ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 05/12/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

04-12-2012

أتى به بشار ومعه سيذهب

  علي حماده

  2012-12-04

النهار

كثر أخيراً كلام الرئيس نجيب ميقاتي عن فلسفة "النأي بالنفس" عن الأزمة السورية، وسمعناه بالأمس يكرر كلاماً "فلسفياً" عن الرهان على الخارج وضرورة تجنبه في السياسة اللبنانية. وكان يتحدث في افتتاح معرض الكتاب العربي في بيروت. وما يؤسفنا اننا لم نر احداً من الحضور يقف ويسأل رئيس الحكومة الذي يتحفنا بخطب عن مساوئ المراهنة على احداث الخارج، على ماذا راهنت يا دولة الرئيس نجيب ميقاتي حين تهافتّ على رئاسة الحكومة في كانون الثاني 2011؟ هل راهنت على عدم الرهان على نظام بشار الاسد او على سلاح "حزب الله"؟ ام راهنت على النأي بالنفس؟ هل راهنت على النظام الديموقراطي والتداول السلمي للحكم؟ او راهنت على شعبية تهافتك على المنصب في الوسط الطرابلسي والشمالي والسني؟ هل راهنت على الوفاق الوطني الداخلي الذي كانت ستولده حكومة قتلة؟ ام راهنت على شعبية السيد حسن نصرالله في بيئتك المناطقية والطائفية؟ وهل راهنت على انتعاش للاقتصاد الوطني في حكومة صنعها بشار و"حزب الله"؟ او راهنت على صلابة القطاع المصرفي في ظل اقتحامه بعمليات لتبييض اموال نظام بشار الاسد و"حزب الله"؟

لم يقل لنا الرئيس نجيب ميقاتي الذي ينصح بعدم الرهان على احداث في الجوار، على ماذا راهن حين تهافت على رئاسة الحكومة؟ هذا هو سؤالنا لميقاتي الذي يقف اليوم شاهداً عاجزاً وهو يراقب مرجعيته في سوريا تنهار يوما بعد يوم. أويظن أن أحداً في لبنان أو في سوريا يصدّق كلامه للسعوديين والاميركيين والفرنسيين بأنه قطع علاقاته ببشار؟ ان النظام في سوريا يعيش آخر أيامه، وبشار اليوم يقاتل في دمشق، ومع بشار سيرحل الكثيرون.

في سوريا لم يعد ثمة حديث عن تسويات سياسية. السياسة غير مطروحة في الوقت الحاضر. الكلام للمدافع كما يُقال. ومعركة دمشق بدأت ولن تنتهي الا بسقوط النظام. وعندما نقول السقوط، فإننا نعني ان خرج بشار الاسد، مع بطانته من العاصمة الى منطقة اخرى، سيفقد كل شرعية متبقية من خلال المؤسسات التي يحكم سيطرته عليها. ستسقط الحكومة لأن معظم الوزراء لن يلحقوا به، وسيسقط مجلس الشعب لان معظم اعضائه سيتشتتون، وقلة ستلحق به الى المنطقة العلوية. اما الموظفون الكبار المدنيون في أجهزة الدولة، فسيبقون بقرب مؤسساتهم. من هنا فإن الخوف من قيام دويلة علوية يقودها بشار في منطقة ساحل وجبل العلويين غير مبرر، لان قوة النظام كانت في دمشق وفي الحكم المركزي لا في كانتون مذهبي أقلي سيكون بمثابة اسرائيل ثانية في المنطقة، ولن يعمّر.

ان الوضع في سوريا يتحرّك بسرعة، وبحسب موظف كبير في الادارة الفرنسية، قد نفيق في يوم ليس ببعيد على خبر انهيار النظام بالكامل وهرب بشار الاسد الى خارج العاصمة.

دولة الرئيس نجيب ميقاتي، أنت حر في رفض الاستقالة، لكن اعلم شيئاً: قد أتى بك بشار، ومعه ستذهب.

================

أي بديل نريد؟

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

4-12-2012

ليس من الحصافة في شيء أن ينتهج المعارض خطا يخدم نظاما يدمر وطنه ويقتله شخصيا. وليس من الحكمة دخول معارك يتم خلالها تقاسم جلد الدب قبل اصطياده، على الرغم من أن مخالبه ما زالت مغروسة في جسدنا، ويمكن أن تودي بحياتنا.

كان من المفترض أن تتم تعبئة وتوحيد أعظم قدر من القوة قبل رحيل النظام، ليكون إسقاطه مؤكدا وناجحا. ومع أنه من المنطقي ألا تتفق جميع الآراء والمواقف في أي حراك مجتمعي واسع ومتشعب كالحراك السوري، فإن بروز منظمات كانت هامشية عند بدء الثورة، لكنها تغلغلت إلى الشارع واحتلت موقعا مميزا داخل المعارضة، التي تبدل طابعها ولم تعد ما كانت عليه عند بدء الحراك، دل على وجود خلل خطير في العمل العام، مرده إلى أن هذه المنظمات لم تقدم أي إضافة إيجابية إلى ما يتعلق بإسقاط النظام: هدف الثورة المباشر، وإنما فرضت عليها هدفا يسود حوله خلاف جدي على مستوى تعبيراتها السياسية والعسكرية، أدى إلى تشتيت الجهود وإنهاك القوى وتمزيق الصفوف ووضعها بعضها في مواجهة بعضها الآخر، مثلما نرى هذه الأيام في مناطق مختلفة من سوريا، يعتبرها من يسيطرون عليها محررة من النظام وأطراف المعارضة في وقت واحد، على الرغم من أن المعركة ضد النظام لم تنته وليست واضحة النهايات بعد، وعلى الرغم من أن استمرارها يجعل التناقض الرئيسي معه وليس مع من يقاتلونه من المعارضين، مهما كانت انتماءاتهم مختلفة وخياراتهم متباينة عن انتماءات وخيارات الجهة التي حررت هذه المناطق، التي تعلن تصميمها على إخضاعها لحكم فئوي وغير متوافق عليه، أخذ بالفعل صورة إمارة إسلامية أعلن عن قيامها في مدينة حلب، ما لبثت أن باشرت عملها بطرد من استطاعت طردهم من مخالفيها في الموقف والرأي إلى خارج مناطق سيطرتها داخل المدينة الكبيرة، التي أحرقوا مزارات كثيرة فيها، وكتموا أنفاس سكانها وخاصة النساء منهم، اللواتي منعن من قيادة السيارات، وعوقبن أن قبض عليهن متلبسات بجرم السير سافرات أو منفردات في الشوارع.

لا ضرورة للتأكيد على ما يخلفه هذا السلوك من مشكلات لا لزوم لها، تقوض الحراك وتؤذي الشعب، وتفرض حكما طالبانيا في بلاد تثور منذ قرابة عامين ضد نظام استبدادي قديم خضعت له طيلة قرابة نصف قرن، وليس لديها رغبة في الرضوخ لحكم استبدادي جديد، يتكشف ضرره في المناطق المحدودة التي يسيطر عليها، بما يثيره من معضلات عويصة تحرف الثورة عن مسارها، وتمزق صفوف الثوار، وتقيم الحواجز والمتاريس بينهم، وبما يمثله من إرهاب يستغله النظام دون شك لكسب قطاعات واسعة كان قد خسرها من المواطنين، ويلمسه المقاتلون والمناضلون في الميدان من خلال تعرضهم لقدر من العداء لا مسوغ له، كان قد بدأ باستعمال المال السياسي ضدهم، ثم مر باستعداء الشعب عليهم، ووصل في النهاية إلى إبعادهم عن مناطق احتلها هؤلاء بالسلاح والعنف والتحريض المذهبي والآيديولوجي.

ماذا سيحدث إن تم «تحرير» بقية سوريا بهذه الطريقة؟ هل سنكافئ أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وبناتنا على تضحياتهن بمنعهن من مغادرة المنازل، كي لا يرين شيئا خارجها؟ وهل سنرى في المرأة كائنا غير إنساني لا يستحق الحرية والمعرفة والحياة الحرة، فنعطل نصف مجتمعنا ونقتل روحه؟ وهل سنستورد من الآن فصاعدا نظرتنا إلى الإسلام من أفغانستان، لنستعين بها في إلغاء ما كان أجدادنا قد نشروه في العالم من إسلام وسطي ومتسامح، وعرفوا به من سعة الصدر ونقاء القلب وصدق الإيمان، فنتقدم إلى الخلف بدل أن نتقدم إلى الأمام؟ وهل سنحول بيوتنا إلى سجون لرجالنا الأحرار، الذين هانت عليهم الشهادة في سبيل كرامتهم، التي سنستبيحها ونحن نقيس بالمساطر طول لحاهم وسوالفهم وجلابيبهم؟ وهل سيتولى أمورنا بعد حكم القسوة والفظاظة حكم الجهل والهوى، الذي سيلغي حقوقنا، بما في ذلك حقنا في اختيار طريقة نومنا وكلامنا وتناول طعامنا؟ هل سيحكمنا من يكرهون الإنسان والحرية والتقدم والحق في الحياة ويحبون العبودية والذل والقتل، الذين سيقدسون قادتهم وسيجبروننا على عبادتهم والخضوع لإرادتهم؟. كنا نؤمن أن ثورة الحرية التي تبنت قيم العالم الحديث منتصرة لا محالة، ونؤمن اليوم أيضا أنها ستنتصر في نهاية المطاف لأنها اختيار شعب عافت نفسه الاستبداد والظلم، لكننا نرى ما يوضع في دربها من حسابات جزئية وولاءات دنيا، سبق لما يماثلها أن لعب دورا جديا في تقويض حركتين لم تكونا أقل شعبية من الحركات المذهبية الحالية، وعلق قطاع واسع من الشعب آمالا عراضا عليهما، هما الحركة القومية والحركة الاشتراكية، لكن طابعهما الآيديولوجي ما لبث أن قادهما للاستناد إلى تكوينات ما قبل مجتمعية ذات ولاءات دنيا، أجبرت الشعب على القيام بثورة للإطاحة بهما. في ضوء هذه الخبرة التاريخية، يكون ضربا من التخلي عن الوطن والشعب أن يحاول مذهبيون ضيقو الأفق وغرباء عن الفكر والمعرفة وضع يدهم بالسلاح على ثورة استشهد خلالها عشرات الآلاف من المواطنات والمواطنين من أجل حريتهم، التي اعتبروها فاتحة حياة جديدة سينعمون خلالها بالعدالة والمساواة، وسيرفضون إقامة أي نمط جديد من الاستبداد، ولكن المضاعف هذه المرة: مذهبيا وسياسيا.

يتواصل زخم الثورة السورية، ويتصاعد نضال السوريات والسوريين من أجل حريتهم، بينما تريد فئة مذهبية أخذ بلادنا إلى فوضى تجعلها غير قابلة للحكم، وعاجزة عن استعادة وضعها الطبيعي، لفترة طويلة مقبلة. في مواجهة هذه الفئة، تصير الحرية قدر شعبنا وسبيله إلى الحياة والكرامة، وطريقنا إلى المستقبل، الذي يجعلها خيارا إنقاذيا لا شك في أن الشعب سيتمسك به ويرفض أي نظام غيره، لتعارضه مع مصالح ورغبات معظم المواطنات والمواطنين، ومع أمن واستقرار المنطقة العربية برمتها.

ستقف سوريا خلال الفترة القصيرة المقبلة على مفترق طرق، ليس من المؤكد أنه سيأخذها إلى الحرية التي يصبو شعبها إليها، إن أفلت زمام الأمور من أيدي الوطنيين من أبنائها في المعارضة السياسية والمقاومة المسلحة. لذلك، من المطلوب اتخاذ ترتيبات تجعل الخيار الديمقراطي حتميا، وإلا وقع ما لا يريده وضاعت البلاد وهلك العباد. هل سيكون السوريون على مستوى المسؤولية التي تلقيها على عاتقهم هذه المهمة؟ هذا هو السؤال الذي يتوقف على بلورة إجابة صحيحة عنه مصير ومستقبل وطننا وشعبه!

===============

لعبة المالكي ضد الشعب السوري؟

عماد الدين اديب

الشرق الاوسط

4-12-2012

لا بد من التأمل العميق في علاقة الحكم في العراق بنظام الدكتور بشار الأسد. هذه المسألة أصبحت جوهرية في ملف «بقاء أو زوال النظام السوري المستبد»!

لقد أصبحت الممرات الجوية العراقية والطرق الحدودية الملاصقة ما بين العراق وسوريا منفذين أساسيين لنقل شحنات السلاح والذخيرة التي يستخدمها النظام السوري لترويع معارضيه وقتلهم.

هذه الممرات وهذه الطرق أصبحت جوهرية وذات قيمة متعاظمة بعدما قامت تركيا بمجموعة إجراءات للتعرض والتفتيش لأي طائرات مدنية تأتي عبر الأجواء التركية لسوريا، كما أن أنقرة أحكمت الإغلاق على الحدود البرية المشتركة بين البلدين.

إذن ما هو المتبقي لنقل شحنات السلاح إلى سوريا؟

بالنسبة للسلاح الروسي فإن الطريق الوحيد هو البحر عبر طرطوس وبانياس قبالة سواحل البحر الأبيض المتوسط، أما بالنسبة للسلاح الإيراني فإنه يواجه عمليات تعرض وتفتيش في البحار.

إذن يبقى العراق جوا وأرضا هو المنفذ الأساسي لشحنات السلاح الإيراني للنظام السوري. ويأتي نظام نوري المالكي رئيس وزراء العراق ليلعب لعبة مفضوحة في التصريح بأنه لا يملك من الوسائل ولا الإمكانات لمنع نقل وتسرب شحنات الأسلحة الإيرانية إلى سوريا. وكأن العراق - الآن - ليس محمية إيرانية، وكأن نوري المالكي ليس حليفا لطهران، وكأن الحرس الثوري الإيراني بكافة مؤسساته الأمنية والاستخباراتية لا يعمل منذ سنوات على قدم وساق للسيطرة على أحوال العراق الداخلية.

إن نظام المالكي الذي يدعي أنه على علاقة طيبة مع واشنطن يعطي علاقاته الإيرانية الأولوية القصوى وهو غير قادر - حتى إن أراد - أن يخالف الإرادة الإيرانية في دعم «الحليف السوري».

ليس من مصلحة نظام المالكي (الطائفي مذهبيا) الموالي سياسيا لإيران، قيام نظام حكم إسلامي سني إصلاحي أو ثوري. هذا هو مربط الفرس، وتلك هي معركة الحياة أو الموت التي يشارك فيها نظام أقلوي نظاما أقلويا طائفيا في الرهان على الحاضر والمستقبل.

لا يمكن لنظام المالكي أن يقبل بانتصار الثورة في سوريا؛ لأنه يدرك أن الربيع السوري سوف ينتقل بعدها تدريجيا إلى العراق الذي لم يعرف الإصلاح أو التغيير الطبيعي ولكن عرف احتلالا أميركيا أزاح استبداد صدام باستبداد طائفة.

================

عن البلدين و «الشعب الواحد»

الياس حرفوش

الثلاثاء ٤ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

الذين يعترضون اليوم على تدخل فئة من اللبنانيين، هي الفئة التي تعارض النظام السوري الحالي، في ما يسمونه «الشأن الداخلي السوري»، يجب أن تكون ذاكرتهم قصيرة جداً كي لا يتذكروا ذلك الشعار الذي صار لازمة «وطنية» في لبنان عندما كان يرضخ لعهود الوصاية، وكاد أن يضاف إلى لازمة النشيد الوطني في ذلك الوقت... إنه شعار «شعب واحد في بلدين».

لم يبقَ شارع من تلك الموالية للنفوذ السوري في حينه، الا استطاب رفع ذلك الشعار وتغنى به، وكان القصد هو التأكيد على حرص حكام «الشعب الواحد»، الذين صادفت إقامتهم آنذاك في البلد المجاور، سورية، على تقديم التضحيات الجليلة لحماية ذلك القسم من «شعبهم»، الذي يقطن البلد الثاني. من التبريرات التي قُدّمت لذلك التدخل السوري، انقسام اللبنانيين في ما بينهم وتفككهم الطائفي وعجزهم عن بناء مؤسسات سياسية وأمنية موحدة، من دون رعاية «الشقيق الاكبر»، حتى ذهب احد الحكام اللبنانيين، الذي كان يحكم سعيداً بالنيابة عن النظام السوري، إلى حد التجرؤ على اتهام مواطنيه اللبنانيين بأنهم «قاصرون»! وبالطبع لم يكن أحد يجرؤ في تلك الفترة «الذهبية» أن يسأل عمّا كان يُرتكب من إساءات بحق تلك «الوحدة» المفترضة بين الشعبين، ولا عن أساليب التفكيك المفتعلة لكل الأحزاب والجمعيات والبلديات والقرى والعائلات لخلق الذرائع لذلك التدخل.

كان قلب الجزء السوري من «الشعب الواحد» قلقاً على ما كان يصيب المقيمين على الجانب الآخر من الحدود! ماذا لو قارنّا ذلك الحنان بما يطالَب به اللبنانيون اليوم من قبل أصحاب شعار «الشعب الواحد» أنفسهم من تجاهل لما يصيب الشعب السوري، ومن اعتبار أعمال القتل التي يتعرض لها بسبب مطالبته بالحرية رداً طبيعياً على «المؤامرة» المزعومة التي يقال إن سورية تتعرض لها من قبل مواطنيها «الإرهابيين»؟

هناك استخفاف يصل حد الإهانة من قبل قسم كبير من اللبنانيين بما يتعرض له أشقاؤهم في سورية. وهناك شماتة بما يصيب السوريين الذين لم يفعلوا منذ بداية الأحداث في بلدهم سوى الاعتراض على طريقة حكمهم. فما كان من ذلك الحكم إلا أن رد عليهم بالرصاص والقتل. بل هناك دفاع من قبل بعض اللبنانيين عن الوسائل التي يستخدمها النظام السوري بحق مواطنيه. هل هذه هي الأصول التي تقتضيها المشاعر المشتركة التي يجب ان تقوم بين ابناء «الشعب الواحد»؟

يؤكد الاعتراض الذي يبديه حلفاء سورية على اي صوت ينطلق في لبنان دعماً للمعارضة السورية، أن نظرية «الشعب الواحد» تسلك طريقاً ذا اتجاه واحد، هو طريق تأمين مصلحة النظام الحاكم في البلد القوي المجاور. لم تكن هناك علاقة لهذا الشعب أو ذاك بالشعار أو بما ترتب عنه على الأرض. لم يُسأل اللبنانيون او السوريون يوماً عما اذا كانوا راضين عن السلوكيات التي ميزت تلك الحقبة المظلمة من العلاقة اللبنانية-السورية، ذلك ان الفريق الذي كان ممسكاً بالقرار في دمشق، ومن كانوا من توابعه في بيروت، لم يكونوا يوماً قلقين على ما يقوله الشعبان. كانت ابواق الدعاية التي تشرّع نفوذهم جاهزة للتنظير، وكانت المعتقلات والمتفجرات جاهزة للرد على المعترضين.

هل يُستغرب بعد كل ما ارتكبه النظام السوري في لبنان أن يجد خصومه أنفسهم إلى جانب الفريق الذي يقاتل ويدفع من دمائه ثمناً باهظاً للتخلص من هذا النظام؟ أليس هذا ما تقتضيه المصلحة المشتركة للشعبين السوري واللبناني، إذا كان لعلاقات سوية بينهما أن تنهض في المستقبل؟

================

على أبواب دمشق

غازي دحمان *

الثلاثاء ٤ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

هل شعرت روسيا بدنو أجل نظام الأسد فباتت تبحث عن إستراتيجية خروج من الورطة التي وضعت نفسها فيها بتأييدها نظاماً تبين انه أضعف مما توقع ساستها، ومعاداتها ثورةً ثبت أنها أكبر بكثير مما راهن عليه قادتها؟

لا يعني طلب موسكو من حليفها السوري التوقف عن استخدام الأسلحة الثقيلة في ضرب الأماكن السكنية سوى نافذة للولوج إلى موقف آخر يفتح إلى ساحة أوسع تتحرر من خلالها روسيا من قيود أزمة تكاد تعزلها عن العالم، ذلك أن موسكو بطلبها هذا تعترف بما رفضته دائماً وهو مسؤولية النظام عن قصف المناطق السكنية.

لا شك في أن موسكو، ومهما قيل عن قِصَر نظرها في الأزمة السورية، تراقب الموقف بطريقة ما وتعرف بعض الخفايا من خلال علاقتها بالنظام وأركانه، كما أنها تعرف قدرة النظام على البقاء والصمود، وكل الحيثيات المحيطة بالمشهد السوري والتفاصيل التي تشكله.

ومما لا شك فيه أن معركة دمشق منحت اللاعب الروسي زاوية نظر أوسع استطاع من خلالها تقدير الموقف بطريقة أكثر واقعية، فالروس الذين لم يروا في أحداث حلب أو حمص خطورة كبيرة على النظام، لا بد أنهم شعروا بشيء مختلف أمام الوضع الذي ينهار بشكل ممنهج ومدروس في دمشق، وبالتالي فإن جميع رهاناتهم على بقاء النظام بدأت تتهاوى.

لقد حمل شهر تشرين الثاني (نوفمبر) تغيرات خطيرة ودراماتيكية على مسرح الحدث السوري لم تكن متوقعة لأغلب المتابعين، فقد قام الجيش الحر بتفعيل إستراتيجية جديدة تقوم على تنظيف الدائرة المحيطة بدمشق وقضمها رويداً رويداً، وهي قد تكون الدائرة الأكثر كثافة عسكرياً على مستوى العالم كله، عبر تحصينها بمختلف أنواع القوات والأسلحة، وذلك في طريق الوصول إلى القصر الجمهوري، الذي لم يعد يفصل بينه وبين الثوار في مناطق عديدة، مثل داريا وكفرسوسة، سوى مئات الأمتار.

وتشير تسريبات مصدرها الجيش الحر، أنه يجري الإعداد للاقتحام بطريقة أكثر انضباطاً من أجل تجهيز البنية العسكرية الكاملة، وتأمين طرق الإمداد والعبور وإغلاق الدائرة المحيطة بالقصر تماما لتحويلها في ساعة الصفر إلى دائرة نار لا يمكن الخروج منها، وإلى ذلك الحين يجري إنهاك النظام عبر إشغاله في مناطق ومساحات واسعة في مختلف أرجاء العاصمة.

الأمر المهم في هذا المتغير، أن هذه الإستراتيجية أفرزت متغيراً عسكرياً مهماً، تمثل في تحييد أغلب أسلحة النظام التي كان يتفوق فيها على الثوار، وذلك عبر الاشتباك القريب المدى مع قوات النظام والسيطرة على بعض أسلحته الفعالة، وخاصة الدفاعات الجوية، فقد تم إبطال مفاعيل الدبابات والطائرات، وبات تركيز النظام على راجمات الصواريخ التي يستخدمها بكثافة ومن أعالي جبال قاسيون.

ولا شك في أن رجال النظام العسكريين قرأوا هذا الأمر جيداً وباتوا يعرفون أن المعارضة قد دفعتهم إلى نمط من الحرب لا يستطيعون الانتصار فيها، كما لا يستطيعون التحكم بتداعياتها وبالتالي، ونظراً لمعرفة المعارضة بطبيعة النزوع الانتحاري لدى النظام، فقد باتت تدرك أن النظام قد يلجأ إلى أسلحته الأكثر فتكاً في محاولة للنجاة من المصير المحتوم.

هل وصل هذا الحدس إلى دوائر القرار في موسكو، وبالتالي تستبق هذه الدوائر اللحظة الصعبة وتسجل هذا الموقف قبل أن تتطور الأحداث ولا تستطيع عندها موسكو التملص؟ أم أن روسيا باتت تدرك أنها راهنت على جواد خاسر ولم يبقَ أمامها وقت طويل تضيعه في دعم نظام لم يعد بإمكانها دعمه بأكثر مما فعلت؟

 ===============

في «مقهى الثورة» سجناء سابقون وناجون وأطباء

أنطاكيا - نداء هلال

الثلاثاء ٤ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

بعد حلقة أولى عن «مقهى الثورة» على الحدود التركية - السورية حيث «تحاك المؤامرات» على نظام بشار الأسد، تتناول الحلقة الثانية قصص شخصيات مختلفة. قد تبدو متباعدة المضمون بعض الشيء، لكنها تلخص واقع جيلين يعانيان بطش النظام في سورية: أحدهما يرزح تحت وطأة الماضي، والثاني يتمرغ في حاضر أشد إيلاماً وعينه على مستقبل مختلف.

تغيرت الوجوه في الزيارة الثانية إلى «مقهى الثورة». الطاولة المخصصة لـ «عمدة» المقهى أبو أحمد خالية. الجو بارد بعض الشيء، وتبدو النقاشات أكثر احتداماً مما كانت عليه في الزيارة الأولى، حيث تقودك الصدف إلى أحد أبرز القيادات العسكرية في الداخل. لكن، لم يكن ممكناً طرح أسئلة كثيرة، بعدما تبين أنه في «إجازة» ليلية قصيرة لزيارة أسرته في تركيا.

فور دخوله المقهى، انصرف جميل إلى لقاءاته من دون أن يقوم بالتعريف بأحد فجلسنا إلى طاولة رجل مسنٍّ يرتدي عباءة بيضاء. إنه علي من حماة. سجين سابق لعقدين، لكن على دفعتين: الأولى حين كان يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، في الصف الحادي عشر، اعتقل بين عامي 1975 و1980 في سجن المزة. بدا متردداً ومماطلاً في الإفصاح عما إذا كان ينتمي إلى «الإخوان المسلمين» في تلك الحقبة، حتى أقر: «كنت أنتمي إلى تنظيم الطليعة المقاتلة التابع للإخوان». بكسره هذا الحاجز، استرسل في رواية تفاصيل سجنه.

 سجين المزة وتدمر

«كان سجن المزة عبارة عن نادٍ للسياسيين، يتبادل الأفكار فيه اليساريون والشيوعيون وسواهم». يقول علي: «كان معي في السجن مسؤولون كثر بينهم صلاح جديد»، أحد قياديي حزب البعث الذي أطاحه انقلاب «الحركة التصحيحية» بقيادة خصمه حافظ الأسد عام 1970 وسجن بعدها إلى أن توفي عام 1993. «في السجن اقتنعت بفكر «الإخوان» الوسطي، أي من خلال نشر الدعوة بدل العنف»، يضيف علي قبل أن يستطرد في التنظير السياسي والحديث عن العالم المتغير. يبدو مضطرباً، مشتتاً: «توجهي رأسمالي وإسلامي، وأنتمي إلى عائلة عمرها 1200 عام ولها دور سياسي، لكن انتماءاتها مختلفة».

لأكثر من نصف ساعة، لا يقاطع الجلسة أحد، حتى من موظفي «مقهى الثورة». وعلى الطاولات الأخرى لا تزال النقاشات على احتدامها. يتابع علي المحكوم بالمؤبد مع أشغال شاقة: «اعتقلت مجدداً عام 1982، وقضيت خمسة عشر عاماً في سجن تدمر، الذي كان يديره سليمان الخطيب. لا مجال للمقارنة بين السجنين، فسجن تدمر هو الجحيم. تعرضت فيه لشتى أنواع التعذيب، من الدولاب والفلقة إلى السلخ والكهرباء والملزمة، ناهيك عن نقص التغذية والأمراض المفتعلة مثل الجرب».

ينتقد علي المعارضة «لعجزها عن قيادة الثورة، التي باتت تقود نفسها بنفسها». لا يتحدث عن دور «الإخوان المسلمين» خلال الثورة أو المرحلة الانتقالية. لكنه يرى أن الثورة «أفرزت مؤسسات مثل المجلس الوطني، الذي يشكل نواة الثورة، إضافة إلى مؤسسات إغاثة ومجتمع مدني ستؤدي إلى تسهيل قيادة البلاد. وستكـــون المجالس العسكـــرية والثــــورية القوى المهيمــنة بعد سقوط النظام. فتشكيل مجلس عسكري يجري انتخابات عامة بطريقة مثلى في المرحلة الانتقاليـــة». وأسوة بكثير من المعارضين، لا يخشى علي الاقتتال. فسقوط النظام وفق حساباته «يلأم الجراح، والتصفيات خطأ إنساني كبير جداً، إلا للذين بالغوا في القتل». يضيف: «يجب عدم الانتقام. وأتمنى محاكمة من قتل الأطفال والنساء والأبرياء، لكن ليس من قتل المحاربين، فهذه معركة».

 

ناجٍ من مجزرة الحولة

لم يختلف مبدأ المحاسبة لدى علي كثيراً عنه لدى م. سارية وهو أحد الناجين من مجزرة الحولة في حمص، التي راح ضحيتها أكثر من مئة قتيل نصفهم من الأطفال أواخر أيار (مايو) 2012. ويرى سارية أن عقاب مرتكبيها «يجب أن يكون القتل. لا مجال للمحاكمات، لدينا الأسماء وجلهم من القرى المجاورة»، ذات التركيبة السكانية المختلفة.

هو مدرّس شاب، هالته المشاهد المروعة لأطفال ونساء وشباب ورجال قتلوا قصفاً وذبحاً على يد «جيرانهم من الشبيحة». ساعد في نقل عشرات الجثث، وكان من أوائل الذين التقوا فريق المراقبين الدوليين الذي سمح النظام بدخوله بعد محاولات عدة. يقول إن تعافي أهل الحولة مما خبروه يحتاج الكثير من الجهد والوقت. ويعتبر أنه لن يشفي غليلهم إلا محاسبة مرتكبي المجزرة على طريقتهم. «هؤلاء أنفسهم شيدوا حائطاً على أحد مداخل الحولة ليقطعوا كل تواصل معها».

يوثق سارية ملفات الضحايا تمهيداً لرفعها إلى الجهات الدولية المعنية. ويبدو على درجة كافية من الوعي لتولي هذه المهمة، لكن غياب مبـــدأ المحاسبة القانونية عن قاموسه مخيف. لا توحي ملامحه بكل هذه الرغبة في الانتقام. ربما يتمكن البعض من تفهمه، لكن التفهم شيء والقبول بتـــطبيق شريعة الغاب واتباع نهج الرد بالمثل بـــعد سقوط النظام أمر مختلف تماماً. طبعاً ليس وحده من يفكر بهذه الطريقة، فكلامه يعكس واقعاً مَعيشاً في الحولة وربما داريا في ريف دمشق وجميع البلدات والمدن التي تعرضت لمجازر من العيار الثقيل. هنا تتوقف محاولاتي للحديث معه عن مبدأ العدالة الانتقالية. فهو يعرفه جيداً، لكنه يتجاهله بل يريد «تأجيل تطبيقه إلى ما بعد محاسبة مرتكبي مجزرة الحولة».

 

طبيب الثورة

تحدث جميل كثيراً عن أطباء الثورة. فهو على اتصال بكثير منهم بحكم دوره في تأمين مساعدات إنسانية وإغاثية وتنسيق وصولها إلى الداخل شخصياً أو عبر وسطاء. تركوا وظائفهم وعائلاتهم منذ أشهر، أسوة به، للتفرغ لمساعدة المصابين. أحد هؤلاء الدكتور عبيد، على مشارف العقد الرابع من عمره. لا يهمه حديث السياسة مطلقاً. عمل سراً في إحدى المحافظات الشمالية خلال الأشهر الأولى للثورة، ضمن فريق من ستة أطـــباء وثلاثة ممرضين، إلى أن وصل الجـــيش الـــحر إلى مركز المحافظة واشتدت المعارك. فتـــفرق فريق العمل. كان لا بد من تجهيز أول مستشفى ميداني من ستة أسرّة، ليستقبل يومياً بين عشرة وخمسة عشر جريحاً، ولتبلغ النفقات الأسبوعية نحو 1000 دولار تقريباً. قصف المستشفى الميداني، وكذلك المستشفى الرئيس في المدينة الذي كانت تحول إليه الحالات الخطرة بعد تقديم الإسعافات الأولية.

ساهم الدكتور عبيد في إنشاء مستشفيات ميدانية عدة شمال سورية، يطلب عدم نشر أسمائها أو توزعها الجغرافي. تضم عشرات الأطباء والممرضين ومختصي الأشعة، معظمهم سوريون. يضطر كثير منهم إلى العمل خارج اختصاصهم وإجراء عمليات جراحية عند الحاجة.

يستقبل بعض المستشفيات بين خمسة وعشرين وخمسين مصاباً يومياً مجاناً، معظمهم مدنيون. وتصل نفقات بعضها إلى 40 ألف دولار شهرياً، تغطيها جمعية خليجية «ذات طابع ديني»، وفق تعبيره. وتتكفل المستشفيات بتوفير حماية «على نفقتها عبر مدنيين مسلحين وليس الجيش الحر، وتمنع دخول المسلحين». يشرح أنه يعمل على إنشاء منظومة إسعاف تكون صلة وصل وتبادل خبرات بين عدد من المستشفيات الميدانية.

«ما زلت معلقاً هناك، حيث زرت منزلي على رغم سيطرة النظام على المنطقة التي تحولت خراباً. لم أتمكن من تفقد عيادتي». يتفقد الدكتور عبيد حالياً أسرَته التي استأجر لها منزلاً في تركيا بنحو 230 دولاراً شهرياً. يدفعها من راتبه الذي لا يتجاوز 700 دولار. يتذكر فجأة حالات مؤثرة: «طفل يسأل عن والده الذي قنص خلال توجهه إلى منطقة آمنة استدان ليستأجر فيها منزلاً بقيمة 50 ألف ليرة سورية (نحو 700 دولار) شهرياً. وآخر كان يشتري خبزاً لأسرته، فقنص أثناء اجتيازه الطريق».

لا يحمل الدكتور عبيد ملامح الطبيب الصلبة. فهو ليس مجرد طبيب، بل هو مواطن سوري يتفاعل مع أبناء منطقته وبلده في مصابهم الجلل. وعلى رغم انحيازه إلى الثورة واعتباره «الوجود ضمن نطاق سيطرة الجيش الحر مصدر أمان»، يبدو كلامه مطمئناً أكثر من سواه. «حدث أن عالجنا مصابين من الجيش النظامي والشبيحة. لا تهمنا الانتماءات السياسية. عملنا لأجل البلاد وهو عمل إنساني بالدرجة الأولى».

 ================

النظام إذ يلوح بـ«خيار شمشون» ؟! * عريب الرنتاوي

الدستور

4-12-2012

تحريك النظام السوري لأسلحته الكيماوية، تطور لافت في الأزمة السورية، استدعى قيام واشنطن بتوجيه تحذيرات جدية للنظام في دمشق، ليس عبر وسائل الإعلام فقط، وإنما من خلال القنوات “الموثوقة” التي يدرك النظام أنها “لن تكذب” عليه: موسكو..وهي تحذيرات تطاول حواف التدخل العسكري.

نحن لا نعرف على وجه الدقة، لماذا حرّك النظام منظومته الاستراتيجية، هل بغرض تأمينها بعد أن تهاوت قبضته على مناطق ومساحات متزايدة من الأراضي السورية، وبعد أن بدأ يفقد قواعده العسكرية والجوية ومراكز أفواجه وألويته تباعاً، في محيط دمشق ومناطق الشمال والشمال – الشرقي وصولاً إلى جنوب سوريا والمناطق الحدودية مع الأردن.

أم أن النظام الذي لجأ في الأشهر الأخيرة إلى تصعيد استخدامه لسلاح الجو وأسلحته الثقيلة، قرر تفعيل نظرية “هدم المعبد”، واعتماد وسائل مستوحاة من تجربة النظام العراقي في استخدامه المفرط للقوة “الكيماوية” ضد أكراد الشمال...سؤال بدأ يثير الكثير من علامات الإستفهام وإمارات القلق.

يقول البعض، أن النظام بإقدامه على “تحريك” سلاحه الكيماوي، ربما يكون أراد “توجيه” رسائل قوية للمعارضة المسلحة والأطراف الإقليمية والدولية التي تدير الحرب من غرف عمليات مشتركة في تركيا وداخل الأراضي السورية، بأنه ذاهب في “حرب البقاء” حتى المعركة الأخيرة، ومهما كان الثمن وبلغت الكلفة...وهذا سيناريو من ضمن سيناريوهات مرجحة..لكن السؤال الذي يظل مع ذلك من دون جواب: هل بلغ النظام “اللحظة الحرجة”؟..هل وصل إلى طريق مسدود؟...هل أخذت لحظة الحقيقة والاستحقاق تقرع أبوابه السميكة وغرفه المحصنة؟...أسئلة وتساؤات لا بد من انتظار بعض الوقت، لمعرفة الإجابة الأكثر وضوحاً عنها.

خلال الأسابيع القليلة الفائتة، طرأ تطور ملحوظ على “ميزان القوى على الأرض” في الحرب المفتوحة على سوريا...النظام يتراجع بسرعة ملحوظة في الميدان..المعارضة تتقدم على مختلف الجبهات، وسط انتظار شديد لـ”معركة دمشق الثانية”، التي يُقال أنها باتت وشيكة، بعد أن حشدت المعارضة أكثر من أربعين ألف مسلح في أطرافها وحواريها وأحيائها، في إطار خطة منسقة، يبدو أن “خبراء” و”جنرالات” غير سوريين، هم من وضعها وهم من يشرف على تنفيذها...نوعية المواجهات العسكرية الأخيرة، تدلل على دخول أسلحة وخبرات جديدة إلى ساحة القتال، تؤكد وجود إدارة جديدة للمعارك ومستويات مختلفة من القيادة والتحكم والسيطرة.

النظام يدرك كل ذلك، ولديه من المعرفة بمجريات الأمور، أكثر من غيره..وهو في الحقيقة بات محشوراً بين خيارين: أما الإدلاء بخطاب “الآن فهمتكم” والمغادرة إلى ملاذ آمن، أو سلوك خيار “الطلقة الأخيرة” و”الرمق الأخير” على طريقة القذافي وصدام حسين...ومن الواضح تماماً أن الخيار الأخير، بات مرجحاً، ومعظم المؤشرات تؤكد سير النظام على طريقه.

ربما يدور في “العقل الباطن” للنظام، أن التلويح بـ”خيار شمشون” وإبداء الإصرار على “الطلقة الأخيرة”، ليس في واقع الأمر، سوى محاولة لتحسين شروطه التفاوضية، وأن ورقة تدمير سوريا قد يكون لها وقعها على الأطراف، لإرغامها على التفاوض حول “صفقة” تنقذ ما يمكن إنقاذه من النظام...هذا احتمال، وهو احتمال تراهن عليه أيضاً، قوى إقليمية (إيران) ودولية (روسيا) داعمة للنظام، ولا تريد لمعركة الحسم معه أن تنتهي إلى هزيمته وهزيمتها..ولا يمكن بحال من الأحوال، التقليل من أهمية هذا العامل في دفع وتحفيز، العملية السياسية.

لكن عنصر “المقامرة” في هذا الخيار، تكمن في صعوبة التحكم به حتى نهاية المطاف، والجزم بأنه سيستثير عناصر الحل السياسي فقط، فثمة احتمال آخر، وهو أن يستدعي هذا الاستخدام المفرط للقوة، إلى التفكير بخيارات وبدائل عسكرية لحسم الأزمة السورية، وإذا ما استمر النظام في مغامرته غير المحسوبة هذه، فقد يدفع ذلك دولاً وأطراف ما زالت “مترددة”، لحسم ترددها والنزول بكثافة إلى ساحة “الحسم العسكري”.

أيام وتتضح الوجهة التي ستسلكها التطورات في سوريا، سيما إن قُدّر لمعركة دمشق، أن تبدأ.

التاريخ : 04-12-2012

===============

سوريا بين استنتاجات الإبراهيمي وتلميحات العربي * عبدالمجيد جرادات

 الدستور

4-12-2012

كان السيد الأخضر الإبراهيمي، واضحا ً في كلمته التي القاها أمام هيئة الامم مساء يوم الأربعاء الثامن والعشرين من الشهر الماضي، فقد وصف المشهد في الجمهورية العربية السورية بأنه (متأزم ويسير نحو الأسوأ..)، أما الحل الأمثل من وجهة نظره، فهو يكمن بتدخل مجلس الأمن .. ذلك لأن استنتاجاته المبنية على تقييمه للمواجهات الميدانية بين قوات النظام والمعارضة المسلحة .. تؤكد عدم احتمالية وجود ضوء في آخر نفق محنة الشعب السوري.

على الحدود السورية الشمالية مع الجمهورية التركية، تتخذ الترتيبات بالتعاون مع قيادة حلف شمال الأطلسي، لنشر صواريخ باتريوت، ومن المؤكد بأن الهدف من هذه الفكرة هو التحوط لأي فعل عسكري محتمل، قد تبادر به روسيا أو إيران من أجل الوقوف إلى جانب الرئيس بشار الأسد، وفي هذا السياق فهم يسعون لأسلوب المفاضلة بين(1) استخدام الوسائل التي سيتم اللجوء إليها لغايات حسم الموقف ؟، و(2) أين تكمن جوانب الضعف التي قد تشوش على سير العمليات ؟.

بالعودة لكلمة المبعوث الأممي السيد الإبراهيمي، نجد أنه يستبعد الدخول في حوارات مباشرة بين الأطراف المتناحرة في الداخل السوري، أما الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، فإنه يقترح هذه المرة إرسال قوات (حفظ سلام) إلى سوريا، وبدون أن تكون هنالك إيضاحات حول صلاحيات وطبيعة عمل هذه القوات، وهل ستؤدي دورها وفقا ً للنظم المعمول بها من قبل هيئة الأمم في فض النزاعات الداخلية ؟، وإلى أي مدى يُمكن تجنب النتائج المأساوية التي قلنا منذ البداية بأن الشعب السوري سيدفع ثمنها دون سواه.

في الجانب الشرقي من سوريا، سيتجلى دور أكراد سوريا والذين دخلوا قبل أيام في مواجهات مع المعارضة التي تشاغل النظام السوري، وبالحسابات العملية، فإن حال الأكراد في تركيا وإيران، سيكون موضع حسابات من قبل الدول العظمى التي تراهن على مبدأ التدخل بشؤون الشعوب متى شاءت، وبطريقة، يُدرك الجميع بأنها تتعارض مع متطلبات الاستقرار الذي يمنح الدول الفرصة لاستغلال ثرواتها من أجل رفعة ومنفعة شعوبها.

هل ستشكل حكومة انتقالية في سوريا سعيا ً للخروج من المأزق الراهن بأقل التكاليف ؟، ومن هي الجهات المؤثرة في هذا الأمر، وإلى أي مدى يُمكن أن تكون مصلحة الشعب السوري في مقدمة الأولويات ؟: في محاولة الإجابة، نخلص إلى القول بأن المضي بتبادل العنف، يعني المزيد من وقوع الخسائر البشرية والمادية واتساع نطاق الأحقاد التي ستقود للمزيد من وقوع الضحايا ومعاناة الأبرياء، وهذا الأمر بطبيعة الحال لا يزعج الدول الكبرى التي تحرص على مستقبل مصالحها في المنطقة، ويبقى الشيء المزعج في عمليات الإعداد التي نلمح بعض جوانبها، وسيكون من الصعب على من يقف وراء إخراجها، أن يتجنب أبشع ما فيها، وهو تفشي الجوع والفوضى وتعمق الفتن بين أبناء المجتمع الواحد.

================

المشهد السوري اليوم: اقتربت الساعة وآن النصر

نور الله السيّد

2012-12-03

القدس العربي

يبدو أن النظام السوري قد وقع في شر أعماله. فهو من قابل المتظاهرين بالرصاص ودفعهم دفعاً إلى حمل السلاح لجرهم إلى ميدانه المفضل آملا في القضاء عليهم وفقاً لحساب بسيط: أنا من يملك السلاح، كل السلاح وبكل أنواعه، وهم لن يملكون إلا السلاح الخفيف وسأدكهم دكاً. وخاصة في عالم متواطئ أو متخاذل على الأقل، يمكن فيه للنظام السوري أن يُمنح كل الفرص.

وفي الواقع فقد أُعطي النظام السوري من الفرص ما لم يعط غيره، فقد انقضى عشرون شهراً على بدء الانتفاضة السورية ولم يحدث أي تدخل جدي، سياسي أو عسكري، تمكن النظام خلالها من قتل عشرات الآلاف وسجن مئات الآلاف وتشريد الملايين، وأصبحت مناظر المدن والبلدات السورية لا شبيه لها في العالم لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فمن مهلة الجامعة العربية الأولى في منتصف 2011 ومن ثم مهلة الجامعة العربية الثانية ومراقبيها ومن ثم مهلة الأمم المتحدة، والمهلة الأهم المتمثلة في عدم اكتراث أمريكا بما يحدث لشعب يطالب بالحرية والكرامة على نحو مستهجن لأنه يأتي من دولة تدعي تزعمها نشر الحرية في العالم والدفاع عنها. وعدم الاكتراث هذا رافقه دفاع روسي مستميت عن النظام السوري وآخر إيراني ميداني ليس بأقل استماتة.

ومع مهلة الأمم المتحدة كان النظام قد نجح نجاحاً كاملا في عسكرة الانتفاضة السورية وجرها إلى ساحته المفضلة. ولم يكن للمعارضة المسلحة في الحقيقة من نصير يمكن الاعتماد عليه اعتماداً حاسماً سواء لجهة الإمداد في السلاح أو المال أو حتى الدعم السياسي. لذا رأينا معارك الانتفاضة المسلحة الأولى أشبه بالعمليات الانتحارية على ما كانت تسجله من بطولات، إلا أن انسحاباتها التكتيكية التي تكررت في حمص ودمشق ودوما وبعض مناطق محافظة إدلب أخذت تثير الشكوك حول إمكاناتها. ولكن هذه المعارضة المسلحة اتسمت بجرأة نادرة في مهاجمتها لوحدات وحواجز الجيش النظامي مما أفقد هذا الجيش الكثير من تفوقه المادي. وكان انقضاض المعارضة على مدينة حلب واجتياحها لأكثر من نصف مناطقها عملاً فيه الكثير من المخاطرة، واعتبر جيش النظام أنه أمام فرصة العمر في وأد المعارضة المسلحة التي دخلت بقدميها إلى شرك حلب. وأعلن جيش النظام أن معركة حلب هي 'أم المعارك' وأنه سيقضي على المعارضة المسلحة في غضون يومين أو عشرة أيام على أقصى حد. ولكن شيئاً من هذا لم يحدث بعد خمسة أشهر. وقائع الأرض تقول إن حلب هي تحت سيطرة المعارضة المسلحة، وتحوّل وجود الجيش فيها، كما في كل المنطقة الشمالية، إلى جيوب محاصرة بانتظار استسلامها. لأنه، بحسب مصادر المعارضة المسلحة، لا داع لاقتحامها في كثير من الحالات وإيقاع خسائر بشرية من الطرفين وهم سوريون جميعهم! كما تحاصر المعارضة المسلحة مطار حلب من جهات ثلاث وهي قادرة على اجتياحه ولكنها تخشى أن تقصفه طائرات الجيش، وتفقد حلب رئتها الوحيدة. كما تحاصر قوات المعارضة المسلحة أكبر مصانع إنتاج الذخيرة في المنطقة الجنوبية الشرقية من حلب منذ أكثر من شهرين وسقوط هذه المصانع سيعني مشكلة التزود بالذخيرة لجيش النظام على الأمد المتوسط. ومن بين المناطق العسكرية الكبيرة المحاصرة منطقة الشيخ سليمان في ريف حلب حيث يجري قتال يومي حول محيطها. وهي آيلة للسقوط لا محالة وستسقط مع جيوب صغيرة متفرقة محيطة بالمنطقة. وسقوطها مع ما فيها من سلاح ومستودعات ذخيرة يعني سقوط الشمال السوري بالكامل في أيدي المعارضة السورية المسلحة.

لم يستطع الجيش استرداد معرة النعمان بعد محاولته ذلك في الأسبوع الفائت، بل تخلى عن كل الحواجز بين هذه المدينة ومدينة حلب! يُضاف إلى ذلك سقوط المنطقة الشرقية عملياً بيد المعارضة المسلحة. ولن يكون بمقدور الجيش أن يستعيد الشمال والشمال الغربي وشرق سورية إلا بقدرة قادر، خاصة إذا استسلمت الجيوب الباقية فيها. وهذا السقوط يعني السيطرة على آبار النفط والغاز وصوامع القمح وهي الأهم.

وتجري الآن معارك في أطراف دمشق وريفها مما اضطر الجيش لسحب بعضاً من قواته التي وزعها على محافظات أخرى، ذلك أن سقوط العاصمة يعني سقوط النظام. سقط العديد من القواعد العسكرية في محيط غوطة دمشق في أيدي المعارضة المسلحة بما فيها من أسلحة وذخيرة. تتميز معارك دمشق بالشراسة، نشهدها ونسمعها، يستخدم فيها الجيش كافة صنوف الأسلحة. أصوات المدافع والطائرات خفتت في اليومين الأخيرين ليحل محلهما صوت الرصاص مما يعني أن الاشتباك المباشر هو سيد الساحة وهو ما يتحاشاه جيش النظام خوفاً من تكبده خسائر بشرية أصبحت ثقيلة على أهل المناطق التي تساند النظام.

الجنوب السوري يمارس أداءه الاعتيادي. المعارضة المسلحة هناك سيطرت على البلدات المتاخمة للجولان وتمركزت في بعضها حيث لن يقوم جيش النظام بقصفها حتى لا يقع في مصادمات مع إسرائيل هو بغنى عنها. وسيطرت المعارضة على مناطق كان جيش النظام يقصف منها ممرات اللجوء إلى الأردن. الجنوب بمعارضته المسلحة قد يكون العامل الحاسم في السيطرة على دمشق، والجنوب السوري هو العمق الاستراتيجي لمدينة دمشق وأحيائها المنتفضة.

بدأت الكفة ترجح فعلاً لصالح المعارضة، وهو رجحان لن يتمكن جيش النظام المتعب من قلبه أو حتى المحافظة على الوضع الحالي وهو ما قد يدفع بالنظام إلى الجنون. ومثل هذا الرجحان يُفسر نشر صواريخ باتريوت على الحدود التركية الذي لا يبدو له من فائدة فعلية، إلا تأكيد سيطرة المعارضة المسلحة على المناطق الشمالية أو تحذير قوى إقليمية من التدخل. وكذلك قيام أمريكا وتركيا بمناورات عسكرية لا هدف منها سوى الضغط على الدول المساندة لسورية وربما التدخل للسيطرة على الأسلحة الكيميائية الموجودة في الشمال إذا اضطر الأمر ذلك.

أما على الجانب السياسي، فائتلاف المعارضة السورية أصبح حقيقة تتوالى الاعترافات به. وهو مشغول حتى الآن بلوائحه الداخلية ومؤسساته وتشكيلاته وتأمين الاعتراف به دولياً. الداخل ينظر إليه بعين الرضى مبدئياً وينتظر منه خطوات عملية. لقيادته احترام واضح في الداخل، كانت كلمة رئيسه المنتخب موفقة، لاقت صدى مشجعاً في الأوساط المعارضة للنظام والصامتة. المعارضة المسلحة سابقة للإتلاف في خطواتها على الأرض. وقد اعترفت معظم مكوناتها بالإئتلاف مظلة سياسية تنضوي تحتها. ولكن على هذا الإئتلاف أن يكون ذا حضور ملموس في الشارع السوري وأن يكون قائداً للمعارضة المسلحة، وعليه أن يفعل ذلك بسرعة وإلا فسيواجه مشاكل كثيرة قد تفقده كل أهمية على الأرض لمثل هذا الائتلاف بقيادته الحالية أن تلجم المعارضة المسلحة التي تجنح نحو التطرف الديني. الأيام القادمة قد تكون حاسمة بالنسبة للائتلاف وعلى أكثر من صعيد.

وبالرغم من كل هذا، لا يزال العالم يفضل المراقبة على الفعل، ولا تزال المساندات مساندات شفهية أو على الأقل لا تسمح بالحسم أو قلب الموازين. هو يترقب ليرى كيف ستميل الكفة ليتدخل في اللحظات الأخيرة. بعض الدول الأوروبية قد تقوم بخطوات عملية دون التورط مباشرة وإنما بتقديم مساعدات قد يصل بعضها إلى أن تكون مساعدات عسكرية، وإن تكن المعارضة المسلحة الآن قد تخطت مرحلة الحاجة إلى التسليح، فما تغنمه وغنمته من جيش النظام يزيد عن حاجتها.

أمريكا لن تتدخل على عكس ما كان ينتظره الكثير من المراقبين بعد فروغها من الانتخابات الرئاسية. هي الرابحة الأكبر حتى الآن. حتى على المستوى السياسي بالمعنى الدولي. فقد دفعت بروسيا لإرتكاب كل الحماقات السياسية، حيث اعتقدت الأخيرة أن معركة سورية السياسية ستكون فرصة لروسيا لتعيد أمجاد الاتحاد السوفييتي على المسرح الدولي. ولكن أمريكا تركت روسيا تندفع في ميدان لا يهمها إلا تركه يتداعى بمفرده طالما أن تداعيه لمصلحتها وليس رافعة لتهديدات على أمريكا مواجهتها. فقد أظهر لقاء كلينتون ولافروف في بنوم بنه أنهما لم يتوصلا فيه 'إلى خط مشترك حتى الآن' بخصوص سورية أي أن أمريكا لا تزال تنأى بنفسها عن الأزمة السورية وستبقى على هذا الحال حتى اللحظات الأخيرة.

الإبراهيمي مشغول للشهر الثالث بإعداد خطته. وبحسب التسريبات فإنها تُبقي الأسد رئيساً حتى 2014، وهو ما سترفضه أغلبية الشارع السوري رفضاً قاطعاً حتى لو بقي بلا صلاحيات. الرباعية المصرية ماتت. وهي في الواقع ولدت ميتة، وهي لم توجد لحل الأزمة السورية في الأصل وهو ما أدركته السعودية منذ الاجتماع الأول لها.

الوضع الإنساني مخيف وأكثر من مأساوي في بعض المناطق. التضامن الشعبي ربما هو في أحسن حالاته، لكن نزوح مناطق بكل سكانها إلى مناطق أخرى غير مستعدة بالضرورة لاستقبالهم يجعل الجميع في مواجهة ما لا يقدرون تحمله. ويزيد الأمر صعوبة مضايقة الشبيحة للنازحين ومطاردتهم في بعض المناطق، وكذلك السطو على المساعدات الإنسانية التي يؤمنها الداخل أو المساعدات الخارجية التي تسلّم في نهاية المطاف إلى الهلال الأحمر السوري، الذي يقوم بتوزيعها بإشراف المخابرات السورية.

الوضع الاقتصادي صعب للغاية. فقدت الليرة السورية أكثر من 15' في الأسابيع الأخيرة. أسعار المواد الغذائية بارتفاع مضطرد، مع أنها من إنتاج محلي، بسبب ارتفاع أجور النقل نتيجة مخاطر التنقل والسفر والسرقة والنهب التي تتعرض لها هذه البضائع وخاصة من رجال النظام نفسه وحواجز جيش النظام التي لم تعد تصلها المؤن. وارتفاع الأسعار أيضاً لا يغيب الجشع عن أسبابه بالطبع.

الأسد يكرر أغنيته الممجوجة بالإصلاح والحوار على أنغام مدافعه التي سئمها حتى من دار في فلكه، وخاصة ضباط جيشه الذين يستشعرون الآن معركتهم الخاسرة، وربما سيضعون حداً لذلك بأنفسهم، فيريحون ويستريحون.

سيخرج السوريون من نفق نظامهم البائس، فقد كان شعار الجمعة الماضية: 'اقتربت الساعة وآن النصر'، وهو لا يبدو أنه مجرد شعار عابر في مظاهرات عابرة. ولكن المؤكد أن هذا النفق لن يكون آخر الأنفاق. الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، والله أعلم.

اكاديمي سوري

===============

النفق السوري المظلم

تاريخ النشر: الثلاثاء 04 ديسمبر 2012

د. طيب تيزيني

الاتحاد

تستمر رحى الحرب التدميرية الظالمة التي يقودها النظام الأمني السوري منذ ما يقترب من العامين ضد سوريا الوطن. وتكاد مظاهر الخراب والدمار تغطِّي المشهد المأساوي كله بالدماء. أما الخطاب الرسمي فظل باقياً على صيغته الأولى-الأصل: مجموعات مسلحة ومؤامرة كونية تستهدف سوريا تدميراً وتخريباً. نعم، إن العين لتدمع، وإن القلب ليهلع عليك يا سوريا! والكل يتساءل عمّا إذا كان محتملاً، في هذا المعمعان، أن توجد كُوَّة للخروج من النفق المظلم.

لماذا ترفض السلطة، مطالب الناس، بعد حكم استمر اثنين وأربعين عاماً من قِبل أولئك؟ ويبرز سؤال آخر يزيد المشكلة اضطراباً، وهو التالي: لماذا تستقوي السلطة بمن تعلن أنهم حلفاؤها في المقاومة وفي المصير المشترك، بينما ترى في موقف الانتفاضة طلبَ المساعدة من بلدان أجنبية، رذيلة لا تغتفر، خصوصاً أن سلوك المنتفضين في المواجهة العامة والمسلحة للنظام، جاء بعد أن أطلقت السلطة أول رصاصة على أولئك؟ وليس خافياً في هذا الموقف أن اللحظة التاريخية تمثّل رؤية منهجية لمسار الأحداث، بحيث لا يبقى من ابتدأ باستخدام السلاح مُماثِلاً لمِن كان الضحية، والمثل الشعبي القائل بأن «البادئ هو الأظلم»، يضع الأمور في نصابها العادل.

والمثير والمستفز للعقل والحكمة والعدل أن النظام السوري حين لجأ إلى مَن يراهم حلفاءً له (وهم خصوصاً روسيا وإيران والصين)، لم يكن يعني طلباً في التحكيم العادل وغير المتحيّز بشكل فظ ضد شعبه فحسب. لقد كان ذلك استقواء بهؤلاء الحلفاء الذين استجابوا له دون موازنة عاقلة حكيمة. فـ«الفيتووات» التي أطلقها هؤلاء لم تنحزّ لعمية قتل سوريين مدنيين فحسب، بل جاءت كذلك بمثابتها سحقاً للعدل الدولي. وينبغي أن يَضاف إلى هذا الموقف أن ضحايا الموت لا يتحدرون من الشعب الأعزل فحسب، بل إن أولئك المقاتلين في الطريق المقابل هم أيضاً، وخصوصاً منهم المناهضين لخطط حلفا سوريا المذكورين في دعمهم المتمثل في أدوات القتل البسيطة والمتوسطة والكبيرة.

لقد أخطأ رؤوس النظام السوري خطأ فاحشاً، حين اختاروا الحل الأمني العسكري، وفرّطوا بفرصة نادرة لاختيارهم حلاً سلمياً. فلقد جاء ذلك بمثابة كارثة للجميع، وكان من الأجدى أن يبرز مشروع في الإصلاح الوطني الديمقراطي، يجيب على الأسئلة الجديدة الكبرى والصغرى. كان ذلك حرياً أن يدفع العقلاء، على قلتهم، إلى المطالبة بالاستحقاقات، التي تفرض نفسها بعد عقود من الخذلان والإنكسار والفساد والاستبداد. وبالأساس، كان الإصلاح في سوريا مطلباً عادلاً وغير قابل للنكوص أو للإرجاء المتتالي. ولم يكن أمام النظام أو مجموعات منه، إلا فرصة واحدة، هي البدء بشجاعة وبقيادة القوى التاريخية، في استيلاد سوريا الوطنية الديمقراطية الجديدة بحيويتها التاريخية وبأنماطها البشرية المتعددة كما بتعدديتها السياسية والحزبية، وغيرها من أوجه الموزاييك السوسيوثقافي والحضاري.

ونذكر أنه حين سقط الاتحاد السوفييتي، طلع علينا في مدينة حلب وغيرها من أعلن أن «التجربة السورية» هي وحدها التي ستستمر مظفَّرة «إلى الأبد». ولم يدْر هؤلاء أن المادة رقم 6 من الدستور السوفييتي هي التي كانت -مع غيرها من عوامل- وراء السقوط السوفييتي، وأن المادة رقم 8 من الدستور السوري والمأخوذة عن تلك السوفييتية، هي التي ستكون من وراء التصدع الذي يعيشه النظام السوري راهناً. ولم يدر الكثير من السلطة ومن حولها أن من يحمي هذا الوطن إنما يتمثل في قوته الشعبية التاريخية، وليس في وجود من يُطلق عليهم «سادة الوطن»، هكذا هو الحال، بل نرى أن كبار شخصيات الوطن هم من اكتشفوا مساره الحقيقي وعملوا على تحقيقه.

========================

بعد الهاشمي.. المالكي يطلق النار على البارزاني

العرب القطرية

2012-12-04 

د. محمد عياش الكبيسي

لم تعد تخفى على أحد محاولات المالكي المستميتة للاستئثار بالسلطة، فبعد أن تمكن من إزاحة علاوي عن استحقاقه الانتخابي في رئاسة الوزراء، ثم إصداره الحكم بإعدام الهاشمي أربع مرات!! ها هو اليوم يتجه صوب الشمال ليفتح جبهته الجديدة مع البارزاني!

كان إياد علاوي رأسا للقائمة العراقية التي فازت بالانتخابات الأخيرة وتفوقت على دولة القانون التي يرأسها المالكي، ولكن إيران بذلت المستحيل من أجل حرمان العراقية من استحقاقها والدفع بالمالكي ليحتل منصبه الحالي مشفوعا بمنصبين آخرين هما وزارتا الدفاع والداخلية، ولم يكن البيت الأبيض لتخفى عليه أبعاد الإصرار الإيراني هذا بيد أنه آثر في النهاية أن يتوافق مع الإيرانيين ليصعد المالكي بديلا عن علاوي، وربما لم يكن ذنب الأخير بيد أنه يرأس قائمة سنية بأغلب أعضائها، فلم تشفع له شيعيته ولا علاقاته الحميمة مع المعسكر الغربي! وبهذا كشف الأميركيون عن نواياهم الحقيقية تجاه السنة.

أما طارق الهاشمي وهو الذي أصبح فيما بعد رمزا للقائمة العراقية، إضافة إلى كونه أبرز القيادات السياسية السنية، والذي تمكن من إحراج المالكي في أكثر من ملف، ومنها قضية المعتقلين- فقد رأى المالكي أن الإطاحة بالهاشمي ستضرب له عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية سيتمكن من تشتيت العراقية وإضعاف دورها المنافس والمقلق للمالكي، ومن ناحية أخرى سيوجه رسالة واضحة للسنة العرب أن لا مكان لكم في العراق الجديد!

لم يختلف الأمر بالنسبة للأميركيين وهم الوحيدون القادرون اليوم على إلجام المالكي وإيقاف مسرحية الملفات والمحاكمات الكيدية، لكن سكوتهم عن كل ما جرى ويجري لا يحمل إلا دلالة واحدة أنهم على علم ورضا بكل ما يحدث، وأن حصتهم في المالكي ليست بأقل من حصة الإيرانيين.

على الصعيد الداخلي لم يواجه المالكي صعوبة تذكر، فالشيعة قد أقنعتهم المرجعيات بضرورة الوقوف مع المالكي والصبر على كل المعاناة الحياتية اليومية التي وصلت بالمستوى المعيشي إلى ما دون الدول الأكثر فقرا في العالم، أما السنة فإنهم غير مقتنعين بكل هذه التجارب والحلول الترقيعية، كما أنهم عجزوا لحد الآن عن صناعة المشروع المتكامل والقادر على نظم طاقاتهم وتوحيد مواقفهم.

هذه الظروف والمواقف المحلية والخارجية أقنعت المالكي بأن الوقت قد حان لبسط نفوذه على كامل التراب العراقي بما في ذلك المحافظات الشمالية (كردستان) التي كانت تتمتع بوضع خاص وإدارة شبه مستقلة من أيام ما قبل الاحتلال الأميركي للعراق.

مسعود البارزاني هو الرجل الأقوى في كردستان، الذي أثبتت الأيام حنكته السياسية وعمقه التاريخي والاجتماعي في الوسط الكردي، وأنه لم يعد اليوم رئيسا منتخبا تجيء به صناديق الاقتراع أو تذهب به، بل هو الرمز الكردي الأول ومن دون منافس.

جرأة المالكي على البارزاني في هذه المرحلة وتحريكه لقوات دجلة في نقاط الاحتكاك مع البيشمركة وتلميحه باجتياح كردستان تعني أننا أمام مرحلة جديدة، ربما تشكل فرصة تاريخية للسنة بكل قومياتهم وتوجهاتهم.

السنة هم الأغلبية في العراق، وكل الإحصاءات المحايدة تؤكد هذا، كما أن تاريخ العراق قد اقترن بهم منذ الفتح الأول ثقافة وسياسة وحضارة، والانتكاسة التي يمرون بها اليوم لها أسباب كثيرة داخلية وخارجية، ومنها اضطراب الهوية الجامعة، حيث سادت في العقود الماضية ثقافة «أمة عربية واحدة» لتقابلها «أمة كردية واحدة»، وبعد صراع مرير بين الثقافتين لم تتمكن أي منهما أن تجد لها طريقا على الأرض، فالقومية العربية أصيبت بمقتل في كل تجربة خاضتها مما أدى إلى تراجعها حتى على المستوى النظري أو العاطفي، أما الكرد فربما اقتنعوا اليوم أن القوى الإقليمية في المنطقة خاصة تركيا وإيران لا يمكن أن تسمح بهذا، وربما المجتمع الدولي هو الآخر غير مستعد لتقبل مثل هذه الفكرة، مع أنها لا تبدو إلا حقا طبيعيا وطموحا مشروعا في ظل مبدأ (حق تقرير المصير) الذي غدا جزءا من ثقافة العصر وأعرافه الدولية.

في الطرف المقابل لم يكن الشيعة العرب لتجذبهم الشعارات القومية، وانحيازهم لإيران كدولة ونظام ومرجعية شاملة لم يعد خافيا على أحد، وحتى الذين يخجلون من هذه التبعية فإنهم لا ينكرون ولاءهم المطلق للمرجعيات الدينية ومن بينهم السيستاني وهو إيراني الجنسية ولا يحمل أية وثيقة عربية، ومرجعيته تسمح له اليوم بالتدخل في كل مفاصل السياسة العراقية، وهذا ما يؤكد تلك التبعية المطلقة.

من الغريب بعد كل هذا أن يعمد المالكي لرفع شعار «العروبة» لاستمالة السنة العرب في الموصل وكركوك إلى جانبه في مواجهته الأخيرة مع البارزاني!!

من الواضح أن إيران هي التي دفعت المالكي إلى هذه المجازفة لتحقق أكثر من غرض، ومن ذلك:

أولا: تعويض خسارتها الفادحة والمتوقعة قريبا في سوريا، حيث إن بسط هيمنتها على كردستان العراق سيمنحها قوة تفاوضية كبيرة مع الجارة تركيا، كما أنه سيضيف لها موردا اقتصاديا كبيرا.

ثانيا: تضييق الخناق على العرب السنة، حيث تعد كردستان اليوم الساحة العراقية الأكثر أمانا بالنسبة للسنة، التي تحقق لهم إضافة إلى الأمن قدرا كبيرا من الانسجام والشعور بالثقة والراحة لما بين الطرفين من وشائج دينية وثقافية عميقة.

ثالثا: إفشال النموذج الناجح الذي صنعه الكرد في إقليمهم، والذي أصبح مثالا يحتذى في الإدارة والعمران والخدمات، ومقارنة أولية بين ما وصل إليه الإقليم وبين الحال المزرية التي تعاني منها المحافظات العراقية الأخرى، تكشف للعراقيين وللشيعة منهم بشكل خاص أن المواكب الحسينية وثقافة اللطم لم تعد كافية لبناء الدول، هذا إذا لم تكن هي نفسها وسائل للنهب والتغطية على ملفات الفساد وانتشار المخدرات التي باتت بصمة مميزة لهذه المرحلة من تاريخ العراق. المبادرة اليوم مطلوبة وبشكل سريع ومباشر من العرب السنة وكذلك التركمان للوقوف إلى جانب إخوانهم الكرد، وهذا هو الواجب الديني الذي تمليه أخوتنا الإسلامية بكل معانيها وأبعادها، كما أن هذا هو الضمانة للخروج من المأزق الخطير الذي وقع فيه العراق من شماله إلى جنوبه. إن التحالف السني-السني في العراق بات ضرورة لإقناع الطرف الشيعي أن العراق ليس لهم وحدهم، وأن الاستقواء بالأجنبي (الأميركي والإيراني) لا يمنحهم حق اختطاف العراق وبيعه في سوق المزاد، وأن هذا الوضع الشاذ لا يمكن أن يستمر طويلا.

إن الفرصة باتت مواتية أفضل من ذي قبل لوضع الحجر الأساس لمشروع الإنقاذ، ليس بسبب استفزازات المالكي فحسب التي يوزعها يمينا وشمالا، بل للتغيرات الكبرى التي تشهدها المنطقة بأسرها، والتي تبشر بأفول نجم المشروع الصفوي وانحساره في أكثر من ساحة، فبعد النجاح الذي حققته دول الخليج في حماية البحرين واستقرارها، ثم في وصول الجيش الحر إلى مطار دمشق، والاعتراف الدولي بالائتلاف السوري المعارض، وتصاعد الوعي الشعبي والرسمي في دول الربيع الربيعي، والإنجازات الفلسطينية العسكرية والسياسية، كل هذا يعني أن الأمة اليوم قد رسمت طريق خلاصها وانعتاقها، وفي المقابل هناك تدهور حاد في البنى التحتية للمشروع الصفوي اقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا أيضا.

إن مشروع الإنقاذ بات أشبه بالحتمية التاريخية وهو الذي سيضع النقاط على الحروف، وسيضع الشيعة العرب أمام مسؤوليتهم فإما أن ينحازوا إلى أصلهم وهويتهم العروبية والوطنية وعلى أسس واضحة من الشراكة المنصفة والعادلة، وإما أن يكونوا أتباعا وجنودا للولي الفقيه ومشروعه الحالم في استعادة المجد الإمبراطوري للدولة الكسروية.

لقد آن للجميع أن يدركوا أن السنة العرب هم الضمانة الوحيدة لوحدة العراق، فهم شركاء للكرد والتركمان في سنيتهم، وهم شركاء للشيعة العرب في عروبيتهم، كما أنهم الجسر الطبيعي الذي يربط العراق بأمته ومحيطه الأوسع. إن سنة العراق الذين تقلدوا وسام تحرير العراق من الاحتلال الغربي يستحقون اليوم أن يتقلدوا وسام تحريره من الاحتلال الشرقي أيضا، وهذا هو دورهم اللائق بهم عبر التاريخ.

 

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ