ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 12/12/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

11-12-2012

سوريا … مشاهد وخيارات

تاريخ النشر: الثلاثاء 11 ديسمبر 2012

جاكسون ديل

الاتحاد

ربما يكون الشيء الأكثر إخافة بشأن سوريا، من وجهة النظر الغربية، هو الهوة بين السيناريوهات المرعبة التي يناقشها المسؤولون الكبار بشأن ما قد يحدث في المرحلة التالية واستراتيجياتهم الضعيفة لتجنبها.

فداخل إدارة أوباما، باتت سوريا تشبَّه اليوم من قبل البعض بصومال ثانية – والفرق الوحيد هو أنها تقع في قلب الشرق الأوسط وتمتلك ثالث أكبر مخزون من الأسلحة الكيماوية في العالم. فقد تحدث أحد المسؤولين مؤخراً عن مستقبل قريب تتطور فيه الحرب الأهلية الحالية الدائرة بين جانبين إلى حرب عامة، لا تبقي ولا تذر،

فكيف يمكن وقف ذلك إذن؟ الولايات المتحدة وفرنسا، إلى جانب بعض الحلفاء العرب والأوروبيين، يعقدون مؤتمراً دبلوماسياً آخر هذا الأسبوع في مراكش بالمغرب بهدف دعم وتقوية الائتلاف الوطني السوري، الذي أنشئ الشهر الماضي. ويتوقع أن تقوم إدارة أوباما بالاعتراف به كحكومة شرعية لسوريا.

غير ألا أحد مقتنع بأن هذا سيمنع حدوث السيناريوهات الكابوسية. وأحد أسباب ذلك أن الائتلاف لم يقم روابط قوية مع عدد من الوحدات المقاتلة التابعة للثوار عبر البلاد، رغم أن تشكيل مجلس عسكري ثوري جديد خلال عطلة نهاية الأسبوع يُعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح. وعلاوة على ذلك، فإن الائتلاف يحصل على المال من فرنسا وبعض الحكومات الأخرى؛ ولكن محامي وزارة الخارجية الأميركية يرون أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تمول منظمات الثوار مباشرة. وبالمقابل، تتلقى بعض الوحدات المحسوبة على القاعدة الأموال من بعض الدول.

رؤية الولايات المتحدة لكيفية نجاح استراتيجيتها تتوقف على سلسلة غريبة من الأحداث المتتالية بعيدة الاحتمال: أن يسيطر الائتلاف على معظم قوات الثوار. وبعد ذلك ستُرغِم روسيا أو العلويون المنشقون عن الأسد على التنحي جانباً. ثم ستكون هناك مفاوضات تفضي إلى اتفاق بشأن حكومة انتقالية.

وهناك سيناريو آخر أكثر احتمالاً، هو أن الغرب سيكون محظوظاً، وأن نظام الأسد سينهار قريباً في دمشق. ووسط الفراغ الناتج عن ذلك، سيحصل الائتلاف على الاعتراف من العالم الخارجي، وستتبع معظم قوات الثوار وسوريا الطريقَ الوعر الذي سارت فيه ليبيا، حيث تتعايش حكومة ضعيفة مع مجموعة من المليشيات المختلفة – وبعضها متحالف مع القاعدة. ولكن الفرق هو أن أي انتشار للإرهابيين والأسلحة لن يؤثر على مالي، وإنما على إسرائيل وتركيا والعراق والأردن.

السبب الرئيسي لكون ذلك مستبعد الحدوث، هو أن السيناريوهات الكابوسية بالنسبة للغرب لا تبدو بالنسبة للأسد وجزء كبير من النخبة العلوية – ولداعمه الرئيسي إيران – غير جذابة جداً، ذلك أن الأقلية الحاكمة ستخلص إلى أن التحصن بأحد الجيوب والمقاومة، أفضل من مواجهة خطر الإبادة على أيدي السُنة الراغبين في الانتقام؛ بينما سترى إيران الشيعية أن لعب دور المفسد في سوريا التي تعمها الفوضى أفضل من رؤية حليف استراتيجي يتحول إلى الكتلة السنية المعارضة.

ولكن، إذا نحت حرب سوريا هذا المنحى الأكثر احتمالًا، فكيف ستحمي الولايات المتحدة وحلفاؤها مصالحهم؟ المسؤولون الأميركيون يبدو أنهم لا يملكون مخططاً، عدا الأمل في أن السيناريوهات التي يفكرون فيها لن تحدث. والواقع أن الخطوة الأكثر بداهة ستكون هي الحرص على أن تكون القوات التي يفضلها الغرب مسلحةً ومجهزةً على الأقل قدر تسليح وتجهيز العلويين والجهاديين. والحال أن الولايات المتحدة في الوقت الراهن تعمل على ضمان العكس تماماً، عبر حرمانها الثوار العلمانيين من المساعدات العسكرية حتى في وقت تعمل فيه بعض الحكومات الإسلامية على دعم قواتها المفضلة.

---------

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"

=================

جبهة النصرة اليوم والجيش الحر غدا

2012-12-10

القدس العربي 

من نافل القول ان الغرب تفرج على الشعب السوري وهو يقتل على مدار عشرين شهراً، ولم يحرك ساكناً لرفع الظلم عنه، قصفت بيوته بالبراميل المتفجرة، وغمست لقمته بالدماء، وذبح أطفاله بالسكاكين. ليس لم يحرك الغرب ساكناً فحسب، بل تصرف بأسلوب خبيث بحيث يطيل عمر نظام الأسد، بقصد إنهاك سورية وتحضير البديل المناسب الذي يتمكن من خدمة الكيان الصهيوني على وجه الخصوص.

اليوم تتغير الأمور على الأرض، فقد استطاع الجيش الحر أن يصل إلى دمشق ويسيطر على بعض أجزائها، وتتحرك قواته في الغوطة الشرقية كلها بمنتهى الحرية، وقد يستطيع السيطرة قريباً على مطار دمشق الدولي.

أمريكا بمخابراتها وأقمارها الصناعية، أدركت أن النظام السوري انتهى وأن الغلبة الآن للثوار، وإن النصر قريب لا محالة. ولما كانت هذه الثورة قد انتصرت وحدها دون مساعدة المجتمع الدولي، وبالتالي فلن يسمع الثوار أحداً، ولن يطيعوا أمريكا أوغيرها. أراد الغرب أن يدخل بسرعة على خط الثورة السورية ليكون له نصيب فيها ويستطيع التحكم بها.

إشارتان واضحتان تؤكدان ما أذهب إليه، الأولى تصريحات كلنتون بأن الإدارة الأمريكية تعتبر جبهة النصرة منظمة إرهابية. والغريب في هذا، أن جبهة النصرة تقاتل جيش العدو الأسدي في سورية، ولا تقاتل أمريكا ولا تتعرض لمصالحها، ولاتهدد سفاراتها أو تستهدف مدنييها. وفوق ذلك فكيف تعتبر أمريكا أن الأسد فاقد للشرعية ويقتل شعبه وتعتبر في الوقت نفسه أن الجبهة المدافعة عن الشعب السوري والمقاتلة باسمه منظمة إرهابية. ثم من أولئك الذين اشتكوا لأمريكا من جبهة النصرة ومن تصرفاتها، وما هي المصالح العالمية أو الإقليمية التي هددتها هذه الجبهة أو اعتدت عليها.

جبهة النصرة تفتح الأفران في سورية من أموالها، وتوزع أكثر من عشرين ألف ربطة خبز يومياً، وتعالج المصابين، وترسل الحالات الخطرة على حساب أعضائها إلى خارج البلاد ليحصلوا على العلاج. وباختصار فإن الولايات المتحدة، أرادت من هذا الإعلان، أن تستبق نصر السوريين الذي ساهمت فيه جبهة النصرة مساهمة فعالة، بطريقة تمكنها من التدخل عسكرياً وسياسياً حال سقوط النظام، لتضمن مصالحها في البلاد من خلال اعتبار جبهة النصرة خطرا على مصالح أمريكا في المنطقة.

الحديث اليوم عن إرهاب جبهة النصرة، معناه بشكل واضح أن الولايات المتحدة ستبدأ قريباً بالإشارة إلى إرهاب الجيش الحر كله، ثم ستقف ضده وتقاتله وتألب العالم عليه، فليس الجبهة في خطر بل الجيش الحر برمته. ولهذا وجب على قادة الكتائب جميعهم رفض هذه التصريحات واستنكارها.

الإشارة الثانية، هي تلك التصريحات المحمومة التي تعبر عن الخوف من استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية. والحقيقة فإن الغرب يفضح نفسه بهذه التصريحات فهو يقول: إنه يجوز قتل الشعب السوري بالطائرات والمدفعية ويجوز ذبحه بالسكاكين ولكن ليس بالسلاح الكيماوي.

قد يكون صحيحاً أنه لا يوجد أصلا لدى بشار الأسد أي أسلحة من هذا القبيل، وإلا لاستخدمها منذ اللحظة الأولى. وقد يكون صحيحاً أنه استخدمها في الخالدية وبابا عمرو في بداية الثورة، حيث غضت أمريكا الطرف عنه. لكن الصحيح الثابت، أن أمريكا توحي للعالم، أنها ستكون مضطرة للتدخل في حال الاقتراب من خطها الأحمر الجديد، لحماية الشعب السوري، وما تريد بذلك إلا اختطاف الثورة من أصحابها. وأعتقد أن التقارير التي تنشرها الصحافة الأمريكية حول تجهيز الأسد لغاز السارين، هي مقدمة ذلك التدخل، و قد توحي أمريكا للأسد أن يفعلها ثم تنقلب عليه وتجد حجة التدخل.

مرة أخرى لا نستغرب الأمر من أعدائنا، ولكننا نستغرب خاصة أن ائتلاف قوى المعارضة لم يصدر بيانا حتى اللحظة يستهجن فيه تصريحات الإدارة الأمريكية حول جبهة النصرة، وحول مغزى الحديث عن الأسلحة الكيماوية الآن. في الوقت الذي صمتت فيه أمريكا عن تذبيح الشعب السوري كل هذه المدة.

أما العار كل العار فهو لبعض السوريين من أدعياء المعارضة الذين رحب بعضهم سراً وبعضهم علناً بتصريحات الخارجية الأمريكية حول جبهة النصرة، في الوقت الذي تقاتل فيه هذه الجبهة لحماية السوريين كلهم من بطش النظام وجبروته.

د. عوض السليمان - فرنسا

=================

رجال دولة أم عصابة سلطة في سوريا؟

د. عبد الله تركماني()

المستقبل

11-12-2012

هل يمكن لدولة أن تهاجم مدنها كما تهاجم قوات سلطة آل الأسد المدن السورية ؟ وما هي الحاجة إلى الدبابات والمدرعات والمدافع والطائرات؟ وإذا كان حجم " الإرهابيين " صغيراً، كما تدّعي السلطة، فلماذا تقصف المدن والأحياء؟ وكيف نفسر أنّ أرقام الضحايا من قتلى، ومصابين، ومفقودين، ولاجئين، ومعتقلين وصلت إلى مئات الآلاف؟

من المؤكد لكل بصر وبصيرة أنّ من يحكم سوريا ليسوا رجال دولة بأي حال من الأحوال، وإنما مجرد عصابة تحكم باسم الدولة. وللأمر صلة بشيء واحد قائم جوهرياً على العنف، لأنّ بنية مصالح هذه السلطة قائمة على الامتياز، ودوامها معتمد على الاستثناء، فإما أن تسود سيادة مطلقة على ما كان الحال طوال أكثر من أربعين عاماً، أو تبيد وتستأصل تماماً.

لقد أوغلت أجهزة السلطة الأمنية في دم السوريين وأعراضهم وممتلكاتهم وحياتهم طوال عقود، بحيث سيطر على قياداتها شعور بأنّ مصيرها مرتبط بمصير سلطة آل الأسد. كما عملت السياسة الطائفية للسلطة على إحكام سيطرتها على أبناء الطائفة العلوية الكريمة واستخدامهم أداة لخدمة بقائها واستمرارها، وتعمل اليوم على إثارة خوف أبناء الطائفة، وأبناء الأقليات الأخرى، من الصعود السني الموهوم، الذي سيهدد وجود الطوائف السورية غير السنية وامتيازات بعضها.

وحين تسقط هذه السلطة ويتم فتح سجلها القذر، سيعلم الجميع مدى تجذر النظام المافيوزي اسدي ومدى تشعب خدماته لأعداء الشعب السوري، وكلها غير مشروعة ولا قانونية. وستكشف الأيام القادمة أنّ اسد الأب اختار أن يتصرف كزعيم عصابة ضيق افق ومحدود الطموح، كل همه أن يورّث سوريا ولاده من بعده. كما أنّ وريثه برر مجازر شبيحته حين قال عن القتل، بحجة أنّ سوريا مريضة وتحتاج إلى عملية جراحية " عندما يدخل الطبيب الجراح إلى غرفة العمليات، ويفتح الجرح، وينزف الجرح، ويقطع، ويستأصل، ويبتر... ماذا نقول له تبت يداك هي ملوثة بالدماء ؟ أم نقول له سلمت يداك لأنك أنقذت المريض؟ ".

إنّ الوريث بشار لا يعتبر الشعب مصدراً لشرعية الحكم، وإنما موضوعاً له، وبما أنه كذلك فهو مصدر للفتنة والاحتجاج والثورة. والسقف الوطني بالنسبة إليه لا يرتكز على المواطنة وما تنطوي عليه من حقوق في الحرية والعدالة والمساواة أمام القانون، وإنما هو أولاً الحكم، وثانياً "حقه" هو المكتسب، وربما "الطبيعي"، للبقاء في سدته، أي أنّ الوريث غير الشرعي يختزل الوطن في شخصه.

بل أنه يتلاعب بالمكونات الطائفية والمذهبية والعرقية من خلال تحريض بعضها على البعض الآخر، وتشكيل ميلشيات منها تحت اسم " الشبيحة " دفاعاً عن سلطة آل الأسد " حامية الأقليات ".

لقد عطل هذا الواقع القسري المفروض على سورية، نتيجة غياب رجال دولة أكفاء في موقع القرار وانعدام حس القيادة الواعية وعدم وجود أدنى وازع أخلاقي مسؤول لدى صنّاع القرار، كافة مواقع التنمية والعمل والفاعلية والإنتاج لدى المواطن السوري، وضاقت به سبل الحياة والعيش حتى بأدنى مقوماته، وبدأ الجميع بالبحث عن ملاذات آمنة من هول البطش المفروض عليهم.

إنّ الحلقة الضيقة المتنفذة في سلطة آل الأسد لم تقرأ فحوى التغيّرات التي فرضها ربيع الثورات العربية، ولم تستوعب أبعاد الشعارات التي رفعها الشعب السوري " الشعب يريد إسقاط النظام " و " الشعب السوري ما بينذل " ومطالبته بالحرية والكرامة. ولهذا السبب فإنّ محنة الشعب السوري استمرت منذ عشرين شهراً، وهذا الأمر يبدو أنه لا يهم العصابة الحاكمة في شيء، لأنها تعتقد أنّ هدف البقاء في السلطة يتحقق بالقتل والدمار والتشريد، وتلك عقيدة فاشية انتحارية مغلقة.

ومن المؤكد أنّ الحل الأمني لن ينفع سلطة رعناء دخلت في معركة وجودية مع شعبها، الذي أعطاها فرصاً عديدة كي تصلح وتعمل وتنمّي وتخدم شعبها ومجتمعها.. ولكنها لم تفعل بسبب عدم وجود نية أصلاً ولا إرادة لفعل الإصلاح والبناء. فعند انتقال الربيع العربي إلى سوريا، ارتكب رأس السلطة ثلاثة أخطاء في تقويمه للوضع: أولها، اعتقاده بأنّ أجهزته الأمنية قادرة على التحكم في مصير الشعب السوري إلى الأبد. وثانيها، أنه " محبوب " من قبل الشعب السوري ولن يثور ضده. وثالثها، أنّ اصطفافه مع إيران قد يشفع له أمام الرأي العام العربي للاستمرار في قمع شعبه باسم " الممانعة ". واتضحت فداحة خطأ رهاناته على رفضه التكيّف مع مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة، إذ لم يدرك جوهر التغيير الحاصل في الوجدان السوري الذي لم يعد يقبل استفراد شخص أو عائلة بالسلطة، كما لم يعد يقبل بقمع الشعب باسم " الممانعة ".

 

=================

هل تغير الموقف الأردني من الأزمة السورية؟

فهد الخيطان

الغد الاردنية

11-12-2012

طوال عامين وأكثر حافظ الأردن على موقف محايد من الصراع الجاري في سورية؛ دعم أشواق السوريين للتغيير والإصلاح، لكنه رفض التورط في الأزمة، وساند الجهود السياسية لضمان انتقال سلمي للسلطة من خلال مرحلة انتقالية تجنب سورية ودول الجوار الفوضى والحرب الأهلية.

لم يكن هذا الموقف يرضي بعض الأطراف، لكن الأردن قاوم الضغوط للعب دور في تسليح المعارضة السورية.

حتى منتصف العام الحالي كان الأردن يعتقد أن بقاء نظام بشار الأسد أفضل من سيطرة جماعات دينية متطرفة على السلطة في دمشق، تصبح سورية في ظلها بلدا ممزقا، وتغرق في حرب أهلية لا تنتهي، ومصدر تهديد لدول الجوار. لكن مع تصاعد الأزمة وانحياز القوى الغربية لخيار تنحي الأسد، أدرك الأردن أن لا مجال للاحتفاظ بالموقف السابق دون تطوير، مع عدم الإخلال بثوابت السياسة الخارجية ومصالح الأردن الحيوية.

بمعنى آخر يمكن القول إن الأردن أعاد تشكيل مقاربته تجاه الأزمة السورية لتأخذ في الحساب التحولات في الموقفين الدولي والاقليمي.

الموقف الأردني الرافض لتسليح المعارضة، أو المشاركة في عمل عسكري ضد سورية لم يتغير في المقاربة المعدلة، لكن في المقابل هناك استعداد أكبر لدعم المعارضة المدنية سياسيا، في مواجهة التيارات المتطرفة والناشطة عسكريا. وفي نفس الوقت ثمة اشتراطات أردنية ثلاثة للدعم: وحدة سورية أرضا وشعبا، وضمان مشاركة جميع مكونات الشعب السوري وطوائفه في تقرير مستقبل سورية، والمحافظة على الجيش السوري موحدا وقوة وحيدة في البلاد.

في إطار هذه الصيغة يبدو الأردن مستعدا للتعاون مع شخصيات سياسية في المعارضة السورية من بينها رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب الذي يدير من عمان سلسلة اتصالات لبلورة تصور لحل سياسي في سورية يوقف شلال الدماء ويضمن انتقالا كاملا للسلطة.

ليس لدى الأردن أوهام بإمكانيات نجاح مثل هذه المساعي، فهو يرى أكثر من غيره الصورة القاتمة على بعد أمتار من أراضيه. ومع كل يوم يمر يلحظ أصحاب القرار مخاطر صراع إقليمي يطل برأسه ويهدد استقرار دول المنطقة.

يستبعد الأردن حسما سريعا للمواجهة المسلحة في سورية. هناك قناعة بأن النظام السوري يخسر بسرعة رصيده من العملات الصعبة ويواجه صعوبات في تأمين احتياجاته من الطاقة، فيما الأموال والأسلحة تتدفق على المعارضة المسلحة في سورية، لكن دعم الحلفاء الروس والايرانيين، إضافة لقدرات الجيش السوري، ستجعل من الصعب المراهنة على سقوط النظام السوري في وقت قريب.

التدخل العسكري بتقدير الجانب الأردني ليس وشيكا. سورية ليست ليبيا كما ينقل عن خبراء عسكريين، وحلف "الناتو" سيعد للألف قبل أن يضغط على الأزرار. فالمعلومات المتوفرة للدول الغربية تؤكد بأن سورية تملك منذ عامين تقريبا أحدث منظومة للدفاع الجوي. لا شيء يمكن أن يدفع بالغرب لخوض مغامرة عسكرية سوى إقدام النظام السوري على استخدام أسلحة كيماوية أو محاولة تهريبها إلى حليفه في لبنان حزب الله.

سورية أزمة مفتوحة سواء استمر النظام أو سقط. في الحالتين، الصراع على حدودنا الشمالية مستمر لأمد غير منظور، وقوافل اللاجئين لا نهاية لها.

=================

المعركة في دمشق .. و«البيان» من جنيف * عريب الرنتاوي

الدستور

11-12-2012

لن نصدق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (مع كل الاحترام)، وهو ينفي أن تكون بلاده قد بحثت مع واشنطن في مصائر الرئيس السوري بشار الأسد..إن لم تبحث الدولتان العظميان هذه القضية، فما الذي تبحثانه إذاً؟ وما معنى وقيمة كل هذه الاجتماعات الماراثونية، إن لم يكن الأسد في صدارة جداول أعمالها؟

كنا سنوافق الوزير الروسي المخضرم القول لو أنه نفى أن تكون الدولتان قد توصلتا لاتفاق بهذا الشأن..ونحن نرجح أنهما لم تقررا بعد مصير الرئيس السوري..ولكن أي بحث في الأزمة السورية الآن، على أي مستوى وفي أي محفل، سيكون خالٍ من المضمون، بل ومضيعة للوقت، ومن باب “لزوم ما لا يلزم” إن لم ينصبّ أساساً على أسئلة الانتقال السياسي، وسؤال المليون منها: ما هو مستقبل الأسد ؟.

ولا نحسب أن “قوة الحجة” هي التي ستحسم الجدل بين العملاقين الدوليين..”حجة القوة” هي التي ستقرر في نهاية المطاف، ولها ستكون “الكلمة الفصل” في هذا النزاع المديد والمرير...و”حجة القوة” يجري اختبارها بشكل مؤلم فوق معظم المناطق السورية، إن لم نقل جميعها، بيد أنها تتركز منذ عدة أسابيع في دمشق وحولها، ومن المتوقع أن يستمر الحال على هذا المنوال، بل وبتصاعد ملحوظ في الأيام والأسابيع القليلة القادمة..وستكون اجتماعات لافروف – كلينتون أو من ينوب عنهما ويمثلهما في جنيف أو غيرها، بحضور الإيراهيمي أم بغيابه، “رجع صدى” لأزيز الرصاص وانفجارات القذائف والصواريخ والبراميل والسيارات “المُلغمة”.

المعارضة المسلحة، بقرار ذاتي منها أو بتوجيه من الخارج (غرفة العمليات الإقليمية – الدولية) في تركيا، قررت نقل المعركة إلى قلب دمشق، بقية الجبهات مرشحة إما للتهدئة الاختيارية المتبادلة، أو للتسخين المضبوط والمحدود...في المقابل، سلك النظام تكتيكاً دفاعياً، طائعاً كان ومُستدرِجاً أم كارهاً ومُنهَكاً، وهو قرر الدفاع عن العاصمة من دون أريافها وغوطتها، حتى أن مصادر سورية مطلعة جداً، نقلت لنا أن حواجز الجيش الحر تجلس مقابل الجيش النظام في حلب من دون أن يطلق أحدهما النار على الثاني (التهدئة الاختيارية)، فيما جميل الحسن رئيس الاستخبارات الجوية السورية أنذر بحرق الغوطة على من تبقى فيها من مدنيين وعسكريين، إن قررت كتائب المعارضة التقدم صوب دمشق، لكأنه بذلك يرسم خطوطاً جديدة للتماس بين الخندقين، تماماً مثلما ارتسمت في حلب.

إن ظل الحال في دمشق وغوطتها وريفها على هذا المنوال (وهذا مُستبعَد)، فإن من المتوقع لمفاوضات جنيف وما سيلحق بها من جولات تفاوضية بين العملاقين، أن تطول..ولهذا السبب فليس من المتوقع لحال دمشق أن يظل على حاله...وسنكون أمام جولات من التصعيد والتهدئة المتعاقبة ميدانياً المضبوطة على إيقاع التقدم والتعثر في مفاوضات جنيف وحواراتها.

إن ظل الأسد على عناده، وظل الروس على موقفهم القائل: دعوا الأمر للشعب السوري وصناديق الاقتراع، فإن المعارضة وداعميها الإقليميين والدوليين، سيظهرون “نزقاً” وتسرّعاً بائنين (تفحصوا ملامح رئيس الوزراء القطري وهو يتحدث للصحفيين)، وسينعكس ذلك على خطوط النار في العاصمة، مثلما سينعكس في كشوف المال والسلاح التي ستتدفق بغزارة، كماً ونوعاً..لكن إن لاحت في الأفق بوادر استعداد لدى الرئيس السوري، لترك منصبه أو ترك صلاحياته لغيره، فمعنى ذلك أن التراجيديا السورية مرشحة لأن تُسدل الستار على واحد من أشد فصولها دموية، ولا أقول فصلها الأخير، والسبب ببساطة أنه من الحمق إسقاط السيناريو العراقي من حسابات الأزمة السورية، وللتذكير فقط، فقد قُتل من العراقيين بعد سقوط صدام حسين، أضعاف أضعاف ما قُتِّل منهم بعد سقوطه وإعدامه.

المسألة الآن، كما آلت منذ عدة أشهر، تكاد تنحصر في مستقبل الرئيس الأسد الشخصي..هل سيتنحى أم يتخلى عن سلطاته لحين إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة...ولمن سيتخلى، لحكومة انتقالية من المعارضة أم لحكومة انتقالية مشتركة، تضم إلى جانب قيادات بارزة من المعارضة، ممثلين عن النظام (من غير الملوثة أيديهم بالدماء وفقاً للكليشيه المعهود)، وفي هذا السياق، يجري في الأوساط السورية والدولية تداول أسماء بعضها معروف ومطروق، وبعضها يُطرح لأول مرة، ومن بين هؤلاء سفير سوري في دولة مجاورة لسوريا، فضلاً عن الشرع وشعبان والمعلم وزيتونة و”الرياضين” سيف وحجاب، ومناف طلاس ومصطفى الصباغ الذي يُقال بأنه سيؤسس لـ”حريرية جديدة” في سوريا، على غرار رفيق الحريري ومن خلفه من أبنائه وأقاربه وأنصاره، ولا نهاية لهذا القائمة التي تتجدد يومياً.

قد لا يكون الروس والأمريكان قد حسموا الأمر الآن، لأن كل فريق منهم يعتقد أنه “ما زال في الوقت بقية”، الروس يراهنون على الحكومة الانتقالية المختلطة، وعلى بقاء الرئيس بعد تفويض صلاحياته، وهم سيستمرون على موقفهم هذا ما دام الأسد قادرا على الصمود في دمشق..فيما الأمريكان الذي نزلوا (لأسباب تتعلق بأمنهم) عن مطلب إسقاط النظام، يريدون رحيل الأسد أمس قبل اليوم، وغداً وليس بعد غدٍ..بيد أنهم لا يريدون التفريط بـ”كل النظام” وتحديداً مؤسستي الأمن والجيش، حتى لا تجابه واشنطن في “سوريا ما بعد الأسد” ما واجهته في “ليبيا ما بعد القذافي” و”عراق ما بعد صدام حسين”...وسوف يتعين على الشعب السوري، أن يدفع من حيوات أبنائه وبناته، بضعة آلاف من الشهداء والضحايا قبل أن تتغلب “حجة القوة” على “قوى الحجة”.

التاريخ : 11-12-2012

=================

سورية «آخر معاقل العلمانية»!

ماهر مسعود *

الثلاثاء ١١ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

من الصعب التعامل بجدية مع الكلام الذي صرح به بشار الأسد حول سورية وتوصيفه لنظام حكمه بالذات كآخر معاقل العلمانية في المنطقة العربية، إلا ضمن الفهم الذي قدمه «الأسد ذاته» بعد ربيع دمشق 2001 حول المجتمع المدني. فبعد أن أغلق المنتديات، وأشهرها منتدى الأتاسي، ووضع القسم الأكبر من القائمين عليها في السجون وحاكمهم «مدنياً» في محكمة أمن الدولة العسكرية، خرج الرجل للإعلام ليقول إن في سورية مجتمعاً مدنياً يعود لآلاف السنوات قبل الميلاد.

آخر معاقل العلمانية إذاً هي ذاتها أول معاقل المجتمع المدني في التاريخ، ولكن ولأجل التاريخ أيضاً فإن ما فعله نظام الأب والابن في سورية يرقى لجرائم ضد المجتمع المدني والعلمانية معاً. فالمجتمع الذي يبدأ فيه الطفل حياته الدراسية كـ «رفيق طليعي»، ثم يكبر ليصبح رفيقاً حزبياً تحت قيادة «الرفيق المناضل»، هو مجتمع شبه عسكري ومحاصر أمنياً «بالرفاق المخبرين» في جميع مؤسساته المدنية والعسكرية. والمجتمع الذي لا يُفسح فيه المجال للتجمع العلني الحر خارج إطار الجامع هو مجتمع غير قابل، بحكم الوضع لا الماهية، لأن يفعِّل أي هيئة أو مؤسسة مدنية خارجة عن المراقبة والخوف والمحاسبة، وغير صالح لإنتاج مؤسسات مجتمع مدني مستقلة عن سلطة الدولة، وتكون إحدى وظائفها الأساسية أن تنافس وتراقب سلطة الدولة وخروقاتها تجاه المجتمع المدني.

أما الدولة العلمانية التي يفصح الأسد بأن نظامه آخر معاقلها، ويستجدي الغرب كي يبقى حاكمها إلى الأبد، ويستنجد بملالي طهران كي يثـــبت حكمه «العلماني» ذاته عليها، ففوق كونها لا تختلف عن دول «المنطقة» ولو بتشريع علماني واحد يعتد به (كقانون الأحوال الشخصية أو دين رئيس الجمهورية)، فإننا لو اتكأنا على التعريف الذي خلصت إليه الجهود الطويلة لمفكر علماني كبير من طراز صادق جلال العظم سنجده يقول: «إن العلمانية هي الحياد الإيجابي للــــدولة تجاه جميع مكوناتها الدينية والعرقية والمذهبية»، أما في سورية فــقد بقيت الدولة خلال عقود أربعة حيادية، ولكن تجاه الأسد وحده وعائلته المتواضعة، أما تجاه الشعب السوري فكانت تتدخل في كل شيء، حتى أصبحت رحلة في الطبيعة ولأجل الطبيعة تحتاج لقرار سياسي.

الدولة العلمانية التي يصفها الأسد هي المقابل الموضوعي الصحيح والفقير للدولة الإسلامية أو الدولة الدينية التي يقصدها ويدافع عنها عتاة السلفية في المنطقة أيضاً، فكلاهما يعتمد «الخلافة» والتوريث أساساً لنظام الحكم، وكلاهما يعادي الديموقراطية والاحتكام للشعب والإرادة العامة، إضافة لكون كلاهما «ممانع» أيضاً ويضع سلة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعانيها مجتمعاتنا خارج حدوده «الزمكانية» ووجوده «النقيّْ»، ويحمِّلُها بالجملة للغرب والإمبريالية وإسرائيل.

عندما تحدث جورج طرابيشي عن توأمة العلمانية والديموقراطية خَلُص إلى نتيجة مفادها أن العلمانية من غير ديموقراطية تتحول إلى نظام «الاستبداد العلماني» وعماده المخابرات والمعتقلات «العلمانية» وأساليب التعذيب المُعلمنة، بالإضافة للجيش «العقائدي» حامي حمى النظام من مجتمعه بالذات كما أثبت «جيشنا الباسل» في سورية. وأما الديموقراطية من دون علمانية فتختزل إلى صناديق الاقتراع التي تُبقي المجتمع على انقساماته العمودية القديمة، وتحافظ على وجود الكيانات القائمة في حالة ما قبل الدولة، وتفضي إلى انعدام الاندماج السياسي في مشروع الدولة الوطنية. ولكن على عكس التوأمة والترابط التي يحبها طرابيشي فإن ما يقترحه الأسد هو الانفصال والطلاق البائن بين العلمانية والديموقراطية «التي تحتاج لأجيال قادمة لتعيشها» بينما يعيش الشعب السوري في جنة العلمانية الأسدية المطلقة والمؤبدة.

ليس هناك مبررات واقعية أو تاريخية (وقد بات للثورة السورية والربيع العربي تاريخ)، للخوف على مستقبل شكل الدولة أو حتى مضامين علمنتها، فعلى رغم الصبغة الإسلامية لعموم الثورات إلا أن طابعها الشبابي أفضى لحضور عدة عوامل مطمئنة تفرض نفسها باستمرار وتجعل من غير الممكن إغفالها، فارتباط الشباب بالعلم والعالم (ثنائية اشتقاق العلمانية) جعلت مطالبهم دنيوية بالدرجة الأولى وأدواتهم هي أفضل استخدام لمنتجات العلم وأدوات الاتصال الحديثة، كما أن انفجار الثورات خارج إطار الأيديولوجيات السابقة عليها فعل مفعول الصدمة التي تلقاها اليسار التقليدي وما زال يعيش اختلاجاتها وآلام ابتعاد الواقع عن عقائده المحنطة، ثم تلقاها اليمين الديني بأجنداته القديمة ذاتها، لتحاصره بكماشة الاستحقاقات الدنيوية للدولة المعاصرة في زمن العولمة من جهة، واستحقاقات الروح الشبابية التي أنتجت الثورة ذاتها وجعلتها معادية بالجوهر للاستفراد بالسلطة وأيديولوجيا الواحد؛ حتى لو كان «مستبداً عادلاً»، من جهة ثانية.

إن مسار الثورات العربية ينحو نحو علمنة السلطة، لا بفصلها عن الدين كما هو متعارف عليه، بل بفصلها عن المقدس، دنيوياً كان أم دينياً، فرفع الغطاء الشعبي والاجتماعي عن قداسة السلطة والحاكم المقدس هو الخطوة الأولى لاستعادة أرض السياسة و «دَنيوتها»، من سماء السلطة وغيوم المتسلطين ورفعتهم الظالمة، أما علمنة القوانين الناظمة لحياة البشر وعلاقاتهم الخاصة، فتلك خلاصة أخرى لمسار مختلف لم يكن له يوماً موطئ قدم في «آخر معاقل العلمانية».

 

* كاتب سوري

=================

انهيار كتلتـ «ـنا» السوفياتيّة في دمشق

حازم صاغيّة

الثلاثاء ١١ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

ثمة من يرى أن الأثر الذي سيخلفه سقوط نظام الأسد على المشرق العربي وجواره سيكون مشابهاً لذاك الذي خلفه تهاوي ‏الاتحاد السوفياتي على بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، وذاك أن موسكو الشيوعية كانت صانعة الحدث في البلدان المذكورة، ‏وأمسكت من خلال كتلتها الاشتراكية وحلف وارسو والنُّخب الشيوعية فيها، بمقدرات تلك البلدان وتحكمت بمصائرها.

أما سورية الأسدية، وعبر استعاضتها عن الداخل الوطني الممعوس بخارج إمبراطوري، فكانت هي الأخرى صانعة ‏الحدث اللبناني، ومساهمة أساسية في صناعة أحداث الفلسطينيين والعراقيين والأردنيين، ومؤثرة في صناعة الحدث ‏التركي.

وانكسار ذاك النظام سوف ينهي الاصطناعي والمفتعل والقسري لصالح وضع أكثر «طبيعية»، وإن كانت «طبيعيته»، في ‏منطقتنا لا تخلو من غموض كبير.

التشبيه ذاك لا يخلو من وجاهة، بل إن وجاهته هي التي تفسر أوجهاً أساسية من التعقيد الراهن للوضع السوري، كما تشكل ‏أحد أهم الأسباب وراء التحول من ثورة سورية إلى أزمة سورية يُطنب العالم وإعلامه في تقليبها على سائر الأوجه.

لكن الدقة تستدعي الاستدراك: فأغلب الظن أن التحول السوري لن ينعكس على الجوار مثلما انعكس التحول الروسي على ‏ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا وهنغاريا، بل أن يحصل ذلك على طريقة أشبه بما عرفته يوغوسلافيا، أي أننا لسنا مرشحين ‏لأن نشهد ما يعادل الوحدة الألمانية بعد تحطيم جدار برلين، بقدر ما نحن مرشحون لأن نشهد التفكك الذي عانته إمبراطورية ‏تيتو. كذلك لسنا مرشحين لقيام أوضاع ديموقراطية تولد فوراً، على غرار ما حصل في ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا ‏وبولندا، ولا لتفريع سلمي للبلدان، على غرار الانفصال النموذجي بين القوميتين التشيكية والسلوفاكية، بل قد ننتهي سالكين ‏الطريق المعقد، وربما المعبد بالدم، الذي عرفته صربيا وكرواتيا وسلوفينيا والبوسنة من أعمال يوغوسلافيا السابقة.

والأمر ليس «مؤامرة» بالطبع، ولا هو «سايكس بيكو» جديداً، على ما يقول بعض المتحذلقين الذين لا يملون الإنشاد الكسول ‏للأغاني الهرمة. إنه الخدمة الكبرى التي أسدتها الثورة السورية للحقيقة المحجوبة والكامنة في تواريخ البلدان وتراكيبها وفي ‏درجة الاندماج المتحققة بين جماعاتها، فما بعد العثمانية، التي تجمع بيننا وبين يوغوسلافيا السابقة، فرضت هناك وتفرض ‏هنا طرقاً التفافية إلى الحرية والتقدم، قياساً بما عرفته البلدان الأخرى الأكثر أوروبية في أوروبا الوسطى، والذين يقولون إن ‏الثورة السورية ما كان ينبغي أن تحصل كي لا نواجه حقائقنا القاهرة هذه، هم كمثل القائلين إن الكتلة الشرقية ما كان ينبغي ‏أن تتفسخ كي لا تحصل الحرب اليوغوسلافية: فالأمر في الحالتين بمثابة توق قوي إلى العيش في الكذب والاصطناع و... ‏الاستبداد.

أما وأن الثورة السورية تقترب من النصر، فيما مقاتلوها يقاتلون في قلب دمشق، فهذا يملي ضرورة الاستعداد للمرحلة ‏المقبلة التي قد لا تقل صعوبة، وأغلب الظن أن تزيد صعوبتها. وهنا لا بد من شحذ شفرة النقد في ما خص بناء الأوطان ‏وعلاقات الجماعات ومكافحة التعصب وتوسيع رقعة التسامح الديني والإثني، فالثورة إذ تحل مشكلةً كان لا بد من حلها، ‏سوف تخلق مشاكل يستحيل تجنب مواجهتها، والطابع الالتفافي للتقدم في العالم ما بعد العثماني، في يوغوسلافيا السابقة ‏وفي المشرق العربي، إنما يحض على العقل والنقد حضاً استثنائياً، تعويضاً عن الافتقارات العظمى والاستثنائية التي ينطوي ‏عليها الواقع.

=================

منحى المعارك وحكومة انتقالية للمعارضة

وراء تبدّل الموقف الروسي من سوريا

روزانا بومنصف

2012-12-11

النهار

ليس واضحا ما اذا كانت روسيا قد بدأت تغير فعلا مواقفها في شأن الوضع في سوريا وفق ما سرى اخيرا على ألسنة مسؤولين اميركيين. اذ ان قراءة التبدلات الروسية خلال الاشهر الماضية برزت في شكل اساسي لدى فرنسا التي عبرت اكثر من سواها عن حصول متغيرات روسية لكن من اجل ان يتبين لاحقا ان هذه القراءة لم تكن صحيحة في احيان كثيرة. الا ان مصادر ديبلوماسية معنية ترى ان في القراءة الجديدة شيئا من الدقة بناء على جملة معلومات بعضها مؤكد وبعضها الآخر لم تثبت صحته كليا بعد. اذ سرى على صعيد المعلومات التي لم تتأكد ان هناك مساعي فعلا من اجل ان تستقبل فنزويلا الرئيس بشار الاسد وعائلته وان روسيا دخلت فعلا على خط هذه المساعي وفقا لما نقلت مصادر غربية في موازاة كلام عن احباط اصيب به الرئيس السوري ورفضه الكلام على مغادرة سوريا مفضلا وفقا للمصادر نفسها الموت حيث هو. وفي حين تقول روسيا انها لا تمون على الرئيس السوري فان المعلومات ترجح عجزه عن التجاوب مع المسعى للمغادرة اما لعدم قدرته على ذلك تحت تأثير القريبين منه الذين لن يتركوه يغادر ويتركهم لمواجهة قدرهم وذلك تحت طائلة احتمال اغتياله او قتله في حال اقدم على ذلك او لعدم رغبته في الخروج من سوريا الى منفى اختياري ما ايا تكن طبيعته.

اما المعلومات المؤكدة التي باتت تتحدث عن تبدل في الموقف الروسي فتستند الى امرين:

الاول ان منحى المعارك على الارض بات يظهر ارجحية لقوى المعارضة في تحقيق تقدم من دون قدرة لجيش النظام على استرجاع ما خسره. والثاني ان روسيا قد تكون تستبق الاستحقاق المتمثل في انعقاد مجموعة اصدقاء سوريا المقرر في المغرب غدا الاربعاء. اذ يفترض بهذا الاجتماع ان يكون حاسما على صعيد اعلان حكومة انتقالية موقتة تنبثق من المعارضة. فالتوصل الى هذه النتيجة سيؤدي الى اعتراف كبير بالمعارضة السورية اكثر مما حصل حتى الآن بالائتلاف السوري المعارض ومن المرجح وفقا للمعلومات ان يؤدي الى خيارين اساسيين مكملين للاعتراف الرسمي: اولهما ان هذا الاخير سيفسح في المجال امام رفع الحظر عن تسليح المعارضة باعتبار ان التعامل يصبح مع حكومة مما قد يسرع في انهاء الازمة الداخلية. وثانيهما هو ان الاعتراف الرسمي سيؤدي الى استبدال السفراء التابعين للنظام بآخرين تسميهم المعارضة وفقا لما جرى حتى الآن مع فرنسا وبعض الدول الاخرى لكن مع اتساع هذه الحركة واحتمال شمولها مقعد سوريا في الامم المتحدة بما سيشكل ضربة قاصمة للنظام وحتى للدول الداعمة له كروسيا والصين وايران. ولعل روسيا لا ترغب في ان يُضغط عليها في ظل تظهير خيارات مماثلة. لكن الاتفاق على حكومة انتقالية موقتة سيدفع الغرب الى ان يضعها امام واقع حكومة جاهزة لان تستلم واخرى موجودة وغير قادرة على الحكم بعد الآن وفق ما قال مسؤولون روس قبل ايام. وهي كلها امور جديدة على المشهد السياسي السوري.

=================

هل نَدِم شيعة العراق على دعمِ الأسد؟

سركيس نعوم

2012-12-11

النهار

موقف العراق وتحديداً الشيعة الذين يشكلون غالبية شعبه من الثورة السورية كان خاطئاً في رأي عدد من مرجعياتهم وقياداتهم السياسية والحزبية وحتى الدينية، هذا ما يقوله قريبون جداً من بغداد. فالموقف المذكور كان معادياً او معارضاً أو رافضاً للثورة السورية ومؤيداً للنظام السوري وتالياً قابلاً وإن من دون اعلان بكل قمعه لها، والدافع اليه كان ان "العلوية" هي احدى هويات نظام الاسد. وقد تحولت منذ انطلاق الثورة عليه الهوية الرئيسية له. والعلوية والشيعية متقاربتان اولاً بسبب فتوى شيعية قدمها الإمام المغيّب موسى الصدر أكدت "قرابتهما". وثانياً، بسبب تحوّل الصراع في المنطقة مذهبياً، ومعروف ان غالبية الشعب السوري من السنّة. وثالثاً، بسبب تأثير ايران الاسلامية على عراق ما بعد صدام حسين، وحاجتها اليه لدعم نظام الاسد في معركته المصيرية التي تهدده جدّياً للمرة الاولى منذ تأسيسه عام 1970. فالعراق هو الجسر الجغرافي الذي يصلها بسوريا، ويمكِّنها من مدها بكل انواع المساعدات التي يحتاج اليها حاكمها الأوحد. والعراق "المحكوم" من الغالبية الشيعية، إذا كان فيه حكمٌ فعلاً، مدين لايران بالكثير. فهي التي حضنت الشيعة الثائرين على النظام السابق فيه وكانوا بعشرات بل بمئات الالوف، وهي التي موَّلتهم ودرّبتهم وساعدتهم على البقاء ثائرين عليه، وهي تبقى عمقاً استراتيجياً لهم جراء اندلاع المواجهة المذهبية الاسلامية في اكثر من دولة في العالم العربي والاسلامي وهي مواجهة سلمية حيناً وأمنية حيناً آخر ومسلّحة حيناً ثالثاً. وايران صاحبة مشروع اقليمي كبير تتداخل فيه القومية والمذهبية والوطنية، وهي تحتاج للاستمرار في تنفيذه بل للنجاح في تنفيذه إلى استمرار حلفائها الاقليميين في مواقعهم. والعراق ذي الغالبية الشيعية يساعدها في ذلك.

طبعاً، يتابع القريبون جداً من بغداد انفسهم، هناك دوافع اخرى لوقوف شيعة العراق الى جانب النظام السوري في "محنته" البادئة منذ أكثر من 20 شهراً والمتصاعدة على نحو مخيف. منها اعتقاد المرجعيات والقيادات الشيعية العراقية المتنوعة ان "النجف الاشرف" مع وحدة الشيعة في العالم العربي والاسلامي، وهو اعتقاد خاطئ في رأيهم، ذلك ان "النجف" وتحديداً المرجع الاعلى السيد علي السيستاني لم "يَفتِ" في هذا الامر وعلى النحو المشار اليه. لكن الاشارة الى خطئه اليوم لم يعد مفيداً، فالذي حصل حصل. ومنها ايضاً ان العالم العربي "السنّي" لم يتجاوب مع محاولات شيعية عراقية سعى اصحابها الى تحقيق انفتاح بين دوله والعراق وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ومصر. أما الاولى فسبب سلبيتها اعتبارها ان شيعة العراق وضعوه تحت تأثير ايران التي تهددها مع دول الخليج كلها فضلاً عن العالم العربي. وأما الثانية فسلبيتها ايام حكم حسني مبارك فكانت للسبب السعودي المذكور اعلاه. ولم يُلغ وصول "الإخوان المسلمين" الى الحكم (وإن في صورة غير نهائية بعد) في مصر هذا السبب. وعلى العكس من ذلك، فقد ظهر لاصحاب المحاولات الشيعية العراقية المشار اليها أنهم أكثر تشدداً في هذا الموضوع، ومعهم مرجعيات دينية عريقة ذات تاثير اسلامي عام. وقد بلغ التشدد حدَّ رفض الالتقاء والتحاور، علماً ان الأوضاع المضطربة في مصر قد تبرر جزئياً هذا الرفض. الى ذلك كله، يقول القريبون جداً من بغداد انفسهم، ان ايران الاسلامية هي من نصح شيعة العراق بالانفتاح على سنّة العرب وتحديداً على "الإخوان" لأسباب متنوعة، قد يكون أحدها الاقتناع وإن غير العلني باستحالة انتصار النظام السوري على شعبه.

هل الشيعة كلهم مع الموقف "التصالحي" مع السنّة العرب و"الإخوان المسلمين"؟

يقول قيادي شيعي عراقي كبير إن رأي ايران يختلف كثيراً عن الوارد اعلاه عنه. فهي تعتقد انها الآن بدأت تقطف ثمار مواقفها ومواجهتها، وظهر ذلك جلياً في غزة، ولذلك فإنه ليس من مصلحة شيعة العراق "الاستقلال" او الابتعاد عنها.

لكن القيادات والمرجعيات المختلفة معه تقول إن دوافع الموقف الاخير لإيران هو الرغبة في الاحتفاظ بالعراق وبغيره من الحلفاء، لأن بدء هزيمة حليفها السوري بدأ يضعف "ثقة" الآخرين بايران. فضلاً عن ان ما جرى في غزة هو اشارة الى انتهاء حلف "حماس" و"الجهاد" مع ايران رغم شكرهما لها على الصواريخ التي قدمتها لهما. فهو شكر على مساعدة سابقة للتحوّل في موقفهما منها الذي تحدث عنه العرب كلهم والعالم.

=================

سورية.. "الأرض" تقول لروسيا: لا

2012-12-11 12:00 AM

الوطن السعودية

11-12-2012

يظهر البيان الصادر عقب المحادثات التي جرت ـ أول من أمس ـ بين الوسيط الدولي بشأن سورية الأخضر الإبراهيمي ومسؤولين روس وأميركيين، أن روسيا باقية على إصرارها القديم منذ "الفيتو" المزدوج الشهير، إذ أعلنت روسيا أن التخطيط للمستقبل السوري يجب ألا يفرض عليها من جهات خارجية، مما يشي بإصرارها على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، لأن أي إصلاحات يدعيها النظام السوري، وأي حوار وطني سوري تدعو إليه روسيا، إنما يبدأ من بقاء النظام، وذلك ما لا يمكن أن تقبل به المعارضة السورية التي نالت تأييدا دوليا واسعا من خلال الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة، كما لا يمكن أن يستسيغه الثائرون الذين دفعوا ثمنا غاليا في سبيل سقوط النظام.

البيان يتضمن أن روسيا "أكدت على أن القرارات الضرورية بشأن إصلاح النظام السياسي السوري يجب أن يتخذها السوريون أنفسهم دون تدخل من الخارج أو محاولات فرض حلول معدة للتطورات الاجتماعية والسياسية"، متجاهلة استنجاد المعارضة السورية، وجميع كتائب الجيش الحر، بالعالم، من أجل المساعدة على إسقاط النظام، فهل صارت روسيا أعلم من السوريين بما هو صالح لهم؟ أم أن إصرارها على بقاء الأسد يجعلها تتقمص دور الحريص، بينما هي تلعب دور الحريص على بقاء النفوذ؟

واضح أن الموقف الروسي قائم على رفض تنحي الأسد بوصفه شرطا سابقا لأي عملية إصلاح سياسي في سورية، وأن جميع طروحاتها السياسية تبدأ من نقطة بقاء نظام الأسد، ولذا تؤكد على أن إعلان جنيف الصادر في يونيو الماضي لم يتضمن شيئا يتعلق بإسقاط الأسد أو رحيله، لتبني على هذا الاعتقاد التزامها بمساعدة الإبراهيمي على التوصل إلى حل للأزمة السورية، وهو ما لا يمكن لأن جميع المعطيات العسكرية والسياسية تتناقض مع إمكان حدوثه.

التقدم الذي يحرزه الجيش الحر على الأرض، يجعل الموقف الروسي هباء، ويزيد في أسباب تحويل الائتلاف السوري المعارض إلى حكومة، وهو ما يمهد الطريق أمام مرحلة انتقالية سلسة.

=================

عن الأقليات في سوريا!

اكرم البني

الشرق الاوسط

11-12-2012

الحديث عن الأقليات في سوريا، يعني هذه الأيام الحديث عن مخاوفها من الثورة، إن لجهة الفوضى المحتملة والمرافقة عادة لعملية التغيير ولتراجع دور الدولة أو لجهة خطر وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، والخشية من مظاهر التضييق والتنميط المرافقة لهذا النوع من الحكومات، التي تحاول عادة فرض أسلوب حياتها وثقافتها على المجتمع، ما يهدد هوية هذه الأقليات وحقوقها وطرق عيشها!

تشكل الأقليات الإثنية والدينية في سوريا نسبة تصل لنحو 40 في المائة من عدد السكان إلى جانب العرب السنة، وتتألف من شتى مذاهب المسلمين غير السنة والمسيحيين وقوميات تتباين ثقافاتها مع العرب، كالأكراد والشركس والتركمان والأرمن والآشوريين، وقد شاركت جميعها في التحرير والاستقلال وبناء دولة وطنية جامعة، وأيضا في التعرض لمختلف أصناف القمع والاضطهاد من النظام الحاكم بغية تطويعها وتسخيرها لخدمة مصالحه ولتوسيع قاعدته الاجتماعية، وإذ لزمت في غالبيتها الصمت والخضوع لإملاءات السلطة خلال عقود طويلة تحت هواجس شتى، لكن تاريخها شهد حركات ونشاطات مناهضة لسياسات الاستبداد من خلال أحزاب وشخصيات معارضة عربية وكردية ومن شتى المذاهب الدينية عانت من السجون والإفقار والمنافي. والحال، لم تكن في سوريا مشكلة أقليات وأكثرية، لولا تواتر حالات التمييز القومي أو الطائفي من قبل السلطة لضمان الولاء على حساب الرابطة الوطنية والسياسية ومعايير الكفاءة والنزاهة، ولولا استجرار وتشجيع ردود فعل وولاءات من الطبيعة نفسها! فقد لعب السوريون، من مختلف المكونات القومية والدينية، دورا متكاملا في بناء دولتهم وتاريخها الحديث، وشكلت عندهم قيم المواطنة والمساواة قاسما مشتركا كما غلبت انتماءاتهم إلى الأحزاب الحداثية على أي انتماء، وطبعا من حسن الحظ أن وقفت مشكلة الأقليات والأكثرية ولوقت طويل عند حدود الاستئثار بتوزيع المناصب والامتيازات، ولم تتحول إلى تعبئة سياسية تخوض الصراعات وفق مشاريع فئوية خاصة وتاليا إلى تخندقات متخلفة خطرة، مشحونة بالإقصاء المتبادل وبرغبة عمياء في إضعاف الآخر والنيل من قوته وحقوقه على حساب الهم الوطني العريض!

هناك أسباب موضوعية وبنيوية في الخصوصية السورية لغلبة مسار الانصهار الوطني في مواجهة نوازع التفرقة والتمييز، فالمجتمع لا يملك رصيدا من الأحقاد والمواجهات الحادة بين مكوناته يستحق التوظيف والاستثمار، ثم إن درجة الوعي العام للشعب السوري والتفافه المزمن حول مهام وطنية وقومية عريضة تركت أثارا إيجابية على تضامنه ووحدته واندماجه، وأضعفت تاليا البنى العصبوية التقليدية وإمكانية تبلورها في مشروع سياسي خاص، كما ساعدت في تمكين بناء دولة وطنية نأت عن المحاصة السياسية الطائفية، هذا إذا أخذنا في الاعتبار أهمية التداخل الجغرافي بين مكونات المجتمع المختلفة وندرة وجود معازل أو أماكن نقية تحسب على أقلية أو أكثرية، فإن الأكثرية، حالها كحال الأقليات، ليست موحدة ثقافيا أو سياسيا، فما يجمعها هو الرابط الديني وإيمانها العفوي التقليدي، لكن تفرقها اجتهادات متنوعة في فهم علاقة الدين بالحياة، كما انتماءاتها المختلفة، إلى أطر سياسية، قومية أو ليبرالية أو شيوعية أو غيرها، عدا عن الدائرين في فلك السلطة، من المحازبين والمستفيدين، ونضيف أن الانتفاضة الشعبية التي تنتمي كتلتها الرئيسة إلى الإسلام بصفته دين الأغلبية، تنطوي على تنوع وتعددية لافتين، فإلى جانب العرب والأكراد، هناك مشاركة متفاوتة تبعا لكل منطقة من مختلف الطوائف والمذاهب، والأهم أنه لم تسمع أصوات وازنة تدعو إلى حكم الشريعة ودولة الخلافة، بل لا تزال هتافات المحتجين في أكثريتها تميل إلى الشعارات المناهضة للطائفية وإعلاء قيم المواطنة وأسس العيش المشترك!

ولكن، ثمة حيثيات ونواقص ذاتية لتمكين المسار الوطني تزداد حضورا وإلحاحا طردا مع هذا التوغل المريع في القمع والتنكيل ضد المحتجين، وإصرار أهل الحكم على إنكار مطالب الناس وإظهارهم كأدوات تآمرية وطائفية، منها أولوية الحفاظ على أخلاق الثورة وروحها الوطنية والتحسب جيدا من دفع الاصطفافات تحت وطأة العنف المفرط إلى مكان خاطئ يفتح الباب أمام صراعات فئوية ممزقة ومدمرة، ومنها ضرورة التمسك بدور الدولة ومؤسساتها وأولوية الاحتكام إلى القضاء والقانون، فتغيير السلطة يجب أن لا يقود إلى تفكيك الدولة أو الإطاحة بدور مؤسساتها كوعاء لإدارة المصالح المتنوعة للمجتمع، ومنها الارتقاء بدور المعارضة السياسية ووحدتها وقدرتها على تمثيل مختلف القوى والفعاليات بعيدا عن المحاصصة والحسابات الضيقة، وبالنتيجة تقديم بديل مقنع يحظى بثقة الجميع، والأهم تشجيع المبادرات لتشكيل لجان أهلية مناهضة للطائفية والتمييز كما شهدنا في بعض المناطق والأحياء المختلطة، تعزز أسس التعايش والتسامح والتكافل وتساهم في حماية أرواح الجميع وممتلكاتهم ومحاصرة نوازع النزوح على أسس طائفية أو مذهبية! وإذ نعترف أن مسألة الأقليات ومخاوفها هي شماعة يستخدمها المتمسكون بمصالحهم ليبرروا صمتهم ويستخدمها المجتمع الدولي ليبرر سلبيته ويستخدمها النظام ليتوغل أكثر في القمع والتنكيل، نعترف أيضا بأن مخاوف بعض الأقليات من الفوضى والتطرف الإسلامي هي مخاوف حقيقية، والقصد أنه لا يمكننا لوم هذه الجماعات على خوفها وإحجامها، أو معالجة الخوف بالإدانات والاتهامات، بل بالإقدام الشجاع للحد من التجاوزات والخروقات وروح الثأر والانتقام التي تنشأ في ظل غياب دور الدولة والقانون، ولمحاصرة التطرف والانحرافات الطفولية الحالمة بانتصار أناني وتقاسم المغانم. وهنا ينبغي الاعتراف بأن المتخوفين من التغيير ليسوا فقط الأقليات العرقية والدينية، بل قطاعات عريضة من أبناء الطبقة الوسطى وقطاع من المثقفين والكتاب والمبدعين، لكن هذا التخوف المشروع يجب ألا يقود نحو المزيد من السلبية بل بتحويله إلى حافز إيجابي يشجع هؤلاء على مزيد من المشاركة في الشأن العام، على قاعدة أن التغيير يفتح الطريق لمقارعة الآخر المختلف في مناخات الحرية وعبر المؤسسات السياسية والدستورية، فالسياسة صراع وصيرورة وآفاق، ودون نجاح الثورة لا يمكن فتح صيرورة وآفاق تنهض بسوريا سياسيا نحو الوطن التعددي والديمقراطي.

=================

لن نتخلى عن روسيا ولن تتخلى روسيا عنا

محمد علي بيراند

الشرق الاوسط

11-12-2012

إذا كنت تتساءل عن نتيجة زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإسطنبول قبل أيام، يمكنني أن ألخصها لك: «لم يكن محور تركيز الزيارة منصبا على بشار الأسد، أو صواريخ الباتريوت، بل على الجهود الرامية لزيادة حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين البالغ 35 مليار دولار إلى 100 مليار دولار».

كانت المحادثات، في ذلك الجانب، مثمرة جدا.

يجب أن أقول الآن من البداية: إنه لو كانت هناك أزمة حقيقية بسبب سوريا وصواريخ الباتريوت، ما كان بوتين ليقوم بزيارة إلى إسطنبول.

نحن بشكل عام نبخس تقدير العلاقات التركية - الروسية، فيما قد وصلت العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين إلى ذلك المستوى الذي على الرغم من أنه ربما توجد فيه آراء مختلفة بين العاصمتين وتوجهان انتقادات لبعضهما البعض في مواضيع معينة، لا يستطيع أحد أن يكسر هذه السلسلة من المصالح.

لن تتخلى روسيا عن تركيا، ولن تتخلى تركيا عن روسيا. ربما يكون موضوع مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد مجرد أمر تافه عند مقارنته بهذه المجموعة الضخمة من المصالح المتبادلة بين البلدين.

علاوة على ذلك، فإن مشكلة روسيا ليست مع تركيا.

في واقع الأمر، موسكو في مواجهة مع واشنطن. إن موسكو لا ترغب في أن تتدخل واشنطن في إدارات الدول الإقليمية وتحاول تغيير القائد كما تشاء. في لعبة الاستراتيجية الكبرى، ترغب في تقليص نفوذ الولايات المتحدة. إن معارضتها لصواريخ الباتريوت ترجع إلى هذا السبب. فهي تعلم أن هذا النظام يعتبر نموذجا قديما جدا ولا يشكل بأية صورة مصدر تهديد؛ لكنها تتخذ رد فعل لأنها لا ترغب في أن يأتي حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى المنطقة. بالطبع، منذ أن دخلنا نحن أيضا اللعبة، تتلقى تركيا نصيبها من الانتقادات.

أثناء هذا الاجتماع، أعلن عن أنه قد تم التوصل إلى إجماع بشأن مستقبل الأسد.

في واقع الأمر، لم يحدث ذلك بعد. لا يمكن الوصول إلى حل لقضية بشار الأسد في محادثة بين تركيا وروسيا، ولكن من خلال محادثات بين روسيا والولايات المتحدة. دعونا لا نركز على مثل هذه القضايا. فلنركز على التجارة؛ من المؤكد أننا سوف نخرج أحسن حالا.

كان أردوغان محقا في تعنيفه إسرائيل.

هؤلاء الذين يقرأون المقال يعون جيدا أنني أهتم بالعلاقات التركية - الإسرائيلية، وأرى أن هاتين الدولتين لديهما الكثير لتمنحاه بعضهما للبعض. كذلك، فإنني من بين هؤلاء الذين يرغبون في أن تعود العلاقات الحالية بين البلدين إلى طبيعتها. في واقع الأمر، كنت ضد التقريع البغيض من جانب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لشيمعون بيريس في دافوس. انتقدت حديثه. وفي حادثة أسطول «مافي مرمرة»، جنبا إلى جنب مع إدانة وحشية إسرائيل، أوضحت أنه كان من الخطأ أن ينطلق الأسطول من الأساس.

الآن، عليّ أن أقول إن إسرائيل – على وجه الدقة، حكومة بنيامين نتنياهو – أصبحت على درجة مفرطة من الوحشية والتهور والفساد إلى حد أنها تستحق موقف أردوغان. إذا استمرت على هذا النهج، فلن تكون ثمة وسيلة يمكنها من خلالها أن تطبع علاقاتها مع تركيا. في مثال حديث، منحت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، من خلال عدد معقول من الأصوات، متنفسا لفلسطين. وعلى الرغم من أنه لم يحدث أي تغيير ملموس على أرض الواقع، فإن هذا التصويت قد أصاب إسرائيل بالجنون.

لقد أعلنت إسرائيل أنها ستقيم 3000 مسكن جديد للمستوطنين اليهود في أكثر المناطق المتنازع عليها في القدس، على أرض تنتمي للفلسطينيين.

لم يكن هذا كافيا؛ فقد قررت أيضا استرجاع ضرائب قيمتها 100 مليون دولار كانت قد حصلتها بالنيابة عن الإدارة الفلسطينية. وسوف تضيف هذا المبلغ إلى حساب ديون الطاقة الخاص بالفلسطينيين، على نحو يحكم على الفلسطينيين بالمجاعة.

لقد تجاوزوا المدى إلى حد أن أوروبا نفسها ثارت عليهم. فبعض الدول تستعد لسحب سفرائها؛ ورد الفعل العالمي يتزايد.

نتنياهو لا يعبأ. فالأمر المهم بالنسبة له هو الانتخابات المزمع إجراؤها في يناير (كانون الثاني). حتى إنه لا يناقش فكرة أنه في يوم ما لن يكون قادرا على الحصول على الدعم السابق من جانب الولايات المتحدة. على النقيض، ترتكز إسرائيل في موقفها على واشنطن وتمضي قدما بما يتوافق وهذا الموقف. إذا سألت العرب، فلن تجدهم مهتمين بدرجة كبيرة، بل إنك ستجد أيديهم مغلولة في الأموال التي يمنحونها. إنهم لا يدفعون بأنفسهم إلى صدارة المشهد، حتى مثل أردوغان.

الآن أعلن أنه ما دام نتنياهو يحكم، فقد أسقطت إسرائيل تماما.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت» التركية

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ