ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 17/12/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

16-12-2012

أسلحة سوريا الكيماوية... خيارات متاحة

تاريخ النشر: الأحد 16 ديسمبر 2012

الاتحاد

قد تصبح الحرب الضارية من أجل السيطرة على سوريا والتي خلفت أكثر من 40 ألف قتيل، أكثر دموية إذا ما استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية التي يتوافر على ترسانة كبيرة منها، أو فقد السيطرة عليها خلال الأيام والأسابيع المقبلة. ولمنع حصول مثل هذا الأمر كان أوباما واضحاً في تحذيره للنظام السوري من أن «استخدام السلاح الكيماوي لن يكون مقبولاً، وفي حال ارتكب الأسد هذا الخطأ المأساوي فستكون هناك نتائج وسيحاسب النظام».

ومشكلة الأسلحة الكيماوية في سوريا وخطورتها الكبيرة لا تكمن في احتمال استعمالها من قبل النظام ضد المدنيين أو الثوار، بل أيضاً في احتمال وقوع هجمات على أماكن تخزين السلاح، أو سقوطه بأيدي الإرهابيين. وحتى لا يقع المحظور، عكف المسؤولون الأميركيون لأشهر طويلة على وضع خطط الطوارئ لمواجهة السيناريوهات المختلفة التي قد يكون منها استخدام السلاح الكيماوي، كما انخرطوا في مشاورات وعمليات تنسيق مكثفة مع الدول المجاورة. ومع أن الخيارات المتاحة أمام المجتمع الدولي لمنع استخدام السلاح الكيماوي السوري، أو إساءة التعامل معه، تبقى محدودة، فإن الجهود المبذولة حالياً تظل في جميع الأحوال نقطة البداية التي لابد منها. فسوريا مقيدة باتفاقية جنيف لعام 1925 التي تحد من استخدام السلاح الكيماوي في الحروب، لكنها واحدة من الدول الثماني التي لم توقع بعد على اتفاقية الأسلحة الكيماوية لعام 1997 التي تحظر جميع عمليات تطوير وإنتاج ونشر العناصر الكيماوية المميتة، وهو ما يجعلها تمتلك مئات الأطنان من غاز الخردل وعناصر كيماوية تهاجم الأعصاب بما فيها غاز السارين وغيرها. كما أن ترسانتها يمكن تركيبها في القنابل التي تلقى من الطائرات وفي الصواريخ الباليستية، وقذائف المدفعية. ويحذر الخبراء من أن مجرد قطرة من عنصر الأعصاب على البشرة، أو حقنها في الجسم، أو استنشاقها، كفيل بقتل الإنسان في غضون دقائق معدودة.

ومن جانبه أكد النظام السوري أنه لن يلجأ لاستخدام السلاح الكيماوي إلا في حالة تعرضه لتدخل أجنبي. وكانت الحكومة السورية قد اعترفت علناً في شهر يوليو الماضي بحيازتها لترسانة مهمة من الأسلحة الكيماوية، لكن وفيما تضعف قبضة النظام على العاصمة، هناك خطر حقيقي من لجوء قادته العسكريين إلى استخدام ذلك السلاح الفتاك لصد الثوار ومنعهم من دخول دمشق. وحتى في الوقت الذي يمثل فيه خطر العقاب الدولي رادعاً للأسد يمنعه من التفكير في اللجوء إلى مخزونه الكيماوي، فإن هناك احتمال تعرض مواقع تلك الأسلحة للقصف، أو سقوطها في أيدي الثوار الذين لا يحسنون التعامل السليم معها.

ويُعتقد أن العديد من مواقع تخزين الأسلحة الكيماوية منتشرة في عدد من المدن التي تشهد أحداث عنف، مثل حمص وحماة ودمشق وحلب، والأسوأ من ذلك احتمال سقوط الأسلحة الكيماوية التي يسهل نقلها في شاحنات في أيدي «حزب الله»، أو وصولها إلى إحدى الجماعات المتشددة التي تقاتل الأسد. والحقيقة أن الخيارات المطروحة لمنع وقوع هذه السيناريوهات تظل محدودة وغير فعالة بالشكل المطلوب، فمثلاً لا تستطيع الضربات الدقيقة من الجو تحييد تلك الأسلحة بسبب غياب المعلومات الاستخباراتية الدقيقة حول مواقع المستودعات المنتشرة فوق التراب السوري، كما أن محاولات تدمير تلك المواقع قد تؤدي إلى نتائج كارثية تصيب الجنود والسكان المدنيين بالغاز المتناثر في الهواء.

وحتى العمليات البرية التي قد تلجأ إليها الدول الغربية للوصول إلى مواقع الأسلحة قد تفضي إلى الإضرار بالجنود، لذا تبقى إحدى الخطوات المهمة التي يمكن اتخاذها في هذا السياق تأكيد قادة المنطقة والدول المجاورة على رفضهم التام لاستخدام السلاح الكيماوي في الصراع المسلح ودعم رسالة أوباما الواضحة، وتحذير قادة الجيش السوري الذين يحرسون تلك المواقع من أنهم سيتعرضون للمحاسبة في حال تسرب تلك الأسلحة أو تعرضها للسرقة. وهنا يمكن لحلفاء الأسد في روسيا وإيران، التي عانت هي نفسها من استخدام السلاح الكيماوي ضدها في حربها مع العراق، الضغط على النظام لعدم اللجوء إلى مخزونه الكيماوي والتهديد بسحب كل دعم تقدمه الدولتان للنظام في حال لجوئه إلى ذلك. وعلى قادة الثوار والسياسيين الذين يدعمونهم أن يوضحوا للعسكريين الذين ما زالوا مع الأسد أنهم سيحظون بمعاملة تفضيلية بعد سقوط النظام في حال حافظوا على الترسانة الكيماوية ولم يفرطوا فيها. هذا بالإضافة إلى تعهد قوات الثوار بحماية مواقع الأسلحة في المدى القريب، لاسيما تلك التي تقع بأيديهم، ومنع وصول العناصر المتطرفة إليها. والأهم من ذلك الانضمام إلى اتفاقية الأسلحة الكيماوية بعد سقوط النظام، فتدمير الترسانة الكيماوية المتوقع بعد انتهاء الحرب سيستدعي دعماً دولياً في مجال تقديم الخبرة التقنية والتمويل الضروري. وهنا يمكن لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية أن تلعب دوراً مهماً في التخلص من الأسلحة السورية، لاسيما أنها اضطلعت بدور مماثل في ست دول، حيث دمرت 54 ألف طن من الأسلحة الكيماوية كانت بحوزتها.

--------

داريل كيمبال

المدير التنفيذي لجمعية مراقبة الأسلحة المستقلة

بول ووكر

مدير برنامج الأمن والبيئة في منظمة «جرين كروس» الأميركية

--------

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»

=================

سوريا.. من يوقف النزيف..والتقسيم؟

سلطان الحطاب

الرأي الاردنية

16-12-2012

ينزف الجسم السوري بغزارة مما يهدد حياة سوريا للأبد إن لم يجر تدارك ذلك بسرعة بعدما اخذ النظام بالخيار الأمني وأدار ماكنة الحرب التي تحصد الأخضر واليابس وقد أدى عمق الجرح السوري واستمرار نزيفه الى تلوث واسع حين عبرت إلى سوريا قوى عديدة مختلفة الأجندات والاتجاهات بعضها وراءه دول وأجهزة استخبارية وبعضها الآخر يمثل تنظيمات أصولية أو ارهابية ومتطرفة بإسم الجهاد والمجاهدين.

من حق الشعب السوري أن يقاوم وأن يصل بثورته إلى النتائج التي تبقى على وحدة التراب السوري وتمنع انهيار سوريا وتقسيمها ومن حقه» أي الشعب السوري «بكل ممثليه وتلاوينه السياسية والعرقية والمذهبية والثقافية أن يدين التدخل الخارجي أياً كان شكله فالسوريون قادرون وحدهم أن يحسموا أمورهم اذ أن التدخلات الخارجية تزيد أزمتهم تعقيداً وقد تأخذهم بعيداً عن الخلاص.

قد يسقط الأسد خلال أيام أو اسابيع نتاج لما تطورت اليه الأوضاع ولكن ليس بالضرورة أن تتوقف الحرب الداخلية أو يتوقف اطلاق النار وهناك تجربة العراق والصومال وبلدان أخرى ..سقط الشخص وبقي النظام، وبقي الصراع عليه مستمراً.

الخشية التي عبّر عنها الملك عبد الله الثاني مبكراً ومنذ السنة الأولى من بدء الأزمة السورية على شكل رؤية للملك عن الصراع في سوريا ان سقوط الأسد لا يعني الكثير وانما لا بد من تغيير النظام وهذا التغيير يراه الأردن بأسلوب مختلف عما تراه مجموعات أخرى اقليمية ودولية فالأردن يرى ضرورة معرفة ما ستؤول اليه الأوضاع في سوريا أي من سيحكم سوريا وهذا شرط من شروط النجاة وليس دفع سوريا إلى الهاوية وجعلها نهباً لقوى متصارعة تفرض أجنداتها وتصوراتها على حساب الشعب السوري ومستقبله.

الملك كان قبل أكثر من سنة وعلى مسمعنا في بيته قد حذر من ذلك وها هو يلهم المجتمع الدولي أثناء زيارته الأخيرة لبريطانيا هذه الرؤية ويرى ضرورة انقاذ سوريا مما يخطط لها أو تدفع له وضرورة فضح بعض الخطط المغطاة او تلك الجهات التي تضغط على الأردن للتدخل في سوريا بصورة تتعارض مع التصور الأردني الذي رغب الأردن أن يظل واضحاً لقد لعب الأردن دوراً في تبصير اطراف اقليمية لخطورة الحريق السوري واستطاع أن يكسب الموقف السعودي المزيد من الاعتدال والرؤية الصائبة وكذلك موقف دولة الإمارات العربية الواضح حيث تكون هذه الأطراف الثلاثة ومعها اطراف دولية بدأت تتفهم الوضع السوري بصورة مغايرة ومن هنا يأتي تروي الادارة الأمريكية الجديدة (إدارة أوباما الثانية) لخطورة الاندفاع في الأتون السوري والتحفظ على امداد المعارضة بأسلحة نوعية أو قبول تدفق قوى متطرفة مثل تنظيم «النصرة» أو غيره.

الأردن يرى أن سوريا لا بد أن تحافظ على هويتها العربية وملامحها التقدمية التي تعكس طبيعة شعبها وان يجري الابتعاد بها عن الحروب الطائفية أو بيعها برسم طائفي تعمل عليه دول وجهات في المنطقة ضمن محور جديد فيه تركيا ومصر وقطر وتقوده فرنسا.

هناك خطورة من جر سوريا الى حرب طائفية وصراع طائفي أوتصفية حسابات طائفية في الإقليم كما جرى في جر العراق من قبل إليها وكان ما كان لأن هذه الأجندة التي بدأت تتكشف والتي تلبس لباس الاسلام السياسي ومنظماته تكشف عن خطط رهيبة حيث تنخرط دول لا علاقة لها بذلك وإنما بمهام وتكاليف محددة ومدمرة.

سوريا الان ان لم ينهض العرب وخاصة محور السعودية الأردن الإمارات وتحريك العرب الاخرى المحايدة والصامتة والبعيدة فإنها سوف تذهب إلى التقسيم..دولة للأكراد في الشمال والشمال الشرقي في منطقة الجزيرة لتلبي مطالب دولية ودولة درزية في الجولان تحت الابط الاسرائيلي وتمتد إلى السويداء وأخرى علوية في الساحل الشرقي ورابعة سنية على شكل كنتونات..وبالتالي تسقط سوريا وتبقى اسرائيل التي تنفذ هذه الأجندات لصالحها هي الأكبر والأكثر نفوذاً..لهذا ظل الأردن في المنطقة الرمادية من سوريا وظل يقرأ ويحلل وليبصر مخاطر استمرار القتال والنزف السوري.

=================

إسرائيل وسيناريو سقوط الأسد

ماجد الشيخ

المستقبل

16-12-2012

يرى العديد من الباحثين ومراكز الأبحاث الإسرائيلية والغربية، أنه على الرغم من انعدام اليقين بالنسبة لطبيعة تطورات الأحداث في سوريا، فإنه يتحتم على إسرائيل أن تعمل ضمن الافتراض بأن نظام الأسد في صيغته الحالية لن يبقى. في ظل يقين عبرت عنه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تقرير لها قبل فترة، حين نقلت مضمون إفادة ادلى بها القائد الاعلى لحلف شمال الاطلسي (ناتو) في أوروبا، أمام الكونغرس الاميركي، مفادها أن التهديدات لإسرائيل لم تتزايد في الفترة الأخيرة بل تراجعت، ما جعل إسرائيل أكثر أمناً من أي وقت مضى، ويعود السبب جزئيا لما يجري في سوريا.

ويومها سُئِل الأميرال في البحرية الأميركية جيمس ستافريدس، وهو قائد القوة الأميركية - الأوروبية، أثناء إدلائه بإفادته أمام الكونغرس (عن التهديدات ضد إسرائيل). وكان مستجوبه هو النائب روب ويتمان من ولاية فرجينيا، الذي احتج بأن "عدم الاستقرار في المنطقة مقترنا بالتهديدات المتعددة لإسرائيل ازادادت في العام الماضي" وسأله عما إذا كانت القيادة الأميركية الأوروبية تقوم "بضمان الدفاع عن إسرائيل واستقرار المنطقة".

وأجاب ستافريدس: "أولاً، من المؤكد أن إسرائيل في منطقة متقلبة من العالم، وربما اقول إن التهديدات على إسرائيل لم تزدد خلال العام الماضي. وإذا أخذت المنظور الاوسع لتاريخ إسرائيل المعاصر، فمن المؤكد أنها الآن اكثر أمنا مما كانت عليه في 1948 و 1967 و1973، او حتى خلال الانتفاضتين الاولى والثانية". وأضاف: "إسرائيل حاليا لديها معاهدتا سلام مع اثنتين من جاراتها الأربع. والجارة الثالثة، سوريا، تمر الآن بمرحلة من الصراع الداخلي الخطير، وليست في وضع يهدد إسرائيل عسكريا. وأخيراً فإن التهديد الذي يمثله حزب الله اللبناني في الجارة الرابعة تم ردعه من خلال هجمات مكشوفة في حرب 2006.

جوانب إيجابية

وفي الاتجاه ذاته، لفت الخبير في مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لجامعة تل أبيب، أودي ديكل، في دراسة نشرها على موقع المركز الالكتروني، إلى أن لسقوط نظام بشار الأسد جوانب ايجابية، مع التشديد على إضعاف المحور الراديكالي بقيادة إيران، ولكن أيضاً له آثار سلبية ونشوء تحديات جديدة لإسرائيل، وبالتالي على دوائر صنع القرار في تل أبيب، رغم رافعات التأثير المحدودة، أن تبدي نشاطًًا زائدًا لغرض بناء الظروف الملائمة لمواصلة بلورة ما أسماها "سياسة مبادرة"، تكون في الوسط بين البديل الأمني والبديل المصمم. يكون أساسه إضعاف الدعم للنظام السوري ولحزب الله، لمنع تسريب الوسائل القتالية الإستراتيجية ومواد الحرب الكيماوية إلى جهات متطرفة، وردع بشار الأسد من استخدام مواد الحرب الكيماوية، وإقامة قنوات حوار مع محافل المعارضة أو القيادة البديلة، والتوجه إلى الجمهور السوري عبر وسائط الاتصال القديمة والحديثة، وإقامة مراكز مساعدة إنسانية في حالة وصول لاجئين إلى هضبة الجولان.

ورأى ديكل أنه في ظل التغيير في الوضع الاستراتيجي القائم حاليا في المنطقة، اتسع مجال المصالح المشتركة لإسرائيل وتركيا، وذلك بالتشديد على التطلع لاستقرار نظام مركزي ومسؤول في سوريا، ومنع انتقال الأحداث إلى الدول المجاورة، وتقليص نفوذ ما أسماها "مجموعات جهادية متطرفة"، إضافة إلى ذلك فإن لتركيا والسعودية توجد دوافع التأثير الرئيسة على المعارضة، وبالتالي من المجدي النظر مرة أخرى في إمكانية استئناف التعاون الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل.

وعلى الرغم من هذا الاحتمال، فقد رأى ديكل إن صورة الوضع الحالي، قد تؤدي إلى جملة من السيناريوهات المحتملة، والتي هي في معظمها سلبية لإسرائيل، وبعضها متداخل أو متطور بالتدريج، والسيناريوهات الأساسية هي:

سقوط نظام بشار الأسد، وانحلال المنظومة السلطوية والجسم السياسي، ونشوب حرب أهلية وصراعات طائفية لا هوادة فيها، وفي ظل ذلك، تطهير عرقي وتحركات للسكان إلى تجمعات ومراكز نفوذ للطوائف.

الثاني: قدرة حكم جزئية، النظام (بشار نفسه، زعيم آخر، أو مجموعة زعماء علويين) ينجح في البقاء، ولكن يبقى ضعيفا ويفقد شرعيته، ويبقى مسيطراً بالقوة على المحور الطويل للمركز، دمشق - حمص - حلب والخط الساحلي، ويفقد السيطرة الناجعة على مناطق في المحيط، ومع ذلك تبقى سوريا تؤدي دورها جزئيا كدولة.

الثالث، بحسب الخبير الإسرائيلي، هو نشوء منظومة سياسية مختلفة، تتشكل داخل سوريا، وصعود نظام مختلف على أساس اتحاد قوى في المعارضة، وينجح في الأداء بنجاعة ويثبت الاستقرار، في ظل خلق توازنات بين الطوائف والقوى المختلفة.

أما الرابع، فيتمثل في الفوضى وانعدام السيطرة، أي أن نظام بشار الأسد يسقط، بينما لا يوجد نظام مركزي ناجع، سوريا تصبح ميدان قتال عام لقوى متطرفة، بدعم من لاعبين خارجيين، يتنافسون الواحد مع الآخر، إيران مقابل السعودية ودول الخليج، تركيا مقابل الأكراد، الولايات المتحدة مقابل روسيا وغيرها، وفي ظل ذلك، يستمر اجتذاب مجموعات متطرفة من الخارج إلى سوريا، ونشوء حرب المبعوثين.

أما السيناريو الأخير، فهو التدخل الخارجي بقيادة الأسرة الدولية، في أعقاب حدث شاذ جداً في بدايته، وعمل عسكري يؤدي إلى إسقاط حكم بشار الأسد، ولاحقًا إقامة نظام جديد في عملية طويلة، تتضمن مصالحة داخلية وإصلاحات ديموقراطية.

تحديات جديدة

وبرأي ديكل، فإنه من وجهة النظر الإسرائيلية، معظم السيناريوهات التي فُصلت أعلاه، تنطوي بداخلها على إمكانية كامنة لنشوء تحديات جديدة وتهديدات لإسرائيل، ولا سيما التخوف من تحول هضبة الجولان إلى منطقة مجابهة عسكرية، الأمر الذي ستستغله منظمات متطرفة ومعادية لتتحدى إسرائيل، عبر تسريب وسائل قتال إستراتيجية ومواد كيماوية إلى حزب الله ومجموعات متطرفة أخرى، أو من خلال مبادرة إيرانية لمهاجمة إسرائيل من خلال حزب الله أو مبعوثين آخرين.

إضافة إلى ذلك، هناك قلق لدى إسرائيل، من صرف الانتباه عن الموضوع الإيراني، الأمر الذي سيسمح لإيران بمواصلة برنامجها النووي، ومع ذلك يوجد في السيناريوهات المعروضة أيضًا فرص، كنتيجة لضعف المحور الراديكالي، إحداها تغير ميزان القوى في لبنان، وخيار لإعادة تحريك عملية نزع القدرات الإستراتيجية من حزب الله. وفي كل الأحوال، لغرض المضي قدمًا في الفرص المختلفة، المطلوب هو أعمال فاعلة ومبادرات من جانب إسرائيل والولايات المتحدة والأسرة الدولية، على حد تعبير ديكل. الذي يشير إلى أنه عندما تتم دراسة مصالح إسرائيل في سياق الأزمة السورية، تظهر الأهداف التالية: الهدوء والاستقرار الأمني، ونشوء نظام جديد في سوريا يكون مسؤولاً ومستقراً، ويؤدي دوره ولا يكون معادياً لإسرائيل، ويُخرج سوريا من المعسكر الإيراني، ويسمح بنفوذ غربي متصاعد فيها، ومنع تسريب وسائل القتال الإستراتيجية إلى جهات متطرفة قد تلجأ لاستخدامها ضد إسرائيل.

وفي استخلاصات البحث، يقترح الباحث عددا من الخطوات، منها، على سبيل الذكر لا الحصر، بناء شروط لبلورة نظام آخر في سوريا، وذلك من خلال مساعدة القوى المعارضة، والمس بمراكز الدعم والمساعدة لنظام بشار الأسد، كما أنه تتوفر فيه فرصة لمعالجة حزب الله، من خلال دوافع سياسية، واقتصادية وربما عسكرية. إلى جانب ذلك تفعيل مبادرات إنسانية وإقامة قنوات حوار مع صانعي الرأي العام في سوريا ومع قوى المعارضة.

وفي ما يتعلق بالخيار الأمني من جانب إسرائيل، يقول الباحث أنه ينبغي أن يركز على تقليص التهديدات الأمنية، الحالية والمستقبلية. وفي هذا الإطار، إدارة معركة سرية لمنع تهريب وتسريب الوسائل القتالية ووسائل الحرب الكيماوية إلى جهات متطرفة، مع ردع نظام الأسد من مغبة استخدام مواد الحرب الكيماوية ضد مواطنيه، أو تسليمها لحزب الله، وتعزيز عناصر الدفاع في هضبة الجولان وتحسين الجاهزية لمواجهة التحديات الأمنية المتطورة. أما الاقتراح الأخير، الذي يستعرضه الباحث فهو ما يُسميه الوقوف جانبًا، أي أنه لا يزال من السابق لأوانه تأبين نظام الأسد، الذي في كونه ضعيفًا هو خير لإسرائيل، مقارنة مع باقي الخيارات التي هي مجهولة وغير معروفة.

 

 

=================

لم نستخدم الكيماوي بعد.. فقط كنا نمازحكم!

عمر قدور

المستقبل

16-12-2012

يروج مؤيدو النظام السوري رواية مفادها أن قواته قامت بعملية "نوعية ذكية"، فقامت برش مادة الطحين من الطائرات على الثوار في بعض الأماكن، موهمة إياهم أنها تستخدم السلاح الكيماوي، ما أدى إلى فرارهم من أرض المعركة، وبالتالي إلى سهولة القضاء عليهم. وبصرف النظر عن صحة الرواية أو عدم صحتها فإن التباهي بها وحده يؤشر إلى المستوى الوضيع الذي بلغه مؤيدو النظام، وإلى مستوى المخيلة الإجرامية التي باتت تسرح في سوريا من دون خط أحمر، باستثناء تلك الخطوط التي يرسمها الدم السوري، والتي يُنتظر أن تطوق رقبة النظام في النهاية.

لم نستخدم الكيماوي بعد.. فقط كنا نمازحكم! ربما يتعين على السوريين النظر إلى الأمر بهذه الفكاهة، بانتظار أن يتم حقاً استخدام الكيماوي الموعود، وأن تفي القوى العظمى بوعودها الحازمة فيما لو استُخدم. كأن على السوريين أن يتذوقوا لوعة انتظار الكيماوي، ولوعة الموت به، قبل أن يفهم العالم تلك الصرخة البسيطة التي أطلقها مواطن سوري في مستهل الثورة: "أنا إنسان.. ماني حيوان". هكذا ربما تتوقف العقدة السورية عند أسئلة من نوع: هل سيستخدم الكيماوي؟ متى سيستخدمه وهل يملك منه ما يكفي لإبادة السوريين وترويع المنطقة كلها؟ بعد أي عدد من قتلى الكيماوي سيكون العالم جاهزاً لوقف المجزرة؟ وماذا لو اكتفى النظام بالقنابل العنقودية مع القليل من الطحين أحياناً؟!

نعم، وبجدية فظيعة، تتوقف حياة السوريين الآن على الإجابة على هذه الأسئلة، وينتاب غالبيتهم اليقين بأن النظام لن يتورع عن استخدام مخزونه من الغازات السامة، بخاصة بعدما بادر إعلامه إلى اتهام "عصابات إرهابية" بإعداد عبوات من السلاح الكيماوي في تركيا بغية استخدامه في سوريا، وبعدما راسل الأمم المتحدة محذراً من استخدام "العصابات الإرهابية" لمخزونها الكيماوي. فالعصابات الإرهابية، التسمية التي يستخدمها النظام للدلالة على الثوار، لم تعد تكتفي بتفجير المناطق المؤيدة للثورة، ولا بذبح مؤيديها بالسكاكين، لذا ليس مستبعداً وفق هذه الرواية أن تعمد إلى استخدام الكيماوي في عملية انتحار عظمى لها ولمؤيديها. لمَ لا؟ طالما أن أحداً لا يردع القاتل الحقيقي، وطالما أن العالم لا يزال يسمح له بتمرير أكاذيبه من على منصة الأمم المتحدة؟!

لعل أهم ما فعلته التصريحات الدولية بشأن الكيماوي هو التأكيد على أنه خيار جدي بالنسبة إلى النظام، وفي الواقع لم يتلقف السوريون التصريحات الدولية بجدية مماثلة، بل غلبت السخرية على تلقيهم لها، بخاصة وهم يسترجعون تصريحات سابقة بدت حازمة في وقتها وسرعان ما تراجع أو صمت عنها أصحابها. عموماً يدرك السوريون أكثر من أي وقت مضى أن قواهم الذاتية هي التي لها الأولوية في إسقاط النظام، ولم يعودوا يعولون كثيراً، أو أقله عاجلاً، على دعم دولي فعال. فالتصريحات الأخيرة لن تقدم عزاء لمن سيموتون بالكيماوي قبل أن توضع موضع التنفيذ، ولن تردع نظاماً يتوقف يومياً أمله في البقاء على اتخاذ أخطر القرارات وأشدها فتكاً؛ لذا ينظر كثير من السوريين إليها كرخصة للقتل بما هو دون الكيماوي، ويرون قياساً إلى استغلال النظام لما سبق من تراخٍ دولي أنه لن يتورع عن الوقوع في المحظور والمراهنة على الإفلات من العقاب ثانية.

لم تستخدم قوات النظام الطحين على سبيل الخدعة فقط، فهذه مجرد بروفا لاستخدام أسلحة مماثلة، ويتحدث بعض النشطاء عن استخدام الفوسفور الأبيض في أمكنة أخرى، وهناك معلومات مسربة عن قيام النظام بإعداد عبوات صغيرة من الغازات السامة تنتشر في دائرة قطرها نصف كيلومتر. يتزامن هذا مع حملات لمؤيدي النظام على صفحات التواصل الاجتماعي تدعو إلى استخدام الأسلحة الكيماوية، بوصفها أسلحة "نظيفة" تفتك بالبشر ولا تتسبب بخراب كبير، أي تُبقي على ممتلكاتهم غنيمةً لهم. قد نؤوّل هذا على أنه تراجع من قبلهم عن شعار "الأسد أو نحرق البلد"، فالمؤيدون بدأوا يكتشفون وصفة مجزية أكثر لهم، هي إبادة النسبة العظمى من السوريين ووراثة البلد بما فيها، وربما كانوا قد ضاقوا ذرعاً بالضريبة الاقتصادية لحرب النظام التي بدأت آثارها تطالهم أسوة بالآخرين.

في الواقع يبدو الكيماوي هو الحل الأكثر جذرية لأزمة النظام، إذ من المؤكد أنه لن يربح حربه على السوريين بالأسلحة التقليدية التي يتناقص مخزونه منها باطراد. لقد تمكن الثوار من الوصول إلى العديد من المناطق الاستراتيجية والسيطرة عليها، وتمكنوا من السيطرة على قسم لا يستهان به من أسلحته، وقد لا يكون بعيداً اليوم الذي يطوقون فيه آخر المعاقل الأمنية في العاصمة؛ كل هذه الانتصارات، وعلى الرغم من تلكؤها أو تعثرها أحياناً، تؤشر إما على رحيل النظام أو على لجوئه إلى خيارات اليأس الكبرى. يُضاف إلى ما سبق التدمير الهائل الذي أوقعته قوات النظام بالبنية التحتية للبلد ككل، والذي سيجعل إعادة إعمارها من قبل النظام مستحيلة فوق استحالة بقائه؛ الأمر الذي لا يُستبعد أن يدفع برؤوس السلطة إلى التفكير كمؤيديهم، ولعل الأخيرين أكثر فصاحة إذ ينذرون بإعادة عدد سكان سوريا إلى الرقم الذي كان مع انقلاب الأسد الأب، أي سبعة ملايين سوري فقط.

بانتظار ما ستؤول إليه قضية الكيماوي، لا بأس بالاعتراف للنظام بنجاحه في خدعة الطحين. فالثوار، ورغم أنهم يتوقعون منه الأسوأ، لم يتوقعوا ما تفتقت عنه مخيلته الإجرامية. فالطحين، الذي صار سلعة عزيزة في الأسواق وعلى موائد السوريين، بات يُستخدم في قصفهم على سبيل النكاية والإرهاب معاً. لا بد من الإشارة هنا إلى أن سعر ربطة الخبز راح يناهز الأربعة دولارات في بعض المناطق السورية المنكوبة، وإلى أن الأفران في معظم المناطق لا تستطيع توفير المواد الأساسية للعمل، وفي مقدمتها الطحين والوقود. وقد يكون من المفيد التذكير بأن قوات النظام عمدت إلى قصف الأفران بشكل منهجي في العديد من المدن الثائرة، وأن مئات المدنيين قتلوا تحت القصف وهم يصطفون في طوابير طويلة للحصول على الخبز، وأن هؤلاء لن يخطر في بالهم أبداً أن يفتحوا أفواه أبنائهم في انتظار أن تقصفها الطائرات بالطحين.

مع ذلك، ورغم الشكوك التي تساور قضية الكيماوي، ثمة يقين يتجذر لدى السوريين، هو أن النظام ساقط لا محالة. هذا اليقين بدأ يصل حتى إلى مؤيدي النظام، ولعل مطالبتهم باستخدام الأسلحة الكيماوية دليل إفلاس ويأس أكثر من كونها دليل إيمان بالنصر. هنا سيكون على النظام قراءة الأمر جيداً، ورؤية أولئك الذين يريدون الخلاص سريعاً وبأي ثمن، لأن هذا الثمن قد يتعين قريباً بإسقاطه. لن يكون مستبعداً، فيما خلا دائرة ضيقة من المتعصبين والمتورطين بالدم، أن يفكر مؤيدو النظام بأن الخلاص منه هو الحل، ولن يكون هذا بمثابة صحوة جماعية لضمائرهم النائمة، بل سيكون بمثابة انتصار لإرادة الحياة لديهم. في المحصلة قلة فقط تبقي على رهانها على الجياد الخاسرة، وقلة أقل منها بكثير تبقي على رهانها على الجياد الميتة.

=================

من الكسوة إلى زملكا.. ياسمين يضيء العتمة

دمشق ـ صبر درويش

المستقبل

16-12-2012

.. نحن شاركنا في ثورة شعبنا، من منطلق كفانا جلوساً بعد اليوم، كفانا حديثاً حول أننا لا نستطيع فعل شيء، نحن اليوم نناضل على عدة جبهات مجتمعة: نناضل ضد نظام سياسي لم يفعل شيئاً سوى قهرنا وقمعنا، ونناضل ضد تخلف زرعه فينا النظام عبر عقود حكمه السابقة، ونناضل ضد أخطائنا وأخطاء الثوار جميعاً، نحن الآن موجودون في ساحة الفعل، ولا شيء يستطيع اليوم أن يلغي هذا الوجود.

لا تقتصر ثورة الشعب السوري اليوم على اسقاط نظام سياسي، لم يعد مقبولاً لدى أغلبية أفراد المجتمع السوري، بل إن الثورة تجاوزت ذلك، إذ راحت تنطوي على فعل تغيير تاريخي، يصح أن نسميه تغييراً جذرياً. فالثورة السورية أعادت الاعتبار للفرد ما إن حولته إلى فاعل اجتماعي، فساوت بين الجميع على أساس هذه الفاعلية بالتحديد.

وكسائر المدن السورية المنتفضة اليوم، تزخر مدينة الكسوة في ريف دمشق، بالنشاطات الثورية، والتي غالباً ما لعبت المرأة فيها دوراً حاسماً، ناشطات ثوريات يقلن إنهن بتن جزءاً أساسياً من مكونات الثورة. "فالثورة لن تنجح من دون مشاركة المرأة الفعالة بها" تقول خديجة.

فاليوم ينظر إلى المرأة السورية المشاركة بثورة شعبها، مثلها مثل الرجل، لا على أساس مساواتي، بل على أساس الفاعلية؛ وهو مكتسب حققته المرأة السورية في ظل الثورة، نتج عن انخراطها الفعال في هذه الثورة.

خديجة واحدة من الناشطات المهمات في مدينة الكسوة، شاركت في الثورة منذ أيامها الأولى، ومازالت مصرة على الاستمرار، حيث تحدثنا "كانت حياتنا مختزلة إلى الزواج وإنجاب الأطفال، كنا ربات بيوت بالمعنى الدقيق للكلمة، وكثيرات منا لم يكن يسمح لهن بإكمال تعليمهن، ومن تعلمت وتخرجت من الجامعة، كانت تكتفي بتدريس أطفالها، كان واقعاً بائساً ومريراً، على هذا الواقع بالتحديد ثرنا وشاركنا إخواننا في ثورتهم."

إن المراقب الحصيف لسياسات الأسد عبر العقود الماضية، يستطيع أن يلاحظ حجم التخريب المتعمد الذي جرى على المجتمع السوري. فسياسات الأسد لم تفعل شيئاً سوى تفكيك بنية المجتمع وتخلفه، وهي سياسة كانت كفيلة بضمان استمرار سيطرته على المجتمع طيلة العقود الماضية؛ بيد أن الزمن تغير اليوم، تقول خديجة: نضالنا اليوم ليس ضد النظام وحسب، وإنما أيضاً ضد ما زرعوه فينا عبر أربعين عاماً، فيما مضى كنا أشبه بقطيع، يسوقوننا كيفما شاؤوا، بينما اليوم نشعر أننا أصبحنا حرات، فالثورة فجرت أجمل ما في أعماقنا من طاقات، ومن حالات إبداعية، نحن اليوم نعيد صياغة تاريخنا ليس من موقع الضحية، وإنما موقع الفاعل في هذا التاريخ، وهو شيء يجعلنا نشعر بالفخر.

وتتابع خديجة بالقول: ليست الحرية بالنسبة لنا هي إسقاط النظام فقط، بل إن المسألة تتعداها إلى استعادة فاعليتنا الاجتماعية كباقي مكونات المجتمع، نحن لسنا نصف المجتمع، نحن المجتمع بقدر ما الرجل هو المجتمع أيضاً.

تتنوع نشاطات نساء الكسوة الثورية بدءاً بالتظاهر والاعتصامات الميدانية، مروراً بالتجهيز للتظاهرات من كتابة اللافتات وحياكة أعلام الثورة.. إلخ، وصولاً إلى إجراء الاسعافات الأولية للجرحى والمصابين. فهي بذلك موجودة في كل مجالات الثورة المتاحة؛ دخلنا إحدى ورش العمل الخاصة بالتجهيزات، عشرات الناشطات يفترشن الأرض ويعملن بهمة عالية، هناك من يعمل على كتابة اللافتات التي سترفع في التظاهرات، وبعض الناشطات اللواتي يقمن بأعمال يدوية تحمل بصمات الثورة كالميداليات وغيرها، وبعضهن الآخر يقوم بحياكة الأعلام. تقول إحداهن: أشعر بفرح غامر وأنا أقوم بهذا العمل، أكاد اصرخ: أنا أعمل هنا إذاً أنا موجودة.

كل شيء في المكان بسيط حتى التداعي، إلا أن الحاضرين جميعاً يدركون أنهم باتوا جزءاً أساسياً من الحدث وليسوا ملحقين به.

تحدثنا روان وهي معتقلة سابقة عن تجربتها: تقول في بداية الثورة كنا عبارة عن مجموعة صغيرة من الناشطين من شبان وشابات، وكان عملنا يقتصر على النشاط السياسي داخل العاصمة دمشق، كنا نخشى العمل داخل مدينتنا خوفاً من ألسن الناس المحيطين بنا، واعتقلت أنا وزملائي على هذا الأساس، أي كوننا معارضين للنظام، في المعتقل وجه لنا المحقق تهماً أخلاقية كوننا نعمل ذكوراً وإناثاً، وسألنا متهكماً: هل هذه هي الحرية التي تريدون؟ لم أتعرض للتعذيب في تلك الأثناء، ولكن الشبان الذين كانوا معنا تعرضوا لأشد أشكال التعذيب، كنت أشعر أنهم يحاولون استغلالنا والضغط علينا من خلال ذلك، لقد كان الوضع مأسوياً بكل المعاني، كانت الحياة تتقلص أمامي، وكنت أشعر بالعريّ، وكل هذا لم يزدني سوى تصميم على ضرورة رحيل هذا النظام المجرم واسقاطه.

تختم خديجة بالقول يكفينا شرف الموت ونحن في صفوف الثورة الأولى على أن تنتهك كرامتنا ونحن قابعات في بيوتنا، مكتفيات بالصراخ والعويل، فهذا الزمن ـ زمن الخوف ـ ولّى ولن تعود ظروفه.

 

زملكا.. بوابة الصمود

إلى جانب جامع التوبة، تبدو آثار السيارة المفخخة التي اقتلعت الرصيف الموازي للجامع، والتي أودت بحياة أكثر من مائة وستين شخصاً، في مجزرة زملكا، المدينة الواقعة إلى الشرق من العاصمة دمشق، والآن تبدو الحياة هادئة، والبيوت ساكنة كما ودعها سكانها.

في شارع الإتحاد المؤدي إلى إحدى ساحات المدينة، تشاهد "غسالةً" تلوح لك ببابها من بعيد، على ارتفاع خمس طوابق، فقد شطرت قنبلة فراغية البناء إلى نصفين، هوى الأول، وفي الثاني وجدت غرفه نفسها في مواجهة الشارع؛ وعندما تقف في مواجهة البناء المتحطم تواجهك غرف السكان كما تركوها؛ لا تزال ملابسهم في مكانها وحتى الأواني التي وضع فيها الطعام، لا تزال في مكانها، لا شيء تغير، سوى أن السكان اختفوا من تفاصيل المشهد.

يقول أبو صلاح، وهو واحد من ثوار المدينة: "في الاقتحام الأول لزملكا، هربنا جميعاً، وعندما عدت فيما بعد، كانت قوات الأسد قد اقتحمت منزلي، كان باب البيت مكسوراً، والفوضى تعم المكان، حزنت، حتى أنني بكيت يومها، إذ أنني لم أعتد أن ينتهك خصوصيتي أحد؛ في الاقتحام الثاني للمدينة، عدت وكان البيت محطماً بالكامل، كنت أرى أشياءنا متناثرة في كل مكان، بينما قوات الأسد لم تترك شيئاً تستطيع حمله إلا وسرقته، وما لم تتمكن من سرقته حطمته بالكامل بفعل انتقامي واضح، ضحكت.. لا أعرف السبب بالضبط، لكنني كنت أعرف تماماً أن القرار الجماعي كان اتخذ في أثنائه: لن ندع قوات الأسد تدخل المدينة مرةً أخرى".

دمرت قوات الأسد مدينة زملكا بمنهجية قل نظيرها، قصفت خزان المياه الرئيسي، الواقع إلى الجنوب من المدينة، كما تم استهداف محولات الكهرباء الأساسية، أما قوات الأسد العسكرية، فسترابط على مداخل المدينة، مانعةً دخول السلع الغذائية وغيرها.

كل هذا الحصار والدمار المرافق له، سيدفع بالسكان إلى النزوح عن مدينة تفتقد إلى المقومات الأساسية للحياة، سيغادر أكثر من ثلثي السكان، مخلفين وراءهم بيوتهم وأشياءهم، حين غادروا على عجلة من أمرهم.

تبدو شوارع المدينة اليوم، شبه خالية من السكان، ولا شيء في الشوارع غير الركام، ريح شتوية تهز الكابلات الكهربائية التي قطعتها القذائف، وتنثر ملابس من رحلوا بعد أن خُلِّعت أبواب بيوتهم ونوافذها. بينما الموت يتربص في كل منعطف.

من بعيد، تطل علينا مئذنة جامع الرضوان، شامخةً بعد أن أصابتها قذيفة دبابة، شاهدةً على حقد من مرّوا من هنا. من هنا مرّت قوات الأسد، يقول الزجاج المتناثر على الأرض في حارة الشوام، من هنا مرّوا، تقول النوافذ المخلّعة إثر قصف طائرات الميغ، بينما ألعاب الأطفال المتناثرة في كل مكان، فتقول نحن عائدون ولو بعيد حين.

بيد أن المشهد السابق بكل ما يحمله من وجع، لم يمنع الثوار الشبان من الحلم بغد مختلف، حيث يجد الحلم متسعاً كي ينمو بين الركام.

يقول أبو عدي أحد شبان المدينة: "خرجنا من أجل إسقاط النظام، وأنا لا أعلم بالضبط ملامح مشروعنا البديل، بيد أنني أعلم تماماً أن هذا البديل سيحقق العدالة التي ننشد".

يتحدث أبو عدي عن دولة إسلامية، وتبدو اللوحة بالنسبة إليه مشوشة قليلاً، فهو يدرك القيمة الحاسمة للعدالة الاجتماعية، والمفقودة في معادلة حكم الأسد، بيد أنه غير متأكد بعد من طبيعة حاملها السياسي.

يبدو أبو ثائر - أحد قادة الثوار - أكثر نضجاً ووضوحاً، يقولها علناً: نريد بناء دولة مدنية، تتيح إمكانية التعايش السلمي بين مكونات المجتمع السوري جميعها؛ ويرفض التطرف بكل صيغه، معللاً ذلك بأن المجتمع السوري، والشامي بشكل خاص، لم ينتج تيارات متطرفة عبر التاريخ.

يتجادل الثوار حول أدق التفاصيل، إذ خلف خطوط المواجهة اليومية بين الثوار وقوات الأسد، تكثر الأحاديث والسجالات بين الشبان، حول البديل المقترح، وحول ما هو أفضل لسوريا، هناك خلف خطوط المعركة تبدو ثورة الشعب السوري بخير.

=================

من أجل سوريا الغد

يوسف بزي

المستقبل

16-12-2012

من وجهة نظر الفكر التاريخي، سقط النظام الشيوعي يوم 13 آب 1961، عندما اضطر للبدء ببناء جدار برلين، منعاً لتدفق سكان ألمانيا الشرقية، هرباً من الحياة في ظل النظام الشيوعي، إلى برلين الغربية. فأسلوب الحكم وفلسفة بناء الإنسان والمجتمع، كما طرحتهما الشيوعية اللينينية، لم يعودا مقنعَين ولا جذّابَين، على الأقل، إن لم نقل صارا ممقوتين.

لكن السقوط العملي تأخر حتى يوم 9 تشرين الثاني 1989، مع قيام مواطني شطريّ برلين بهدم الجدار، بالمعاول والمطارق، تحت أنظار كاميرات العالم، في لحظة اعتبرها البعض النهاية المبكرة للقرن العشرين، فيما ذهب فرانسيس فوكوياما للقول إنها "نهاية التاريخ".

على هذا المنوال، أو الدرس "التاريخي"، كان يقيننا بأن النظام السوري سقط يوم 18 آذار 2011، مع خروج المواطنين السوريين إلى الشوارع والساحات طلباً للحرية والكرامة. وأما نهايته فهي "مسألة وقت"، كما يكرر الجميع. وبعد مرور سنة وتسعة أشهر على انطلاقة الثورة السورية، وانتقالها الاضطراري والإجباري من طور الانتفاضة المدنية السلمية إلى حال الثورة المسلحة الشاملة، بفعل شراسة النظام ووحشيته ودمويته، تبدو تلك النهاية وشيكة اليوم أكثر من أي وقت مضى.

لذا، نظن أنه ليس من المبكر الآن البدء بطرح التساؤلات أو بسرد المعضلات التي نخمّن أنها ستواجه السوريين وثورتهم بعد سقوط النظام مباشرة. فهي، على الأرجح، أصعب وأضخم من تلك التي واجهها الليبيون بعد النهاية الدراماتيكية لمعمر القذافي. فالحرب الثورية الليبية كانت أسهل وأسرع، وبرعاية وتدخل دوليين. كما أن ليبيا، رغم الطابع القبائلي لمجتمعها، ورغم تمايزها المناطقي بين شرق وغرب، إلاّ أن الاقتتال الأهلي أسبابه ضعيفة، كما أن ضآلة عدد السكان بالتوازي مع الثروة النفطية تتيح معالجة الكثير من المعضلات الاجتماعية والاقتصادية، كما تسهّل عملية إعادة الإعمار وتسرّعها، وتتيح وضع خطط تنموية واسعة وقابلة للتنفيذ. وهذا ما لن يتوافر للسوريين، الذين سيجدون أنفسهم في دولة فارغة خزينتها، وفي مدن مدمرة بالكامل، فيما الخراب يعمّ الأرياف. سيواجهون أيضاً معضلة كبرى في حلّ مشكلة ملايين المهجّرين وكيفية إعادتهم إلى أماكن عيشهم. تلك الأماكن التي باتت تختزن ذاكرة المجازر والقتل والعداوات الأهلية والعائلية، عدا عن انعدام مصادر الرزق وانهيار البنى الاجتماعية وتمزّق نسيج العلاقات. بل وثمة تحديات هائلة، تتصل بالحال في سوريا منذ ما قبل الثورة. فالنظام بسياساته الاقتصادية القائمة على النهب الواسع النطاق، والإهمال المتعمّد لمناطق واسعة من البلاد، وفشل معظم مشاريعه التنموية، حوّل العيش السوري إلى نمط من العمران العشوائي، الذي يفرّغ الريف ويقوّض المدينة. إن إعادة تشكيل سوريا عمراناً واجتماعاً وبيئة ستكون مهمة شاقة وطويلة الأمد.

وأفدح من كل هذا، ستكون المعضلة الأولى والمباشرة هي تشكيل "إدارة" سياسية متوافق عليها وطنياً لقيادة المرحلة الانتقالية. فأداء النخبة السياسية والثقافية أثناء الثورة كشف عن التعثّر المديد لدى هذه النخبة في تنظيم نفسها على نحو فعّال، وعن فقر درايتها بالعمل الجماعي المنظّم، وتبرمها من السياسة وتكتيكاتها، وغياب المهارة الديبلوماسية ونفورها من العقلية التسووية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بحل الخلافات الداخلية. ومهما يكن، وحتى لو أنجز السوريون تشكيل "إدارة" سياسية تحظى بموافقة عامة، فإن مشكلة مباشرة وخطرة ستواجههم هي جمع السلاح ونزعه من أيدي الميليشيات الثورية أولاً، وهذا دونه عقبات شديدة الصعوبة والحساسية، وقد تطيح بالمرحلة الانتقالية برمّتها وتحوّلها إلى فوضى مسلحة وفق النموذج اللبناني. وبالإضافة إلى السلاح "الثوري"، فالمرحلة الانتقالية لا بد أن بنودها الأولى تتضمن عملية مزدوجة: تفكيك النظام الأمني المخابراتي من جهة، وإعادة بناء الجيش من جهة أخرى. إنها العملية الأدقّ، وستمتصّ جهداً كبيراً، وستكون نتائجها فائقة الأهمية في الحفاظ على الكيان السياسي من جهة، وفي تقرير شكل النظام الجديد، والحجر الأساس لإعادة بناء الدولة.

كل هذا يستدعي المخاوف، لكن أعظم المخاوف هي الكامنة في مسألتين معقدتين: الأولى، مواءمة مبدأ وحدة سوريا السياسية من جهة والحقوق الكردية (القومية والثقافية) من جهة ثانية. أما المسألة الثانية، حسبما تؤشر إليه أحوال بلدان الربيع العربي، فهي طموحات "الإسلام السياسي" في فرض نموذجه الأيديولوجي على الدولة والمجتمع سعياً إلى إقامة نظام ثيوقراطي لا ديموقراطي.

فإذا كانت كل من تونس ومصر، وهما الأكثر استيفاء لشروط الأمة ـ الدولة وانسجام المجتمع مع أغلبية مذهبية - دينية حاسمة، تعانيان راهناً من "الإسلام السياسي" بما يهدد وحدة المجتمع وسلامة الدولة، كما يهدد المسار الديموقراطي والحريات، وقد يعيد إنتاج نظام تسلطي مجدداً، فإن سوريا التعددية والبالغة التنوع الإثني والطائفي والديني، قد تجد نفسها أمام جموح الإسلام السياسي (خصوصاً إذا "انتصر" في مصر)، مهددة بالتفتت وبالحروب الأهلية المتناسلة على نحو يفوق النموذجين العراقي واللبناني. لكن قد يحدث العكس، إن اتعظ "الإسلام السياسي" السوري من سوء أداء أقرانه في تونس ومصر، وهذا هو المأمول.

الثورة السورية، تتصف عن حق بـ"القداسة" وتستحق كل تبجيل ممكن. الشجاعة الإستثنائية وروح التضحية والغيرية الفائقة وحس التضامن العالي، ومستوى تحمل الألم والصبر الإعجازي بمواجهة أعتى الأنظمة إجراماً ووحشية.. كل هذا يستحق التقديس.

مع ذلك، ولكي لا يتحول هذا التقديس إلى وثن سياسي، أو نصباً عملاقاً يجثم فوق المستقبل السوري، ولكي لا يتحول إلى "عقيدة" ثم إلى "حزب حاكم" (على مثال شهداء الجزائر وحزب ثورتها)، يجب إنهاء مفعول القداسة ولغتها وشعائرها، من لحظة سقوط النظام، يجب إحالة الثورة إلى ذاكرة وطنية، خاضعة للكتابة التاريخية، لكن أيضاً، وهذا هو المهم، لنقدها وكشف تجاوزاتها وأسباب ارتكاباتها والاعتراف بما اعتراها، وبما ورثة الثوار، حكماً، من أفاعيل النظام وإرثه في السلوك والتفكير.

هكذا، في سوريا، ما بعد النظام، سنجد طريقاً طويلة ومتعرجة ووعرة ومليئة بالمخاطر المهلكة يسير فيها السوريون من محطة طلب الحرية والتحرر إلى نهاية مطاف بناء الأمة ديموقراطياً.

إنها المسافة المتعبة بين مهمة اسقاط نظام فاسد ومستبد وبين بناء برلمان وتحديث التعليم وتشييد المؤسسات وكتابة الدستور وتنصيب القانون والقضاء.. انها المسافة التي سيجتازها السوريون من مرحلة تحرر المواطنين إلى مرحلة وفاق المواطنين وتعاقدهم على هوية ونظام ودستور يليق بتضحياتهم وأحلامهم.

وهذا كله يستحق ثورة.

=================

يجب تسليح المتمرّدين السوريين .. إنه رهان خطير لكنه ضروري

المستقبل

16-12-2012

مع إنزلاق الصراع في سوريا نحو المزيد من التعقد والغموض، أصبح من واجبنا إعادة تقييم الخيارات المتوفّرة. في غياب حل سياسي وإحتمال تدخل عسكري مباشر خطير وغير مضمون النتائج، لم يبق غير طريقة واحدة لإنهاء الصراع، وهي تتلخص بتسليح المتمردين السوريين. الذين يفضلون أن لا يفعلوا شيئاً، والاكتفاء باستنكار وقوع الف ضحية كل اسبوع، هؤلاء لديهم عدة اعتراضات:

1 ـ ألم يسبق وأن تلقى المتمردون سلاحا؟ ان استخدام المتمردين المتقطع للسلاح المضاد للطيران غذى مخيلة "التآمريين"، الذين يجدون في هذا السلاح أيادي "الغرب". اما الواقع، فهو ان هذه الصواريخ من صناعة روسية، غنمها المتمردون من القواعد العسكرية النظامية. هذه الصواريخ لا تأتي لا من الدول الغربية ولا من ممالك الخليج ولا حتى من ليبيا.

2 ـ إن تسليح المتمردين فسوف يتسبّب بوقوع المزيد من الضحايا. انه الاعتراض الأخلاقي الأساسي، وهو يعتمد على منطق حسابي يقول بأن السلاح يقتل غالبا المدنيين. وبالتالي فان إرسال السلاح سوف يضاعف من عدد الضحايا. ومشكلة هذا الحساب انه يفترض بأن الامتناع عن إرسال السلاح سوف يقلّل عدد الضحايا. وهو أمر ليس صحيحاً إلا في أوقات السلام.

أما خلال الحرب، فقد يؤدي عدم إرسال سلاح الى احد الاطراف المتنازعة الى مزيد من الضحايا. وهذه مفارقة. تلك هي تماماً الحالة السورية، حيث يسود الاعتقاد بأن إرسال سلاح الى المتمردين سوف يقلب ميزان القوى وينهي الصراع.

لكن النظام يستطيع ان يقاوم طويلا، على الرغم من إنشقاقات العسكريين. فهو يتلقى غذاءه من الروس والايرانيين و"حزب الله". ما يعني ان احتضاره سيكون طويلا... بما ان نهايته مؤكدة. فهو يعلم بأنه ذهب بعيدا جدا في جرائمه، ولم يعُد له شيئا يخسره. بوسعنا إذن توقّع المزيد من القتال والمزيد من الشراسة.

إن عدم إرسال السلاح الى المتمردين سوف يتسبّب بصورة غير مباشرة بوقوع المزيد من الضحايا. ليس فقط لأنه سوف يطيل النزاع، إنما ايضا لأنه سوف يزيد حظوظ التدخل العسكري المباشر. بالتأكيد، كلما طال النزاع، كلما زادت إحتمالات لجوء الأسد للسلاح الكيماوي كحل أخير، ما سوف يطلق ردود فعل عالمية أكثر تدميريةً.

3 ـ إرسال سلاح "ثقيل"، هل يشكل خطرا على المدنيين؟ كلا، لأن هذا السلاح أدق من السلاح "الخفيف"، وأقل عشوائية. إن إرسال شاحنات محمّلة بالكلاشنكوف سوف يتسبب بموت اطفال أكثر مما لو أرسلت صواريخ مضادة للدروع وللطيران، والتي لا تستهدف غير العسكريين.

عادة لا يوجد مدنيين داخل الدبابات أو الطائرات المقاتلة. ما يمكن التخوف منه بالمقابل هو وصول هذه الصورايخ، الى أيادي مجموعات إرهابية تستخدمها ضد المدنيين.

4 ـ ألا يعني ذلك بأن تسليح المتمردين يعني تسليح الارهابيين؟ سؤال تطرحه التجربة الافغانية، عندما أرسلت المخابرات الاميركية ستمئة صاروخ "ستنغر" للمجاهدين، وضاعت تماماً... ان السلاح المضاد للطيران هو السلاح المفضّل لدى الارهابيين. والخطر الرئيسي، في حال إرسال السلاح هو وقوعه في أيادي إرهابية، وإمكانية أن يستخدموه ضد الطيران المدني، كما حصل في ممباسا في كينيا عام 2002 على يد تنظيم "القاعدة".

هذا خطر حقيقي، ولكن يبالغ به رافضو إرسال السلاح، حيث يساوون بين المتمردين وبين تنظيم "القاعدة"... وهي مساواة توائم تماما لعبة النظام الاعلامية. الاعلام الغربي افتعل ضجيجا حول شريط الفيديو الذي يصور رجالا يعلنون عن انتمائهم الى مجموعات إسلامية ترفض "مؤامرة الائتلاف الوطني" وتدعو الى "إقامة الدولة الاسلامية". إلا ان التنظيمات المعنية بالفيديو أصدرت بعد ذلك تكذيبا عن الشريط بأسره، وقد اعتبرته مفبركاً.

والواقع انه صار ممكناً تسليح الائتلاف الوطني السوري بشرط ضمان سيطرته على هذا السلاح وتأطير أجهزته (...).

إن تسليح المتمردين السوريين ليس من الاعمال المثالية. غرضه درء الضرر. "ليس الصرع أبدا بين الخير والشر، إنما بين المفضّل والمكروه"، كان يقول آرون. المكروه هنا هو أن لا نفعل شيئا، أو أن نزعم الإيمان بالحل السياسي. ذلك انه كلما طالت الحرب، كلما تجذر المعارضون وصارت مرحلة ما بعد الأسد أكثر صعوبة. والمفضل في هذه الحال، حيث الخيارات محدودة، هو تسليح المتمردين، دعمهم بقواتنا الخاصة وخوض الحرب بالوكالة.

 

[جان باتيست فيلمير ـ صحيفة "لوموند" الفرنسية (8 كانون الثاني 2012)

 

 

=================

متى سيهرب السفير الروسي من دمشق؟

خالد الحروب *

الأحد ١٦ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

من شبه المؤكد ان لدى السلطات وأجهزة الامن الروسية خططاً مفصلة الآن حول كيفية تأمين هرب السفير الروسي من دمشق وطاقم السفارة. السؤال المطروح حالياً هو حول التوقيت ليس إلا. أما لماذا سيهرب السفير الروسي، فهذا مفهوم، ذلك انه سيتوقع محاصرة الجموع السورية لسفارته وربما حرقها في اليوم نفسه الذي يسقط فيه بشار الاسد ونظامه. وأما ما هو غير مفهوم تماماً فهو وقوف موسكو نفسها وسياستها الفجة والرعناء في مواجهة الشعب السوري بأسره طوال عامي الثورة، ومغامرتها بالوقوف مع نظام مافيوي كريه طوال تلك الفترة وحتى الآن على رغم ان سقوطه بات امراً لا يختلف عليه اثنان.

هذه الايام تتواتر الأخبار عن المواقف الروسية الجديدة التي تقول ان النظام في سورية يتداعى بما يشير الى تخلي موسكو عن حليفها المُخيّب للآمال، وهي مواقف لا تزال مترددة، يصرّح بها بعض اركان السياسة الروسية، فيما ينكرها البعض الآخر. لا نعرف مغزى اطلاق التصريح ثم نفيه ولا نعرف إن كان لدى موسكو الوقت الكافي لمثل هذا التلاعب والمهاترة. لكننا نعرف الآن، وفي شكل مدهش، ان السياسة الروسية دخلت طوراً طويلاً من الحماقة صار يعز عليها ان تخرج منه، وذلك منذ ان اسرفت في تسطير سياسة مؤيدة لنظام الاسد وقد كانت سياسة معروفة النهاية ومعروفة الخسائر منذ البداية. ونعرف الآن ان الدعم الروسي-الايراني المتواصل للنظام لم يؤدّ إلا الى تواصل الثورة السورية وتصميمها على الخلاص من النظام، واعتبارها ذلك الخيار الوحيد الذي امامها. كيف استبد العناد والعنجهية بصناع القرار في موسكو على رغم وضوح عناصر الصراع ومستقبله، ولماذا يقبل الروس خسارة الشعب السوري كله والرهان على عصابة مصيرها السقوط المدوّي، ويقبلون بالتوازي تأكيد وتعميق تلك الخسائر الاستراتيجية الروسية المستقبلية؟

هناك بالطبع سلسلة طويلة من الاجابات تبدأ بقصة «الخداع» الذي اكتشفته روسيا في السياسة الغربية عندما تحالفت معها ضد القذافي، ولا تنتهي بالتقديرات الاستراتيجية التي تتسع لتشمل الضغط على واشنطن في مسائل إقامة شبكات الدرع الصاروخية في الجوار الروسي، الى محاولة المحافظة على سورية كمحطة تمر فيها انابيب الغاز والنفط الروسي (عبر إيران والعراق) وبالتالي تقصير المسافات الطويلة عبر المضائق البحرية الاخرى. عناصر الاجابات تلك صحيحة بالتأكيد، لكن جمعها الى بعضها بعضاً لا يقود الى بناء استراتيجية وسياسة مقنعة تقف الى جانب النظام المكروه من شعبه. كل التحليلات التي تفسر موقف موسكو انطلاقاً من المصالح الروسية الحيوية في سورية لا تقدم لنا سوى نصف الصورة. سبب ذلك واضح وهو ان ابجديات السياسة البراغماتية والمصلحية والتي لا تحتاج الى عبقرية تحليلية تقول ان المحافظة على تلك المصالح الحيوية تستدعي المراهنة على «الحصان الرابح».

طور الحماقة الذي دخلته السياسة الروسية الشرق اوسطية بدأ مع النذر الاولى للربيع العربي في تونس ثم مصر. في هذين البلدين قامت ثورتان شعبيتان ضد نظامي حكم مواليين للولايات المتحدة، البلد الذي تخوض روسيا ضده حرباً باردة جديدة، وتحاول كبح جماح نفوذه في مناطق العالم، والاصطدام معه في سياسات متنافسة هنا، او الوصول معه الى سياسات مقايضة هناك. في سياق كهذا، كان من المتوقع ان تقفز السياسة الروسية مباشرة لتأييد الثورتين التونسية والمصرية وتكون النصير الاول لهما على امل ان تؤسس لموقع نفوذ جديد على حساب الولايات المتحدة التي تخسر حليفيين مهمين في آن معاً. بدل ان تقوم بذلك، وفقاً لألف باء سياسات التنافس الدولي والاقليمي، تجمد الدب الروسي في مقاعد المشاهدين واكتفى بدور المراقب، فيما الولايات المتحدة تسارع في تبديل سياستها التحالفية مع نظامي بن علي ومبارك مائة وثمانين درجة وتتخلى عنهما في ظرف اسابيع قليلة. استطاعت واشنطن عبر سياستها البراغماتية المرنة ان تنتقل من مربع القول بأن النظامين المذكورين يتمتعان بالاستقرار والسيطرة على الامور الى القول بأن عليهما ان يرحلا – كل ذلك، مرة اخرى، في ظرف قياسي من الزمن. في تلك الأثناء، لم يسمع احد عن شيء اسمه روسيا! كانت «تراقب الوضع» عن كثب. نجحت الثورتان التونسية والمصرية ثم الليبية بعدهما ونتجت اوضاع ما بعد الثورات مع قوى سياسية كانت حتى الامس القريب من ألد أعداء الولايات المتحدة. لكن واشنطن بدلت نظرتها حتى للإسلاميين وقبلت بهم في الحكم وتعاملت معهم. وروسيا «تراقب عن كثب».

وعندما قررت موسكو اخيراً ان تنشط في الربيع العربي دعمت الطرف الخطأ وراهنت على الحصان الخاسر منذ اللحظة الاولى، واصطفت الى جانب اكثر الانظمة ديكتاتورية وكرهاً – نظام الاسد الفئوي والعصبوي. وعلى رغم كل المؤشرات التي دلت ولا تزال تدل على ان الشعب السوري دخل معركة حياة او موت ضد النظام المُستبد بما يعني ان نهاية النظام آتية لا محالة، وموسكو تعتبر ان المعركة معركتها هي وليست معركة النظام. أطّرت موسكو مناصرتها لنظام الاسد في سياق صراع القوة العالمي الذي تخوضه مع واشنطن، ولإثبات ان لها قولاً وسطوة في الاجندة العالمية، وليكن الشعب السوري هو من يتحمل هذه العجرفة الامبراطورية وليسقط عشرات الألوف منه. لكن بالتوازي مع هذه العنجهية، فإن طور الحماقة ظل يولّد جوانب مثيرة ومدهشة ويؤكد عمق «الحمق». فالموقف الروسي المؤيد للنظام ضد «التدخل الخارجي» قدم ذريعة ولا اروع للغرب والولايات المتحدة التي لم تفكر اصلاً بالتدخل العسكري ولا هي أيدته. بمعنى آخر، اتصف الموقف الغربي والاميركي بخذلان الثورة السورية والتفرج على بطش النظام المتصاعد بسبب حساباته المعقدة (من سيخلف الاسد، ومنعكسات ذلك على امن اسرائيل، وسوى ذلك)، لكن الموقف الروسي قدم الغطاء الجوي لذلك الموقف، حيث اصبحت موسكو هي العقبة الظاهرية التي تمنع الغرب من تأييد الثورة السورية والتدخل الفعلي لنصرتها.

سوف يرصد مؤرخو السياسة الروسية موقفها من الربيع العربي ومن الثورة السورية على وجه التحديد الى جانب سجل عريض من السياسات والمواقف التاريخية التي كانت تأتي بعكس ما تستهدفه، حيث الوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ. روسيا القيصرية (في عهد بوتين) الحائرة والقلقة والمتوترة، وهي خصائص تنتج سياسات حمقاء بطبيعة الحال، تعيد انتاج الحيرة والتوتر السوفياتي في اكثر من مرحلة وحقبة تاريخية. في عشرينات القرن الماضي وثلاثيناته وأربعيناته وعندما كانت حركات التحرر الوطني في آسيا وافريقيا تخوض حروباً طاحنة ضد الاستعمار الاوروبي، البريطاني والفرنسي والايطالي والبرتغالي والبلجيكي، وقفت موسكو تتفرج! كانت حركات التحرر الوطني في امسّ الحاجة الى حليف دولي يقف الى جانبها، لكن موسكو كانت ترى ان المعركة الحقيقية ضد الامبريالية يجب ان يتم خوضها داخل المتروبول الاوروبي وتقودها الطبقة العاملة ضد الرأسمالية المحلية التي إن انهارت، فإن الامبريالية والاستعمار الخارجي سينهاران. كانت نتيجة ذلك الموقف، الذي تبدل ببطء لاحقاً، ان حركات تحرر كثيرة اضطرت للوصول الى صفقات مع المستعمر لا تلبي كل الطموحات الوطنية.

عندما كانت كل الحركات التحررية والشيوعية العالمية في ثلاثينات القرن الماضي قد اندرجت في حرب معولمة ضد الفاشية تحالف ستالين مع هتلر عام 1939 فأربك كل تلك الحركات وأفقدها صدقيتها، ووجه لها ضربات قاصمة في اوطانها. كانت تلك الضربة قد جاءت بعد سلسلة من الضربات والاحراجات المقبلة من موسكو لكل القوى الشيوعية والتقدمية في العالم وفي المنطقة العربية، حيث قرارات الكومنترن (الاممية الشيوعية) تحظر لفترات طويلة على الاحزاب الشيوعية في العالم ان تقيم تحالفات مع اي من الاحزاب الوطنية (لأنها تنتمي الى البرجوازية الصغيرة)، ثم تعود لتسمح لها بعمل تلك التحالفات. ذلك وغيره كثير لا تتيحه هذه المساحة يسوغ لنا ملاحقة خيط من التردد والحيرة والحمق الذي كثيراً ما كان يقود الى سياسات كارثية، بعضها مثل غزو افغانستان، عجل في نهاية الاتحاد السوفياتي بأسره. إن لم يتعلم بوتين المهجوس بالقيصرية سريعاً، فإن سياساته ستكون وبالاً على روسيا كلها.

=================

ماذا بعد رحيل الأسد؟

المصدر: صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركية

التاريخ: 16 ديسمبر 2012

البيان

من المرجح أن العالم سيشاهد قريباً سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد على أيدي الثوار المسلحين، ولكن هناك أمراً واحداً لا يستطيع العالم احتمال حدوثه، وهو الانتقام العنيف من الأقلية العلوية وغيرها من الأقليات التي أيدت الأسد بشكل إيجابي. لن يكون الانتقام الجماعي في بلد يضم 23 مليون نسمة، مجرد مسألة تتعلق بحقوق الإنسان، إذ ان عنفاً طائفياً كهذا، بالنظر إلى دور سوريا المركزي في الشرق الأوسط، يمكن أن يمتد إلى الدول الإسلامية المجاورة، ويمكن للقوى العالمية أن تجر إلى النزاع.

ومن شأن منع الانتقام في سوريا محررة، أن يعطيها بداية جيدة لتشكيل مجتمع يقوم على سيادة القانون، إذ يجب توجيه مشاعر الانتقام عبر مؤسسات قضائية شرعية.

ونظراً للحركة السريعة للأحداث ضد الأسد، فإن هذا التخوف من عدالة الشوارع المبنية على أساس "العين بالعين"، يحتاج إلى أن يتم التعامل معه بسرعة. فالمعارضة السياسية المؤيدة للديمقراطية قد توحدت، وكذلك الأمر بالنسبة للعديد من جماعات الثوار، وروسيا تبدو وكأنها تسحب دعمها للأسد، والثوار يضيقون الخناق على دمشق.

وقال الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، إن العالم يجب أن يحرص على عدم السماح لهذا الصراع بأن ينتهي بالسعي للانتقام من جانب الأغلبية السنية في سوريا، فيما قالت الناشطة السورية سهير الأتاسي أخيراً، إنه يتعين على قادة المعارضة أن يبدأوا الآن في مصالحة العلويين وغيرهم، وأضافت: "ما سيحدث بعد سقوط النظام سيكون حصاداً لما نزرعه اليوم".

وقد يبدو الانتقام أمراً طبيعياً، بالنسبة لكثير من السوريين الذين نادوا بالديمقراطية على مدى الأشهر الـ21 الماضية. فقد شُرد سوري من بين كل 12 سورياً من منزله أو أُجبر على الفرار من البلاد، كما قتل حوالي 40 ألف سوري على يد جيش يقوده العلويون أو عصابات علوية. وبالإضافة إلى ذلك، فقد كرهت الغالبية السنية العقود الأربعة التي أمضتها تحت حكم عائلة الأسد ومجتمعها الضيق من العلويين. ويمكن لبدء صراع سني-علوي في سوريا، أن يشعل توترات مماثلة في جميع أنحاء المنطقة.

ولحسن الحظ، فقد بدأت الحركة المؤيدة للديمقراطية في سوريا بهتافات تقول "سوريا واحدة"، فالشعور بالوحدة الوطنية يمكن أن يساعد على قمع أية أعمال عنف قد تتبع الثورة. لذا فإنه يتعين على معاذ الخطيب، وهو واعظ سني بارز يرأس المعارضة، ولديه سجل حافل بالسعي للمصالحة بين الطوائف، أن يؤكد للعلويين الآن أن مصالحهم الاقتصادية لن تنتزع منهم.

ويمكن للأمم المتحدة والقوى الكبرى أن تساهم في دعم هذه التوجهات، في طريقة عملها على إخراج الأسد من سدة الحكم، أو الشروط التي ستضعها لمساعدة الثوار. وقد بدأت الأمم المتحدة بالفعل بتتبع جرائم حرب معينة في سوريا، على أمل تسمية مرتكبيها. ولكن لا بد من بدء محادثات بشأن سبل تشكيل لجنة حقيقة وهيئة ادعاء، لاستهداف أولئك الذين ارتكبوا فظائع في سوريا بشكل مباشر.

 ولا ينبغي السماح للمنتصرين في هذا الصراع، بأن يفعلوا ما فعله الأسد بشعبه، أي تنفيذ عقوبات جماعية على مجموعات كاملة من الناس. الانتقام عاطفة تحتاج إلى إجراء تعويضي متجذر في القانون الإنساني الدولي، وقد نجح العديد من البلدان، مثل جنوب إفريقيا، في تجنب عمليات الانتقام الشامل بعد فترة طويلة من قمع مجموعة ما لمجموعة أخرى بالقوة، ويجب إضافة سوريا إلى سجل النجاح هذا.

=================

جدلية الديني والسياسي في الثورة السورية وما بعدها

هل يمكن أن يكون في تلك الجدلية كمونٌ يجبر السوريين على مواجهة تحدي البحث عن (نموذج جديد)؟

د. وائل مرزا

الأحد 16/12/2012

المدينة

يوماً في إثر يوم، تفرضُ جدلية الديني والسياسي نفسها على الثورة السورية بشكلٍ يتطلب المواجهة الصريحة للموضوع.

هذه حقيقةٌ بات الاعترافُ بها مطلوباً. بعيداً عن الشعارات والأوهام والأمنيات.. لأن الإصرار على إنكارها في هذا الواقع إنكارٌ للواقع ذاته. وإنكارُ الواقع لا يؤدي إلا إلى الفوضى. في حين أن التسليم بوجود تلك الحقيقة قد يؤدي إلى استيعابها والتعامل معها بشكلٍ يحقق مصلحة سوريا الحاضر والمستقبل.

فالتطورات المتسارعة في الواقع السوري تُبرز بشكلٍ متزايد حضور جدلية الديني والسياسي، إلى درجةٍ تدفع للتساؤل: لماذا تفرضُ هذه الجدليةُ نفسَها على الثورة السورية بهذه الحدّة؟ هل صحيحٌ أن الأمر لايعدو أن يكون (لعنةً) أصابت ثقافةَ البلد وحاضرَها ومستقبلها كما يرى البعض؟ أم أن دلالات الظاهرة أكبر من أن يتمّ اختزالها في ذلك التفسير الهروبي الخفيف؟

بكلماتٍ أخرى: هل يحاول التاريخ أن يقول للسوريين شيئاً؟ هل تحاول التجربة البشرية أن توصل إليهم رسالة معينة، ولو من خلال الضجيج؟

وباختصارٍ ووضوح: هل يمكن أن يكون في تلك الجدلية كمونٌ يجبر السوريين على مواجهة تحدي البحث عن (نموذج جديد)؟

ليست صناعة التاريخ ولا صناعة نماذج الحياة حكراً على أحد في هذه الدنيا. فلماذا نهرب من مواجهة ذلك السؤال؟

يفهم المرء تخوّف البعض من الروح (الرسالية) حين تتلبّس بعض أفراد المجتمع أو جماعاته المنظّمة، لأن نتيجة ذلك التلبّس كانت مأساويةً في كثيرٍ من الأحيان. ففي وجود شروط فكرية وثقافية موضوعية معينة، تساعد الروح الرسالية على صناعة التاريخ والحياة. أما في غياب تلك الشروط، كما كان عليه الحال في الواقع السوري والعربي، فقد صارت الروح الرسالية نـقمةً على أهلها حيناً، ونـقمةً على العالم بأسره حيناً آخر..

فباسم الرسالة القومية، نتج التسلط السياسي، ومعه التخلف الاقتصادي والاجتماعي على كل صعيد. وباسم الرسالة الدينية، نتجت العزلة عن الآخر في اتجاه (الأنا)، وعن الدنيا في اتجاه (الآخرة)، وعن الحاضر والمستقبل في اتجاه (الماضي). وباسم رسالة الحداثة والعصرنة والتحضّر، نتج ضياع الهوية حيناً، وضياع البوصلة حيناً آخر.

هذا ماتفعله الروح الرساليّة عندما تتملك العقل الذي لايعرف الحلول الوسط، ويعالج ردود الأفعال بردود الأفعال..

لكن هذا لايعني أن يتمثل الخيار البديل في (الاستقالة) الحضارية بشكل كامل. فتلك هي عقلية الثنائيات المتقابلة التي تحاصر واقعنا وتخنقه، حين نقفز على الدوام على أي خيارٍ ثالث.

الواقع السوري الراهن، كما هو الواقع العربي، مسكونٌ بهاجسي (الدين) و(السياسة)، رضي من رضي وكره من كره.

فقد تمنى البعض من السوريين والعرب في يومٍ من الأيام بأن يصبح (الدين) شيئاً من الماضي. وتشكّل لوهلةٍ واقعٌ أوهمهم بإمكانية تحقيق ذلك الحلم. لكن الحياة البشرية أفرزت واقعاً آخر سرعان ما محا تلك الأوهام. حيث عاد الدين اليوم ليزاحم كل انتماء وكل فكرة، وليجد لنفسه تأثيراً في كل موضوعٍ وقضية.

لم يعد بالإمكان تحييد (السياسة) في زمن الثورات العربية الراهن. وهذا يفرض البحث في جدلية الديني والسياسي في العالم العربي، على أن تكون مهمة هذا البحث تقديمَ نموذج (استيعاب) و(استجابة) جديد، هدفُهُ تمكين السوريين من التعامل مع قضاياهم بحدٍ أدنى من العقلانية والواقعية. فقط. لا أكثر ولا أقل في هذه المرحلة.

لا نتحدث هنا عن مثاليات طوباوية. ورغم ضرورة الإيمان بإمكانية أن تقدم سوريا مع الأيام مساهمة حضارية متميزة، وتمتلك دوراً تاريخياً فريداً، إلا أن الواقعية تفرض منطقاً لايمكن القفز على متطلباته الملحّة والعاجلة.

فالبحث هنا ليس فيما (يجب أن نكون). بل عما يجب أن نفعله أولاً كحدٍ أدنى لـ (نكون).

وهذا لايتحقق إلا عبر إعادة التفكير بهدوء في عناصر تلك الجدلية التي تفرض نفسها باضطراد. وإعادةُ التفكير بدورها لن تكون ممكنة إلا إذا استطاع المثقفون والساسة السوريون، من مختلف المدارس الفكرية والأيديولوجية، تجاوز مواقفهم الصارمة المحدّدة المعروفة تجاه تلك الجدلية.

يبدأ الأمر من مقدماتٍ عامة تُظهر على الأقل ماهو ممكنٌ أو غير ممكن.

إذ لا يبدو ثمة إمكانية بعد الآن لإضفاء القداسة على الممارسة السياسية باسم الدين، أو التعامل مع السياسة بمنطق المُطلقات التي لاتقبل النقاش، أو من خلال التصورات والأحكام الطهورية كما يريد البعض..

بالمقابل، لا إمكانية للنظر إلى (الديني) بمنطق (الرفض المبدئي) المبني على مزيجٍ من الشعورٍ بالفوقية تجاهه ومشاعر الخوف والحذر منه. ولا مجال لرفض أي علاقة للسياسة بالدين أو للدين بالسياسة. كما يريد البعض الآخر..

لا إمكانية للتعامل مع جدلية الديني والسياسي من مثل تلك المنطلقات بعد اليوم.

واضحٌ إذاً أننا بحاجة إلى الكثير من المرونة والكثير من الموضوعية والكثير من التجرد والكثير من الحوار.

ربما كانت هذه الشروط صعبة. ولكنها ليست مستحيلة.

نعرف جميعاً أن من الصعب على شرائح من المثقفين والساسة السوريين، من مختلف الانتماءات، التزحزح عن مواقعهم الفكرية.. ولكن الأمر لايتطلب ذلك النوع من الإجماع. فالمسألة تتعلق بالنوع وليس بالكمّ. وهي أولا وقبل كل شيء (موقفٌ) ثقافي لايمكن إلا أن نترك للتاريخ الحكم عليه. و ربما يكفي أن توجد بعض الشرائح المستعدة لتحريك الراكد لكي ينطلق القطار. عندها، يصبح الآخرون أمام الخيار المعروف بين القفز إليه في آخر لحظة أو الحياة بعد مغادرته في قاعات الانتظار.

=================

الأكراد يتأرجحون بين سوريتهم وكيان يخصهم!

فايز سارة

الشرق الاوسط

16-12-2012

يميل أغلب السوريين الأكراد إلى تأكيد الانتماء إلى سوريا، وهو أمر لا يحتاج إلى إثبات في سلوكهم العام وحياتهم اليومية في مختلف المدن والقرى، حيث يتعاملون مع تلك المدن والقرى ومع المقيمين فيها على نحو ما يتعامل بقية السوريين. وتتضمن برامج وأدبيات الجماعات السياسية الكردية السورية، تأكيدات الانتماء إلى سوريا شعبا وكيانا، وهو ما تتضمنه صراحة مواقف وتصريحات معظم قادة وكوادر الجماعات السياسية الكردية إن لم نقل كلهم، والخلاصة في المستويين الشعبي والسياسي، أن الأكراد جزء من المكون السوري، كغيرهم من الخلفيات القومية الأخرى من العرب والآشوريين والشركس والأرمن والتركمان الذين ارتبطوا معا، ونظروا إلى سوريا باعتبارها وطنا لهم يتشاركون مواطنتها مع الآخرين.

غير أن النسق الاندماجي للأكراد السوريين، يعاني من اختلاطات سياسية وعملية في معظم الأحيان، لعل الأبرز فيها سعي الأكراد إلى تخصيص أنفسهم سياسيا بالمطالبة بكيان فيدرالي، كما يخصون أنفسهم بضرورة الاعتراف الدستوري بهم باعتبارهم «قومية ثانية» في البلاد، إضافة إلى مساعيهم المستمرة إلى إقامة تكتل سياسي قومي، يبدأ في وحداته الصغيرة من إقامة أحزاب محصورة عضويتها على الأكراد، ثم تتصاعد إلى إقامة ائتلافات أو تحالفات لجماعات كردية وصولا إلى تحالف واحد على نحو ما يمكن النظر إلى «اتفاقية هوليير» 2012 التي تم توقيعها برعاية مسعود برزاني رئيس كردستان العراق بين المجلس الوطني الكردي السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي PAD من أجل سياسة وممارسة عملية واحدة للأكراد في سوريا.

والخصوصية السياسية عند الأكراد السوريين تجد لها ما يدعمها في سلوكيات التوازي الكردي مع ما هو قائم ويقوم من هياكل سياسية واجتماعية ومدنية في البلاد، وهو سلوك تعزز على نحو واسع في سنوات العقد الماضي، وعلى سبيل المثال، فإن إقامة المجلس الوطني السوري كانت حافزا للجماعات الكردية في تأسيس المجلس الوطني الكردي على نحو عاجل، بل إن ذلك تم على أرضية انسحاب الأحزاب الكردية من عضوية تحالفي المعارضة السورية الرئيسيين آنذاك وهما إعلان دمشق وهيئة التنسيق، وانضمامها إلى المجلس الوطني الكردي، وقبل ذلك بسنوات طويلة، كان حقوقيون أكراد شكلوا منظمات حقوقية كردية في سوريا، فيما شكل مثقفون هيئات ثقافية كردية، ومنذ اندلاع الثورة السورية سعى أكراد إلى تأسيس تنسيقيات وتحالفات ثورية ومنابر إعلامية، اقتصرت في عضويتها على الأكراد، وتخصصت بالمناطق الكردية أو ذات الأغلبية الكردية، وقد زاد على ذلك قيام حزب الاتحاد الديمقراطي PAD الرديف السوري لحزب العمال الكردستاني p.k.k بتشكيل ميليشيا شبه مسلحة، هدفت إلى عزل المناطق الكردية وحمايتها كما قيل، وكان من آخر التكوينات التي تم تأسيسها على هامش الثورة المجلس العسكري الكردي المشترك في سوريا مباشرة بعد تأسيس المجلس العسكري السوري بداية ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وان كان لما سبق من دلالة، فهو يشير إلى سعى الأكراد السوريين إلى تأكيد وجودهم وحضورهم المميز والخاص في الحياة السورية وهذا حق أساسي لا يمكن النقاش فيه، وليس من حق أحد ممانعتهم في ذلك، لكن من المهم رؤية على أي أساس يتم ذلك، فإذا كان على أساس أنهم جزء من التكوين الكياني والسكاني، فإنه ينبغي أن يتم ذلك في أطر مؤسسات سورية موحدة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو عسكرية، يكون الأكراد فيها حاضرين ومشاركين كغيرهم من بقية السوريين، وهذا أمر قائم في الكثير من المؤسسات السورية السياسية والاجتماعية والثقافية، والأبرز في ذلك وجودهم في الائتلاف الوطني والمجلس الوطني وفي التحالفات الأخرى، التي تسعى إلى رسم مستقبل مشترك لكل السوريين يقوم على المشاركة والعدالة والمساواة.

أما تأكيد وجود وحضور الأكراد في الحياة السورية على أساس التوازي السياسي والمؤسساتي وفي ظل المطالبة بالفيدرالية والاعتراف بهم «قومية ثانية» في دولة فوق القوميات كما هي سوريا المقبلة، فإن ذلك يؤسس ويعزز توجه الأكراد نحو الانفصال عن سوريا، وهو ما لا تتبناه الأكثرية الشعبية الكردية ولا أغلب الجماعات السياسية كما هو معلن، الأمر الذي يشير إلى الالتباس الحاصل في الموقف الكردي العام في التأرجح بين خيار تأكيد سورنة الأكراد وبحثهم عن كيان يخصهم.

إن ميل السوريين، كما بينته الثورة السورية في عامين من عمرها، هو تأكيدهم الحفاظ على تنوعهم وتعدديتهم، وهو توجه لم يخص منطقة واحدة، ولا جماعة أو فئة، الكل هتفوا للكل وتضامنوا معهم بالقول وبالفعل، الأمر الذي يعني في الموضوع الكردي حرص السوريين على وجود وفاعلية الأكراد في إطار نسيجهم الوطني وحقهم في الحصول على كل حقوقهم التي منعهم الاستبداد والعسف منها طوال عقود، ورفع الظلم عنهم ومساواتهم مع كل إخوانهم السوريين تحت شعار المواطنة، وإن كانت لهم خيارات ومطالب أخرى، فإن من الحق أخذها بعين الاعتبار، والتفكير الجدي والعملي في السبل التي تساعدهم في الوصول إليها.

=================

الثورة السورية واليساري التائه!

اكرم البني

الشرق الاوسط

16-12-2012

فاجأته الثورة مثلما فاجأت الجميع، شعر اليساري المناهض للاستعمار والمناضل العنيد ضد الاستغلال، بأنه غريب عن جموع المتظاهرين التي تهتف للحرية والكرامة، كان يشغله التساؤل عن غياب الشعارات المعادية للإمبريالية والصهيونية، أساسي الداء والبلاء، وأثار استغرابه طابع الحشود التي تجعل من المساجد مراكز انطلاقها، والاختلاط الطبقي العجيب في احتجاجات تضم فئات اجتماعية تتعارض مصالحها الاقتصادية، تاه في البحث عن إجابات، ألا يوجد ترابط بين هذا وذاك؟! ألم تكن طبقة المستغلين والأغنياء ربيبة الاستعمار؟! وألم تعلمه المدرسة اليسارية، الماركسية أو القومية، أن السلطة والوطن شيء واحد، وأن كل من تظاهر ضدها أو اعترض عليها، هو خائن لبلده ويخدم، شاء أم أبى، المخططات الاستعمارية؟!

هلل لثورتي تونس ومصر، حيث الأنظمة حليفة لأميركا، متوهما أن الشعوب ثارت هناك ضد الإمبريالية وأعوانها في المنطقة، حلم بسماع هتافات كفاحية انتظر كثيرا سماعها، لكن الجماهير التي طالما انحاز لها ودافع عنها، خذلته ورفعت شعارات الحرية والكرامة الإنسانية كقيمتين أهم، والأنكى حين صدمته الثورة السورية واجترحت حضورها من رحم منظومة تحكمها الشعارات القومية ومواجهة المخططات الإمبريالية والصهيونية وتحرير الأرض المحتلة.

ذلك اليساري تاه في البحث عن موقع قدم، فلا يمكنه أن يدافع عن الفساد والتمييز وسياسة الإفقار، فهي نقيض العدالة الاجتماعية التي ينادي بها، ولا يمكنه أن يتردد في دعم سلطة عنوانها الشعارات الوطنية والقومية، وهي شعارات حياته، حتى لو اعترته الشكوك بأن ما تدعيه هذه السلطة عن المقاومة والممانعة والأخطار الخارجية هو مجرد وسيلة لتعزيز حكمها وامتيازاتها، ولإشغال مجتمعاتها عن الأسباب الحقيقية للقهر والفقر والتخلف.

يستهجن بشدة أن لا تكون قضية الفقر والعوز والبحث عن فرص العمل هي ما حرك الشارع، وأن ما يطالب السوريون به ليس لقمة العيش، بل رفع القهر والإذلال وحقهم في الكرامة الإنسانية، وتساءل بحرقة، هل تريدون إعادة وجوه الظلم والاستغلال وعهود الإقطاع والبرجوازية، والتفريط في ما حققته الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين من مكاسب؟!

يحرجه الوقوف مع ثورة يعتقد أنها لا تشبه ما رسمته مخيلته، عن طبقة عاملة وفلاحين فقراء يتمردون على الظلم والاستغلال والاستعمار، ويلوم الظروف البائسة التي تجبره على الاختيار بين الانحياز إلى الناس ودعم مطالبهم المشروعة في الحرية والكرامة، وبين الوقوف مع أهل الحكم والعمل على تبرير ارتكاباتهم ونشر ذرائعهم عن المؤامرة والعصابات المسلحة والجماعات السلفية!

يستطيع أن يقنع نفسه بفكرة المؤامرة، ومحاكاة الدعاية الرسمية بأن ما يجري هو أفعال لمتآمرين ومندسين يرتبطون بأجندة خارجية، فأمامه اصطفاف «استعماري» واسع مناهض للسلطة، يضم أهم البلدان الإمبريالية والرجعية المدرجة في قائمة أعدائه، لكن عن أي مؤامرة يمكنه أن يتحدث حين تشارك غالبية الناس فيها وحين يرى العنف السلطوي وأسلحة «الصمود والتصدي» تقصف أماكن السكن وتدمر المدن والأرياف، دون أي مسؤولية أخلاقية، وكأن مناهضيها هم كائنات دونية لا تنتمي إلى صنف البشر أو الأرواح الآدمية؟

لكن ما يريح هذا اليساري التائه، هو أن تكثر الثورة، التي طالما بشر بها، من أخطائها كي لا تفضح انهزاميته وتنصله من واجبه الإنساني بالوقوف ضد فتك وتنكيل لا يعرفان حدودا، فليس من سبب غير ذلك يمكنه أن يبرر سلبيته وانهزاميته، لا استحضار مفهوم الفوضى الخلاقة المدان لأميركيته، في إشارة إلى الإرباكات والتوترات التي تعاني منها الثورات العربية كي يطعن بمشروعيتها وبأنها جالبة للاضطرابات والفوضى والتذرر، ولا الاتكاء على النزعات الأنانية والانفعالية لقوى المعارضة، والسخرية من خلافاتها وأمراضها ومشكلاتها، ولا طرح سؤال خبيث وإن بروح الحريص على الثورة ومسارها، عن المستقبل الذي تعد به مع ازدياد دور القوى الإسلامية بتنويعاتها، وتنامي خطورة المشروع السلفي الذي يحمله بعضها على الديمقراطية وبنية الدولة والمجتمع.

لقد أخضعت الثورة السورية حملة الفكر اليساري للامتحان، مختبرة مدى وضوح خيارهم الديمقراطي وعمق التزامهم بمصالح الناس وحقوقها، وأعادت فرزهم بطريقة حادة، بين من لا يزال عاجزا إلى الآن عن إحداث قطيعة معرفية مع الماضي والتحرر من دور التعبئة الآيديولوجية، وتأسره العقلية والطرائق القديمة عن أولوية مقاومة أجندة القوى الخارجية ومخططاتها والحفاظ على ما هو قائم كمكتسب وطني وقومي، وكأن هزائمنا المتعددة وحالنا التي تثير الشفقة لم تقل كلمتها بحق هذه العقلية! وبين من بدأ يقتنع بأن ما يسمى «الشرعية الثورية» هي وراء تسويغ العنف والقمع العاري وحالة التردي والانحطاط التي وصلنا إليها، وأن الشعارات الآيديولوجية، عن مركزية القضية الفلسطينية وأولوية مواجهة الصهيونية وتحرير الأرض، ومحاربة المؤامرات والأخطار التي تحيكها الدوائر الاستعمارية، ليست أكثر من حصان رابح امتطته الأنظمة القومية جدا والوطنية جدا من أجل تعزيز أسباب سلطانها وفسادها وامتيازاتها، على حساب مصالح الناس ورغما عنهم.

وعموما، لا ضير في أن تكون المسألة الوطنية وتحديات الخارج منطلقا لفكر سياسي ما ومستقرة، لكن المشكلة حين توضع إشارة مساواة بين الوطن والسلطة، ويجري اعتبار أي نقد لاستبداد هذه السلطة وفسادها مساسا بمقومات البنية الوطنية وقدرة المجتمع على المواجهة، بما يسوغ للسلطة هدر حقوق الناس البسيطة والتنكيل بكل من يعترض على سياساتها أو يناهضها.

الثورة السورية تقول بأنه ليس يساريا من يتنكر لحقوق الناس وحرياتها، من يخون الموقف الصائب من الاستبداد بوصفه المسؤول الرئيس عما نعيشه الآن، من لا يستند إلى ما يجري كي يؤسس ليسار جديد ينطلق من حرصه على حقوق الناس وليس على الآيديولوجيا، ويشدد من دون كلل أو تهاون على أن الأعلى والأنبل في دنيانا هو الكائن الإنساني الحر، وليست الشعارات البراقة والأفكار مهما تبلغ من رقي ونبل.

=================

إسرائيل تريد بقاء الأسد؟!

عماد الدين اديب

الشرق الاوسط

16-12-2012

تتحدث زعامات أوروبية الآن بكثرة عن ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد كي يجنب بلاده المزيد من الدماء.

وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إن تنحي الأسد هو ضرورة تتزايد في الآونة الأخيرة تدعمها بقوة الانتصارات النوعية لقوى المعارضة السورية على الأرض.

السؤال الرئيسي هو إلى أي حد سوف تتمسك طهران بدعم حليفها التاريخي منذ عهد الخميني - حافظ الأسد - وهناك نوع من التحالف الحديدي لا يمحوه إلا الدماء؟!

إلى أي حد هناك استعداد للمفاوض الإيراني للمقايضة على الوضع في سوريا وهو يتفاوض قريبا مع الأميركيين؟

هل تقوم طهران بطرح الملف السوري للبيع وتقبض ثمنا كبيرا له؟ أم سوف تتمسك بالدفاع عنه إلى النهاية دون أي مقابل أو مردود سياسي أو مادي؟

في الوقت ذاته يتعين على موسكو وبكين أن تحددا ماذا تريدان بالضبط من الملف السوري؟

السؤال هل تسعى موسكو تحديدا إلى استخدام الملف السوري لتصعيب الأمور على واشنطن ومحاولة «تعطيل وتجميد» حركة المصالح الأميركية في المنطقة؟ أم أن الموقف الروسي يسعى بالدرجة الأولى إلى المقايضة في ملف الدرع الصاروخية في أوروبا وفي رفع مستوى التعاون التجاري بين البلدين؟

الجميع على استعداد لبيع الجميع.. المهم هو الحصول على الثمن المناسب!

المذهل الذي يتوقف أمامه المراقب هو تصريحات إسرائيلية منسوبة إلى مصدر في تل أبيب تقول إن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد هذه الأيام يشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي الإسرائيلي، وإن مصلحة تل أبيب هي بقاء هذا النظام لفترة ما؛ لأن أحدا لا يعلم حقيقة توجهات المعارضة السورية المقاتلة على الأرض التي قد تنتمي إلى تيارات إسلامية متشددة من «القاعدة» إلى الجهادية السلفية.

عشنا وشفنا ذلك اليوم الذي تدافع فيه إسرائيل عن بقاء نظام عربي!

=================

 صفقة تركيا مع روسيا بشأن سوريا

نهاد علي أوزكان

الشرق الاوسط

16-12-2012

من الصعوبة بمكان تقديم تحليل كامل لعلاقات تركيا مع روسيا. تشكل عدة عوامل متناقضة هذه العلاقات. ومن المثير للاهتمام أنه مع اتساع نطاق المصالح وتعمقها، تحتدم التناقضات. ومن ثم، بات من الصعوبة بمكان فهم أي العوامل له الأولوية في الوقت الحالي وأيها أصبح أكثر حسما من الناحية الاستراتيجية.

يمكننا النظر إلى بعض أبرز جوانب العلاقات بين تركيا وروسيا. في المقام الأول، هناك مساحة جذابة من الاعتماد المتبادل الذي يزداد تأثيره في عدة مجالات من بينها الاقتصاد وموضوع محطة الطاقة النووية والطاقة والتجارة والسياحة. وهذا الاعتماد المتبادل يحقق عائدا في الوقت الحالي قيمته 35 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل إلى عتبة الـ100 مليار دولار. بعبارة أخرى، يجب أن نتوقع زيادة الاعتماد المتبادل بين البلدين. ويتمثل الجانب الثاني في الطبيعة غير المتماثلة للعلاقات على نحو يتحيز لروسيا، خاصة في ضوء اعتماد تركيا على روسيا في مجال الطاقة. في النهاية، لا يضمن تحسن العلاقات الاقتصادية التناغم في جوانب أخرى، مثلما هو واضح في قضية سوريا.

يختلف موقف روسيا من الصراع السوري عن موقف تركيا. هناك أسباب عدة لهذا الاختلاف: أولا، ثمة مزايا عسكرية تتمتع بها روسيا بسبب الجغرافيا السياسية السورية. وروسيا لا ترغب في فقدان هذه المزايا لأسباب عسكرية وتاريخية ونفسية. ثانيا، روسيا ليست راضية عن توطيد أركان الإسلام الراديكالي في سوريا، خاصة مع انتشار أخبار قتال المجاهدين القوقازيين في سوريا. ثالثا، دائما ما تمثل الأزمة المزمنة في الشرق الأوسط بشرى لروسيا.. فبالنسبة لدولة يعتمد مستقبلها على صادرات الغاز والنفط، يعتبر النزاع في الشرق الأوسط «فرصة جيدة».

في نهاية المطاف، مع تسبب خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان في إحداث انقسامات في الشرق الأوسط وخلق حالة من الشك بالنسبة للعديد من الدول، فإن ثمة خطرا حقيقيا ممثلا في أن تكون دولة أخرى متعددة الأعراق والديانات مثل روسيا عرضة لتلك الحالة من الفوضى. ومن ثم، فبإمكان روسيا تأجيل، إن لم يكن الحيلولة دون، تفاقم النزاع السوري، الذي يزيد بشكل هائل من تكلفة النزاع بالنسبة للغرب. وفي واقع الأمر، هذا هو على وجه التحديد ما تفعله روسيا.

على الرغم من أن بوتين يزعم أن دولته ليست مدافعة عن سوريا، ما زالت روسيا تدعم النظام نفسيا ودبلوماسيا وعسكريا وعن طريق التزويد بمعلومات استخباراتية. بالطبع، أجرى بوتين محادثة طويلة مع الجانب التركي بشأن سوريا من أجل تغيير المواقف.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه من غير المرجح أن يتمكن من ترويج حجج مثل وعود باستمرار التمتع بمزايا في قواعد عسكرية داخل سوريا في المستقبل، بصرف النظر عمن سيصعد إلى سدة الحكم.

في المقام الأول، الوعود مهمة، لكن السؤال حول من يحقق تلك الوعود يشكل أهمية بالمثل.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت» التركية

=====================

حرب الخبز

الكاتب : د. حسان الحموي

نور سورية 11/12/2012

هل يستطيع الأسد استرجاع ملكه بالخبز؟

بعد أن فقد الأسد وعصاباته القضاء على ثورة الكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية بالسلاح، ها هو اليوم يلجأ إلى حرب الخبز، من خلال قصف المخابز في المناطق المحررة وقتل الجياع الذي يقفون ينتظرون لقمة العيش التي تجود بها الأيادي التي مازال فيها رمق عيش؛ ولم تصلها آلة الفتك الأسدية بعد.

 

من بديهيات السياسة أن شرعية أي حاكم تأتي من خلال تأمين أساسيات العيش الكريم للشعب، وأساسيات العيش الكريم على رأسها تأمين رغيف الخبز و الأمن.

لكن في سورية فإن شرعية النظام تأتي من خلال حرمان الشعب من هذه الأساسيات وهو منذ بداية الثورة، كان يلجأ إلى حرمان المصابين من العلاج في المشافي العامة نتيجة الإصابات التي يتعرضون لها خلال المظاهرات، ومن ثم بدأ بمسلسل حرمان المناطق الثائرة من مقومات العيش الكريم بدءا من الكهرباء والماء والمازوت والبنزين وليس انتهاء في رغيف الخبز.

وهو بذات الوقت يمن عليهم بنعمة الاستشهاد لأنه بات يعلم أن عيشهم اليوم لم يعد كريما، لذلك يمنحهم الموت الكريم من خلال الشهادة التي سوف يكرمون بها من لدن رب هذا الطاغية.

و المفارقة أن الطاغية بات يشترك في منح هذه الشهادة مع جهات تدعي أنها حريصة على حياة الشعب السوري ، فأكثر من يعاني من أزمة الخبز اليوم هي المناطق المحررة والتي لها حدود على الدول التي مازالت تدعي أنها تتعاطف وتساند الثورة بكل ما أوتيت من قوة، وهي تدعي الحكم الرشيد وتتبنى البعد الأخلاقي في سياستها .

فما سبب حظر مادتي الطحين والمازوت عن أكبر تجمع بشري في البلاد؟

وما المانع الرئيسي الذي يعوق تأمين طرق الإمداد الرئيسية بين صوامع الحبوب والمدن المحررة؟

ولماذا لم يكن في حسبان تلك الدول أو الائتلاف الوطني السوري أو الكتائب المقاتلة أن هذا الطاغية لا يوجد لديه خطوط حمراء في التعامل مع الشعب الثائر؟

وهل غاب عنهم أن أولى أولويات الأسد وعصابته هو إخضاع الشعب بأي وسيلة كانت حتى وصلت إلى رغيف الخبز؟....

فالمدينة لا يفصلها عن حدود أكثر دولة تدعي أنها مع الثورة سوى بضعة كيلومترات، وهي تعلم أن حدودها تحت سيطرة الثوار.

والثوار صرحوا أكثر من مرة أن الطريق حتى حلب خالية من قوات الأسد، ولا تحتاج سوى إلى حماية جوية من طيران عصابات الأسد الغاشمة.

فما الذي يمنع المجتمع الدولي من تسيير قوافل الدقيق لإنقاذ حلب؟ يسأل أحدهم....

و هل علينا أن نبقى نتفرج والناس تأكل الخبز اليابس أو تموت من الجوع؟ يسأل آخر.....

بالأمس كان اجتماع رئيس الائتلاف معاذ الخطيب مع الدول الأوربية والتي وعدته بالدعم المالي والإغاثي وللأسف أجلت حتى الوعد بالدعم العسكري !!!!....

فأين هي وعود المساعدات والأموال التي أعلنت عنها الحكومات الأوربية؟ يسأل ثالث....

أم أن هذه الدول اكتفت باعتراف بعضها بالائتلاف كممثل شرعي للشعب السوري !!!.

وأين هي خطة الائتلاف الوطني السوري التي ما فتئوا يتفاخرون بها قبل تقديم مشروعهم لاستلاب الشرعية من المجلس الوطني؟ !..

فهل ننتظر حتى تكتمل البنية الهيكلية للائتلاف ومكاتبه وتشكيل الحكومة المؤقتة حتى يبدأ الائتلاف بالمطالبة بوضع الخطط الإغاثية؟!!!.

فالذي يريد تحمل المسؤولية عليه أن يقدم شيئا ما في هذه المحنه، وإلا فالأشرف له أن ينسحب، لأننا لم نعد نحتمل معارضة كرتونية، ولا نريد توزيع مناصب جهوية أو حزبية أو قبلية بالمجان ، و لم نعد نحتمل الخيانات، فمن أراد أن يعمل بإخلاص فليتقدم وإلا فنحن أول من يتصدى له قبل غيره.

إن الحسنة الوحيدة في أزمة رغيف الخبز هذه؛ أنها وحدت الشعب السوري فكلهم أصبحوا جياعا ورغيف الخبز كفيل بأن يلم شملهم اليوم....

بالأمس نهض العالم مرتعبا وهو يضع خطا أحمر لاستخدام الكيماوي ضد الشعب السوري، وهدد باستخدام القوة إن لجأ الأسد وعصابته إلى استخدامها.

لأنه يريد للشعب أن يموت جوعا أو أن يعيش ذليلا تحت نير طاغية العصر.

وخطه الأحمر هذا قابل للإزاحة كما فعل سابقة عندما قال أن حماة خطا أحمر حتى أصبح اليوم اسطنبول خط أحمر.

وهو يستخدم خطوطه فقط لحاجة أخلاقية تمسه أما مجتمعه الداخلي، و يدرك أن خطوطه الحمر لن تصنع نصرا ولن تمنع قدرا، ولن تثني إرادة شعب.

فالشعب السوري رغما عنهم أراد الحياة، وعلى الليل أن ينجلي، وعلى القيد أن ينكسر، مهما طالت المعاناة، ومهما بلغ التآمر.

وهو يصنع خبزه بدماء أبنائه، فثورته هي ثورة الدم والخبز، ولن يذل شعب يعجن طحينة بدمائه كي يطعم أطفاله خبز الحرية.

ولن يستطيع الأسد استرجاع ما فقده من سلطانه من خلال رغيف الخبز هذا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ