ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 03/11/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

1&2-11-2012

الحرب السورية وتداعيات الانتشار

تاريخ النشر: الجمعة 02 نوفمبر 2012

جيفري كمب

الاتحاد

التطور الأكثر خطورة في الحرب الأهلية السورية هو تمددها التدريجي إلى الدول المجاورة حيث وجدت كل من تركيا ولبنان والأردن نفسها مضطرة لإيواء اللاجئين المتدفقين عليها من سوريا، كما وقعت عدة أحداث عنف نتيجة لهذه الظاهرة. وكانت آخر تلك التطورات الخطيرة اغتيال اللواء وسام الحسن مدير شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني في التاسع عشر من أكتوبر الماضي، وهو الحادث الذي كان سبباً في مفاقمة الأزمة السائدة في بيروت، حيث يوجه السكان السنة والعديد من المسيحيين والدروز بتوجيه إلى "حزب الله" الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع نظام الأسد، بالضلوع في متقل الحسن.

ويخشى اللبنانيون أشد الخشية من العودة إلى الصراع الطائفي داخل مجتمعهم، ويتذكرون جيداً آخر حرب أهلية خاضوها واستمرت خمسة عشر عاماً خلال الفترة من 1975 إلى 1990 وأسفرت عن مصرع 100 ألف شخص وإصابة ما يقرب من مليون شخص آخرين. وكان السبب في تلك الحرب -جزئياً- وجود قوات منظمة التحرير الفلسطينية التي جاءت إلى لبنان بعد طردها من الأردن إثر قتال دامٍ مع جيش الملك الحسين في سبتمبر عام 1970. في نهاية المطاف اجتذبت الحرب الأهلية اللبنانية سوريا التي تدخلت في البداية لدعم المسيحيين، كما اجتذبت إسرائيل التي قامت قوتها بالاحتلال الكامل لجنوب لبنان في يونيو 1982.

والمفارقة أن الشيعة اللبنانيين رحبوا بالاحتلال الإسرائيلي في بداية الأمر لأنه خلصهم من الوجود المهيمن لقوات منظمة التحرير الفلسطينية في الجنوب، ومن عدد لا يحصى من نقاط التفتيش التي أقامتها هناك وسببت للسكان مضايقات عديدة. لكن الأمر لم يدم طويلاً حيث انقلب الشيعة على الإسرائيليين ورفضوا احتلالهم لأراضيهم بشدة. وكانت نتيجة تلك المشاعر المريرة ظهور "حزب الله" باعتباره القوة الرئيسية في الجنوب التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي بعد طرد قوات منظمة التحرير الفلسطينية من المنطقة ومن لبنان كله عقب الاجتياح الإسرائيلي الذي احتل الجنوب والجزء الغربي من العاصمة بيروت.

ولدى تركيا أسباب لا تقل قوة تدفعها لتمني رؤية نهاية قريبة للحرب المحتدمة في سوريا، ومن ذلك كونها اضطرت للتعامل مع طوفان من اللاجئين السوريين يربو على 100 ألف لاجئ فروا عبر الحدود بحثاً عن ملاذ آمن في أراضيها. وفي مقابل ذلك دأبت القوات السورية الموالية للأسد بشكل دائم على انتهاك الأراضي التركية نظراً لتصميمها على منع تدفق الأسلحة القادمة من بعض الدول العربية إلى قوات المعارضة السورية عبر الحدود الفاصلة بين البلدين. وأي تصعيد للصراع المباشر بين سوريا وتركيا يمكن أن يدفع الأخيرة لطلب الدعم العسكري من حلفائها في "الناتو". ولو استجاب "الناتو" لطلب التدخل فإن ذلك سيعتبر تهديداً كبيراً في نظر إيران التي تعد حليف سوريا الوحيد في المنطقة، وكذلك من جانب روسيا التي دعمت نظام الأسد منذ البداية باعتباره الصديق الحقيقي الوحيد المتبقي لموسكو في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

ومن التطورات الأخرى المقلقة في الأزمة السورية تأثير الحرب المندلعة هناك على الأكراد في عدد من دول الشرق الأوسط. والمعروف أن أكراد سوريا الذين كانوا يشعرون من زمن طويل بالسخط جراء القمع الذي تعرضوا له على أيدي نظام الأسد الأب والابن قد رأوا في الحرب الأهلية السورية فرصة عظيمة لتعزيز مطالبهم بالحكم الذاتي. وهذا الحكم الذاتي على وجه التحديد كان يمثل رغبة الأقلية الكردية الكبيرة في تركيا منذ زمن طويل. ومن المعروف أن الحزب الأكثر رغبة في المواجهة العنيفة للحكومة التركية هو "حزب العمال الكردستاني" الذي خاض قتالاً مريراً ودامياً ضد الحكومة التركية منذ سنوات والذي يرفع أجندة للاستقلال غير مقبولة على الإطلاق من قبل الأغلبية في تركيا.

ومن هنا، فإنه كلما طال أمد القتال والفوضى على طول الحدود السورية التركية، زادت فرص جر الأكراد في العراق وإيران لأتون القتال، وهو ما سيمثل معضلات للدول الأربع التي تعيش فيها أقليات كردية والتي لا تقبل أي منها بمبدأ قيام دولة للكرد.

الدولة الثالثة التي تشعر بالقلق الشديد جراء الحرب المندلعة في سوريا هي الأردن التي استقبلت ما يقرب من 40 ألف لاجئ سوري فروا عبر الحدود إلى أراضيها وانتهى الأمر بمعظمهم إلى الإقامة في معسكر الزعتري للاجئين الذي تديره الأمم المتحدة. وسبب قلق الأردن من مشكلة تدفق اللاجئين السوريين هو أنه لم يتعاف بعد من طوفان العراقيين الذين تدفقوا عليه أثناء الحرب العراقية، ما يجعله غير مستعد ولا مجهز للتعامل مع أعداد إضافيه من اللاجئين، يمكن أن يضيفوا أعباء زائدة لا يحتملها مشهده السياسي المتقلب الذي ما زال يعكس حالة من الصراع العميق بين بعض مكوناته الداخلية.

الموضوع المتداخل مع كل تلك القضايا يتمثل في المشكلة الفلسطينية، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو في الشتات الفلسطيني، في لبنان وسوريا والأردن. فأي حرب ممتدة بسبب تفاقم الأزمة السورية يمكن أن تقود في نهاية المطاف إلى جر إسرائيل، وقد تؤدي بالتالي إلى إشعال نيران انتفاضة فلسطينية ثالثة، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان حالة الجمود السياسي السائدة حالياً بسبب تعثر المفاوضات بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية.

وقصارى القول في هذا الخصوص أن هناك إمكانية كبيرة لأن يؤدي العنف المتصاعد بين تركيا وسوريا إلى تأجيج نيران حرب إقليمية أوسع نطاقاً يمكن بدورها أن تجر قوى خارجية، وتؤدي إلى مفاقمة الانقسام الشيعي- السني المرير. وإذا ما كانت هناك حالات مشابهة في الماضي للوضع الحالي في الشرق الأوسط، فإن أول ما يخطر على الذهن هو الحرب الأهلية الإسبانية أو ربما -وهو الاحتمال الأكثر تشاؤماً- الحرب العالمية الأولى.

======================

رؤى من أجل مستقبل سوريا

تاريخ النشر: الجمعة 02 نوفمبر 2012

د. رياض نعسان أغا

الاتحاد

لم توقف قسوة الواقع الراهن في سورية حركة التفكير المتصاعد بالمستقبل، فالدماء الغزيرة التي تسفك يومياً، والتدمير الذي أوشك أن يجعل الكثير من القرى والبلدات والمدن خراباً وركاماً من الأنقاض تسري فيه أشباح الشهداء والموتى وأطياف المفقودين الذين لا يعرف أحد من سيعود منهم ومن تم فقده إلى الأبد، كل ذلك لم يجعل السوريين يشعرون باليأس من تصور رؤى زاهية وواعدة لمستقبل سوريا، فثمة نخب كثيرة تتفرغ الآن لرسم صورة المستقبل وتقديم دراسات وأبحاث تتناول مختلف القضايا التي ستواجهها سوريا بالضرورة، وقد أتيح لي أن أطلع على بعض هذه الدراسات، وأن أتابع أخبار وأنشطة العديد من المؤتمرات واللقاءات التي يعقدها مثقفون ومفكرون وسياسيون يضعون رؤاهم ويقدمون آراءهم ويتناقشون حول تصوراتهم لبناء دولة مدنية ديمقراطية. وكثيراً ما أشعر بالأسى خوفاً من أن يكون مصير هذه الدراسات كمصير مئات من مثيلاتها مما قرأت، وشاركت في إعداده عبر السنوات القليلة الماضية ولم ينفذ منه شيء، فحسابات البيدر كما يقولون لم تكن توافق حساب السوق.

ومع كل التفاؤل الذي يبديه الباحثون في دراسات المستقبل، يسيطر على كثير من السوريين شعور عارم بالقلق من أن تمر سوريا بسنوات من الاضطراب والفوضى، قبل أن يتم الاستقرار المنشود، وقبل أن تتمكن الدولة الجديدة الناشئة من فرض قوتها وسيطرتها من أجل تحقيق الأمن والبدء في البناء.

وما يحدث في سوريا اليوم من تشتت وتمزق اجتماعي ومن تضخم مشاعر الحقد والكراهية (بين مؤيدين للنظام ومعارضين له، وثائرين عليه) لابد أن يترك آثاراً قاسية على المستقبل، ومن المخيف أن تغيب مشاعر الثقة والطمأنينة والتآخي لتحل محلها مشاعر الانتقام والثأر، وأن تنشر الضغائن تداعياتها في الأفق القادم، ولابد إذن من أن تكون الأولوية لمواجهة هذه التداعيات بالحكمة والتسامح.

كما أن الكثرة من السوريين بدؤوا يتخوفون من ظهور تيارات متشددة تفهم الإسلام فهماً ضيقاً وتدعو إلى مفاهيم خارجة عن المألوف الإسلامي نفسه، وتجهل حيوية الإسلام واتساعه وأساليبه المرنة في تحقيق المقاصد، وقد بدأنا نرى ملامح ظهور هذه التيارات التي نخشى أن تسيء إلى الإسلام نفسه قبل أن تسيء إلى المسلمين وإلى السوريين جميعاً، وقد ظهرت في بعض بلدان الثورات العربية الراهنة، مثل هذه التيارات التي بدأ يضيق بها المعتدلون من الإسلاميين الذين يفهون الإسلام فهماً وسطياً، ويدركون أن تجديد الدين مرتبط بتجديد الحياة دون خروج عن الثوابت المقدسة، فالإسلام لم يقم عبر تاريخه دولاً خيالية غير قابلة للحياة.

وبوسعنا أن نفهم دوافع بعض الكتائب المسلحة التي تكونت من المنشقين عن الجيش السوري النظامي، في استلهام أسمائها من الصحابة الأجلاء ومن الفاتحين فهو تأكيد منها على الهوية العربية والإسلامية الصرفة في بنية الأغلبية في المجتمع، ولكون هذه الهوية تعرضت للتهميش، إلا أننا لا نستطيع أن نفهم ظهور دعوات لإقامة دولة الخلافة الإسلامية أو دولة دينية، فمثل هذا الطرح يجعل كثيراً من مؤيدي الثورة يتوجسون من ظهور رؤى ضيقة، وبعض الناس يظنون أن الخلافة هي الشكل الأساسي للدولة الإسلامية، ويجهلون أنها أحد الأشكال التي فرضتها الظروف في التاريخ، وأن الأديان للشعوب وأما الدول فتنظمها الدساتير والقوانين والأعراف، ولن تكون الأديان بعيدة عن مصادرها. والأمر ذاته يتعلق بالديمقراطية فهناك من يظن أن الإسلام يرفضها، بذريعة "الحاكمية"، ولم يشهد التاريخ الإسلامي قط بيعة تفوض الحاكم وتجعله مقدساً.

ولا أريد أن أسرف هنا في نقاش هذه المسألة التي شغلت الفكر السياسي الإسلامي طويلاً، فالقصد هو الانتباه إلى خطر ظهور تيارات متشددة في فهمها، لا تدرك أبعاد الوسطية الإسلامية التي هي سر استمرار الإسلام في حياتنا على رغم كل ما تعرض له من حملات تشويه وانحرافات وتهميش.

ولعل أهم دراسة للمستقبل أثارت اهتمامي تلك التي قدمها تيار بناة المستقبل في اللقاء التشاوري الذي انعقد في القاهرة في شهر أكتوبر الماضي، وضم خيرة النخب السورية، وقد أصدر الداعي للمؤتمر وليد الزعبي كتاباً لعله الأول من نوعه يتحدث عن رؤية مستقبل سوريا، والكتاب صغير الحجم يقع في ثمانين صفحة، ولكنه يتسع لرؤية كبيرة، أهم ما أثارني فيها هو الحضور الكبير لمفاهيم القيم. وأعتقد أن بعض الدراسات الأخرى انشغلت عن موضوع القيم بالأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون انتباه لأهمية إعادة بناء القيم في المجتمع، حتى قبل إعادة بناء ما تهدم، فالانهدام الكبير الذي أوصل سوريا إلى مستنقع الدم، وإلى هذه الانهيارات هو غياب القيم، ولم تفلح الدعوات الإصلاحية التي لم تكتمل في ترميم ما تهدم.

إنني أعتقد أن الثورة السورية الراهنة هي ثورة قيم، ولهذا كانت شعاراتها عناوين قيم إنسانية كبيرة (الحرية، الكرامة، العدالة... إلخ) ولم يستطع المناهضون لمطالب الشعب أن يفهموا معنى أن يطالب الشعب بالحرية، وقد سمعت بعضهم يقول ماذا ينقص هؤلاء المتمردين؟ ولم يستطع بعضهم كذلك فهم معنى أن يطلب الناس الكرامة، فقد أهين أطفال وآباء من حوران حين اعتقل أبناؤهم، فلم يقدر بعض المسؤولين إمكانية أن تفجر مثل هذه الحادثة شرارة ثورة، لأنهم لم يحسنوا ربط الحدث السوري بالحدث العربي، فحين ثار البوعزيزي من أجل صفعة من شرطية على باب البلدية أثار وعياً جديداً في المجتمع العربي كله، ومن لم يستطيعوا فهم تسلسل الحدث في الربيع العربي فاتهم أن معظم النار من مستصغر الشرر، فكيف إذا كان لهيباً يغلي في النفوس، ويتراكم إلى حد الانفجار؟

وربما كان مفجعاً ألا يحدث الإصلاح المنشود في سوريا إلا عبر بحر من الدماء وكان بالوسع واليسر تحقيقه بحكمة مثل حكمة (ملك المغرب) الذي فعل كما قال معاوية لعمرو بن العاص حين سأله فيم دهاؤك يا عمرو؟ قال لا يقع أمر إلا وجدت منه مخرجاً، فقال معاوية: أما أنا يا عمرو فإني أحتال للأمر ألا يقع! لقد ذكرت القيادة بهذا الحوار السياسي الرفيع قبل أن يقع الأمر، لكنني لم أوفق إلى إقناع من بيده القرار، فأيقنت يومها أن حقبة من التاريخ ستنتهي في سوريا، وأن حقبة جديدة ستبدأ.

======================

شبيحة في مخيم اليرموك

الغد الاردنية    

عيسى الشعيبي

2-11-2012

في الوقت الذي تنفر فيه الأكثرية الكاثرة من السوريين والعرب من مسمى الشبيحة، وترمق صاحبه بنظرة ازدراء، وتخلع عليه أقذع الأوصاف المهينة؛ يفاخر البعض من زبانية الأسد بهذه التسمية الوضيعة، ويعتزون بها أيما اعتزاز. فإذا ما رغب أحد من المعارضين، مثلاً، تحقير واحد من المؤيدين، قال له: يا شبيح، بدون أن يثير هذا اللقب لدى المتهم بالدونية أي شعور بالغضاضة أو الحرج.

وكان مثيراً للدهشة والاستغراب معاً، أن يصدح المتظاهرون المؤيدون في ميدان الأمويين، ذات يوم مضى وانقضى من زمن تلك المسيرات الملفقة، بهتاف "شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد"، وأن يهزج الجنود والقتلة بعد ارتكابهم لكل مجزرة هنا أو هناك، بمثل هذا الحداء الطالع من عهد عبودية الفرد، التي لم يعد لها وجود في هذا العصر سوى في كوريا الشمالية، وفق ما تجلت عنه مشاهد البكاء الجماعية للجنرالات والأفراد وعامة الناس غداة وفاة كل من "كيم إيل سونغ" وابنه وريث المزرعة الكورية.

ولعل أكثر ما أثار ذهول الكثيرين بيننا قبل نحو شهرين، وصدمهم على نحو خاص، رؤية مجموعة ضئيلة من مؤيدي الأسد بين ظهرانينا وهم يتحلقون على ذواتهم أمام السفارة السورية في عبدون، مطلقين على أنفسهم لقب "شبيحة"، الأمر الذي حفزني على استجلاء معنى هذه المفردة الهجينة، وبيان مدلولاتها الرمزية. فعدت الى المراجع وعدد من أمهات كتب اللغة، ووجدت أنها صيغة من صيغ المبالغة، تطلق في الساحل السوري على حثالات مهربين ومجرمين، من ذوي الأجساد الكبيرة والعقول الصغيرة.

وهكذا، فقد اعترتني الدهشة مرة أخرى، وشعرت بقسط من الاستفزاز، حين تواترت الأنباء عن مجموعة فلسطينية في مخيم اليرموك جنوب دمشق، تجاوزت حدود الهتاف للأسد والتسبيح بربوبيته، وذلك بحمل السلاح والقتال ضد ثورة الكرامة والحرية، على الضد مما توافق عليه الفلسطينيون، قادة فصائل ومجتمعاً، بضرورة الحياد بين الطرفين المتحاربين، أياً كانت العواطف الشخصية؛ وذلك درءاً لكل افتئات من جانب كتائب الأسد ضد من يُستوطى حيطهم بسهولة.

ولولا أنني أعلم علم اليقين أن الشبيحة الفلسطينيين أولئك هم نفر من المرتبطين تاريخياً بأجهزة الأمن السورية، وأن متظاهرين في اليرموك نفسه أهدروا على الهواء دم قادة أولئك الشبيحة جراء مقارفات سابقة ذميمة، لوضعت يدي على قلبي خشية أن يكون هؤلاء الذين يعضون على جراحهم قد فقدوا البوصلة الفلسطينية، وأضلوا سواء السبيل، في لحظة زمنية هادرة بخيوط فجر يوم سوري أغر، يتسع صباحه لاحتفال الجميع، داخل اليرموك وفي جواره، بشمس حرية باذخة.

وليس من شك في أن ثوار سورية أنفسهم يدركون تماماً أن بنادق الشبيحة من ذلك المخيم الذي انطلق فيه الرصاص تجاه صدورهم، ليست بنادق فلسطينية، وأن من انجرفوا في معركة صغيرة ضد ثورة كبيرة لا يعبرون عن ضمير أو وجدان فلسطيني عام، أو يمثلون اتجاهاً يعتد به في صفوف ضيوف طال بهم المقام.

ولعل ذلك الفتى المقدسي الذي رفع علم الثورة السورية فوق المسجد الاقصى قبل نحو أسبوعين، كان التعبير الأمثل عما يضطرم في صدور عموم إخوانه، في الديار وفي الشتات، من عواطف صميمية حيال هذه الثورة.

وفي نهاية المطاف، يظل من الممكن إيجاد بعض الأعذار للشبيحة، وفهم أولئك الأوغاد المتورطين، عن جهل أو عن مصالح جزئية فاسدة، أو حتى عن انحياز سياسي، في الدفاع عن الطاغية. أما الذين يهتفون لآلة القتل المتوحشة، ويرتضون لأنفسهم بلقب شبيح وشبيحة، سواءً أكانوا في عبدون أو في مخيم اليرموك، فهم قوم لا يمكن تبرير مواقفهم، أو إبداء التفهم لهم، حتى لا نقول إنه ينبغي مواصلة عزلهم، وتأثيمهم على سوء ما اختاروه لأنفسهم بأنفسهم.

======================

كلينتون تنعي المجلس الوطني

عبد الباري عطوان

2012-11-01

القدس العربي

تعوّدنا ان يأتي الهجوم على المعارضة السورية من النظام، او بعض الذين لم يجدوا لهم مكانا في قيادتها الامامية، لكن ان يأتي هذا الهجوم، وبصورة اكثر شراسة، من السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية، فهذا لم يخطر على بال احد، بالنا على اقل تقدير.

بالأمس، وفي مؤتمر صحافي عقدته في زغرب، فتحت السيدة كلينتون نيران لسانها الحارقة على المجلس الوطني السوري، واتهمته بأقذع الاتهامات، وسحبت منه امتياز تمثيل المعارضة السورية في الداخل والخارج معا، واكدت على فشله في الحوار والتواصل مع مكونات الطيف السوري، وطالبت بإعطاء مقعد القيادة لمن يقاتلون في الداخل ضد النظام.

هجوم السيدة كلينتون هذا فاجأنا مثلما فاجأ المجلس الوطني نفسه، لأن وزيرة الخارجية الامريكية كانت من اكثر الناس تأييدا للمجلس الوطني، وتدليلا لقيادته، وذهب بها الأمر الى حد فرضه كممثل شرعي بديل للنظام السوري في معظم لقاءات 'تجمع اصدقاء سورية' المكون من مئة دولة، فما الذي تغير؟

بداية كان قمة السذاجة ان تضع السيدة كلينتون التي تمثل القوة الاعظم في التاريخ كل بيضها في سلّة المجلس الوطني، وتوعز لحلفائها العرب وغير العرب بدعمه، ثم تخرج علينا، وبعد عامين، بالتشكيك بهذا المجلس، والقول ان قادته 'لم يذهبوا الى سورية منذ 20 او 30 او 40 عاما'.

فإذا كانت السيدة كلينتون التي تملك إدارتها جيشا عرمرما من المستشارين ومعاهد الابحاث والدراسات والخبراء والسفراء لا تعرف ان رئيس ومعظم اعضاء المجلس عاشوا لعقود في المنفى، فمن يعرف اذن؟ ثم هل هذه الحقيقة، اي عدم ذهاب اعضاء المجلس الى سورية تحتاج الى خبراء ومخبرين؟

واذا كانت السيدة كلينتون ومساعدوها وواضعو سياسة بلادها في سورية لا يعرفون ان الدكتور برهان غليون يعيش في باريس منذ اربعة عقود او اكثر، وكذلك حال عبد الباسط سيدا، خلفه، والدكتورة بسمة قضماني، فإن هذا يعني وبكل بساطة ان هذه السيدة لا تعرف سورية ولا جغرافيتها، وان سياستها تجاه هذا البلد سطحية جدا، وقائمة على معلومات مغلوطة، ولهذا السبب يقوى النظام وتضعف المعارضة.

' ' '

لا نعتقد ان السيدة كلينتون على هذه الدرجة من السذاجة، والأمر ببساطة شديدة انها ادركت فشل سياستها في سورية، مثلما فشلت قبلها في العراق وليبيا، ولكنها ترفض الاعتراف بهذا الفشل، وتحمّل تبعاته، وتريد ان تحوّل المجلس الوطني السوري الى 'كبش فداء'.

امريكا خذلت المجلس الوطني، مثلما خذلت القطاع العريض من الشعب السوري الذي راهن على تدخلها العسكري لإسقاط النظام، وصدق اقوال رئيسها بأن ايام الأسد معدودة للغاية، هذا قبل عامين، وما زال الاسد في السلطة، ولا يوجد اي مؤشر حقيقي بأن سقوطه قريب، بل هناك من يقول انه سيستمر في السلطة لسنوات ان لم يكن لعقود.

خطأ المجلس الوطني في المقابل، رهانه على التدخل العسكري الامريكي، وتشريعه، بل وتسويقه، عبر الآلة الاعلامية الجبارة الداعمة له، الى الشعب السوري باعتباره الخلاص الوشيك من النظام، على غرار ما حدث في ليبيا وقبلها العراق وافغانستان، الآن اكتشف المجلس خطأ رهانه، ولكن بعد ان جرى استخدامه، مثل اي منديل ورقي، ثم القذف به الى سلة المهملات التاريخية. وهو ليس المنديل الورقي الوحيد الذي واجه المصير نفسه في منطقتنا على اي حال.

موقف السيدة كلينتون هذا جاء نتيجة مراجعة جذرية للسياسة الامريكية، ليس تجاه سورية وحدها، وانما في ليبيا والصحراء الافريقية. الأولوية الامريكية باتت الآن محاربة تنظيم 'القاعدة' وفروعه، والتيار السلفي الداعم له، ولهذا سافرت الى الجزائر لتشكيل تحالف عسكري جديد يتدخل لانهاء وجود القاعدة في شمالي مالي، ولهذا ايضا ارسلت طائرات بدون طيار الى ليبيا للانتقام من قتلة سفيرها هناك، ومكافحة التيارات الجهادية المتشددة.

السيدة كلينتون تريد تشكيل معارضة جديدة تضم جنرالات سابقين في الجيش السوري، الى جانب سياسيين منشقين، جنبا الى جنب مع الجيش السوري الحر لمكافحة التيار الثالث، اي الجماعات الجهادية المتهمة بخطف الثورة، وهذا ما يفسر قولها، في المؤتمر الصحافي نفسه 'ان هناك معلومات مثيرة للقلق حول متطرفين يتوجهون الى سورية ويعملون على تحويل مسار ما كان حتى الآن ثورة مشروعة ضد نظام قمعي، لمصلحتهم'.

ما نخشاه الآن ان تشهد سورية ثلاث حروب، الاولى حرب بين الجيش السوري الحر والنظام، والثانية بين الجماعات الجهادية والنظام واتباعه، والثالثة بين الجيش السوري الحر او الجيش الجديد الموسع والجماعات الجهادية التي تريد امريكا ابعادها من سورية.

لا نعرف هيكلية القيادة الجديدة للمعارضة السورية بعد اصدار السيدة كلينتون 'شهادة وفاة' المجلس الوطني السوري، وفتح سرادق تلقي العزاء بموته، ولكن ما نعرفه حتى الآن، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الامريكية، ان هذه المعارضة ستكون تحت المظلة الامريكية بالكامل. وليس صدفة ان اجتماع الدوحة الذي سيعقد لبلورتها سيعقد مع اقتراب او بعد هذه الانتخابات.

السيدة كلينتون كشفت عن سرّ خطير للغاية في زغرب، عندما قالت ان حكومتها ساعدت على 'تهريب' ممثلين لجماعات معارضة سورية من الداخل، بمساعدة اجهزة مخابرات بلادها، لحضور اجتماع سري في نيويورك الشهر الماضي يبحث توسيع قاعدة تمثيل المعارضة.

السؤال الذي يطرح نفسه هو عما اذا كانت جهود توحيد المعارضة السورية المقترحة امريكيا ستحقق هدفها، ام انها ستؤدي الى انقسامات جديدة، لان المشكلة الرئيسية التي ستواجه القائمين على هذا المشروع ان معظم شخصيات المعارضة زعماء ويعتقدون انهم الاولى بالرئاسة، وهي المشكلة نفسها التي ادت الى المصير المؤلم للمجلس الوطني السوري.

' ' '

السياسة الامريكية في المنطقة العربية، وسورية على وجه التحديد، تتسم بالتخبّط والارتباك، وهذا يؤدي الى تفاقم حالة عدم الاستقرار من جديد في المنطقة. ولا غرابة ان الحماس التركي لاطاحة النظام السوري بدأت تخف حدته بعد تفاقم التمرد الكردي، وظهور بداية تململ للطائفة العلوية التركية (13 مليون شخص) ،بينما يشهد الاردن حالة من الصحوة الأمنية من خطر تدفق اللاجئين السوريين، تمثلت في الاعلان المفاجئ والمشكوك فيه، عن وجود خلايا من القاعدة تسللت عبر الحدود مع سورية للإقدام على تفجير سفارات ومصالح اقتصادية، واعادة ثلاثة ضباط سوريين منشقين خوفا من كونهم من رجالات النظام المندسّين، وكذلك تفاقم الصدامات والمشاكل الامنية في مخيم الزعتري حيث يوجد اربعون الف لاجئ سوري.

الشعب السوري هو الضحية الكبرى، ضحية حملة تضليل كبرى، دفعته، او قطاعات عريضة منه، الى تغيير قناعاته نحو امريكا، وتحويلها من عدو الى صديق سيضع حدا لمعاناته تحت نظام ديكتاتوري قمعي، ليكتشف كم كان مخطئا في انقلابه هذا.

ليس امام هذا الشعب الشريف المقاوم غير الاعتماد على نفسه للوصول الى مطالبه العادلة والمشروعة في التغيير الديمقراطي المأمول، مهما طال الزمن وتضخّمت التضحيات.

Twitter:@abdelbariatwan

======================

حان وقت المصالحة الوطنية في سورية

باتريك سيل *

الجمعة ٢ نوفمبر ٢٠١٢

الحياة

شكّل الانهيار السريع لوقف إطلاق النار الذي دعا إليه الأخضر الإبراهيمي في سورية خيبة أمل كبيرة بالنسبة إلى كافة الأشخاص الذين أملوا مثلي في أن يكون حان الوقت لوقف القتل والبدء بعملية المصالحة الوطنية الصعبة. إنّما لم يفت الأوان بعد.

فعلى رغم بقاء العوائق الكثيفة قائمة، ثمة أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأنه يمكن إنقاذ سورية، الدولة التي تقع في قلب النظام السياسي العربي، من الدمار والتفكّك الوطني. ولا شكّ في أنّ الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لإحلال السلام في سورية لم يستسلم، فهو لا يزال عازماً على جلب نظام الأسد وخصومه إلى طاولة المفاوضات قبل أن يتحوّل البلد برمّته إلى أنقاض.

ما هي العوائق التي تقف في وجه بلوغ حلّ سلمي؟ أولاً، يعاني المجتمع السوري من جراح عميقة جرّاء النزاع الوحشي الذي اندلع منذ عشرين شهراً. وقد يحتاج تبديد حالة غياب الثقة العميق والكره الشديد والتوق إلى الثأر الذي نشأ لدى الطرفين جرّاء القتال القاسي، إلى سنوات عديدة، كما لا يبدو أنّ أيّاً من الطرفين مستعد للمصالحة.

أما العائق الأساسي الآخر الذي يحول دون حصول مصالحة، فهو الدور المتزايد الذي تلعبه المجموعات الإسلامية المتطرّفة في الثورة، مثل «جبهة النصرة» وجماعات أخرى، فلا تملك هذه المجموعات أيّ مصلحة في وقف إطلاق النار ولا في حصول مفاوضات مع النظام، إذ يقوم هدفها على تدمير نظام البعث العلماني واستبداله بنظام إسلامي متشدّد.

وتبدو «جبهة النصرة» التي وصفها الباحث السويدي آرون لوند بأنها منبثقة من جناح تنظيم «القاعدة» في العراق متخصصة في التفجيرات الانتحارية في سورية وفي ارتكاب أعمال إرهابية أخرى. كما تمّ اعتبارها مسؤولة عن تفجير قنبلة في دمشق في أوّل أيام عيد الأضحى، الأمر الذي قوّض وقف إطلاق النار الذي دعا إليه الإبراهيمي. ووافق النظام على وقف إطلاق النار، إلا أنه احتفظ بحقّ الرد في حال تمّت مهاجمته، الأمر الذي لم يتردّد في فعله. والمؤسف أنّه كما أن الإسلاميين المتشددين يرفضون التعامل مع النظام، فإن النظام يرفض هو ايضاً التعامل معهم إلا باستخدام المدافع والمتفجرات. ولن يتمّ بسهولة ردم الهوة القائمة بين الطرفين.

لكن ثمة أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأنّ المفاوضات يجب أن تحصل. ويشعر معظم الفاعلين الخارجيين مهما كانت الجهة التي ينتمون إليها، بقلق متزايد حيال احتمال زعزعة استقرار المنطقة. فقد انتشر العنف إلى لبنان، كما أنه يهدّد الأردن، وفاقم ويلات العراق، وتسبّب بمشكلة كبيرة في تركيا التي تسعى جاهدة إلى معالجة مسألة بروز المناضلين الأكراد والتدفق الكثيف للاجئين السوريين. وفي أنقرة، ترتفع الأصوات المنتقدة لرئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بسبب تنديده العنيف والمتسرّع بالنظام السوري. وتكشف التصريحات الأخيرة القادمة من تركيا عن تراجع حدّة موقف اردوغان. إذ يبدو أنّ تركيا لم تعد مصرة على رحيل الرئيس بشار الأسد عن الساحة قبل بدء المفاوضات، كما بدأ عدد كبير من السوريين من الطرفين يقتنع أنّه لا يمكن حلّ النزاع بطريقة عسكرية، وبمعنى آخر لا يستطيع أيّ من الطرفين أن يأمل في تحقيق انتصار كامل. تمّت زعزعة النظام إنما لم يتمّ إسقاطه، ولا تزال الدولة السورية سليمة الى حد ما، بفضل دعم جيشها وضباطها وأجهزتها الأمنية القوية وشبكات حزب البعث المنتشرة في أنحاء البلد وبفضل دعم مجموعة من الموظفين المدنيين الأوفياء ودعم الأقليات وجزء من الأكثرية الصاتة التي لا تريد النظام بل تخشى مما قد يأتي بعده.

وتوقّع الثوّار حصول تدخّل عسكري خارجي لمصلحتهم، تماماً كما حصل في ليبيا، إلا أنّ أملهم خاب، فلا أحد يودّ التدخّل عسكرياً في سورية، لا الولايات المتحدّة ولا تركيا ولا الدول الأوروبية ولا حتى الدول العربية. لكن من دون التدخّل الخارجي لا أمل لدى الثوّار في هزيمة الجيش السوري. قد يخطئ الثوّار في تعليق آمالهم على وصول ميت رومني إلى سدّة الرئاسة الأميركية، فرومني هو أكثر عدائية من الرئيس باراك أوباما تجاه الحركات الإسلامية، كما يعارض - مثل اوباما - حصول تدخّل عسكري أميركي.

فضلاً عن ذلك، لا بدّ أنّ المعارضة السورية لاحظت أنّ الولايات المتحدة بدأت تنفي نفياً قاطعاً أنّها تنسّق عمليات إرسال الأسلحة إلى الثوّار أو أنها زوّدتهم كما يدّعي البعض بقذائف مضادة للطائرات من طراز «ستينغر». وتخشى واشنطن من أن تتحوّل سورية إلى أفغانستان أخرى وترتعد خوفاً من فكرة القتال إلى جانب تنظيم «القاعدة».

منذ البداية، تمّ ربط الانقضاض الخارجي على سورية بالانقضاض الموازي على إيران. وكانت إسرائيل تدفع الولايات المتحدّة إلى إسقاط النظام في طهران بالطريقة نفسها التي دفعت الولايات المتحدّة إلى الإطاحة بصدّام حسين في العراق عام 2003. ونجح أوباما في مقاومة دعوة إسرائيل إلى شنّ الحرب من خلال فرض عقوبات منقطعة النظير على الجمهورية الإسلامية. وعلى رغم أنّها تشلّ الاقتصاد وتتسبّب بمعاناة كبيرة للشعب، لا يزال النظام الإيراني يبدو صلباً. وفي عام 2003، تعرّضت بريطانيا لتضليل كبير لمشاركة الولايات المتحدة في غزو العراق، وهي لا ترغب في ارتكاب الخطأ نفسه من جديد. وبناء على المشورة القانونية القائلة بأنّ شنّ هجوم على إيران هو عمل غير قانوني، أبلغت بريطانيا الولايات المتحدّة أنها لن تسمح باستخدام قواعدها في قبرص ودييغو غارسيا في حال شنّ هجوم مماثل.

بطريقة أو بأخرى، تراجع خطر شنّ هجوم على إيران. وأشارت تقارير صحافية إلى أنّ الولايات المتحدّة وإيران أجرتا اتصالات سرية، الأمر الذي يزيد من احتمال حصول مفاوضات طموحة بعد الانتخابات الأميركية اذا أعيد انتخاب أوباما. ويشكّل مثل هذا التطوّر خبراً ساراً من شأنه تمهيد الطريق أمام التوصل إلى حلّ يتمّ التفاوض عليه في سورية.

وتجب الإشارة إلى عاملين مهمّين، فقد عادت مصر بقيادة الرئيس محمّد مرسي لتبرز على الساحة العالمية بعد تبعية دامت عقوداً للولايات المتحدة وإسرائيل. ويسعى مرسي إلى إرساء مجموعة اتصال إقليمية من شأنها الترويج لانتقال للسلطة يتمّ التفاوض عليه. والأهم من ذلك هو الدور الكبير الذي تلعبه روسيا في النزاع السوري. فقد دانت خبث الغرب في الدعوة إلى وقف لإطلاق النار فيما يقوم بتسليح الثوّار، علماً أنّها عرضت استضافة مفاوضات في موسكو.

وأظهرت الأزمة السورية أنّ الولايات المتحدّة التي طالما كانت تعدّ القوة الخارجية المسيطرة في الشرق الأوسط، لا تستطيع بعد الآن فرض رغبتها من جانب واحد على المنطقة. ويجب أن تأخذ بالاعتبار رغبات الآخرين ومصالحهم وفي طليعتهم روسيا.

لكن، في نهاية المطاف، يجدر بالسوريين أن يقرروا متى يجب وقف القتال، لا سيّما أنهم هم الذين يموتون، كما يتمّ تدمير منازلهم ومصانعهم ومدارسهم ومستشفياتهم. وتتمّ المساومة على مستقبل بلدهم كلاعب إقليمي أساسي يدافع عن المصالح العربية في وجه طموحات إسرائيل والولايات المتحدّة. لا شكّ في أنّ الوقت حان للإقرار بأنّه يجب استبدال الكره الأعمى بالحوار وبالتنازلات المتبادلة وبمحاولة التوصل إلى مصالحة مهما بلغت صعوبة هذا الأمر.

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط

======================

المسؤوليّة التاريخية لـ «الإخوان المسلمين» السوريين

وائل السوّاح *

الجمعة ٢ نوفمبر ٢٠١٢

الحياة

بات مؤكدا أن الأمور في سورية تتطور بسرعة جنونية لتغدو خارج إطار السيطرة. النظام فلت من عقاله (ربما بالمعنى الحرفي للكلمة، وليس المجاز فحسب)، فبات يقتل ويقصف ويعتقل ويعذب من دون رادع أخلاقي أو سياسي أو حتى فئوي ضيق. والمعارضة السياسية في داخل البلاد وخارجها دخلت في سبات خريفي، فكأنها سلمت أمرها وأمر شعبها للقوى الإقليمية وأدواتها الداخلية، والمجتمع المدني الذي قاد الثورة في سورية خلال الأشهر الستة الأولى من عمرها تراجع بحذر وخوف شديدين، وبات عرضة للسخرية القادمة من دعاة العنف الذين يجتاحون المشهد السياسي والمسلح.

صار في حكم المؤكد أيضاً أن الثورة السورية اختُطفت جزئياً من قبل إسلاميين متطرفين بعضهم سوريون وبعضهم جاؤوا من خارج سورية، لأنه ليس لديهم ما يقومون بفعله غير القتال. ولعل هذا الاختطاف هو النجاح الوحيد الذي حققه النظام حتى الآن في حربه ضد شعبه. فمنذ اليوم الأول للثورة حاول النظام أن يصور الانتفاضة الشعبية السلمية التي قامت لتحقيق الكرامة والعدالة والحرية على أنها عصيان يقوم به أصوليون سلفيون وإرهابيون. وبينما كان السوريون يجوبون شوارع درعا وحمص وحماة ودير الزور واللاذقية ودمشق بتظاهرات لم يكن فيها سكين واحد، كان النظام يجابههم بالرصاص الحي ويقتلهم بالعشرات ثم بالمئات. وعندما كان المتظاهرون يرفعون شعارات مثل «سلمية، سلمية» و«واحد، واحد، واحد: الشعب السوري واحد»، كان إعلام النظام وقادته والناطقون باسمه يقولون إن الحركة كانت تهدف إلى إقامة إمارة إسلامية في مناطق من سورية معينة.

نجح النظام في أمرين اثنين: الأول تحويل الانتفاضة السلمية اللاعنفية التي قادها أشخاص مثل يحيى شربجي وإسلام دباس وغياث مطر، إلى صراع مسلح بين قوتين عسكريتين يقودهما جنرالات الأمن والحرس الجمهوري من جهة وأشخاص يعرفون بكناهم لا بأسمائهم من مثل أبو ابراهيم وأبو أحمد. والثاني هو التحول التدريجي للثورة المدنية السلمية إلى ثورة ذات صبغة إسلامية متطرفة وعنفية.

المجتمع الدولي يقف متفرجاً على دمار بلد وفناء شعب. لن نذهب إلى القول إن المجتمع الدولي متآمر مع النظام السوري، أو إنه يتصرف وفق مصلحة إسرائيل أولاً، ولكننا سنذهب مذهب أن سوء حظ السوريين أنهم لا يملكون ما يغري العالم بالتدخل الإيجابي، وأن ثورتهم قد وقعت في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ منذ الكساد الكبير في القرن الماضي، وأن تجربة العراق وأفغانستان لا تشجع حكومات منتخبة على التضحية بموقفها الانتخابي من أجل إحقاق الحق وحده. وبالتالي فإن أحداً في العالم لا يرغب في إرسال «أولادنا من كاليفورنيا وميريلاند ونيو مكسيكو» ليموتوا في سورية.

بين كل هذه التعقيدات، يقف «الإخوان المسلمون» السوريون موقف المنتظر.

فهم، في سورية، لا يختلفون عن نظرائهم في تونس ومصر من حيث أنهم لم يكونوا هم من حرك الثورة في بلادهم. ولكنهم تعلموا من أخطاء أشقائهم في كلا البلدين فلم يقفوا موقف التشكيك أو العداء للثورة، ولم يضعوا عصياً في دواليبها. بيد أنهم مثلهم مثل أشقائهم ركبوا موجة الثورة واستفادوا من تطوراتها، واستغلوا أنهم الأكثر تنظيماً بين قوى المعارضة والأكثر ثراء بسبب الدعم المالي الذي يتلقونه من حكومات عربية ومن أفراد، وأن لهم موقعاً متقدماً في العالم الخارجي وعلاقات مع كل من تركيا وقطر والسعودية، فبدوا وكأنهم يقودون الثورة السورية بشكل أو بآخر. وعندما ساهموا في تأسيس المجلس الوطني أعطوا الانطباع بأنهم يتنازلون عن رئاسة المجلس لصالح البروفيسور برهان غليون لكي لا يكونوا في الواجهة، ولكنهم هيمنوا على المكاتب الأساسية في المجلس ومنها المكتب المالي ومكاتب «الإغاثة».

لى أن موقف «الإخوان» لم يكن موقفاً شاذاً عن مواقف المعارضة التقليدية السورية عموماً. فكل فصيل في هذه المعارضة حاول أن يجر الثورة السورية التي لم يساهم في إطلاقها ولا تنظيمها ولا قيادتها، لتصب في مصلحته الحزبية الضيقة. كذلك فعل إعلان دمشق وهيئة التنسيق والمجلس الوطني، الذين لم يدخروا جهداً في إضعاف القيادة التي فرزتها الثورة من الجيل الشاب الذي كان يتظاهر وينظم الاحتجاجات ويعتقل ويعذب ويقتل.

والسؤال هو أين يقف «الإخوان» اليوم؟ إذا تذكرنا مسيرتهم منذ مطلع القرن، وركزنا خصوصاً على ميثاق الشرف الوطني (2001) ومن ثم الرؤية البرنامجية (2004) ومشاركتهم في إعلان دمشق، والوثيقة التي شاركوا فيها في منتدى جمال الأتاسي، وأخيراً وثيقة العهد التي قدموها في آذار (مارس) الفائت، خلصنا إلى نتيجة أن الإخوان أقوى الفصائل الاسلامية المعتدلة. ويأخذ هذا الكلام صدقية أكبر إذا ما تذكرنا القوى الإسلامية المتطرفة التي تنشر خطاباً طائفياً متشجناً يهدد بتغيير وجه سورية التاريخي. لذلك، من واجب جماعة الإخوان المسلمين أن تثبت أنها تريد وتستطيع أن تتحول إلى قوة ما-بعد إسلامية (post-Islamist) بحيث تؤكد أن الثورة السورية، مثلها مثل كل ثورات الربيع العربي، لم تقم بوحي ديني (إسلامي)، ولم تهدف اساساً الى تطبيق الشريعة الإسلامية، رغم مشاركة جمهور المؤمنين بها. فهي، بالأحرى، قامت لأسباب تتعلق بالكرامة والحرية والمساواة.

ولكن يمكن لـ «لإخوان المسلمين» أن يلعبوا في هذا الصدد دوراً تاريخياً في حجم البلاد، بدل أن يلعبوا دوراً ضيقاً في حجم جماعتهم، عليهم أن يركزوا على ضرورة بناء دولة مدنية ديموقراطية، تكون لكل السوريين بالتساوي، بغض الطرف عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو الثقافية، دولة يُبقي فيها الإسلام نفسَه بعيداً من صنع السياسة ويؤكد القيم الثقافية والاجتماعية، ويدرك فيها الجميع أن الدولة الإسلامية والحاكمية لله مقولات تاريخية ليس لـها كبـير حظ في أن تتحقق من جديد.

ويمكن لـ «لإخوان» أن يلعبوا دوراً تاريخياً إذا هم خففوا من حدة التوتر بين الطوائف، وحدوا من أي احتمال لأعمال ثأرية قد تنشأ بعد زوال النظام الحالي ومجيء سورية الجديدة. 

* كاتب سوري

======================

أعاصير الأسد

حسام عيتاني

الجمعة ٢ نوفمبر ٢٠١٢

الحياة

الرئيس السوري بشار الأسد قادر على صناعة الأعاصير. لا شك في ذلك. لكنها أعاصير من نار وحديد يسلطها على أبناء شعبه وليس إعصاراً يوجهه بمساعدة حلفائه الإيرانيين إلى الولايات المتحدة.

وسائل الإعلام الأميركية استهزأت بإعلان صفحة «شبكة أخبار القوات المسلحة السورية» (المؤيدة للنظام السوري لكن غير الرسمية) وقوف «محور المقاومة» وراء إصابة الإعصار «ساندي» الساحل الشمالي الشرقي الأميركي باستخدام تكنولوجيا فائقة التطور واستغربته. وهو خبر جدير بكل استهزاء واستغراب.

الخبر الذي أوردته الصفحة الموالية واضعة الإعصار في خانة العقاب الذي ينزله «محور المقاومة» بمن يهاجم «سورية الأسد» ويهدد أمنها، ليس الأول من نوعه وليس فريداً في بابه. فقد نشرت قبل شهور مواقع موالية عدة قصص عما اسمته «عملية الياسمينة الزرقاء» عن إنجازات عناصر الاستخبارات والقوات المسلحة التابعة للنظام في مطاردة جواسيس الغرب والعرب الساعين إلى تخريب سورية («الأسد»، طبعاً) وإسقاط نظامها الوطني المقاوم. وتعددت قصص «الياسمينة الزرقاء» وتمادى كتابها في الخيال إلى حد صارت حكايات ألف ليلة وليلة ومغامرات السندباد والشاطر حسن، تبدو معها قصصاً شديدة الواقعية.

لا تستحق قصة إطلاق النظام السوري وحلفائه للإعصار «ساندي» ولا خرافات «الياسمينة الزرقاء» اهتماماً من وجهة النظر السياسية والأمنية. لكن عدم سعي الحكم في سورية ووسائل إعلامه و «مثقفيه» إلى وقف هذا السيل من القصص الخيالية الهابطة المستوى، يشي بأمر آخر.

فمنذ شهور يحتل شاشات وسائل إعلام النظام وصفحات صحفه محللون وخبراء تخصصوا في تقديم روايات لا تقل كثيراً في مستوى الخيال الذي تلجأ إليه، عن أسباب الثورة والجهات التي تؤيدها والمؤامرات التي تحاك ضد سورية. ودأب هؤلاء على استغلال أنصاف الحقائق وأرباع المعطيات والتقارير الدولية، استغلالاً صبيانياً للدفاع عن وجهات نظرهم. وجل هؤلاء يأتي من «القطر الشقيق» لبنان ليعلم السوريين معنى الوطنية والقيمة الفائقة الأهمية للنظام الذي يحكمهم. شذرات من الحقائق تخفي وراءها أكوام التفكير الرغبوي الطفولي غير القادر على مواجهة الواقع والحقائق المرة والحائط المسدود الذي أوصل نظام الأسد سورية إليه، غير الهروب إلى الخيال ومحاولة إسقاطه على العالم الملموس وعلى معطيات التاريخ والجغرافيا والثقافة.

وليس أصعب الأسئلة ذاك القائل أنه لو امتلك محور الممانعة قدرة على ضرب الولايات المتحدة بأعاصير من طراز «ساندي»، لماذا يعجز عن السيطرة على أحياء تبعد رمية حجر عن القصر الجمهوري في دمشق؟ تختزل الإجابة على هذا السؤال البسيط وعلى أسئلة أخرى من صنفه، كل الفارق بين الشعب السوري الذي حزمت قواه الحية قرارها بإسقاط النظام بالوسائل والأدوات والتحالفات المتوافرة من دون انتظار دعم خارجي متعثر، وبين نظام يبرر بقاءه بضرورات وتصورات لا صلة لها بغير مصالح الطغمة الحاكمة والحلفاء الأجانب.

الإعصار «ساندي» لم تطلقه القيادة السورية ولا أي قيادة حكيمة في محور الممانعة. والإنجازات الأمنية المذهلة ليست غير زج مئات آلاف السوريين في المعتقلات وقتل الآلاف في إعدامات ميدانية ومجازر جماعية وتحت التعذيب. وفيما يجذب النظام المجتمع السوري إلى الغرق في لجّة العنف والدماء، لا يجد مخرجاً من أزمته الأخيرة غير خبرائه الاستراتيجيين ومحلليه ينهلون من أراجيف خيالهم الضحل والمريض.

======================

أضرار اللعب بالوقت الضائع

وليد شقير

الجمعة ٢ نوفمبر ٢٠١٢

الحياة

في الوقت الضائع الذي تمر به الأزمات الكبرى، مثل الأزمة السورية، تبدو الأمور ملتبسة على الكثيرين وتكون مجالاً للمواقف الرمادية وتفتح الباب على الكثير من الأوهام لدى أطراف الصراع، وتتيح للاعبين أن يوجهوا ضربات تحت الزنار، وتجعل فرقاء في حال من العجز والضعف.

هكذا، أدخلت الانتخابات الرئاسية الأميركية الولايات المتحدة في حال من الكوما الانتخابية التي جمدت كل المحاولات الجدية لوضع آليات إنهاء الأزمة السورية، فأطالت الوقت الضائع الذي كان بدأ منذ الفيتو الروسي – الصيني الثالث في مجلس الأمن في تموز (يوليو) الماضي، وحال دون توافق المجتمع الدولي على خطة لانتقال السلطة في سورية. وإذا كان الرئيس الأميركي باراك أوباما أبلغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل زهاء 6 أشهر، أنه بعد الانتخابات سيكون قادراً على الاتفاق معه على حلول لعدد من القضايا العالقة بين البلدين، فإن المحور الدولي – الإقليمي الداعم لنظام الرئيس بشار الأسد سعى للإفادة من الوقت الضائع الى أقصى الحدود. وفضلاً عن أن الأسد، كالعادة، أخذ يفهم حاجة الدول الكبرى المؤثرة الى المزيد من الوقت كي تحقق تفاهماً بينها، والاقتناع الضمني لدى دول غربية في طليعتها الولايات المتحدة بأن خروج سورية من هذه الأزمة منهكة ومحطمة وشبه مقسمة هو أفضل السبل لضمان أمن إسرائيل، على أنهما قرار دولي يحبذ بقاءه في السلطة، استسهل النظام إقناع نفسه ومعه حلفاؤه بأن لا غنى عنه وبأنه تجاوز الخطر فأمعن في المجازر والقصف الجوي والإبادة في بلدات وأحياء في بعض المدن وفي محيط دمشق وفي قلبها. والسبب هو الحال الافتراضية التي يعيشها بأن أزمته هي مع الخارج لا مع شعبه وفي الداخل هذه المرة، قبل أي شيء آخر.

لكن أضرار الوقت الضائع تجاوزت الداخل السوري في الشهرين الماضيين، لأن أطراف المحور الداعم للأسد من روسيا الى إيران وصولاً الى لبنان وجدت فرصة للعب بالوضع الإقليمي فاستطاعت أن تحقق خطوات تفاوتت أهميتها وفق كل دولة من الدول المحيطة بسورية. وهكذا أتاح الوقت الضائع تسليم النظام مناطق سورية حدودية مع تركيا لمسلحي حزب العمال الكردستاني بموازاة التحرشات العسكرية مع تركيا على الحدود التي فتحت جبهات جديدة مع الخارج. حرّك خلاياه باتجاه الأردن وواصل حليفه الإيراني دعم الحراك القائم في البحرين وفي اليمن، وغيرها من دول الخليج، وسعت روسيا الى ملء فراغ الانسحاب الأميركي من العراق بصفقة سلاح كبرى مع بغداد. وفي لبنان، الساحة السهلة عليه لكثرة الحلفاء، أبقى المحور الداعم للنظام السوري الوضع الأمني ساخناً، تارة في الشمال وأخرى في البقاع ومناطق أخرى. وعلى رغم أنه وُجد من يُفشل له استخدام كل الأوراق بإحباط مخطط الوزير السابق ميشال سماحة الذي كان يهدف لإحداث تفجيرات لها مفاعيل طائفية ومذهبية، حين وضع فرع المعلومات بقيادة اللواء الشهيد وسام الحسن يده على ما كان يهيئه، فإن هذا المحور تمكن من تحقيق خطوات هجومية، في معرض سياسة الدفاع عان النظام، فكان إرسال طائرة الاستطلاع «أيوب» الى أجواء فلسطين المحتلة، أحد استهدافات هذا المحور في الدفاع عن النظام، إضافة الى استهدافاته الأخرى سواء المتعلقة بالمواجهة الإيرانية – الإسرائيلية أم بصدد التجرؤ اللبناني الداخلي على طرح مسألة سلاح «حزب الله». ولا تخرج عن اللعب بالأوراق الإقليمية، مجاهرة «حزب الله» بقتال عناصر منه الى جانب مناصري النظام في سورية، مهما كانت المبررات التي أعطاها الحزب لهذه العلنية في الإقدام على خطوة كهذه.

وكان من المنطقي أيضاً أن يُصنّف اغتيال اللواء الحسن ضمن عملية اللعب بالأوراق الإقليمية في الوقت الضائع الذي سعى المحور المساند للنظام الى الإفادة منه الى أقصى الحدود بعد أن طال أمده.

يتساوى إفشال الهدنة التي سعى إليها الممثل الخاص المشترك الأخضر الإبراهيمي مع اللعب بالأوراق الإقليمية في الوقت الضائع الذي، بالتعريف، لا يمكن أن ينتج آلية دولية لانتقال السلطة في سورية، فكيف ينتج هدنة في وقت يعتبره المحور وقتاً لتفعيل تلك الأوراق الى حين انتهاء مدة الوقت الضائع؟

وإذا كانت إطالة الوقت الضائع وجد فيها المحور المساند لنظام الأسد فرصة لمراكمة الأوراق الإقليمية، فمن الطبيعي ألا يتخلى عن أوراق موجودة أصلاً. فهل يعقل، أن يقبل بانتقال في السلطة في لبنان بإسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وفي العراق بإطاحة حكومة نوري المالكي، في وقت يرفض انتقالاً في السلطة في دمشق؟ وهل يمكن أن يقبل بالتغيير في هاتين الدولتين، إلا إذا استشرف التغيير في سورية أو أنه سيتمسك بما هو قائم في بيروت وبغداد حتى اللحظة الأخيرة، حتى لو انتهى الوقت الضائع في سورية؟

في الانتظار فإن حديث الفراغ (في لبنان) هدفه تحييد الأنظار عن المسألة الحقيقية.

======================

التاريخ هو الذي يتهم!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

2-11-2012

كتب أحد شبيحة النظام من «المنحبكجية» يقول إنني اتهمت جد الرئيس السوري الحالي، علي سليمان الأسد، بالعمالة لفرنسا. هذا القول عار تماما عن الصحة، فأنا لم أتهم أي شخص بأي شيء، وإن كنت قد ذكرت واقعة حدثت في اجتماع مجلس الأمن عندما انتقد الأستاذ بشار الجعفري مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة فرنسا، فرد عليه وزير خارجيتها لوران فابيوس راويا معلومة موجودة في ملفات وزارته تؤكد أن جد الأسد طالب فرنسا بعدم الجلاء عن الدولة العلوية، أو بضم هذه إلى دولة لبنان الكبير، لأن ذلك من شأنه تأمين الحماية الكافية لها ومنحها الدور الذي تريده لنفسها، وإلا ضاع العلويون الذين كانت فرنسا قد شكلت لهم دولة خاصة، وعامل السنة العلويين كما يعاملون اليهود في فلسطين، على حد قول الأسد الجد في الوثيقة التي قال الوزير الفرنسي إنه وقعها.

هذا ما قاله الوزير الفرنسي، فسكت الجعفري، الذي يستشهد دوما بشعر نزار قباني وهو يتغنى بدمشق، رغم أن الشاعر الكبير منع من زيارة سوريا طيلة قرابة ربع قرن كتب خلاله قصائد هجائية كثيرة في النظام وقادته، لكن الجعفري يتناساها، وهذا حقه بطبيعة الحال، لكنه يطرح سؤالا عن حقه في استغلال شعر قيل في الوطن باعتباره شعرا قيل في نظام اضطهد صاحبه، الذي اتهم النظام في قصيدة مشهورة بقتل زوجته.

وكانت مؤسسة لبنانية قد نشرت عام 1978 الوثيقة التي وقعها الأسد الجد، فرد العماد مصطفى طلاس يومها نافيا وجود الوثيقة، ومؤكدا أن الرقم الذي نشرت تحته يخص وثيقة أخرى عرض مضمونها في مقالته. ومع أن كثيرا من السوريين انتبهوا في حينه إلى ما قيل، وحاولوا وضعه ضمن سياق سياسي أو اجتماعي، فإن القصة طويت، بعد أن انتقل النظام إلى الهجوم على الجهة التي نشرت الوثيقة من موارنة لبنان، واتهمها بالعمالة للصهيونية وأصدر إشارات توحي بأن المس بالذات الرئاسية خط أحمر لا يجوز أن يقترب أحد منه، وأن الأسرة الرئاسية مقدسة كالرئيس، الذي ما إن توفى الله والدته حتى نشرت له صور ألصقت نماذج منها على سيارات الأمن تظهره وهو يهم بتقبيل يد والدته الراحلة وقد أحاطت هالتا نور برأسيهما، في تقليد لصور السيدة العذراء وولدها!

يقول التاريخ إن أبناء جبال العلويين انقسموا بخصوص علاقتهم مع الانتداب الفرنسي، وإن آل الأسد وقفوا ضد التيار الذي كان مناوئا له بزعامة المجاهد الشيخ صالح العلي، الذي كتب قصائد يتغني فيها بسوريا وطن الآباء والأجداد، وبتاريخ العرب وأمجادهم. هذا الانقسام، الذي عرفته جميع مكونات الجماعة الوطنية السورية، وكان أقل لدى العلويين منه لدى غيرهم، وحمل سمات من انقساماتهم العشائرية والقبلية المحلية، بقيت آثاره جلية حتى بعد الفترة التالية لانقلاب حافظ الأسد عام 1970، الذي أطاح فعليا بحزب البعث أو قلبه إلى حزب تابع للمؤسسة العسكرية/ الأمنية، لم يوفر في شتائمه الشيخ صالح العلي، الذي سماه بعض ممثلي النظام كمحافظ طرطوس ثم ريف دمشق العقيد علي زيود «لص الحمير»، واتهمه بعدم القيام بثورة ضد الانتداب بل بترويع العلويين، وقال إنه كان قاطع طريق نهب أملاك الناس وأحرق بيوتهم. ردا على هذه المزاعم، أنشر في ما يلي أبيات شعر كتبها جدنا الشيخ صالح العلي، يخاطب فيها الفرنسيين بالقول:

كفاكم خداعا وافتراء وخسة

وكيدا وعدوانا لأبناء يعرب

تودون باسم الدين تفريق أمة

تسامى بنوها فوق رأي ومذهب

تعيش بدين الحب قولا ونية

وتدفع عن أوطانها كل أجنبي

وما شرع عيسى غير شرع محمد

وما الوطن الغالي سوى الأم والأب

لم يكن شيخنا وحيدا في نهجه الوطني، بل كان إلى جانبه رجال كبار حملوا هم الوطن وقاوموا الانتداب وسياسات «فرق تسد»؛ أبرزهم في القرى المجاورة للقرداحة، حيث كان آل الأسد يعملون أدلاء لدى الجيش الفرنسي في معركته مع ثورة صالح العلي، وقطاع طرق، على حد وصف صديق النظام وآل الأسد باتريك سبيل في كتابه عن حافظ الأسد، والعلامة سليمان الأحمد، الذي أصدر فتوى بمناسبة أحداث نهب خلالها مسلمون علويون وأحرقوا ممتلكات المسلمين السنة في بانياس، قال فيها:

«إن هذه الفوضى خارجة عن الدين والإنسانية معا، فالواجب على كل من يؤمن بالله واليوم الآخر ويوالي العترة الطاهرة أن يبذل وسعه لإرجاع هذه المسلوبات إلى أربابها. ومن منعته الجهالة والعصبية من الانقياد إلى أمر الله وطاعة المؤمنين، فليهجر ولا يعاشر ولا يجوز أن تقبل منه صدقة ولا زكاة ولا يصلى عليه متى مات، حتى يفيء إلى أمر الله. وبما أنه لا قوة لنا على تنفيذ أحكام الشرع الشريف في هذه المسألة، فنحن نفعل ما يجب علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لئلا نقع تحت طائلة الوعيد، فإن المنكر إذا فشا عمت عقوبته الحلماء والسفهاء معا، فالعقوبة تقع على الحلماء لترك النهي، وعلى السفهاء لعدم التناسي، وإذا وجد من المشائخ من يتساهل مع أهل الجهالة فهو يعامل معاملتهم. اللهم إننا نبرأ إليك من هذه الأعمال الجائرة وممن يقرها، ولا قوة إلا بالله العظيم. خادم الشريعة الإسلامية المقدسة سليمان الأحمد».

يؤكد الصديق المناضل المحامي حبيب عيسى، الذي نقلت هذه المعطيات عن دراسة مهمة جدا أصدرها حول تاريخ العلاقات بين المسلمين السنة والعلويين: «إن العلويين أعادوا كل ما أخذوه من أسلاب ونهائب، ودعوا المسلوبين والمنهوبين إلى مراكز خاصة ليتعرفوا على دوابهم ومنهوباتهم، ويستعيدوها آمنين مطمئنين».

تعرض رموز هذا الخط الوطني للملاحقة والمحاربة بعد عام 1970، فتم اختطاف ابن الشيخ سليمان الأحمد الشاعر الكبير بدوي الجبل مرتين، رغم أنه كان قد بلغ من العمر عتيا، ومات ابنه الأستاذ منير الأحمد في أحد مقرات الأمن، واضطهد آل الأسد الأسر العلوية التي قاومت الفرنسيين في القرداحة كآل الخير وعثمان وإسماعيل، كأن وجود هذه الأسر يذكرهم بمخازيهم ويمثل شاهدا حيا على قوة وحضور الخيار الوطني لدى العلويين جمهورا وأفرادا.

يدافع شبيحة النظام عن آل الأسد باعتبارهم خيارا إنقاذيا في مجتمع متناقض مصطرع استماتوا وهم يحاولون صنعه، بينما يقول التاريخ إن سياستهم كانت خطرا على العلويين، الذين ذاقوا مر الاضطهاد على أيديهم، حتى إن المعتقلين منهم شكلوا نيفا وتسعين في المائة من مجموع معتقلي الرأي في سوريا قبل عام 1980؛ بعد عشرة أعوام من انقلاب الأسد، الذي عاملهم بسوء ظن يفوق ما أبداه تجاه غيرهم من أبناء سوريا المظلومين.

قبل أسابيع قليلة، نشبت معركة بالسلاح بين آل الأسد وشاليش وبقية أسر القرداحة، التي طالب أفراد منها بتنحي بشار الأسد عن السلطة، بالنظر إلى خطورته على الوطن عامة والعلويين خاصة. هذه ظاهرة على قدر عظيم من الأهمية الوطنية، تؤكد ما قلناه مرارا حول دور العلويين الوطني، وما فعلوه دوما للحفاظ على وحدة الدولة والمجتمع السوريين. وهي علامة إضافية على أن نهاية النظام ترتبط باتحاد الشعب، الذي يردم هوة الفرقة والتمييز التي أحدثها بين أبنائه: من القرداحة على الساحل إلى درعا في الجنوب، ومن دير الزور في الشرق إلى قسطل المعاف قرب كسب في أقصى شمال غربي سوريا.

أنا لم أتهم أحدا.. إن التاريخ هو الذي يتهم والواقع هو الذي يؤكد!

===================

الأردن أمام الحريق السوري..

الرأي الاردنية

سلطان الحطاب

1-11-2012

علينا جميعاً مواطنين ومسؤولين أن نضع عيوننا على اللحظة وأن توفر كل الامكانيات المطلوبة من اليقظة والارادة والانسجام ووحدة الهدف وتقريب وجهة النظر حتى لا يصلنا الحريق الذي ما زال يشتعل في الجوار السوري، والذي تحاول جهات عديدة رمي شرره ونقله أيضاُ عبر أكثر من وسيلة وأسلوب ودافع..

علينا ان نخشى ومن حقنا أن نخاف..وعلينا أن نطالب حكومتنا بالمزيد من اليقظة وأن نناشد أجهزتنا الأمنية على مختلف تخصصاتنا أن تبقى حيث ثقتنا المتجددة بها وأن تجعل من الوطن وحمايته والدفاع عنه عقيدة يجري البناء لها..

لقد كان لكشف الخلية الارهابية التي استهدفت مواقع مدنية وغير مدنية وسفارات في منطقة عبدون الحيوية الأثر الكبير في اعادة تركيز الأضواء على الأجهزة الأمنية وخاصة المخابرات العامة ذات السجل الكبير والحرفي والملتزم والمدني وذي التشابك الواسع والقدرة على الوصول الى المعلومة والهدف..ووجدنا ونحن نتابع ذلك ومن قبل احداث أخرى وقد تأتي لاحقاً أحداث لم نكن نتوقعها..وجدنا أننا بحاجة كبيرة لتعظيم ما أنجز ولدور هذه الأجهزة التي غمطها الكثيرون حقها حين أدخلوها الى شعاراتهم وسوقوا انفسهم من خلال النيل منها او تحميلها مسؤوليات لا علاقة لها بها..

حدودنا مع الجارة سوريا ملتهبة وأطراف كثيرة تزج عبرها بمن يريدون النيل من أمننا واستقرارنا فالنظام السوري الذي ما زال يمعن في القتل وقد تحول الى طعم لتدمير سوريا لصالح أعدائها سيدخل مرحلة تصدير أزمته خارج الحدود وقد يكون هذا الوقت هو المناسب له سيما أنه في ربع الساعة الأخيرة من قدرته على البقاء والاستمرار وقد يكون التصدير بمزيد من التخريب او الاعتداء او القصف أو أي أشكال أخرى..والتهاب الحدود وسخونتها ووجود اكثر من قوة مقاتلة واستخبارية ونشطة على الأرض السورية لا يجعل الخطر فقط يتمثل في النظام السوري وممارساته وانما في هذه القوى التي دخلت على الجرح السوري ولوثته وهناك تنظيمات وقوى ارهابية تنتمي الى مجموعات وعقائد مختلفة حاربها الأردن تاريخياً وحذر منها ومنعها من العمل على ارضه وقد وجدت في سوريا حاضنة تفريغ وتدريب وتكاثر وتجنيد نتاج غياب الأمن والسيطرة..

اذن اكثر من طرف على الأرض السورية في برامجه واجنداته استهدافنا والعمل ضد أمننا واستقرارنا خاصة وان أجهزة استخبارات لعديد من الدول الصديقة والمعادية انتقلت الى الأرض السورية لتحمل وتحمي مصالحها او تنفذ أجنداتها.

الأردنيون الآن لا بد أن يكونوا اكثر الشعوب والدول في المنطقة عناية بامنهم واستقرارهم وترابطهم ووحدتهم والتفافهم حول قيادتهم وان يكونوا أكثر من يستفيد من الدروس والعبر والوقائع الماثلة وتوظيف ذلك للابتعاد عن الحريق وحماية الوطن منه..

الحريق السوري يشبه اعصار ساندي اذا ما تفجر لن تكون الاطراف العربية والإقليمية وخاصة المجاورة لسوريا بعيدة عنه سواء لجهة التأثير المباشر أو غير المباشر فالكارثة السورية التي قد تأكل أخضر المنطقة ويابسها كما قال الأخضر الابراهيمي تركت آثاراً نعيشها الآن في ازدياد موجات اللجوء السورية وما نكابده منها اقتصادياً واجتماعياً وستترك آثاراً أخرى قد تقع في أي لحظة وعلينا الانتباه واليقظة والاعداد اللازم..

والسؤال كيف ننظم أنفسنا؟ كيف نعيد الثقة بأجهزتنا ومؤسساتنا المنوط بها الوقاية والحماية؟ كيف ننتقل من الاسترخاء الى الاستعداد؟ ومن عدم الاهتمام الى الاهتمام؟ فدرهم الوقاية خير من قنطار علاج واذا كان للربيع العربي أعراضه المدمرة حين يمر دون وعي واستعداد للشعوب والبلدان فإننا لا بد أن نحتاط وأن نتوافق وأن نتحمل ونصبر..لا بد أن نعلق حالة الاستعداد القصوى فالسقف السوري يدلف بشدة والحريق يقترب ويرفع درجة الحرارة وعلينا أن نكون في استعداد الاطفائية لتسلم انجازاتنا...

=================

الثورة السورية وصراع الإرادة الوطنية والمصالح الدولية

د. لؤي صافي

2012-10-31

القدس العربي

ثمة صراع دائر اليوم في سوريا وحول سوريا يتطلب الكثير من الحذر واليقظة وبعد النظــــر، كما يتطلب من قادة الثورة في جناحيها السياسي والعسكري التحليل العميق والنفس الطويل، وتجنب أي قرارت ومواقف لا تتشوف مستقبل سوريا ومصالح الشعب السوري وشعوب المنطقة. الوضع الدولي والإقليمي والداخلي للثورة السورية بالغ التعقيد، فالعقبات كثيرة وصعبة، ورغبة القوى الدولية في تحقيق انتصار سريع للثورة السورية على نظام الأسد ضعيفة.

لكن الثورة السورية رغم هذه التحديات تملك زخما روحيا ونفسيا هائلا، وإرادة قوية تزداد صلابة مع تزايد التضحيات على تحقيق الانتصار على النظام المجرم. الشعب السوري يمتاز بوعي عال لأهمية موقعه ودوره وتنوعه السكاني، كما يمتلك طاقات بشرية خلاقة ومبدعة برهنت على أنها قادرة على تحقيق أعلى مستويات العطاء علميا وأدبيا وتجاريا وصناعيا داخل البلاد وخارجها. ويمتلك قبل هذا وذاك حسا وطنيا متميزا وشجاعة مشهود لها من قبل الصديق والعدو.

الضعف الأساسي الذي تعاني منه الثورة السورية نابع من الثقافة السياسية السورية التي تنزع إلى الفردية في القرار والتحرك، والميل إلى التشرذم عند الاختلاف، وغياب القدرات التنظيمية في دائرة الناشطين السياسيين والمثقفين السوريين. التشرذم وغياب التنظيم والاعتماد على التحركات الفردية والإعلامية، وإهمال البعد التنظيمي نقاط ضعف في الثورة السورية لا بد من تجاوزها من خلال التنظيم والتخطيط والتواصل والتشاور. وهذا يتطلب تطوير آليات عمل وبنى إدارية وتنفيذية.

التحرك السياسي في المرحلة القادمة يحتاج إلى فهم عميق للسياق الدولي والإقليمي، وإلى مجموعة من المبادئ الأساسية في الحركة تشكل الإطار الذي يتم من خلاله وحوله الدخول في عمل سياسي مع مختلف القوى والأطراف المعنية. بيد أنه من المهم أن يتذكر المعنيون في انتصار الثورة السورية وفي خضم التعاطي مع تحديات الجغرافيا السياسية السورية أن السياسة هي في جوهرها فن الممكن. فن الممكن يقضي الليونة والمرونة في القرار لاستيعاب المتغيرات لكنه يتطلب أيضا الحفاظ على الثوابت الوطنية، وفي مقدمتها احترام المصلحة الوطنية للشعب السوري والحفاظ على السيادة السورية واستقلال القرار.

ثمة معطيات أصبحت واضحة أفرزتها التجربة السياسية للثورة خلال الشهور المنصرمة، وهي بطبيعة الحال تنبع من مصالح الدولية والإقليمية، وترسم بمجملها الإطار العام لحدود الممكنات السياسية للمرحلة القادمة.

المعطى الأول أن النظام الأسدي لا يرغب بالقيام بعملية تغيير ديمقراطي بل يريد القيام باصلاحات شكلية لا تغير طبيعة الحياة السياسية الراهنة. فنظام بشار الأسد لا يسعى إلى إيجاد حل سياسي أو القيام بإصلاح حقيقي، بل يعمل بدأب لاتخاذ مواقف تخفف عنه الضغط السياسي وتعطي لحماته والمنافحين عنه في الخارج الذرائع لإلقاء اللوم على المعارضة.

الحل السياسي والإصلاح الحقيقي يعني نهاية النظام، وبالتالي فإن أنصار النظام يشددون على بقاء الأسد على رأس السلطة ويدعون إلى حكومة وحدة وطنية. لذلك فإن انجاز العملية الانتقالية يتطلب الأصرار على تنحي الأسد وقياداته الأمنية عن السلطة وتسليم السلطة إلى حكومة وطنية تقودها المعارضة.

المعطى الثاني أن القوى الدولية تخشى من تزايد الحراك العسكري وتفضل الوصول إلى حل ســــياسي يعيد حالة الأستقرار السابقة. ثمة تراجع واضح في دعم الثورة السورية مع تزايد القدرات العسكرية للفصائل الثورية وخشية البعض من تزايد تأثير الجماعات الإسلامية في سوريا. القوى الدولية تسعى اليوم إلى العودة إلى حالة الإستقرار السابقة' ضمن صيغة تضعف من تأثير النظام وتسمح لبعض فصائل المعارضة السياسية الدخول في حكومة وحدة وطنية. ولا تمانع الدول الغربية من بقاء الأسد وهي لذلك ترفض كل المحاولات لنقل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.

أما المعطى الثالث فيرتبط بخشية القوى الدولية من التحالفات السياسية الراهنة داخل المعارضة السوري وتبدي تحفظها بشكل خاص على التحالفات عبر الخطوط الأديولوجية التي يتداخل فيها اليسارالسوري والقوى الإسلامية واليبرالية. هذه التحالفات تجعل القوى الدولية عاجزة عن التنبؤ بمسار الثورة السورية في المرحلة القادمة. إضافة إلى ذلك وتواصلا معه ثمة ثلاثة محددات مهمة تؤثر على موقف الغرب من الثورة: أمن إسرائيل والموقف من المقاومة الفلسطينية، النظام الأمني والمالي العالمي ورفض أي مساحات سيادية مباينة له، ومنظومة الأمن الدولي والحرب على الإرهاب ومنظمة القاعدة. ويبدو أن صانعي السياسة الشرق أوسطية في الغرب لديهم تحفظات كثيرة حول موقع الثورة السورية من هذه المحددات.

وأخيرا : يبدو جليا أن القوى الإقليمية الداعمة للثورة السورية لا ترغب بالتحرك خارج المظلة الدولية. القوى الإقليمية التي تقف مع الثورة السورية تملك علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة ومنظمة الناتو، وهي ملتزمة بحلفها القوي مع القوى الغربية خاصة في مواجهة الخطر الإيراني بالنسبة لدول الخليج والروسي بالنسبة لتركيا. وبالتالي فإن الدول الإقليمية الداعمة للثورة السورية، خاصة تركيا وقطر والسعودية، حريصة على التحرك داخل المظلة الدولية. ومن هنا فإن اعتراضات الدول الغربية على تحركات الثورة ومواقف المعارضة ستلقى صدى اقليميا.

ما العمل إذن في خضم الاصطفافات الحالية؟ بالتأكيد ان لدى السوريين الكثير للقيام به للحفاظ على استقلالهم وسيادة بلدهم، ولعل في مقدمة المسؤوليات الملقاة على أحرار سوريا وحدة الصف لمنع أي توظيف للثورة السورية لتحقيق مصالح خارجية تتعارض مع حرية الشعب السوري ومستقبله، والاستفادة من الطاقات السورية الكبيرة داخل البلاد وخارجها، والعمل بدأب لخلق تحالفات مع منظمات المجتمع المدني في الدول العربية والصديقة. وقبل هذا وذاك إدراك أن الممكنات السياسية يجب أن تحسب أنطلاقا من الثوابت الوطنية للشعب السوري الشجاع والمعطاء.

 

' عضو الأمانة العامة رئيس مكتب السياسات والتخطيط في المجلس الوطني السوري

=================

لن نعتاد على 'فيلم' الرعب السوري..

سهيل كيوان

2012-10-31

القدس العربي

عندما تتكرر مشاهد القتل المرعبة في الأفلام تفقد تأثيرها وقدرتها على المفاجأة وتصبح مشاهد عادية، ولهذا فإن صوت قطرات الماء في الحمام والصمت المحيق بها ونظرات بطلة الفيلم وحركات بؤبؤي عينيها وإيحاءاتها قد تؤدي الى تسارع نبضات قلب المشاهد أكثر مما يثيره نبأ إلقاء برميل من المتفجرات فوق حي سكني في حمص أو حلب، قطرات الماء وإيقاعها الرتيب قد تحرّض مشاعر الترقب والخوف لدى المشاهد رغم علمه بأنه في فيلم سينمائي، ولكن المشاهد يتقمص الدور ويتماهى معه ، إلا أن الأفلام التي كانت تثيرنا قبل أربعة عقود لم يعد لها التأثير نفسه، فقد اكتسبنا مناعة على ما يبدو، وصار كثير منا يتابعون أفلام الرعب ليس بهدف الشعور بالخوف وزيادة ضربات القلب، بل بهدف الضحك على مفاجآت المخرج وأحابيله وردود أفعال الممثلين واستباق أحداث الفيلم بتوقعها قبل عرضها على الشاشة.عندما كنا نسمع قبل عامين أن انفجارا وقع في دمشق أدى إلى مصرع ثلاثة مواطنين، كنا نشعر بالرهبة مما حدث، الآن وبعد أكثر من ثمانية عشر شهرًا على انتفاضة الشعب السوري (تمسح) العالم وما عادت تهزه أخبار المجازر التي لا يقل عدد ضحاياها عن المئة يوميًا، بل إن من يكتب عن هذه المجازر قد يواجه من بعض شبيحة الكتابة بتعقيبات مثل...'يا أخي ألا تهزك مجازر فلسطين ..ألا يهزك ما يحدث للأقصى ..ألا يهزك ما يحدث لغزة ...دع سورية في حالها'.وكأن ما يحدث في سورية منفصل عمّا يحدث في المنطقة كلها، وعلى الأرجح أن هؤلاء رجال النظام وأقلامه وما يسمى بجيشه الألكتروني، الذين يريدون للعرب والمسلمين والعالم أن يغمضوا أعينهم عمّا يحدث في سورية، كي يشعر النظام بانطلاق يده بكل ما يرتكب من مجازر، وليشعر الثوار بالخيبة وبأنهم وحيدون بلا نصير، وأن العالم تخلى عنهم وتراجع عن دعمهم، ودول الجوار تمنع وصول المدد إليهم من سلاح ورجال فليس أمامهم سوى الاستسلام واستغلال فرصة العفو الرئاسي الذي يطلق بين آونة وأخرى.

أكثر من مائة إنسان يلقون مصرعهم يوميا ولكل واحد منهم أسرته، آماله، أحلامه وأفراحه الصغيرة، ولو جمعنا آلام المحيطين بضحايا يوم واحد لكانت كافية لبكاء الأرض والسماء والحيتان في المحيطات.

أيها الشبيحة، هذا لا يعني أننا نسينا ما يحدث في فلسطين، منذ ستة وخمسين عاما ما زلنا نحيي ذكرى مجزرة كفر قاسم التي وقعت بمثل هذا الأسبوع، تسعة وأربعون إنسانا قتلوا ظلما وعدوانا وليس نتيجة كارثة طبيعية أو حادث قطار أو طائرة، قتلوا لأن هناك من خطط لقتلهم ونفذه كي يرهب أهل تلك القرية وأخواتها ويرغمهم على الهرب من ديارهم ليلحقوا بإخوانهم النازحين عام النكبة، اليوم صارت كفر قاسم بلدة كبيرة، وما زال الأبناء والأحفاد يشعرون بغضب كبير ومرارة، وقد كتبت قصص وأشعار كثيرة، وأجريت مسابقات رياضية وكتابة إبداعية، وتم إخراج فيلم سينمائي روائي، أذكر أن فيلم مجزرة كفر قاسم تم تمثيله في قرية سورية بسيطة تشبه قرى فلسطين، وأذكر كلمة الشكر التي كتبت على الشاشة في نهاية الفيلم لأهالي القرية السورية على مشاركتهم ومساهمتهم هم وبيوتهم في تصوير وإنجاح الفيلم.

تسعة وأربعون ضحية منذ ستة وخمسين عاما لم ولن ننساهم، وفي حسابات بسيطة لو بقي ضحايا مجزرة كفر قاسم أحياء لشكلوا هم وأبناؤهم وأحفادهم حياً كبيرًا، ولكانت كفر قاسم اليوم مدينة، وها هي ائتلافات أحزاب يمين اليمين المتطرف الحاكمة في إسرائيل تعلن على لسان نتنياهو أنه لا يوجد حل لدولتين بين النهر والبحر بل دولة يهودية واحدة(وديمقراطية)، وهذا يعني أن المجازر التي بدأت قبل سبعة عقود في فلسطين وحتى اليوم مرورا بمجزة كفر قاسم لم تنته بعد، وعلينا توقع المزيد، دولة يهودية وديمقراطية واحدة، تعني المحافظة على أكثرية يهودية بين النهر والبحر، وهذا ثمنه مزيد من الدماء وسياسة الخنق وتقطيع الأوصال والتهجير المباشر وغير المباشر.

لو جمعنا أعداد الفلسطينيين الذين قتلوا في المجازر المتكررة الكبيرة والخفيفة منذ بدء المشروع الصهيوني لوجدنا أنه لو بقي هؤلاء الضحايا أحياء يتناسلون لكانت أعدادهم بالملايين، 'من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا'، لن ننسى ضحايا فلسطين والعرب في مواجهة الحملة الصهيونية على المنطقة العربية كلها والتضحيات ما زالت مستمرة، ولن ننسى القدس ولا الأقصى، ولن ننسى البيوت التي تهدم ظلما وعدوانا ولا كروم الزيتون التي تُعدم، ولكن هذا لا يعني أن ندير ظهورنا لآلام أخوتنا السوريين كما يريد لنا بعض شبيحة النظام السوري الدكتاتوري الفاشي، لا لن تجعلونا نعتاد على فيلم الرعب السوري الذي يخرجه النظام في كل دقيقة وساعة، كل ضحية يجب أن تستفزنا، كل جريح، وكل سجين ومعتقل ومهجّر، لا تمييز بين دم ودم، كلها دماء أمتنا المظلومة الصابرة التي استفاقت ولن تهدأ حتى تتحرر من الدكتاتوريات كلها والاحتلال بكل وجوهه وأنواعه ...

 

=================

سورية.. الربيع العربي.. "نبوءة" من القرن السابع عشر

د.أحمد جميل عزم

الغد الاردنية

1-11-2012

تسعفني ذاكرتي في استعادة محطات منذ حرب الخليج العام 1990/ 1991. كان العامة والنخب يحاولون خلالها تفسير الأحداث بأنّها مؤامرات كونية. دخول العراق الكويت بالنسبة للبعض أمر أنبأنا به الأوّلون، وابتسم له القمر، فزعم البعض رؤية وجه صدّام حسين عليه. وقال البعض الآخر، وتداولوا مقالات صحف، تقول إنّ دخول الكويت فخ ومؤامرة أميركية، وردت في فيلم سينمائي سبق الحرب بسنوات، وهي مقدمة لتقسيم العراق والسعودية وإقامة ممالك جديدة. وضربات 11 سبتمبر مؤامرة صهيونية، والربيع العربي مؤامرة يقوم بها شخص فرنسي يهودي اسمه برنار هنري ليفي.

نهج ادّعاء النبوءات ومعرفة الأسرار والخبايا قصة قديمة جداً. ففي القرن السادس عشر مثلا، قال الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون، أحد أشهر مؤسسي مناهج البحث العلمي: "عندما يتبنى الفهم البشري رأيا (لكونه شائعا أو لأنه يروق للفهم نفسه)، فإنّه يجر جميع الأشياء الأخرى لدعم هذا الرأي والاتفاق معه. وبالرغم من وجود أمثلة أكثر عدداً ووزنا في الجانب الآخر، إلا أنّه يهملها ويزدريها (...) وتظل سلطة الاستنتاجات السابقة غير قابلة للانتهاك. هذا هو سبيل المعتقدات الخرافية في التنجيم، الأحلام، الفأل، الأحكام السماوية، أو ما شابه ذلك، حيث يقوم الناس (فرحين بغرورهم) بتسجيل الأحداث إذا تحققت، وإذا لم تتحقق (وهذا ما يحصل في أغلب الحالات) يهملونها ويمرون مرور الكرام عليها".

هل ما يحدث في سورية مؤامرة حقا؟ وهل إزاحة محمد حسني مبارك، ومعمر القذافي، وغيرهما مخطط أجنبي؟!

بعيدا عن نهج النبوءات والبحث في المؤامرات، فإنّ علماء سياسة وصفوا منذ زمن طويل "متى يثور الشعب". ضمن هؤلاء من القرن السابع عشر، الإنجليزي جون لوك، أحد مؤسسي الفكر الليبرالي، رغم أفكاره الاشتراكية. وهو من منظري الحكم المدني. وقد تحدث عن أنواع المتمردين، فقال إنّ من يتمرد على الحكم هم في أغلب الأحوال أهل الحكم أنفسهم؛ فهم موجودون على شكل سلطة تشريعية أو منفّذٍ أعلى للقوانين لتحقيق أهداف هي ضمان حرية الناس، وضمان المساواة التامة بينهم، وضمان حقوقهم في ملكياتهم الخاصة. فإذا خرق المشرّعون والحكّام هذه الأسس كانوا هم من تمرد. ويرد لوك على مقولة إنّ هذه أفكار تشجع على العصيان وتؤدي إلى التخريب والفتن، بالقول إنّه بغض النظر عن المبررات الدينية أو غيرها (ادعاءات المقاومة والممانعة مثلا)، فإنّه إذا أسيئت معاملة الناس بما يتناقض وحقوقهم فإنّهم على استعداد، عندما تسنح الفرصة، لإزالة العبء عن كاهلهم. وبحسب شواهد التاريخ، قلما تتأخر الفرصة. وفي موضوع أن التغيير الثوري تخريب وفتنة، يقول إنّ الثورات لا تحدث نتيجة أخطاء طفيفة وقليلة في إدارة شؤون العامة، بل نتيجة سلسلة طويلة من حالات وقصص الفساد، والمراوغة، والمكائد، تجعل الناس يدركون ما ينتظرهم إن ظلوا صامتين. ويقول إنّ من يتولى السلطة هو الذي يمارس العنف في الأغلب، ويناقض الثقة التي قبله بموجبها الناس؛ فمن في السلطة هو من يملك أدوات العنف التي تجعله يفرض سلطة اعتباطية، ويخالف القوانين الطبيعية التي تضمن حقوق الناس في الحرية والمساواة والملكية الخاصة.

بعيدا عن الأفكار الميتافيزيقية لتفسير ما يحدث في سورية أو العالم العربي، لنأخذ مقاييس جون لوك ونطبقها في حالة مثل سورية: هل كان فيها احترام للقانون من قبل السلطة، أم انتهكت كل الحريات فاعتقل الكثيرون وعُذّبوا واختفوا؟ ألم يعش الناس قصصا لا تنتهي من حالات الفساد أو ما تداولوه عن الفساد والمحسوبية في أركان النظام، بدءا من رفعت الأسد، إلى عبدالحليم خدام، إلى رامي مخلوف؟! لنسأل: من الذي نال حرية أو مساواة، أو كانت له مِلكيات محترمة؟

نعرف أن قوى دولية تحاول التأثير في نتائج الثورات، ولكن هذا لا يلغي حتمية الثورة. ونعرف أنّ انتهاكات الحقوق الإنسانية في الدول متفاوتة، ولهذا تتفاوت أحجام الثورات والحراكات. وربما لا يعرف جون لوك، أو لم يفكر، كيف أنّ التغيير ربما يؤدي أحيانا إلى فترات انتقالية مؤلمة، أو حتى إلى نظام جديد سيئ، ولكن هذا أيضا لا يلغي حتمية الثورة والحراك.

=================

إحباطات «جماعة النظام» من فظائعه ومخاوف من انهيار الجيش

عبدالوهاب بدرخان *

الخميس ١ نوفمبر ٢٠١٢

الحياة

الصورة التي ينقلها سوريون غير ناشطين في المعارضة وكانوا قريبين من النظام ولم يعودوا كذلك، لأن «شبّيحته» لم يوفروهم من الترهيب والتضييق، هي صورة أكثر إرعاباً مما يمكن تصوّره. إنهم يعرفون النظام، أو اعتقدوا أنهم يعرفونه، لكنه صدمهم بشدّةٍ لم يعد هناك سقف لدمويتها، وبعصبية مذهبية أفلتت من كل عُقال. صورة تعكس الإحباط العميق الذي يتلبّس هؤلاء وهم يرون «دولة» مشلولة وجيشاً معطّلاً ومغيّباً وعصابات أمنية مستغرقة في الإجرام. لا يستطيعون الانشقاق ولا البقاء ولا الانضمام إلى الثورة، لأنهم من «جماعة النظام» وصارت هذه شبهة معيبة تلاحقهم. يجزم هؤلاء بأن التفجير في مبنى الأمن القومي يوم 18 تموز (يوليو) الماضي كان عملاً مدبّراً من داخل النظام، وكان الهدف الرئيسي تصفية آصف شوكت لأنه أخطأ بمجرد الإصغاء إلى وسطاء سوريين والاهتمام بـ «رسائل» جاؤوه بها من الخارج، في حين كان العماد حسن توركماني الهدف الآخر بصفته الضابط السنّي الأعلى رتبة ويتمتع باحترام داخل الجيش وخارجه. وفي الأحاديث التي رافقت الجنازات وتلتها كانت الاتهامات توجّه إلى علي المملوك الذي نال ترقية بعد هذا التفجير، إلا أن بعض ذوي القتلى لم يتردد في القول أمام المعزّين أن المملوك «ليس سوى منفّذ لأوامر عليا».

يقول هؤلاء السوريون، نقلاً عن «أصدقاء» من داخل النظام، أن بشار الأسد لا يكفّ عن تأكيد ثقته بأن «الأميركان لا يريدون تغييراً» و «لا يزالون متمسّكين بي». لذلك فهو لا يبدي قلقاً على مستقبله حتى أنه شبه متفرّغ لمتابعة تقارير عن أشخاص اهتز ولاؤهم له أو كانوا قريبين من بعض المنشقّين، وهو من يرسل التهديدات إليهم، إذ تصلهم دائماً نقلاً عنه وباسمه. لكن هذا الشعور بالثقة لدى بشار لا يلقى صدى عند الآخرين على اختلاف طوائفهم، بمن فيهم الأكثر والأقل قرباً منه، إذ لا يتوانون في جلساتهم عن طرح انتقاداتهم للطريقة التي يدير بها الأزمة، لكن مخاوفهم الكبرى تركّزت أخيراً على احتمالات انهيار الجيش الذي لا يزال ثلثاه تقريباً في احتجاز مستمر منذ نحو سنة. وعلى رغم أنهم لم يخططوا للانشقاق والانتقال إلى الخارج إلا أنهم صاروا بحكم المنشقّين في الداخل، وكثيرون منهم نقلوا عائلاتهم إلى «منافيهم المقبلة»، كما يسمونها متهكّمين.

يؤكد هؤلاء القريبون/ البعيدون أن الرئيس والحلقة الضيقة المحيطة به لا يعتقدون للحظة أنهم سيفقدون السلطة في يوم قريب، ومنذ تأكد لهم أن التدخل العسكري الخارجي لن يحصل أصبحوا يقولون أنهم «هم من يوجّه الثورة» مستفيدين أولاً من «العسكرة» التي استدرجوها لكسب «مشروعية» للعنف المستخدم في الرد عليها، وثانياً من جماعات «القاعدة» التي يوزّعونها هنا وهناك لإخافة الغرب وتحذيره، وقد نجحــوا فــي ذلك إلى حد أن جماعات أخرى متطرفة ظهرت ونشطت في سياق «شبه قاعدي» فشكلت تغطية لارتكابات «قاعدة - النظام» التي تبقى الأخطــــر لأنها تنفذ العمليات الأكثــــر دموية ولا توفـــّر مقار الأمن والاستخبارات بتفجيرات تلقى إدانات واسعة حول العالم باعتبارها «عمليـــات إرهابية». وفي أروقة النظام يعرف الجميع مَن يشرف على «القاعدة» وأشباهها، ويقولون أن «جبهة النصرة» مثلاً هي من مخرجات الأجهزة التي شكّلتها من سجناء أخضعوا لتدريبات طويلة وقاسية جعلتهم وحوشاً لا تتردد في تنفيذ أي أمر.

منذ فترة طويلة لم يعد القريبون يدرون كيف يفكر الرئيس ولا كيف يريد فعلاً الاستمرار في الحكم مع كل هذا الدم والخراب. يفاجئك أحدهم إذ يقول: «بلى هو باق فقط لاستكمال التدمير لا لأنه سيبقى حاكماً». ويقول هؤلاء أنه انشغل أخيراً بمتابعة معركة السيطرة على معرّة النعمان وبالحراك المتنامي في ريف اللاذقية، لأنه استشعر خطراً في التطورات هناك. لكن أكثر ما يهتم به حالياً هو الإعداد لـ «معركة دمشق» إذ يريد إبعاد القتال عن العاصمة وأوصى بعدم الإحجام عن أي وسيلة لإخضاع ريف دمشق بما في ذلك العمليات المنهجية الواسعة للتدمير والتهجير والنهب، بالإضافة إلى المجازر المبرمجة. ويشير النهج المتّبع حتى الآن إلى أن خطة النظام لـ «تأمين» دمشق تركّز على اجتياح حاراتها دورياً وعلى تفريغ ما أمكن من مناطق ريفها بأي شكل. لكن هذه كانت قد أصبحت أيضاً مناطق نزوح تحاول استيعاب ما أمكنها من نحو مليونين ونصف المليون مهجّر من مناطق أخرى ولا يستطيعون أو لا يفضلون النزوح إلى خارج الحدود.

ويقول القريبون أنه وفقاً للمعلومات «الرسمية» عن مجزرة داريّا، على سبيل المثال، فإن العدد المتداول (نحو 400) للضحايا متواضع مقارنةً بالعدد الحقيقي (نحو 1200) كما ورد في التقارير، وقد استُبقت المجزرة بدخول رُتّب مسبقاً لوحدات من الجيش (بقيادة ضباط من السنّة) إلى المدينة التي لم تقابلهم بعدائيّة وتصرّف أفرادها بحزم لكن بتهذيب خصوصاً مع النساء والشيوخ والأطفال، فيما توارى مسلحو المعارضة. مع نهاية النهار انسحب الجيش بعد عمليات تمشيط وتفتيش في مختلف أحياء داريا التي ظن أهلها أنهم سيمضون ليلة هادئة، لكن مع بزوغ فجر اليوم التالي دخلتها جحافل «الشبيحة» باللباس المدني فحاصرت أوّل الأحياء وبدأت غزو الأبنية والمنازل لإخراج ساكنيها والإجهاز عليهم ذبحاً أو رمياً بالرصاص، وقتلاً للنساء بعد امتهانهن واغتصاب بعض منهن، فيما راحت جحافل أخرى بإشراف ضباط تملأ طوابير الشاحنات المرافقة بقطع الأثاث مع الاعتناء بفرزها تمييزاً لحصص الضباط عن حصص الأفراد. بديهي أن الأحياء المجاورة أقفرت بلمح البصر من سكانها ما أن بلغتها أخبار المقتلة.

يروي أحدهم أن الجنون الجماعي بلغ حدّاً استثار حتى بعض المشايخ العلويين من «المرشديين» فأصدروا فتوى بعدم السماح بشراء أي سلعة من «سوق السنّة» التي تعرض الأسلاب والغنائم المنهوبة من مناطق السنّة. ذاك أن الأزمة المالية جعلت النظام يتّبع «لامركزية عسكرية» مقسماً البلد إلى إقطاعات خاصة لقادة قواته يتصرفون فيها كما يشاؤون وبصلاحيات غير محدودة لإدارة العمليات القتالية ولتمويل القتلة التابعين لهم، وبدورهم عمد القادة إلى توزيع المناطق المستباحة على ضباطهم الذين يوزّعون أحياءها وشوارعها على مرؤوسيهم. ولعل ما شهدته حلب يعطي فكرة عن استفحال النزعة «الميليشياوية» لدى ما تسمّى قوات نظامية، ففي صراع السيطرة على أبنية حكومية وعسكرية لوحظ أن قوات النظام تقاتل بشراسة لاستعادة مبنى من «الجيش الحرّ» ثم يتولّى «الشبيحة» نهبه.

أما حيث لا تكون هناك أوامر بتنفيذ مجزرة بغية تهجير السكان فإن هؤلاء يخضعون لأبشع أنواع الخوّة والابتزاز تجنباً للتنكيل وحمايةً للنساء والأطفال. وبات الخطف من أجل الفدية من أكثر الأساليب شيوعاً وتنظيماً و «حصانةً»، حتى أن السيارات التي تقلّ مخطوفين صارت مميّزة فلا تجرؤ حواجز الجيش على اعتراضها أو إزعاجها. حصل أن أحد الأفراد على حاجز للجيش رأى والده محتجزاً وممداً تحت أرجل «الشبيحة» في ناقلة عسكرية ونال عقوبة لأنه احتج وأراد إنقاذه ولم يفرج عنه إلا بعدما دُفعت الفدية وعاد والده إلى البيت. وحصل أيضاً أن شخصاً صارح خاطفيه بأن أحداً في عائلته لا يملك حتى ربع المبلغ المطلوب، ولما شعر بأنهم قد يقتلونه ويرمونه فاوضهم ليطلقوه كي يتدبّر الفدية فأفرجوا عنه لكن بعدما استدعى أبنه ليحجز مكانه. وفي حال أخرى مماثلة أطلق المخطوف بعدما لُقّن شتائم للرئيس كالها له مسجلة في فيديو، وعلى رغم إحضاره الفدية يخشى معاودة استخدام الفيديو ضدّه.

=================

لبنان وقطع الامتداد السوري

حسان حيدر

الخميس ١ نوفمبر ٢٠١٢

الحياة

كانت المشكلة الأساسية في العالم العربي منذ سبعينات القرن الماضي، أن أنظمته الانقلابية لم تكتف بتطويع الداخل قسراً ورسم سقف منخفض لأي نشاط سياسي أو فكري بحيث لا يتجاوز الحزب أو الفئة الحاكمة، بل تعدت واقعها دوماً إلى الخارج ورسمت لنفسها أدواراً إقليمية مبالغاً فيها لتعويض الانسداد الداخلي. لكن ثورات الربيع العربي جعلت معظم هذه الدول منشغلاً بحاله، بعدما أظهرت فداحة الهموم والمشكلات الداخلية، وجعلت إعادة البناء والهيكلة أكثر إلحاحاً من أن تسمح للأنظمة الجديدة بالوقوع في إغراء اللجوء مجدداً إلى لعبة الخارج. فالثورات قامت أصلاً لإنهاء هذا التهرب من البحث عن حلول للأوضاع المعيشية الصعبة والعلاقات غير السوية بين مكونات كل مجتمع.

تبنت ليبيا - القذافي هذه المعادلة، لكن التوصيف ينطبق على سورية اكثر من غيرها. فبعدما أغرقت مصر نفسها في عزلة نسبية منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد مع إسرائيل، وجدت دمشق في ذلك فرصة سانحة للالتفاف على مأزقها السياسي والاقتصادي بتوسيع تدخلها الخارجي وتعزيزه في الساحتين الأكثر هشاشة والأكثر اضطراباً: لبنان وفلسطين. ولا يزال النظام السوري الذي يواجه منذ بداية العام الماضي انتفاضة شعبية تحولت مسلحة، وانقساماً أهلياً حاداً، يقاوم بضراوة المصير المحتوم لامتداداته الخارجية.

وفي المقابل، أتاح «الربيع العربي» للأطراف التي كانت موضوع التدخلات واختلال موازين الجيرة، أن تتخفف من وطأتها شيئاً فشيئاً. فبعدما تغلبت حركة «حماس» على حرجها وخرجت من تحت العباءة السورية، جاءت الاشتباكات بين المسلحين الفلسطينيين المؤيدين للانتفاضة ومقاتلي «القيادة العامة» في مخيم اليرموك بضاحية دمشق لتؤشر إلى محاولة استكمال الخروج الفلسطيني أو وقفه عند حدوده الحالية.

وتندرج في الإطار نفسه الاشتباكات في حلب بين «الجيش السوري الحر» وميليشيا «حزب العمال الكردستاني» التي طالما استخدمها النظام لتطويع الأكراد انفسهم ولابتزاز تركيا، بعدما اضطر إلى منح أكراد الشمال شبه «حكم ذاتي» بسبب حاجته إلى قواته المرابطة هناك.

لكن العامل الأهم في إنهاء مرحلة الامتداد الخارجي السوري يبقى لبنان، الذي باتت قياداته السياسية اكثر جرأة في التعبير عن نفسها، بسبب قناعة عامة بأن التغيير في سورية قادم لا محالة حتى لو طال الوقت قليلاً. غير ان الحكم السوري الذي يعتبر جاره الصغير مقياساً رئيسياً لنفوذه ووسيلة الضغط المفضلة لديه في مخاطبة العالم، يستشرس في المحافظة على موقعه ونفوذه فيه، ولا يتورع عن توجيه ضربات مؤلمة، على غرار اغتيال اللواء وسام الحسن الذي وقف في وجه سطوته، ولا يتردد في تهديد سائر معارضيه بالمصير نفسه.

وفي المقابل، تتخذ المعارضة اللبنانية مواقف أكثر جذرية في مواجهة نظام دمشق وحلفائه الداخليين، عبر إصرارها على إقالة حكومة ميقاتي المستندة إلى تفاهم سوري-ايراني برعاية «حزب الله»، وتأكيدها أنها لن تسكت بعد اليوم على استمرار دمشق في استباحتها السياسية والأمنية بتغطية من حلفائها، بعدما أسقط اغتيال الحسن اتفاق الدوحة نهائياً. ولهذا تندرج معركة المعارضة لوضع حد للامتداد السوري في لبنان في إطار النتائج المنطقية للانتفاضة السورية ولـ «الربيع العربي»، وتستدعي كل مساندة عربية ودولية.

سيكون هناك بالطبع ثمن لهذا الموقف قد تدفعه المعارضة من دمها، وربما من وحدتها، لكن قادتها يعتبرون أنهم يدفعون على أي حال مجاناً ثمن دخول نظام دمشق النزع الأخير.

=================

أهمية الانتخابات الأميركية وتأثيرها في الشرق الأوسط

بول سالم *

الخميس ١ نوفمبر ٢٠١٢

الحياة

فيما تتسارع الأحداث في المنطقة العربية، يتابع العالم انتخابات الرئاسة الأميركية بترقّبٍ واهتمام، لما لهذه الانتخابات من أهميّة وتأثير في الكثير من الملفات الشائكة في الشرق الأوسط، كما في باقي العالم. وتكمن أوجه تشابه واختلاف بين المرشحَين الجمهوري والديموقراطي، ما يطرح تساؤلات حول انعكاسات انتخاب رومني أو التجديد لأوباما على السياسات القائمة تجاه الشرق الأوسط.

بات واضحاً أنّ هيمنة الولايات المتحدة في العالم آخذة في الانحسار تدريجياً، حيث تبذل روسيا، بدعم من الصين، جهوداً لإعادة بناء نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، بعد غياب دام أكثر من عشرين عاماً، وهي تحاول القيام بذلك في شكلٍ رئيس من خلال مشاركتها الفعّالة ودورها في دعم نظام الأسد في سورية. إضافةً إلى ذلك، تصعد قوى أخرى مثل الهند والبرازيل وإندونيسيا وإيران وتركيا لخلق عالم متعدّد الأقطاب.

على رغم كلّ ذلك، لا تزال الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة القادرة على إبراز قوتها العسكرية في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى أنها تملك الاقتصاد الأكبر، وتتمتّع بأوسع مجموعة من التحالفات السياسية والعسكرية والنفوذ في العالم.

على مستوى الشرق الأوسط، لا تزال الولايات المتحدة تمارس نفوذاً وتأثيراً كبيرين في الأحداث في هذه المنطقة، حيث لها علاقات سياسية واستراتيجية قوية مع معظم بلدان العالم العربي وكذلك مع تركيا. وقد غزت جيوشها في السنوات الماضية أفغانستان والعراق، فيما تقوم أساطيلها بأعمال الدورية في مياه الخليج، وهي إلى ذلك الضامن لتدفق النفط والغاز من منطقة الخليج والقوة الموازِنة الرئيسة للهيمنة الإيرانية المحتملة على الخليج. وتشنّ طائراتها من دون طيار حرباً جوية فوق اليمن، وربما تفعل الشيء نفسه قريباً فوق ليبيا ومالي.

علاوةً على ذلك، تُعَد الولايات المتحدة الراعي الاستراتيجي لإسرائيل حيث ساندتها في حروب عدة، لكنها أيضاً اللاعب الذي لا غنى عنه في أي محاولة للتوصّل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبين إسرائيل والعالم العربي.

من هنا، تؤثر نتائج الانتخابات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط بصورة كبيرة. فقد كان انتخاب جورج دبليو بوش لمنصب الرئاسة في عام 2000 ودخول مجموعة من المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض، هو الذي حدّد ردّ فعل الولايات المتحدة على أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، وأدّى إلى ظهور عقد من الغزوات والحروب.

وكان لانتخاب باراك حسين أوباما، وهو رجل ذو جذور أفريقية وإسلامية، لرئاسة الولايات المتحدة في عام 2008، أهمية رمزية عميقة بالنسبة إلى مفهوم العلاقات العربية - الأميركية والإسلامية - الأميركية. كما كان لآرائه السياسية وأسلوبه تأثيرٌ كبير في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الثورة ضدّ واحد من أهم حلفائها في العالم العربي، الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتشكيل سياسة أميركا تجاه الربيع العربي عموماً.

وللانتقال إلى أهمية موقع الرئاسة في النظام السياسي للولايات المتحدة، فقد حدد الدستور الأميركي أنّ للرئيس معظم الصلاحيات في قيادة السياسة الخارجية للبلاد. فهو الذي يعيّن وزراء الخارجية والدفاع ومدير وكالة الاستخبارات وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، كما أن الرئيس هو الذي يحدّد معالم السياسة الخارجية، وهذا يشمل الشؤون الاستراتيجية والأمنية والسياسية والاقتصادية.

في ما يتعلّق بالمصالح التي تحدّد اتجاهات السياسة الخارجية الأميركية، لا شكّ في أنّ هذه المصالح، بما فيها في الشرق الأوسط، ثابتة إلى حدّ كبير ولا تتغيّر كثيراً من إدارة إلى أخرى. وفي الشرق الأوسط تشمل الالتزام الكامل بأمن إسرائيل، والتزاماً قوياً بتدفق النفط والغاز من منطقة الخليج، ومنع إيران من تطوير سلاح نووي، ومتابعة «الحرب ضد الإرهاب» وضد تنظيم «القاعدة» تحديداً.

لكن هناك تبايناً تاريخياً كبيراً، حتى ضمن الالتزامات الثابتة، في الكيفية التي رسم مختلف الرؤساء سياستهم تجاه الشرق الأوسط. فمثلاً، عمِل الرئيس كارتر مع مناحيم بيغن وأنور السادات للتوسّط في عقد اتفاقات كامب ديفيد، في حين عمِل الرئيس جورج بوش مع آرييل شارون لعزل ياسر عرفات. وردّ جورج دبليو بوش على التهديدات من الشرق الأوسط بغزو أفغانستان والعراق وتهديد دول أخرى، في حين ردّ الرئيس أوباما على التهديد من خلال السعي إلى المصالحة والحوار.

ارتأى بعض الرؤساء الأميركيين أن تأمين مصالح أميركا في النفط والغاز يتحقق من خلال الانتشار العسكري المكثف، بينما ارتأى آخرون أنه يتأمن من خلال بناء تحالفات إقليمية وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

وتكتسي هذه الانتخابات أهمية قصوى من ناحية الملفات المتعددة التي سيواجهها الرئيس العتيد، والأزمات والأحداث المتسارعة في العالم، وعدد لا بأس به منها يقع في منطقة الشرق الأوسط. وتشير الاستطلاعات إلى أنّ الفارق بين أوباما ورومني أصبح ضئيلاً جدًا بحيث بات من غير الممكن التنبؤ بهوية الفائز أو حتى لمن تميل الدّفة في الولايات المتأرجحة، حيث تقتصر المنافسة على تسع ولايات فقط هي فلوريدا وأوهايو وميتشيغان وكارولاينا الشمالية وفرجينيا ووسكونسن وكولورادو وآيوا ونيفادا، فيما النتائج محسومة في باقي الولايات حيث الاتجاه والانتماء السياسي معروفَان.

وجاء إعصار «ساندي» ليزيد الصورة غموضاً والتكهنات صعوبة، إلا أنّ الإعصار قد يعطي الرئيس أوباما فرصاً عدة لإبراز دوره القيادي في إدارة أجهزة الإغاثة الفيديرالية والظهور على الإعلام في شكل ايجابي. وقد يزيد ذلك من حظوظ فوزه الأسبوع المقبل.

يصل عدد الناخبين العرب في الولايات المتحدة إلى حوالى 1.6 مليون ناخب. وقد صوّت حوالى 67 في المئة منهم لأوباما في انتخابات عام 2008، لكن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر أن هذه النسبة ستكون أقرب إلى 52 في المئة في الانتخابات المقبلة، في حين أيَّد 28 في المئة آخرون رومني، و20 في المئة لم يحسموا أمرهم بعد.

وفيما التأثير العربي في المشهد السياسي في الولايات المتحدة ما زال ضعيفاً على مستوى الصحافة ووسائل الإعلام الأميركية والمنظمات السياسية، تستغلّ الجالية اليهودية نفوذها إلى أقصى حدّ ممكن. إذ لدى هذه الجالية مجموعة كبيرة من المنظمات السياسية أبرزها لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية (إيباك)، التي تتفاعل مع الكونغرس والبيت الأبيض والمؤسّسات الحكومية الأخرى في محاولة للتأثير في عملية صنع القرار.

ستؤثر نتائج الانتخابات في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي. فيما سياسة أوباما الخارجية سجلّ مفتوح يمكن فحصه ودراسته بعد قضائه في السلطة مدة أربع سنوات، لا يبدو المشهد واضحاً في المعسكر المقابل، إذ غيّر رومني مواقفه تكراراً حيال الشؤون الداخلية والدولية، ولم تُختَبر توجهاتُه في حقل السياسة الخارجية بعد.

قد ينتهج رومني، في حال فوزه، سياسة أكثر مواجهةً مع إيران، وسرعة أكبر في دعم الثوار في سورية وتسليحهم، في شكل مباشر أو غير مباشر. ومن شأن إدارته أيضاً أن تكون أكثر تشكّكاً تجاه الحكومات الإسلامية في مصر وتونس ودولٍ أخرى.

كما أنه، في حال خاصم رومني روسيا والصين، سيؤدي ذلك إلى تقليص إمكانية إجراء مفاوضات دولية أو التعاون حول قضايا رئيسة في الشرق الأوسط، مثل الصراع في سورية أو المسألة النووية الإيرانية، وسيزيد من حدّة كل من التوترات العالمية والإقليمية.

في الملف الفلسطيني، لا يمكن توقّع إحراز تقدّم جدّي في عملية السلام في إدارة أوباما أو رومني على حدّ سواء. فقد حاول أوباما إحراز تقدم وفشل، وليس من المرجّح أن يحاول مرة أخرى، ورومني متحالف مع اليمين الإسرائيلي وليست لديه نيّة لممارسة أي ضغط على إسرائيل.

وبالنسبة إلى منطقة الخليج العربي، فإن لدى كل من أوباما ورومني مواقف مماثلة تجاه الالتزام بالوجود العسكري الأميركي في الخليج وحماية تدفق النفط والغاز من المنطقة. وكانت إدارة أوباما قد تحدّثت عن أهمية الإصلاح السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي، واختلفت مع بعض دول المجلس في شأن التعاطي مع الأزمة في البحرين، لكنها لم تضغط في شأن هذه المسألة والمرجّح أنها لن تفعل في فترة ولاية ثانية. كما أنه من غير المرجّح أن تثير إدارة برئاسة رومني هذه المسألة على نحو جدّي مع دول المجلس.

أيام قليلة تبعدُنا عن انتخاباتٍ مفصلية سيترتّب على نتائجها، أياً تكن، أثرٌ على مسار الأحداث والتطورات والسياسات في الشرق الأوسط والعالم.

 

=================

سوريا في الأسابيع المقبلة

علي حماده

2012-11-01

النهار

فشلت الهدنة التي اقترحها المبعوث الدولي - العربي الاخضر الابرهيمي لفترة عيد الاضحى، وتواصل القتال في طول سوريا وعرضها.

فشل مقترح الابرهيمي مع انه حظي في الساعات الاخيرة التي سبقت العيد بموافقة النظام في سوريا، ووافقت المعارضة و"الجيش الحر" عليه. غير ان كلا الطرفين لم يبد مقتنعا بهذه الهدنة التي سوّق لها المبعوث الاممي - العربي على انها خطوة يمكن البناء عليها لهدنة طويلة. ومع ذلك فشل الرهان وتبين ان الصراع في سوريا بوجهه العسكري سيسود في المرحلة المقبلة، ولا سيما ان ثمة معلومات تشير الى ان الدول العربية الداعمة ابلغت واشنطن والدول الاوروبية المعنية بقرب انتهاء التزامها موقف المراوحة الذي فرض في المرحلة المنقضية، تارة بحجة انتظار الانتخابات الرئاسية الاميركية، وطورا بحجة الخوف من رفع مستوى تسليح الثوار مخافة ان يقع سلاح نوعي (صواريخ ستينغر مضادة للطائرات واخرى متطورة مضادة للدبابات) بين ايدي جماعات اصولية متطرفة. وتضيف المعلومات المستقاة من مصادر دبلوماسية اوروبية رفيعة انه "تمت معالجة الموقف الاسرائيلي الذي كان يضغط على الاميركيين في الفترة المنصرمة مانعا واشنطن من المضي ابعد في دعم المعارضة. وقد جرى افهام الاسرائيليين ان نظام بشار الاسد ما عاد يشكل الضمان الذي شكله بالنسبة الى امن اسرائيل لسنوات طويلة، وخصوصا ان ثمة اقتناعا بدأ يترسخ في الغرب، بأنه كلما تأخر سقوط النظام زاد منسوب تغلغل الجماعات الاصولية المسلحة في سوريا، وصار من الصعب ضبطها لاحقا". وبحسب المصادر عينها، فإن "المرحلة المقبلة ستتسم بتحول كبير على مستوى تسليح الثورة للتعجيل في اسقاط النظام، ونقل سوريا الى مرحلة جديدة يكون فيها للجيش النظامي الذي لم يتم استخدام وحدات عدة منه في اعمال القتل دور مركزي في ضبط الساحة، والحفاظ على استقرار البلاد في المرحلة الانتقالية".

على المسرح الميداني، تستقر خطوط تماس في ظل عجز النظام عن حسم اي معركة من المعارك مع الثوار، فيما يعجز الثوار عن توجيه ضربة حاسمة في حلب تنهي وجود النظام في منطقة الشمال، وتهيئ لقيام منطقة عازلة بقوة الامر الواقع يحميها سلاح قادر على تحييد سلاح الطيران لدى النظام.

في هذه الاثناء تدرك موسكو انها عنصر رئيسي يحمي النظام ويؤخر سقوطه، لكنها تدرك ايضا ان ما يمنع السقوط هو احجام الدول الداعمة عن رفع مستوى تسليح الثوار. وهذا ما سيحصل في الفترة القريبة المقبلة وفق المعلومات الديبلوماسية الاوروبية المشار اليها اعلاه. اما الوساطة الدولية ومهمة الاخضر الابرهيمي فمعلقة ريثما يحصل تطور ميداني كبير كأن تسقط حلب بكاملها، وتتم تصفية اخر جيوب النظام في محافظة ادلب والقاطع الشمالي لمحافظة اللاذقية. واما في لبنان فأمر آخر.

=================

ما هي خطة الإبراهيمي؟

رأي البيان

التاريخ: 01 نوفمبر 2012

البيان

انتهت الهدنة التي برمجها الموفد الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الابراهيمي بفشل في كافة النواحي، وبقي معدل القتل متجاوزاً الرقم مئة خلال الأيام الأربعة للهدنة، لكن الانقسام الدولي تعمق بشكل أكبر، وهذه نقطة إضافية تجعل من استمرار الإبراهيمي في مهمته مسألة غير ممكنة إلا إذا تحول إلى طرف في التجاذبات السياسية.

الموقف القطري بسحب الثقة من الإبراهيمي، والتباين التركي حول رؤية موسكو بحوار بين النظام السوري والمعارضة يعيد المشهد السوري إلى المربع الأول: شلل دولي يعززه انقسام حول رؤى الحل المطروحة.

وإذا تابعنا تصريحات المحللين والدبلوماسيين الأمميين حول مهمة الإبراهيمي نجد إجماعهم على مراهنة الدبلوماسي الجزائري المخضرم على ملل طرفي الصراع في سوريا من القتال ووصولهم إلى قناعة بعدم جدوى السعي وراء انتصار حاسم.

وهذا يحمل في طياته سياسة ممتلئة بعوامل فشلها، ففي النهاية لا يمكن ان تكون خطة الحل تراهن على ظهور قناعة لدى المتقاتلين بعدم جدوى القتال، وهذه المسألة قد تأخذ شهوراً أو أكثر وقد لا تتحقق، وبالتالي فإن المهمة لا تتضمن خطة سياسية لها بنود واضحة، وإنما رهان على إنهاك متبادل لطرفي الصراع، وهذا يفاقم في تحول القتلى إلى مزيد من الأرقام الألفية.

وتوجه الإبراهيمي إلى الصين أمس وطلبه دعم بكين يوحي بأن الإبراهيمي قد يصبح محسوباً على رؤى الحل التي يطرحها حلفاء النظام السوري، وبالتالي يصبح هو أيضاً جزءاً من الانقسام.

في ظل هذا المشهد، لم يحرك الإبراهيمي ورقة المعارضة السياسية حتى الآن، ففي بداية جولته الأولى في سوريا التقى بعدد من الوفود السياسية المعارضة وشخصيات من المجتمع المدني، وكان الانطباع أنه سيعتمد على التوازن في جذب السياسيين والعسكريين حول خطته، لكن مع مرور كل هذا الوقت، لم يسع الإبراهيمي إلى طرح حل على الأجنحة السياسية للمعارضة ولم يحاول إشراكها.

 في المقابل، تستمر المساعي لتشكيل حكومة انتقالية مؤلفة من معارضين في المجلس الوطني السوري وتيارات أخرى، وهذا أيضاً لا يدخل أو يصب في خطة الإبراهيمي لا من قريب ولا من بعيد، ونخشى أن يأتي يوم يعلن فيه الإبراهيمي أنه لا يملك خطة للحل، وإنما يراهن على الطبيعة البشرية والصدفة لإيقاف القتل

=================

حزب الله وإشاعات اغتيال الحسن

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

1-11-2012

اغتيل أكثر من عشرين شخصية لبنانية، بينها رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وكذلك قادة سياسيون وإعلاميون وعسكريون، وجميعهم من المحسوبين على تيار سياسي واحد؛ «14 آذار». وبعد مقتل الحريري، سعى حزب الله والنظام السوري لترويج حكاية أن هناك شابا اسمه أبو عدس، منتميا لجماعة إسلامية إرهابية، هو من قتل الحريري في عملية انتحارية، وأن هذا الانتحاري سجل اعترافه على شريط فيديو وعلقه على شجرة حتى يأتي إعلاميون ويقوموا بالترويج له.

فقط المغفلون والجهلة صدقوا تلك الرواية. كنا نعرف منذ اللحظة الأولى أن نظام سوريا وراء اغتيال الحريري، والأرجح أن حليفه حزب الله من قام بالتنفيذ. تقريبا، الشخصيات العشرون كلها التي اغتيلت لاحقا؛ المتآمر فيها واحد والفاعل غالبا هو نفسه.

آخر الضحايا وسام الحسن، المسؤول الأمني شبه الوحيد خارج سلطة حزب الله، والرجل الذي نجح وفريقه في تجميع الكثير من الأدلة التي تدين النظام السوري وحزب الله. أيضا، فقط المغفلون والجهلة هم الذين لا يدرون أن المتآمر والقاتل؛ نظام الأسد وحزب الله.. لكن مشكلة إعلام هؤلاء أنه يعتقد أن الكِذبة تدوم، فصدرها من جديد. سفير سوريا لدى لبنان الذي لا يستطيع الاعتراف بأن دولته وراء الجريمة لم يجد غير اتهام التكفيريين بأنهم من قتل الحسن! لماذا؟ يقول لأنهم يريدون إشاعة الفوضى. إذا كانت إشاعة الفوضى هدفهم؛ فلماذا كل الذين اغتيلوا هم من كانوا دائما من فريق سياسي واحد؟ أما الآخر الذي روّج لروايتين هزليتين إضافيتين، فهو أحد كتاب صحيفة «الأخبار» المحسوبة على سوريا وحزب الله؛ فقد كتب حسن عليق أن الاستخبارات الأردنية حذرت الضحية من أن الإسرائيليين غاضبون منه وقد يستهدفونه شخصيا! مرة أخرى لا بد أن يكون أحدنا من البلاهة حتى يصدق هذه الرواية رغم محاولة الكاتب «تبهيرها» ببهارات باردة.. لماذا تغتال إسرائيل محققا أمنيا شجاعا تجرأ على كشف جرائم حزب الله وسوريا؟ وكما يقال إن الكاذب يحرص عادة على رواية المزيد من التفاصيل، فإن الكاتب هنا استطرد وروى قصة الاستخبارات الإماراتية؛ قالت رواية أخرى، يقول: «وهنا كانت المفاجأة. قال المسؤول الإماراتي للحسن إن المعلومات التي توافرت لديهم تشير إلى أن من كان يعد لمحاولة الاغتيال هو تنظيم القاعدة، وبالتحديد، مجموعة تعمل انطلاقا من مخيم عين الحلوة». إذا كانت هذه المعلومات الثمينة في جعبة الكاتب، إذن، لماذا لم يكتبها في مقاله الأول بعيد اغتيال الحسن؟ طبعا لا توجد رواية أردنية، ولا إماراتية؛ بل قصص خيالية لن يصدقها أحد في معسكر حزب الله وبالتأكيد لن يصدقها أحد في المنطقة كلها.

=================

انفجار «الأمن القومي».. الأول آصف شوكت.. فمن هو الثاني؟!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

1-11-2012

الملاحظ، بل اللافت، أن نظام بشار الأسد بعد حادثة تفجير مبنى الأمن القومي في الثامن عشر من يوليو (تموز) الماضي التي قتل فيها ثلاثة من كبار المسؤولين هم: وزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت ورئيس خلية الأزمة حسن تركماني، ورئيس مكتب الأمن القومي الذي تم تفجيره هشام بختيار، قد انتقل بحربه ضد شعبه من مرحلة سابقة إلى مرحلة جديدة أكثر عنفا وأشد حقدا وأشرس دموية.

قبل هذا التاريخ المشار إليه، أي الثامن عشر من يوليو، وكان قد مضى على هذه الحرب الهمجية المدمرة نحو ستة عشر شهرا، كانت الطائرات المقاتلة من طراز «ميغ» لم تستخدم بعد في العمليات الحربية وكان استخدام سلاح الجو يقتصر على المروحيات وليس على نطاق واسع، كما كانت المدافع الثقيلة لم تظهر في ميادين القتال إلا في حالات قليلة ونادرة، وكذلك الأمر بالنسبة لراجمات الصواريخ، وكان الشائع في الاستخدام هو مدافع «المورتر» (الهاونات) على مختلف أصنافها وأنواعها، وكانت سياسة الأرض المحروقة لم تتبع بعد بهذه الطريقة الوحشية.

وهنا فلربما يعتقد البعض أن المسألة تعود للاستبدال بوزير الدفاع السابق داود راجحة، الذي يقال، وهذا شبه مؤكد، بأنه لم يكن يرغب في هذا المنصب الذي كان تعيينه فيه بقصد زج المسيحيين السوريين في الصراع المحتدم في سوريا إلى جانب بشار الأسد، وزير الدفاع الجديد العماد فهد جاسم الفريج، لكن هذا الاعتقاد لا يلبث أن يستبعد نهائيا إذا عرفنا أن هذا المنصب في سوريا منذ حركة حافظ الأسد «التصحيحية» في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970 لا قيمة له إطلاقا، وأنه حتى «العماد» مصطفى طلاس الذي كان من أقرب المقربين للرئيس السوري السابق والذي كان يعتبر الرقم الثاني في معادلة هذه الحركة «التصحيحية» كان مجرد واجهة فقط، وأنه لم يكن يعرف عن شؤون «الجيش العربي السوري» أي شيء، وأنه كان ينشغل لطرد السأم عن نفسه بتأليف الكتب السياسية!! وغير السياسية.

ربما أن وزير الدفاع الجديد وقد رأى تلك النهاية التي انتهى إليها سلفه داود راجحة، قد تعلم «الحكمة» مما حصل في حادثة تفجير مبنى الأمن القومي فتحول بمجرد تسلم هذا الموقع «المهم» إلى وحش بشري وبات، لإثبات ولائه لرئيسه القائد الذي لم يَجُدْ الزمان بمثله، يخص المسلمين السنة بقسوة مميزة وزائدة، لكن في حقيقة الأمر أن هذا ليس هو السبب الفعلي والحقيقي للانتقال بالحرب المسعورة التي يشنها بشار الأسد على شعبه بدءا من اليوم التالي للثامن عشر من يوليو الماضي من مرحلة سابقة إلى مرحلة جديدة تميزت بكل هذا الذي جرى والذي لا يزال يجري خلال كل الشهور التي أعقبت هذا التاريخ الآنف الذكر المشار إليه.

هناك الآن معلومات تتحدث عن أن الجيش السوري الحر قد تسرع في تبني عملية تفجير مبنى الأمن القومي وأن الحقيقة التي تؤكدها أوساط على معرفة بما يدور داخل حلقة الحكم المغلقة أن مذبحة الثامن عشر من يوليو الماضي هي «تصْفية» ككل التصفيات التي شهدها التاريخ البعيد والقريب ومثلها مثل تلك المذبحة المرعبة التي كان نفذها صدام حسين في عام 1979 ضد كبار القياديين في حزب البعث الذي كان حاكما في العراق في ذلك الحين لاعتقاده بأنهم كانوا يتآمرون ضده ولقناعته بأنه لن يستطيع الانفراد بالحكم ما لم يتخلص منهم كما تخلص من ابن خاله وشقيق زوجته عدنان خير الله طلفاح وكما تخلص لاحقا من الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر.

تقول هذه الأوساط، التي تنتسب للطائفة العلوية التي ظلمت كثيرا بتحميلها مسؤولية كل هذه الجرائم التي يرتكبها بشار الأسد والتي كان ارتكبها والده الرئيس السابق حافظ الأسد في حماه في عام 1982 وقبل ذلك وبعد ذلك، إن اثنين من ضحايا حادثة الثامن عشر من يوليو الماضي، التي لم يتم التأكد بعد مما إذا كانت انفجارا أم تصفية بطريقة أخرى، قد بقيا يعارضان التمادي في استخدام القوة المفرطة وبقيا يضغطان في اتجاه إمكانية التوصل إلى حل «معقول» من خلال المرحلة الانتقالية التي بقيت مطروحة منذ البدايات والتي لا تزال مطروحة حتى الآن، مما جعلهما موضع شكوك من قبل دائرة الحكم الضيقة المغلقة التي تضم الرئيس وشقيقيه وأبناء أخواله من عائلة مخلوف وأهم هؤلاء حافظ مخلوف الذي كان حتى بوجود آصف شوكت وحتى بوجود هشام بختيار هو الآمر الناهي بالنسبة لكل القضايا الأمنية الحاسمة، وأيضا بعض الذين ينتسبون إلى عائلة «شاليش».

وتذهب هذه الأوساط إلى أن بعض الشبهات قد حامت حول أن آصف شوكت، الذي لم يكن في حقيقة الأمر يتولى أي مسؤولية فعلية، كان على اتصال ومعه أحد الثلاثة الآخرين، أي داود راجحة وهشام بختيار وحسن التركماني، بالفرنسيين، وأنه كان مع المرحلة الانتقالية ومع رحيل بشار الأسد والتخلص من شقيقيه ومن أبناء عائلة مخلوف من أخواله مقابل الاحتفاظ بالحكم في الطائفة العلوية ومقابل انتقال سلمي للسلطة على المدى الأبعد!!

وحقيقة أن المعلومات كانت تتحدث دائما وأبدا عن أن آصف شوكت كان صاحب طموحات كبيرة، خاصة بعد رحيل الأسد الأب، وأنه لم يكن مقتنعا، ومعه زوجته بشرى التي بعد مقتل زوجها في حادثة تفجير مبنى الأمن القومي اختارت الرحيل والعيش مع أطفالها في دولة الإمارات العربية، بأن بشار الأسد يستحق هذا المنصب الذي احتله في غفلة من الزمن، وأن نهاية هذا الحكم الذي استمر لأكثر من أربعين عاما ستكون على يديه ومعه أبناء أخواله من عائلة مخلوف.

وهنا أيضا، فإن هذه الأوساط تتحدث عن أنه كان للمخابرات الروسية، التي زار رئيسها ميخائيل فرادكوف دمشق مرات عدة قبل انفجار مبنى الأمن القومي، دور رئيسي في كشف علاقة آصف شوكت ومعه أحد الثلاثة الآخرين الذين قُتلوا في هذا الانفجار بالفرنسيين، وبالتالي بالأميركيين، وبالتالي، فإن سبب هذا التصعيد الجنوني الذي أعقب حادثة الثامن عشر من يوليو هو هذا السبب وليس غيره.

إن هذا ما تقوله هذه الأوساط المشار إليها وهي أوساط بالإمكان الثقة بما تقوله، فهي أولا من الطائفة العلوية التي يجري تحميلها الآن ومن دون وجه حق كل الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها هذا النظام إنْ في عهد الأب وإن في عهد الابن، وهي ثانيا على صلة ببعض رموز المجموعة الحاكمة التي بات واضحا أنها لن تتخلى عن الحكم حتى ولو لم يبقَ حجر على حجر في سوريا كلها.

ثم وإن ما يعزز هذه الرواية أيضا هو أن هذا النظام بقي على مدى أكثر من أربعين عاما نظام تصفيات واغتيالات؛ فخلال هذه السنوات جرى اغتيال محمد عمران الذي كان يعتبر من أهم ضباط الجيش السوري ومن أهم رموز الطائفة العلوية، كما جرى اغتيال غازي كنعان، وقبله الإبقاء على اللواء صلاح جديد في زنزانة انفرادية إلى أن مات خلف الأبواب المغلقة، والمعروف أيضا أن الدكتور إبراهيم ماخوس قد تعرض لسلسلة من محاولات الاغتيال في الجزائر التي لجأ إليها بعد حركة حافظ الأسد التصحيحية.

==================

سفن إيران الحربية في السودان ضحك على الذقون

بقلم: صباح الموسوي الأحوازي

المصدر: المعهد العربي

الأربعاء, 31 تشرين1/أكتوير 2012

لا يختلف اثنان من ذوي أصحاب الفكر والمعرفة والدراية بالعمل السياسي ان للدولة الإيرانية مشروع سياسي كبير في المنطقة العربية , وهذا المشروع ليس بالأمر السري

وليس وليد اليوم فهو معلن من قبل إيران قبل ان يكتشفه الخبراء والمحللين السياسيين , فهو ذات المشروع الذي نادت به إيران منذ بداية ثورتها عام 1979م وأسمته حينها بمشروع تصدير الثورة , وقد راح النظام الإيراني يغلف هذا المشروع بأغطية الشعارات البراقة التي تزعم نصرة المستضعفين و دعم المقاومة بوجه الاحتلال الإسرائيلي وغيرها من الشعارات الأخرى. ومن يطلع على الخطة الخمسينية التي هندسها " محمد جواد لاريجاني " احد ابرز منظري نظام الخميني, يدرك تماما أهداف المشروع الإيراني . ولكن ما يجب ان نتحدث عنه هنا ليس المشروع الإيراني فالكلام في هذا الأمر يصبح ضياع للوقت , إنما المطلوب من القارئ والفاعل السياسي هو, متابعة التحرك و الفعل السياسي الإيراني في المنطقة العربية ,خصوصا في هذه المرحلة التي تشهد فيها المنطقة أحداث وصراعات وتحولات سياسية بالغة الخطورة تلعب إيران في بعض منها دورا محوريا , كالحالة السورية واللبنانية والفلسطينية .

لقد احتل خبر رسو فرقاطتان إيرانيتان في قاعدة بورسودان يوم الـ 29 من شهر أكتوبر المنصرم عناوين الأخبار العالمية, حيث استغلت إيران تعرض مصنع اليرموك العسكري في السودان لقصف إسرائيلي ,وقامت بإرسال سفنها الحربية المتواجدة منذ عام في البحر الأحمر بموافقة أمريكية إسرائيلية لتعقب ما يسمى بالقراصنة الصوماليين, إلى ميناء بورسودان. فقد حاولت إيران من وراء هذا الأمر تحقيق أكثر من هدف, وهذا يدل على قدرة النظام الإيراني على انتهاز الفرص. فالهدف الأول كان الغرض منه التغطية على خبر انهيار الهدنة التي اقترحها الموفد العربي والدولي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي بين الثوار ونظام بشار والتي تم نسفها من قبل النظام الشبيحة منذ الساعات الأولى للاعلانها . و الهدف الثاني هو تحسين صورة إيران لدى بعض القوى التي تسمى بقوى الممانعة وأنصارها بعد ان أصبحت هذه الصورة مشوهة بسبب دعم إيران الكامل لجرائم نظام بشار الأسد بحق الشعب السوري .

أما الهدف الثالثة والاهم فهو, استغلال مشاعر الغضب في الشارع السوداني و العربي من جراء تعرض السودان لعدوان إسرائيلي . فإيران تأمل من خلال هذه الحركة التي قامت بها ان تعزز وجودها القديم في السودان , وتعزيز هذا الوجود إذا ما لقي تأيدا شعبيا سودانيا فانه سوف يزيد من طموح إيران في ان تتخذ من السودان بديلا عن سوريا بعد سقوط حليفها بشار. ومن يتابع الوجود الإيراني في السودان يرى ان المؤسسات المختلفة التي قامت إيران ببنائها في السودان خلال العقود الثلاثة الماضية والتي تضم مؤسسات, ثقافية و صناعية و اقتصادية وعسكرية, يجد ان لدى إيران طموح كبير وقوي في جعل السودان قاعدة مستقبلية لها في شمال أفريقيا. وما يزيد من الاندفاع الإيراني في هذا الشأن هو الموقف السياسي السوداني الرسمي المتخاذل و الأوضاع السيئة التي تمر بها السودان عامة, فالموقف السوداني الرسمي من الثورة السورية كان ولا زال موقفا مؤيدا لنظام بشار ومعاديا لشعب السوري , وهذا ما يقربه من إيران و يقرب إيران منه أكثر.

طبيعي ان سقوط نظام بشار الأسد سوف يكون خسارة لإيران و ضربة كبيرة لمشروعها التوسعي ولهذا فهي لن تترك هذا المشروع يسقط بسقوط بشار لهذا تسعى لاستغلال مأساة الشعب السوداني لتعوض به عن خسارتها بسقوط بشار.

ولكن هل يسمح الشعب السوداني ان تكون بلاده قاعدة للمشروع الإيراني؟.

=================

أ. د. علي أسعد وطفة: في هذا العشق السلطاني للإجرام!

أخبار الشرق 29/10/2012

في سوريا وحدها يُطلق المجرمون بينما يُحاصر العلماء والمفكرون ويُزجُّ بهم في غياهب السجون”!

هل هناك من أرومة وجدانية تجمع بين الحاكم المستبد والإجرام؟ لماذا كل هذا الود والعطف الذي يغدق على أهل الجريمة والإجرام؟ وما أسرار العداوة التاريخية بين الاستبداد والفكر الحر أو بين المستبدين والعارفين؟ لماذا كل هذه الكراهية وكل هذا الحقد الذي يبديه النظام للمفكرين ضد أهل الرأي والفكر الحرّ؟ لماذا يطلق النظام سراح المجرمين ويشملهم بعفوه ويغدق عليهم عطفه ومحبته؟ ولما يعمل في الوقت نفسه على إنزال أقصى العقوبات وأدهى اشكال التعذيب والقتل والخطف والتدمير ضد المفكرين والعلماء وأصحاب الكلمة الحرة؟ أسئلة تسترعي الاهتمام.

يصف الكواكبي المستبد بقوله: “المستبدّ: يتحكَّم في شؤون النّاس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنَّه الغاصب المتعدِّي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من النَّاس يسدُّها عن النّطق بالحقّ والتّداعي لمطالبته”. إنه “عدوّ الحقّ، عدوّ الحّريّة وقاتلهما، وهو مستعدٌّ بالطّبع للشّر والمستبدّ: يودُّ أنْ تكون رعيته كالغنم درّاً وطاعةً، وكالكلاب تذلُّلاً وتملُّقا”ً.

لا أخفيكم أنني ومنذ زمن بعيد كنت أتساءل عن هذا العشق الكبير الذي يكنه حكامنا للمجرمين والإجرام، وعن هذا الحقد الهائل والكراهية المستطيرة ضد الحكمة والحكماء. لم أكن أعرف السبب في انتظام صدور المراسيم الجمهورية التي يعفى بها عن المجرمين في كل مناسبة تسمى وطنية كمناسبات: الحركة التصحيحية وحرب تشرين التحريرية، ولماذا يغتنم الحاكم كل مناسبة ليجترح مرسوم عفو يطلق بموجبه المجرمين والقتلة والسفاحين من السجون ليعيثوا من جديد فسادا وجورا في الأرض.

إنه فعلا لمن أكثر الأمور غرابة وعجبا في الأرض أن يكرم الحاكم شعبه بإطلاق المجرمين والقتلة والمخالفين للقانون فيصدر الإعفاء تلو الآخر عن المجرمين والقتلة في مناسبة وفي غير مناسبة وهو بذلك يريد أن يتقرب من أبناء شعبه ليحظى بحبهم وعطفهم وولائهم وعظيم تأييدهم وإيمانهم برسالته الإنسانية العظيمة!

في سوريا وحدها بين دول الأرض يحتفي الرئيس ونظامه السياسي بإصدار مراسيم العفو عن المجرمين في المناسبات الوطنية والدينية والقومية. في سوريا وحدها يكرس الإعلام المكتوب والمقروء والمسموع للتمجيد بقرار الحاكم وعفوه عن المجرمين، وفي سوريا وحدها بين بلدان الدنيا التي يعد فيها اطلاق المجرمين والإعفاء عنهم إنجازا من إنجازات الحاكم والسلطان.

وفي سوريا وحدها من دون العالمين يحظى القتلة والمجرمون بعطف السلطان ورعاته وحمايته. ومن المذهل أنه في سوريا وحدها يقوم المجرمون بارتكاب جرائمهم بثقة وطمـأنينة لأنهم يؤمنون بأن حكمة السلطان ستغمرهم برحمته بإصدار الإعفاءات المتتالية التي تنقذهم من العقاب. والأدهى من ذلك أن بعض عتاة المجرمين يختارون الوقت المناسب لارتكاب جرائمهم بما يتناسب مع معرفتهم بمواقيت صدور مراسيم العفو الجمهورية التي ستشملهم فيوفرون على أنفسهم العقاب والعذاب. وكنت أسمع بعضهم (بعض المخالفين) يحسبون الفترة الزمنية القصيرة التي سيقضونها في السجن آخذين بعين الاعتبار مواعيد صدور المراسيم الجمهورية لينجو كل منهم من العقاب الحقيقي للجرائم. وعلى هذا النحو كان اصحاب الجرائم يقومون بفعلتهم وهم كانوا دائما على ثقة بأن مراسيم العفو متواترة في الزمان والمكان.

لقد تفرد النظام في سوريا بهذه المأثرة العظيمة (إطلاق المجرمين) في كل مناسبة عظيمة وملمة أليمة. في هذا العيد (عيد الأضحى المبارك) أكرمنا الرئيس بإصدار عفو جديد عن المجرمين والقتلة ومنتهكي القانون والأمن والمهربين والمقامرين والغشاشين والمزورين إكراما للشعب السوري في هذه المناسبة العظيمة.

لا نعترض على العفو فالعفو من شيم الكرام. فليعف النظام عمن يشاء من القتلة والمعتدين والغشاشين والساقطين الذين أذلوا العباد وعاثوا في الأرض فسادا! ليعفوا عن الذين حرقوا الغابات وهدموا البيوت وانتهكوا الأعراض وأذلوا الكرامات ونهبوا المال العام! ليعفو عن المجرمين والفارين والمقامرين وأصحاب السوابق والداعرين!

ويبقى السؤال الحائر لماذا لم يقع قلم الحاكم في الخطأ مرة واحدة ليعفو فيها عن أصحاب الفكر والرأي والقلم؟ لماذا لم يصدر إعفاء حتى مرسوم إعفاء واحد يتضمن شمول السياسيين والمفكرين والعلماء المقاومين وأصحاب الرأي من العقاب المنزل بهم والملاحقات التي تطاردهم والمنع من السفر؟ لماذا يطلق سراح المجرمين ولا يطلق سراح المفكرين والمثقفين والعلماء؟

لماذا على الأقل لم يصدر عفوا عن الملاحقين من أصحاب الرأي والفكر والمتهمين بالمعارضة؟ لماذا لم يسمح للمبعدين مرة واحدة في العمر بالعودة إلى أوطانهم من غير ملاحقة الأمن وفروع المخابرات؟ ما زلت أسأل نفسي لماذا يكنّ الحاكم هذا الحقد وتلك الكراهية للمثقفين والمفكرين وأصحاب الرأي؟ لماذا لم يشملهم مرة برحمته وعفوه ومراسيمه؟

وكنا نتوقع منذ بداية الثورة مرسوما بالعفو عن المفكرين والمثقفين وأصحاب الفكر والرأي لأن ذلك كان يمكن أن يكون لصالح الاستقرار في البلد والحوار. وكم كانت المفاجأة الكبيرة والمذهلة أن الحاكم أطلق المجرمين والقتلة والسفاحين من السجون مرة ومرات. وما يدعو إلى الدهشة والعجب أن الرئيس يعتقد أنه يكرم الشعب والأمة بإطلاقه للقتلة والمجرمين من السجون!

ومن جديد ماذا عن اصحاب الرأي والمفكرين؟ لماذا لم يُعفى عنهم مرة واحدة في ذلك الزمان؟ لماذا لم تخفف أحكامهم أو تتراخى الشدة في مطاردتهم وملاحقتهم في يوم من الأيام؟ لماذا؟ والأدهى من ذلك والأمر أن المجرمين الذين أطلقهم النظام هم الذين يمارسون القتل وسفك الدماء في سوريا وهم الذين يجري تجنيدهم في مختلف الجماعات المسلحة والعصابات من القتلة والشبيحة الذين يعيثون فسادا وجورا في الأرض والبلاد والعباد.

وفي هذا الأيام وفي الوقت الذي تصدر فيه مراسيم الإعفاء عن الجرائم يشتد النظام في ملاحقة المفكرين والإعلاميين وأصحاب الفكر والقلم والرأي من إعلاميين وصحفيين ومناضلين: بعضهم يختفي وبعضهم يخطف وبعضهم يزج في السجون وبعضهم يعذب وبعضهم يموت ويلقى في الشوارع. أما المجرمين فهم في مكان القلب والحظوة عند الحاكم والسلطان؟ لماذا كل هذا ايها السلطان؟

لقد أصدر الرئيس ستة مراسيم عفو عن المجرمين ما بين عامي خلال فترة الثورة، ومع ذلك فإن هذه المراسيم لم تشمل المناضلين السلميين وأصحاب الرأي والفكر الذي يعدون بالآلاف في سجون النظام وزنزاناته.

ومن المضحك المبكي أن المرسوم التشريعي رقم 71 القاضي بالعفو والقاضي بالعفو العام عن الجرائم المرتكبة قبل 23-10-2012، يستثني الجرائم التي تتعلق بالإرهاب. وهل تعرفون ما هو الإرهاب ومن هم الإرهابيون؟ الإرهابيون هم اصحاب الفكر والقلم بل هم المجرمون الذين لا يلتمس لهم عفوا وليس لجرائمهم الكبرى غفرانا. الإرهابيون في قاموس النظام هم هؤلاء الذين يعملون في مجال الفكر الحر: المفكرون الإعلاميون المثقفون أصحاب الفكر الحر الذي أعلوا من كلمة الحق ونادوا بقيم الحرية والكرامة في سوريا. وفي سوريا وحدها عليك ألا تنادي بالحرية وألا ترفع شعار الكرامة وإياك والكلمة الحرة الصادقة لأنك كي لا تكون إرهابيا، وإن فعلت فأنت مجرم وإرهابي كبير لا يمكن أن ترى لذنبك غفرانا ولجرائمك عفوا أو مغفرة.

وكأني بالسلطان قد تماهى بالطاغية الفرعوني (خيتي) الذي يقدم نصيحة لابنه (مريكارع) حوالي (2000ق.م) قائلا له: “أي بني إذا وجدت في المدينة رجلا خطرا يتكلم أكثر من اللازم ومثيرا للاضطراب فاقض عليه، واقتله، وامح اسمه، وأزل جنسه وذكراه وأنصاره، فرجل يتكلم أكثر من اللازم خطر على المدينة”. فالمجرمون الحقيقيون بالنسبة للنظام الخطرون على المجتمع هم أصحاب الفكر والكلمة والرأي الحر، وما عداهم أصحاب جنح بسيطة ومخالفات.

وقد أدرك الكواكبي هذه الصورة لطبيعة الاستبداد إذ يقول: “لا يخفى على المستبدّ، مهما كان غبياً، أنْ لا استعباد ولا اعتساف إلا مادامت الرّعية حمقاء تخبط في ظلامة جهل وتيه عماء. ومن هنا ترتعد فرائص النظام من المفكرين والحكماء والحكماء”. فيقول الكواكبي: “إن فرائص المستبدُّ ترتعد من علوم الحياة مثل الحكمة النظرية، والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع، والسياسة المدنية، والتاريخ المفصّل، والخطابة الأدبية، ونحو ذلك من العلوم التي تُكبر النفوس، وتوسّع العقول، وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها، وكيف الطلب، وكيف النّوال، وكيف الحفظ”. وبناء على هذه الصورة الكواكبية يتضح لنا لماذا يخاف النظام من المفكرين وأصحاب الرأي ولماذا يبقيهم في غياهب السجون.

لقد أدركت بعض المنظمات الحقوقية هذه الوضعية المأساوية لنظام يطلق سراح المجرمين ويغلق دهاليز السجون على الحكماء والمفكرين والعارفين فدعت النظام في سوريا إلى إطلاق سراح “الناشطين السلميين المعتقلين” في سوريا بمراسيم العفو التي يصدرها الرئيس في عدد من المناسبات.

وفي هذا السياق دعت تسع منظمات ناشطة في “الدفاع عن حقوق الإنسان يوم الخميس الماضي، أن “يشمل العفو العام الذي اعلنه الرئيس بشار الاسد قبل أيام كل الناشطين السلميين المعتقلين في السجون السورية”.

وقالت المنظمات، في بيان نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، إن “على الرغم من أن الرئيس السوري اصدر اربعة مراسيم عفو عام في 2011، واثنين آخرين في كانون الثاني وأيار 2012، فان ناشطين سلميين لا يزالون قيد الاحتجاز لدى اجهزة أمنية ومن بين المنظمات الموقعة على البيان هيومان رايتس ووتش، ومراسلون بلا حدود، ومركز الخليج لحقوق الانسان والفدرالية الدولية لحقوق الانسان.وتشير التقارير بأن ألاف الموقوفين في السجون السورية، على خلفية الأحداث التي تشهدها سورية منذ 19 شهرا وهم ما زالوا محاصرين في غياهب السجون.

وأخيرا نقول إن اطلاق المجرمين اعتداء على الشعب والكرامة واعتداء صارخ على المجتمع،بل هو انتهاك لقيم الحق والخير والإنسان، وكان حريا بالنظام – لو أراد الخير لهذه الأمة ومن المؤكد أنه لا يريد – أن يطلق المفكرين والباحثين وأصحاب الرأي والمناضلين الأحرار من أجل الحق والخير والحقيقة والكرامة والجمال.

إن أطلاق المجرمين من السجون والإعفاء عنهم والإبقاء على المفكرين في زنزانات القهر والعذاب والتنكيل هو أكبر اعتداء على الأمة والتاريخ والإنسانية والإنسان. وفي هذه المناسبة الحزينة حيث هم الأحرار خلف القضبان وفي غرف التعذيب أهدي هذه الأبيات الشعرية لمحمود درويش إلى كل المظلومين والمنكل بهم والمخطوفين والشهداء والثائرين والقابعين في دهاليز النظام وفي غياهب سجونه، علّهم يجدون بها بعض العزاء:

يا دامي العينين والكفين!

إن الليل زائل

لا غرفة التوقيف باقية

و لا زرد السلاسل!

نيرون مات، ولم تمت روما…

بعينيها تقاتل!

وحبوب سنبلة تجف

ستملأ الوادي سنابل..

__________

أ. د. علي أسعد وطفة: جامعة الكويت

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ