لمنطق السيطرة، فالاختراقات مستمرة في قلب العاصمة، رغم حالات من الهدوء تنقل بين فترة وأخرى إعلاميا، لإعطاء انطباعات معنوية مؤقتة. وأصبح الربط بين الوضعين الأمنيين في دمشق والساحل مسألة حاسمة، والخسارة في الساحل تعتبر أكثر قسوة عمليا حتى من سقوط دمشق، لأنها تفقد السلطة فرصة تشكيل دويلة الساحل، وتجعل فرص إدامة دمشق مستحيلة، وهذه حالة تدركها السلطة. وطبقا لهذا الإدراك جرى نقل عائلات المقاتلين من دمشق إلى الساحل عموما، وطرطوس تحديدا، لكي لا تتحول إلى عبء على المقاتلين ومؤسسات السلطة في مرحلة قتال أشد أو انتقال قسري.

ومع الحرص على تفادي التعمق في الجوانب التي تؤثر سلبا على المعنويات، فإن عمليات على طراز ما يحدث في سوريا، لا يمكن أن تبقى على وتيرة واحدة، لأنها معارك مصير ووجود تتميز بشدة غير عادية، تتعرض لمفاجآت خطيرة. وهو ما يدفع أصدقاء الشعب السوري إلى زيادة نطاق الدعم التسليحي لتسريع حسم الموقف، بعد تزايد تملص المجتمع الدولي من النهوض بمسؤولية التدخل المباشر. ومع أن الوقت يمضي لصالح الثورة، فإنه يؤدي إلى زيادة المعاناة الإنسانية، وربما إلى تطورات إقليمية غير ملائمة، كما حدث ويمكن تطوره سلبا في لبنان، وتعقيدات الوضع العراقي، وحاجة الوضع التركي لحسم الموقف في أقرب فرصة ممكنة.

==============

يجب ألا تتحول تركيا إلى قوة معرقلة في سوريا

سميح ايديز

الشرق الاوسط

28-12-2012

التدبر في المحاولات الدبلوماسية الأخيرة الرامية إلى التوصل إلى حل للأزمة السورية يظهر بجلاء أن المهمة الحالية للأخضر الإبراهيمي، المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية لسوريا، لا تروق في طبيعتها لأنقرة. وقد سربت مصادر بوزارة الخارجية التركية للصحافة ما يكفي لتعزيز هذه الفكرة.

وكما أشرت في السابق في هذا العمود، فقد غيرت تركيا من وجهة نظرها، وبدت مترددة نوعا ما، في قبول مشاركة أي عناصر من النظام الحالي في الإدارة الانتقالية في فترة ما بعد الأسد. لكن فكرة أن يكون الأسد ذاته جزءا من أي صيغة تسوية لا تزال غير مطروقة.

من ناحية أخرى أشارت تقارير إعلامية، إلى أن مهمة الإبراهيمي الحالية تتضمن إقناع الجانبين في سوريا بقبول الخطة المدعومة من قبل روسيا والولايات المتحدة، التي تتضمن بقاء الأسد حتى عام 2014 على رأس السلطة، على رأس إدارة انتقالية ذات قاعدة عريضة، حتى وإن لم يتم تجديد ولايته بعد هذا التاريخ.

لكن النقطة الرئيسية هنا ليست في أن الخطة تتضمن بقاء الأسد حتى عام 2014. الأمر الذي يصعب تقبله من جانب الأطراف المتشددة في المعارضة السورية التي حولت الأزمة في سوريا إلى حرب طائفية، بل فيما بدا اتفاقا بين واشنطن وموسكو لدفع خطة تسوية مشتركة.

وقد أكدتُ في عدد من المناسبات هنا، أن أي تسوية بشأن القضية السورية ينبغي أن تتضمن لا محالة تعاون العضوين الدائمين في مجلس الأمن. وبدا الاجتماع في دبلن الذي عقد في وقت مبكر من هذا الشهر بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خطوة في سبيل تحقيق تقديم اتفاق محدود بشأن سوريا.

لكن مهمة الإبراهيمي الحالية تشير إلى أن ذلك قد لا يمثل القصة برمتها. فرغم المنافسة على المصالح الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط، الحقيقة التي اتضحت حتى في الأزمة السورية، هناك مخاوف تشترك فيها كلا القوتين قد تدفعهما إلى التعاون في النهاية. حقيقة الأمر أن روسيا كانت تؤكد منذ البداية على أن سوريا ستصبح أرضا خصبة للجهاديين الأجانب من كل الأطياف، وكانت تبرر دعمها الواسع لنظام الأسد على هذا الأساس.

من ناحية أخرى بدأت واشنطن في التخلي عن موقفها القريب من تركيا، في الالتزام برواية قريبة لرواية أنقرة، ومن ثم اعتبرت في البداية المعارضة السورية المسلحة قوة موحدة لمقاومة ديكتاتور بغيض والصراع من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ورغم صحة هذا دون شك بالنسبة لبعض عناصر المعارضة، لكن خلفية بعض المقاتلين المعارضين للأسد تشير بوضوح إلى أن هدفهم النهائي لا يمكن أن يكون الديمقراطية أو حقوق الإنسان، بل نظام سني ثيوقراطي يتشابه بصورة أو بأخرى مع ذلك الذي يقوده الإخوان المسلمون.

وهذا هو السبب الواضح وراء تدخل واشنطن لتوسيع قاعدة المعارضة السورية، بهدف عزل العناصر الجهادية، سواء كان ذلك داخل سوريا أو خارجها. إن الدعم الذي تقدمه تركيا للمعارضة السورية التي ينتمي معظم قادتها للتيار السني يتضمن عناصر قد تنظر إليها واشنطن وموسكو على أنها أشياء لا تتسم بالحكمة أو بغيضة من الناحية الأخلاقية.

والأكثر من ذلك، تُظهر مهمة الأخضر الإبراهيمي مرة أخرى أن تركيا لم تعد في مركز الجهود الدبلوماسية الرامية إلى حل الأزمة في سوريا. وعلى العكس من ذلك، تسعى تركيا بهذه الطريقة لأن تكون قوة معرقلة تحاول منع التوصل إلى تسوية لا تتفق مع رؤية حكومة أردوغان لسوريا في المستقبل.

ويتعين على أردوغان ووزير خارجيته داود أوغلو أن يفهما أن سوريا المستقبل من غير المرجح أن تتشكل وفق رؤيتهم الآيديولوجية المشتركة، ولكن من المرجح أن تكون قائمة على عوامل موضوعية نتيجة للتعاون بين القوى الرئيسية في مجلس الأمن.

ويبدو أن واشنطن وموسكو يفهمان هذا جيدا، وقد حان الوقت لأنقرة لكي تفهم ذلك أيضا.

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية

===============

سوريا على مشارف عام جديد!

اكرم البني

الشرق الاوسط

28-12-2012

بعيدا عن التنبؤات وتوقعات علماء الفلك والأبراج وبعيدا عن الأوهام والأضاليل، ثمة أحداث مؤلمة تجري على الأرض السورية تفوح برائحة الدم والخراب، يتمنى لها المتفائلون أن تنتظم في مسار خلاصي يبدأ بوقف العنف، فتغيير جذري يزيل الاستبداد ويرسي قواعد الحياة الديمقراطية في البلاد، بينما يخشى المتشائمون أن تؤدي رعونة السلطة وإصرارها على منطق القوة والعنف إلى الانزلاق نحو المجهول، وأوضح ما فيه المزيد من الضحايا والدمار والتشرد، وربما حرب أهلية مديدة تقود إلى تخندقات وانقسامات عميقة بين أبناء الوطن الواحد.

لا ريب في أن العام الجديد سيضع حدا لمعاناة السوريين، يقول المتفائلون ويعتقدون أن الصراع وصل أوجه وصار استمراره، باعتراف الجميع، عبثيا وأشبه بحالة استنزاف لقوى عاجزة عن الحسم، والأهم انحسار الثقة بالنظام عموما وبخياره العنفي وقد جرب على مرأى من العالم كل أصناف الأسلحة والخطط الحربية ولم ينجح في إضعاف الثورة أو الحد من قدرتها على التجدد، بدليل تنامي أعداد المسلحين واتساع المساحات والمناطق الخارجة عن السيطرة، وتكاثر حالات التهرب من المسؤولية والانسحاب من صفوف الجيش والأمن ومن حزب البعث وملحقاته النقابية، الأمر الذي يضع، برأي هؤلاء، الحالة السورية على نار حامية، عربيا ودوليا، لإحداث التغيير المطلوب، ويرجحون أن تحتل المشهد نخبة من الشخصيات المعارضة للتفاوض على نقل السلطة، وقيادة مرحلة انتقالية تنتهي بإقرار دستور جديد وإجراء انتخابات عامة.

يعتبر المتشائمون أن سلطة على مثال السلطة السورية لن تتوانى عن جر المجتمع كله إلى الاقتتال والخراب من أجل الحفاظ على امتيازاتها وبقائها في الحكم، مما ينذر بتفكيك البنية الوطنية وعناصر تماسكها وتقويض الدولة وجر البلاد إلى حرب أهلية قد تطول، وخير برهان الازدياد المطرد للعنف ولأعداد الضحايا والمفقودين والمشردين، واستخدام مختلف الأسلحة، والقصف العشوائي لأماكن السكن في معظم المدن والأرياف السورية، وحصارها المزمن والضغط على حاجاتها وخدماتها وشروط معيشتها، تعزز هذا الخيار شخصيات فاسدة ومرتكبة ترفض التنازل عن مواقعها وامتيازاتها حتى لو كان الطوفان، وتبحث عن فرصة للإفلات من المحاسبة والعقاب، ربما عبر تحصين نفسها ضمن وسطها الاجتماعي وفي مناطق تستطيع الدفاع عنها إن فشلت سيطرتها على المجتمع ككل، مطمئنة إلى الدعم السخي من حلفائها، وخاصة إيران التي لن تتخلى ببساطة عما راكمته من نفوذ طيلة عقود، وإلى مجتمع دولي لا يكترث بما يحصل من فظائع وأهوال، وكأنه بشعوبه وحكوماته يتفرج على هذا الفتك اليومي بالمدنيين، مثلما يتفرج على مسلسل تلفزيوني أو صور من عالم آخر، والفاجعة في التحذير الأممي الأخير للنظام بأن استخدام السلاح الكيماوي خط احمر، بما هو إباحة لكل ما دونه من وسائل القمع والتنكيل!

تستقبل البلاد عاما جديدا والوضع الاقتصادي وصل إلى الحضيض، لقد أفضى القصف والتدمير إلى انهيار القطاعات الإنتاجية والخدمية، وخربت حمم القذائف والآليات الثقيلة الأراضي الزراعية، ومنع الانتشار الأمني الكثيف نقل المحاصيل بصورة آمنة إلى الأسواق، وأفضى شح المواد الأولية جراء وقف الاستيراد، وضعف التسويق ومنافذ التصدير، إلى انهيار الصناعة، فأغلقت مئات المصانع أبوابها أو قلصت إنتاجها، وسرح الآلاف من عمالها، ولاقى قطاع السياحة المصير الأسوأ كأن دوره انتهى اليوم تماما، مثلما انتهت فرص الاستثمار، وبديهي ألا يأمن رأس المال لساحة معرضة لمزيد من الفوضى والاضطراب، ناهيكم بتعطل أغلب المشاريع الاستثمارية التي كانت تسير بصورة طبيعية، وتراجع دور البنوك العامة والخاصة جراء العقوبات وهروب الكثير من رؤوس الأموال إلى الخارج، والأهم تدهور معيشة المواطن، إن لجهة عدم توافر السلع الأساسية التي تفقد تماما في المناطق الساخنة، كالخبز والمواد الغذائية والأدوية والغاز والمازوت، أو لجهة انهيار القدرة الشرائية، مع خسارة الليرة السورية أكثر من 50% من قيمتها، أو لجهة تهتك وتفكك شبكات الخدمات التعليمية والصحية، دون أن ننسى معاناة المهجرين داخل البلاد الذين آثروا الانتقال من المناطق الخطرة، أو اللاجئين في البلدان المجاورة، حيث أفضى تسارع الزيادة في أعدادهم إلى انحسار القدرة على توفير أهم الاحتياجات الإنسانية لهم!

المدهش مع إطلالة السنة الجديدة أن غالبية السوريين، ورغم سوء عيشها وما تكابده، لا تزال متحمسة للثورة وللتغيير، وتتطلع إلى التخلص من الاستبداد أيا تكن الآلام، في إشارة إلى تكيفها السريع مع شح الموارد، خاصة في المناطق التي خرجت عن سيطرة السلطة، حيث تترك بلا كهرباء ولا ماء وتحرم من أبسط الحاجات الحيوية للعيش، مما يظهر عمق التحدي وحجم المسؤولية الواقعة على عاتق المعارضة بمكونيها السياسي والعسكري، وعلى الكوادر الميدانية واللجان الأهلية في تلك المناطق، إن لجهة خلق نمط من التعاون الصحي بين الناس والتوزيع العادل للاحتياجات المعيشية، وإن لجهة الحد الحازم من التجاوزات والخروقات التي يمكن أن تنشأ في ظل غياب دور الدولة، والغرض بذل كل الجهود لإظهار صورة صحية وإيجابية عن مجتمع واعد ينسجم مع شعارات الحرية والكرامة التي تبناها، ويقطع الطريق على المتصيدين في المياه العكرة، والمشككين في قدرة الحراك الثوري على إدارة البلاد وتنظيم حياة الناس.

«إننا محكومون بالأمل».. هي عبارة يتبادلها بعض النشطاء وهم يستقبلون عاما جديدا، ربما بقصد الاعتراف بأن مخاض الثورة سيكون صعبا جدا أمام آلة عسكرية مدججة بأفتك الأسلحة، وسوف يكتظ بالضحايا والآلام وبمعاناة ومكابدة لم يشهد شعب ثائر لها مثيلا، وربما لإظهار الثقة بجدوى استمرار الثورة وبأن توحيد صفوفها وتصويب أخطائها، قد يخفف من وطأة هذا المخاض وثقله ويعجل وصول الناس إلى حقوقهم وما يتطلعون إليه!

==================

من يحدد مصير دمشق ومصير سورية؟

د. بشير موسى نافع

2012-12-26

القدس العربي 

استمرت معركة تحرير باريس من 19 آب (أغسطس) 1944 إلى الخامس والعشرين من الشهر نفسه. كانت العاصمة وقطاع كبير من فرنسا قد وضعت تحت إدارة عسكرية ألمانية نازية مباشرة، بخلاف وسط وجنوب فرنسا، حيث حكومة فيشي، المستقلة شكلاً والموالية للألمان في الواقع، طبقاً لما عرف بهدنة الحملة الثانية في حزيران (يونيو) 1940.

لم تكن باريس هدفاً استراتيجياً عاجلاً لإيزنهاور وقيادة قوات الحلفاء، التي خططت لملاحقة القوات الألمانية في الشمال الشرقي، قبل أن تنجح في بناء دفاعاتها من جديد. ولأن الألمان أدركوا حقيقة خطة الحلفاء فقد تركوا ما لا يزيد عن 20 ألفاً من قواتهم للدفاع عن باريس وضواحيها، تحت قيادة الجنرال ديتريش فون شوليتز، الذي كان أيضاً الحاكم الإداري العسكري للعاصمة الفرنسية.

باقتراب طلائع قوات الحلفاء من المدينة، قرر الجنرال الفرنسي ليكرك (الذي سيقود القوات الفرنسية في سايغون بعد ذلك)، قائد اللواء المدرع الثاني من قوات جيش فرنسا الحرة، فعلياً عصيان أوامر إيزنهاور والاندفاع لتحرير باريس.

انتفضت العاصمة الفرنسية في وجه قوات الاحتلال النازي، وانتشرت وحدات المقاومة الفرنسية في ضواحيها المختلفة، تشن هجمات متفرقة على القوات الألمانية، بدون أن تشتبك معها. وما إن بدأت قوات جيش فرنسا الحرة تدخل ضواحي المدينة، حتى أصبح موقف الألمان يائساً، بالرغم من أن توجيهات هتلر، حتى الثالث والعشرين من الشهر، أكدت على مقاومة قوات الحلفاء وتعطيلها، عدم استسلام أي جندي ألماني، وأن لا تترك المدينة لقوات الحلفاء إلا ركاماً. في 25 آب (أغسطس)، قرر شوليتز الاستسلام، لتجنب تدمير المدينة الأكثر تاثيراً في أوروبا النصف الأول من القرن العشرين.

ثمة روايات ثلاث مختلفة لمعركة تحرير باريس وإنقاذها من مصير العشرات من المدن الأوروبية الأخرى التي طحنتها رحى الحرب، أكثر حروب الأوروبيين بشاعة في تاريخهم الحديث. الأولى، هي رواية المقاومة الفرنسية، التي تقول بأن شوليتز لم يستسلم إلا عندما أدرك أن مصيره ومصير قواته بات محتوماً، وأنه لم يتردد طوال أسبوع انتفاضة باريس في إعدام مقاومين وقتل آخرين في ظروف أقرب إلى الإعدام. تعزو الرواية الثاني إلى بيير تايتنجر، رئيس مجلس بلدية باريس، وإلى القنصل السويدي العام في المدينة، راوول نوردنغ، اللذين قابلا شوليتز خلال انتفاضة المدينة، دوراً هاماً في إقناع الجنرال الألماني بالاستسلام وإنقاذ المدينة. شوليتز، نفسه، يؤكد أن القرار كان قراره، وأن ضميره وواجبه الإنساني وقناعته بأن هتلر أصيب بالجنون، لم تسمح له بخوض معركة تؤدي إلى تدمير باريس، بينما الحرب في مرحلتها الأخيرة. مهما كانت دوافع شوليتز، على أية حال، فإن استسلامه سجل باعتباره السبب الرئيسي خلف نجاة العاصمة الفرنسية.

اليوم، تواجه دمشق، أقدم مدينة حية بلا انقطاع في تاريخ الإنسانية، عاصمة المشرق العربي الأبرز والأهم والأجمل، أول مقر لحكومة عربية بعد الحرب الأولى، المدينة التي لا يسأل فيها عربي ينطق لغة الضاد قط من أين أنت، مصير باريس. وتخيم شكوك ثقيلة على سماء المشرق حول ما إن كان الرئيس السوري يدفع المدينة العربية المجيدة نحو الدمار.

أصبح واضحاً منذ خريف العالم الماضي، وولادة ذراع مسلح للثورة السورية، أن مستقبل الثورة ومستقبل سورية سيقرر في النهاية في دمشق. نجحت قوات الجيش السوري الحر وكتائب الثوار السوريين الأخرى خلال العام المنصرم في السيطرة على معظم الريف السوري، متقدمة، على طريقة جيش الثورة الصينية، من الأرياف إلى المدن. بات معظم الشرق السوري، الشمال والشمال الشرقي، محرراً. وفي الأيام القليلة الماضية، بدأت معركة قاسية لتحرير محافظة حماة، بدءاً، كما هي استراتيجية قوات الثورة، من ريف المحافظة، بينما يواصل الثوار السوريون بطاقة متجددة تحرير ما تبقى من مدينة حلب، العاصمة الثانية وأكثر مدن البلاد سكاناً. ويسيطر الثوار على أغلب بلدات ريف دمشق، جنوب وشرق وشمال المدينة، بالرغم من القصف المستمر والوحشي الذي تتعهده قوات النظام من المواقع التي لم تزل تتواجد فيها. في محافظة درعا، بوابة دمشق الجنوبية، يتكرر المشهد إلى حد كبير، حيث تحررت معظم بلدات المحافظة وقراها، ولم تعد القوات الموالية للنظام تنشط إلا في المدن، وبعض المواقع الحدودية، وعدد قليل من المعسكرات ومقار الكتائب والوحدات.

بكلمة أخرى، فقد النظام سيطرته على أكثر من نصف سورية، حيث لم تتقوض منظومة التحكم العسكري والأمني وحسب، بل وشلت المؤسسات الإدارية والقضائية كذلك. ولعل المتغير الأكبر في ميزان القوى ينعكس في فقدان قوات النظام، منذ أوائل أيلول (سبتمبر)، لعنصر المبادرة، بحيث تواصل وحدات الجيش المعزولة عن العالم، في أغلب الحالات، التخندق في مواقعها، بدون أن تستطيع القيام بأية عمليات هجومية قمعية، كما كان الوضع منذ نشرت قوات الجيش بعد أسبوعين فقط من انطلاق الثورة في منتصف آذار (مارس) 2011.

بيد أن سيطرة النظام على العاصمة ومنطقة المرتفعات والمدن الساحلية لم تزل محكمة. حرص النظام منذ بداية الثورة على استخدام مقدرات عسكرية وأمنية فائقة لتأمين المنطقة الساحلية، سواء لاسباب طائفية أو استراتيجية، بينما حشد في دمشق والساحل، أفضل قوات الجيش المتبقية وأكثرها ولاء.

ولم يعد ثمة شك أن النظام يظهر استعداداً لخوض معركة العاصمة، مهما كانت التكاليف. في الدولة الحديثة، حيث تحتل العاصمة موقع المركز العصبي لأجهزة الدولة كافة، وحيث المقار الأساسية للقطاعات الاقتصادية والمالية، كما للقوات المسلحة وأجهزة الأمن والاستخبارات، وحيث تتجلى فكرة السيادة بمعناها السياسي والدولي الحديث، تصبح السيطرة على العاصمة شرطاً ضرورياً لإيقاع الهزيمة بنظام الحكم وإنجاز هدف التغيير. ولا يخفى عزم الثوار السوريين على تحرير المدينة. وتشير المعارك التي خاضها الثوار السوريون في الحجر الأسود ومخيم اليرموك خلال هذا الشهر، كانون أول (ديسمبر)، إلى أن رياح الثورة المسلحة تطرق بالفعل بوابات دمشق، بعد أن كان وسط المدينة التاريخي أول من شهد تظاهرات الثورة السلمية في آذار (مارس) 2011.

كما طوال ما يقارب العامين من الثورة، وحرب النظام ضد شعبه، لا يجب تعليق أية آمال على التدخل العسكري الخارجي لحسم مصير العاصمة والنظام والبلاد. مشكلة التدخل الغربي ليس لها إلا علاقة واهية بالموقف في مجلس الأمن، وإمكانية أو عدم إمكانية الحصول على غطاء شرعي دولي. المشكلة أن لا تدخل خارجياً بدون الولايات المتحدة، والولايات المتحدة لم تعد تعتبر الشرق الأوسط أولوية استراتيجية لها، تستدعي الغرق في تعقيداتها لسنوات، كما حدث في أفغانستان والعراق، كما ان سورية أكثر تعقيداً بكثير من العراق، سواء على مستوى الاشتباك الداخلي أو الإقليمي.

ولا يجب استبعاد وجود رغبة ما في الدوائر الغربية بأن يترك السوريون في صراعهم لأطول فترة ممكنة، بحيث تخرج سورية من الصراع منهكة، أقل قدرة على الفعل، وفي حاجة لسنوات طويلة، وربما عقود من الزمن، قبل أن تستطيع بناء قوتها الفاعلة. ما تقوم به القوى الغربية في سورية الآن، هو أقرب إلى إدارة الصراع منه إلى محاولة إنهاء الصراع لصالح الشعب وثورته.

حلفاء النظام، من جهة أخرى، سيما في إيران وروسيا، يقدمون كل ما يستطيعونه من أجل منع سقوط النظام، أو تأخير سقوطه لأقصى فترة ممكنة. قول الرئيس الروسي بوتين أن اهتمام روسيا منصب على مصير سورية وشعبها وليس على مصير رئيسها، هو قول مضلل. السلاح والذخائر الروسية لم تزل تصل إلى سورية، والخبراء الروس في سورية ما زالوا في مواقعهم العسكرية والمدنية.

أما الدور الإيراني فأكبر من ذلك بكثير، ويغطي مجالات عمل ما تبقى من الدولة السورية كافة، بما في ذلك المجالان العسكري والاقتصادي. لا آلام السوريين ومعاناتهم، ولا دمار مدنهم وبلداتهم، ما يكترث له الروس والإيرانيون، بعد أن أصبحت سورية ساحة وأداة صراع دولي وإقليمي، تتعلق بدور روسيا وإيران وليس بمصير السوريين، بالمجال الحيوي الروسي في آسيا الوسطى والقوقاز والنفوذ الإيراني الإقليمي، سيما في العراق، وليس ببقاء سورية ودورها.

ما تبقى هو الكتلة العربية وتركيا. وعلى هؤلاء إدراك حقيقة ومخاطر إطالة أمد الأزمة السورية، على سورية نفسها وعلى المحيط العربي والإسلامي معاً. ثمة تحد أخلاقي يواجهه العرب في سورية، إضافة إلى التحديين السياسي والجيو سياسي. لم يعد من الممكن للضمير العربي الجمعي احتمال استمرار آلة القتل والإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري، ولا عاد من الممكن الحفاظ على دور سورية وموقعها الحيوي في المجال العربي، بدون القيام بالواجبات التي يفرضها انتماء السوريين العربي، وموقعهم في التاريخ العربي الحديث، على العرب جميعاً، ولا من الحكمة مراقبة استمرار هذه المجزرة وتصور أنها ستظل محصورة بالحدود السورية.

ليس ثمة شك أن رياح الثورة العربية فرضت أولويات جديدة على مختلف الدول العربية الرئيسية، سيما دولتهم الكبرى، مصر، وأن دولاً أخرى، مثل قطر والسعودية وتركيا، تقوم بدور فعال في توفير الدعم للثورة السورية. ولكن متطلبات الوضع السوري أكثر إلحاحاً من أية أولويات عربية راهنة، وأكبر بكثير مما يقدم للسوريين الآن، ليس ما يتعلق بالدعم المادي وحسب، بل والدعم السياسي أيضاً. كما إن محاولات الاطراف المختلفة تأمين موقع قدم لها في الساحة السورية، قبل سقوط النظام النهائي، لا يساعد السوريين كثيراً. السؤال الذي لابد أن يسأله الجميع هو ما إن كان من الضروري أن تنتهي هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن، أو أن تترك عجلة الصراع الطاحنة تدور في مدن وبلدات وحياة السوريين.

بإمكان الرئيس السوري وحلفائه التصرف ببعض من النبل والشعور بالمسؤولية، أو حتى ببعض اليأس، كما فعل الجنرال شوليتز في باريس 1944، والمسارعة إلى إنقاذ ما تبقى من سورية.

وإلا فعلى العرب وتركيا اتخاذ ما يلزم من خطوات لحسم هذا الصراع المؤلم، بعد أن دفع السوريون فاتورة حركة الثورة العربية، كاملة وبلا نقصان.

=================

حكايات سوريّة

سعاد قطناني

2012-12-26

القدس العربي

في سورية لم يعد هناك وقت لسرد حكايات المعذبين حكاية حكاية، فالألم غطى سورية،كل سورية. لم تعد الأماكن تبوح بالذكريات، فالذكريات رفاهية لا مكان لها. لم يعد لأي شيء أي معنى فكل المعاني تصب في الموت. تتفاقز أخبار الموت والموتى من عاجل إلى عاجل ومن شاشة إلى أخرى..تيبست دمعتي وجف قلبي.

هنا مشيت وهناك بكيت...تلك كانت مدرستي وهذه جامعتي..كل هذا الركام كان حكاية مدينة..حكاية عشق ونارنج وياسمين...أو ربما حكاية شقاء وبقاء ورجاء..هل هذي هي دمشق الدمشقي! أم ذاك الخراب هو حمص الوليد..

بت أخاف أن أنام فالنوم موت بين غفلتين غفلة الموت وساعة النصر..والنصر صبر ساعة هكذا قالوا... ولهذا لن أنام بل سأحكي الحكايات...

' '

ذات نهار في دمشق، لم تصدق أذنيها حين سمعت في حيها الصغير أصداء أصوات تهتف: الموت ولا المذلة...تناهى صوتهم إلى مسامعها، سرت قشعريرة باردة في جسدها، نزلت دمعة من عينيها، فتحت النافذة، غدا الصوت أقوى، هي جنازة لشهيد، كانت الشمس حارقة في ذلك اليوم الصيفي، توجهت إلى الثلاجة وأخذت ما فيها من عبوات ماء بلاستيكية ورمتها لهم لتخفف من ظمأهم، بكت بحرقة، زغردت، رشت الجنازة بالأرز والملح، صاحت معهم من نافذتها الصغيرة: ليش خايفين، ليش خايفين! غدا الصوت له إيقاع واحد، يخرج من كل النوافد والبيوت، ومن حناجر من وقفوا على طرفي الطريق...تعرفت إلى صوتها...كان عالياً ومجروحاً...مرت الجنازة، بكت ثم بكت ورمت خوفها من الليل والزحام والمخبرين إلى الأبد..

' ' '

لم تغادرها صورة منزلها وحارتها التي تركتها على عجل، قالوا لهم: غادروا وإلا ستتعرضون للموت، فكرت وقالت في نفسها: ماذا سآخذ وماذا سأترك؟ ربما الثلاجة! ربما التلفاز! أطلقت سيارة السوزوكي الممتلئة بجيرانها زموراً تستعجلها، نظرت حولها، وضعت منديلها على رأسها، ثم تركت كل شيء وخرجت!

الآن هي في مكان ما لا يطالها لا قصف ولا رصاص، تتابع الأخبار واصلة الليل بالنهار، تتعرف على المناطق من اسم دكان أو يافطة على زاوية الشارع، هذه داريا هي تعرفها بتفاصيلها الصغيرة، ترى بضعة أشلاء وأجساد محترقة، تنادي ملء صوتها : يا الله ، يا عدل، الا ترى! ألا تسمع! يا الله، لماذا تركتنا وحدنا!! يا الله يا عدل احرقني فقد كفرت، سامحني فقد كفرت! وأجهشت بالبكاء...

' ' '

تجلس في بيتها في غزة تدعو أن يحمي الله أولادها وأولادهم جميعاً، فالقصف يشتد في هذه الليلة، تصلي لعلها صلاتها الأخيرة...تتذكر أختها في مخيم اليرموك يوم قالت لها أثناء العدوان على غزة عام 2008: كان عليك ألا تغادري المخيم..هنا الجيران والأهل...كيف تتركي سورية.. هنا الأمان! أخذت تردد بصوت عال: هنا الأمان! أين الأمان؟ بكت وتضرعت إلى الله أن يحمي أختها وصغارها هناك في المخيم..

 

' ' '

خرجت من باب البيت، هالها أنها تعيش بين هذا الركام وهذا الدمار الذي أخطأها وعائلتها صدفة، رأت رجالا يركضون وسمعت أصوات عويل..لا شيء في الشوارع سوى الذهول والخوف والبكاء...عادت إلى البيت وكتبت في دفترها: يا أيها الموت اتركنا نعيش أحزاننا دمعة فدمعة، ونتذكر شهداءنا واحداً واحدا، نريد أن نعلق صورهم على الجدران ولا مكان سوى الركام، أريد أن أبكيهم وأحكي قصصهم، ابتعد أيها الموت قليلاً أريد أن أبكي على مهل حتى لو كان هذا آخر ما سأفعله! وانفجرت بحبل من الدموع والألم...

 

' ' '

الدموع لا تُرجع من رحلوا ولا من غابوا ولكنها تُسكن الروح... منذ عامين غدى الأمل والخوف رفيقيها في أيامها وساعاتها، تجادلهما، تغلبهما في أحيان ويغلبونها في احيان أخرى، وفي غمرة حيرتها تبكي..

 

' ' '

خلال عامين عرفت ما لم تكن تعرفه عن وطنها..حفظت عن ظهر قلب أسماء شوارع لم تكن تعرفها، ببساطة أكثر تعرفت على وطنها... هناك أحياء لم يكن يرضى أي سائق سيارة أجرة أن يسير إليها بقوله: لا تتسع لشخصين يمشيان سوياً، فكيف ستتسع لسيارتي! اليوم عرفت أن هذه الأحياء وهذه الحارات التي لم تتسع يوماً لسيارة أجرة تتسع لدبابة وباص مليء بالشبيحة...تغيرت معالم الحارات...لكنها باتت تعرفها أكثر...

باتت تتذكر بنات صفها في المدرسة وتذكر مناطقهم وقراهم التي جاؤوا منها إلى حزام الفقر في المدينة...من درعا ودير الزور، من قرى اللاذقية وطرطوس، من حمص وحماة، من قرى حلب، أو من الجولان المحتل... كان الوطن خليطاً من القرويين والمشردين الذين يتشاركون أطراف المدينة والذكريات...حتى أبناء الحي باتت تعرفهم واحداً واحدا، وأخذت تـُكبر في ذاك شهامته رغم أنها لم تر فيه إلا ذلك الفتى الذي يحوم على الدراجة، اليوم رمى كل الأسماء وصار اسمه شهيدا..

 

' ' '

ذات ليل من ليالي أيلول كانوا يحلمون بوطن وجواز سفر وربما خيمة...ركبوا الرياح والبحرعله سيقودهم إلى بلاد لاخوف فيها،مشبعين بالكرامة، معبئين بالحرية. ركبوا الليل إلى نهارلا ظلم فيه ولاظلام.....في ذاك المركب خبأوا أطفالهم... خبأوا مستقبلا يربط جديلة وآخر بثياب جديدة وحلم، كانوا على أطراف الحلم حين غرقوا مع المركب وغرقت احلامهم ذات ليل، ودفنوا شهداء بعيداً عن سورية ولم يصبحوا على وطن...

 

' ' '

توقف عمره عند لحظتين، الأولى: كان عمره ثلاثة عشر عاماً وهو يعبر من فلسطين ويدوس على جثث في الظلام باتجاه سورية بعد أن نسيه أهله هناك. الثانية: غدا عمره مايقارب الثمانين عاماً، يهرب من الحجر الأسود ويدوس على جثث في الظلام باتجاه المخيم...

 

' ' '

في الخامسة صباحاً توقظ صغيرها فهي لا تعرف أين الأمان ولكن معها ربما يكون في أمان، تهمس في أذنه: هل تذهب معي إلى الفرن؟ يبتسم، ينهض من الفراش بسرعة، يلبس معطفه ويربط حذائه. توقظ ابنتها الكبرى وتقول لها: سأذهب إلى الفرن، لن أتأخر...وهي تعلم بقراراة نفسها أنها سوف تتأخر وستنتظر لساعات وساعات لتأتي إن تمكنت بسبعة أرغفة من الخبز، وربما تأتي أو لا تأتي...تصل إلى الفرن والبرد يلفح وجه الصغير ووجهها، تقف بالطابور كالعشرات ممن يسكنون حيها وتنتظر، تسمع قصص من ماتوا من أجل رغيف الخبز، تشد على يد ابنها وتقول له: سنعود إلى البيت بعد قليل، وتنتظر...

 

' ' '

جارنا، تعرفتُ عليه من خلال صفحة على الفيسبوك اجتهد اقرباؤه بنشر صوره عليها...عرفته وهو شهيد لا أعرف اسمه قبلها أو لقبه، عرفته شهيداً، بكيته وكتبت له: لا أعرفك أو ربما لا أذكرك عندما كنت حياً ترزق..ربما ركبنا الحافلة سوياً ذات مساء طويل... أو ربما كنت طفلاً تلهو بحضن أمك..أو كنت طالباً جامعياً تحلم بكل المستحيل، ربما مررت بقربك وأنت تحمل أكياس الرمل لتبني بيتاً غدا الآن ركاماً، ربما كنت بائعاً للخضار في السوق العتيق، أو لنقل إنك كنت الطفل المدلل الذي نام الحليب على شفتيه، فقط اليوم عرفتك حين علوت شهيداً...إلى كل الشهداء الذين عرفتهم بعد أن أصبحوا شهداء... افتقدكم فأنتم الناس الذي أحب.. كل الناس...

=================

ماذا عرض الإبراهيمي على الأسد؟! * عريب الرنتاوي

الدستور

27-12-2012

في الظاهر، لم تخرج تصريحات الإبراهيمي عقب اجتماعه بالرئيس السوري، عن تكرار العموميات المتعلقة بمهمته وانطباعاته عن محادثاته مع الأسد وقراءاته المتشائمة عموماً للمشهد السوري التي حفظناها عن ظهر قلب..أما البيان الرئاسي المقتضب عن الاجتماع، فاكتفى بالقول بأن الأسد أبلغ الإبراهيمي بأنه على استعداد لتسهيل أي حل سياسي يخدم مصلحة الشعب السوري، ويحفظ لسوريا وحدتها وسيادتها واستقلالها.

مثل هذه الأقوال وحدها، لا تبرر بقاء الإبراهيمي عدة أيام في سوريا بعد اجتماعه بالرئيس، كما أن اجتماعاته بالمعارضة في الداخل، لا توجب كل هذا التأخير والاستمهال في مغادرة العاصمة السورية، ما دفعنا لتقصي المعلومات والحقائق عمّا دار بين الموفد الدولي ومحدثيه السوريين الكثر، واعترف أن المهمة لم تكن سهلة أبداً، فثمة أجواء من التكتم على ما دار بين الموفد والرئيس.

لكن مما توفر لدينا من حصيلة لما أجريناه من اتصالات يؤكد أن الإبراهيمي، جاء هذه المرة، بسلة من الأسئلة التفصيلة، وهو طلب من الرئيس السوري، إجابات محددة على أسئلته المحددة..ولأنه يدرك حساسية الأمر، فقد امتنع عن الكشف عن تفاصيل ما دار بين الرجلين، كما أنه أمهل الجانب السوري بعض الوقت، للرد على أسئلته، وهذا ما استبقاه في دمشق، على أية حال.

الأسئلة في جوهرها تمحورت حول مصير السوري ودوره أو “لا دوره” بالأحرى، في مرحلة الانتقال السياسي..هل الرئيس مستعد لتفويض صلاحياته لحكومة انتقالية من النظام والمعارضة؟..عن أية صلاحيات نتحدث؟..هل هو مستعد للتخلي عن صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة السورية؟..ماذا عن مرجعية الأجهزة الأمنية الرئيسة المرتبطة حالياً بالرئاسة (الاستخبارات الجوية والأمن العسكري)؟..هل يقبل الرئيس تفويض صلاحياته العسكرية والأمنية للحكومة؟..هل سيبقى الرئيس في منصبه “خالي الدسم والصلاحيات” إلى حين إجراء انتخابات رئاسية؟..هل يمكن تبكير موعد الانتخابات أم أنها ستجري في موعدها المقرر في 2014؟..هل يتعهد الرئيس بعدم الترشح للانتخابات القادمة؟.

ثم، ماذا عن آليات تشكيل الحكومة الانتقالية..ممن تتشكل وبأية نسب، وما هي مواصفات شخص رئيس الوزراء المقبل (من النظام، من معارضة الداخل، من معارضة الخارج، شخصية مستقلة)..ومن هم ممثلو النظام فيها (أسماء محددة)..ماذا عن أدوار وأوزان مختلف مكونات الشعب السوري، ديموغرافياً وسياسياً..أية ضمانات يمكن توفيرها لمختلف هذه المكونات، لكي تأمن على حاضرها ومستقبلها؟

وماذا عن آليات وقف إطلاق النار، خصوصاً في ظل وجود قوى متعددة تحمل السلاح، وغياب مرجعية موحدة للمعارضات السورية، وكيف سيتم التعامل مع الخروقات في حال حدوثها، وكيف سيتم التعامل مع الخارجين على كل حل سياسي (جبهة النصرة والجهاديين).

ماذا عن آلية نشر قوات حفظ السلام، تعدادها والدول المشاركة فيها وقيادتها، وأماكن انتشارها وصلاحياتها (تفويضها)، وعن الجهة التي ستشكلها وتكلفها بالانتشار، ومدة انتشارها، وكيف ستتعامل مع الخروقات والتجاوزات.

الإجابات التي سيخرج بها الإبراهيمي من دمشق، سيعود بها إلى موسكو وواشنطن، وقد تشكل أساساً لاتفاق جديد: “جنيف 2”..هذا في حال حصل على إجابات محددة، أما في حال استمر النظام على المماطلة، أو لم يتقدم بأية إجابات مقنعة للموفد الدولي كفيلة بأن تشكل أساساً للحل، فإن من المتوقع أن تشهد سوريا، وبالأخص دمشق، جولة طويلة جديدة، من العنف والقتال، لانضاج شروط الحل الدولي الممكن.

مصادر المعارضة الداخلية التي التقت الإبراهيمي، أكدت أنه لم يعرض تفاصيل ما دار بينه وبين الرئيس الأسد عليها، مكتفياً بعرض الخطوط العامة لمبادرته وأفكاره، وهي في الوقت الذي لا تبدي فيه تفاؤلاً حقيقياً في إمكانية أن يقدم النظام إجابات “مقنعة” للموفد الدولي، لأن النظام لم يبرح بعد مربع الحل العسكري/الأمني، إلا أنها تراهن على تطورين اثنين: الأول، أن غالبية متعاظمة من السوريين، باتت تريد حلاً سياسياً يخرجها من دائرة القتل والدمار والخراب، سيما في ظل تقديرات مؤكدة بأن استمرار القتال سيؤدي لتدمير دمشق وسوريا، وسيفضي إلى تقسيم البلاد طائفياً ومذهبياً..والثاني، أن المعارضة المسلحة تحقق تقدماً ميدانياً مطرداً، وثمة أوساط عسكرية وأمنية قريبة من دوائر صنع القرار، بدأت تؤكد أن كسب المعركة وحسمها لصالح النظام، بات أمراً مستحيلاً، وأن القتال الذي يجري، يهدف إلى تحسين شروط “الحل/الصفقة” الدولية، وليس إلى استعادة سوريا لما كانت عليه، ومن هنا تؤكد المصادر أن السؤال الذي بدأ يتردد في بعض أوساط النظام هو: هل تستحق “التحسينات” المطلوبة لشروط “الحل /الصفقة” كل هذه التضحيات والخسائر والمغامرات؟..أليس هذا هو جوهر الحديث الصحفي النادر لنائب الرئيس فاروق الشرع؟.

=================

على أبواب دمشق: كيف يمكن تخفيف الكارثة؟

ياسر أبو هلالة

27-12-2012

الغد الاردنية

جهاد مقدسي الذي كان يتحدث عن المؤامرات الأميركية-التركية-القطرية على سورية، تبين أنه "سي. آي. أيه"، ويقضي اليوم إجازة الكريسماس في أميركا. صحيح أنه ليس الوحيد المتورط بالعمالة للمخابرات الأميركية وغيرها من أجهزة، لكن من قبيل الدقة في التحليل علينا أن نميز بين من ثاروا وانشقوا عن النظام قناعة وإيمانا، وبين من كانوا مرتبطين أصلا بالدوائر الاستخبارية الغربية.

يمكن رصد مثالين واضحين: جهاد مقدسي ومناف طلاس. فثمة معلومات في الإعلام الغربي بأن الأول أخرجته المخابرات الأميركية من دمشق، والتحق بمقرها في "لانغلي"، والثاني أخرجته المخابرات الفرنسية إلى باريس. في المقابل، باقي المنشقين، وعلى رأسهم رياض حجاب، خرجوا بعمليات "استشهادية" من خلال كتائب الثوار، ومعروف كل منشق أي كتيبة أخرجته ومع من كان يتواصل من الثوار.

بعد انشقاق مقدسي، كثر الحديث عن جبهة النصرة وعن السلاح الكيماوي، وتصاعدت وتيرة المبادرات السياسية. وهو ما يؤشر على قرب تدخل عسكري غربي. فالخشية الحقيقية ليست من استخدام النظام للسلاح الكيماوي، وإنما من وقوعه في أيدي الثوار، وهؤلاء ليسوا بمنأى عن جبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة. والأسلم لإسرائيل التي تمثل المصلحة الأولى للغرب، هو حل سياسي يضمن وجود سلطة مستقرة من بقايا نظام بشار؛ وإن فشل فحل عسكري يضمن سيطرة على الحدود مع إسرائيل وترسانة السلاح الكيماوي.

بعد عامين من الحديث عن المؤامرات، تأكد نظام بشار وحلفاؤه في موسكو وطهران وبكين أن الولايات المتحدة والغرب عموما منضبطون بالإيقاع الإسرائيلي. وخلافا لدعاية الثوار بأن حافظ الأسد باع الجولان، وبشار يحمي حدود إسرائيل، فإن الأخيرة حقيقة تعتبره عدوا، لكنه عاقل ويعرف حدوده جيدا، على عكس الثوار الذين لا يُعرف كيف يفكرون، ولا أين سيمضون في عدائهم لإسرائيل، خصوصا أن مناطق نازحي الجولان في الحجر الأسود وغيرها كانت من أسخن المناطق في الثورة.

في المقابل، يعرف الجميع اليوم أن الثورة اليتيمة يقرع ثوارها المسلحون أبواب دمشق، بدون أن يحدث تدخل دولي أو تسليح نوعي. ويدرك النظام قبل غيره أن مسألة تحرير دمشق مسألة وقت، وهو يحاول الحصول على صفقة سياسية في اللحظة الأخيرة، وليس لديه قدرة على المبادرة العسكرية، وكل قدراته تتلخص في قصف المخابز وإيقاع أكبر ضرر بالمدنيين. وهو يدرك أن هذا مؤثر جدا على الثوار الذين تتزين لهم المرجة. سؤال الثوار: كم مهر دمشق من الدماء؟ لا أحد يعرف كم سيقتل النظام من مدنيين عزل. ويراهن الثوار على الوقت في انهيار النظام، ويأملون في تكرار مشهد دخول طرابلس في ليبيا؛ فنظام القذافي تبخر سريعا ولم يبد أي مقاومة عندما يئس من البقاء.

ما لم يحدث الانهيار، فإن معركة دمشق ستنتهي بدمار المدينة وقتل الآلاف. ولكن لو حصل تدخل دولي، فإن ذلك سيقلل الخسائر بشكل كبير. فضرب قدرات النظام الجوية والصاروخية والمدفعية سيوفر كثيرا من الدماء والدمار، لكن أكثرية الثوار اليوم ترفض التدخل الدولي وهو ما كانت تتمناه سابقا.

للأسف، ترسل روسيا سفنها العسكرية، وترسل إيران مقاتلي حزب الله والحرس الثوري، وبعدها يُلام الثوار على تدخل دولي لم يحصل! يؤمل أن تنتهي معركة دمشق بأقل الخسائر. وبعدها سيحاسب الشعب السوري كل من ساهم في قتله، سواء بالكلمة أم بالصاروخ. وستشهد مدن الشام إعادة إعمار كما شهدت ذلك مدن أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن تخلصت من العدوان النازي.

=================

الخيار الصعب: دمار دمشق أو بقاء وجيز للأسد

عبدالوهاب بدرخان *

الخميس ٢٧ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

ستكون الشهور الثلاثة الأولى من السنة الجديدة حاسمة: فإمّا أن يترتّب حلٌ دولي توافق عليه المعارضة ويرضخ له النظام، وإمّا أن تدخل سورية دوامة حروب كثيرة في إطار حرب واحدة: بين نظام ومعارضة كما هي الآن، بين طوائف ومذاهب، بين مناطق تريد أن تتوضّح ملامح مستقبلها (أكراد، علويون)، وبين دول تتقاتل بواسطة السوريين... كل ذلك على خلفية السقوط الحتمي للنظام، مترافقاً بتحلّل الدولة وانحلال الجيش وتمزّقات النسيج الاجتماعي.

تقرير محققي الأمم المتحدة عن المنحى الطائفي المتصاعد للصراع قد يكون صدم البعض، أو اعتُبر مبالغاً وغير واعٍ ومتحسّس الطبيعة «اللاطائفية» للشعب السوري، بدليل أن خطاب المعارضة ظل وطنياً نظيفاً على رغم التحريض الذي حملته أشرطة تعمّد «الشبيحة» تسريبها بما فيها من إهانات للرموز الدينية خلال تنكيلهم بمعتقليهم. غير أن «التطييف» كان منذ زمن من أدوات النظام لتثبيت سيطرته وشحذ ولاء قواته ذات اللون الطائفي الواحد، كما برز منذ الأيام الأولى للثورة حين بدأت التصفيات الميدانية للعسكريين الذين يرفضون إطلاق النار على مواطنيهم. وكما تحوّلت الأزمة إلى «معركة وجود» بالنسبة إلى علويي النظام فإما أن يبقى الحكم في أيديهم وإما أن يدمروا البلد، كذلك وجد الطرف الآخر (تحديداً السنّة) نفسه في مواجهة لم يتخيّل أنها ستضعه سريعاً بين خياري الموت والحياة.

الأكيد أن الثورة لم تقم بدافعٍ طائفي إلا أن مجرد اندلاعها كشف حقيقة النظام وطبيعته، ولأنه لم يبالِ بالبحث عن حلول وطنية بل اختار القتل، ولم يهتم بـ «قيادة» حلول سياسية حينما ناشده ذلك الخارج قبل الداخل، كما لم يقرأ في تهاون المجتمع الدولي سوى أنه ترخيص له بمواصلة التوحّش، فقد أتيح له أن يستدرج الثورة إلى حيث أراد أصلاً: أي من «السلمية» البحتة وطموح الحرية والكرامة إلى «العسكرة» القسرية وطموح استعادة سورية من «احتلالها الداخلي»، وصولاً إلى محاصرة المربع الأمني حيث يتمترس النظام في دمشق. كان صدّام حسين أعلن مسبقاً أن حرب 2003 ستقف عند أسوار بغداد وأن معركة العاصمة ستفشلها، لترفدها بعدئذ حرب مقاومة لطرد الاحتلال الأميركي، لكن ما حصل بعد سقوط بغداد كان حرباً أهلية أوصلت العراق إلى ما هو عليه الآن. طبعاً ثمة فارق أساسي وكبير في حال بشار الأسد وهو عدم وجود قوات احتلال أجنبية، وحقيقة أنه يواجه شعبه، لكنه يلعب ورقة «معركة دمشق» بعقلية نظيره العراقي، وتتمحور المخاوف كلها حالياً على احتمالات أن يتوصّل الأسد إلى إطلاق سيناريو حرب أهلية طائفية.

يجزم جميع الذين يعرفون بشار ونظامه أن انحسار سيطرته لم يغيّر شيئاً من أسس تفكيره، أي أنه سيقاتل حتى النهاية. لكن، أي نهاية؟ أصبح الدمار الكبير «مكسباً» بالنسبة إليه طالما أنه خسر ورقة الحسم العسكري واستحال عليه هزم الشعب - العدو. برهن ذلك في حلب ويستعد لبرهنته ثانية في دمشق. وبإصراره على العنف طوال واحد وعشرين شهراً اضطر المعارضة تدريجاً لأن تقبل التحدي وتحذو حذوه، فهو بحث عن المنازلة النارية وحصل عليها. إذ بلغ درجات القصف الجوي بالبراميل والقنابل العنقودية والفوسفورية وصولاً إلى صواريخ «سكود» مع التلويح بالسلاح الكيماوي، وقد أبلغ الجهات الخارجية - وفقاً لمعلومات جديدة - أنه يمكن أن يستخدم الكيماوي فقط إذا هددت منطقة الساحل التي يتوقع أن ينكفئ إليها مع من قاتل معه. ويُفهم من ذلك أن «الانكفاء» لن يحصل إلا إذا هُزم في دمشق، أو إذا عُرضت عليه صفقة دولية مناسبة في شأن «الكيان العلوي» على الساحل، ولأنه في الحالين لن يبقى في العاصمة فإنه مصمم على تحقيق «مكسب» تدميرها. وترتكز حساباته على أن إفراطه في التدمير يراكم مبررات الانسلاخ عن سورية، وهو ما بات الآن «قضيّته»، بل حتى قضية حليفيه الأخيرين والوحيدين: إيران و «حزب الله».

في غضون ذلك لا تزال المعارضة تطالب بـ «أسلحة متطوّرة» وعلى رغم الوعود المتقدّمة ليس مؤكداً أن تحصل قريباً على ما تحتاجه فعلاً لحسم المعركة. فالدول المرشحة لتوفير السلاح تنطلق من كون هذا الخيار الوحيد الناجع، أما الدول التي يفترض أن تغطي هذا التسليح - وعلى رأسها الولايات المتحدة – فخشيت دائماً ضراوة النظام وافتقاده أي ضوابط، إذ لم يسجّل التاريخ مثل هذا التدمير المنهجي لأي بلد إلا على أيدي غزاة من الخارج. وسواء جاءها السلاح أم لا تمضي المعارضة في معركتها من دون تردد، وأيضاً من دون تهوّر.

تؤكد التوقعات أن كلفة «معركة دمشق» ستكون عالية جداً، فالنظام سيفعل كل شيء ليطيلها بغية الشروع في المساومة ولئلا يخسرها بغية الحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه والحصول على ضمانات للطائفة في شأن المستقبل. وها هو الأخضر الابراهيمي يأتي إلى دمشق براً من لبنان، وسط أنباء عن تأبّطه «حلاً» مستمداً من «اتفاق جنيف» وفيه عنوانان يتوخيان «التوازن» ظاهرياً لكن أحدهما يلغي الآخر: 1) نقل السلطة بهدف البدء بمرحلة انتقالية، و2) بقاء الأسد بعد نقل صلاحياته. وهذا يعني عملياً تفعيل «سيناريو فاروق الشرع» الذي كان ممكناً - على مضض – قبل سنة، أي قبل أن يتضاعف عدد ضحايا الثورة ليقارب حالياً الخمسين ألفاً وقبل أن يتضاعف عدد الجرحى والمهجّرين والنازحين وقبل أن تزداد خسائر التدمير أضعافاً مضاعفة. وإذا صحّت الصيغ المتداولة، فإن مجرد إبلاغ الأسد أن الأميركيين والروس متفقون على بقائه «موقتاً»، أو «لثلاثة شهور» بعد نقل الصلاحيات، أو حتى «نهاية ولايته» منتصف 2014، وطريقة الإبلاغ كما تولاها الإبراهيمي، هما وصفة مسمومة لتأجيج القتال وإطالة الأزمة. سيعرف الأسد أن كل تخطيطه كان صائباً وأنه يستطيع الانتقال إلى المرحلة التالية من التصعيد لدفع الأميركيين والروس إلى كشف ما لديهم في شأن المساومة الكبرى التي يتأهب لإدارتها متفاوضاً مع الخارج ومواصلاً القتل والتدمير في الداخل.

في مثل هذا السياق ستوضع المعارضة تحت ضغوط من «الأصدقاء» وسيكون عليها بتّ الخيار الصعب والملتبس: الدمار الكبير أو حل سياسي بمشاركة مغلّفة مع النظام. لا شك في أن غالبية المعارضة تميل إلى رفض مطلق لمثل هذا الحل، وثمة معارضون يميلون إلى أي حل يمكن أن يوقف العنف ويمنع النظام من تدمير «روح دمشق» ومدينتها القديمة معتبرين أن هذا «ثمنٌ أكبر بكثير من ثمن رأس الأسد»، لكنهم سيطالبون بجدول زمني قصير للانتقال، وبضمانات تتعلق بـ: 1) وحدة سورية أرضاً وشعباً، 2) الحفاظ على الدولة والجيش، 3) نقل كامل لصلاحيات الرئيس وبقائه رمزياً لفترة وجيزة جداً، 4) تزامن بدء الفترة الانتقالية مع إعادة هيكلة نشطة للأجهزة الأمنية. في المقابل، بالنسبة إلى الأسد، لن يغيّر حلٌ كهذا أي شيء في المحصلة النهائية التي يسعى إليها، فهو سيلعب على التفاصيل وسيماطل على طريقة علي عبدالله صالح خصوصاً بالنسبة إلى تسليم «سلاح النخبة» ريثما يحصل على الضمانات لانكفاء ضباطه إلى منطقة الساحل، ومن شبه المؤكد أنه سيشعل معركة أخرى بالتكافل والتضامن مع إيران و «حزب الله».

=================

مؤامرة على سوريا

معن البياري

التاريخ: 27 ديسمبر 2012

البيان

كلُّ الاتفاق مع محبي النظام السوري ومشايعيه في القولِ إِنَّ ثمة مؤامرة على سوريا، ولكن ليس في الوجهةِ التي يفترضون، ولا في المنطقِ الذي يتبنّونه.

المؤامرةُ صارت واضحةً في ترك سوريا نهباً لكل هذا التدمير الذي تتحطَّم فيه، جيشاً ودولةً ومؤسسات، وفي عدم التدخل الذي يُنهي عمليةَ القتل اليوميّة الدائرة، بتفضيلِ هذا الحال الذي يتقاتل فيه السوريون مع بعضِهم، موزّعين في مجموعاتِ المعارضة المسلحة، وفي سلطةٍ مستأسدة، تحتكرُ قوة نيران هائلة، ورصاصاً بلا عدٍّ.

لا يُراد لهذه المواجهةِ أَنْ تنتهي إِلى أَيِّ حسمٍ، فيتبدّى أَن أميركا (مثلا) لا تريد انتصار الثورة السورية، وتُؤثر تآكلاً مستمراً تنتحرُ فيه سوريا، وتبتدعُ لعدم اتخاذ قرارٍ بتدخلٍ عسكريٍّ من أَي نوع، ذرائعَ تتناسل من بعضها.

نعم ثمَّة مؤامرة، لم نلحظها، كما أولئك، في ثورةِ السوريين، مع انتفاضةِ أطفال درعا، كما راحوا يشيعون، ولا مع مظاهراتٍ شعبية واسعة سقط بالرصاص الذي تمَّ تصويبُه على شبانها وصباياها نحو خمسة آلاف سوري، قبل أَنْ نعرفَ جيشاً حراً ومجلساً وطنياً.

تقدَّم غياث مطر بالورد إِلى الجنود، ثم قضى بالرصاص، حين انتُزعت أَحشاؤه، ورُمي إِبراهيم قاشوش في النهر، بعد اقتلاع حنجرته، وهو الذي واجه السلطةَ بأغنية.

لم تكن المؤامرةُ قد صارت على النحو الذي نرى، ولم تكن ثمّة مؤامرة من الطراز الذي يُخمنّه أولئك، حين توَّهموا أَنَّ النظام مستهدفٌ انتقاماً منه على ممانعتِه ومقاومتِه.

ولم يستحوا أَبداً عندما افترضوا أَنَّ الشعبَ السوريَّ ومتظاهريه، يأتمرون من الخارج للثورةِ على النظام، في المؤامرة التي في مخيلتِهم وحدَها.

وعندما مضوا في كلامهم هذا، ظنّوا أَنَّ ترويجهم تدخلاً وشيكاً من "الناتو" هو المقصودُ لضرب سوريا وتخريبِها، سيكون دليلاً على فريةِ المؤامرةِ الكونية تلك.

لم يتدخَّل "الناتو"، بل انقطعَ زعماؤه لتأكيد أَنه لن يقومَ بشيء، وما تأكد، لاحقاً، أَنَّ النظام السوريَّ هو من ينوبُ عن "الناتو" في إِحداث التخريب والتدمير، في القصفِ الشديد واستخدام "ميغ" و"سكود" والقنابل الفراغية.

وهذه المشاهدُ المتتابعةُ على شاشات الفضائيات، لا تفضحُ المؤامرةَ التي نُؤشِّر إِليها فقط، بل تكشفُ عن مداها الفظيع.

مدنٌ وبلداتٌ وأَريافٌ، شهيرةٌ بوداعتِها وأَناقةِ منازلها ودفء أَجوائها صارت خربةً محطمةً، عدا عن سوريين عديدين يسقطون يومياً في تقاتل لا يبدو أَنَّ نهايته تقترب، وإِنْ يُحقِّق الجيش الحر إِنجازاتٍ عسكرية، تجعلنا نتساءَل عن دواعي تمسك الرئيس بشار الأسد بسلطتِه المتداعية، حين تتناقص مساحاتُ الأَراضي التي يُفترض أَنها كانت تنعمُ بشرعيتِه عليها رئيساً.

إِنه "الناتو المحلي" الذي يقوم بالواجب إِذن، في هذه الاستباحةِ اليومية للآدميين، بل وفي استسهال استهداِف طوابيرهم أَمام المخابز.

يتوازى هذا كله مع بؤسٍ سياسي مديد، حين يصمتُ فيه الأخضر الإبراهيمي، مثلا، عن إدانةِ جريمة مثل هذه، جرت في أَثناءِ وجوده في دمشق.. يا للأسف.

=================

المطلوب من الائتلاف الوطني

إن اعتراف الدول الغربية بالائتلاف الوطني كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، لا يعني الكثير في ظل عدم وجود تفويض من الشعب للائتلاف

أنس زاهد

الخميس 27/12/2012

المدينة

لم تعد قضية إسقاط نظام عائلة الأسد في سوريا تقلقني، كما كان الحال في السابق. الآن هناك العديد من المؤشرات التي تفيد بقرب سقوط نظام الديكتاتور السوري، ومن ضمنها ما صدر من تصريحات على لسان الرئيس الروسي بوتين، الذي قال إنه لا يشترط إشراك الأسد في مشروعات التسوية المقبلة.

هذه المرونة في الموقف الروسي سبقتها بعض المواقف المهمة، ومن ضمنها استقبال موسكو للمعارضة السورية التي لا تنتمي للائتلاف الوطني السوري، والتي تختلف مع الائتلاف حول مسألة التدخل الخارجي وعسكرة الثورة.

ما يقلقني حد الفزع هو مرحلة ما بعد الأسد التي تبدو بلا ملامح نظرية حتى هذه اللحظة. فالائتلاف الوطني ومن قبله المجلس الوطني، لم يوضح موقفه من الدولة السورية في مرحلة ما بعد البعث، ولم يبين إذا ما كان يخطط لإقامة دولة مدنية أم لا.. والأهم أنه لم يطمئن الأقليات، ولم يقدم لها ضمانات أو التزامات من شأنها تبديد مخاوفها المتصاعدة بفعل بعض الممارسات الإجرامية، والنبرة الطائفية، والخطاب الفاشي الذي تنطلق منه بعض الفصائل المسلحة، وعلى رأسها جبهة النصرة ذات المرجعية القاعدية والتي وضعتها الإدارة الأمريكية قبل أكثر من أسبوع، على لائحة المنظمات الإرهابية.

حتى الآن يبدو الائتلاف الوطني فاقدًا الرؤية والمشروع، بل وحتى التجانس المطلوب بين الإخوان المسلمين وبين باقي العناصر التي يجوز وصفها بالليبرالية. ولعل ما يفاقم الوضع سوءًا هو عدم سيطرة الائتلاف على بعض التشكيلات المسلحة التي أعلنت منذ إنشاء الائتلاف، عدم اعترافها بحقه في تمثيل الشعب السوري الذي يطالب بقيام دولة إسلامية على حد زعمها.

في رأيي أن الائتلاف بات مطالبًا أكثر من أي وقت مضى، باتخاذ خطوات عملية تتمثل في إصدار ما يشبه الإعلان الدستوري للدولة الجديدة. وهو ما لا يمكن أن يستقيم في ظل تجاهل أطراف المعارضة السورية الأخرى التي كان لها دور في تفجير حركة الاحتجاجات الشعبية، والتي ما زالت تعبر عن وجهة نظر لها شعبيتها في الشارع السوري.

إن اعتراف الدول الغربية بالائتلاف الوطني كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، لا يعني الكثير في ظل عدم وجود تفويض من الشعب للائتلاف. صحيح أن الائتلاف كسب من هذه الخطوة نوعًا من الشرعية في جزء مهم من العالم، لكن الشرعية الحقيقية تبقى في الوطن، ولا يمكن أن تستمد إلاّ من الشعب السوري نفسه. وطالما بقي الائتلاف بلا مشروع، أو حتى تصور نظري يطرح فيه تصوراته لدولة المستقبل، فإن السوريين في الداخل لن يعملوا على دعمه بشكل فاعل.

يجب أن يكون البديل واضحًا.

=================

أميركا وروسيا: من يتعب سورياً قبل الآخر؟

روزانا بومنصف

2012-12-27

النهار

تجمع مصادر ديبلوماسية على ان الاخضر الابرهيمي حمل الى الرئيس السوري بشار الاسد عناوين يمكن العمل عليها من اجل حل الازمة المستعرة منذ 21 شهرا وان ثمة مؤشرات على ذلك ليست مبنية على ما تتناقله وسائل اعلام دولية من نقاط يسري على نطاق واسع انه تم الاتفاق عليها في اجتماعي دبلن فجنيف بين واشنطن وروسيا .  بل ان هذه المؤشرات مبنية على  اعلان الامم المتحدة ان مهمة الابرهيمي في سوريا لم تأت بجديد، وهي صيغة ديبلوماسية للقول ان ما حمله الابرهيمي من افكار لم يلق اي رد فعل ايجابي، معطوفة على مواقف مماثلة لتلك التي اطلقتها ايران من انها تعارض اي حلول خارجية تفرض على سوريا في ترجمة لموقف الرئيس السوري بالذات، الذي لن يعلن صراحة رفضه لاقتراحات الحلول التي تعرض عليه بل يترك ذلك لحلفائه علما ان لايران مصلحة في ان تكون جزءا ايضا من الحل. وهو الامر الذي يعني ان اقصاء او استبعاد ايران كما استبعاد تركيا والدول الخليجية الاساسية على رغم اتفاق واشنطن وروسيا في حال حصوله لن يساهم في بلورة حل جدي ذلك ان رأي هذه الدول ودورها مهمين جدا في معادلة الحل السوري. ولم يحصل ما يظهر ان هناك اجماعا اقليميا ودوليا في هذا الاطار في حال حصل التوافق الاميركي الروسي على بعض العناوين.

وفي اي حال فان مصادر معنية تعرب عن اعتقادها بان ما تم تداوله حتى الآن من معطيات لا يكفي للقيام بتسوية متفق عليها لان ظروف هذه التسوية لم تنضج بعد لا ميدانيا على الارض في سوريا ولا سياسيا بين الافرقاء الاقليميين والدوليين. وبحسب هذه المصادر، فان الكلام على اتفاق جنيف 2 او اتفاق جنيف واحد، الذي تم التوصل اليه في نهاية حزيران الماضي، معدلا لا يبدو واقعيا من حيث قابليته للتنفيذ بل على العكس من ذلك فان هناك استمرارا للرهانات على متغيرات في كل من موقفي الولايات المتحدة وروسيا. اذ ان هذه الاخيرة تعول على ان تتقدم واشنطن اكثر فاكثر نحو الموقع الذي تقف فيه من الموضوع السوري. ويعود ذلك الى اقتناع بان هناك مخاوف اميركية جدية من الجهاديين في سوريا و"جبهة النصرة " بحيث تجعل الاميركيين اكثر اقترابا من الموقف الروسي. في حين تعول الولايات المتحدة من جهتها على تحرك روسيا في اتجاهها اكثر مع تراجع سيطرة الرئيس السوري على المناطق السورية وفقدان الامل بقدرته على استرجاعها. اي ان كلا الفريقين ينتظر ان يتعب الآخر قبله من اجل ان يقترب اكثر من موقفه فيحفظ لنفسه ماء الوجه بانه لم يخسر في الكباش الحاصل حول سوريا.

=================

لا سلاح أميركياً لثوار سوريا... بعد

سركيس نعوم

2012-12-27

النهار

لا يزال حسم الأزمة – الحرب بين النظام السوري وغالبية شعبه صعباً في رأي مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة، وذلك لاسباب عدة أبرزها الآتي:

1 – عدم توصل أميركا "المؤيدة" للثوار سياسياً وروسيا  الداعمة للنظام بالتسليح وبالخبرة وبالمواقف داخل مجلس الأمن الى اتفاق على حل للأزمة ووقف للحرب يفسح في المجال امام تحقيق مطالب الثوار بالديموقراطية والعدالة والحرية، وامام تنامي خوف الاقليات التي صار يمثلها النظام من القمع النهائي وخصوصاً في ظل الدور المتصاعد للاصولية الاسلامية التكفيرية داخل الثورة. طبعاً ساهمت الاجتماعات المتكررة بين مسؤولين اميركيين وروس في تضييق الهوة بين موقفي بلاديهما، وجعلت روسيا تتأكد من اصرار الاسد على الحسم العسكري، كما دفعت اميركا الى استشعار الخطر الاصولي. لكن هذا "التقدم" لم يسفر بعد عن تفاهم يفتح الباب أمام حل أو تسوية.

2 - عدم توصل الولايات المتحدة المؤيدة سياسياً للثوار السوريين والجمهورية الاسلامية الايرانية الداعمة بكل الوسائل وفي كل المجالات للنظام الاسدي، ليس الى تفاهم حول طريقة حل الازمة – الحرب في سوريا، بل الى اتفاق على بدء حوار جدي ومباشر بينهما يتناول قضاياهما الخلافية التي لا يشكل ما يجري في سوريا الا نتيجة لخلاف اعمق وأشمل بينهما حول قضيتين – ازمتين هما الملف النووي الايراني ودور ايران الاسلامية في المنطقة. او عدم وصول الدولتين المذكورتين الى حرب معلنة بينهما تنهزم فيها احداهما، وتنعكس الهزيمة ضعفاً على حلفاء المهزومة الذين لا بد ان يجدوا انفسهم مضطرين الى قبول شروط المنتصرة. ومنطقي حينها ان يعتقد الناس ان اميركا ستكون المنتصر لا ايران رغم تعاظم تقدمها العسكري والتقني ورغم الثمن الكبير الذي قد تدفعها اياه الاخيرة.

3 – عدم قدرة الدول العربية الاسلامية والدول الاسلامية غير العربية على تقديم المساعدة التي يحتاج اليها الثوار السوريون من أجل حسم ثورتهم واسقاط نظام الاسد. علماً انهم بامكاناتهم المتواضعة وبالمساعدات المحدودة من الدول المشار اليها استطاعوا ان يصمدوا اكثر من 20 شهراً في وجه نظام لم يتورَّع عن استعمال كل اسلحته بما في ذلك المحرمة منها. لا بل استطاعوا ان يتقدموا جغرافياً وعلى نحو لم يكن يتصوره احد. وعدم القدرة المذكور أعلاه لا يعود الى عدم رغبة الدول المذكورة في سقوط الاسد ونظامه، بل الى عدم قدرتها على التدخل العسكري المباشر لترجيح كفة الثوار بسبب غياب موقف دولي موحد حيال ذلك، والى عدم قدرتها على مدهم بالاسلحة التي تمكنهم من التقدم السريع على طريق اسقاط النظام بسبب رفض الولايات المتحدة ذلك. ويبرر البعض من المصادر الديبلوماسية الغربية اياها رفضها بأمرين. الأول، خوفها من تحوُّل سوريا بعد سقوط النظام الى دولة "افغانية – طالبانية" وخصوصاً بعد تصاعد دور الاسلاميين المتشددين في اوساط الثوار، او الى دويلات من هذا النوع الأمر الذي يجعل قلب العالم العربي ملاذاً آمناً للـ"ارهابيين" الاسلاميين، كما لغيرهم. وفي ذلك خطر كبير عليها وعلى المجتمع الدولي. أما الأمر الثاني فهو مصلحة اسرائيل التي لا تستطيع قبول سقوط سريع لنظام الاسد الذي كانت تتلاقى مصالحها مع مصالحه لأنه سيؤدي الى قيام سريع لدولة اسلامية تكفيرية على حدودها. ولذلك فإن مصلحتها الحالية تقضي باستمرار الحرب وبتدمير سوريا وبزوالها دولة يمكن ان تشكل تهديداً لها. وربما من أجل ذلك لا تزال الولايات المتحدة ورغم ضغوط عربية واسلامية عدة تتريث أو بالأحرى ترفض تزويد الثوار السلاح الذي يمكنهم من الانتصار.

هل من انعكاس لاستمرار الازمة – الحرب في سوريا من دون حسم مدة طويلة على لبنان؟

طبعاً لا يمكن ان يكون الانعكاس الا سلبياً. علماً ان حسمها في اتجاه أو في آخر ستكون له تداعياته اللبنانية. ولن تمنع ذلك المواقف الدولية (اميركية – اوروبية) الناصحة المسؤولين اللبنانيين بالمحافظة على الاستقرار الأمني، وخصوصاً اذا انقاد الطرفان الاكبر في لبنان المصطف واحد منهما مع الثوار والآخر مع النظام في سوريا الى عواطفهما المذهبية، ونقلا حربهما التي يخوضانها في الداخل السوري على نحو غير مباشر الى الداخل اللبناني. واذا اعتقد الاثنان او احدهما ان العالم سيهتز لذلك فانهما يكونان مخطئين. فلبنان لم يعد مصلحة حيوية لأميركا الا من زاوية التهديد الذي يشكله "حزب الله" لاسرائيل ومعنى ذلك معروف.

=================

لبنان المعلّق في انتظار سوريا

علي حماده

2012-12-27

النهار

ايام قليلة وتنتهي السنة وتبدأ سنة جديدة مشبعة بالاستحقاقات اللبنانية. انتخابات نيابية تحضر لانتخابات رئاسية في العام الذي يليه. ومع اهمية الاستحقاقات الكبيرة المقبلة يبقى لبنان دولة معلقة لا بل بلدا معلقا في انتظار ان يسقط بشار الاسد وتتكشف معادلة داخلية جديدة قائمة على موازين قوى اقليمية جديدة.

ليس صحيحا ان سقوط الاسد في سوريا لن يؤثر في المعادلة اللبنانية. بل انه سيؤثر من دون ان يشكل انقلابا حاسما في اللعبة. والمقصود بالانقلاب هو سقوط مشروع "حزب الله" الذي يمثل وحده الحالة غير اللبنانية وغير التقليدية. من هنا فإن سقوط النظام في سوريا سيفقد اولا ايران جسرها الاستراتيجي الى قلب المشرق العربي، ويحول "حزب الله" المتحصن في قلعته اللبنانية الى حالة محاصرة عربيا ودوليا. هذا ما يفسر استشراس الحزب في الحفاظ على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وعودة الاغتيالات المدروسة مع اغتيال اللواء وسام الحسن الذي كان يحاول اقامة ثنائية امنية مع "حزب الله" والمشروع الايراني في البلد، فصدر قرار بقتله في اطار ترتيب اوراق ما بعد بشار الاسد، وخروج ايران من سوريا.

بشار سيسقط خلال سنة ٢٠١٣، والسؤال ما عاد يتعلق بالموعد وحده بل بتداعيات السقوط داخليا وتحديدا على الفئة العلوية التي تقف حاليا عند مفترق طرق تاريخي: فبقاؤها موالية للنظام سيؤدي بها الى نكبة تاريخية، بينما انتفاضتها وان المتأخرة يمكن ان تمنحها املا في المستقبل.

في لبنان لن تكون انتخابات قبل تظهير مشهد جديد في سوريا، وكل ما يحصل من معارك كلامية هنا وهناك لا يعدو كونه تقطيعا للوقت، وحدهم البلهاء يصدقون كلمة واحدة مما يقال او يتحمسون من اليوم لانتخابات لن تحصل. الحكومة باقية قانونيا على رغم انها سقطت سياسيا. والمتمسكون بها من الثلاثي الوسطي المزعوم يعملون وفق اجندات قصيرة المدى: وليد جنبلاط يعتقد انه ببقائه في الحكومة يشتري "بوليصة تأمين على الحياة" من "حزب الله"، ويمارس غزلا سلبيا مع السعوديين، منتظرا من ٨ و١٤ آذار العروض الانتخابية. ميشال سليمان يأمل ان يؤدي تأجيل الانتخابات الى تمديد تلقائي لولايته للمرة الاولى بإجماع داخلي، وعينه على ميشال عون. اما نجيب ميقاتي فيأمل في الا يرحل مع بشار الاسد. لذلك يتورط اكثر في دعم الشلل المسلحة في طرابلس والشمال، وينشر الوعود في عواصم العالم بأنه هو من سيقف في وجه "حزب الله" في المرحلة القادمة.

وفي مطلع ٢٠١٣ يعود رئيس الجمهورية داعيا الى طاولة الحوار، وهو اول العارفين انها غير ذات قيمة متى عاد “حزب الله“ الى الاغتيالات، وقد عاد اليها فعلا. من هنا ضرورة التدقيق في اهداف حصر الاتهام بجريمة الحسن بالنظام في سوريا، وبالتالي ضرورة ان يتخلص البعض من وهم انه يمكن ترويض القاتل بالاستسلام الدائم.

=================

لا شيء.. واستقبال الإبراهيمي بالتصعيد وبتسخيف تصريحات الشرع!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

27-12-2012

ما كان منتظرا أن يجد المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي هذه المرة في دمشق أفضل مما كان وجده في المرة والمرات السابقة، فالرئيس بشار الأسد واجهه بنفس ما كان قاله مرارا وتكرارا، وهو أن حكومته حريصة على أي جهود تصب في مصلحة الشعب السوري وتحفظ سيادة سوريا واستقلالها، وهكذا فإن حليمة لا تزال على عادتها القديمة:

يعطيك من طرف اللسان حلاوة

ويروغ منك كما يروغ الثعلب

وهذا هو ما جعل الإبراهيمي يتجنب في أول تصريح له، بعد لقاء الأسد، الإشارة إلى الاتفاق الأميركي - الروسي الذي تم التوصل إليه في مباحثات جنيف الأخيرة بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ونائب وزيرة الخارجية الأميركية ويليام بيرنز، والذي تردد أن أحد بنوده ينص، بالإضافة إلى عدد من النقاط الأخرى، على إعطاء الرئيس السوري، كنوع من حفظ ماء الوجه، فرصة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي كثر الحديث عنها في الفترة الأخيرة ثم المغادرة بعد ذلك وعلى الفور - ومعه من يرغب في أن يرافقه في هذا الخروج الآمن - إلى الدولة التي تقبل باستقباله والتي تشير بعض التقديرات إلى أنها دولة الإمارات العربية المتحدة.

والأدهى أن حكومة الرئيس بشار الأسد قد تعمدت استباق مهمة الإبراهيمي الجديدة بالتبرؤ من تصريحات فاروق الشرع التي كان استبعد فيها في حديث لصحيفة لبنانية تابعة لحزب الله اللبناني إمكانية الانتصار والحسم لا من قبل جيش النظام وقواته الأمنية ولا من قبل المعارضة وجيشها الذي هو الجيش السوري الحر والتي تحدث فيها أيضا عن ضرورة أن تكون هناك «تسوية تاريخية» يتم بموجبها تشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات واسعة النطاق ولمح إلى إمكانية تحجيم دور الرئيس السوري والحد من صلاحياته.

ثم وبالإضافة إلى هذا فإن نظام بشار الأسد، الذي بقي يتبع، منذ بداية هذه الأزمة الطاحنة، سياسة اتسمت بالمراوغات والألاعيب والأكاذيب، قد تعمد استقبال الإبراهيمي، الذي انتظر في القاهرة أياما عدة إلى أن أضاءت دمشق له الضوء الأخضر، بتصعيد عسكري جنوني تمثل في استخدام العنف المفرط وقتل المزيد من الأبرياء كما تمثل أيضا في استخدام الغازات السامة، وبخاصة غاز «السارين» القاتل، وذلك من أجل إظهار عدم خوفه من تهديدات الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإظهار أنه لا يزال يتمتع بالقوة الكافية لعدم تقديم أي تنازلات ولرفض الخطة الأميركية - الروسية الآنفة الذكر التي لم تتم الإشارة إليها خلال وجود المبعوث الدولي والعربي في العاصمة السورية لا من قريب ولا من بعيد.

وكل هذا قد جعل الإبراهيمي، هذا الدبلوماسي العريق المعروف بهدوئه وبالحرص الشديد على اختيار المفردات حمالة الأوجه في تصريحاته وأقواله إن في هذه المهمة وإن في المهمة السابقة وإن في مهامه الدبلوماسية على مدى تاريخ طويل، يقول في أول تصريح أطلقه بعد لقاء بشار الأسد: «لقد تبادلنا الرأي بشأن الخطوات التي من الممكن اتخاذها في المستقبل. إن الوضع في سوريا لا يزال يدعو إلى القلق وإنني أدعو كل الأطراف إلى التوجه نحو الحل الذي يتمناه الشعب السوري».

والملاحظ، وربما أن هذا هو ما جعل بشار الأسد يلجأ إلى التصعيد بدل التهدئة وجعله على لسان وزير إعلامه يتبرأ من فاروق الشرع ومن تصريحاته السالفة الذكر ويصف ما كان قاله لصحيفة «الأخبار» اللبنانية بأنه مجرد رأي كأي رأي شخصي لثلاثة وعشرين مليون مواطن سوري، إن الروس هم بدورهم قد استبقوا وصول الإبراهيمي إلى دمشق بعدم الحديث ولو بكلمة واحدة عما قيل إنه خطة أميركية - روسية حملها الموفد الدولي والعربي معه إلى العاصمة السورية. وهنا فإنه حتى التصريح الذي حذر فيه سيرغي لافروف النظام السوري من مغبة استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه وقال إنه سيكون «بمثابة انتحار سياسي» قد أنهاه بالقول: «ولكنني لا أظن أن هذا النظام سيلجأ إلى تلك الأسلحة».

وهكذا فقد ثبت أن روسيا، ورغم كل ما قيل عن بعض التحول عن مواقفها السابقة لا تزال ماضية في دعم هذا النظام عسكريا وسياسيا، وبالتالي فإن إظهار هذه المرونة، التي جرى الحديث عنها والتي يقال إنها وراء خطة بوغدانوف - بيرنز التي حملها الإبراهيمي إلى دمشق، لا يمكن أن يفهم إلا على أنه مجرد مناورة جديدة للمزيد من المماطلة والمزيد من كسب الوقت وأيضا المزيد من التمييع لإعطاء بشار الأسد المزيد من الوقت ليواصل لعب الأوراق التي بقي يلعبها منذ البدايات ولعل وعسى أن يستطيع، إن لم يتمكن من إلحاق الهزيمة بالمعارضة، أن يحسن وضعه التفاوضي وأن يبقي على بعض أعمدة نظامه إن لم يستطع هو البقاء في سدة الحكم.

والمعروف أن لافروف، الذي كانت تصريحاته، ولا تزال، تشبه نعيق غربان الشؤم، كان قد قال من قبيل تحريض بشار الأسد على عدم تقديم أي تنازلات، إن روسيا والصين لا تستطيعان، حتى لو هما أرادتا هذا، إقناع الرئيس السوري بالاستقالة وحقيقة أن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق إذ إن بإمكان روسيا أن تجعله يهرول هرولة إلى التنحي والمغادرة بأن تفهمه أنها لم تعد تحتمل ألاعيبه ومناوراته وتماديه في استخدام العنف المفرط ضد شعبه حتى بما في ذلك استخدام صواريخ «سكود» الروسية الصنع، لذلك فإنها قد تضطر إلى التخلي عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي.

المهم.. فإن ما يشير إلى أن الأخضر الإبراهيمي قد واجه في دمشق ما كان واجهه في المهمات السابقة وأنه حتما سيكتفي من الغنيمة بالإياب، أنه من قبيل وهم تحقيق أي شيء، قد التقى معارضة الداخل السورية، التي تتهم بأنها من صنع مخابرات بشار الأسد، وأجرى معها محادثات مطولة، ربما لطرد السأم عن نفسه، وخرج باتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بـ«صلاحيات واسعة» والمعروف أن هذه الصيغة نفسها كانت قد وردت في تصريحات فاروق الشرع التي تقصد النظام السوري تسخيفها والتبرؤ منها قبل وصول المبعوث الدولي والعربي إلى العاصمة السورية بساعات وكانت قد وردت فيما قيل إنها خطة أميركية - روسية تم التوصل إليها في اجتماع جنيف الأخير بين نائب وزير خارجية روسيا وبين نائب وزير الخارجية الأميركية.

وبالنتيجة فإنه بالإمكان، في ضوء هذا كله، القول إن مهمة الأخضر الإبراهيمي هذه لم تحرز هي أيضا أي شيء، وأن كل ما سمعه سواء من بشار الأسد أو من بعض أعوانه ومساعديه هو مجرد كلام مبهم ومجرد مماطلات ومناورات لكسب المزيد من الوقت وكل هذا مع التصعيد المستمر في العنف المفرط الذي قد يصل إلى استخدام السلاح الكيماوي والغازات القاتلة على نطاق واسع ومع مواصلة التأزم الطائفي والاستمرار بالتلويح بخيار «الدولة العلوية» التي أصبحت هناك قناعة بأنها غدت خيار الرئيس السوري الأخير.

في كل الأحوالK فإنه لا بد من الإشارة في النهاية إلى أنه حتى لو إن معجزة مستحيلة قد توفرت وجعلت بشار الأسد يوافق على ما ذهب به الإبراهيمي إلى دمشق فإنه لا أمل إطلاقا بنجاح هذه المحاولة الجديدة. وذلك لأنه من غير الممكن تطبيقها لألف سبب وسبب، فالمعارضة السورية الحقيقية الفاعلة قد بادرت إلى رفضها رفضا مطلقا على اعتبار أن كل ما جاء فيها، وبخاصة ما يتعلق ببقاء بشار الأسد حتى عام 2014 يشكل إذعانا لهذا النظام واستسلاما لشروطه وإملاءاته ثم إن من المعروف أن بعض أركان النظام ما زالوا يعتقدون أنه لا يجوز الإسراع في التفريط وأنه بالإمكان بقاء نظامهم وكل هذا، والواضح أن روسيا لا تريد نهاية لهذه المأساة ما لم تحقق ما تريده إن إقليميا وإن دوليا، وهذا هو موقف إيران ولكن على نحو يتميز بالمزيد من الرفض والتشدد.

=================

الأسد: نظام «مَيِّته» مقطوعة!

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

27-12-2012

يتابع العالم تصريحات المندوب الأممي المعني بالملف السوري الدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي بعد مقابلته للرئيس السوري بشار الأسد، ووجدوا الرجل ما زال يبدي «قلقه» جراء الوضع المتدهور على الأراضي السورية. الأخضر الإبراهيمي رجل متمرس ويعلم جيدا «حجم» الخطر السوري ونفوذ نظامه وتهديده، فهو شاهد ذلك بنفسه إبان توليه ملف الحرب الأهلية اللبنانية وقيامه بدور الوسيط بين الأطراف المتحاربة والمتنازعة.

نظام الأسد قام باستقبال زيارة الإبراهيمي بمذبحة جديدة بحق شعبه بخبز في ريف حماه، مات من جراء قصف القوات الأسدية المجرمة أكثر من 300 من الأبرياء. سيكون صعبا جدا على كتبة التاريخ اليوم ولاحقا أن يجدوا نظاما اتفق على «احتقاره» و«كراهيته» هذا الكم من البشر سواء من السوريين أنفسهم أو من المجتمع الدولي.

بشار الأسد تحول إلى أيقونة للشر والقتل وأصبح رمزا للدم ومادة أساسية في النكات والطرف التي تسخر منه كشخص وحاكم. نظام بشار الأسد الذي ورثه بشكل هزلي وكوميدي من أبيه في جلسة لمجلس الشعب السوري تم «سلق» الدستور وتغييره في دقائق ليصبح رئيسا للبلاد.. هذا النظام بني على إرهاب وإرعاب الشعب وتكريس التفرقة بين أبنائه، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ولكن النظام كرس فكرة «الكذب» بشكل ممنهج فروّج لفكر علماني وهو يؤسس للطائفية، وروج لفكرة المقاومة وهو يعادي الفلسطينيين أكثر من أكبر أعدائهم، وروج لفكرة القومية العربية وهو في ذات الوقت يكرس لمنهجية الفتنة والتشتيت والتمزيق بين الأوطان والشعوب العربية.

الثورة السورية ليست مجرد نصرة لطموحات الشعب السوري المظلوم تحت أسوأ الأنظمة، ولكنها أيضا كاشفة لمساوئ وخطايا وذنوب ومعاصي هذا النظام الذي كان «خديعة» كبيرة و«كذبة» أكبر عاشها الملايين من العرب لسنوات ليست بالقليلة. هذا الفضح وكشف الغطاء عما كان مخفيا ومحجوبا هو الذي يفسر أيضا حدة وبشاعة المنهج الإجرامي من قبل نظام بشار الأسد بحق شعبه ليقدم على استخدام الغازات السامة وصواريخ سكود وغيرها من الأسلحة الفتاكة المدمرة، إنها كلها نماذج من الوحشية والافتراس الذي أصاب بشار الأسد الذي أدرك أنه لن يتمكن من صد التوسع المتنامي للجيش الحر وتوسع انتشاره بشكل واضح فوق الأراضي السورية، مفسرا بشكل عملي معنى زيادة نفوذ الثورة والثوار.

التذمر والقنوط من النظام وصل إلى داخل الدائرة المغلقة لبشار الأسد، فلم يسلم منه منسوبو الجيش ولا الاستخبارت ولا مجلس النواب ولا الوزراء ولا الدبلوماسيون بكل الطوائف ومن كل المناطق بلا استثناء. التدمير الممنهج لجيش الأسد بحق كل مدنه الثائرة والقتل العشوائي بلا رحمة ولا هوادة هو قتال «المفارق والمودع» الذي يعلم بداخله أنه لا يمكن أن يكون لديه القدرة على «حكم» البلاد مجددا ولا السيطرة عليها لاحقا، وعليه يبقى الغرض من هذه الهجمة الأسدية على شعبه هو شهادة عجز وفشل كبير جدا لوعود النظام الإصلاحية المضللة والكاذبة، وأن المؤامرة الكونية على النظام ما هي إلا كذبة أخرى مثلها مثل الحرب التي يدعي النظام أنه يقوم بشنها على ما يسميه «العصابات المسلحة»، كل تلك الأكاذيب التي عاش النظام يروج لها عبر أبواقه وأدواته لم تجد لها سوقا ولا «مشتريا» جادا يقبل بهذا الهراء والعبث.

وما كل تلك المسائل سوى تأكيد وبرهان على أن النظام الأسدي الذي جاء بشكل مريب وغامض مليء بعلامات التعجب والاستفهام وعلى جثث الأبرياء لم يستفد حقيقة منه سوى أعداء العرب. ليس هناك أسوأ من نظام بشار الأسد في حقيقة الأمر إلا من يؤيده ويبرر له ويحاول إيجاد الذرائع والحجج له بشتى الطرق والوسائل. زيادة الوحشية والهمجية من قبل نظام بشار الأسد بحق شعبه لها علاقة مباشرة بإحساس الأسد بصعوبة الوضع واستحالة حسم المعركة لمصلحته وعدم وجود أدلة على أرض الواقع تؤكد أن كفة قواته ترجح وتقوي وضعه، بل على العكس تماما، فالتأييد الذي كان له مظاهر شعبية اختفى وباتت مظاهر تأييد الثورة والثوار لها الكفة الأهم في ميزان القوى.

نظام بشار الأسد أُسس على الباطل والتضليل والكذب والخوف والترهيب، وهي أدوات مهما كانت فعالة ومهمة وقوية لكنها تبقى قصيرة الأجل وغير مستدامة أبدا. والتاريخ يعلمنا أن هذه الأنظمة لا تستمر، وأن الشعب متى ما قام ضدها فهي إلى زوال سريع. وسيكون قريبا نظام بشار الأسد مادة تدرس في كيفية أن لا تحكم شعوبك. سيرحل بشار الأسد ونظامه غير مأسوف عليه أبدا، وسيلقى هذا الخبر قدرا من الفرح لا يمكن قياسه.

=================

إلى السادة لافروف وكلينتون و(كيري): لن يلوي أحد ذراع الشعب السوري بعد اليوم، ولا سبيل أمام آل الأسد إلا الرحيل !

وليد جداع

المشرف على الحركة الدستورية السورية

الحركة الدستورية السورية 2012-12-26

سوف نفترض حسن النية كاملا في السيدين لافروف وكلينتون وزيري خارجية روسيا وأمريكا (والسيد كيري اليوم)، ونفترض أن خطتهما أو توافقهما الذي حمله معه السيد الأخضر الإبراهيمي إلى الأسد، كان بقصد وقف العنف في سورية والوصول إلى حل سياسي ، وأن هذا الحل كما ورد في كل المصادر يتضمن بقاء الأسد شكليا أو حقيقة لأشهر قادمة أو حتى عام 2014، حيث لن يحق له الترشح إلى رئاسة سورية حينها ....وسوف نفترض أن مستشاري هذين الوزيرين قد اهتديا ، بعد قرابة سنتين من الدم النازف في سورية ، إلى أن وقف هذا النزيف لن يتحقق إلا بحل سياسي يبقي على الأسد لفترة مؤقتة ويبقي على بنية الجيش السوري-النظامي- ويحافظ على أجهزة الدولة، خوفا من الانفلات أوالحرب الأهلية أو الطائفية، ويمنع تمدد الحالة السورية إلى دول الجوار. نفترض حسن النية وسلامة المقصد –وهو ما لادليل إلا على نقيضه حتى اليوم- وأن هذا الحل المفترض مبني على تحليل من مستشارين وخبراء من البلدين، انتهوا إلى ما انتهوا إليه. ولكننا كمواطنين سوريين، نعيش حالتنا السورية يوميا : نقتل أمام أفران الخبز بالقذائف الروسية، ويموت أطفالنا من البرد في مخيمات تبكي الحجر والبشر.ويتشرد ملاييننا في أرجاء الأرض، لا يسترهم إلا السماء في بعض الأحيان! ونحن الذين ذقنا مظالم دكتاتورية امتدت عقودا، عشنا مفرداتها ومصائبها كل لحظة وساعة...نحن نعرف ما الحل الحقيقي، وماالذي قد يخيف الآخرين أو ربما يقلقهم،كما يزعمون!

سوف نقول بالفم الملآن: إنه لامكان لبشار الأسد وأي من أركان نظامه الفعليين في سورية بعد اليوم، وإنه لا سبيل إلى الصفح عن جرائمهم بحق الشعب السوري بأي حال من الأحوال. وإن القضاء العادل النزيه والمحاكمات العلنية الشفافة ، هي من يجب أن يقرر مصيرهم، لا السيد لافروف ولا السيدة كلينتون ولا السيد كيري ولا أي إنسان آخر على وجه الأرض. ونحن نستغرب فعلا هذا الإلحاح على وجود الأسد -حتى شكليا- في موقع الرئاسة، لأن هذا الطاغية مسؤول مباشرة عن كل قطرة دم جرت في سورية. فهو أول من أعطى الأوامر بالقتل في سورية، بدءا من قتل أطفال درعا، إلى قتل الناشطين السلميين وقادة التظاهرات في كل أرجاء سورية، إلى قصف الشعب السوري بالبراميل الحارقة وصواريخ سكود، وربما الغازات السامة مؤخرا، إن توثقت التقارير. هل أكثر عبثا واستهتارا وامتهانا للشعور الإنساني وللعدالة المحضة، من أن يطلب من الشعب السوري أن يقبل بوجود هذه الطاغية آمنا من العقاب، بل أن يبقى هو هو رئيسا على الشعب السوري ، ولو بصورة كاريكاتورية!

وسوف نقول بكل صراحة ووضوح، متجاوزين المداورة والدبلوماسية : إنه إذا كان المجتمع الدولي يخاف من حال انتقامية تطال المواطنين العلويين خاصة، بعد رحيل الأسد، فإن الرد الجازم الحاسم على هذا التخوف هو أن الشعب السوري فقط هو ضمانة العلويين والسنة والمسيحيين وكل فئات الشعب السوري وطوائفه ومذاهبه وتنوعاته، لا الأسد ولا الشرق ولا الغرب!  الشعب السوري هو ضمانة كل مواطن ومواطنة مهما كان دينه ومعتقده ومذهبه. وهذا الشعب السوري، لم يقم بثورته العظيمة ليعاقب طائفة أو عرقا أو مذهبا، وما كان شعاره من اليوم الأول إلا: أن الشعب السوري واحد موحد. وأن لا مكان لفرقة أو تمييز بين فئات هذا الشعب.. إن المواطنين السوريين هم الضامنون الحقيقيون للطوائف العلوية والسنية والمسيحية وكل مجموعة وفئة ومذهب، وإذا لم يستطع الشعب السوري ان يقوم بهذا الدور -وهو سيقوم به فعلا- فلن يقوم بهذا الأمر السيد لافروف ولا السيدة كلينتون ولا أي كائن على وجه الأرض.

بل نحن نقول بكلمات مباشرة حاسمة : إن حافظ الأسد باني هذا النظام الآثم ومؤسسه، هو من قتل زملاءه العلويين في السلطة وسجنهم كما فعل ذلك بغير العلويين . ولم يقف في وجه مشروعه السلطوي الدكتاتوري علوي ولا سني ولا عربي ولا كردي، ولا صغير ولا كبير إلا سحقه ونال منه قدر معارضة هذا الإنسان لمشروع الأسد السلطوي! وإذا كان الأمريكيون والروس لا يذكرون أو يعرفون-وهم يذكرون حقا ويعرفون-فإننا نحن نعرف أن حافظ الأسد هو من قتل (العلوي) محمد عمران في لبنان ، وهو من قتل (الدرزي) كمال جنبلاط ،وهو من قتل (السني) الشيخ صبحي  الصالح، في لبنان أيضا. وحافظ الأسد هو من احتفظ في السجن بزملائه العلويين والسنة والإسماعيليين وكل المذاهب. وهو من وضع الراحلين صلاح جديد ونور الدين الأتاسي ويوسف زعين وغيرهم وغيرهم، من عشرات آلاف السوريين من كل المذاهب والأعراق والملل في السجون.

وبشار الأسد اليوم، وارث السلطة والقوة والقتل وسفك الدماء، هو من يقتل ويصفي ويسجن ويعذب بإشراف مباشر وتعليمات شخصية مباشرة، لا يفرق بين علوي وسني ومسيحي ومسلم..إنه هو عدو الشعب السوري، لا من يضمن أحدا على الإطلاق.

ونحن أيضا نعلم أن أي جهة سورية معتبرة، لم تطلب ضمانا من السادة الأمريكان أو الروس أو الأمم المتحدة أوالمجتمع الدولي، خوفا من تحولات قادمة في سورية أو تخوفا من وصول إسلاميين أو غيرهم إلى السلطة في سورية. إن السوري السني والعلوي والمسيحي والكردي والعربي والتركماني وكل سوري آخر، يعرف أن لا مشكلة دينية أو مذهبية أو عرقية في سورية، إلا ما هو تنوع موجود في جميع المجتمعات والدول والأمم في أرجاء الأرض. وإن حقيقة المشكلة في سورية منذ استلام حزب البعث ومن يقف خلفه من قوى التسلط، سياسية بحتة تتعلق بالهيمنة السياسية القمعية وحكم الفرد والعائلة والعصابات والمافيات!

هذا لا يعني أن في سورية شعبا من الملائكة والأطهار والأخيار ، لا شياطين بينهم ولا متطرفين ولا متعدين على حقوق الآخرين، أو حاملين لعقد التاريخ والماضي وأوهام الغلبة والقهر والاستئثار..وأننا لا ينبغي أن نواجه بموضوعية وبصرامة دستورية وقانونية، أي تعديات محتملة على الأنفس والأموال والحقوق ، بسبب بواعث عرقية أو مذهبية أو طائفية.  لكن حل المشكلات ضمن أطرها الوطنية والموضوعية ، وفي أجواء من الحرية والانفتاح والتسامح، أمر يختلف تماما عن الترهيب بها والتخويف منها واعتبارها مسوغا للظلم والقهر والدكتاتوريات.

ونحن نقول كما يقول كل مواطن سوري: الخوف على (الأقليات السورية) اليوم ، في مسار الشعب السوري نحو التخلص من نظام القتلة في دمشق، خوف متوهم ،ومخترع، ومفترض. وهو خوف ينشر ويبشر به،  ليس لواقع يسنده بل لأغراض مريبة وغير واضحة- وربما واضحة!- وإذا كان الآخرون يريدون أن يتستروا به من أجل أن يبقى الأسد في السلطة أو تستمر عملية التدمير والقتل وسحق إرادة الشعب السوري، فإننا نرى أن الشعب السوري قد شب عن الطوق منذ بعيد، وأن لا إرادة إقليمية أو دولية تستطيع لي ذراعه والانتقاص من إصراره على نيل حريته.

نحن نبكي على كل قطرة دم سالت وتسيل في سورية. ونحزن على كل مصاب وجريح ، ولا نكف عن العمل من أجل تخفيف آلام المهاجرين والنازحين من أهلنا وأشقائنا وأخواتنا وبناتنا وأمهاتنا . ولكن أمرا ينبغي أن يقال بكل إصرار : إذا كانت الإرادة الدولية الدولية اليوم تتلخص في أن يبقى الشعب السوري ينزف من أجل أن لا ينال حريته، فإن هذا الشعب العظيم سيقاوم هذه المؤامرات ويدفع الثمن المطلوب مهما كان غاليا من أجل حريته وكرامته.

وللسيد الأخضر الإبراهيمي ، الذي قدمت بلاده مليون شهيد للحصول على الاستقلال من الاحتلال الفرنسي أن يبلغ من وراءه، أن الشعب السوري، شقيق الشعب الجزائري ، لن يبخل بالثمن اللازم لنيل الحرية من الاستعمار الأسدي، كما فعل الشقيق الجزائري!

على بشار الأسد الرحيل، وسيطالب الشعب السوري بالقصاص منه حتى إن رحل، لأن سفك الدماء على شاكلة ما فعله هذا الطاغية  إجرام بحق الإنسانية كلها وليس بحق الشعب السوري فقط، وينبغي أن تناله يد الحق والعدالة أينما حل وذهب. وعلى المجتمع الدولي إن كان يريد مصلحة الشعب السوري وطوائفه وأقلياته وأعراقه ومذاهبه، أن يسلك السلوك الواضح للوصول إلى هذا الهدف: مساعدة الشعب السوري على الوصول إلى أهدافه المشروعة في الحرية والكرامة، وعدم الوقوف في وجهه لتحقيق هذا الهدف.

وللسيد الإبراهيمي أن يبلغ مجلس الأمن والقوى النافذة أن التاريخ لا يرحم، وأن ما هو مستور اليوم ستكشفه قادمات الأيام، وأن الشعب السوري سينتصر بإذن الله، وعندئذ سيتبين الصديق من العدو، وسيعلم الشعب السوري بكل التفصيلات: من قدم للأسد المال ليمول آلة القتل، ومن قدم للسفاح القنابل العنقودية ليحرق بها أطفال سورية ، ومن تستر على النظام ودافع عنه في المحافل العربية والدولية، ولم يفضح جرائمه ومخازيه.

الشعب السوري ماض في طريقه نحو الحرية، وسيذهب الأسد وبوتين ولافروف وخامنئي وحسن نصر الله وكل من وقف علانية ضد الشعب السوري وعاداه وخاصمه، وسيذهب أيضا من لعب على الحبال وتآمر بليل أو نهار، وقدم خدماته الخفية للنظام.

انتصرت تونس ومصر وليبيا واليمن، وستنتصر سورية بإذن الله.

================

الثورة السورية إذ تُسقط أسطورة الثورة الفرنسية

منذر عيد الزملكاني

الشرق الاوسط

27-12-2012

إن المتأمل في الثورة السورية منذ اليوم الأول وكيفية تطورها، ومستوى التحديات التي واجهتها، وكيف أنها تغلبت على كل محاولات إجهاضها، لا بد أن يعتبرها أسطورة الثورات العالمية بأجمعها، بل أسطورة العالم الحديث. فإذا كانت الثورة الفرنسية قد صنفها العلماء بأنها أهم الثورات الأربع الكبرى في العالم (الإنجليزية، الأميركية، الفرنسية، الروسية) حسب الترتيب الزمني، فإنه يكفي أن نعقد مقارنة علمية بسيطة بين الثورة السورية وبين الثورة الفرنسية لنصل إلى نتيجة مفادها أن الثورة السورية هي أعظم من كل تلك الثورات بأجمعها.

توجد حالة مشتركة إلى حد كبير بين آل الأسد في سوريا والملك الفرنسي لويس السادس عشر، وهي السيطرة على الدولة، فقد قالها يوما جده الأكبر الملك لويس الرابع عشر: «أنا الملك.. أنا الدولة»، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قبضة آل الأسد على الدولة كانت أشد وطأة، ولم تكن أبدا لمصلحة البلاد، وإنما لمصلحة قوى إقليمية عدو للشعب السوري والتاريخ السوري والحضارة العربية.

من ناحية ثانية، لقد كانت علاقة الملك الفرنسي لويس السادس عشر بشعبه ورعيته منذ أكثر من مائتي سنة أرقى وأعظم حضارة من تعامل آل الأسد مع الشعب السوري. يقول أليكس دي توكفيل: «كان الملك يستخدم لغة السيد، لكن في الحقيقية هو كان دائما يذعن للرأي العام ويستأنس به في إدارة الشؤون اليومية، وقد جعل أهمية كبرى لاستشارتهم والخوف منهم والانحناء لهم بثبات».

ودون الخوض طويلا في أسباب الثورة الفرنسية والثورات الكبرى الأخرى، فإنه يكفي أن نورد ما قاله جيمس ديفيز بأن «الثورة الأميركية والثورة الفرنسية والثورة الروسية لم تقم بسبب استمرارية وقساوة شظف العيش عند الناس. بل كان السبب انحدارا اقتصاديا واجتماعيا حادا ومفاجئا أحبط الآمال والتوقعات التي كانت معقودة على التقدم». إذن، فالثورة كانت بسبب الانتقال من حالة جيدة إلى حالة سيئة بشكل حاد ومفاجئ، لا كما هو عليه الحال في بلادنا التي لم تشهد حالة جيدة قط منذ عقود.

يقول روبرت بالمر: «الفلاحون والبورجوازيون كانوا في حرب ضد عدو واحد، وهذا ما جعل الثورة الفرنسية ممكنة». إذن لقد تحالف البورجوازيون مع الفلاحين ضد الملك في فرنسا، فهي لم تكن ثورة من فوق ولا ثورة من تحت، بل كانت ثورة من فوق وتحت في آن واحد، اجتمعت مصالحهما جميعا للتخلص من الملك وزمرته. صموئيل هانتغتون يعمم هذه الحالة فيقول بأن «توفر هذا الشرط هو ما يجعل أي ثورة ممكنة». ويضع شروطا لكل ثورة في أي بلد عصري وهي «أولا: المدى الذي تكون فيه الطبقة الوسطى في المدينة وطبقة المفكرين والأدباء والمهنيين والبورجوازيين مهمشين ومبعدين من قبل النظام القائم. ثانيا: المدى الذي تكون فيه طبقة الفلاحين مهمشة ومستبعدة من قبل النظام القائم. ثالثا: مدى تجمع الطبقة الوسطى في المدينة والمفكرين مع طبقة الفلاحين معا، ليس من أجل القتال ضد العدو الواحد فحسب، بل أيضا من أجل قضية واحدة، وعادة ما تكون الوطن أو الأمة».

وبغض النظر عن تصنيف صموئيل هانتغتون للطبقات في قيام الثورة، إلا أنه في الحالة السورية كان الوطن في عين وقلب الثوار فقط، أما الآخرون فكانوا وراء مصالحهم في سوريا، الثورة كانت من تحت فقط، بمعنى أن طبقة الأغنياء لم تشارك في الثورة، بل على العكس اصطفت إلى وقت طويل من عمر الثورة إلى جانب النظام وقاتلت في خندقه، ولا يخلو طبعا من بعض الاستثناءات الفردية التي لا يعتد بها في تغيير النظرة العامة. وحتى هذه اللحظة لا يمكن اعتبار الطبقة البورجوازية مع الثورة، فهي ما زالت ملتزمة الحياد، ومنها ما سارع إلى الفرار من الساحة والتفرج عن بعد كالذي يشاهد مباراة بين فريقين بانتظار فوز أحدهما ويبقى الوطن آخر ما يفكرون به.

فالآية انعكست في حالة الثورة السورية، وهي أن الثوار كانوا هم العدو الأوحد بالنسبة للنظام وللبورجوازيين. وهذا أول اختلاف كبير بين الثورة السورية والثورة الفرنسية، مما يجعها أكثر تعقيدا وأشد صعوبة في مسارها. وهذا الاختلاف في الحقيقة ليس حكرا على الثورة السورية، بل تشترك فيه أغلب ثورات الربيع العربي، لكن الاختلاف الكبير الذي يميز الثورة السورية وحدها من ضمن ثورات الربيع العربي عن الثورة الفرنسية هو استخدام القوة المفرطة لقمع الثورة. يقول كرين برنتن، أحد كبار مؤرخي الثورة الفرنسية: «إن لويس السادس عشر كان لديه في عام 1789 قوات مسلحة يثق بها. كان لديه قوات حراسة ومرتزقة من الألمان والسويسريين، وكان السويسريون مستعدين للموت في سبيله ومن أجل واجبهم. كان لديه من هم الأقوياء الأمناء ممن يستطيع الاعتماد عليهم، لكنه في هذه اللحظة الحاسمة فشل هو وخصمه في استخدام العسكرة. ومنهم من يقول بأنه لم يحاول استخدامها. وهنا تأتي النقطة الهامة جدا، وهي أن الملك الفرنسي هو الذي أعرض عن استخدام القوة، لكن في الثورة السورية كانت الحالة على العكس تماما، فالنظام هو الذي لجأ إلى القوة ضد خصمه منذ اللحظة الأولى ودفع من عنده من مرتزقة إيرانيين ولبنانيين وعراقيين وروس للقتال معه أو الاستعانة بخبراتهم ضد الشعب. بل يمكن القول بأن القوة التي استخدمها النظام في سوريا قوة غير مسبوقة لم تشاهد حتى في الحروب التقليدية. والحرب ضد الشعب السوري لم تقتصر فقط على القتل والاعتقال والتهجير، بل تعداها إلى التجويع والموت بردا من قبل النظام أو من قبل حلفائه وبعض المسمين زورا وبهتانا بأصدقاء الشعب السوري.

إن مهاجمة الشعب بصواريخ «سكود» أمر لا يمكن إلا أن يقف المرء عنده متأملا ليس الوحشية بذاتها، بل متأملا انعدام الحدود في الوحشية، وكيف أن الوحشية المستخدمة من قبل النظام مرتبطة بشبكة مصالح دولية وإقليمية هدفها الأول والأخير هو ضرب سوريا بالسوريين، والخروج ببلد ليس فقط يعاني بنيويا واقتصاديا، بل يعاني اجتماعيا أكثر من خلال الفتك بأهله والتسبب بإعاقات جسدية دائمة لا تقوى على البناء، لأن قوة البلد بأبنائها أولا وأخيرا.

علاوة على ذلك، فإن البينة الطائفية والعرقية المتنافرة المصالح في سوريا وفي دول الجوار أيضا، وضعت الثورة السورية في حالة شد وشد مضاد، مما شكل عبئا كبيرا عليها لم يكن له مثيل في حالة الثورة الفرنسية.

إن استمرار الثورة السورية رغم التدخل الدولي فيها لصالح النظام السوري سرا وعلانية، يعتبر أيضا مميزا عن الثورة الفرنسية التي حدثت في زمن كانت الشعوب تستطيع فيه التحكم بمصائرها إلى حد بعيد. فنحن نعيش اليوم في عالم لا يمكن أن يسمح لنا بتحرير أنفسنا ولا التحكم بمصيرنا ولا رسم مستقبلنا، لأن حريتنا تعني بداية الخطر عليهم.

ويقول الدكتور برهان غليون في كتابه «الدولة ضد الأمة»: «ينبغي أن نذكر بالأثر الحاسم لمسار تدويل المصير الوطني، أو إذا شئنا تعويم الدول الصغيرة الناجم عن تطور الاستراتيجية العالمية وحرمان هذه الدول موضوعيا من أي قدرة على التحكم بمصيرها المادي أو الثقافي». وهذا العامل يقودنا إلى عامل آخر، وهو عواقب الثورة السورية وتداعياتها الإقليمية والدولية انطلاقا من اعتقاد جون ضن بأن «الثورة هي ليست فقط إسقاط النظام». فكما أن الثورة الفرنسية أحدثت تغييرا عالميا كبيرا، فالثورة السورية بعد أن بدأت مطالبة بالحرية والكرامة تحولت لتطالب بإسقاط النظام، لكنها اليوم تحمل في طياتها إسقاطا لمشاريع إقليمية ودولية خطيرة جدا، ليس آخرها تهديد مكتسبات الحلف الأميركي - الإيراني في المنطقة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ