ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 25/12/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

24-12-2012

غليان سوري على نار استشراقية

صبحي حديدي

2012-12-23

القدس العربي 

في محاضرة (أقرب إلى خطبة عصماء، كما يتوجب القول، بدلالة العنوان على الأقلّ: 'سيادة القانون والتنمية: أزمنة التحدّي والفرصة')، ألقتها في جامعة قطر، الدوحة، مؤخراً؛ أعلنت هيلين كلارك، مديرة برنامج الأمم المتحدة للتنمية أنّ 'سيرورات سياسية واقتصادية واجتماعية، هامّة ومثار جدل واسع، تتواصل على امتداد المنطقة، في بلدان تقتفي دروب تحوّلات سريعة بعد سقوط أنظمة، وفي بلدان أخرى تتبع مسار إصلاح أكثر تدرّجاً'. وموقع البرنامج الرسمي على الإنترنت، والذي نقل فقرات من محاضرة كلارك، يشدّد أكثر على هذه النبرة الحيادية المفرطة التي اتسمت بها لغة السيدة المديرة، فيشرح أنّ الفقرة السابقة تشير إلى 'الاضطراب الإقليمي خلال العام الماضي، والذي ما يزال يغلي في سورية'!

لم تلجأ كلارك إلى استخدام تعبير 'الربيع العربي'، الرائج في الغرب، والمفضّل على سواه لأنه يدغدغ الكثير من التنميطات الاستشراقية؛ ولكنها اعتمدت ما هو أسوأ، في الواقع، لأنّ وصف انتفاضات العرب بـ'الاضطراب الإقليمي' يعيد الذاكرة إلى سلسلة الكليشيهات اللفظية الرديئة، الخاوية من المعنى الملموس، وحمّالة الكثير من الدلالات السلبية، والقدحية. وأمّا توصيف 'الاضطراب' هذا بأنه 'يغلي' في سورية، فإنه يحيل المرء إلى معجم ديماغوجي وتضليلي بائس، لا يليق إلا بوسائل إعلام النظام السوري، التابعة أو الحليفة. هذا أذا تجاوز المرء حقيقة امتناع كلارك (وهي التي كانت رئيسة وزراء نيوزيلندا، في حقبة سابقة!) عن توصيف طبائع الأنظمة التي سقطت، وما إذا كانت سلطة القانون قد انتُهكت فيها، بافتراض أنّ أيّ 'قانون' ساد أصلاً، في أيّ يوم.

والحال أنّ أقوال كلارك تشكّل ردّة صريحة (بدل أن تكون خطوة متقدمة، بحكم متغيّرات العالم العربي أوّلاً)، عن خلاصات كان البرنامج قد توصّل إليها في تقارير سابقة؛ خاصة ما اتصل منها بتنميطات التنمية، وبعض ما يكتنفها من 'أساطير'، بين شرق وغرب، وثقافة وأخرى. ففي تقرير سابق، شهير، بعنوان 'الحرّية الثقافية في عالم اليوم المتنوّع'، سعى المؤلفون إلى نقض نظريات صدام الحضارات، كما بحثوا في مسائل الهوية على امتداد العالم، وإشكاليات تعدّد الهويات، واختلاف السياسات الثقافية التي تسود في عالم اليوم، بصدد الانفتاح أو الانغلاق، والتعدّد أو التعصّب، وكيف يمكن للتنوّع الثقافي أن يكون ميدانا خصباً للتنمية...

وفي السطور الأولى من التقرير ثمة هذه الفقرة المدهشة: 'في زمن تتردّد فيه بقوّة، وبشكل يثير القلق، أصداء فكرة صراع الثقافات على نطاق كوني، فإنّ العثور على إجابات للأسئلة القديمة، بصدد أفضل وسائل الإدارة وتخفيف حدّة الصراعات حول اللغة والدين والثقافة والأصل العرقي، يكتسب أهمية متجددة. وهذه ليست قضية مجرّدة في نظر المشتغلين بالتنمية'. وبالفعل، التقرير يخطو خطوة فكرية غير مألوفة حين يستعرض خمس أساطير حول 'التنافر' الذي يعيق التنمية الإنسانية والسياسية، والثقافية، ثمّ يسعى إلى تقويضها واحدة تلو الأخرى:

ـ الأسطورة الأولى مفادها أنّ هويّات البشر الإثنية تتنافس مع ارتباطهم بالدولة، ولهذا يوجد نوع من التنافر بين الإقرار بالتنوّع وتوحيد الدولة.

ـ الأسطورة الثانية تقول إنّ المجموعات الإثنية ميّالة إلى النزاع العنيف مع بعضها البعض بسبب صراع القِيَم، ولهذا يوجد نوع من التنافر بين احترام التنوّع وتوطيد السلم.

ـ الأسطورة الثالثة تذهب إلى الحرية الثقافية ذاتها، التي تتطلّب الدفاع عن الممارسات التقليدية؛ ولهذا يمكن أن يوجد نوع من التنافر بين الإقرار بالتعددية الثقافية، وقبول أولويات إنسانية تنموية أخرى مثل التقدّم والديمقراطية وحقوق الإنسان.

ـ الأسطورة الرابعة ترى أنّ البلدان المتعددة إثنياً أقلّ من سواها قدرة على التنمية، ولذلك يوجد تنافر بين احترام التنوّع وتوطيد التنمية.

ـ والأسطورة الخامسة تجزم أنّ بعــــض الثقافات أكثر ملاءمة من سواها لتحقيق التقدّم التنموي، وبعض الثقافات لديها موروث من القِيَم الديمقراطية لا يتوفّر عند سواها؛ ولهذا يوجد تنافر بين الحفاظ على بعض الثقافات، وإشاعة التنمية والديمقراطية.

هذا التقرير لم يكن تسفيهاً مباشراً لآراء صمويل هنتنغتون ونظرية صراع الحضارات، فحسب؛ بل اعتُبر، أيضاً، مساجلة معلَنة ضدّ معظم آراء كبير مستشرقي عصورنا، برنارد لويس، حول 'التنافر' الذي يُبقي المجتمعات المسلمة بمنأى عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وإذْ تبدو كلارك وكأنها تردّنا ـ اليوم، وفي خضمّ 'الاضطراب الإقليمي'، دون سواه! ـ إلى تنظيرات هنتنغتون ولويس؛ فإنّ الارتداد هذا ليس رجعة إلى وراء فقط، بل هو ردّة مجّانية، صانعة تنافر مجّاني بين الثقافات والقِيَم.

ويبقى، في كلّ حال، أنّ تقارير برنامج الأمم المتحدة للتنمية، حتى تلك التي لا تكتفي بالسطح وتغوص في عمق المشكلات، تظلّ أشبه بمزامير تُتلى في وادٍ قفر غير ذي زرع. هل نفعت الأرقام الرهيبة التي تقول، مثلاً، إنّ 50 في المــئة من سكان الأرض، أي قرابة ثلاثة مليارات من البشر، يعيشون على أقلّ من دولارين ونصف يومياً؛ وأنّ 22 ألف طــــفل يموتــــون يومياً، بسبب الفقر؟ وهل حقيقة اقتراب ضحــــايا النظام السوري من رقم الـ 50 ألف شهيد، يمكن أن تفلح في تليين عريكة كلارك، وإقناعها بأنّ ما يجري في سورية ليس محض غليان... على نار استشراقية؟

=================

الانكسار العربي ومستقبل سورية

عبد الباري عطوان

2012-12-23

القدس العربي

 

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصيبا ً عندما صرح قبل يومين قائلا بأن بلاده لا تـــريد ان تـــعم الفوضـــى سورية لأن هـــــذا سيؤثر على بـــــلاده ودول الجوار، وطالب بالتوصل إلى اتفاقات على المدى البعيد على مستقبل هذا البلد المنكوب، فمن الواضح أن لا أحــد، خاصة في منطقتنا العربية يريد الحديث عن المستقبل، لأن الحاضر بائس، ولا يمكن أن يؤسس الا لدمار يحتاج إلى عشرات السنين لإعادة اعماره، ونحن نتحدث هنا عن الدمارين البشري والمادي معا.

الصورة غامضة تماما في سورية اليوم والشيئ الوحيد المتفق عليه، هو أن آلة القتل الجهنمية الجبارة مستمرة في زهق الأرواح حتى أن أعداد القتلى التي تتصاعد بشكل مرعب لم تعد تستوقف أحدا وسط نسيان اللامبالين جميعا أن هؤلاء أهلنا وأحبتنا قبل أن يكونوا بشرا من لحم ودم.

مستقبل سورية هو الفوضى والتقسيم وقيام كيانات طائفية متقاتلة متنافرة، في توازٍ مع تآكل الهوية الوطنية الجامعة، وبما يبرر وجود كيان عنصري ديني ويهودي في فلسطين المحتلة، ولنا في العراق 'المحرر' الذي وعدونا بان يكون نموذجا ً في الديمقراطية والرخاء مثال.

فوجئت شخصيا بتصريحات سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي التي قال فيها ان بعض اللاعبين الاقليميين طلبوا منا دعوة الرئيس بشار الأسد الى الرحيل، وأعربوا عن استعدادهم لتأمين ملاذ آمن له، أقول فوجئت لسببين: الأول هو أن هذه المطالبة جاءت حتما من دول عربية، والثاني ان هذه الدعوة جاءت عبر موسكو، وبعد 22 شهراً من القتل والدمار.

السؤال هو: هل من المعقول، وبالأحرى هل من المقبول أن تكون موسكو وسيطا بين العرب ودمشق، وفي قضية محورية تعتبر عربية خالصة من المفروض أن يكون حلما عربيا؟

ألا تدين مثل هذه الدعـــوة أو هـــــذا الطلب مـــــن موسكو التـــوسط في صراع عربي في الأساس، سياسات المقاطعة العربية، وحالة التسرع في معالجة الملف السوري منذ اللحظة الأولى، حيث اتبع البعض سياسة الغطرسة والعناد، واللجوء الى العصا الغليظة دون التبصر بالنتائج القصيرة أو البعيدة الأمد؟

' ' '

لا ننكر أن موسكو باتت لاعبا ً رئيسيا ً في ملف الأزمة السورية، ولا ننكر أيضا أنها باتت الأقرب الى قلب الرئيس الأسد من أي دولة عربية أخرى، لأنها باتت الداعم والممول والحامي الأبرز ان لم يكن الوحيد له، ولكن موسكو هذه، ورئيسها فلاديمير بوتين، لا يجب أن تكون أكثر حرصا ً على سورية ومستقبلها من أي دولة عربية أخرى.

الدبلوماسية العربية انحدرت إلى الحضيض وباتت تتخبط، وتخرج من حفرة لتقع في أخرى أكبر وأكثر وعورة، والسبب يعود إلى الإرهاب الذي مارسه اللاعبون الأساسيون في الملف السوري ضد أي رأي آخر، بما في ذلك رأي دول عربية شقيقة تختلف مع طرحهم.

فلماذا لم يسمح للجزائر، على سبيل المثال لا الحصر، أن تكون الوسيط في الملف السوري، ولماذا سياسة العزل والاقصاء التي تمارس ضدها، وضد أي دولة أخرى ترى الأوضاع في سورية من منظار غير المنظار الأمريكي الغربي مثلا؟ أليس الجزائر الوسيط الأفضل من موسكو مثلا؟

الدول العربية الفاعلة ترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبته في العراق، أي سياسة الإقصاء والعزل، سياسة تكسيرالرؤوس، والثأر من النظام ورأسه، دون أي تبصر بالمستقبل، مستقبل العراق، فجاءت النتائج كارثية، وأصبحت رؤوسهم معرضة للتكسير بعد قطع رأس النظام العراقي، ولا نبالغ إذا قلنا أن الرئيس العراقي صدام حسين ارتاح من هذا النفاق العربي المهين، بينما رؤوس من قطعوا رأسه هي التي تعاني القلق والخوف والرعب حاليا.

سورية تعيش حاليا حربا أهلية طائفية، وستتطور إلى حرب اقليمية، وربما دولية، والرئيس الأسد لن يرحل إلى مكان آمن أو غير آمن، وسينتقل الى طرطوس أو اللاذقية ليواصل الحرب من هناك ومن معه، فقد يكون هذا هو الملاذ الآمن الوحيد له، وتنقلب المعادلة الحالية، مثلما انقلبت مثيلتها في العراق، أي المعارضة تنتقل الى السلطة، والسلطة تنتقل الى المعارضة، مع فارق رئيسي وهو أن السلطة موحدة خلف زعيم واحد، ومدعومة بأطنان من الأسلحة، ومدفوعة بما تعتقد أنه ظلم ومؤامرة خارجية وأجندات وطنية اتفقنا حولها أو اختلفنا، ومراهنة على فشل السلطة الجديدة في دمشق، سواء بفعل معارضتها لها، أو خذلان أصدقاء الشعب السوري لهم تماما مثلما حصل في العراق، ويحصل حاليا في ليبيا واليمن ومصر وتونس.

' ' '

نضطر دائما للتأكيد والتذكير في الوقت نفسه، في كل مناسبة، أن النظام السوري ديكتاتوري قمعي ارتكب وما زال يرتكب جرائم في حق شعبه ولكننا نظل دائما في خندق الشعب السوري، نفكر في مستقبله ومستقبل بلاده ووحدتها الترابية والبشرية، وهي قيم ومبادىء نسيها الكثيرون في حمأة التضليل السياسي والإعلامي والإصطفاف والتحشيد الطائفي السائدين حاليا في منطقتنا المنكوبة.

ربما يخسر النظام السوري أرضاً أكـــــثر، ولن نستغرب إذا وصلت المواجهات الى قلب دمشق، مثلما وصلت إلى قلب حلب، ولن نفاجأ إذا ما سقط مطار دمشق الدولي، أو مقرات عسكرية أخرى، ولكن هل هذا يعني نهاية الصراع؟

بعد 21 شهرا ً من المواجهات الدموية يزداد ملف الأزمة السورية تعقيدا ً، وليس انفراجا ً، وتزداد الدول المتورطة فيه انكارا ً للحقائق، وهذا ينعكس في طلبها الوساطة الروسية، وهي ليست قادمة على أي حال، ليس لأن روسيا تريد تأمين مصالحها فقط، وإنما لأن أطرافا ً في الخندق الآخر من الصراع تريد تأمين أرواح أبنائها أيضا، ولذلك قد تقاتل حتى النهاية، ولنا في أبناء الطائفة السنية في العراق خير مثال.

نطالب الحكومات العربية، خاصة تلك التي ترصد المليارات لتخريب الربيع العربي أن تعيد النظر في سياساتها هذه، وأن تكف عن استجداء وساطة موسكو، وأن تفكر بطريقة عقلانية مسؤولة تضع مصالح ضحاياها جنبا ً إلى جنب مع مصالحها في الإستقرار، وتتخلى عن عنادها، وتذهب إلى مائدة حوار فعلية من أجل مستقبل أفضل للشعب السوري، ولتقليص الخسائر، لأن النار، نار الفتنة لن تحرق الثوب السوري فقط وإنما ثوبها، أو أثوابها أيضا.

عندما يعترف السيد فاروق الشرع نائب الرئيس الذي أخرج من عزلته القصرية فجأة، وفي مقابلة صحافية مرتبة، وبموافقة رأس النظام، أن النظام السوري غير قادر على هزيمة المعارضة المسلحة، وأن الحلول الأمنية غير ناجحة، وأن المعارضة غير قادرة على اطاحة النظام، وان الأمور تتجه إلى الدوران في حالة مفزعة من العنف الدموي، فهذه رسالة واضحة ودعوة الى الحوار، ربما تكون الأخيرة، على الجميع اقتناصها للوصول الى حل سياسي، تتنازل فيه جميع الأطراف من أجل سورية الوطن والشعب، وإلا فإن البديل هو الدمار الشامل، ليس لسورية فقط، وإنما للمنطقة العربية بأسرها.

=================

عن العدالة في سوريا بعد سقوط الأسد

مازن كم الماز

2012-12-23

القدس العربي

هناك من يعتبر أن مجرد الحديث عن ظواهر سلبية في الثورة السورية إما مبالغة لا تتفق مع الحقيقة أو أنه حتى اصطفاف مع النظام الذي يقمع السوريين منذ عقود. من جديد تتم أسطرة الظاهرة، الثورة السورية هنا، ومحاولة رفعها، أو مسخها في الواقع، إلى مطلق جديد فوق المجتمع نفسه الذي أنتجها، في مواجهة مطلق قديم خدم النظام القائم كمبرر لقمعه وقهره للمجتمع لعقود، بعيدا عن تاريخية المواجهة الفعلية بين نظام قمعي وشعب مقهور.. من جديد يجري فصل الظاهرة عن المجتمع الذي أنتجها ومحاولة وضعها فوقه، لتبدأ عملية تحويلها من ظاهرة يتحكم بها المجتمع ويستخدمها من أجل انعتاقه، إلى ظاهرة منفصلة عنه لها سدنتها وكهنتها الذين يزعمون أنهم يمثلونها أكثر ممن صنعها لأنهم هم الذين يدافعون عن طهريتها حتى في وجه صانعيها أنفسهم.. صحيح أن الظواهر السلبية في أية ثورة شيء أكثر من طبيعي لكن ما هو غير طبيعي اعتبارها فوق النقد وخارج قدرة من صنعها نفسه على اكتشافها وتصحيحها.. لا يمكن الحكم بدقة عما إذا كان مثلا الدفاع عن شعار حرية السوريين، الشعار المركزي للثورة السورية، ضد ممارسات القمع الفكري والعقيدي والسياسي التي يمارسها بعض الثوار هو شيء سابق لأوانه بالفعل ويؤخر إسقاط النظام.

مع ذلك هناك حاجة أساسية لوضع بعض الأمور في نصابها، الآن تحديدا.. خاصة عند الحديث عن العدالة الانتقالية التي ستكون من أهم المهام الماثلة أمام الثورة أو أمام السوريين بعد إسقاط النظام.. صحيح أن هذه العدالة يجب أن تعني أساسا ملاحقة القتلة من النظام المسؤولين عن قتل والتنكيل بآلاف السوريين طوال الشهور العشرين الأخيرة والعقود الأربعة التي سبقتها، لكن هناك أيضا مسائل أساسية هنا لا يمكن إغفالها أبدا، مثل المسؤولية الجنائية الصريحة لبعض هؤلاء القتلة الذين 'انتقلوا' إلى معسكر الثورة بانشقاقهم عن النظام، أيضا هناك ضرورة محاسبة بعض أفراد المعارضة السياسية الخارجية التي تاجرت بدم السوريين وآلامهم خاصة قيام بعض من ينتسب إليها بسرقة أموال الثورة، وهناك أيضا ضرورة هامة جدا لكي لا تتحول 'مؤسسات تطبيق وفرض القانون' إلى مؤسسات فوق القانون.

العدالة كقيمة إنسانية عمياء لا تستثني أحدا بل إن أي استثناء يعني في الواقع تدميرها ككل، تبقى الجريمة هي ذاتها أيا كان من ارتكبها (هذا ما اكتشفه شايلوك في مسرحية تاجر البندقية)، وليس بمعنى عدالة المنتصرين العوراء التي تعني عمليا ليس فقط العفو عن كل جرائم المنتصرين بل تتويجهم كقضاة وجلادين جدد، ليس فقط العفو عن جرائم هؤلاء المنتصرين في الماضي بل سيعني قوننة وشرعنة جرائمهم اللاحقة ضد المجتمع.. أي شيء أقل من سقف العدالة التي يحددها حديث النبي محمد 'لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها' هو زيف وإفراغ لكلمة العدالة من أي مضمون حقيقي.

أيضا في مسألة الحرية، خلافا لكل المطالبات بالصمت وتمرير ممارسات القمع من قبل الثوار سواء أكانت عقيدية أو سياسية أو جسدية أو غيرها فإن الاحتفاظ بحساسية عالية بين أفراد المجتمع ضد القمع وضد هيمنة أية سلطة عليهم تحت أية مبررات هو أحد أهم أساليب مقاومة المجتمع لإقصائه واعتقاله من جديد داخل أسوار ديكتاتورية أو سجن ما جديد والإصرار على إضعاف هذه الحساسية أو اعتبار القمع حالة عادية لا تحتاج إلى نقد أو إنكار يكشف فقط عن الرغبة في أن يقتصر التغيير الذي مات من أجله السوريين على تغيير حراس ذلك السجن فقط.

=================

الإبراهيمي هل ينتهي بالتنحي أم... بإقناع الأسد؟

جورج سمعان

الإثنين ٢٤ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

المواقف اليومية التي يطلقها المسؤولون الروس في شأن القضية سورية لا تحتمل تأويلين. تحتل هذه القضية سلم أولويات موسكو. بخلاف ما عليه الوضع في الولايات المتحدة التي يبدو أنها دفعت بريطانيا إلى تولي هذا الملف نيابة عنها وعن الاتحاد الأوروبـــي. والجديد في هذا المجال إعلان وزير الخارجية سيرغي لافروف أن بلاده والصين ستعجزان عن إقناع الرئيس بشار الأسد بالتنحي. وما يسبغ أهمية استـــثنائية على هذا الموقف أنه جاء عشية وصول الأخضر الإبراهيمي إلى دمشق لمـــقابلة الرئيـــس. وفي جعبته كما هو متوقع خريطة طريق لتنفيذ اتفاق جنيف الذي يقضي أول ما يقضي بقيام حكومة انتقالية تتـــمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة. ما يعني في نظام رئاسي أنها تأخذ هذه الصلاحيات من رأس النظام لكف يده ثم البحث في تنحيته وتوقيت رحيله!

وأن يتوقع لافروف ألا يفوز أحد من طرفي الصراع أمر ليس جديداً. الإصرار على الحسم العسكري يعني ببساطة خسارة الجميع سورية. فالخريطة في الميدان لا توحي بقرب الحسم، بخلاف ما يتوقع كثيرون. صحيح أن قوات المعارضة تسيطر على مساحات واسعة من البلاد، لكنها لا يمكن أن تدعي السيطرة الكاملة على المدن الرئيسة التي يجرى فيها القتال بين مد وجزر، من حلب إلى دمشق، مروراً بإدلب وحماة وحمص وصولاً إلى درعا ودير الزور وغيرهما. وعلى الجبهة السياسية يتساوى النظام والمعارضة في رفض الحوار والبحث عن حل سياسي. النظام يجد نفسه ربما أسير المجموعة التي تدير المعركة على الأرض ولن تلقي السلاح لأن الثمن سيكون بالتأكيد رأسها فيما رأس النظام قد تتوافر له الضمانات المطلوبة. وكذلك لا تجد المعارضة السياسية، داخل الائتلاف وخارجه مفراً من مراعاة كثير من الفصائل المقاتلة التي ترفض أي بحث قبل رأس النظام بأكمله ورموزه كافة.

والواضح على المستوى الدولي أن اللاعبين الكبار عـــاجزون عــن وقـــف القتال. بينما تتحدث الدوائر الأممية عن حرب أهلية، وتحذر من أعمال ثأر وانتقامات تطاول الـــطائفة العلوية وأقليات أخرى، إذا انهارت الدولة والمؤسسة العسكرية. كما أن الكرملـين يعبـــر تكراراً عن مخاوفه من أن تعم الفوضى في سورية، وما تحمله من تداعيات سلبية في الإقليم المحاذي لحدود روسيا الجنوبيـــة. ويـــحذر أيضاً من وصول الإسلاميين إلى السلطة، ما قد يبعث الحرارة في قضية الشيشان وغيرها من دول أسيا الوسطى التي لم تهدأ فيها الحركة الإسلامية المطالبة بالسلطة.

ولا حاجة إلى التذكير بالاصطفاف الإقليمي الحاد الذي يترجم بين حين وآخر مبادرة للحل من هنا ومبادرة من هناك، تارة من أنقرة وطوراً من طهران، أو القاهرة أو هذه العاصمة الخليجية وتلك. فكل هذه العواصم تجد نفسها وسط المعمعة القائمة علناً أو اختباء وراء شعار «النأي بالنفس». ليس ممكناً التعمية أو التغطية على الطابع المذهبي للصراع في الداخل السوري وفي الإقليم كله. فليس خافياً التوتر بين دول مجلس التعاون وعدد من الدول العربية من جهة وإيران من جهة أخرى. ولا يمكن تجاهل الاستنفار بين تركيا وإيران والذي يترجم يومياً بالواسطة مزيداً من التوتر بين أنقرة وبغداد. ولا يقف الأمر عند هذه التمددات للساحة السورية، فالقضية الكردية تبقى في قلب الأحداث على طول الانتشار الكردي في المنطقة. حتى لا نتحدث عن شرارات النار التي تنذر بإشعال العراق ولبنان والأردن، وتخلف حرارة مرتفعة في النسيج التركي، وحساسية بالغة بين علويي التخوم واللاجئين السوريين.

مرّ حوالى ستة أشهر على اتفاق جنيف، وهي مدة يجب أن تكون كافية ليقتنع جميع اللاعبين بخطأ رهاناتهم على الحسم العسكري من أجل العودة إلى الطاولة بحثاً عن حل سياسي يقي سورية وجيرانها الفوضى الكاملة. والسؤال هل يستطيع الإبراهيمي أن يسوق خريطة طريق ترضى بها الأطراف الدولية والإقليمية، فضلاً عن طرفي الصراع الداخلي؟ عندما يحذر مسؤول في الأمم المتحدة من إمكان تعرض الطائفة العلوية وأقليات أخرى لعمليات انتقامية، إذا انهار الجيش وسقط النظام، فإن تحذيره دعوة واضحة إلى وجوب توفير ضمانات مقنعة للذين يقفون إلى جانب النظام من أجل التفكير في التخلي عنه.

كانت هناك مداولات منذ نهاية العام الماضي، قبل أن يستفحل القتال ويصل إلى ما وصل إليه، بحثاً عن صيغة حكم ما بعد رحيل النظام، تلحظ ما يشبه القائم في لبنان والعراق. أي المحاصصة التي لا تحرم الأقليات من مواقعها في القرار والإدارات والمؤسسات. لكن وحشية القتال وآلة التدمير الممنهج أطاحتا مثل هذه المحاولات التي لم يعد لها مكان وسط هدير المقاتلات والدبابات والصواريخ. ولا يخفى أن الفِرق المتشددة في صفوف المعارضة تمد المجموعات المحيطة برأس النظام بأسباب التمسك بالحكم القائم. لذلك، فإن الهدف من بدء المسار السياسي هو إيجاد صيغة حكم تشرك كل مكونات المجتمع السوري في مرحلة ما بعد الأسد. من دون التفاهم على هذه المرحلة يصعب إقناع الملتفين حول النظام بالتخلي عنه. إن عجز القوات النظامية ومقاتلي المعارضة عن الحسم العسكري يجب أن يدفع بالطرفين إلى البحث عن مخرج سياسي. وإذا كانت هناك قوى ومكونات لا تزال تقف إلى جانب النظام فإن مسؤولية الائتلاف المعارض والمجلس العسكري لـ «الجيش الحر» تنقية المجموعات المسلحة من العناصر التي تشكل مصدر قلق للأقليات. وأن يثبتا قدرتهما على الإمساك بالأرض. مثـــل هـــذه الرسالة يمكن أن يساعد على إطلاق العملية السياسية وتوجيه الضغط على الرئيس الأسد لإخلاء موقعه مع المجموعة الــضيقة التي لا يــروق لها أي حــل يــكون عــلى حـسابها بالتــأكــيد.

لقد فتحت واشنطن الطريق أمام تفاهم لا يلحظ دوراً للمتشددين الذين ارتكبوا أو يمكن أن يرتكبوا جرائم حرب وأعمالاً إرهابية. ووضعت «جماعة النصرة» على لائحة الإرهاب. ومثلها موسكو عبرت عن عدم اهتمام برأس النظام، مشددة على مستقبل البلاد. وتبدي العاصمتان حرصاً على عدم سقوط سورية في الفوضى الكاملة لأن ذلك سيشكل أخطاراً كبيرة لا يكف المجتمع الدولي عن التحذير منها. لذلك، لم يعد أمام الإبراهيمي متسع من الوقت. لن يكون بإمكانه بعد اليوم التريث والانتظار أياً كان جواب الرئيس الأسد على خطته. سيتحمل المجتمع الدولي برمته مسؤولية التداعيات وليس روسيا وأميركا وحدهما، مثلما سيتحملها النظام و«أهله» والمعارضة بأطيافها كافة.

مهمة الإبراهيمي هنا أن يقدم خطته امتحاناً لمدى صدق رغبة الدول صاحبة اتفاق جنيف وجديتها، لئلا نقول اختباراً لما يشاع عن تفاهم روسي - أميركي على الحل. بالطبع لن تحظى الخطة برضا جميع المتصارعين على الأرض. لكن قيام حكومة موقتة من شخصيات وطنية وقيام مجلس عسكري موحد للفِرق المقاتلة، وتوفير موازنة معقولة لهما، يمكن أن تؤدي إلى عزل المتطرفين في كلا الجانبين والدفع نحو مرحلة انتقالية تمهد لانتخابات تنبع منها سلطات تعيد صوغ دستور جديد للبلاد يحافظ على كل مكوناتها ومؤسساتها. وغير ذلك يعني تدمير ما بقي من سورية.

لا يحتاج الإبراهيمي إلى شرح لإقناع الأسد بأن الحسم العسكري مستحيل. لقد اعترف بذلك صراحة نائب الرئيس فاروق الشرع قبل أيام؟ حتى وإن اعتبر بعضهم خروج الشرع عن صمته خطوة إيرانية للرد على المواقف الروسية الأخيرة، فإنه يستحيل أن يكون الرئيس نفسه بعيداً من المواقف التي أطلقها نائبه. لعلها بالون اختبار طرحها الرئيس من أجل درس ردود الفعل المتوقعة. وأياً يكن الأمر فرأس النظام يعي تماماً استحالة بقائه نتيجة أي تسوية سياسية. فليس هناك طرف واحد معارض يقبل بحل من هذا النوع. وهنا المعضلة التي واجهها الروس ودفعتهم إلى تبديل موقفهم المشروط بقبول المعارضة الجلوس إلى طاولة حوار للبحث أولاً في «اليوم الـــتالي»... على رغم عدم يقينهم بالقـــدرة على إقناع الأسد بالتخلي عن السلطة! فهل تنتهي كل هذه الحركة الديبلوماسية النشطة والمــواقف المتضاربة والمرتبكة والغامضة باقتناع الممثل الأممي - العربي الخاص بوجوب التنحي والتخلي عن مهــمته أم... باقتناع الأسد؟ إنهــا الـفرصة الأخــيرة قبل سقوط سورية ومعها الإقليم كله في الفوضى الشاملة.

=================

ما بعد سقوط الأسد

أنور بن ماجد عشفي

عكاظ

24-12-2012

إن أهم ما يشغل الدوائر السياسية في العالم هو ما يحدث بعد سقوط النظام السوري، فهل سقوطه ينهي الحرب الأهلية؟ أم ينذر بفصل جديد من الأحداث هو الأخطر؟ فإذا كانت المعارضة المدنية تتقدم ببطء في ترتيب أوراقها لتشكل حكومة في الخارج تستطيع أن تمسك بزمام الأمور في الداخل بعد سقوط النظام، فإن المعارضة العسكرية الممثلة في الجيش الحر تتقدم بخطى أسرع، فهي تتقدم في دمشق وفي حلب ودير الزور، فتدمر المراكز العسكرية، وتستولي على القواعد ومخازن السلاح، وأصبحت تمتلك الصواريخ المضادة للطائرات، والدبابات، والمدافع.

لقد نجحت في طرد القوات الحكومية من قرية تلو الأخرى، واستطاعت بناء مؤسسات أولية في المناطق المحررة، فخرج بذلك قسم كبير عن سيطرة الحكومة، إن هذا النجاح إذا لم يتوج بحكومة مركزية قوية تنبثق من الحرب الأهلية القائمة فإن سقوط النظام المفاجئ سوف يعزز صراعا بين القيادات العسكرية، وقد تبرم تحالفات بين المجموعات العسكرية بحسب الروابط القبلية والمناطقية، ويظهر وقتها أمراء الحرب كما حدث في الصومال.

فإذا ظهرت دولة علوية، وأخرى كردية، ودرزية، فإن بريق الأمل سوف يدفع حزب الله إلى التحالف مع الدولة العلوية، وقتها تستطيع إيران أن تجد لها موطئ قدم من جديد على الأرض والساحل، وسوف يضمن الروس حليفا جديدا يتمتع بمواقع استراتيجية على البر والبحر، عندها يشتد الصراع مع إسرائيل، ويتم ابتزاز تركيا وإيران، خصوصا إذا تحركت القاعدة والمجموعات الإرهابية تحت هذه المظلة.

إن وقوفنا بأياد مكتوفة انتظارا للنتيجة، والدول الأخرى للمتابعة والتشجيع دون تحسب لما يحدث في المستقبل، فإن النتيجة قد تكون كارثية ليس على الأمة العربية وحدها بل حتى على الموقف الدولي، ولا بد من تسريع المعارضة السورية في الخارج كي تشكل حكومتها وتتفاعل مع الداخل وتستبق الحدث بعيدا عن روح الانتقام.

=================

مصير الأسد ؟‏!‏

الأهرام المصرية

التاريخ: 24 ديسمبر 2012

مثلما كان واضحا للجميع بأن خروج بشارالأسد من الحكم في سوريا لم يكن سوي مسألة وقت‏,‏ فقد تراكمت الأخطاء والخطايا في سوريا ضد الشعب السوري‏ وذلك قبل أن تنتهي المطالب المشروعة للمواطنين في الحرية والعدالة والديمقراطية بأفظع عملية قمع وعدوان وحشي من قبل النظام ضد الأبرياء.

وكالعادة فإن النظام السوري بدلا من أن يحتوي المعارضة ويتجاوب مع المطالب المشروعة في بداياتها, اختار التعالي واللجوء إلي القبضة الأمنية والرد بعنف.. ومن هذه الأخطاء الكارثية, فإن نظام بشار فتح الباب أمام القوي الإقليمية والدولية للتدخل, وبالتالي رهن مصيره ومصير شعبه بأيدي الآخرين, بدلا من أن يكون القرار والحل من الداخل.

ومن هنا, لم يكن غريبا أن تتردد الأنباء بقوة عن اتفاق أمريكي روسي حول مصير الأسد, وإزاحته من المشهد السياسي بعد3 أشهر, والمثير للدهشة أن تعلن روسيا أنها لا تفكر في منح الأسد حق اللجوء السياسي إليها, وهذا بدوره يؤكد أن الأمن الحقيقي للقادة والأنظمة, بل والأوطان ذاتها هو في رضا الناس, وأن الذين يعتقدون أن التحالفات المشبوهة مع القوي الدولية سوف توفر حماية لهم من غضبة شعوبهم, هم واهمون, والآن يستعد بشار ليلقي ذات المصير الذي لقيه القذافي, وصالح, ومبارك.

=================

خيرالله خيرالله / من علامات الزمن السوري الجديد...

الرأي العام

24-12-2012

إنها علامة من علامات الزمن الجديد، زمن التخلّص من النظام الذي قضى على سورية وعلى كلّ ما هو حضاري فيها ولعب دورا محوريا في تغيير طبيعة المجتمع السوري.

ما سقط في مخيّم اليرموك، وهو ضاحية من ضواحي دمشق، رمز من رموز النظام السوري. إنه رمز بكلّ ما في الكلمة من معنى، رمز لما مارسه هذا النظام طوال ما يزيد على اربعة عقود على الصعيد الفلسطيني. أن يستخدم النظام السوري سلاح الجوّ لقصف مخيّم اليرموك جنوب دمشق دليل على فقدان السيطرة على المخيّم. اخيرا صار من حق فلسطينيي اليرموك، بعد لفظهم احمد جبريل، قول ما يقوله أي فلسطيني آخر داخل فلسطين او في الشتات. يقول هذا الفلسطيني العادي بكلّ بساطة أنه ليس سلعة يتاجر بها النظام السوري داخليا وعربيا واقليميا ودوليا.

انضمّ مخيّم اليرموك الى مخيّمات اخرى تعرّضت لهمجية النظام السوري سواء أكان ذلك في سورية او في لبنان. ما لا بدّ من ملاحظته هنا أنّ مخيم اليرموك الذي صمد واصبح في النهاية حرّا، لم يكن يضمّ فلسطينيين فقط، تحوّل الى مكان يلجأ اليه السوريون الآتون من الارياف الذين اقاموا في ما سمّي العشوائيات. كانت العشوائيات احدى مظاهر الازمة العميقة للنظام السوري الذي لم يمتلك يوما أي حلّ لاي مشكلة، اكانت اقتصادية او اجتماعية او سياسية.

لم يستوعب النظام يوما معنى نمو احزمة الفقر في جوار المدن السورية. بقي اسير شعاراته المضحكة-المبكية من نوع «المقاومة» و«الممانعة». وبقي همّه محصورا في كيفية تصدير الارهاب الى لبنان والاردن والبحرين والعراق وتركيا والخليج العربي او افشال أي خطوة ايجابية يمكن ان يقدم عليها الفلسطينيون تصبّ في اتجاه الحصول على حقوقهم المشروعة.

لم يتنبه يوما الى ظاهرة العشوائيات في جوار المدن التي توفّر بيئة مواتية لنمو التطرف الديني. لا يشبه العجز عن استيعاب ظاهرة العشوائيات غير العجز عن فهم أن تشجيع التطرف المذهبي في لبنان عن طريق دعم الميليشيا الايرانية المسماة «حزب الله»، لا يمكن ألاّ أن يرتد، عاجلا ام آجلا، على النظام السوري داخل سورية نفسها.

كان احمد جبريل الامين العام لـ«الجبهة الشعبية- القيادة العامة» جزءا لا يتجزّأ من النظام الامني السوري. كان الضابط السابق في الجيش السوري، الذي اكتشف أن له وظيفة فلسطينية، يمثّل افضل تعبير عن حقد دفين لدى هذا النظام تجاه كلّ ما هو فلسطيني. القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ليسا سوى اداة تستخدم في ابتزاز هذا الطرف العربي او الدولي او ذاك.

تعطي ممارسات احمد جبريل في لبنان فكرة عن الدور المطلوب من كلّ فلسطيني أن يلعبه، من وجهة نظر النظام السوري. ما يذكره اللبنانيون عن احمد جبريل أنّه نفّذ كلّ المهمات (...)، بما في ذلك الاغتيالات، التي كانت الاجهزة السورية لا تريد تنفيذها بشكل مباشر. كان مقاتلوه، على سبيل المثال، يمارسون الخطف على الهوية في كلّ مرة كانت تهدأ فيها الجبهات. حصل ذلك في بداية الحرب اللبنانية التي كان الفلسطينيون للاسف الشديد طرفا فيها...بإرادتهم الحرّة احيانا وبإرادة سورية في معظم الاحيان.

ساعد احمد جبريل في توريط الفلسطينيين في الحرب اللبنانية. كان يزايد باستمرار على ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي غرق في المستنقع اللبناني الى ما فوق اذنيه.

حصل ذلك بدفع سوري لم يحسن «ابو عمّار» في احيان كثيرة التعاطي معه، خصوصا أنه كان هناك عملاء للنظام السوري داخل قيادة «فتح» نفسها. على العكس من ذلك، وقع «ابو عمّار» في الفخ الذي نصبه له الرئيس الراحل حافظ الاسد. استغلّ الاسد الاب الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان كي يقدّم نفسه للعالم بأنّه الوحيد القادر، بفضل جيشه، على ضبط «مسلحي منظمة التحرير الفلسطينية». وهذا التعبير هو الذي استخدمه هنري كيسينجر في تبريره السماح للاسد الاب بإرسال قواته الى لبنان...

لم تكن من مهمة لاحمد جبريل في مرحلة ما، خصوصا في 1975 و1976 و1977 سوى توريط «ابو عمّار» اكثر في الحرب اللبنانية وذلك عن طريق المزايدة عليه. ولعلّ الانجاز الاكبر للامين العام لـ«الجبهة الشعبية- القيادة العامة» في تلك المرحلة تدمير الفنادق اللبنانية الواقعة على شاطئ بيروت واحدا واحدا اشباعا لاحقاد حافظ الاسد على كلّ نجاح لبناني...او سوري!

بعد خروج القوات الفلسطينية من لبنان، عاد احمد جبريل الى الوطن الصغير ليقيم فيه قواعد «سورية»، بينها قاعدة في الناعمة، جنوب بيروت. لم يعترض احد على ذلك، خصوصا أنه دخل باكرا على الخط الايراني، وصار حليفا لـ«حزب الله» بعدما تخلى عنه معمّر القذّافي. لعب دائما الادوار المطلوب منه ان يلعبها سوريا. ولذلك نفّذ مخططات تسيء الى الفلسطينيين والى الخط الذي انتهجه ياسر عرفات الذي نادى بـ«القرار الفلسطيني المستقلّ». لم يقصّر احمد جبريل في اي مجال من المجالات التي تصبّ في التخريب على الفلسطينيين والاساءة الى قضيتهم. ولذلك استهدف دائما الاردن، في عهدي الملك الحسين، رحمه الله، والملك عبدالله الثاني. استهدف الاردن لأنّها لعبت دورا مهمّا في مساعدة الفلسطينيين على الاتجاه الى حلول واقعية تعيد لهذا الشعب جزءا من حقوقه بدل بقائه مشرّدا خارج خريطة الشرق الاوسط.

هناك ابعد بكثير من هزيمة احمد جبريل المتمثلة في طرده من مخيّم اليرموك. انها هزيمة لنهج وسياسة يقومان على «التشبيح». كان احمد جبريل «الشبّيح الفلسطيني» بامتياز. اسس لولادة «الشبيحة السوريين» الذين استخدمهم النظام في مواجهة شعبه. الاكيد أنّ طرده من اليرموك الذي يشكّل هزيمة تليق به، مؤشر الى مرحلة جديدة في سورية. قد تكون هذه مرحلة عودتها بلدا طبيعيا يعتبر المتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم عيبا، بل عارا، وليس دور اقليمي، اقرب الى الحال المرضية والوهم من ايّ شيء آخر.

=================

الإبراهيمي يصل إلى دمشق برا

طارق الحميد

الشرق الاوسط

24-12-2012

العنوان الأبرز والرئيسي لزيارة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، يوم أمس، هو وصوله إلى دمشق عن طريق البر قادما من لبنان، وليس عبر مطار دمشق الدولي. وهذه المعلومة بحد ذاتها تبين أين وصلت الأوضاع على الأرض في سوريا، وما ستؤول إليه زيارة الإبراهيمي.

وبالطبع، فإن وصول السيد الإبراهيمي إلى دمشق برا ليس الملاحظة الوحيدة، بل أيضا ما قاله وزير الإعلام الأسدي خلال مؤتمر صحافي عقده في دمشق وقال فيه إنه لا علم له بزيارة الإبراهيمي إلى سوريا، وهذا كله يقول لنا إن الأمور في دمشق ليست صعبة ومعقدة، بل هي خارج نطاق سيطرة النظام، بل إن هناك معلومات تتردد عن أن زيارة الإبراهيمي تأخرت حتى يتسنى تأمين محيط القصر الذي يعتقد أن بشار الأسد كان خارجه طوال الأيام الماضية، وإذا تأكدت هذه المعلومات، وخصوصا أن الأيام الماضية شهدت معارك في محيط القصر، فإن ذلك يعني أن فرص التفاوض بين المبعوث الأممي والأسد ستكون محدودة، ولا يمكن توقع الكثير منها.

الواضح، ومن وصول الإبراهيمي إلى سوريا برا، وعدم علم وزير الإعلام الأسدي أساسا بوصوله، وأمور أخرى بالطبع، أنه ليس لدى الأسد خيارات كثيرة، أو مزيد من المساحة للمناورة، وبالتأكيد أن السيد الإبراهيمي يدرك هذا الأمر عندما يتحدث للأسد، وإن كان السيد الإبراهيمي نفسه سبق أن قال في مقابلة مهمة له مع التلفزيوني الأميركي الشهير تشارلي روز، إنه عندما يتحدث مع الأسد فهو لا يقول له ما يجب، وما لا يجب فعله، وإنما يتحدث له حول نظرة الخارج للأوضاع في سوريا، وما هو التقييم الدولي، ثم يستمع له، أي للأسد، وذلك ليتسنى لطاغية دمشق فهم الصورة الكبرى، ومحاولة معرفة كيف يفكر العالم، والحقيقة أنه لم يعد هناك مساحة من الوقت في التعامل مع الأسد عن بعد، كما لا يمكن مطالبة الإبراهيمي بأن يصرخ في وجه الأسد، فإذا لم يستوعب طاغية دمشق الأوضاع من حوله، وأن المبعوث الأممي لم يستطع حتى نزول مطار دمشق، فحينها لا فائدة أصلا من إقناع الأسد بأي شيء لأنه من المعضلات شرح الواضحات! وفي تاريخنا الحديث نماذج لا تنسى من طغاة رأوا الطوفان يجتاحهم لكنهم كابروا تماما؛ رأينا صدام حسين، ومعمر القذافي، كأبسط مثال، وهناك آخرون يكابرون لليوم، ومنهم الأسد.

لذا فإنه لا شيء متوقع من زيارة الأخضر الإبراهيمي لسوريا، ولقاء الأسد، وذلك ليس انتقاصا من جهود المبعوث الأممي، بل بسبب مكابرة الأسد، الذي لن نتوقع منه التنحي طوعا، ومن هنا فإن زيارة الإبراهيمي ستكون من باب أنه حاول، وقام بكل ما بوسعه، لإسقاط حجج المتلكئين مثل الروس، لكن الإشكالية المحزنة أن تضييع الوقت هذا ينتج عنه، ومنذ فترة زمنية غير قصيرة، ما يزيد على مائة قتيل سوري يوميا، وكأنه لا قيمة لأرواح السوريين!

وعليه، فإذا كان الجواب «باين من عنوانه»، كما يقال، فإن زيارة الإبراهيمي واضحة نتائجها ومن خلال الطريق الذي سلكه لمقابلة الأسد في دمشق، حيث لا جديد ينتظر، اللهم إلا إضاعة وقت وأرواح، للأسف!

=================

صفقة الروس بالأسد!

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

24-12-2012

سوريا والسوريون مستمرون في مخاض الخلاص من نظام مجرم خانق ضاق الجثام على صدورهم. الثورة السورية تبدو أنها تقترب بخطوات واثقة ومطمئنة وحثيثة نحو الخلاص من الأسد وزمرته المجرمة، وسط التذبذب الصادر والرسائل المتفاوتة التي تخرج من قبل المجتمع الدولي، وتحديدا من فرنسا وأميركا وروسيا، عن اتفاق ما بين هذه الأطراف بالخلاص من حقبة الأسد وتأمين خروج له، إلا أن روسيا سرعان ما تعود إلى مواقفها المتصلة في الدفاع عن الأسد بقوة وحسم؛ لتوضح أنها لن تتخلى عن الأسد.

روسيا كان لديها موضع قدم في الشرق الأوسط في مناطق مختلفة من بلاده؛ في مصر واليمن والعراق وليبيا وسوريا، وفعليا لم يتبقَّ لها من الوجود في الشرق الأوسط لها إلا سوريا، وهي تحس بالخديعة التي حصلت لها في القرار الأطلسي بالتدخل في ليبيا، وأن روسيا تم «الضحك عليها»، وهي بالتالي لن تسمح بالتضحية «بسهولة» بوجودها المهم في سوريا دون مقابل مهم. روسيا تدرك تماما أن لها مصالح كبرى ومهمة، وجالية يفوق تعدادها الـ200 ألف نسمة في سوريا، وتبادلا تجاريا قويا؛ ولذلك ومع قناعتها بأن حقبة بشار الأسد شخصيا قد انتهت، ولكن نظامه باقٍ ويجب إخراج شخصية منه لضمان استمرار النفوذ الروسي فيها لأطول حقبة ممكنة من الوقت.

الاتفاق لإخراج بشار الأسد كان يجب أن يمر عن طريق روسيا؛ لأن الروس «عمليون» ويدركون أن لكل شيء تسعيرة وفاتورة، فليس النظام السوري ذا عقيدة سياسية ولا دينية يضحي الروس لأجله، إلا أن المصالح الروسية هي الحكم في ظل تقلص رهيب لنفوذها في منطقة جغرافية من العالم كانت تقليديا هي الحصن الأساسي لسياساتها العسكرية والاستخباراتية.

الجيش الحر والمعارضة السورية السياسية لديها قناعات كاملة أن وقت الصفقات قد انتهى أوانه، وأن الأرض هي الحكم، ويستشهدون بذلك بالحراك المتطور والتقدم اللافت والمميز للجيش الحر في أكثر من موقع بالقرب من معظم المدن الكبرى بلا استثناء، وبشكل مهم، ويعتقدون أن الأمر برمته بات مسألة وقت بسيط جدا وتسقط المدن الكبرى في قبضة الجيش الحر والثوار. والنظام بمعونة الروس يعتقد أن العتاد الثقيل من صواريخ «سكود» وأسلحة كيماوية وغيرها لم يتم استخدامها حتى الآن ورقة أخيرة بيده وبيد من يؤيده، ولكنها مغامرة وخيمة العواقب في ظل وجود تهديد دولي، وكذلك توقع انشقاقات كبرى في الجيش إذا ما تم الإقدام على تلك المسألة الخطيرة.

سوريا دخلت نفقا أخيرا، وهناك مناخ الساعات الأخيرة والحاسمة يلوح في الأفق، جيوب داخل الجيش وداخل الاستخبارات مخترقة بوضوح من الثورة ومن الجيش الحر بتسريب كافة تحركات قوات النظام، وتمكن الثورة من الإجهاز عليها بشكل استباقي فعال ومدهش. الانهيار في الوضع الإنساني يزداد، والنقمة على النظام داخليا باتت بلا حدود. ومع ظهور قوات «جهادية» تقاتل مع الثوار داخل سوريا، إلا أن النظام استعان هو الآخر بقوات من حزب الله بلبنان وجيش المهدي من العراق، وغيرها من الميليشيات الطائفية؛ ليزداد السعير الطائفي في معركة سيئة وبشعة أسالت الدماء وقتلت الآلاف.

بشار الأسد انتهت أوراق اللعب من يده، وبات هو ورقة بالية في أيدي الروس يلعبون به لتنفيذ شروط قياسية لهم في صفقة سوريا الأخيرة، والغاية منها هو تحقيق أرباح ومكاسب في الغاز الآسيوي والصواريخ الأوروبية. سوريا والأسد هما مجرد ملعب لتلك الصفقة. الأسد مصيره حُسم، وسلاح الثوار سيخرجه من الحكم قريبا.

=================

 الأزمة السورية وحديث الصفقات والتسوية

خورشيد دلي

ايلاف

24-12-2012

لا يتوقف الحديث هذه الأيام عن صفقة روسية – أمريكية بشأن الأزمة السورية، بل ثمة قناعة عميقة لدى كثيرين بأن هذه الأزمة ليست لها حل دون صفقة أو تسوية يتفق عليها الجانبان، ولعل ما عزز من هذه القناعة المحادثات التي جرت مؤخرا في دبلن بين وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف، ومن ثم في جنيف بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ونظيره الأمريكي ويليام بيرنز بحضور المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي، وقبل هذه المحادثات تلك التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تركيا وما قيل وقتها عن مبادرة تركية قال عنها بوتين إنها مبتكرة. في كل هذه المحادثات، ثمة عناوين أساسية تتقاطع مع مواقف سياسية للأطراف المعنية، وهي مواقف تبدو متغيرة مقارنة بالسابق. ولعل في أهم هذه العناوين : الدخول في مرحلة انتقالية، تشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات كاملة، التحضير لانتحابات عامة ورئاسية، ولعل النقطة الوحيدة غير المحددة أو الواضحة، هي مصير الرئيس بشار الأسد، على نحو هل سيكمل ولايته الرئاسية أم لا ؟ وكيف ستكون صلاحياته خلال الفترة الانتقالية ؟ وماذا بعد أنتهاء ولايته ؟  هذه العناوين هي أبرز نقاط التسوية المنشودة ، وهي عناوين تدعمها مواقف سياسية للأطراف المعنية بالأزمة ، ولعل من أهم المواقف :

1- التأكيد الروسي اليومي على أن موسكو ليست في موقع الدفاع عن النظام في سوريا وأن ما يهمها هو مصير سوريا وليس النظام، وهي هنا تتحدث بلغة المصالح والاستراتيجيات وحسابات الريح والخسارة ومحاولة الحد من التداعيات... طبعا كل ذلك من خلال التحول إلى طرف أساسي في التسوية المنشودة.

2– الموقف الأمريكي سبق الموقف الروسي بهذا الخصوص، فانتقادات كلينتون المبكرة للمجلس الوطني السوري الذي حل محلة عمليا ائتلاف الدوحة، ومن ثم وضع واشنطن جبهة النصرة على قائمة الإرهاب، كان ذلك بمثابة مسار أمريكي لترتيب البيت السوري المستقبلي بما يؤائم السياسات الدولية، وبما يعني رسالة أمريكية لروسيا، مفادها: ضرورة الانخراط في العمل من أجل إقامة دولة مدنية تعددية في سوريا وعدم الإفساح في المجال أمام دولة دينية تهدد مصالح الطرفين، ولعل ما زاد من خشية الطرفين بهذا الخصوص هو صعود نفوذ جبهة النصرة وغيرها من الجماعات الجهادية في سوريا.

3- على الصعيد السوري ، لايمكن النظر إلى التصريحات التي أدلى بها فاروق الشرع نائب الرئيس السوري حول عدم إمكانية حل الأزمة عسكريا من قبل الطرفين وضرورة التفكير بتسوية تاريخية الا كرسالة من النظام بالاستعداد لتسوية ما،على شكل قناعة بعدم جدوى النهج العسكري وذلك بعد نحو سنتين من تفجر الأزمة.

4- إيران بدورها التقطت الرسالة، فأرسلت نائب وزير خارجيتها عبدالله اللهيان إلى موسكو، حاملا معه ورقة للحل من ست نقاط، وهي تختلف عن الأفكار الأمريكية – الروسية في دبلن بطرح الحوار بين النظام والمعارضة، على ان تبدأ المرحلة الانتقالية من ما سيتم الاتفاق عليه خلال الحوار بين الجانبين حسب خطة الحل الإيراني.

5– الخطة التركية والتي لم يعرف منها سوى أن يسلم الرئيس الأسد سلطاته خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل والذي لم يبقى منه سوى أيام قليلة.   في الواقع، من الواضح ان كل طرف يحاول في هذه الخطط تحقيق تسوية تتناسب مصالحه وحساباته السياسية ورؤيته الاستراتيجية، ومن الواضح أيضا ان النقاط التي تم الاتفاق عليها في دبلن باتت بعهدة المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي لنقلها إلى القيادة السورية خلال زيارته المرتقبة لدمشق. بما يعني ان مسار الأزمة باتت أمام احتمالين حاسمين: الأول : إمكانية دفع التسوية إلى أرض الواقع، وهذا يتوقف على رد القيادة السورية على ما سيحمله الإبراهيمي، ومثل هذه التسوية تبدو ممكنة التطبيق إذا وافقت عليها القيادة السورية، نظرا لوجود اجماعي دولي وإقليمي عليها، رغم الاختلاف بشأن بعض التفاصيل. الثاني : ان رفض ما سبق ، يعني فتح الأبواب على مصراعيه للميدان ، ولعل لكل من النظام والمعارضة العسكرية، القدرة على تدمير ما تبقى من سوريا، سوريا المدن والإنسان والتاريخ والجغرافية ..على شكل كارثة لم يشهد التاريخ لها مثيل.  أسابيع وربما أشهر قليلة، سيتحدث التاريخ عن نهاية قصة، لعلها الأبشع في تاريخ سوريا.

========================

الأخضر الإبراهيمي،و الشعب السوري: الموت و لا المذلة

وليد جداع

المشرف على الحركة الدستورية السورية

خاص بالحركة الدستورية  2012/12/24

يقولون إن السيد الأخضر الإبراهيمي انتظر طويلا ليحصل على وعد بمقابلة الأسد شخصيا بشكل مباشر،  لينقل إليه  مضمون الخطة الأمريكية الروسية المفترضة تحت عنوان جنيف -2. ويقولون إن السيد الأخضر الإبراهيمي لا يريد الانتظار في دمشق أربعة أيام ليستمع إلى ثرثرات وليد المعلم وفيصل المقداد وبثينة شعبان وأضرابهم، قبل أن يقابل الأسد شخصيا ، فحديث هؤلاء ليس سوى إخضاع  له لضغوط نفسية ونوع من الإذلال اعتاد عليه قتلة دمشق، ليسيئوا إلى زوارهم وليرجعوا من بعدها (بأخفاف حنين) وليس بخف واحد! ويقولون أيضا إن السيد الإبراهيمي ترجى الروس كثيرا ولا سيما (وزير الخارجية المشترك لروسية وسورية) لافروف،  أن يقنعوا الأسد باستقباله، وأنه هدد أكثر من مرة بحذوه حذو زميله السيد كوفي عنان والاستقالة من مهمته، على ما فيها من وجع كبير لمهمة دبلوماسية ربما تكون الأخيرة للسيد الإبراهيمي في مجال السياسة العربية والدولية، بعد عقود من العمل السياسي والدبلوماسي، لا شك أن السيد الإبراهيمي يريدها أن تنتهي نهاية مشرفة ، لا نهاية إخفاق وخيبة وتوار غير مريح عن الأنظار!

لماذا يجبر السيد الأخضر الإبراهيمي نفسه على الوقوف بهذا الموقف المربك ولا نقول المهين؟ لماذا يضع السيد الأخضر الإبراهيمي نفسه موقع المتذلل للأسد الصغير، ولذاك الماكر العجوز لافروف عدوالشعب السوري والمجاهر بتأييد الطاغية الأسد، غير عابئ بمصاب الشعب السوري وآلامه وعذاباته...لماذا ينتظر السيد الإبراهيمي تدخلات الروس وتنفيذهم للوعود التي قطعوها على أنفسهم بمساعدته في مهمته؟...هذه الأسئلة ، تشير إلى حالة قطع معها الشعب السوري تماما منذ أول أيام الثورة السورية حين رفع صوته عاليا: الموت ولا المذلة...الشعب السوري المتضرر والمقموع والمقتول من آل الأسد طوال عقود ، يعرف أن هؤلاء القتلة في دمشق لا يفهمون دبلوماسية ولا إنسانية، ولا يتعاملون بكرامة أو أريحية. إنهم يناورون ويناورون حتى تعصف بهم الرياح ، فيتجرعون كأس المذلة صاغرين ويؤدون ما يطلب منهم بكل دقةوأمانة راجفين واجفين! انظر إلى تسليمهم عبد الله أوجلان إلى تركية أيام الأسد الأب، وانظر إلى خروج النظام الذليل من بيروت أيام الأسد الابن،وانظر إلى عشرات الأمثلة التي تؤكد أن هؤلاء القتلة في دمشق يرتعدون منذ أن يروا إشارة دولية أو إقليمية جادة تقف من ورائها قوة حقيقية نافذة...عندئذ سينبطحون وسيلعقون كل شعاراتهم ومواقفهم (الوطنية والقومية) وسيهربون من الباب الخلفي أو الأمامي لا فرق، فالمهم هو أن يجثموا على صدر الشعب السوري ويستمروا في قمعه وقتله واستنزاف خيراته.

والذي نريد أن نقوله للسيد الأخضر الإبراهيمي، مع احترامنا وتقديرنا لجهوده،هو  أن عليه أن يتذكر-وهو حتما سيتذكر- أمورا عدة موجزة: أولها أن خلفه السيد كوفي أنان أعلن حقيقة الوضع بعد استقالته من مهمته ومنصبه كوسيط عربي ودولي،وبعد أشهر طويلة من التنقل بين عواصم المنطقة والعالم، أنه لا بد من رحيل الأسد أولا من أجل أي تقدم في مساعي حل الأزمة السورية بالطرق السياسية. وأن المجتمع الدولي ينبغي أن يظهر إرادة سياسية حقيقية في إنقاذ الشعب السوري من محنته. وثاني هذه الأمور ما سبق أن أعلنه هو شخصيا من التزامه أولا بمصلحة الشعب السوري، قبل أي التزام إقليمي أو دولي. ولا نعتقد أن السيد الإبراهيمي لا يرى معاناة الشعب السوري وآلامه، ولا يعرف معاناة ملايين السوريين الهائمين على وجوههم في أرجاء الأرض هربا من ماكينة القصف الدموية التدميرية لطائرات الأسد وصواريخه ومدفعيته...لا نظن أن السيد الإبراهيمي لا يسمع بكاء السيدات السوريات يبكين رجالهن وأطفالهن ..إن السيد الإبراهيمي المصغي إلى مصلحة الشعب السوري كما يقول لا بد أن يدرك أن مصلحة الشعب السوري هي التخلص من هذا النظام القمعي اليوم قبل الغد، فكل يوم في سورية هذه الأيام يعني أكثر من مائة قتيل وأكثر من مئات الجرحى والمصابين ،وأكثر من دمار وهلاك كبيرين. إن مصلحة الشعب السوري اليوم ، تتأكد لحظة تلو اللحظة أن لا مفر من ذهاب هذه الطغمة الدموية في دمشق، ليبدأ الشعب السوري من بعدها رحلة الحرية والكرامة والعمل والبناء.

أما الأمر الثالث الذي يعرفه السيد الإبراهيمي وربما رآه رأي العين أو سمعه من مساعده السيد مختارلاماني في دمشق، والذي التقى ممثلين كثرا للمقاومين السوريين الراسخين في مواقفهم والقابضين على الجمر والأرض أيضا، والذي لا بد رآه في تصميم السوريات قبل السوريين على القضاء على نظام القتلة في دمشق. هذا الأمر هو أن لا عودة إلى الوراء مهما غلا الثمن وكثرت التضحيات. سيسقط النظام ولن يسقط الشعب!

هذه الأمور وغيرها مما يعرفه السيد الإبراهيمي ويخبره جيدا يجب أن تكون دليل عمله لتكون رسالته إلى الأسد مختصرة وموجزة وبليغة لا تحتاج لتأويلات أو توضيحات: لا بد من رحيل الأسد ومن معه من قتلة الشعب السوري، اليوم قبل الغد، واللحظة قبل التي تليها. إن الشعب السوري مصمم على المقاومة والكفاح والجهاد حتى النهاية، ولن يضيره أبدا كل المؤامرات والتدخلات الخفية والظاهرة ، التي تريد منعه من الانتصار ، تحت أكثر من مسمى وتعلة ومسوغات. والأمهات  السوريات  اللواتي أنجبن عشرات آلاف الشباب المقاتلين بل ربما مئات الآلاف- والذين يلمع في عيونهم بريق التحدي والعزيمة والمضاء-  لن يتوقفن عن (ولادة الحياة) وإنجاب عشرات آلاف آخرين يقاتلون لإحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، ولصناعة مستقبل حر كريم لأبنائهن وأحفادهن!

لا حاجة للسيد الإبراهيمي لينتظر أياما ليقابل الأسد شخصيا، ولا حاجة له لوساطة الأشقياء الروس، ولا حاجة له ليركب سيارة تنقله من دمشق إلى بيروت بعد أن تعطل مطار دمشق وشلت حركة الطيران فيه. أما وإنه قد وصل سورية فعلا وسيقابل الأسد، فإنه لا حاجة له للمذلة وسماع ثرثرات الطاغية الصغيرفي ساعات ، كما دأب على هذا الفعل المشين ، نهج أبيه من قبل. على السيد الإبراهيمي أن ينصت فقط لصوت الشعب السوري،ولنبض هذا الشعب،  ولضمير هذا الشعب، ويقول من ثم كلمة وحيدة للأسد: ارحل.... ارحل، خريف العمر جاء مبكرا، جاء الشتاء القر قبل أوانه، دنت المهالك!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ