ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 01/11/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

31-10-2012

متاهة الأخضر الإبراهيمي

سمير الحجاوي

الرأي الاردنية

31-10-2012

الوضع في سوريا يحتاج إلى فعل على الأرض لوقف شلال الدم المنهمر، وليس حركة دبلوماسية فارغة من المضمون بلا هدف ولا رؤية وجلسات وحوارات بلا طائل أو فائدة.

هذا بالضبط ما يمكن أن توصف به حركة الموفد الدولي المشترك الأخضر الإبراهيمي، الذي يتحرك في فراغ سياسي ودبلوماسي بدون أي نتائج تذكر، ولا شيء غير اللف والدوران، من هذه الدولة إلى تلك، مع استمرار آلة القتل الأسدية بحصد مئات الأرواح يوميا حتى تجاوز العدد أكثر من 50 ألف شهيد.

الإبراهيمي يدور في متاهة لا يعرف كيف يخرج منها، مما سيجبره في المرحلة المقبلة على إعلان فشله، وحزم حقائبه المحملة بخيبة أمل كبيرة ومرارة ربما لم يشعر بمثلها في حياته، فهو يعلم أن لا حل بدون سقوط نظام بشار الأسد المجرم بالكامل، وزوال كل مؤسساته ورموزه ومحاكمة كل المجرمين الذي أوغلوا بدماء الشعب السوري وذبحوه على مرأى ومسمع من العالم.

لكن ما يظهر للعيان هو أن الإبراهيمي يتخبط، فمرة يقول إن تنحي الأسد سابق لأوانه ومرة يدعو إلى إرسال مراقبين دوليين وقوات حفظ سلام، وأخرى يدعو إلى هدنة في عيد الأضحى، وهي أطروحات لا تتفق مع رأي الشعب السوري الثائر الذي يطالب بإسقاط النظام، ودفع في سبيل ذلك الغالي والنفيس وقدم الشهداء والجرحى والمعتقلين والمشردين والنازحين واللاجئين، وهو لن يتنازل عن مطالبه في سبيل هدنة تبقى على نظام الأسد الإرهابي.

الإبراهيمي يدرك تماما انه يدور في حلقة مفرغة وان حركته التي لا تتوافق مع إرادة الشعب السوري وهو نفسه الذي وصف مهمته بأنها «شبه مستحيلة»، وهي حركة محكوم عليها بالإخفاق وكل ما يفعله هو منح نظام الأسد المزيد من الوقت لسفك المزيد من الدماء، وتدمير المدن وقتل الأبرياء وتنفيذ إعدامات ميدانية وإلقاء براميل متفجرة فوق الأحياء السكنية، وقذف الناس بالقنابل العنقودية وقتل اكبر عدد من الأطفال والنساء و الشيوخ والشباب.. وهو ما يجعل منه آلة للموت الأسود والقتل الذي تجاوز كل خطوط الدم وكل مستويات الحقد، وبالتالي فان الإبقاء عليه أو حتى على أي جزء منه خارج إطار العقل والمنطق والمعقول.

على السيد الإبراهيمي ان يكون واضحا وشفافا وعادلا وان يطالب المجتمع الدولي بالتدخل من اجل إقصاء بشار الأسد ونظامه الإجرامي، وإرسال هؤلاء المجرمين إلى محكمة الجنايات الدولية وإتاحة المجال للشعب السوري من اجل تقرير مصيره بنفسه واختيار من يحكمه بإرادته.

ومن هنا فإن أي محاولة لإبقاء نظام بشار الأسد جزءا من المشهد السياسي في سوريا سيبوء بالفشل لأنه لا يوجد أي فرصة ذلك على الإطلاق، فبعد أن أراق هذا النظام الإرهابي سيلا من الدماء لا يقبل السوريون أن يكون شريكا في أي حل وعلى أي مستوى وفي أي مرحلة، وهذا ما يجب أن تفهمه روسيا وإيران الذي يطالب رئيسها احمدي نجاد «بحل يضمن مخرج آمن لكل الإطراف» أي لبشار الأسد ونظامه الذي حول سوريا إلى سماء ملتهبة تمرح فيها طائرات تحمل الموت والدمار والخراب ، وهو الموت الذي وصفه تقرير لوكالة انباء قالت فيه:» سقطت القذيفة التي يرجح أن تكون قارورة أو برميلا من المتفجرات، وسط الشارع على بعد 20 مترا من المنزل. قطعت جثة عدنان إلى نصفين، وبعد دقائق قليلة على الغارة، كانت جثته المشوهة ملتصقة بالأرض وسط بقعة من الدم على بعد خطوات من باب المنزل.. صرخت والدته باكية وهي تضرب بيدها على صدرها «ذهب ابني! من سيهتم بي؟»، وبدت كمن يناجي السماء «يا الله أخذت ابني، ارحمه يارب».. ويصرخ الحاضرون «انظروا ماذا فعل النظام بشعبه!»، و»تعال زرنا هنا يا إبراهيمي»..

فالشعب السوري الذي يتعرض للذبح يوميا يطالب الإبراهيمي بالتركيز على الموت والدمار والمذابح والمجازر لنظام الإجرام الدامي، وتعرية نظام بشار الأسد وفضحه أمام العالم، وجره وعصابته إلى لاهاي لمحاكمته بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وغير ذلك فان مهمة الإبراهيمي «شبه المستحيلة» ستتحول إلى مهمة «مستحيلة» بالتأكيد وسيرحل كما رحل سلفه كوفي عنان يجر أذيال الخيبة والفشل.

=================

دمشق .. كان ياما كان

د. نور الله السيّد

2012-10-30

القدس العربي

قيل إن سفير بريطانيا في دمشق إبان الستينيات من القرن المنصرم قال يوماً بأن دمشق هي أكثر مدن العالم أماناً، فقد كان لك أن تتجول فيها في أي ساعة من النهار أو الليل دون خشية أو خوف من تعرضك لما ينغص عليك تجوالك، زد على ذلك رائحة الياسمين الدمشقي تحملها رطوبة المساء إلى كل أرجاء المدينة، تجعلك تطيل تجوالك وتطيل. باعة الصبار في ليالي الصيف يفترشون أرصفة شوارعها الرئيسية، يحيطون مجالسهم بالحبق، ويدعونك إلى ثرثرة هادئة برفقة كأس شاي 'خمير' بعد بضع كلمات تتبادلها معهم عقب استمتاعك بصبارتهم. في أي ساعة من ساعات الليل كان لك أن تتوقف في أي مكان في دمشق لتمضي بعض الوقت، وقتاً لذيذاً يجرك إليه دائماً، يبيح لك القول متحسراً عن دمشق إن غادرتها يوماً: 'إيه يا شام'.

هذه الدمشق ماتت، فلا أمن اليوم فيها ولا أمان، لا في الليل ولا في النهار، ولا ياسمين ولا رطوبة المساء لتحمله في أي اتجاه، ولا صبارة ولا بائع الصبارة وحبقه المعهود، ولا شايه 'الخمير'، وأهلها واجمون ماتت في أفواههم حسرات الـ'إيه يا شام'. هاجر من أهلها من هاجر، والتجأ من التجأ، والباقون ينتظرون المجهول. انتظار عمره عشرون شهراً، وقد يمتد لعشرين أخرى وربما أكثر. فملكها أحبها حباً جماً، وقرر ألا يتركها لأهلها، ومن الحب ما قتل! وهي التي ملّكّته نفسها منذ اثنتي عشر سنة متغاضية عن صغر سنه، آملة أن يحقق لها ما كانت تحلم به حينها منذ سبع وثلاثين سنة: كانت تحلم بحرية وكرامة ليس إلا مقابل أن تضمن له الملك دهراً، له ولذريته من بعده. وعندما لم يحقق ملكها الصغير ما كانت تصبو إليه بعد انتظار أكثر من عشر سنوات، انتفضت وانتفضت أطرافها معها مذكرة بما كانت تصبو إليه، فاتهمها بالعقوق وأخذ بتقطيع أطرافها وأوصالها بكل ما أوتي من قوة.

هذه الدمشق ماتت في يوم من الأيام في غابر الزمان، ثم عادت لسابق عهدها في الحياة. احتلها تيمورلنك منذ أكثر من ستة قرون، نكّل بأهلها على مدى ثمانين يوماً، لم يبق فيها لا أخضراً ولا يابساً، مع أنه لم يسمع بالإبراهيمي قتل رجالها واغتصب فتياتها وسفّه مشايختها ومفكريها، وعلى رأسهم ابن مفلح وابن خلدون الشهير الذي كان حينئذ في ضيافتها. يقال إن برج الروس في دمشق سمي كذلك نسبة إلى أكوام الرؤوس التي قطعها تيمورلنك وصنع منها أبراجاً. ولكنه مضى ونسيت دمشق مأساتها، ونسيت هذا التيمورلنك ولم تنس المقصود ببرج الروس، فتيمورلنكها الحالي أعاد لها ذاكرتها.

وقبل تيمورلنك كانت دمشق عاصمة الأمويين، منها انطلقت أكبر الفتوحات في التاريخ العربي الإسلامي، وهي التي جهزت أولى المعارك البحرية العربية، ذات الصواري، التي شارك فيها أبناؤها، مسيحيوها قبل مسلميها في قتال بيزنطة، ومنها انطلقت فتوحات الهند والسند، ويكفيها شرفاً فتح الأندلس. وفيها اشتهر معاوية بن أبي سفيان بحلمه وحنكته تذكرنا بهما شعرته الشهيرة، وبنى دولة ومُلكاً، وزاد أحفاده في الملك ملكاً.

ولكن ملكها الحالي أعاد لها ذكريات تيمورلنك، ظاناً نفسه معاويتها، دهاء وفطنة وذكاء وقوة، وأنه يقود معركة ذات الصواري ضد بيزنطة، بيزنطة الممثلة بأقاليمها: دوما وحرستا وزملكا وحمورية وجوبر وببيلا وتل العصافير وداريا ... والميدان والقدم والعسالي والتضامن ...، وهو بعض من دمشق وريفها. وسيّر جيوشاً أخرى لمعارك أخرى في بلاد الهند والسند بقرب حمص وحماه ودرعا وإدلب وحلب والرقة ودير الزور ومعرة النعمان... وهو سيّر كل هذه الجيوش لأن أبناء هذه البلاد طالبوا بحريتهم وكرامتهم، فكيف لهم ذلك دون عون بيزنطة والهند والسند وتآمرهم عليه؟ وهو يحتفل بذلك في كل ليلة من ليالي دمشق يعوّضها عن غناء بائعي الصبارة بألعاب نارية طغى صوتها على صوت الرعد، قرر أن تستمر لألف ليلة وليلة تقص شهرزاد على وقعها حكاياها، ولكن شهرزاد أخطأت هذه المرة، فشهريارها هذا لم يكن يبحث عن فتاة يقتلها كل صباح، ولكنه يريد ألا يبقي في دمشقه حجراً على حجر: 'الأسد أو تدمير البلد'، وقطع كل الشعرات التي تربطه بدمشق.

يقال إن تيمورلنك كان أعـــــرجاً ولكنه كان ثاقـــب النظر، احتل دمشق بالدهاء أكثر منه بالحرب وهو البطاش القاتل الذي حرق حلب مرتين، مرة في الذهاب ومرة في الإياب عائداً إلى سمرقند. ولكن تيمورلنك دمشق الحالي حرق حلب مرة وسيحرقها عند عودته إلى سمرقند. ولكنه لن يعود إليها، لأنه لم يولد فيها، ولن يحرق حلب مرتين، فقد ولد في دمشق وسيدفن فيها . وسيعود كل من مرّ بدمشق مردداً يقتله الحنين: 'وينك يا شام'، وستعود رطوبة المساء تحمل أريج ياسمينها المنبثق من بين الأنقاض، وستتذكر دمشق تيمورلنكها هذا باعتباره أسوأ من حكمها على مر الأزمان، وسيعود الأمان،... آمين.

' استاذ جامعي سوري

=================

اللغة السورية

محمد كريشان

2012-10-30

القدس العربي 

للمصريين مثل معروف يقول إن فلانا تحدث بلغة ' لا تــــوّدي ولا تجيب' أو أنه قال 'أي كلام'، فيما يقول الفرنسيون إن هذا الرجل 'تكلم لكي لا يقول شيئا'. لا شيء ينطبق عليه هذا الوصف مثل الكلام الدائر حاليا على لسان المسؤولين الدوليين حول سورية. آخره ما قاله كل من المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو فهو من نوع الكلام الذي لن تستطيع أن تخرج منه لا بحق ولا بباطل.

لنبدأ بالإبراهيمي، أي فائدة يمكن أن تـُـجنى عمليا من قوله إن 'الوضع صعب ويزداد سوءا' فهل يخفى هذا على أحد؟!! وكذلك قوله بأنه لا توجد حاليا خطط لإرسال بعثة لحفظ السلام إلى سوريا 'وما يجري فقط هو التخطيط تحسبا لحدوث وضع طارئ في البلاد' وكأن موت عشرات الناس يوميا وتشردهم وقصف المدنيين بطائرات الميغ وبراميل الموت من المروحيات وسقوط بيوت المدنيين على رؤوس ساكنيها يدخل في سياق العادي من التطورات!! ثم لنرى قوله بأن 'سوريا مهمة جدا، ويستحق شعبها الحصول على دعمنا وسنواصل بذل كافة الجهود وسنستعد للتعاون مع جميع اللاعبين في الخارج والداخل من أجل خفض مستوى العنف ووضع حد له'،، كلام لا يسمح السياق السوري الدرامي باستحضار ما قاله عادل إمام في مسرحية 'شاهد ما شافشي حاجة' عندما قال كلاما عقـّـب عليه رئيس الجلسة هازئا : 'نـــوّرت المحكمة !!'.

كلام لافروف لا يقل فراغا وتسويفا.. فهو يقول إن حربا تدور رحاها في سوريا في الوقت الذي تزداد فيه وتيرة العنف (لم نكن ندري ذلك من قبل !!) معربا عن استعداد بلاده لمواصلة القيام بمسؤولياتها (ما هي بالضبط؟!) . ويضيف بأن ' مهمتنا الرئيسية في هذه المرحلة هي حث كل السوريين المتناحرين على وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات' في حين أن وقف إطلاق النار هذا لم يقف ولا ليوم واحد على رجليه منذ ما يقرب من عشرين شهرا والكل يعرف أن الحكومة في دمشق هي من يتحمل المسؤولية الأكبر في ذلك.

يبدو أن الكلام أُعطي للإنسان لإخفاء أفكاره أكثر منه للتعبير عنها،،، هكذا قال أحد الفلاسفة في القرن الثامن عشر لأن لا شيء عمليا ومحددا يمكن أن تخرج به من تصريحات غائمة وحتى مضللة كالتي سردنا البعض منها. الأدهى أن هذين المسؤولين الدوليين البارزين ليسا الوحيدين ممن بات يدمن هذا النوع من اللغة التي لا تقدم ولا تؤخر. مثل هذه اللغة المراوغة التي تقول ولا تقول صارت هي اللغة الدولية المعتمدة عند الخوض في الشأن السوري، بدءا ببان كي مون 'المحبط' الذي لا حول له ولا قوة، وصولا إلى باراك أوباما ووزيرة خارجيته، مرورا بكل رؤساء الديبلوماسية الأوروبية. لغة تعكس عجزا رهيبا عن القيام بأي شيء في سوريا وفي نفس الوقت إحجاما أكثر قسوة عن الاعتراف بذلك.

هذه 'اللغة السورية' تكاد تشبه في مواصفاتها 'اللغة الفلسطينية' التى اعتمدها من قبل المبعوثون الدوليون والأمريكيون طوال عقدين تقريبا . لغة تقول ولا تقول، لا تريد أن تغضب أحدا ولا تريد أن تقول صراحة للأعور في وجهه بأنه أعور وتفضل عليها صيغة بأنه قد يكون من الأنسب له أن يزور عيادة طب العيون. لغة يجب أن يجد فيها كل طرف جزءا مما يحب وليس كله، وأن يكون ما يغضبه فيها غير فاقع ولا مباشر، فيعتبر نفسه ببساطة غير معني به. لغة تبدع في العموميات وتهرب من الدقة حتى تكاد تكون للثرثرة أو حتى السفسطة أقرب منها لأي شيء آخر. ملك هذه اللغة هو بلا منازع مبعوث اللجنة الرباعية المعنية بالشرق الأوسط توني بلير (ما زلت تذكرونها وتذكرونه؟!!) ومن قبله كان المبعوث الأمريكي دنيس روس. غاب هؤلاء وأمثالهم عن الساحة وما زالت المسألة الفلسطينية تغرق وتطفو في ذات المربع والخوف أن يصيب السوريون بفعل هذه 'اللغة السورية' ما أصاب الفلسطينيين من قبل. إن شاء الله لا.

=================

رأي الراية .. رخصة للقتل

الراية

31-10-2012

تصريحات معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية رئيس اللجنة الوزارية العربية لقناة الجزيرة حول المأساة السورية المتواصلة منذ نحو 20 شهراً وضعت النقاط على الحروف ووصفت حقيقة ما يجري هناك دون مجاملة أو محاباة للمجتمع الدولي الذي صار شريكاً في المأساة المستمرة بسوريا نتيجة انقسامه الذي سمح للنظام في سوريا أن يواصل قتل شعبه محتميا بفيتو حلفائه.

إن توصيف معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية أن ما يجري في سوريا "ليس حرباً أهلية ولكن حرب إبادة أعطيت لها الرخصة من الحكومة السورية والمجتمع الدولي" يضع مجلس الأمن الدولي الذي سيجتمع الشهر المقبل أمام مسؤولياته السياسية في حفظ الأمن والسلم الدوليين الذي بات مهددا في ظل ترجيحات حذر منها الإبراهيمي نفسه عن خطر انتقال الحريق السوري إلى دول الجوار وهو أمر يهدد بإشعال المنطقة بأكملها ستدفع ثمنه شعوب المنطقة في أمنها ووحدتها ومستقبلها.

مجلس الأمن الدولي سيستمع إلى تقرير من المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي حول مهمته في سوريا وهو معني هذه المرة بالتوافق على إصدار قرار ملزم للنظام لوقف العنف وإطلاق الرصاص في سوريا، ففشل "هدنة العيد" التي بنى عليها الإبراهيمي الآمال

لتكون بداية الحل للأزمة السورية أجهضها النظام في ساعتها الأولى ولم يلتزم بها مما يثبت حقيقة أن النظام السوري ليس معنيا بوقف إطلاق النار والتوصل إلى حلول سلمية للأزمة وأن خياره الوحيد هو إخماد الثورة السورية والقضاء على ما يصفه "بالعصابات المسلحة".

المجتمع الدولي يعرف بعد 20 شهرا من الثورة السورية المتواصلة وبعد أكثر من 35 ألف قتيل على يد أجهزة النظام وشبيحته يعرف حقيقة مطالب الشعب السوري ويعرف عدالة هذه المطالب ويعرف أيضا الحل الحقيقي للأزمة السورية والمتمثل بالاستجابة لمطالب الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والتغيير وأية مبادرة لا تستند إلى هذه المطالب ولا تتبناها مصيرها الفشل ولن يكتب لها النجاح.

إن ما تشهده المدن والبلدات السورية هي عمليات قتل جماعي تقوم بها قوات النظام ضد أبناء الشعب السوري المطالبين برحيل الأسد ونظامه وخلال عمليات القتل هذه التي تتم بقصف الطائرات والأسلحة الثقيلة يجري تدمير مقدرات سوريا وبنيتها التحتية وتدمير مقدرات الشعب السوري بدم بارد، فالنظام يصر على الاستمرار والبقاء في الحكم ولو تحولت المدن السورية بأكملها إلى أنقاض.

=================

أخيراً.. اعترف النظام بالشعب السوري!

خيرالله خيرالله

المستقبل

31-10-2012

صمدت "هدنة الاضحى" ام لم تصمد. وقد تبيّن انها لا يمكن ان تكون هدنة حقيقية، كما لا يمكن ان تصمد. تبيّن أنّ الهدنة التي لم تصمد لا يمكن ان تخفي اهمّ ما كشفته الثورة السورية، وهي بكلّ المقاييس امّ الثورات العربية. كشفت الثورة فشل النظام في تغيير طبيعة المجتمع السوري. ما يؤكّد ذلك ان السوريين ما زالوا صامدين منذ ما يزيد على سنة وسبعة اشهر في مواجهة نظام لا يمتلك من خيارات غير الغاء الآخر. هل في استطاعة نظام، مهما بلغت قوة النار التي يمتلكها من الغاء شعب بكامله، خصوصا متى كان هذا الشعب يمتلك الارادة الصلبة التي لدى الشعب السوري؟ لو كان ذلك ممكنا او واردا، لكان الاتحاد السوفياتي ما زال حيّا يرزق هو والانظمة التي كانت تدور في فلكه، خصوصا في القارة الاوروبية.

حقّق الشعب السوري اخيرا خطوة لا يمكن الاستهانة بأهميّتها وذلك على الرغم من تقاعس المجتمع الدولي الذي تعبّر عنه مواقف مجلس الامن الذي يكبله الفيتو الروسي- الصيني من جهة والميوعة الاميركية من جهة اخرى. تتمثّل هذه الخطوة في النتائج السياسية لـ"الهدنة" التي لم تصمد نظرا الى أنّ النظام السوري لا يستطيع الالتزام بعدم اطلاق النار على السوريين لمجرّد خروجهم الى الشارع وابداء رأيهم فيه!

كانت فكرة التوصّل الى هدنة فكرة مهمّة في حدّ ذاتها، ذلك انها المرّة الاولى التي يجد فيها النظام نفسه مضطرا الى الاعتراف، وان ضمنا، بانّه في مواجهة مع طرف آخر يمثّله "الجيش السوري الحر". لو لم يكن الامر كذلك، لكان النظام بقي يردد معزوفته القديمة عن وجود "ارهابيين" مطلوب القضاء عليهم...ومتى تحقّق ذلك، تعود الاوضاع الى طبيعتها في كلّ انحاء البلد. اسقطت الهدنة الحجة الاساسية للنظام المتمثلة في أنه يخوض مواجهة مع مع ما يسمّيه "مجموعات ارهابية".

اخيرا اعترف النظام السوري، وان من دون ان يعترف، بالشعب السوري بعدما كان هذا الشعب الى ما قبل فترة قصيرة "مجموعات ارهابية مدعومة من جهات خارجية". هذا على الاقلّ ما كان يقوله الرئيس بشّار الاسد امام زوّاره رافضا الاعتراف بأنّ في سوريا ثورة شعبية وان الشعب السوري الذي اعتقد انه جرى تدجينه على مراحل منذ تولي الرئيس الراحل حافظ الاسد السلطة في العام 1970 لا يزال شعبا حيّا. أنّه شعب يؤمن بالحرية والسيادة والكرامة وليس بالشعارات المضحكة- المبكية التي لا تنطلي على احد من نوع "الممانعة" و"المقاومة".

يعرف الشعب السوري قبل غيره أنّ هذه الشعارات التي رفعها النظام منذ سنوات طويلة ليست سوى غطاء يستخدم للسعي الى تغيير طبيعة المجتمع وتحويل السوريين الى مجرّد عبيد يعملون في مزرعة تديرها شركة مساهمة اعضاء مجلس الادارة فيها من افراد العائلة الحاكمة لا اكثر. ظهر بكلّ وضوح أن المجتمع السوري ما زال يضمّ قوى حيّة تقاوم الظلم والعبودية.

رفض السوريون وما زالوا يرفضون ان يكونوا عبيدا لدى العائلة الحاكمة وأن تتحكم بهم اقلّية تسعى الى الاستفادة من الغريزة المذهبية لربط بلد عربي مهمّ ربطا عضويا بايران- ولاية الفقيه. لذلك ثار السوريون في آذار- مارس 2011 وقد آن اوان قطف ثمار الثورة المستمرة التي لا يمكن ان تتراجع بأيّ شكل لسبب واحد على الأقلّ. يعود هذا السبب الى ان عودتهم الى منازلهم لا يمكن ان تعني سوى الموت رميا بالرصاص او دخول زنزانة من دون رقم ليس معروفا متى يمكن المرء ان يخرج منها، هذا اذا خرج يوما.

ليست الهدنة، التي لم يحترمها النظام، سوى بداية. انها خطوة اولى على طريق طويلة لا يمكن ان تنتهي الاّ بزوال هذا النظام الجاثم على صدور السوريين واللبنانيين والعرب اجمعين، نظام يمتلك من الخبث ما يجعله يشجع حزبا مذهبيا يمتلك ميليشيا خاصة به في لبنان ويدعمه...بينما نراه يدعو الى العروبة والعلمانية في سوريا!

مع ظهور العجز عن تطبيق "هدنة الاضحى"، التي تعتبر انجازا للمبعوث الدولي والعربي السيّد الاخضر الابراهيمي، والتي تشكّل الاعتراف الاول للنظام بوجود شعب اسمه الشعب السوري، لا يمكن الاستهانة بالمخاطر الكبيرة التي لا تزال تحيق بسوريا ككيان موحّد.

على رأس هذه المخاطر اعتقاد النظام أنّه لا يزال في استطاعته اللجوء الى خيار "الجيب العلوي". وهذا ما يفسّر الى حد كبير كل هذا التركيز على تهجير اهل السنّة من حمص ودخول "حزب الله" بشكل مباشر على خط العمليات العسكرية في تلك المنطقة.

الملفت أنّ احياء عدّة في حمص دمّرت كليا وصار اهلها خارج المدينة. هل هذا ما يجعل النظام والذين يقفون وراءه في موسكو وطهران يراهن على عامل الوقت وعلى انه كفيل بتفتيت سوريا وتغيير طبيعة مجتمعها في اتجاه تفكير كلّ مجموعة في اقامة حكم ذاتي في منطقة خاصة بها؟

من يتابع تركيز النظام على تدمير حمص حيّا حيّا، يجد أنّ غياب الرغبة الدولية في دعم الثوار جريمة لا تغتفر. ذلك أنّ اطالة امد الحرب الداخلية والسماح للنظام بمتابعة رهانه على "الجيب العلوي" جريمة لا تغتفر. لا لشيء سوى لأنّ مثل هذا الرهان سيمزّق المجتمع السوري وسيسمح بنمو قوى التطرّف بدل المخافظة على القوى الحية في المجتمع، وهي القوى التي قاومت النظام وما زالت تقاومه منذ ما يزيد على اربعة عقود!

=================

ماذا بعد فشل هدنة العيد ؟ * ياسر الزعاترة

الدستور

31-10-2012

كان الإبراهيمي يبحث عن إنجاز، أي إنجاز يبرر من خلاله استمرار مهمته كوسيط في الأزمة السورية، وهي مهمة لم تظهر عليها معالم النجاح إلى الآن. كانت هدنة العيد هي قارب الإنقاذ بالنسبة له، ولذلك فقد جاهد جهادا مريرا من أجل إخراجها إلى حيز التنفيذ؛ الأمر الذي لم ينجح فيه سوى قبل ساعات من بدء العطلة، ربما بسبب حرص النظام على عدم الظهور بمظهر “المندلق” على الهدنة من باب الضعف؛ الأمر الذي انطبق أيضا على معسكر الثوار الذين لم تبد عليهم القناعة بها لولا تبنيها من قبل الدول الداعمة.

كان هدف الإبراهيمي، بحسب تصريحاته، هو البناء على تلك الهدنة من أجل إنجاز هدنة أطول، ومن ثم التوصل إلى حل سياسي لم تظهر معالمه بعد، وإن تكن الهدنة في بعدها الشخصي محاولة لتمديد المهمة وعدم إعلان فشلها بالكامل على غرار مهمة كوفي عنان، مع أن الرجل لا يبدو في وارد الاستقالة من تلقاء نفسه.

من الواضح أن ميزان القوى على الأرض لا زال أقرب إلى المراوحة منه إلى الحسم رغم تقدم الثوار في بعض الجبهات، مقابل ارتباك قوات النظام التي تخشى المواجهة الميدانية، فتميل إلى القصف الجوي والبري خشية تحمل الكثير من الخسائر البشرية، لاسيما أن بعض التململ قد أخذ يجتاح الطائفة العلوية التي تشكل عصب القوة العسكرية للنظام، والسبب بالطبع هو كثرة خسائرها في المواجهة، والتي قالت بعض الصحف الأجنبية إنها وصلت عشرة آلاف قتيل.

سيقول أنصار بشار هنا وهناك إن الثوار لن يتمكنوا من الحسم وإنه لا مناص من الحل السياسي، لكنهم يتجاهلون أن مثل هذا القول يشكل تراجعا كبيرا من قبل النظام، ومن قبلهم أيضا. ألا يذكرون تصريحات زعيمهم المقاوم حول رفض التحاور مع الإرهابيين والقتلة، مع السخرية من القوى التي لا تحمل السلاح ووصف بعضها بالانتهازية السياسية؟!

هل يذكرون وعود الحسم في حلب خلال عشرة أيام، بينما مضت شهور طويلة فيما لا يزال أكثر المدينة تحت سيطرة الثوار، بينما يعجز جيش النظام عن دخولها فيلجأ إلى قصفها وتدميرها؛ ما جعلها أقرب إلى المدينة المدمرة بمساكنها وآثارها وأسواقها؟!

لقد بات واضحا أن معسكر النظام هو الذي يتراجع، لا أعني فقط النظام نفسه بقبوله التوصل إلى هدنة مع مجموعات إرهابية كما يصفها، بل أيضا معسكره الداعم، وفي المقدمة إيران التي كانت ترحب بإصلاحات الأسد وتعتبرها “جدية”، فيما هي الآن تتحدث عن انتخابات حرة ونزيهة يُحدِد من خلالها الشعب السوري مستقبله.

والحال أن صمود النظام لم يأت بسبب تماسك طائفته ودعمه من قبل بعض الأقليات الأخرى فقط، بل جاء بسبب التماسك النسبي للجيش الذي يخشى مصير جيش صدام كما تنقل مصادر عديدة تراه سيد الموقف أكثر من الرئيس نفسه. أما الأهم فهو الدعم الخارجي الهائل، والذي لا ينحصر في إيران وحلفائها، بل يشمل دعما روسيا كبيرا يصل حد الإشراف على المعارك من قبل عسكريين روس، ربما لأن بوتين يصرُّ على الحيلولة دون خسارة هذه المعركة على نحو يؤثر على ميزان القوى الحساس بين بلده وبين أمريكا والغرب، رغم أنه يعرف تماما أن الإصرار الغربي على منع تسليح الثوار بالأسلحة النوعية هو الذي يحول دون الحسم أكثر من أي شيء آخر. ويبقى أن انحياز روسيا للعبة التدمير عبر إطالة المعركة يبدو نتاج تفاهم مع الدولة العبرية مقابل علاقة أكثر حميمية معها على مختلف الأصعدة، وبالضرورة مع لوبياتها الصهيونية الفاعلة في أمريكا والغرب.

وفي ظل الارتباك التركي بسبب الضغوط الداخلية التي يعاني منها أردوغان، فضلا عن التلكؤ العربي لأسباب تتعلق بكل طرف من أطرافه، يبدو المشهد غامضا أكثر من أي وقت مضى، من دون أن يُستبعد الحسم السريع بسبب انهيارات محتملة في الجيش والمؤسسة الأمنية وتصدعات أكبر داخل الطائفة العلوية، وربما انقلاب للجيش على النظام يفضي إلى حل سياسي لاحق مع الثوار.

يبقى مسار الحل السياسي الذي تشتغل عليه مصر وتركيا وإيران بعد انسحاب السعودية من الرباعية، وهذا أيضا لم تظهر ملامح نجاحه إلى الآن، لكنه غير مستبعد النجاح أيضا إذا تراجع الإيرانيون بهذا القدر أو ذاك على نحو يرضي الجزء الأكبر من المعارضة السورية، والأهم في حال دخول الروس على خط التفاوض.

الحل إذن ليس بيد الإبراهيمي، بل بيد القوى الكبيرة والمؤثرة، فإما أن تتوصل إلى اتفاق لا بد أن ترضى عنه غالبية المعارضة والثوار، وإما أن تستمر حرب الاستنزاف التي تبدو نتيجتها معروفة بسقوط النظام، سواءً طالت وتعزز خيار التدمير، أم جاء الحسم سريعا ضد نظام أمني يصعب الجزم بالنقطة التي يبدأ معها انهياره الأخير.

التاريخ : 31-10-2012

=================

عن الطابع العفوي للثورة السورية

أكرم البني *

الأربعاء ٣١ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

ثمة انطباع لدى الكثيرين بأن الثورة السورية لا تزال في وجهها الرئيس عفوية، ولم ترق حتى الآن إلى حالة منظمة لها عقل مدبر يقودها وخطة مسّبقة تسيرها، ودليلهم تشتت مواقفها وصعوبة معرفة صاحب القرار أو قراءة الخطوات القادمة وما قد يليها، ثم الانتشار الواسع لقيادات ميدانية مختلفة المنابت والرؤى لا تخضع لجهة واحدة وإن كان يجمعها هدف مشترك هو توظيف الاحتقانات والرفض الشعبي لتعزيز خيار التمرد والاستمرار في الثورة. انطباع هؤلاء ربما يعود في أحد أسبابه إلى المسارات العشوائية التي وسمت تطور الحراك الشعبي في بدايته، وإلى طابع الكتلة الرئيسة التي بادرت واجتهدت لتوفير شروط الاستمرار والمكونة من شباب متمرد ليس عنده ما يخسره مع انسداد الأفق أمامه وتعاظم شعوره بالظلم وغياب العدالة، استعان بما فرزته تجربة تونس ومصر من خبرات لرسم طريقه الخاص في رفض الواقع القائم والدفاع عن مصالحه، وبخاصة استثمار فضاء المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت، لخلق مساحة من التفاعل وروابط شبه تنظيمية ظهرت على السطح تدريجاً ولعبت دوراً مهماً ولا تزال في وضع الشعارات وتوجيه التظاهرات.

ولعل ما زاد البعد العفوي وضوحاً التغيرات التي حصلت في تكوين هذه الروابط، حيث طاول القتل والاعتقال والتهجير عدداً غير قليل من كوادر تمتلك خبرة ورؤية سياسية، وتقدمت الصفوف عناصر أقل عمراً وتجربة، وأكثر حماسة وخضوعاً للمزاجية وردود الأفعال. وأيضاً يصح إرجاع هذا الانطباع إلى غياب قيادة سياسية واضحة الأهداف وتحظى بثقة الناس، ويبدو كما تفاجأت السلطة بالحراك الثوري وقدرته على التوسع والاستمرار تفاجأت به المعارضة أيضاً، وصار موضع سخرية واستهجان من يتجرأ من أطرافها على التبجح والادعاء بأنه قادر على التأثير بهذه التحركات وتوجيهها!.

هو أمر غير مألوف في التاريخ السوري، الذي يعرف بأنه تاريخ أحزاب سياسية، تلك المسافة التي رسمها حراك الناس مع قوى المعارضة، وكيف بدت هذه الأخيرة كما لو أنها تركض لاهثة لتلحق بنبض الشارع، وإذا كان أمراً مفهوماً أن تتدارك المعارضة هذه النقيصة وتسارع لاستحضار دور سياسي نشط يتفاعل مع مطالب الناس وهمومهم، وهو ما حصل بأشكال متنوعة في تونس ومصر واليمن وغيرها، فإن ما ليس مفهوماً أن تستمر هذه المفارقة في الحالة السورية وبعد أكثر من عام ونصف على بدء الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية وفداحة ما قدم من دماء وتضحيات، زاد الطين بلة شعور الناس بعد أن منحوا ثقتهم لأهم أطرافها، بأن المعارضة على كثرتها وتنوعها لم تقدم لهم شيئاً إلى الآن وتبدو كمن تدور في حلقة مفرغة، أمام حاجة ملحة لسد فراغ سياسي حيوي ومد التحركات الشعبية بأسباب الدعم، ما أشاع حالة من الشك حول مواقفها ومدى جديتها في قيادة التغيير، وبأن بعضها يحاول ركوب الموجة، ليبيع ويشتري، على حساب دماء الناس وتضحياتهم!.

وربما كرست هذا الانطباع طرائق انتقال الثورة إلى العمل العسكري، والتي اتسمت بمعظم السمات العفوية التي عرفها الحراك الشعبي، ففكرة حمل السلاح بدأت تلقائية مع الانشقاقات الأولى في صفوف الجيش وكرد فعل ضد القمع والعنف وإطلاق الرصاص على المحتجين العزل، وتنامت تحت ضغط الحاجة كشكل من أشكال الدفاع الذاتي عن النفس وحماية المتظاهرين بما يتوافر من أسلحة بسيطة، والواضح أن تطور العسكرة شهد مساراً تجريبياً، حاكى تجربة الروابط الميدانية والتنسيقيات، عبر تشكيل وحدات محلية منفصلة عن بعضها، أخذت أسماء كتائب أو ألوية، ثم خلق هياكل مناطقية كالمجالس العسكرية في المحافظات والمدن، واستظلت تحت مظلة عامة هي الجيش السوري الحر، الذي بات يضم تشكيلة متنوعة المنابت والأهداف، من منشقين عسكريين ومن مدنيين متطوعين ومن سلفيين وجهاديين وحتى بعض الخارجين عن القانون، لا تحكم هؤلاء قواعد أخلاقية واحدة أو مرجعية واحدة أو خطة عمل مشتركة، بل هم أقرب إلى جماعات وكتائب شبه منظمة تقود المقاومة العسكرية على نمط حرب الشوارع، ما يفسر تواجد عدة فصائل متمايزة في منطقة واحدة تحت اسم الجيش الحر، وغالباً من دون تنسيق جدي بينها أو هو في أضعف حالاته، وأيضاً ظهور أسماء لمجالس عسكرية تتنافس على قيادة هذه الظاهرة.

والأهم أن الكتائب التي تتكاثر اليوم لا ترتبط بحركة سياسية إذ ليس هناك رؤية مسبقة لدى المعارضة بأن المعركة ستخاض عسكرياً مع النظام، بل كانت البرامج والخطط المرسومة تركز على السلمية والتدرجية في إحداث التغيير الديموقراطي، والمعنى أن ليس ثمة طرف معارض فكر مسبقاً ببناء ما يمكن اعتباره الجناح أو الذراع العسكرية كما هي العادة في الحركات التي جمعت بين النضالين السياسي والعسكري، زاد الأمر تعقيداً تبوؤ السلاح والمكون العسكري الدور المقرر والحاسم في أهم المحطات الساخنة.

للعفوية سلبيات تزداد طرداً مع طول فترة المخاض، ويبدو للآسف أن الائتلافات المعارضة لم تتمكن، إلى الآن، من خلق التمفصل الصائب مع المكونين المدني والعسكري لضمان أفضل أداء وأقل الأخطاء والخسائر، ولنقل أخفقت في تنسيق نشاطاتها وتجاوز تشتتها لقيادة نضال منسق كفيل بتبديل المشهد والتوازنات القائمة.

صحيح أن الثورة السورية خرقت كل الحسابات والتوقعات، واستمرت على رغم شدة الفتك والتنكيل، من دون قوى سياسية عريقة تقودها أو شخصيات تاريخية تتصدر صفوفها، وصحيح أن ثمة مبادرات لتنظيم الصفوف وتوحيد الرؤى والمواقف تتوالد ولا بد أن يكتب لها النجاح تحت ضغط الحاجة وحجم التضحيات، لكن ربما صحيح أيضاً تندر البعض، بأنه من حسن حظ الثورة السورية أنها نشأت عفوية واستمرت من دون رأس واضح يديرها أو مخطط يحكمها، وإلا لكان النظام بآلته التدميرية الهائلة قد قطع رأسها ودمر مخططاتها منذ زمن بعيد.

=================

مشكلة المعارضة العسكرية

محمد مجاهد الزيات

عكاظ

31-10-2012

يراهن النظام السوري في إطار مواجهته للثورة الشعبية على استمرار انقسام المعارضة سواء السياسية أو العسكرية، و رغم اتفاق الجميع على أن هدفهم الأساسي هو إسقاط النظام، إلا أن الجهود التي بذلت خاصة على مدى الشهرين الأخيرين لم تنجح حتى الآن في توحيد تلك الفصائل، حيث تتعدد فصائلها، و تختلف توجهات قياداتها، وقد جرت محاولات خلال الأسبوعين الأخيرين لتوحيد أكبر تيارين عسكريين يقودان العمليات في مواجهة جيش النظام، و هما: الجيش الحر، والجيش الوطني السوري إلا أنها لم تكلل بالنجاح حتى الآن.

وإذا ما نظرنا إلى خريطة فصائل المعارضة العسكرية السورية فإننا نلحظ ثلاثة تيارات أساسية يمكن إيضاحها في عدة محاور والتي تتضمن: أن الجيش الحر و بنيته الأساسيه هي القوات التي انشقت عن النظام، بالإضافة إلى آلاف الثوار المدنيين الذين حملوا السلاح، وانخرطوا في العمليات العسكرية. و تتمركز القيادة الرئيسية لهذا التيار في منطقة الحدود التركية، و يحصل على أسلحته عبر تركيا من مصادر مختلفة. والشاهد هنا أن قيادته لا تزال تفتقد سلطات القيادة المركزية التي تمارس التخطيط و التدريب و التسليح. و قد قامت خلال الأسبوع الأخير في إطار سعيها لتحقيق ذلك بتوزيع رواتب لأول مرة على المجموعات والفصائل التي أعلنت انضواءها ضمن جيش سورية الحر لتوزيعها على أفرادها.

كما أن جيش سورية الوطني و هو تيار آخر قام بدور كبير في مواجهة عمليات النظام، و تركز نشاطه في البداية في منطقة حلب، ويضم مجموعات مختلفة تعمل بصورة منفصلة و مناطقية. و قد حاولت قيادات هذا التيار توحيد فصائله تحت قيادة مركزية من خلال تكوين المجالس العسكرية الثورية لكل منطقة، ثم مجلس عسكري ثوري لكل محافظة. إلا أن ذلك الأمر لا يزال في بدايته، و قد رفضت قيادة هذا التيار ولاية قيادة جيش سورية الحر عليه، و رفض العقيد الكعيدي أبرز قياداته ما طرحه العقيد الأسعد قائد التيار الأول من نقل مقر القيادة من الأراضي التركية إلى الداخل باعتبارها قيادة مركزية.

أما الفصائل التي تؤكد مصادر متعددة أن أعدادهم تتراوح بين ألف و ألفي مقاتل، وتنتشر فصائل هذا التيار بصورة أساسيه في منطقة حلب، ودير الزور، و في المسافه بين حلب و دمشق

هكذا تتضح طبيعة الأزمة التي تعاني منها المعارضة العسكرية السورية الأمر الذي لا يوفر لها المناخ اللازم لكسب ثقة الأطراف الدولية المعنية بالأزمة لدعمها بصورة إيجابية حيث لا تزال تتشكك في قدرتها على إدارة الفترة الانتقالية بعد سقوط النظام .

=================

سوريا من سيئ لأسوأ

رأي البيان

التاريخ: 31 أكتوبر 2012

البيان

تعيش سوريا رحى أزمة إنسانية تزداد سوءاً يوما عن الآخر منذ ما يزيد على العام ونصف دون أفق في حل قريب.

هذه الأوضاع المتردية عبر عنها الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي حين قال: إن الوضع في سوريا يسير من سيئ إلى أسوأ ليتزامن حديثه مع سقوط مئات القتلى في «هدنة ورقية» لم يدم حبرها إلا ساعات.

ومع كل يوم يمر تزداد حدة القتال والقصف الجوي وتزداد معه أعداد القتلى والجرحى، وتزداد الأوضاع الإنسانية تدهورا.

إن الوضع الإنساني السوري ينذر بكارثة حقيقية ربما يكون من الصعب تفادي آثارها في المستقبل، فالمنازل التي تهدم والبيوت التي تقصف والأحياء التي تدمر والمستشفيات التي تئن تحت وطأة نقص الدواء والأدوات الطبية نماذج على تدهور الأوضاع بشكل يدعو الجميع للتكاتف من أجل البحث عن أفق لحل لهذه الكارثة.

إن انقسام المجتمع الدولي إزاء ما يجري في سوريا وعدم قدرته على وضع حد للدم المراق يزيد من حجم الأزمة، ويضاعف معاناة السوريين المدنيين الذين لا ذنب لهم إلا أنهم طالبوا بحياة كريمة شأنهم شأن باقي شعوب العالم.

إن مجلس الأمن مدعو للعب دور أكبر في سبيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين الذين يعانون من نقص في كل شيء، الغذاء والدواء والحاجات الأساسية الضرورية. ويجب على المجلس الضغط على الدول الحليفة للنظام لحضه على السماح بوصول المساعدات الإنسانية العاجلة.

كذلك فإن الجامعة العربية يقع على عاتقها أيضا بذل جهد أكبر في هذا الإطار، والسعي للضغط على النظام السوري، فالتقارير الحكومية السورية الرسمية تشير إلى أن حوالي 1.2 مليون شخص يقيمون في مبان عامة كالمدارس بينما يقيم آخرون مع أقاربهم وأصدقائهم.

إن القوى الدولية والإقليمية جميعها مدعوة لمد يد العون لتخفيف معاناة الوضع الإنساني المتدهور في سوريا قبل فوات الأوان.

=================

حزب الله.."الشهادة في ساحات الجهاد"!

2012-10-31 12:00 AM

الوطن السعودية

يبدو أن الأمور باتت لا تحتمل التأويل. حزب الله يشارك بفعالية في الأحداث السورية، ليس من باب النصح والإرشاد، وإنما في القتال الدائر، بعد أن أعيت الحرب وأيامها الطويلة، القوى النظامية وجعلتها في موقف لا تحسد عليه، مع تراجعها في مدينة حلب، واستسلامها للأمر الواقع في معرة النعمان وإدلب وصولا إلى الحدود التركية، مع إبقاء جذوة الثورة مستمرة فيما تبقى من حمص وحماة، ودرعا وريف دمشق، وحتى داخل العاصمة.

كانت عملية اغتيال اللواء وسام الحسن في لبنان في 19 الشهر الجاري، إحدى المؤشرات التي لا تقبل الشك، عن الدور السوري والإيراني، وبالتالي حزب الله، في العمل على نقل الأزمة من سورية إلى لبنان. فاللواء الحسن هو من كشف، بصفته رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، العملية المشبوهة التي أسندها النظام السوري إلى الوزير والنائب السابق اللبناني ميشال سماحة، والمتمثلة بعمليات تفجيرية في مناطق لبنانية الهدف منها إيجاد فتنة مذهبية، وتحويل لبنان كما كان في السابق، إلى ساحة حرب تمتص الثورة السورية، وتحول لبنان إلى ملتقى لأجهزة المخابرات العالمية ولصراعها.

لم تنجح خطة "سماحة - مملوك"، وربما كان اغتيال اللواء الحسن، أبرز تجليات هذا الفشل، لينطلق المتآمرون على لبنان واستقراره إلى المرحلة الثانية من مخططتهم، عبر المشاركة المباشرة في الأحداث السورية، فكانت الحجة القرى السورية الحدودية التي يقطنها مواطنون لبنانيون ينتمون للطائفة الشيعية، كستار لتدخل حزب الله المباشر، تحت مسمى "حمايتهم من الثوار". وسعى حزب الله عبر إعلامه تبرير تدخله، متناسيا أن حماية أي مواطن، في أي بلد في العالم، هو من مهام هذه الدولة، وأن أي تخط لذلك، يعتبر تدخلا سافرا في شؤونها.

إذا كانت الدولة السورية قد تخلت عن حماية مواطنيها، لا بل تعمل بهم قتلا وتشريدا، فما بالك بمواطنين لا يحملون جنسيتها، وهو ما كان ينتظره حزب الله، الذي أوفد قادة عسكريين ومقاتلين لتولي هذه المهمة، عاد بعضهم بالتوابيت "شهداء من ساحات الجهاد"!.

لن تبقى مهمة مقاتلي حزب الله محصورة في حماية اللبنانيين، في الجانب السوري من الحدود، فمقاتلوه تخطوا هذا الأمر، إلى فتح معارك مع الثوار في منطقة حمص، والقصير، وفي الزبداني، مما أعاق عمل الجيش السوري الحر، ومنعه، من السيطرة على مناطق لو أنها سقطت بيديه، لقطعت الطريق على أي تدخل من قبل الحزب في الشؤون السورية.

=================

حلفاء أميركا خائفون من "سوريا" باستثناء إسرائيل

سركيس نعوم

2012-10-31

النهار

نظر مؤيدو الثورة الشعبية السورية على نظام آل الاسد في العالمين العربي والاسلامي بقلق من موقف الرئيس الاميركي باراك اوباما منها في أشهُرِها الاولى. فهو نظر اليها بشيء من العطف والتفهم، لكنه دعا رأس النظام بشار الاسد الى التجاوب مع المطالب الاصلاحية للثوار. وهو لم يتبنَّ دعوة هؤلاء الى تنحّي الاسد وسقوط نظامه الا بعدما تأكد ان الرئيس السوري ليس في وارد الاصلاح الجدي ولا  التنحّي. وتأكد في الوقت نفسه انه في وارد امر واحد هو قمع الثورة بواسطة مُواليه في الجيش النظامي الذين يسيطرون على كل الاسلحة التقليدية وغير التقليدية التي في حوزة سوريا. لكن التبنّي المذكور اعلاه لم يبدد قلق الثوار السوريين الا لمدة قصيرة. ذلك ان اوباما الداعي الى رحيل الاسد لم يمنعه من قمع شعبه ومن تدمير مدن بلاده وبناها التحتية كلها، بل طمأنه، ومن دون ان يقصد ذلك طبعاً، الى ان اميركا لن تقوم بعمل عسكري في سوريا ينصر ثوارها ويساعدهم على تحقيق اهدافهم، والى انها ستتمسك بموقفها هذا طالما استمر الاختلاف في مجلس الامن الدولي على الموضوع السوري، وهو مستمر، والى انها لا تشجّع عملاً عسكرياً منفرداً تقوم به دول اخرى او منظمات اخرى مثل حلف شمال الاطلسي. كما طمأن رفضُ اميركا اوباما اقامة مناطق آمنة داخل سوريا وفرض حظر جوي على الاسد، ودفعه الى الاستشراس في القمع، والى الغرق اكثر في وهم ان حماية روسيا والصين له تنبعان من حاجتهما الى نظامه، وتعكسان رغبته في منازلتهما بل في مصارعتهما او محاربتهما اميركا جدياً. طبعاً لم يعد في امكان اوباما تغيير السياسة السورية لبلاده اليوم. فالانتخابات الرئاسية قريبة وهو مرشح فيها لولاية ثانية. لكن الاسئلة التي تطرح نفسها اليوم هي: هل سيغير اوباما هذه السياسة في حال جدد الناخبون الاميركيون تفويضه رئاسة بلادهم ولاية ثانية؟ وهل سيكون اكثر هجومية على الاسد ونظامه؟ وأكثر تجرؤاً على روسيا والصين؟ وماذا ستكون انعكاسات فوز منافسه الجمهوري ميت رومني على الازمة السورية؟

طبعاً لا احد يمتلك اجوبة نهائية وجازمة عن الاسئلة المطروحة هذه وعن اخرى كثيرة غيرها. لكن عدداً من المتابعين الاميركيين لسياسة بلادهم في المنطقة وللاوضاع فيها يعتقدون انهم يمتلكون بعض الاجوبة انطلاقاً من تحليل واقعي للأوضاع كما من بعض المعلومات والمعطيات المتوافرة لديهم.

وأجوبتهم تشير اولاً الى ان فوز رومني بالرئاسة سيؤخر قراراً اميركياً حاسماً يتعلق بسوريا وما يجري فيها على الاقل حتى منتصف السنة المقبلة. ذلك انه سيكون منشغلاً بتشكيل فريقه وادارته وبتحديد استراتيجيته وأولوياته وما الى ذلك. لكنه بعد انقضاء هذه الفترة سيسلك طريق القوة ضد نظام الاسد حتى ولو تعذَّر الحصول على تغطية من مجلس الامن.

وتشير ثانياً الى ان فوز اوباما سيقصر مدة اتخاذ القرارات الحاسمة في الشأن السوري. لكن نوعيتها لن تكون عسكرية مباشرة، علماً انها قد تؤدي جراء ردود الفعل عليها الى مضاعفات وربما مصادمات عسكرية. وهي تتعلق باقامة منطقة آمنة وبفرض حظر الطيران العسكري السوري في الاجواء السورية.

وتشير الاجوبة ثالثاً الى ان إحجام اميركا اوباما او رومني عن معالجة الوضع السوري جذرياً لا يزعج اسرائيل، لأنها لا تمانع في حرب اهلية طويلة تدمر سوريا العدو الاساسي لها في قلب المنطقة العربية اذا كان انقاذ نظامها متعذراً. لكنه يزعج بل يؤذي حلفاء اميركا مثل تركيا والاردن. ذلك ان الفوضى السورية مع تحوّل الحرب مذهبية اسلامياً، ومع انتشار الاصوليات الاسلامية "الجهادية" والتكفيرية كالفطر، لا بد ان تُعرّض امن الدولتين المذكورتين للخطر الشديد. علماً ان تركيا اساساً تواجه خطرين مهمين، اولهما اكرادها واكراد الدول المجاورة الاخرى، واستيقاظ المذهبية عند علوييها الذي سيؤدي بدوره الى نمو الاصولية المُدمِّرة في رأي الحكّام الاتراك وإن اسلاميين. اما الاردن فإن اسلامييه اساساً اكبر قوة سياسية وشعبية منظمة داخله. وحرب سوريا بدأت تنعكس عليه تسلُّلاً لأصوليين يسميهم هو ارهابيين الى اراضيه، و"تثويراً" لاسلاميي الداخل او بعضهم، الامر الذي يوقعه في الفوضى وفي اخطار اكبر بكثير. وتشير الاجوبة رابعاً الى ان الاسد ونظامه لن "يضاينا" اكثر من سنة اعتباراً من الآن. ويعني ذلك إما سقوطهما وإما انكفاؤهما الى مناطق "عصبية" آل الاسد سواء وُسِّعت أو بقيت على حالها.

هل تصح الاجوبة المذكورة؟ الله اعلم.

=================

لافروف يدفن الابرهيمي بعد أنان؟!

راجح الخوري

2012-10-31

النهار

كان النظام السوري قد شنّ اكثر من ستين غارة جوية على المدن والأرياف عندما وقف سيرغي لافروف والاخضر الابرهيمي في موسكو ليشنّا غارة سياسية على المعارضة السورية، بدت اكثر تدميراً من القنابل الفراغية والبرميلية والصواريخ الروسية التي تلقيها مقاتلات "الميغ"!

فبعد سقوط اكثر من 35 الف قتيل وتدمير نصف سوريا، انهى لافروف المحادثات مع الابرهيمي بالقول: "ان عليهم في الغرب التعود على فكرة انه يصعب تحقيق اي نتيجة من دون حوار مع الحكومة"، بما يعني العودة الى الكلام الذي رفضه المعارضون منذ عام ونصف عام اي ادفنوا قتلاكم وتعالوا الى محاورة النظام، بينما يقول هؤلاء انهم لن يحاوروا القتلة!

عندما اعلن الرفيق سيرغي هذا الموقف ادرك الابرهيمي، ربما، انه سيكون الضحية الثالثة التي سيدفنها الروس والصينيون وممثلهم الخشبي لافروف، الذي سبق له ان دفن نبيل العربي و"المبادرة العربية" وكوفي انان ونقاطه الست، لكن الابرهيمي الذي اعلن انه يقوم بمهمة مستحيلة "عاند" ورد بالقول ان فشل الهدنة التي دعا اليها لمناسبة الاضحى لن يضعف  تصميمه على مواصلة جهوده "لأن سوريا مهمة وشعبها يستحق الحصول على دعمنا"، وليس هناك في الواقع من يدري أين يكون الدعم عندما يتحدث الابرهيمي عن "حرب اهلية" وهو ما دفع حمد بن جاسم الى الرد عليه بالقول: "هذه  ليست حرباً أهلية بل حرب ابادة برخصة دولية"!

اكبر دليل على ان لافروف يريد دفن الابرهيمي دعوته الى ارسال "مراقبين" الى سوريا ومعارضته القوية لفك أسر مجلس الامن لانتداب قوات "حفظ سلام" رغم فشل المراقبين العرب وعقيدهم الدابي والدوليين وجنرالهم روبرت مود. ولكن الابرهيمي الذي بدأ مهمته من دون اي خطة يبدو الآن وبعد سقوط اكثر من اربعة آلاف قتيل منذ بداية عمله وكأنه لا يملك غير الانشاء لوصف الوضع فيقول انه خطير جداً جداً وانه يزداد سوءاً، وهذا ليس خافياً على احد!

ان القراءة الباردة في فصول المأساة السورية الملتهبة تقود الى ثلاثة واهمين كبار في دائرة الازمة، أولهم النظام الذي يقاتل شعبه تحت شعارات محاربة الارهاب مفترضاً انه يمكن العودة الى المستحيل اي السيطرة وحكم البلاد، وثانيهم روسيا التي تشتري مزيداً من الوقت للقتل مفترضة انه يمكن العودة الى مؤتمر جنيف الذي ترى انه يؤمن نافذة  لبقاء بشار الاسد حتى سنة 2014 على الاقل، وثالثهم التنظيمات المعارضة المنقسمة سياسياً والمشرذمة عسكرياً حين ترى انه يمكن تحقيق انتصار كامل على نظام عسكر طائفته بعدما أعدّ العدة منذ زمن للانتقال عند الحشرة الى الجبال واعلان دولته، وهناك واهم رابع هو الابرهيمي الذي يطارد سراب الدم في "مهمة مستحيلة" !

=================

لماذا يسكت المراجع الشيعة عن ما يجري في سوريا؟

عادل الطريفي

الشرق الاوسط

31-10-2012

لطالما كان موضوع تدخل المراجع الشيعة في الشؤون السياسية والاجتماعية محل خلاف فقهي وتاريخي بين الدارسين، فهناك من يؤكد أن المرجعية الإثني عشرية التقليدية في النجف وكربلاء كانت على الدوام لا تحبذ الدخول في معترك السياسة، وأن ذلك الاستثناء لم يتغير حتى جاءت ثورة آية الله الخميني في إيران (1979)، والتي استعانت بمفهوم «ولاية الفقيه» لتأسيس سلطتها الحاكمة، وأنه على الرغم من ذلك ظلت المرجعية التقليدية في قم والنجف غير مؤيدة للولي الفقيه، وإن لم تكن عمليا معارضة له، فيما خلا عددا من المراجع والفقهاء الذي أعلنوا معارضتهم لحكم «الولي الفقيه» خلال العقود الماضية. بيد أن المراجع والفقهاء كانت لهم آراء سياسية هنا وهناك حول بعض الظروف والتحولات السياسية، مما يفتح النقاش أمام الظروف والشروط التي تحتم على المرجع أو الفقيه إعطاء رأيه في نازلة سياسية.

في عمله الموسوعي «جزيرة الخليج الفارسي» (خمسة مجلدات)، يروي المؤرخ جون لويمر (1915) أن المراجع الشيعة كان لهم دور سياسي واضح في إيران والعراق إبان الدولة العثمانية نهاية القرن التاسع عشر، فحينما أدى التبذير الشخصي لمظفر الدين شاه حاكم الدولة القاجارية إلى الاستدانة من الحكومة الروسية اضطر إلى الاستعانة بمفوضين أوروبيين لإعادة تنظيم الجمارك وفرض رسوم على الخمور مما أغضب المراجع في النجف وكربلاء، حيث استصدروا فتاوى ضده الشاه والطائفة البابي، مما أدى لمذابح واضطرابات في 1903، وعلى أثر ذلك اتهم الشاه المراجع بالتدخل في الشأن الدنيوي.

لسنا هنا لمناقشة التاريخ، بل للحديث عن الأزمة السورية التي حصدت حتى الآن ما يقارب 38 ألف قتيل، وشردت ما يزيد على 700 ألف إنسان خارج الحدود، ومثلهم داخل الأراضي السورية. أمام هذه الأزمة الإنسانية والحرب المستمرة ما بين النظام والمتمردين هناك انقسام سياسي وأخلاقي بين المؤيدين لإسقاط النظام وأولئك الذين يقفون إلى جواره مثل النظام الإيراني، وحزب الله في لبنان، وغيرها من الجماعات الأصولية الشيعية.

لا شك أن هناك بعدا طائفيا في الأزمة السورية بين السنة والشيعة، وهناك أيضا محاولات من أطراف وشخصيات سياسية معتدلة لتجنب الاصطدام، ولعل البيان الذي أصدره كل من السيدين محمد الأمين وهاني فحص من لبنان (8 أغسطس/ آب) حول إدانة الجرائم التي يقوم بها النظام السوري وتحذيرهما كلا من السنة والشيعة من الانخراط في الصراع - لا سيما حزب الله - هو من المواقف المشرفة.

بيد أن هنالك احتقانا يتفاقم بين المتطرفين على الجانبين، وللأسف فإن موقف حكومة الرئيس نوري المالكي وحلفائه من دعم نظام الأسد يصب في خانة التأجيج الطائفي. وفي هذا السياق كتب فؤاد عجمي منتقدا المالكي والآخرين الذين لم يتعلموا من ديكتاتورية صدام ليصل بهم الحال إلى السقوط في أحضان المشروع الإيراني الإقليمي لدعم ديكتاتورية الأسد: «سيكون من السخرية المؤلمة إذا ما كان الشيعة قد تغلبوا على ضعفهم التاريخي فقط ليتخلوا عن ضمائرهم، وإحساسهم القوي بالحق، في هذه الصفقة. التمرد السوري هو اختبار للسلامة الأخلاقية للهوية الشيعية. عندما يصل الضحايا إلى السلطة، يجب أن يحذروا من الظلمات التي قد تغري بها السلطة» (كيف تعمى الطائفية الشيعة عن أهوال سوريا، مجلة «ذا نيو ريببلك»: 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2012).

إذا كان هذا التجافي الأخلاقي متوقعا من بعض الساسة الانتهازيين، فماذا عن المراجع الدينيين الذين غالبا ما يصفون أنفسهم بالمدافعين عن الحق؟

للأسف، المتتبع لمواقف المراجع من القضايا السياسية يجد أن البعض منهم لا يتدخل حينما تتعارض مع مصالح مؤسساتهم الدينية، أو تؤثر على جو التوافق السياسي بينهم وبين السلطات الحاكمة. قد يكون منهج الحياد أمرا مقبولا، ولكنه لا يستقيم إذا ما كان يتم إعماله في بعض الحالات، والتنكر له في حالات أخرى. يشير الباحث مهدي خلجي - وهو ابن آية الله محمد تقي خلجي - الذي درس أصول الدين والفقه في الحوزة العلمية في قم (1986-2000) إلى أن الأزمة السورية تمثل تحديا أخلاقيا للمرجعية الشيعية في قم والنجف التي لم تعد مستقلة - برأيه - سياسيا أو ماليا عن الولي الفقيه في إيران، ويؤكد أن التفريق في الإعلام الغربي بين مرجعية قم (الفكرية)، والنجف (الصوفية) بزعم أن الأولى متأثرة بولاية الفقيه فيما الأخرى رافضة له غير صحيح، ويدلل على ذلك بأن المرجع آية الله علي السيستاني لا يسعه التصريح برفض ولاية الفقيه علانية أو معارضة سياسة المرشد علي خامنئي لا سيما تلك حيال سوريا أو لبنان، ولذا يضطر إلى المهادنة كما فعل مراجع آخرون ممن يخشون آلة السلطة في إيران أو سوريا (صمت القبور: لماذا تسكت المرجعيات الشيعية عن قتل المسلمين في سوريا، مجلة «المجلة»: نوفمبر/ تشرين الثاني 2012).

لقد كان للمرجعيات أدوار إيجابية ولا شك في نبذ الطائفية والحفاظ على الوحدة الوطنية في بعض المفاصل التاريخية، ولكن تدخلها في الشأن السياسي أحيانا يضعها في حرج ديني وأخلاقي. المرجع آية الله السيستاني له قبول وتقليد واسع في المجتمعات الشيعية، وكان له صوت إيجابي في حفظ الوحدة العراقية بعد سقوط بغداد في 2003، وانتقد في بيانات كثيرة العنف الطائفي، واستهداف الكنائس المسيحية والمذاهب العراقية الأخرى. كما انتقد كذلك مظاهر الفساد في الحكومة العراقية، ولكن لم تصدر المرجعية أي إدانة لما يقوم به نظام الأسد منذ أكثر من 18 شهرا من قتل ممنهج في سوريا مع أن مكتب السيد السيستاني كان قد أصدر إدانات تتعلق بإسرائيل في حرب 2006، وبيانا بشأن الصورة المسيئة للنبي في الدنمارك، والوضع الفلسطيني في غزة، وغيرها من الشؤون العراقية والإقليمية.

قد يقول قائل إن المرجعية ليست مضطرة لإصدار بيان في كل نازلة سياسية، ولكن إذا كان ذلك صحيحا، فلماذا خرج المتحدث باسم المرجعية ليقول إن السيد السيستاني مستاء ويشجب تعامل السلطات البحرينية مع المظاهرات الشيعية خلال العام الماضي، وقبل ذلك لماذا تدخلت المرجعية في وضع الدستور العراقي وأيضا لماذا أيدت علنا التحالف بين الأحزاب الشيعية الدينية في الانتخابات العراقية، بل وتحاورت مع إدارة الرئيس بوش الابن عدة مرات منذ الغزو؟

ما يجري في سوريا أزمة إقليمية، ولكنها في المقابل أزمة طائفية ولم يتحرك بعض المراجع الكبار لتهدئة الاحتقان الطائفي لسحب البساط من الأطراف المستفيدة من إشعال الفتيل الطائفي. لقد تم مرارا انتقاد رجال الدين السنة في مواقف كثيرة - وينبغي أن يستمر ذلك - حينما استخدموا الفتوى للتدخل في السياسة، وتسببت بعض تلك الفتاوى في دمار هائل وعنف في العراق وغيرها، وانتقد ذلك كتّاب سنة وشيعة وآخرون، ولكن للأسف هناك صمت كبير حين يتعلق الأمر بالمراجع والفقهاء الشيعة الذين يبررون الطائفية أو يستخدمون الفتاوى لمصالحهم الحزبية الضيقة. قليل من يتحدث عن الدور السلبي الذي لعبه بعض الفقهاء والدعاة الشيعة المسيسين في توتير الأوضاع السياسية في البحرين، والكويت، ولبنان، بل ويتم في بعض الأحيان الانتصار للمتطرفين من الإسلام السياسي الشيعي في شرق السعودية، وغيرها.

هنا ينبغي أن يطرح تساؤل هام: هل قام المثقفون الشيعة بما يجب عليهم من نقد للإسلام السياسي الشيعي، واختطافه في كثير من الظروف لصوت الطائفة؟ حتى الآن لا نجد نقدا معقولا إلا من قلة من الفقهاء، وحتى هؤلاء يتم للأسف النيل منهم من قبل الليبراليين الشيعة والسنة على السواء، وهذا واضح في الأزمة اللبنانية، حيث هناك قلة مستضعفة من المثقفين الشيعة القادرة على انتقاد حزب الله بدعوى «المقاومة»، وكأن هذا الخيار السياسي الذي يختطف قرار سلطة الدولة في لبنان مشروع، فيما تطرف الغير مرفوض ومتهم.

في رسالة كتبها المفكر الإيراني المعروف عبد الكريم سروش إلى آية الله خامنئي منتقدا دور المراجع السلبي في السياسة، يقول سروش: «لا بد وأن تقبل النقد حتى نتمكن من الوصول إلى المصالحة الوطنية» (ديسمبر/ كانون الأول 2011)، ولعل هذا ما يحتاجه مراجع الشيعة فيما يتعلق بأزمة سوريا.

=================

الخيار الثالث!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

31-10-2012

لا يقدم النظام السوري لشعبه غير خيار من اثنين: «أحكمكم أو أقتلكم»، و«الإبادة أو الاستسلام». ولا يقبل الشعب السوري ما يقدم له، لأنه خرج بكل بساطة من عالم النظام أو أخرج النظام من عالمه، ولأن الخيار الرسمي لا يترك أي مكان أو دور لإرادته في الحياة العامة، ولا يعد المواطن بأي تغيير في شروط وجوده ووجود وطنه، بل يعده بالعكس: بالحياة في العبودية أو بالعبودية مقابل الحياة.

بالمقابل يقدم الشعب خياره البديل: الديمقراطية والحرية لجميع مواطني سوريا، بغض النظر عن دينهم وانتمائهم القومي ومكانتهم الاجتماعية وثقافتهم.. إلخ، لأنه يرى فيهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، لا فضل لأحد منهم على غيره إلا في خدمة الوطن واحترام القانون، فهم سواسية كأسنان المشط، لديهم فرص متساوية في الحياة، مهما اختلفت مؤهلاتهم ومواهبهم ومواقعهم في الواقع.

في مقابل بديل النظام العنيف إلى درجة الوحشية، يقدم الشعب بديلا إنسانيا راقيا ومدنيا من شأن تحقيقه نزع العنف من المجتمع ؛ بديل يناقض ما يشيعه أتباع النظام حول خطر البديل الديمقراطي الحر على فئات مجتمعية موالية له، ليس فقط لأن حكم القانون يحمي الأفراد، وتوافق المجتمع على حقوق المواطنين المتساوية يصون حياتهم ويكفل وجودهم الآمن، بل قبل هذا وذاك لأن في الحراك الدائر منذ أكثر من سنة ونصف شركاء من جميع طوائف السوريين ومنابتهم، ينشطون في أكثر مناطق سوريا خطورة كضواحي دمشق الشرقية والجنوبية والغربية، حيث يعمل ببسالة نادرة شبان علويون ومسيحيون ودروز وإسماعيليون مع التنسيقيات المحلية، دون أن يكون هناك أي تمييز ضدهم أو أي قدر من عدم الثقة فيهم، أو أن يتم تكليفهم بأخطر المهام، التي تتطلب استعدادا كبيرا للتضحية بالذات. هذه المساواة أمام الحرية وفي الوطنية، قائمة الآن في أماكن كثيرة، وليست وعدا يمكن نقضه والتنكر له، أو منة يقدمها طرف لغيره، ويقيني أن أبناء دوما وحرستا والكسوة والمعضمية وجوبر وبقية مناطق الغوطتين ودمشق، يختزنون في ذاكرتهم قصص الشهداء من طوائف سوريا المختلفة، الذين نزلوا معهم إلى الساحات وشاركوهم الهتافات وتزعموا المظاهرات، وجُرحوا وقُتلوا كما جُرح وقُتل غيرهم، وأدانوا بغضب الطائفية والتمييز وظلم السلطة للشعب، ورقصوا وقفزوا وهم يرفعون قبضاتهم ويصيحون: «واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد»، و«أنا سني وأنا علوي، ومسيحي، أنا درزي وإسماعيلي، أنا سوري»، و«حرية للأبد غصبا عنك يا ولد». لقد سقط كثيرون من هؤلاء شهداء، أو تعرضوا لتعذيب وحشي لا يتصوره عقل أو يتحمله بشر. ولعل «زياد ومروان» ولدا أحد أصدقاء الشعب المعروفين الشاعر والكاتب والمترجم والمسرحي والروائي الكبير الراحل ممدوح عدوان، كانا من أوائل من تنقلوا في الأرياف الدمشقية للمشاركة في إطلاق المظاهرات، الوطنية والسلمية، وتعرضوا مرات متلاحقة للاعتقال والتعذيب الشديد، مثلما تعرض له شبان وشابات من القصاع المسيحي أسسوا قبل بداية الثورة تنسيقية ضمت المئات منهم، وقامت بنشاط مميز في دمشق بكاملها، بينما أدت مشاركة 20 فتاة مسيحية من القصاع والصلبان تتدلى من أعناقهن في جنازة حاشدة في حي القابون إلى مظاهرة فرح غامر وسط مأساة الموت العامة، حتى إن شيخا من البلدة طلب إلى المتظاهرين أن يقولوا «محبة» كلما هتفوا «الله أكبر»، ليصير الهتاف «الله أكبر، محبة»، في تعبير جلي عن وحدة روح الشعب.

ليس وعد المساواة أمرا غامضا وفي ضمير الغيب، بل هو سلوك يومي، عملي وميداني ومتحقق، لن تعود الكتل الشعبية الكبرى من السوريين عنه، بما أنه تعبير حي عن مدنية ورقي ما تنشده وتقوم به، وعن أخلاقية من تعلموا درس الاستبداد، وفهموا أن التسامح والنزعة الإنسانية هما أفضل رد عليه، وأن فيهما ضمانة قد تمنع انبعاثه في أشكال جديدة، بعد سقوط النظام الحالي، وأن المسألة المطروحة اليوم تتخطى الموقف من النظام إلى الموقف من الجماعة الوطنية، التي بذل بالأمس كل جهد ممكن لتدميرها وشقها وزرعها بعناصر التفجر والصراع، ولا بد من الحفاظ عليها كجماعة واحدة وموحدة، ومن حمايتها ضد جرائمه وانعكاساتها، لأن سوريا يجب أن تقوم ببداية جديدة بريئة من الفساد والإفساد، ومن الحقد والانتقام، وإلا بقي النظام أو أعيد إنتاجه في أشكال وممارسات متجددة، وضاعت تضحيات شعب واحد للتخلص من نظام عرّض كل واحد فيهم لظلم لا يغتفر.

هل سيبني السوريون نظاما جديدا ينطلق مما أفسده النظام الحالي بسبب ما أقامه من علاقات بين السلطة والمواطنين وبين هؤلاء بعضهم مع بعض، أم سينطلق من مبادئ مدنية ودستورية ووطنية وأخلاقية نقيضة، تساوي بين جميع السوريين في المواطنة، وتعينهم جميعهم من خلال الحرية، التي تتطلب إقامة نظام عدالة ومساواة ينعم كل مواطن فيه بحقوق وواجبات واحدة لا يستثنى أحد منها. هذا هو السؤال الجوهري اليوم وغدا، وهو السؤال الذي سيلعب دورا مهما في حسم الصراع لصالح الشعب.

إن من يريد الانطلاق من إرث النظام لا يريد الديمقراطية والحرية، أما من يريد فتح صفحة جديدة في كتاب الحرية والكرامة، الذي أسهم السوريون كلهم بدرجات متفاوتة في كتابته، فهو لن يسمح، ولا يجوز أن يسمح، تحت أي ظرف من الظروف، بقيام نظام إقصائي أو تمييزي، حتى إن كان سيطبق على مواطن سوري واحد، فالقضية في النهاية نوعية وليست كمية، مبدئية وليست عشوائية، والبشر ليسوا ولا يجوز أن يكونوا أرقاما أو كما أو أن يعاملوا كأرقام وككم، وهم يقاسون بأدوارهم كأفراد لا حدود لقيمة كل واحد منهم، ولا يجوز أن ينظر إليهم نظرة إجمالية تتجاوز قيمتهم كأفراد. بهذا الفهم، يجب أن تنطلق سوريا الجديدة من حرية كل مواطن فيها، وأن لا تنطلق من مواريث نظامها البائد مع ما تحمله من مشكلات أراد بها كبح وعي الحرية ومنع السير نحوها والنضال في سبيلها، فلا مفر من تخطي هذه المواريث والانطلاق من أسس عيش وتعامل وتعاقد ديمقراطية لحمتها وسدتها الحرية، إن كنا قد تعلمنا حقا درس الاستبداد وطورنا ردودا تاريخية ملائمة. هذا هو الخيار الذي لا يجوز أن يكون لدينا أي خيار غيره، إن كانت بلادنا ستنجو حقا من الكارثة التي حلت بها يوم 8 مارس (آذار) عام 1963، ومن الكوارث التي ستواجهها مستقبلا من ذيول النظام، إن لم نفعل كل ما هو ضروري للخروج من الاستبداد في مختلف تجلياته وأشكاله، وعلى رأسها منبعه الرئيس: التمييز بين المواطنين ووضع القانون في خدمة مصالح شخصية.

هل كانت الثورة ستستمر دون تفوقها الأخلاقي والمدني، ودون مشاركة المواطنين المفتوحة فيها وتضحياتهم من أجلها، والخيار الثالث، الذي يمثل بديلا وطنيا وإنسانيا يصنعه اليوم كل حر وراغب في الحرية من السوريين، بعد عقود الهلاك الاستبدادي الزائل، التي لا بد أن نطهر حياتنا منها بأي ثمن كان؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ