ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 26/11/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

25-11-2012

سوريا والانخراط الأميركي في المنطقة

تاريخ النشر: الأحد 25 نوفمبر 2012

كونداليزا رايس

الاتحاد

قد تكون الحرب الأهلية المشتعلة في سوريا الفصل الأخير في قصة تفكك الشرق الأوسط كما نعرفه، فإمكانية الحفاظ على وحدة المنطقة وإعادة بنائها على أساس من التسامح والحرية، والوصول بها أخيراً إلى مرحلة الاستقرار الديمقراطي بدأت تتسرب بين أيدينا وتبتعد عن قبضتنا. وعدا مصر وإيران اللتين تمتلكان تاريخاً ممتداً، وتقفان على هويات وطنية راسخة وقوية، وإلى جانبهما تركيا أيضاً التي لها نفس المقومات، وإن كان الأكراد الذين لم يُستوعبوا كلياً في النسيج المجتمعي، وما زالت أنقرة تشك في تطلعاتهم القومية والانفصالية، فإن معظم دول الشرق الأوسط الأساسية أسست حديثا، وغالباً ما كان ذلك يتم دون أدنى اعتبار للتمايزات العرقية والمذهبية المتعددة في المنطقة، والنتيجة دول حافلة بالمشاكل. على سبيل المثال العراق يعيش فيه الشيعة والعرب السنة، بالإضافة إلى خليط آخر من الأكراد وبقية العرقيات خضعت كلها قبل 2003 لقبضة حديدية لديكتاتور، ولا يختلف الوضع في الدول الأخرى، حيث 70 في المئة من سكان الأردن من الفلسطينيين، وتعيش لبنان على وقف الانقسام بين السنة والشيعة والمسيحيين، ثم هناك سوريا التي تضم مزيجاً من السنة والشيعة والأكراد، وآخرين تحكمهم جميعاً أقلية علوية.

وفيما استطاعت الأنظمة الديكتاتورية والسلطوية في المنطقة الحفاظ على تماسك الدولة في الشرق الأوسط، رغم طبيعتها الهشة ومقوماتها الضعيفة، فإن الرغبة في الحرية التي انتقلت من تونس إلى القاهرة، ثم دمشق زعزعت الأنظمة الديكتاتورية وقوضت قبضة الحكام الذي عمروا لعقود، والخطر الآن من أن تنفجر تلك الدول التي قامت على أسس واهية.

ولعل المثال الأبرز، هو العراق الذي بعد إطاحة نظام صدام حسين في 2003 حذا الولايات المتحدة أمل قوي، في أن يقود ذلك إلى ديمقراطية متعددة العرقيات والمذاهب تنجح فيما فشل فيه الديكتاتور بإعطاء فرص متساوية للجماعات المختلفة لرسم مستقبلهم والمشاركة في الحكم.

ومع أن هذا التوجه تحقق إلى حد ما مع الانتخابات التي أفرزت حكومات مندمجة بعيدة عن الإقصاء، إلا أن المؤسسات الوليدة تظل هشة وغير مكتملة، بل تئن تحت وطأة انفجار الصراع الطائفي الذي يغلف المنطقة في الوقت الحالي، ليأتي النزاع في سوريا دافعاً العراق وبقية الدول إلى حافة الانهيار، هذا في الوقت الذي أدى فيه الانسحاب الأميركي من العراق، وفك ارتباطها بالسياسة هناك إلى دفع السياسيين العراقيين إلى الارتماء في أحضان الحلفاء الطائفيين استجابة لغريزة البقاء.

فإذا لم يستطع رئيس الوزراء العراقي، الاعتماد على الولايات المتحدة للبقاء في السلطة فهو يجازف بعلاقته مع إيران؛ أما فيما يتعلق بالصراع في سوريا، فإن الخطأ الجوهري الذي ارتُكب خلال السنة الأخيرة، هو التعامل مع الانتفاضة على حكم بشار باعتبارها مشكلة إنسانية، فرغم تكرار العنف الذي شهدناه في ليبيا مثلاً في ظل نظام حكم قمعي، فإن الأمر لا يشبه ليبيا، لما ينطوي عليه من أبعاد أخرى.

ففي الوقت الذي تتداعى فيه سوريا ينزلق السنة والشيعة والأكراد إلى شبكة التحالفات الطائفية في المنطقة، فكارل ماركس مثلاً دأب على دعوة عمال العالم إلى التوحد وتجاوز الاعتبارات الوطنية، قائلاً إن العمال يمتلكون من القواسم المشتركة أكثر مما يوحدهم مع الطبقات الحاكمة التي تقمعهم باسم القومية، لذا حث كارل ماركس العمال على التخلص من "وعيهم الزائف" بالهوية الوطنية.

وفي الشرق الأوسط، تلعب إيران دور كارل ماركس، بحيث تسعى إلى نشر نفوذها، من خلال توحيد الشيعة تحت لوائها، مدمرة وحدة البحرين والسعودية والعراق ولبنان، ولتحقيق ذلك تستخدم جماعات مثل "حزب الله" والميلشيات الشيعية في جنوب العراق، وفي كل ذلك تبقى سوريا هي المحور الأساسي للصراع، بما أنها الجسر الحقيقي للشرق الأوسط العربي، فطهران لم تعد تخفي حقيقة مشاركة قواتها في سوريا لدعم بقاء الأسد، وفي هذا السياق ليس ركض طهران لامتلاك السلاح النووي مشكلة إسرائيلية فقط، بل مشكلة المنطقة عموماً؛ وفي الجهة المقابلة من الصراع تقوم السعودية وقطر وبقية القوى الإقليمية بتسليح الفصائل السُنية في سوريا، فيما تجد تركيا نفسها منجرة إلى الصراع، يحركها خوف شديد من انفصال الأكراد في سوريا وتأثير ذلك على أكرادها. لكن أين الولايات المتحدة من كل ذلك؟ لقد أمضت أميركا شهوراً محاولة إقناع روسيا والصين بالتوافق على قرار أممي غير ملزم لإيقاف إراقة الدماء، وكأن موسكو ستتخلى عن الأسد بسهولة، أو أن بكين تكترث حقاً للفوضى في الشرق الأوسط، وهكذا ولملء الفراغ في المنطقة تدخلت بريطانيا وفرنسيا وتركيا للاعتراف بالمعارضة المشكلة حديثاً والممثلة لأكبر عدد من السوريين، وهو ما يتعين على الولايات المتحدة القيام به أيضاً مع مد المعارضة بالسلاح، بعد فضح الجماعات المستفيدة والتحقق منها، بل يتعين على واشنطن وحلفائها إقامة منطقة لحظر الطيران حماية للمدنيين.

إن نفوذ أميركا ووزنها ضروريان، وإلا سيُترك الأمر لقوى إقليمية لا تنسجم مصالحها بالضرورة مع مصالحنا، كما أن التخلي عن المنطقة سوف يؤدي فقط إلى تفاقم الصراع الطائفي، ورغم ما ينطوي عليه التدخل من خطورة مثل صعود القاعدة مجدداً، إلا أن انهيار نظام الدولة في الشرق الأوسط أخطر من أي شيء آخر، والأكثر من ذلك أن إيران إذا تُركت لوحدها سوف تنتصر، فيما سينهزم حلفاء أميركا، وستغرق المنطقة لعقود طويلة في الفوضى، لذا يجب على أميركا التحرك قبل فوات الأوان.

ــــــــــــــــــــــ

كونداليزا رايس

وزيرة الخارجية الأميركية السابقة

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"

====================

الأزمة السورية رهينة الوظائف الدولية

دمشق ـ غازي دحمان

المستقبل

25-11-2012

لن يمر وقت طويل قبل أن يدرك الأخضر الإبراهيمي أن مهمته لم تكن سوى فاصلاً دبلوماسياً آنياً، إستدعته ضرورات المرحلة الدولية، في إطار أزمة إستراتيجية كبيرة. عند ذاك، وكأي دبلوماسي مغدور، مرّ على هذه الأزمة، أو نظيراتها، سيلقي الرجل بيانه الأخير، الذي سيحمل في طياته الكثير من الإحساس بمرارة الخديعة الدولية، وسيقول على هامش حديث صحافي، على الأرجح ، كلمتان أو ثلاثة، كتلك التي قالها سلفه:"على الأسد أن يرحل، لا حل للمشكلة دون ذلك".

هاتان الكلمتان وبيان الإنسحاب باتا يشكلان حلماً لدى السوريين، الذين سقط في أيديهم إمكانية نجاح الإبراهيمي في حل أزمتهم، وباتوا يتوجسون من إمكانية أن يصار إلى تدوير زوايا المواقف الدولية، والقيام بإعادة تموضع جديدة، وبخاصة بعد أن حاول الإبراهيمي خلط أوراق الأزمة بإحالتها إلى إقتتال أهلي، وبعد أن كثف الإعلام الغربي حديثه عن فوضى جهادية داخل سوريا، ظهر أن الدبلوماسبة الغربية تلقطت خيوطها وراحت تبني عليها مواقف سياسية و دبلوماسية حذرة.

ولكن، وربما ومن حسن حظ السوريين أنفسهم، أن هذا الإحتمال لم ينضج بعد، بإعتبار أن الحرب السورية يجري إحالتها إلى وظيفة إستراتيجية كبرى في نظر بعض اللاعبين الدوليين، وهي، باعتراف وزير الخارجية الروسي سيرغيه لافروف، لعبة جيوسياسية كبيرة لإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط.

لم يزل الوصول إلى حل لأزمة السورية امر مبكر جداً، فالثورة السورية باتت تحمل على أكتافها عبء إنجاز العديد من الوظائف والمهمات، ومن دون ذلك لن تعبر سوريا عتبة الأزمة بإتجاه الحل، وخصوصاً وأن مختلف القوى تجد لديها ترف الوقت الذي يمنحها التفكر والتدبر والإشراف والتخطيط، من دون أن يمس ذلك في أمن وإستقرار ومصالح ومستوى حياة شعوب هذه الدول، والعكس قد يبدو صحيحاً في هذه الحالة، بمعنى التعجل في إتخاذ القرارات من شأنه أن يعرض مصالح هذه القوى للضرر، ولو من باب تقليل فرصها التساومية، الأمر الذي يجعل من الحدث السوري لعبة أمم بإمتياز.

لا يزال الوقت مبكراً على الحل، على الأقل ليس قبل أن تؤتي العقوبات الأميركية والأوروبية على إيران ثمارها، وفي ذلك تؤكد التقارير الغربية أن ذروة هذا الأمر ستتضح منتصف العام المقبل. وليس قبل أن تكتشف روسيا أنها تغرق في سوريا وتخسر، وفي المحيط الشرق أوسطي برمته، كما ليس قبل ان تتضح الرؤية بخصوص الموقف من إيران، ومن ترتيبات إسرائيل بشأنها، وبشأن حزب الله ، وذلك سيتم بعملية شاملة وصفقة كاملة، إلى حينه، وقبل ذلك، ليس هناك ما يبرر إستنفاذ الجهود.

لا تزال روسيا تعتقد أنها تستطيع إستثمار الحدث السوري، وهي تتكئ في ذلك على المساومة على ما تعتبره حجم إستثمارات كبير لها في الإقتصاد السوري، وما تعتقده من حاجة العالم لأهمية إستقرار سوريا، أو بلغة أخرى قدرتها على التخريب في سوريا، وهو رهان دبلوماسي وتهديد إستراتيجي ومقامرة جيوسياسية خطيرة في آن واحد، عبرت عنها روسيا أخيراً بتمسكها، المتشدد، ببقاء الأسد في السلطة، مهددة الغرب بأن إستمرار عدائه للأسد سيبقي حمامات الدم مفتوحة في هذا البلد، وربما هذا السبب الذي يجعل اللاعبين الآخرين يتريثون في دخول الصفقة مع موسكو.

إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن موسكو في ظل إدارة أوباما وإسلوبه الدبلوماسي الحذر، كسبت الحق بنقض جوانب عدة من السياسة الخارجية الأميركية، بدءاً من بناء درع صاروخية في أوروبا الوسطى وصولاً إلى وقف برنامج إيران النووي وتقديم المساعدات الإنسانية في سوريا. فبعد عقدين على غياب روسيا عن الشرق الأوسط، يبدو أنها تحاول اليوم استعادة جزء من النفوذ الذي كان الإتحاد السوفياتي يملكه، فليس صدفة أن يتمنى فلاديمير بوتين فوز اوباما في الإنتخابات الأميركية.

من جهته، يشعر الغرب بفائض في الوقت، فالأزمة السورية لم تصبح بعد ملحة، وخاصة وأنها تدرك أن جوهر الازمة هو في موسكو وطهران، وليست في دمشق، كما أنها بمنأى عن الحرج وضغط الرأي العام، الذي يشكل برضاه عن الموقف الرسمي لحكوماتها، كونها لم تتدخل في الحرب، عاملاً مساعداً لها.

كما أن الغرب يريد إعادة تموضعه في المنطقة بشروط جديدة. الثورات العربية، بالنسبة لإدراك صناع القرار الغربيين، متغير جديد يتوجب التحوط له، كونه من المفترض أن يفرض قواعد تعامل جديدة، غير تلك التي إستقرت منذ أيام إيزنهاور. هو لاينظر إلى الأمر من الزاوية التي تنظر بها الشعوب إلى هذه الثورات، على إعتبار أنها لم تحقق جديداً. الغرب يفترض ولادة نمط ثقافي وسياسي جديد في المنطقة حملته ثورات هذه الشعوب، وبالتالي من السذاجة الإندفاع والتعامل معها وفق النمط القديم ذاته. هذه الثورات في نظر الغرب تضمر في داخلها، ومستقبلها، ما هو جديد. والتغييرات التي يعتقد اليوم أنّها أساسية، يمكن أن تُعدّ مستقبلاً مجرد تفاصيل في رحلة طويلة.

لقد تبين أن إدارة أوباما تعجز عن تطوير سياسة واقعية تستطيع التعامل مع منطقة معقدة وخطيرة. في الوقت نفسه، يبدو أنها تزرع بذور المشاكل التي قد تواجهها بنفسها أو قد تمتد إلى عهد خلفائها، ما سيكبد الولايات المتحدة كلفة عالية في مطلق الأحوال.

الأزمة السورية باتت حمَالة وظائف، والكل يريد إستثمار الأزمة، وكأنها غدت آخر الأزمات، وآخر الفرص الممكن إستثمارها. وكأن البيئة الدولية ستعيش أزمة نقص الأزمات... وإلى أن تنجز هذه الأزمة ما تم تحميله لها عنوة، ليس مهماً كم سيموت على ضفافها من السوريين، وليس مهماً إن بقيت سوريا أرضاً صالحة للحياة الآدمية أصلاً، ومن غير المعروف ما إذا كان سيبقى في خارطة الشرق الأوسط نفسه مساحة للتغيير الجيوسياسي.

===================

ظاهرة الشعار في الثورة السورية

اسطنبول ـ عمر كوش

المستقبل

25-11-2012

شكلت الشعارات التي رفعتها أيادي الثائرين السوريين ظاهرة غنية ومبدعة، تدعو إلى التأمل والبحث عن مكنونات هذا المخزون ومصادره، التي تنهل من ذاكرة الإنسان السوري، ومما أنتجه عقله رداً على سنوات الرعب والصمت والقهر والإذلال والكبت، والحرمان من مختلف أشكال التعبير، وبخاصة التعبير السياسي، في ظل عهود الاستبداد الثقيلة. ولعل تعبيراتها الرمزية واللغوية والثورية تكشف مكونات وتعبيرات حرم منها لعقود طويلة، وتلقي الضوء على حصيلة وعي، استخدم الموروث التاريخي والتراث الشعبي، وكيّفه في خدمة الحراك الثوري ومطالب وتطلعات عامة الناس في سوريا.

ولا تغادر مصادر ومراجع، شعارات الثورة ولغتها، تأثيرات ثورات الحرية والكرامة العربية، أو ما عرف بثورات الربيع العربي، إضافة إلى عمق ارتباطها بجذور عميقة، تمتد إلى الثقافة الشعبية، والحديثة، وتنهل من المعرفي والحسي، السياسي والاجتماعي، ومن التراث الشعبي، وترتبط بالزمن السوري الضارب عميقاً في التاريخ، وفي الوجدان، حيث الأشواق والأمنيات والأحلام تكمن دافئة في ثنايا الذاكرة الجمعية.

يمكن القول إن الثورة السورية تميّزت بشعاراتها السياسية والمطلبية والاجتماعية، واختلفت لغتها باختلاف مراحل أو أطوار الثورة، التي بدأ حراكها الشعبي سلمياً، ثم بات لها مركبات ومكونات وأطر تنظيمية وسياسية وإعلامية وعسكرية.

وصدحت حناجر المحتجين في التظاهرات السلمية بشعارات عفوية أحياناً، ومفكّر فيها في غالب الأحيان، لكنها اكتسبت حمولات عديدة مع تحول التظاهرات اليومية إلى مشهديات بصرية وجسدية، وتشكيلات فنية، تمازجت فيها شعارات وأغاني الثورة الجديدة مع ما يختزنه الموروث الشعبي، من أغاني وأهازيج وعراضات، محلية شعبية، مع ابتكارات فنية جديدة، لم تشهد سائر ثورات العالم الحديث مثيلا لها.

وركزت الشعارات المرفوعة على الكرامة والحرية، حيث انطلق شعار "الشعب السوري ما بينذل" بوصفه أول شعار في الثورة السورية، هتفت به جموع من السوريين في منطقة الحريقة بدمشق، وتأقلم الشعار نفسه في درعا في صيغة "الموت ولا المذلة"، بعد سقوط عدد من الشهداء، ثم تحولت لغة الشعارات، من رفض المذلة وإعلاء قيمة الكرامة، وتفضيل الموت على الخضوع، إلى المطالبة بالحرية، وجعلها مقام تشييد للغة الثوار، وذلك بالتلازم مع رفض الاستمرار في العيش في ظل الوضع القائم. وبات شعار "الله سوريا حرية وبس"، يكمل ثنائية الكرامة والحرية، بوصفهما مركبي التأسيس للثورة السورية.

ومع تزايد سقوط الشهداء وسيلان الدم في الشوارع والساحات تغايرت الشعارات، لتطالب بإسقاط النظام ورحيل رمزه، ولإظهار التضامن والتعاضد مع مختلف المدن والبلدات التي تعرضت للقمع الشديد. وعند بروز المكون العسكري من منشقين عن الجيش النظامي ومتطوعين، راحت الشعارات تطالب بحماية المدنيين، وتحيي الجيش الحرّ، وتطالب بالتسليح، وسوى ذلك.

وتشير لغة الشعار السياسي في الثورة السورية إلى رمزية خاصة، وإلى تحولها وتجسدها في ثنايا خطاب يتوجه إلى عموم السوريين، حتى باتت مكوناً أساسياً للتواصل بين المحتجين والجمهور العام، وإطاراً للمفاهيم الثقافية والسياسية والاجتماعية، الأمر الذي شكّل ظاهرة لمأسسة مفاهيم الثورة، ومخاطبة جموع الداخل والخارج، وراحت تنهل من معين حياة الناس وذاكرتهم، وتعكس طموحاتهم ومطالبهم وآمالهم وتطلعاتهم، ولها تفاعلاتها الداخلية والخارجية.

وقد نظر الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر إلى اللغة كأحد المكوِّنات الأساسية التي لا تشكل وسيلة للتواصل بين الناس فحسب، بل إطارًا يحدد المفاهيم الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تشكل المنظومة الفلسفية لمجتمع ما. من ضمن هذه المفاهيم ما يرتبط إلى حد ما بمسألة "رمزية" اللغة، وهي مسألة يغوص فيها الناس من دون إدراك أو بشكل لاواعٍ.

وفي شعارات التأسيس للثورة، اُختصر الشعار السياسي في أبسط صوره، في كلمة واحدة، هي "حرية"، يؤطرها الترداد وحركات الأيادي والأجساد، وتصدح بها حناجر المحتجين، صغاراً وكبارا، نساء ورجالاً. ويستمد اقتضاب الشكل روحيته من تركيب المعنى، بالنظر إلى أن هذا اللفظ البسيط يحيل في البداية إلى معرفة ثقافية خاصة في اللغة العربية، لكن هذه المعرفة تتجاوز حدود ما تمثله الدائرة اللسانية، لأنه اكتسب بعداً عربياً ثم بعداً عالمياً. والفضل يعود إلى الثورات العربية في تحول الشعار إلى مفهوم له أبعاد إجرائية متنوعة على مستوى القراءة، حتى باتت كلمات مثل "حرية" و"إرحل" مقروءة عالمياً، وغدت كل منها علامة من غير تركيب، تقترح خطابات عالمية، وتدرك ضمن المقولات المشكلة.

ولا يغيب عن لغة شعارات الثورة عنصريّ الذات والذاكرة، فـ "أنا" المحتج ليست حاضرة في صرخاته فقط، بل حاضرة في أكثر من خطاطة وشعار. وتحول العديد منها إلى كوجيتو فلسفي جديد، ولعل عبارة "أنا إنسان ماني حيوان"، التي نطق به أحمد عبد الوهاب، دشنت كوجيتو كينونة جديد، بل وتحولت إلى مقولة مفهومية في الثورة، وحولت صاحبها إلى أيقونة.

وقد جرت الإحالة في أكثر من شعار إلى الذاكرة السورية والتاريخ السوري، حيث راح المحتجون في درعا، مثلاً، يرددون شعاراتهم على وقع الأهازيج، التي تزخ بها منطقة حواران، من "الميحة"، و"السحجة"، و"الدرازية"، و"الجوفية"، و"الشعرافية، و"الحورانية"، و"الشمالية" و"النسورانية". ولعبت الأهازيج والعراضات ومختلف أنواع الدبكات والرقص دورها الخاص في التأثير المباشر في الناس، وفق طبيعة تعبيرية خاصة. وباتت تتحكم في الانفعالات ولا تكترث للمفاهيم، بوصفها شعلة تضيء ظلاماً. وفي حالات الانفعال لا يفكر الإنسان، لذلك ارتبطت الموسيقى والأهازيج بالجسد الفاعل، والجسد المتحرك. وهذا ما يميز طبيعة الهوى، بوصفه تجاوز الحدود العادية المحرر للانفعال والدافع به في كل الاتجاهات. وقد تتحقق ذلك في التظاهرات التي عمّت مختلف المدن والبلدات والقرى السورية، من خلال تلاطم أمواج أجساد المتظاهرين في مشهديات، لم تعرفها سوريا من قبل.

ولعل الجديد الذي قدمته الثورة السورية في حركات الجسد هو تسونامي الأجساد، والكرنفالات المرافقة لها، حيث، وبتنظيم متناغم ومدروس، تصطف أجساد المتظاهرين بشكل خطوط وصفوف أو دوائر في ساحة أو شارع، ثم مع ترداد الشعارات يجلسون دفعة واحدة، وحين تشتد الحماسة في مقطع معين من الشعارات أو الأغاني، تنهض الأجساد دفعة واحدة، يليها الارتفاع ثم الانخفاض في حركات تشبه الأمواج المتتالية بتسارع متناغم، مشكلة تسونامي أجساد بشرية.

ولا شك في أنه لا يمكن للمحتجين أن يتظاهروا لساعات وأيام وشهور من دون أن يغنوا، وينتجوا أغانيهم الخاصة بهم في كل منطقة أو حي أو بلدة، ويرددوا شعارات لها وقع وتأثير في الأذن قبل العقل. وباعتبار أن الدبكة المرافقة للأهازيج والعراضات تطاول الجانب الحسي من الإنسان، فإن هذا الجانب عندما يتجسد في الجسد الثائر، فإنه يحتاج إلى طاقة روحية، لكي يستمر، ويفرز كل طاقاته ومكنوناته، فكثير من المتظاهرين اكتشفوا أجسادهم وأصواتهم لأول مرة في حياتهم في ميادين التظاهر وفسحات الحرية.

وإن كان الانفعال طاقة تعبيرية تسعى الكلمات إلى تنظيمها وترويضها، فإن اللغة الثورية التي وظفها حراك الشباب السوري في التظاهرات وميادين العمل الميداني المختلفة، أنتجت فكراً ثورياً جديداً، مختلفاً كل الاختلاف عن لغة ثورييّ الأمس، ثوريي أفكار وأحزاب ومخلفات الحرب البادرة وما بعدها. وهو أمر يفسر وجود هوة كبيرة بين خطاب الثائرين السوريين وخطاب مختلف مجالس وتنظيمات وهيئات المعارضة السورية، بل ويبدو أحياناً أن خطاب بعض شخصيات المعارضة المتقادمة، يفترق تماماً عن خطاب جيل الثورة الجديد، بل، ويقترب ويلتقي في أجزاء منه مع خطاب السلطة الاستبدادية. ومردّ ذلك إلى أنهم كانوا بعيدين عن الحراك ومفاعيله، ولم يشاركوا فيه، ويحاولون تسجيل مواقف، تدخل في باب فقه النكاية، مع بحثهم الحثيث عن دور تغزوه الشخصنة، وحافظوا على ذات الأفكار القومية واليسارية والإسلامية المتقادمة، وتملكتهم فوبيا التدخل الخارجي، ومازالوا يتمسكون بتلابيب المقولات الطنانة، الزائفة في جوهرها، فضلاً عن إصابتهم بأمراض تضخم الذات، المنخورة والجوفاء، وعدم تعودهم على العمل الجماعي والمؤسسي، وسوى ذلك كثير.

وفي المقابل، فإن السلطة الاستبدادية انتجت على مدار أربعة عقوة لغة استبدادية، بحيث باتت اللغة العربية التي يتكلم بها أهل الحكم لغة تسلطية قمعية، نتيجة الاستبداد المتعدد المركبات والحوامل. ويمكن تتبع الدور الذي مارسته لغة السلطة، عبر الشعارات الفارغة التي رفعتها، وأسهمت في تثبيت سطوتها وهيمنتها، ونشر ثقافة الخوف، وفي صناعة أسطورة الزعيم الأوحد، وتعزيز ديكتاتوريته، وفي شل قدرة الآخرين على المقاومة والرفض.

غير أن زمن الثورة حطم جميع دوائر الخوف، وكسر كل الحواجز، وأنتج لغة للشعار السياسي، ساهمت في كشف طبيعة لغة السلطة، التي تُعد نموذجاً للخداع والتضليل، وفي الوقت ذاته، أداة القهر الأساسية. وفقدت السلطة القامعة قدرتها في السيطرة على أفعال الناس، وبات أصحابها يدركون أن لا مكان لهم في العالم الجديد الذي خلقته الثورة.

==================

من دوما هلّت "بشاير" النصر

دمشق ـ صبر درويش

المستقبل

25-11-2012

أنا من مدينة السلمية ـ تقول فاطمة ـ وأعيش في مدينة دوما منذ ما يقرب من خمسة عشر عاماً، لي منزلي ولي حياتي في هذه المدينة التي أقل ما يمكن أن أقوله عنها أنها مدينة أبية، أنا دومانية بقدر ما أنا سلمونية.

تنتمي مدينة دوما إلى ما يعرف بالغوطة الشرقية، وهو القوس المحاذي من جهة الشرق للعاصمة دمشق، يبلغ عدد سكان المدينة حوالي الثلاثمائة ألف نسمة، وهي بذلك تعد أكبر مدن الغوطة الشرقية؛ ومن المعروف تاريخياً عن المدينة طبيعتها المحافظة والمغلقة، كما من المعروف عنها تجانسها السكاني، فغالبية السكان من الإسلام السنة.

بدأت القصة في دوما عندما خرج بضعة شبان لم يكن يتجاوز عددهم العشرات- باعتصام من أمام مبنى البلدية، نصرةً لمدينة درعا، وتعبيراً عن رفضهم لما كان يجري هناك، تقول فاطمة: لم يرفع المعتصمون أي شعار، كان الاعتصام صامتاً تماماً، فجأةً بدأ رجال الأمن السوري بإطلاق النار على المعتصمين، وفجأةً سقط ثمانية شهداء على الفور؛ كان الموضوع صادماً، وكان السؤال حاضراً: لماذا؟

في اليوم التالي أيضاً خرج بضعة مشيعين لدفن الشهداء، ومرةً أخرى لم يتوانَ رجال الأمن عن إطلاق النار على المشيعين ليسقط حوالي ستة عشر شهيداً، في تلك اللحظات سيتذكر الجميع أن عنف رجال الأمن السوري هو من أيقظ مارد المدينة، فبعد هذه الأحداث ستنتفض المدينة عن بكرة أبيها، فدوما من سيُخرج إلى الشارع أكثر من مائة ألف متظاهر، وستكون دوما المدينة السباقة في رفع شعار اسقاط النظام، ومن تلك اللحظة سيواجه النظام السوري واحدة من أكثر المدن السورية تمرداً على حكمه.

روج نظام الأسد لرواية مفادها وجود جماعات مسلحة في المدينة، ممولة ومدعومة من قبل السعودية، وهو الشيء الذي حاول من خلاله تبرير اطلاقه النار على المتظاهرين. تقول فاطمة: كنت من أولى النساء اللواتي شاركن في التظاهرات، حتى أنني كنت المرأة الوحيدة في تلك الأثناء، كنت أبحث بجد عن أولئك المسلحين المزعومين، الذين يتحدث عنهم الاعلام الرسمي، في الحقيقة لم أعثر على أي مسلحين، لم يحمل المتظاهرون في أيديهم عصا أو سكين أو أي شيء يذكر، أنا التي رأيت ما كان يجري، كانت تظاهرات سلمية بالكامل؛ كانوا شباناً يملؤهم العنفوان والشغف، كانوا يأتون إلي ويطلبون مني العودة إلى منزلي كي لا أتأذى، كان خوفهم عليّ واضحاً، وكنت أبكي من فرحي، شبان شعرت أنهم جميعهم أبنائي وأخوتي.

في الحقيقة تعامل النظام مع الحراك الشعبي في دوما كباقي المدن السورية المنتفضة، وكان الخيار الأمني هو وسيلته الوحيدة للتصدي إلى مطالب المتظاهرين السلميين؛ وهذا الخيار هو الذي كان مسؤولاً عن كل ما جرى في المدينة ، تقول فاطمة: قوات الأمن ولا أحد سواهم من أحرق القصر العدلي في المدينة، وهم المسؤولون عن قتل شبان بعمر الورد. كان رجال الأمن يصطفون خلف بعضهم في مواجهة المتظاهرين، بينما يطلب ممن في المقدمة إطلاق النار على الناس، كان يقوم من في الخلف بإطلاق النار على كل من يرفض إطلاق النار من قوات الأمن، وهو شيء أشبه بالإعدام الميداني. وبعد ذلك يتم اتهام الجماعات المسلحة بذلك.

كان من أول شهداء دوما شابان من آل القادري، وللشهيدين قصة تكثف سيرة الممارسة الأمنية في المدينة، تقول فاطمة: طلب الحاجز الأمني المتواجد عند أحد الشوارع من الشاب التوقف، وعندما لم يفعل قاموا بإطلاق النار عليه ليردوه قتيلاً على الفور، صرخ أخوه فيهم وقال لهم أن أخاه أصم لا يسمع لذا لم يتوقف، فما كان منهم إلا أن أطلقوا عليه النار أيضاً ليموت من فوره. عشرات الحوادث من هذا النوع تؤكد الإجرام الذي تعاملت فيه قوات الأمن مع السكان السلميين، ولا شيء يدعو إلى التشكيك في هذه الشهادات، والتي وإن اختلفت مصادرها إلا أن مضمونها واحد.

تأخرت مشاركة نساء دوما في المظاهرات قليلاً، حيث بدأت من خلال المشاركة في تشييع الشهداء، ثم ما لبثت هذه المشاركات الخجولة أن توسعت، إذ سرعان ما بدأت المرأة الدومانية بالمشاركة في التظاهرات أسوة بغيرها من الناشطين، ثم راحت الناشطات ينظمن مظاهرات خاصةً بهن.

سرعان ما ستنخرط المرأة في دوما في جملة النشاطات الثورية السائدة، ستخرج للتظاهر، وستصطدم بقوات الأمن، وستكافح من أجل حماية الشبان المتظاهرين، ستحيك الأعلام وتكتب اللافتات، وستؤمن الطعام للثوار، وستساهم في علاج الجرحى، وستقف معتصمةً أمام المقار الأمنية للمطالبة بالمعتقلين. تستعيد فاطمة حادثة وقعت في مديرية الأوقاف في دوما، حيث اقتحمت النسوة هذا المقر، وقمن بتمزيق صور الرئيس السوري وصور أبيه، وبدأن بعدها باعتصام طالبين فيه بالإفراج عن المعتقلين، كل هذا ولم تتجرأ قوات الأمن على أن يتسببوا لهن بأي أذى، لمعرفتهم بأن التعرض للنساء سيثير موجةً عارمة من التظاهرات.

تروي لنا فاطمة عن أحد الحوادث: في إحدى المرات أصيب عدد من المتظاهرين برصاص قوات الأمن، فقمنا بنقلهم إلى المشفى، وعندما أتى رجال الأمن ليعتقل الجرحى تفاجأوا بوجودنا صفاً واحداً أمام المشفى، حيث أقسمنا على حماية الجرحى حتى لو تسبب ذلك بمقتلنا؛ وفعلاً استطعنا حماية الجرحى، كما استطعنا تهريبهم من المشفى بعد أن ألبسناهم لباس النساء حتى لا يراهم رجال الأمن.

تغص مدينة دوما كما باقي المدن السورية الثائرة، بقصص تروي المشاركة الفعالة للمرأة السورية في ثورة شعبها، حيث أننا سنجدها في كل المواقع أسوة بالرجال، وهو تغير طرأ على التركيب الاجتماعي السوري في ضوء الثورة الراهنة، وربما سنلمس أثره في المستقبل القريب، فالمرأة السورية مع الثورة لم تعد ضلعاً قاصراً.

=====================

الكرد والجيش الحر ومخاطر الحرب الأهلية

داريوس الدرويش()

المستقبل

25-11-2012

تعطي الاشتباكات الأخيرة في رأس العين وقبلها في الأشرفية وقسطل جندو، مؤشرات على رغبة الأطراف المتصارعة في سوريا بجر الكرد للدخول في حرب أنهكت الطرفين، كلُّ بحسب أجنداته.

فالنظام من جهة، يعلم مدى معاداة الكرد للإسلام السياسي، ويعلم استحالة قبولهم به حاضرا ومستقبلاً، وقد حاول النظام استغلال هذه النقطة لصالحه من خلال الترويج لشبح سيطرة الإخوان المسلمين والسلفيين على الحكم، وخصوصا بعد تزايد دور القوى المتطرفة على الساحة السياسية والعسكرية للثورة السورية، إلا أنه ووجه من قبل الكرد بإرث تاريخي من المعارضة تضعهم في خانة ثالثة هي الحياد والبعد بمسافة واحدة عن النظام والمعارضة المتطرفة، رغم وقوفهم في صف واحد مع المعارضة السياسية والعسكرية المعتدلة.

من جهة أخرى، تعتقد بعض القوى من المعارضة المسلحة، أن الكرد، وبسبب عدم مشاركتهم في الأعمال العسكرية، إنما يقفون ضمناً إلى جانب النظام، ويحاولون تحقيق مكاسبهم عبر اللعب على الطرفين، ولابد من تعريتهم ووضعهم أمام استحقاق يحددون فيه موقفهم الواضح من الثورة التي بدأ الطابع المسلح يطغى عليها، وباتت المشاركة في القتال معياراً لتحديد المكونات المعارضة للنظام أو الموالية له.

بين هذين الخيارين، وفي ظل غياب أي دور للمعارضة السياسية على الساحة السورية، ينقسم الكرد فيما بينهم إلى قسمين: متبنين لأحد الخيارين دون الآخر من جهة، و بين مؤمنين بوجود خيار ثالث يضمن التزام الكرد جانب المعارضة للنظام، ويجنبهم خيار الدخول في حرب بالوكالة لصالح أطراف اقليمية ودولية من جهة أخرى.

ولا يبدو الخيار الثالث مستحيلاً، فمشاركة الكرد في التظاهرات السلمية منذ البدايات المبكرة للثورة السورية (أول تظاهرة خرجت في مدينة القامشلي ذات الكثافة الكردية كانت بتاريخ 1/4/2011) كانت دليلا على توق الكرد للتخلص من النظام البعثي في دمشق، والذي عانوا منه الأمرّين، ما يجعلهم واقفين إلى جانب المعارضة في صف واحد، كما أن استمرارهم بالخروج في هذه التظاهرات بشكل شبه يومي إلى الآن، ابقى للثورة السورية طابعا سلميا مرغوبا به من قبل الغرب.

كذلك فإن احتمالات عسكرة الثورة في المناطق الكردية تواجه عائقين أساسيين: أولها: ان الكرد غير قادرين على دفع فاتورة الحرب الباهظة مع النظام بسبب انهاكهم الكامل اقتصادياً خلال اربعين عاما من المعارضة، وبالتالي لن يستطيعوا تشكيل حاضنة شعبية تحتاجها بشدة أي معارضة مسلحة، وثانيها: أن المدنيين السوريين سيخسرون مكاناً آمناً يلجأون إليه عند اشتداد المعارك على الجبهات الدائرة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، خصوصاً بعد اقفال الحدود من الجانب العراقي والمضايقات التي يعاني منها النازحون السوريون في تركيا.

إلا أن محاولات العسكرة تتوالى، فيبدو أن التحضيرات المتخذة مؤخراً على الجانب التركي من الحدود كإزالة الألغام والأسلاك الشائكة قبيل حدوث الاشتباكات برأس العين، هي مؤشرات على رغبة تركيا بإشعال الحرب بين الكرد والقوى المتطرفة في المعارضة المسلحة، فتأكد الأتراك من أن قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب PYD المرتبط بدوره بحزب العمال الكردستاني، والتي شاركت في أحداث الأشرفية، ستواجه قوات المعارضة السلفية الطابع خوفا من قيام النظام بمواجهتها بالطائرات والقنابل كما يفعل في باقي المدن السورية، هذه المواجهة ستدخل الكرد في حرب مفتوحة مع القوى المتطرفة للمعارضة المسلحة، الدينية منها والعشائرية، وتكون بذلك قد تخلصت من تهديد حزب العمال الكردستاني على حدودها، وفي الوقت نفسه المعارضة المتطرفة التي تتلقى دعما من القاعدة، وهذا ما لم يقم به الكرد.

ولا شك أن نأي الجيش الحر بنفسه عمليا عن مواجهة هذه المجاميع المسلحة والمتطرفة يعود إلى عدم قدرته على فتح جبهات جديدة مع أطراف أخرى بالتزامن مع مقاومته على جبهة النظام، ولكن بالمقابل قد يدفع هذا الموقف الكرد، في حال تكثيف محاولات جرهم إلى الحرب، على اتخاذ القرار الأقل كلفة، وهو تجنب صواريخ وبراميل النظام المتفجرة ومواجهة الجيش الحر ككل ومن دون تمييز ما بين المتطرفين والمعتدلين بينهم، ولا بد لهذا الأمر أن يخلق ضغطاً كبيراً على الثورة السورية ويحولها من نضال من أجل الحرية إلى حرب أهلية متعددة الاطراف قد تؤدي إلى إفشال الثورة برمتها.

==================

الإعلام السوري والمقاومة الوهمية

خلدون السعيدان

الرياض

25-11-2012

    كان تعاطي الإعلام العربي مع أحداث غزة الاخيرة عاطفيا كالعادة في تناوله الحدث وحاولت كاميرات تلك القنوات ان تلوي عنق الحقيقة وهي تبث صورا لما يحدث بغزة .الاعلام الذي تحركه ايادٍ موالية للنظام السوري في نقله الحدث على انه كارثة انسانية حاولت ان تدير العجلة الى اتجاه آخر غير الذي نراه ونسمعه يوميا عبر القنوات ذاتها عما يحدث في سورية وما فعلته المدافع والصواريخ بالمواطنين العزل والاطفال . الإعلام السوري والموالون له كان مثيرا للسخرية وهو يصور الحدث على انه جريمة انسانية كبرى متناسيا او متجاهلا ما يحدث من جرائم انسانية عبر النظام السوري الجائر .حين يتحدث الاعلام السوري عن المقاومة وسوريا العروبة فإنه بذلك يواصل مسلسل الاستهبال الاعلامي وكأنه مازال يعتقد بأن المواطن السوري أوالعربي ما يزال ساذجا ويصدق ما ينسج له من قصص خيالية عن المؤامرة والمكائد التي يحيكها المتآمرون على سورية وشعبها . مع الاسف الاعلام العربي مازال يتعاطى مع الاحداث برؤية عاطفية بعيدة عن الحقائق والمنطق متجاهلة الحقيقة المؤكدة بأن المتلقي لم يعد بذلك المسيّر بما يشاهده او يسمعه وان التطور الاعلامي الكبير ودخول وسائل الاتصالات الحديثة والاعلام الجديد لم يترك مجالا للتلاعب في المشاعر الانسانية ومحاولة تضليله او الكذب عليه .الاعلام السوري وهو يتحدث عما جرى بغزة بعاطفته نسي او تناسى أن من سقط من خلال العدوان الاسرائيلي على غزة من قتلى وجرحى خلال ايام الاحداث كلها ماهي إلا وجبة يوم واحد لقوات بشار ونظامه وان الوحشية التي يعامل بها الشعب السوري الاعزل من بشار وازلامه تجاوزت كل الانتهاكات التي قامت بها اسرائيل طوال سنوات حربها مع الفلسطينيين، وبحسبة بسيطه لارقام القتلى والجرحى التي خلفها الاسرائيليون منذ سنوات احتلالهم الاولى حتى اليوم وما خلفه النظام السوري من جرحى وقتلى خلال العامين فقط سيجد ان آلة القتل السورية تجاوزت كل الارقام ودخلت موسوعة جينس وان الوحشية والدمار الذي اظهره بشار ورجاله تجاوز كل انواع القسوة. آخر انفرادات الاعلام السوري ما ذكرته جريدة الوطن السورية عن قائمة الكتاب العرب المتصهينين والذين اعتبرتهم الصحيفة صنيعة يهودية صهيونية من خلال كتاباتهم التي تعرضوا فيها لسورية العروبة والصمود.

سورية الوديعة المتسامحة مع ان التاريخ سيبقى شاهداً على ما فعلته سوريا بأبنائها وحضارتها.

==================

الاعتراف بـ"الائتلاف السوري"

خطّ تماس سياسي جديد

ايلي الحاج

2012-11-25

النهار

 عاجلاً أو آجلاً سيفرض الاعتراف بـ"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" نفسه على حلبة النزاع في لبنان، وسيشكل خط تماس سياسياً جديداً بين قوى 14 آذار من جهة و”حزب الله” وحلفائه من جهة. إنها مسألة وقت لا أكثر.

تنطلق المعارضة اللبنانية في رؤيتها الى التطورات السورية من ان نظام الرئيس بشار الاسد مات سريرياً ولا يهم إن كان موعد الدفن بعد اسابيع او اشهر. انتهى ولن يعود. وها هي تكرر تباعاً اعترافات فرنسا وايطاليا وبريطانيا والدول الغربية والعربية بالائتلاف الذي سيتكون من أطرافه النظام الجديد. “فماذا نحن فاعلون؟” السؤال مطروح في اوساط 14 آذارية تحاول استباق الأحداث لئلا تدهم لبنان في لحظة غفلة، فلا تلائمه النتائج.

يُذكّر احد سياسيي التحالف السيادي بأن سوريا – الاسد لطالما اعتمدت منذ حرب 1973 اسلوب ترك الدم اللبناني يهرق من الحدود الجنوبية امتداداً الى الداخل لتحسين مفاوضاتها على استعادة الجولان، ولطالما اصرت على ترك الحدود المشتركة والمتداخلة سائبة لزوم تهريب السلاح والسياسات وسوى ذلك. رسالة “المجلس الوطني السوري” الى قوى 14 آذار في احتفال “البيال” 2012 كانت علامة فارقة في سياق مناقض تماماً، فهي أكدت النية لاحترام سيادة لبنان واستقلاله والعلاقات المتكافئة. علينا التعجيل في ضمان الاّ تكرر سوريا انتاج الأزمات للبنان. هل يمكن البناء على المراسلات المتبادلة والاتصالات مع “المجلس الوطني” لإرساء تفاهم مع الائتلاف الجديد؟

لا شك ان القيادة الجديدة لتحالف الثورة السورية منشغل بقضايا ملحة جمة، وان الوقت لا يزال ضاغطاً عليه، ومبكراً للخوض معنا في عمق مشكلة العلاقات اللبنانية – السورية التاريخية، ولكن ما دام الرابح في سوريا معلوماً في نهاية المطاف وهو الشعب السوري الثائر على الظلم والذي يواجه احدى أعتى الديكتاتوريات في التاريخ بدعم كبير عربي ودولي لا بد ان يترجم في قابل الايام، فلماذا الانتظار لفتح خطوط الاتصال وصولاً الى “الاعتراف” الذي يتيح للبنانيين ان يكونوا شركاء نوعاً ما مع النظام الجديد في الانتصار على النظام الاسدي، والذي أذاق اللبنانيين بمختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم مرارة القمع والتنكيل والتقتيل، خصوصاً انه في كل الاحوال ذاهب بلا عودة؟

طارحو السؤال من ضمن 14 آذار يسألون 14 آذار: ماذا تفعل في هذا الوقت الضائع غير انتظار من يكون التالي بعد اللواء الشهيد وسام الحسن وانتظار اشكال الفرج من السماء وتلهّي بعض اطرافها بحسابات انتخابية ضيقة، فضلاً عن سماع الأمين العام لـ”حزب الله” في خطب تدور على فكرة واحدة هي “روحو بلّطو البحر”. على الاقل يمكن ان يثير الجدل حول الاعتراف او عدم الاعتراف بائتلاف الثورة السورية نوعاً من حافز لدى الحزب المذكور للتواضع والتفكير جدياً في مخرج لأزمته الآتية مع بقية اللبنانيين، وايضاً مع سوريا – المستقبل.

===================

الائتلاف الوطني السوري فرصةٌ ذهبية.. وأخيرة

لامفر إذن من ترتيب أمور الائتلاف بطريقة هي أشبه بالثورة على طرق العمل والإدارة والتنظيم التقليدية، واستبدالها بأخرى مبتكرة تستخدم لغة العصر وأدواته ومفرداته بكل حرفنة

د. وائل مرزا

الأحد 25/11/2012

المدينة

 من المرفوض أن يُصبح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية كياناً مُقدساً لايجوز نقده أو مساءلته ومحاسبته، فهو في نهاية المطاف اجتهادٌ بشري استُخدِمَ العقل الجمعي في التخطيط لقيامه. والتعامل مع الائتلاف وشؤونه الآن من خلال العقل الجمعي السوري هو الضمان الأكبر لنجاحه في أداء مهماته.

من هنا، لاتثريب على أحدٍ في أن يقدم مايراه من النصح والمشورة، ومن واجب الائتلاف وأعضائه الاستفادة من كل مساهمةٍ تأتي في هذا الإطار.

لكن الخطيئة الكبرى تتمثل في الغفلة عن نافذة الفرصة التي فتحها إطلاقهُ في هذه المرحلة.

فولادة الائتلاف لم تكن أمراً يسيراً كما يظنّ البعض.. لهذا، يجب أن يكون الفشلُ ممنوعاً في هذه المرحلة. والعمل لتجنب أي نوعٍ من أنواعه مسؤوليةٌ تحملها كل الأطراف السورية المساهمة في الثورة دون استثناء.

فقيادة الائتلاف مسؤولة، وحين تنال تلك الدرجة من القبول والدعم الشعبي بناءً على مصداقيتها التاريخية وانبثاقها من رحم الثورة، فإن هذا يرفع درجة مسؤوليتها للعمل باستمرار من أجل بناء مؤسسة تليق بتلك الثورة.

ويجب أن تتذكر القيادة باستمرار أنه لايوجد شيء يؤكد شرعية الائتلاف وإمكان استمراره أكثر من الإنجاز الفعلي الذي يجب أن يشعر به السوريون بوضوح.

ثمة شرائح من شياطين الإنس والجنّ تعمل هذه الأيام ليل نهار لتشغل القيادة عن مهمتها الحقيقية، وتزرع بين أعضائها الهواجس والوساوس، وتحرفها عن التركيز على واجبها الأصيل. ولن يظهر الكمون الخطير لمثل هذه الممارسات إلا بإقرارنا ببشرية القيادة من ناحية، وبأنها بكل عناصرها وجدت نفسها فجأة في موقعٍ يتطلب نقلات كبيرة وجذرية في طرق التفكير والعمل والإدارة والقيادة..وإذا كان دور الرصيد الثقافي والاجتماعي السابق مهماً دون شك، فإن ثورةً إداريةً ومؤسسية أصبحت مطلوبةً للارتفاع إلى أهلية ملء مواقع قيادةٍ يُفترض بها أن تفكر وتتصرف وتُقرر وتُخطط على مستوى قيادة الدول ورجالاتها.

فضلاً عن هذا، لانقاش في أن كل طرفٍ من أطراف الائتلاف مسؤول، من المجلس الوطني إلى المجالس المحلية، مروراً بالتنظيمات الثورية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني.

وفي معرض الحديث عن المجلس الوطني ومطالبته (المشروعة) بمزيد من المشاركة في صناعة القرار والتمثيل، ربما آن الأوان ليقف المجلس مع نفسه وقفة مراجعةٍ ونقد لأن كثيراً من ممارساته وخياراته السياسية أثناء تشكيل الائتلاف لم تكن مدروسةً على الإطلاق. تكفي في هذا الباب أمثلة ثلاثة. فقد بدأ الخطأ الكبير من قبل المجلس في إعراضه عن ترشيح رموزه القوية وشخصياته الأساسية خلال انتخاب قيادة الائتلاف. ومع الاحترام لكل من ترشّح باسم المجلس، فإن طبيعة الترشيحات بدت وكأن فيها درجةً من القصد بألا ينجح ممثلو المجلس لغايةٍ في نفس يعقوب لانعلم إن قضاها أم لم يفعل.

ثم إن رئيس المجلس السيد جورج صبرا كان مدعواً رسمياً للمشاركة في وفدٍ ائتلافي موحد توجد فيه القيادة بأسرها في أهم اجتماع دولي تلا إنشاءه،وعُقد في لندن لمناقشة موضوع حساس جداً يتعلق بإقرار صندوق الدعم ووضع آلياته. لكن رئيس المجلس رفض الحضور إلى لندن والانضمام للوفد في الزيارة لأسباب مجهولة، .. لاندري إن كان مثل هذا القرار فردياً أو جماعياً، لكنه أثار استغراب العديد من الدوائر الدولية، وساهم في إشاعة أجواء توحي أن المجلس يُريد إفشال الائتلاف وجهوده من البداية من خلال المقاطعة.

وتأتي ثالثة الأثافي من استمرار حالة التخبط والفوضى داخل المجلس الذي لم يستطع الاتفاق على ممثليه في الائتلاف، في حين لم تتبق إلا أيام لعقد اجتماع الهيئة العامة له في القاهرة. كما أن من الواضح أن ثمة انقساماً بين من يريدون نجاح الائتلاف بتجرد وإخلاص، وآخرين لايزالون يحاولون وضع العصي في دواليبه بكل شكلٍ مُعلنٍ كان أو مستوراً.. وإذا كان هذا التحليل يحمل مصداقية فإن من غير اللائق أن يحاول المجلس القفز على أزماته التنظيمية من خلال التركيز على (منافسٍ) خارجي توضع عليه كل اللائمة..

أما ممثلو المجالس المحلية فحريٌ بهم أن يُثبتوا مصداقية تأهيلهم لتمثيل مناطقهم من خلال العمل الدؤوب والتواصل المستمر مع الداخل.

وفي نفس الإطار، تُصبح التكوينات الثورية مُطالبة أيضاً بإثبات مصداقية وزنها العملي السياسي والعسكري الثوري على أرض الواقع، بعيداً عن تضخّم الجانب الإعلامي في عملها والذي يوحي لكثيرين بأنهم يُعطون حجماً أكثر من حجمهم الحقيقي. ولايكون هذا إلا بتواصلٍ داخلي فعال مع العاملين على الأرض لايتمُّ توظيفه في سياقات تنظيمية أيديولوجية، وإنما في إطار إظهار عملٍ فعال يصب في خدمة الائتلاف.

ولن يمكن لأعضاءالمجلس من (الشخصيات الوطنية) استحقاق تمثيلهم ما لم يكونوا بمثابة كتلةٍ تمثل صمام أمان للائتلاف، من خلال دورهم الفعال في تأكيد الجامع الوطني المشترك، والتحفز الدائم لحماية المجلس من أي عملية انسحابٍ أيديولوجي أو حزبي في اتجاهٍ من الاتجاهات.

ومن المؤسف على بعض مكونات المعارضة السورية وشخصياتها المحترمة التي أكّدت دعمها للائتلاف في البداية أن تنسحب وقد نصّبت نفسها حاميةً للأقليات وللتوجهات الليبرالية العلمانية بطروحات ثقافية تحمل شعارات وطنية كبرى. بل الأنكى أن تتسرب آراء لهؤلاء بدؤوا يطرحونها في مجالس إقليمية ودولية تتهم الائتلاف بأنه، مرةً أخرى، إسلامي التوجه والسيطرة!؟

لامفر إذن من ترتيب أمور الائتلاف بطريقة هي أشبه بالثورة على طرق العمل والإدارة والتنظيم التقليدية، واستبدالها بأخرى مبتكرة تستخدم لغة العصر وأدواته ومفرداته بكل حرفنة.

وفي معزل عن هذه الروح ستضيع هذه الفرصة على جميع الساسة والمعارضين، ولن يكون بطاقة أحدٍ كائناً من كان الدخول في عملية جديدة لجمع المعارضة السورية بعد اليوم. وستنقلب المعادلة عليهم رأساً على عقب في زمنٍ يضمن الخسارة فيه من يلجأ للأساليب القديمة البالية، ويظهر فعلاً حاجة لقيادة سورية سياسية جديدة تكون الأولى لقيادة المراحل القادمة..

=================

هل تقع حرب بين سوريا وإسرائيل؟

فايز سارة

الشرق الاوسط

25-11-2012

رغم التهدئة النسبية في الصراع العربي - الإسرائيلي بعد الحرب الأخيرة على غزة، ووصول الطرفين إلى وقف لإطلاق النار، فإن القلق إزاء حرب سورية - إسرائيلية يظل قائما، وهو في أعلى مستوياته منذ بداية الأزمة في سوريا قبل نحو عامين، والسبب المباشر للقلق ما شهده خط وقف إطلاق النار بين الجانبين في الأسابيع الأخيرة، وكان في جملة ما حدث تطورات ثلاثة مهمة، أولها دخول قوات سورية مدرعة إلى منطقة محرمة طبقا لاتفاق وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل الموقع بينهما عام 1974. والثاني إطلاق نار سورية على سيارة ضابط إسرائيلي عبر الحدود، والثالث تبادل القصف المدفعي المتكرر لثلاث مرات عبر خط وقف إطلاق النار، حيث سقطت قذائف سورية في المنطقة التي تحتلها إسرائيل، وردت القوات الإسرائيلية بقصف أهداف داخل الأراضي السورية، وقيل إن آخرها في الأسبوع الماضي تسبب في مقتل ثلاثة جنود سوريين، وكلها تطورات لم تحصل على مدار نحو أربعة عقود مضت.

وأهمية التطورات السابقة من الناحية العملية مربوطة بتطور آخر له طابع سياسي - تنظيمي في التعامل الإسرائيلي مع الجبهة السورية - الإسرائيلية؛ إذ صدرت أوامر إسرائيلية برد فوري على أي خروقات عسكرية سورية على الحدود بخلاف القاعدة السابقة، التي كانت تقيد المستويات العسكرية المحلية في الرد على ما يمكن أن يشكل خرقا للهدنة من جانب السوريين، ويتم إخضاع الرد إلى دراسة الحالة.

ووفق تلك التطورات يمكن القول إن القلق قائم، خاصة بعد قيام القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية بإعطاء هذه التطورات أهمية كبيرة على الصعيدين الخارجي والداخلي؛ حيث تكررت في المستوى الخارجي الشكوى الإسرائيلية للأمم المتحدة حول ما اعتبرته خروقات سورية، مما يعطيها مشروعية لأي عمل عسكري مقبل على الجبهة السورية. وفي المستوى الداخلي ربطت القيادات السياسية والعسكرية التطورات على الجبهة السورية – الإسرائيلية بموضوع أمن إسرائيل، وهو الموضوع الذي ترتبط به حروب إسرائيل وعملياتها ضد الجوار، وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي ذلك المحتوى بالقول، إن «الجيش الإسرائيلي مستعد للرد على أي تدهور يهدد أمن الدولة العبرية»، وهو أمر يعني تأكيد الجاهزية الإسرائيلية للدخول في حرب مع سوريا.

غير أن المقابل السوري للجاهزية الإسرائيلية لا يبلغ تلك السوية، والأمر في ذلك مرتبط في الوقت الحالي بما تشهده البلاد من أزمة، تستمر تفاعلاتها منذ نحو عامين، وكان من نتائجها انخراط الجيش السوري في عمليات أمنية عسكرية واسعة ضد قسم كبير من مواطنيه، تتواصل في مدن وقرى عبر معظم المحافظات السورية في عمليات، تشترك فيها مختلف صنوف الأسلحة، بما فيها سلاح الجو والقوى المدرعة.

والعامل الآخر المتصل بالجاهزية السورية تمثله استراتيجية دمشق في الصراع مع إسرائيل، والقائمة على حساباتها الخاصة، وهي ليست مرهونة بتطورات محددة أو بعمليات يقوم بها الإسرائيليون، والتي غالبا ما يقول السوريون في أعقابها، إن سوريا تحتفظ بحق الرد على نحو ما كانت الإعلانات، التي صدرت في أعقاب ضرب القوات الإسرائيلية موقع الخبر بالقرب من دير الزور، وفي ضرب مواقع فلسطينية بينها معسكرات الجبهة الشعبية - القيادة العامة في الأراضي السورية، وبعد تحليق الطيران الإسرائيلي فوق مواقع سورية حساسة وغيرهما قبل سنوات.

لكن ضعف أو عدم توفر الجاهزية السورية للدخول في حرب مع إسرائيل، لا يعني أبدا أن فكرة الحرب ليست حاضرة في الجانب السوري، بل هي حاضرة وتتوفر لها جاهزية سياسية قوية أيضا. فالسوريون لديهم حق قائم للدخول في حرب مع إسرائيل لاستعادة أرضهم المحتلة في الجولان منذ عام 1967. وقد فشلت كل الجهود التي بذلت لاستعادة تلك الأراضي بالجهود الدبلوماسية، والأمر الثاني في توفر الجاهزية السياسية على الجانب السوري يرتبط بواقع الأزمة القائمة، التي لم تتمكن السلطات السورية من حسمها، مما يضع أمامها خيار نقل الصراع باتجاه الخارج، وإسرائيل هي المرشح الأهم في هذا المجال، ليس فقط بسبب تاريخية الصراع وموضوعية استمراره، وإمكانية تحشيد السوريين خلفه، بل أيضا لأن السلطات السورية تربط بين الأزمة الداخلية والخارج، وإسرائيل في هذا الربط أبرز رموز الخارج، وكانت السلطات السورية قد أشارت مرات إلى ضبط أسلحة وأموال إسرائيلية لدى «العصابات المسلحة» و«الجماعات الإرهابية».

خلاصة الأمر أن احتمالات حرب سورية - إسرائيلية واردة، رغم اختلاف الجاهزية عند الطرفين، ومن شأن حصول تطورات دراماتيكية، سواء في الواقع الإقليمي أو في المستوى الداخلي، تبدل التوازنات القائمة حاليا، مثل دخول إيران القوي والحاسم على خط الصراع في سوريا، أو تعرض إسرائيل لهجمات صاروخية أو خرق ملموس لخطوط وقف إطلاق النار باتجاه إسرائيل، فإن ذلك أو بعضه سيجعل الحرب أمرا قائما بغض النظر عن اختلاف الجاهزيات بين سوريا وإسرائيل؛ ففي كل الحروب العربية - الإسرائيلية، لم تكن جاهزيات الأطراف الداخلة في الحرب على نفس المستوى والمحتوى.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ