ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 30/10/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

29-10-2012

سورية وديمقراطية الذئاب اليانكية

صبحي حديدي

2012-10-28

القدس العربي 

عن الفارق، في الموقف من الانتفاضة السورية، بين المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية، الرئيس الحالي باراك أوباما، وخصمه المرشح الجمهوري ميت رومني؛ وجدتني أعود بصديقي السائل إلى أمريكا أواخر القرن الثامن عشر، وإلى سياسي وكاتب وعالِم وموسيقي يحلو لأبناء العمّ سام أن يطلقوا عليه صفة 'الأمريكي الأوّل'. ففي تعريفه لمعنى الديمقراطية، قال بنجامين فرنكلين (1706 ـ 1790): 'إنها اجتماع ذئبَيْن على خروف، والهدف هو التصويت لاختيار طعام العشاء'. وأياً كانت مضامين الاختلاف بين أوباما ورومني، سواء تلك المعلَنة أم المخفية، وعلى مستوى الأقوال أم الأفعال، فإنّ الخلاصة البسيطة هي افتراق في البلاغة واللفظ و'الزعبرة'، حسب التعريف الشعبي الأفضل للنفاق الديماغوجي؛ واتفاق مذهل في طبيعة الإجراءات على الأرض، سياسياً أو دبلوماسياً أو عسكرياً.

ولأني من المؤمنين ـ بل المحاربين القدماء، كما أجيز لنفسي القول ـ بأنّ السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، بصرف النظر عن هوية شاغل البيت الأبيض، تبدأ من رعاية مصالح إسرائيل، وإليها تنتهي؛ ثمّ لأنّ مصلحة إسرائيل تقتضي اليوم، كما كانت طيلة حكم حافظ الأســــد ووريثه، إطــــالة عمـــر هذا النظام ما أمكن، وتخريب سورية أكثر فأكثر؛ فإنّ رومني في يقيني هو نسخة كربون، أو يكاد، عن منافسه أوباما. بيد أنّ إيماني العميق بأنّ انتفاضة الشعب السوري سائرة إلى نصر مؤزر، تاريخي واستثنائي وصانع لأكثر من أمثولة كفاحية، سياسية واجتماعية وأخلاقية وثقافية، وأنّ هذا النظام زائل لا محالة، سائر حثيثاً إلى مزابل تواريخ الشعوب؛ فإنني أكملت لصديقي السائل الشطر الثاني من تعريف فرنكلين: 'وأمّا الحرّية فهي خروف جيّد التسلّح، يأبى ذلك التصويت'!

فإذا توقف المرء عند مستوى آخر من تعامل ساسة أمريكا مع ملفّ الانتفاضة السورية، وانتقل إلى بنات العمّ سام هذه المرّة، فإنّ النموذج الأبرز (بمعنى الصخب والعنف والضجيج والعجيج...) هو السيدة كرستين أودونيل، التي استحقت صفة النجم الصاعد في صفوف قيادات ما يُسمّى 'حزب الشاي'، منذ انتصارها المفاجىء على مايكل كاسل، مرشح الجمهوريين في انتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير، الذي سبق له أن انتُخب تسع دورات. ورغم أنها خسرت الجولة أمام الديمقراطي كريس كوونز، فإنّ نجم أودونيل واصل صعوده في صفوف جماعة الشاي هؤلاء، وكذلك في أوساط المحافظين واليمين المسيحي الكلاسيكي عموماً، وذلك بفضل معارضتها الشرسة للإجهاض، وللمثلية الجنسية، والاتصال الجنسي قبل الزواج، و... الاستمناء، أيضاً! وهذه السيدة لا تكفّ عن انتقاد أوباما لأنه لم يطح بالأسد بعد (فتسأله، مثلاً: هل تنتظر أن يبلغ عدد القتلى مئة كلّ يوم؟ متناسية، أو ربما جاهلة، أنّ الرقم تحقق ويتحقق منذ أشهر!)، أو لأنّ أقصى جهده في خدمة المعارضة السورية هو تشكيل مجموعة 'أصدقاء سورية'، أو لأنّ الخزانة الأمريكية لم تعد 'المتمردين' إلا بمعونات لا تتجاوز 45 مليون دولار...

كلام حقّ، يُراد به باطل؟ ليته توقف هنا، إذْ أنّ هذه الانتقادات ليست إلا واجهة 'الزعبرة'، التي تتيح لسيّدة الشاي هذه أن تدسّ رسائل كره متعددة المستويات؛ ضدّ المسلمين أجمعين (لأنهم غير جديرين بالديمقراطية)، وضدّ انتفاضات 'الربيع العربي' من مشرقها إلى مغربها (لأنها، على غرار الديمقراطية الألمانية في ثلاثينيات القرن الماضي، التي جلبت نازية أدولف هتلر، يمكن أن تجلب 'النازية المسلمة').

فلماذا توجيه اللوم إلى أوباما، إذاً؟ أليس حرياً به المديح لأنه يوقف مدّ 'النازية المسلمة' هذه، ويُبقي على أنظمة الاستبداد العربية، بوصفها حليفة الولايات المتحدة في نهاية المطاف، أو هي 'الشيطان الذي نعرف' في أسوأ الشرور؟

لأنّ أمريكا يجب ان تقود الكون، بعجره وبجره، تردّ أودونيل؛ ولأنّ أمريكا، بعد الاتكال على الله والآباء المؤسسين و فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية 'نهاية التاريخ' الشهيرة، لا تستطيع التملص من تحديات هوية القوّة العظمى، في القرن الحادي والعشرين: الولايات المتحدة سوف تواجه التحدّيات، وستنجح، وستنتصر؛ ليس في مسائل السياسة وقيادة الكون واختتام التواريخ والظفر في صراع الحضارات، فحسب؛ بل كذلك في المصالحة بين الثقافة الأنغلو ـ بروتستانتية والثقافة الإسبانية ـ اللاتينية الكاثوليكية، وكذلك: في هداية البشرية إلى هذا الصلح الأقدس!

ليس غريباً، والحال هذه، أن ينتقل حال أودونيل من منظور يضعها في خانة المشعوِذات (اضطرّت للإقرار، بضغط من مشاهد فيديو انتشرت كالنار في الهشيم، أنها 'تعاطت' السحر والشعوذة ذات يوم، ولكن من موقع 'الهواية' وليس 'الاحتراف')؛ إلى منظور آخر قادم يرتقي بها إلى مصافّ الرائيات اللواتي امتلكن باصرة في الرؤية الخارقة البعيدة، أين منها ما امتلكته زرقاء اليمامة في تراثنا العربي! ولكي لا تنقطع عن فلسفة فوكوياما في القراءة البيولوجية للتاريخ وللسياسة، كانت أودونيل قد سخرت من نظرية شارلز دارون حول النشوء والارتقاء، فسألت: إذا صحّت تلك النظرية، فلماذا توقفت القردة عن التحوّل؟

وبين أوباما ورومني وأودونيل، ثمة تلك الطــــامة الكبـــرى التي تقود بعض أطراف المعارضة السورية إلى اختيار دور القرد الذي لا يتحوّل، بدل الخروف الذي يقاوم، في محفل ذئاب تتعارك في ما بينها، ثمّ تنتهي إلى التصويت على طبق العشاء: الخروف، إياه!

=================

ماذا بعد انهيار الهدنة؟

رأي القدس

2012-10-28

القدس العربي 

لم نعلق الكثير من الآمال على هدنة عيد الاضحى التي توصل اليها السيد الاخضر الابراهيمي من خلال اتصالاته المكثفة مع السلطات السورية والمعارضة المسلحة التي تريد ازاحتها من الحكم، ولكننا كنا نأمل، مثل الكثيرين غيرنا، بفترة التقاط للانفاس، ووقف لاعمال القتل والدمار لبضعة ايام حتى يتمكن السوريون، من الاحتفال بالعيد لبضعة ايام بعيدا عن السيارات المفخخة وقصف الطائرات والمدفعية الثقيلة والصواريخ.

انهيار هدنة السيد الابراهيمي، او بالاحرى عدم الالتزام بها، كان متوقعا، خاصة ان نوايا الطرفين لم تكن صافية، فالنظام يريد استمرار حلوله العسكرية، والمعارضة المسلحة بفصائلها كافة تعتقد ان مواصلة القتال حتى اطاحة النظام هي السبيل الوحيد لتحقيق اهدافها.

الامور عادت الى وضعها الطبيعي، بل لم تحد عنه في الاساس، حيث استمرت الخروقات للاتفاق وبطرق اكثر عنفا ودموية، حيث تؤكد المصادر المستقلة سقوط اكثر من 250 شهيدا حتى كتابة هذه السطور في اليومين الماضيين فقط، اي منذ اعلان التوصل الى هذه الهدنة.

لا نعرف ما هي خطة السيد الابراهيمي للايام المقبلة، وما اذا بقي في جعبته من حيل جديدة بعد فشل آخرها المتعلق بالهدنة، لكن ما نعرفه ان مئات الشهداء سيسقطون في الايام المقبلة، وعشرات الآلاف من السوريين سينضمون الى قوائم واحصاءات الامم المتحدة للاجئين.

السيد الابراهيمي ليس ذلك الشخص الذي يعترف بالفشل، ويسارع الى تقديم استقالته، وانهاء مهمته بالتالي، على غرار رئيسه الاسبق كوفي عنان، ولهذا نتوقع ان يواصل تنقلاته بين نيويورك والعواصم العربية والعالمية بحثا عن مخرج.

المحطة الاولى للسيد الابراهيمي، في جولته المكوكية الجديدة ستكون العاصمة الصينية بكين، ثم يطير بعدها الى موسكو، قبل ان يتوجه الى مجلس الامن الدولي في نيويورك لتقديم تقرير جديد عن زيارتيه يقال انه يتضمن افكارا جديدة.

مهمة الابراهيمي الجديدة في موسكو وبكين تتلخص في محاولة اقناع قيادتيهما بالتعاون مع مجلس الامن الدولي، والضغط على سورية ونظامها لتطبيق اتفاق مجموعة التواصل الدولية اثناء اجتماعها في جنيف قبل بضعة اشهر الذي ينص على انتقال سلمي للسلطة.

فرص فشل هذه المهمة اكبر بكثير من فرص نجاحها، لان الجانبين، الروسي والصيني، مصممان على دعم النظامين السوري والايراني معا، ومنع اي تدخل عسكري دولي، وعرقلة اي جهود في مجلس الامن الدولي يمكن ان تشرع مثل هذا التدخل.

المؤلم ان دوامة القتل وسفك الدماء ستستمر في سورية التي تحولت الى ميدان صراع للدول العظمى، وللدول الاقليمية في آن، والضحية هو الشعب السوري بشقيه، المؤيد للنظام او المعارض له.

لا نعرف ما اذا كان علينا ان ننتظر الى العيد المقبل حتى نحلم بمشروع هدنة جديدة؟ لا نعتقد، فلا احد يستطيع ان يتنبأ بالحال الذي ستكون عليه المنطقة، ناهيك عن سورية، بعد اسابيع او اشهر، الامر الوحيد المؤكد ان السيد الابراهيمي سيعود الى تقاعده المريح قبل حلول العيد المقبل بكثير.

=================

سورية وثورتها.. أسئلة

فراس قصاص

2012-10-28

القدس العربي

لم تنتصر الثورة السورية بعد أكثر من سنة ونصف على اندلاعها ولم ينهزم الاستبداد في سورية على الشاكلة التي حصلت في تونس ومصر وليبيا واليمن رغم البطولة الخرافية والتضحيات الكبرى التي قدمها الشعب السوري. سقط حتى الآن في سورية اكثر من أربعين الف سوري بالإضافة الى مئات الآلاف من الجرحى ومئات الآلاف من اللاجئين خارج سورية والنازحين داخلها ولم يزل بشار الاسد على رأس السلطة في سورية ونظامه يبدو متماسكا بالنسبة للكثيرين، ولا شيء يدعو الى توقع سقوطه في المدى قريب . فما الذي ميز الوضع السوري حتى تتفارق التفاصيل والمسارات بين الثورة السورية من جهة والثورات العربية من جهة أخرى ؟وهل ستنتصر الثورة السورية وتتحقق في حياة السوريين أم أنها أيضا لن تشبه مثيلاتها في البلدان العربية الاخرى في المآل النهائي؟

اشتعلت الثورة السورية في واقع سوري، ذاتي وموضوعي معقد للغاية، معقد محليا حيث التعدد السوري الديني والإثني والمذهبي المتحكّم به سياسيا من قبل السلطة السورية المستبدة لمصلحة استمرار هيمنتها على الحياة العامة ولجهة ربط مصير سورية واستمرارها موحدة وآمنة بدوام استمرار ذلك النموذج من الحكم فيها، وحيث يتوافر إرث للسلطة يمتد لعقود نوّعت فيه أشكال تحالفاتها وشيدت شبكات متعددة لمصالحها. معقد إقليميا حيث الصراع العربي الاسرائيلي يتفاعل مع اختلاف الابعاد السوسيولوجية/السياسية المعينة لشعوب المنطقة الحاصل جزئيا على خلفية التأثر بتراثاتها الدينية والمذهبية المغلقة على اشكاليات قديمة مترافقا مع التمايز الأيديولوجي والنشأوي للأنظمة العربية والإقليمية الضابطة لسير مجتمعاتها بشمولية عالية النسبة بما يرسم خطوطا ومحاور سياسية في المنطقة لها امتداداتها الشعبية، متنافسة بالضرورة ومتعارضة في كثير من الاحيان. معقد دوليا حيث تشهد الساحة الدولية خلخلة في صفوفها الأمامية، يصنعها تعاظم لموقع الصين الاقتصادي والدولي وإرادات ناشئة لروسيا الجديدة في استعادة موقع رئيس في القطبية الدولية كرد فعل على تعافيها الاقتصادي وما تعتبره استخفافا بها وتجاهلا لمصالحها وتوسعا لقوى منافسة على حساب امنها القومي، وأزمة مالية عالمية تطال أكثر من سواها الدول الغربية والولايات المتحدة النافذة في الساحة الدولية معدلة بجداولها السياسية التقليدية عن الاولويات تاركة إياها نهبا لأوضاعها ومشاكلها الداخلية، كل ذلك مضافا اليه مصادفة أن العام الحالي للثورة السورية يحل وعددا مهما ورئيسا من الدول الفاعلة في المجتمع الدولي ينتظر المرور في مرحلة انتخابات وإعادة افراز رؤوس لأنظمتها السياسية وما يتركه ذلك عليها من آثار متفاوتة إزاء الملفات الخارجية وحسم مواقفها منها.

لكن الوضع في سورية وتأخر انتصار ثورتها واستمرار مقاومة نظام الأسد لما قيل عن حتمية سقوطه، يبدو بحسب ما تذهب هذه السطور اليه وأثناء محاولة الاجابة عما حدث للثورة ، ليس نتيجة لجملة التعقيدات تلك فقط، والتي لا يتحمل السوري، ثائرا أو سياسيا داعما، اي مسؤولية لوجودها، وإنما يتحمل المسار السياسي الداعم للثورة، ذلك الذي رسمته وتقوم عليه المعارضة السورية، نصيبا مهما في الاعاقة التي لم تزل تواجهها فصول الثورة السورية ويومياتها، فالتعاطي السياسي المعارض مع الواقع المتشابك والمتفاقم التعقيد الذي تعاني منه الثورة السورية كان سيئا للغاية، بل ربما كان صعبا تصور أشكال اخرى من التعاطي السياسي المعارض مع الثورة وإدارة ملفاتها السياسية أكثر سوءا مما كان ،فالعقد والتورمات الأيديولوجية والسياج الدوغمائي الذي ساعدها على تشييده تراث طويل من قمع النظام لها، فصل المعارضة السورية عن الواقع السوري الناشئ مع الثورة ومنعها عن ممارسة السياسة في بعدها البراغماتي كما حجبها عن الممكنات العملية التي تتيح لها التنسيق والتواصل والتأثير والتأثر فيما بينها وبين الفعاليات الثورية والقائمة على الثورة والمعارضة لها، وبدلا من أن تحاول تطويع المعيقات الاقليمية والدولية لنجاح الثورة السورية بالقدر الممكن فاقمتها وزادت من حدتها ،فشوشت بتعارضاتها وقراءاتها المختلفة وتشككاتها ذات الاصل الايديولوجي بالدول والأنظمة السياسية الفاعلة في الوضع السوري صورة الثورة السورية وأثرت بالتالي في الموقف منها. كما أنها لم تحسن التفاعل مع مواقف المجتمع الدولي المتضامنة أو المناهضة لثورة الشعب السوري معتبرة أنها مواقف تخضع لستاتيك ينتج كمحصلة لمعادلة المصالح الدولية لتتعامل مع الدول بوصفها أفرادا ذات مصالح مسبقة وليس باعتبار كل منها منظومة من المؤسسات المعقدة والمترابطة التي تستمد قراراتها ومواقفها من توازنات داخلية و قراءات تتأثر بشكل استراتيجي وكبير بالرأي العام في مجتمعاتها. وبالتالي يمكن محاولة النفاذ الى إراداتها عبر النفاذ والتأثير بعوامل صنع القرار فيها وآلياته.

بيد أن النظر إلى المشهد السوري المتفجر من الزاوية التاريخية، رغم كل ما سبق وكل الفاتورة البشرية والوطنية الباهظة التي يدفعها السوريون ثمنا والتي قد تستمر آثارها فترة طويلة، يوضح أنه ليس ممكنا بأي حال من الأحوال فشل الثورة السورية حتى والنظام المستبد يبدي ما يبديه من استشراس دفاعي عن وجوده. لماذا؟ لأنها نجحت بالفعل في تقويض شرعية الواقع القديم في سورية و فككت أبنيته ومسوغاته، ولم يبق سوى وضع الشكل الذي سيدفن فيه مع تحديد كم ستبلغ الخسائر والتضحيات بعد وكم ستستمر. وعلى الرغم من كل الألم الذي يصيب المرء وهو يراقب القيح الذي يطفو على السطح مع الكم الهائل من الوجع السوري، إلا أنها الثورات، غالبا ما تصنع هكذا في مجتمعاتها. خصوصا حينما تكون عميقة وجذرية.

=================

الهدنة الفاشلة

من الواضح أن جهود الإبراهيمي ستؤول للفشل كما آلت جهود من قبله

إبراهيم محمد باداود

الإثنين 29/10/2012

المدينة

فشلت هدنة العيد كما كان متوقعاً لها والتي روّج لها لعدة أسابيع المبعوث الأممي العربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، حيث دعا قوات النظام والجيش الحر إلى وقف إطلاق النار وذلك بعد لقائه بشار الأسد وكذلك قيادات الجيش الحر، وفي اعتقادي أن من يريد الهدنة رغبة في حل سلمي فلن ينتظر حلولا مناسبة كعيد أو غيره بل سيبادر لها منذ أكثر من عام ونصف ولكنه مسلسل يتواصل، فبعد فشل الهدنة ستشكل لجان لبحث أسباب اختراق الهدنة وتمضي الأيام والأسابيع والشهور ونحن نراوح مكاننا، والدم السوري النقي الطاهر يسيل في كل مدينة من المدن السورية.

لقد أصبحت الجهود الدولية الراغبة في كسب مزيد من الوقت لأطراف محددة في الصراع مفضوحة ومن الواضح أن جهود الإبراهيمي ستؤول للفشل كما آلت جهود مَن قبله كوفي عنان ولعل موافقة الأسد على الهدنة ومن خلفه معاونوه من الجيش وحزب الشيطان هي لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب قواتهم التي تعاني الأمرين ميدانياً وفي تقهقر مستمر، إذ إن معظم الأخبار التي تصل تؤكد فشل قوات النظام في السيطرة على أرض المعركة ميدانياً واعتماده فقط على الضربات الجوية التي ساهمت صواريخ ستينجر في الحد منها وذلك من خلال إسقاط العديد من الطائرات مؤخراً.

المشكلة إننا نعي تماماً أن هناك فارقا كبيرا في الرؤية لما يحدث اليوم في سوريا فدولياً يتم التعامل معه من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية وغيرها من المنظمات الدولية وكأنه لعبة سياسية تهدف إلى الوصول إلى حلول سلمية ترضي كافة الأطراف في المنطقة وتؤدي إلى حل سلمي يحفظ ماء وجه النظام الحالي، ومايحدث ميدانياً بعيد تماماً عن هذا الميدان السياسي إذ يتم التعامل مع الحدث بأنه معركة حربية بين نظام بائد وبين شعب مقهور حريسعى لنيل كرامته وقدم حتى الآن أكثر من 30 ألف شهيد ولايزال والتاريخ يؤكد وكما حدث في غيرها من الثورات ومهما طال الزمن فلن تقف هناك قوة أمام رغبات الشعوب حتى آخر قطرة دم ولن تنفع الحلول السياسية بعد كل هذه التضحيات.

=================

ما بعد الهدنة السورية المزعومة

2012-10-29 12:00 AM

الوطن السعودية

منذ بداية هدنة العيد بين الأطراف المتنازعة في سورية، كانت احتمالات انتهاكها أرجح من الالتزام بها، وبناء عليها خرج كثير من السوريين للتظاهر في مناطق مختلفة على اعتبار أن النظام سوف يلتزم بتعهده، لكن الأمن أطلق النار عليهم والطائرات والدبابات أرسلت قذائفها فسقط كثير من القتلى. واستمرت الأمور تتصاعد خلال الأيام الثلاثة الأولى لعيد الأضحى، مما أجهض الهدنة، مثلما حدث في المبادرات السابقة التي تسبب النظام السوري في فشلها برغم موافقته عليها، بما فيها مجموعات المراقبين العرب أو الدوليين إذ مارس ألاعيبه وأطلق النار على المتظاهرين ناسبا الفعل لعصابات مسلحة مدعيا تدخله لحماية مواطنيه، وكأنه يتعمد الموافقة وهو يضمر العكس.

الهدنة بالنسبة للمواطنين السوريين في الداخل لم تكن هدنة بقدر ما هي مساحة زمنية يفترض أنها آمنة، يقومون خلالها بدفن الموتى ورفع الأنقاض لانتشال الجثث وتأمين الغذاء وما يقي الناس برد الشتاء. غير أن تلك المساحة لم تكن وفق المأمول، فالنظام الذي استغل الوقت بالقتل حتى آخر لحظة قبل الهدنة وقتل حوالي 200 مواطن في اليوم الذي سبقها، واشترط عدم تحرك خصومه وإعادة انتشارهم، لم يكن قادرا على تحمل المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بسقوطه، فادّعى اختراق شروطه الهلامية غير الدقيقة، ولعله أيضا نفّذ تفجير دمشق في أول أيام العيد ليقول بأن ذلك من عمل "الجماعات الإرهابية"، وهو ما سارعت موسكو بتصرف مريب للمطالبة بإدانته في مجلس الأمن الذي لم يقبل بذلك.

أحداث الأيام الثلاثة الماضية تؤكد أن الهدنة المزعومة غير موجودة وموافقة النظام عليها لا تتجاوز التلاعب المتعمد. وهذا يعني ضرورة تناسيها والتفكير بالمرحلة التي بعدها. وقد يكون أفضل ما يقوم به المجتمع الدولي أن يفرض بقرار أممي تطبيقا فعليا لهدنة طويلة يتم خلالها إيصال المعونات إلى كل المحتاجين، والعمل على إقناع بشار الأسد ومن معه أن النظام انتهى، وأن إرادة شعبه أقوى منه، فيغادر مسلما شؤون الدولة لحكومة انتقالية، ليحفظ كثيرا من أرواح أبناء الشعب. وإن لم يقبل فلا بد من البحث عاجلا في الحلول غير السياسية التي عطلتها ممارسات النظام السوري.

=================

روسيا تحدّد سقوفاً لحلّ  الصراع السوري

روزانا بومنصف

2012-10-29

النهار

استبقت روسيا في الوقت الضائع الفاصل عن موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية الاسبوع المقبل، اي تقويم دولي لنجاح الهدنة التي سعى اليها الموفد الدولي الى سوريا الاخضر الابرهيمي خلال الاسابيع الاخيرة باتهام المعارضة السورية في اليوم الثاني من هدنة عيد الاضحى بخرق هذه الهدنة، الا ان روسيا سارعت الى تبرير انتهاكات النظام لها قبل ان تسمح للدول الغربية بتوجيه الاتهامات في هذا الاطار الى النظام بعدم احترامه التعهدات الشفوية، علما ان احدا في المجتمع الدولي لم يكن يتوقع فعلا سريان الهدنة ولو اعلن النظام انه سيلتزمها. فعلى رغم الدعم الاقليمي والدولي الذي اعلن لمهمة الابرهيمي، فان التعامل مع خطته هو اقرب الى تمرير الوقت باقل كلفة ممكنة. في المقابل، سعى السوريون الى وضع التزام النظام على المحك بسرعة خلال ايام هدنة مشكوك في حصولها، وذلك من خلال تحدي الخروج في تظاهرات حاشدة شبيهة بالتظاهرات الشهيرة بايام الجمعة، مما هدد باعادة الوضع الى المربع الاول بالنسبة الى النظام في كسب المعارضة هامش التحرك السلمي الواسع المهدد له فعليا. ويأتي الاتهام الروسي عشية توجه الابرهيمي الى موسكو للقاء المسؤولين الروس والبحث في تطورات الحرب على نحو استباقي ايضا لأي تقويم للابرهيمي نفسه للهدنة ومدى نجاحه في هذه الخطوة الاولى على طريق مساعيه لايجاد حل او عدمه. وهو ما اعتبرته هذه الاوساط تحديدا مسبقا من روسيا لسقف المناقشات المحتملة معها في المخارج الممكنة لهذه الحرب، على قاعدة ان هذه الخطوة او المحاولة الاولى فشلت ويجب البحث عن بدائل لمقاربة الحل في سوريا. وهو الامر الذي يسري جنبا الى جنب في موازاة ما اعلنته روسيا ايضا الاسبوع الماضي من ان نظام الرئيس بشار الاسد لا يزال يعتبر حاميا للاقليات ولا يزال يحظى بدعم ثلث المواطنين السوريين. ومع ان الموقف الاخير ينطوي ضمنا على الاقرار الروسي بتراجع الدعم الشعبي للرئيس السوري ويثير تساؤلات جدية عما يريده الثلثان المتبقيان من الشعب السوري لرفضهما استمرار النظام الحالي وحكم الرئيس الاسد ومدى اخذ موسكو في الاعتبار هذا الواقع وفقا للتوازنات، فان الموقف الروسي يشي ببقاء الامورعلى حالها من التعثر، مع تأكيد روسيا التمسك بحليفها في السلطة حتى اشعار آخر.

وهذا لا يعني بالنسبة الى هذه الاوساط ان جديدا طرأ على الموقف الروسي، بل هو استكمال للمقاربة نفسها باعتبار ان الشلل الدولي في الموضوع السوري قائم منذ اشهر نتيجة انشغال الادارة الاميركية بالاستعدادات لخوض معركة تأمين ولاية رئاسية ثانية للرئيس باراك اوباما، وهو ما ادى الى شلل او الى مراوحة الموقف الغربي في الجمود التراجعي. ومع ان غالبية الاوساط السياسية باتت تتعامل مع الحرب السورية على قاعدة انها ستستمر لسنوات على الارجح في ظل موازين قوة سياسية لا تسمح بالوصول الى حل في المدى المنظور، وكذلك الامر بالنسبة الى موازين القوى العسكرية على الارض ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان على نحو مفاجئ، فان ثمة من يبقي الاحتمالات المفتوحة الى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة باعتبار انها محطة قد يكون ما بعدها غير ما قبلها، نظرا الى عدم امكان بقاء الموقف الاميركي على حاله ايا يكن الفائز في هذه الانتخابات. وهناك رهانات حقيقية عربية في شكل خاص على القدرة على حض الادارة الاميركية المقبلة على تحرك ما، وخصوصا ان الدول اصحاب هذه الرهانات تشجعت كما تقول الاوساط المعنية بما اعلنه المرشحان للرئاسة الاميركية في مناظرتهما الاخيرة حول السياسة الخارجية المرتقب اتباعها في حال نجاح اي منهما في سباق الرئاسة، اذ كانت حصيلة موقفي كل من الرئيس اوباما والمرشح ميت رومني متشابهة ومتنافسة في شأن الوضع في سوريا ومن ضرورة رحيل الرئيس السوري عن السلطة على نحو يرسم سقفا معاكسا ومناقضا لمسعى استمرار تمسك روسيا ببقائه.

=================

شرق أوسط ملتهب... و"محدودية" قوة أميركا!

سركيس نعوم

2012-10-29

النهار

 سيطر الشرق الأوسط بمشكلاته الملتهبة الكثيرة على المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين المرشحَين لرئاسة الولايات المتحدة الديموقراطي باراك اوباما وهو الرئيس الحالي، والجمهوري ميت رومني. لكن ذلك، على صحته، لم يوفر للناشطين الأميركيين الداعين ادارة بلادهم الى اتخاذ مواقف متشددة وحادة من أزمات ودول وجهات، بل الى ترجمتها عملياً وإن بالوسائل العسكرية، مما يدفعهم الى الاقتناع بأن بلادهم ستسلك السبيل الذي يتمنون، سواء جدد الناخبون الاميركيون رئاسة اوباما او اوصلوا مكانه رومني. هذا ما يقوله باحثون اميركيون جدّيون في واشنطن، وعلى علاقة بعدد من اصحاب المواقع المهمة. وهم يضيفون ان المرشحَين الرئاسيين دفعا الناشطين المشار اليهم اعلاه الى الاقتناع المذكور وخصوصاً عندما اظهرا الكثير من التحفظ وربما من الاحتراس عندما تناقشا أو بالأحرى "تبارزا" حول القضايا الصعبة والملتهبة مثل الحرب الأهلية في سوريا، واختيار القوة الحاسم مع ايران حول برنامجها النووي، وامكان تعرض الديبلوماسيين الاميركيين في ليبيا للأذى.

ورغم ان السياسة الخارجية عادة ليست العامل الحاسم في الخيار الانتخابي الرئاسي للغالبية الواسعة من الاميركيين، فإن مسؤولاً رفيعاً في الخارجية الاميركية اعتبر بعد المناظرة الرئاسية الأخيرة ان المرشحَين كانا يعكسان حقيقة محدودية القوة الأميركية.

اين تبدو هذه المحدودية واضحة أكثر؟ في سوريا، يجيب الباحثون الاميركيون الكبار انفسهم. ذلك ان المجموعة الواسعة من الاطراف الذين يحاربون نظام الأسد بشراسة، والمحاولات الاميركية للتنسيق في ما بينها سياسياً وعسكرياً، جعلت صانعي السياسة في الولايات المتحدة عاجزين عن اتخاذ قرار بالطرف أو بالأطراف الواجب دعمهم. فهناك نحو 350 وحدة ثائرة، واحتمال تعاون او تنسيق او اقامة عمل مشترك بين مجموعات علمانية واخرى اسلامية يتحقق كل يوم، كما يتحقق احتمال عودتهم الى الانقسام والتنافس وحتى الصراع. وما التغيير المتكرر في قيادة المجموعات الثائرة المقاتلة في حمص الا المثل الصارخ على رفض أي منها "الاندماج أو الالتحام". ورغم ذلك، يضيف هؤلاء الباحثون، نجح الثوار في اضعاف قدرات النظام الذي يتزعمه بشار الاسد. فقبل أشهر قليلة ثلاثة أو ربما أكثر، كان هذا النظام يسيطر تماماً على كل حدوده وعلى شمال سوريا واكبر مدنها حلب. اما اليوم فإن الوضع اختلف إذ خسر النظام سيطرته على كل المعابر (المراكز) الحدودية مع تركيا، وعلى المعابر مع العراق باستثناء اثنين. اما الحدود مع الأردن فسيطرته عليها مستمرة لاسباب عدة منها حرص نظام الاردن على عدم فتح جبهة علنية ضد الأسد وخصوصاً في ظل مصاعبه الداخلية الحالية، وأما حدود لبنان وسوريا فصارت مثل "المنخل".

كيف ينظر الباحثون الاميركيون الكبار أنفسهم الى الوضع "العسكري" الحالي أو الى بعضه بين الثوار والنظام في سوريا؟

ينظر الرئيس الاسد في رأيهم بقلق الى المحاولات المستمرة، وإن مُكلِفة التي يقوم بها الثوار لقطع الطريق السريع (اوتوستراد) الذي يصل حلب بدمشق، ويعتبر ان السيطرة على معرة النعمان هي خطوة على هذه الطريق. ولذلك فإنه سواها بالأرض بواسطة طيرانه. لكن حتى في القدرات الجوية العسكرية يمكن ان يشهد الاسد "وشركاه" ضعفاً في مستقبل غير بعيد. فالدعم القطري مكّن الثوار من الحصول على مضادات للطيران تطلق من على الكتف. ومن شأن ذلك تعريض الطائرات الحربية كما الطوافات العسكرية للاصابة. علماً ان القوة العسكرية الجوية السورية تبدو هائلة بل ومرعبة على الورق. ولكن عملياً فإن قسماً منها فقط صالح للعمل. ونجاح الثوار في اسقاط بضع طوافات قد يتسبب بترنح القوة العسكرية للنظام. في اختصار، يعتقد بعض الباحثين الأميركيين انفسهم ان  النظام السوري، رغم استشراسه في القمع دفاعاً عن نفسه، يعيش حالياً مخاض الموت او آلامه، إذ هناك حرب طاحنة تدور بين 3 ملايين علوي و15 مليون سني.

ماذا عن لبنان عند الباحثين اياهم؟

يعتقد بعضهم ان اغتيال اللواء وسام الحسن تم بتدبير من سوريا وحلفائها اللبنانيين. ويرى معظمهم ان مسؤولين اميركيين لا يظنون انه الاغتيال الأخير. ويرجحون اعمالاً مماثلة قد تقود الى صراع أهلي. وسمع بعض آخر منهم كلاماً رسمياً يشير الى عدم جدية الاخبار الاعلامية الاميركية عن اعتزام اميركا تغيير حكومة لبنان الحالية فقط لأننا لا "نطيق" ثلثيها".

اين ايران الاسلامية صاحبة الطموح النووي الكبير في "محدودية" القوة أو القدرة الاميركية؟

=================

. وانهارت الهدنة الهشة!!

يوسف الكويليت

الرياض

29-10-2012

    ليس ذنب عنان والإبراهيمي، والجامعة العربية، وغيرها أن تسجل فشلها في حل أزمة سوريا، لأن السلطة هي من خلقت العراقيل وتمسكت بالخيار العسكري ورفضت خيار الحوار بديلاً عن استخدام القوة، وهذا الأمر ثابت في سياستها وغير قابل للتغيير، ورد الفعل الشعبي جاء مضاداً، ومن أجل ذلك نشأت المعارضة، ومن رحمها ولد الجيش الحر، والنظام الدولي لا يريد تطويق المشكلة والمساهمة في حلها، أو احتوائها بحيث لا تسير باتجاه يغير أفق السياسة في المحيط السوري كله..

فقد حاول النظام استفزاز تركيا وإدخالها معمعة الحرب لتوسيع دائرتها، وهو يفهم أن تركيا لها حسابات دقيقة وحذرة أن تجر إلى وضع لا تريده، رغم قوتها العسكرية والمادية الهائلة، ثم إن أعضاء حلف الأطلسي يرفضون مثل هذه التطورات لأن أرباحهم مجهولة، والمجازفة ممنوعة..

الأمر مع لبنان أسهل حيث إنه بؤرة صالحة للتفجير لوجود حزب الله وعناصر لبنانية لا تخفي تحالفها مع النظام، غير أن الفرقاء يفهمون معنى السقوط في حرب بالنيابة عن سوريا، وهي مخاطر لا يريد أي مدرك أن تعود الحرب الأهلية لسبب لا يدخل في المصلحة الوطنية..

عملية الهدنة لا يمكن أن تنجح، لأن السلطة من مهامها الأساسية ديمومة التقاتل وإشغال الجيش بالحرب حتى لا يدخل في نزاع مع السلطة قد تؤدي إلى قيام انقلاب من داخل النظام يراه خياراً موضوعياً للخروج من الأنفاق المظلمة التي وضعها الأسد وأغرق الطائفة وأنصارها في موقف معقد مع أكثرية شعبية، ثم إن النظام ذاته يطرح أن الهدنة قد تعطي الجيش الحر موقفاً أفضل على الأرض بانضمام عسكريين ومدنيين إليه يعزز مواقعهم على الأرض، بينما روسيا قد ترى في الهدنة مخرجاً من واقع قد يتطور إلى وضعها في الموقف الأضعف، مبررة أن الهدنة ربما تقود إلى حل سياسي يجعلها سيدة المواقف، وتسجل فوزاً على دول حلف الأطلسي، وخلق موقع لها على الأرض العربية..

كل لديه حساباته، لكن لا يوجد في الأفق موقف وسط يؤدي إلى التراضي والتوافق، فكل المؤشرات تجعل النظام رافضاً لأي شريك يغير معالمه ومسيرته ومعنى ذلك فرهان الحسم بالقوة هو المسيطر على رؤية السلطة، لأن مطالب ما بعد الهدنة، لو استمرت، يعني تغييراً شاملاً في بناء الدولة ومؤسساتها، وهذا ما لا يتفق ورؤية الحكم، وحتى الابراهيمي الذي أدخل الهدنة كخيار وحيد قد يؤدي إلى هدنة طويلة، كان غير متفائل لأسباب يعرفها، ولذلك لا نقول إن المشروع انهار، بل لم يكن لوجوده أصلاً قيمة في كل العمليات المطروحة..

وإذا كانت القوى الكبرى تتحرك بسلبية عدا روسيا التي أخذت الموقف باتجاه التصعيد ورفض أي تغيير على الأرض، فالموقف العربي أكثر ضعفاً، بل ويراعي حسابات أمريكا وأوروبا أكثر من اتخاذ قرارات مستقلة، وغالباً ما تكون الرسائل محذرة من خلق واقع جديد قد لا يتفق مع الرؤية المطروحة، وربما يهدد أمن المنطقة، وهي رؤى قد لا تصل إلى التفسير الحقيقي لما سيئول إليه الوضع بعد رحيل الأسد..

=================

سورية: المعركة الفاصلة بين مشروعين..!!

د. عبدالله القفاري

الرياض

29-10-2012

    التخلص من هذا النظام سيكون إنقاذاً للبنان وإنقاذاً للمنطقة من مخططات النظام الإيراني. سيكون العراق أقل غلواء طائفية وسيجد النظام العراقي نفسه بجوار سورية مختلفة مما يعيد التوازن للمشهد العراقي.. وستضعف أحلام النظام الإيراني بدور في إخضاع منطقة الخليج لمنطق مصالحه ومشروعاته

ها قد مر عيد وعيد.. والدم المسفوح في سورية نهر يبتلع البهجة. بشاعة تتواصل يوميا وهي تتجاوز كل الاعراف من هول ممارسات وتدمير واعدام وتشوهات لا أحد يعلم أين ستقود هذا البلد المنكوب.. ومتى في الألفية الثالثة وفي تناقض صارخ لتاريخ الشعوب الصاعد مع قيم الحق والعدل وكل مواثيق حقوق الانسان البراقة. شعب قدره أن وقع في براثن نظام لا يشبه أي نظام آخر.. وفي موقع من الجغرافيا والتاريخ كان في حضرة الانتهاك الأكبر طيلة عقود.

تحول حق انتزاع الشعوب لحقها بالحياة مسألة فيها نظر.. وبعد هذه التضحيات الكبرى.. المطلوب تقليل عدد القتلى، وهدنة لعدة أيام ريثما تنقضي أيام العيد وكأن هذا الشعب المنكوب سيرقص على القبور مبتهجا بعيد ليس كأي عيد!!

هذا الصمت الدولي مريب.. يلتقط الشعب السوري بفطرته السليمة التي لم تلوثها أكاذيب الساسة طرف المعادلة القاتلة، ليسأل كل ذي ضمير عن الوقت الذي يشعر فيه أن الدم فاض على الآجام، والقبور لم تعد تتسع للمزيد، والدمار الشامل حل بوطن بحجم جريرة نظام ليس ككل نظام.

أبعد كل هذا هل نحتاج لمزيد من القرائن على ان المؤامرة الحقيقية تكمن في اخضاع شعب رفض الاستعباد والقمع والانتهاك الطويل؟ هذا العالم المتقدم لم تعد تحركه لا أنهر الدم في بلاد العرب ولا بشاعة الجريمة الكبرى ولا التدمير المبرمج ولا مشاهد القتلى اليومية. لماذا اذن خدعوا هذا الشعب منذ الايام الاولى وأوحوا إليه انهم يدافعون عن حريته وكرامته.. ويلحون في رحيل نظام لا يشبه سوى نفسه.

تغيب أصوات منظمات عديدة لحقوق الانسان وجمعيات الغرب المدافعة حتى عن الحيوانات في بحر البلطيق.. أين هذا الانسان وهذه الجمعيات من مأساة لا تعادلها مأساة! أين العالم المتحضر والمسكون بفاجعة الانسان؟!.. لماذا فقط في سورية اختفى وتوارى عن الانظار وتلاشى صوت رأي عام يضغط باتجاه وضع هذه الكارثة في منزلة العار الأكبر على البشرية والانسانية.

تتكشف الكارثة التي صنعها نظام اختار الاخضاع بالقتل والتهجير عن الكثير من الخداع والكذب وصناعة الألم الطويل. لا يفسر هذا التآمر على شعب بأكمله وإمهال النظام الفرصة تلو الفرصة للقضاء على أمل الخلاص منه سوى الفيتو الاسرائيلي. إذا كانت الحكومة الروسية والايرانية من يمد النظام بحبل البقاء ويدرأ عنه الانهيار السريع ويدعم قدرته على مواصلة التدمير والقتل.. فإن اسرائيل لم تقرر بعد كيف يمكن لها ان تتعايش مع نظام آخر. كيف لها ان تفرط في هذا النظام لتراهن على المجهول. وإلى ذات الهدف تقف الادارة الامريكية التي أحجمت وألجمت بطريقة أو بأخرى المحاولات الاولى لوضع حد لاستمرار النظام وحلفائه في المضي بعيدا في نزعته التدميرية الشاملة.

أما الحكومة التركية التي ظلت تبشر بنهاية قريبة للنظام السوري، فقد كشفت تطورات عام ونصف أنها تقدم حسابات المصالح الدقيقة على المبادىء الكبرى. إنهم يتطلعون إلى تغيير كبير بلا كلفة كبيرة. القلق على منجزات الحزب تفوق القلق من كابوس التدمير والانتهاك والقتل غير المسبوق على الطرف الآخر من الحدود.

أما العرب فحتى الظاهرة الصوتية لم تعد تليق بوصف بعضهم.. كنا نأمل من بلدان الربيع العربي أن تكون أكثر البلدان شعوبا وقيادات في مواجهة هذا الكابوس الذي أصاب اشقاءهم في سورية.. وهم لم يطلبوا أكثر مما انتفضوا وثاروا هم من أجله!!

وإذا يقدر لبعضهم ان تصبح الازمة السورية حاضرة في خطابهم وهم يدعمون مطالب شعب يدافع عن حريته وحقوقه.. فإنه لمن الغريب أن يتبعوا سنن من كان قبلهم.. فلا تتجاوز تلك الخطب العصماء الاذان وتبقى تطلعاتهم لهذا الشعب المنكوب مشروطة بعدم التدخل الخارجي!!

وعلى أن لا مؤشر لتدخل خارجي مباشر إلى جانب الشعب رغم ان التدخل الخارجي إلى جانب النظام يراه الاعمى ويُسمع من به صمم.. فماذا بوسعهم أن يصنعوا إذا كانوا غير قادرين على التدخل.. ولماذا تصبح تلك اللازمة التي لا محل لها اليوم من الاعراب في رفض تدخل خارجي طالما ظل هذا الشعب يطلب خلاصه حتى لو من تدخل فضائي عابر للكون. وكأن هذا الخارج مستعد للتدخل وكأنهم لا يرون ألاّ وظيفة للشعب السوري اليوم سوى انتشال القتلى من تحت الانقاض وحفر القبور بمساحات وطن منتهك من أقصاه إلى أقصاه.

لماذا الاصرار على هذه اللازمة التي لا محل لها ولا قيمة ولا أثر.. وطالما تبدى العجز العربي في مواجهة هذا الكابوس فالصمت أولى.. وبعض الصمت أرحم من هذا التخبط في مواجهة حالة تقدم كل يوم أدلتها على عمق مأساتها وكارثيتها.

وبعد عام من تحرير ليبيا من نظام القذافي، هل يتوقع أشاوس العرب الثائرين المعارضين لتدخل الخارج، أن الشعب الليبي كان يمكن أن ينجو لولا تدخل الناتو، الذي عجل بالخلاص وقلل حجم كلفة رحيل نظام دموي ظالم. بل وهل كان لهم ان يصلوا للحكم لولا أيضا دعم هذا الخارج للتغيير في بلادهم!!

العجز العربي كان باديا للعيان منذ الشهور الاولى للثورة السورية ولكن المضي في استعادة تلك الاشارات الوهمية المظللة دلالة على عمق المرض العربي المزمن. وباستثناء بعض دول الخليج العربية قيادة وشعبا التي حملت عبء دعم المعارضة ومواجهة عدوان النظام السافر القاتل.. فإن التفاعل العربي الرسمي مع هذه القضية ظل ينطوي على تردد كبير ناهيك عن دول عربية مازالت تحتفظ بعلاقات جيدة مع النظام السوري!!

الخلاص من النظام العصابي في سورية لن يكون في صالح السوريين وحدهم. زرع هذا النظام في احشاء بلاد الشام نفوذا واسعا للنظام الايراني امتد ليرتهن بلدا مثل لبنان. تفجير لبنان سيكون هدفا للنظام الذي مازال يملك أكبر حليف في لبنان. قتل اللواء وسام الحسن رسالة على عمق ذلك التحالف ودلالة على قدرة التحالف الاسدي الايراني وحزب حسن نصر الله على تفجير لبنان من الداخل إذا اقتضت ضرورات النظام.. خلاص لبنان لن يكون إلا بالتخلص من هذا النظام البشع. النظام الايراني يخوض معركة مصير في سورية.. إنها معركة إيران الكبرى وليست فقط معركة نظام آيل للسقوط.

التخلص من هذا النظام سيكون انقاذا للبنان وانقاذا للمنطقة من مشروع النظام الايراني الساعي للهيمنة والنفوذ. سيكون العراق أقل غلواء طائفية وسيجد النظام العراقي نفسه بجوار سورية مختلفة مما يعيد التوازن للمشهد العراقي.. ستضعف احلام النظام الايراني بدور في اخضاع منطقة الخليج لمنطق مصالحه ومشروعاته..

هذا الحلف الممتد من طهران إلى بغداد فدمشق فبيروت لن يكون كسره سهلا ولكن الفرصة الكبرى تقدمها الثورة السورية اليوم. المشروع العربي الخليجي يفترض الا يقل جسارة عن المشروع الإيراني.

المعركة الفاصلة بين مشروعين وطموحين وهدفين كبيرين لن تكون سهلة.. فإن لم يكن من أجل ثورة شعب قدم الغالي والنفيس ومن اجل استعادة حريته وكرامته وحقوقه.. فمن أجل ألا نعض غدا أصابع الندم.. ونحن نرى كابوس التحالف الطائفي الاستراتيجي يخيم على العراق وبلاد الشام والمنطقة بأسرها إلى أمد لا يعلمه إلا الله.

=================

مستقبل التحالف الإيراني ـ السوري

مصطفى اللباد

السفير

29-10-2012

يمر التحالف الإيراني - السوري الآن بمرحلة حاسمة في تاريخه الممتد لأكثر من ثلاثين عاماً، وذلك بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية في سوريا بمواجهة النظام في ربيع 2011. قلبت الانتفاضة السورية الموازين الإقليمية، حتى قبل أن تستطيع إسقاط النظام، نظراً للأهمية المركزية للجغرافيا السورية في المشرق العربي. لم يعد التحالف الإيراني - السوري شأناً إقليمياً حصراً، إذ ان تصريحات بعض قادة المعارضة السورية بخصوص علاقات سوريا المستقبلية مع إيران جعلت هذه العلاقات في بؤرة الحراك السوري المحلي. يتجلى المأزق الإيراني في عدة مظاهر: أولها أن إيران دمغت ثورات «الربيع العربي» بوصفها «ثورات إسلامية» تستلهم الثورة الإيرانية، في محاولة لجني مكاسب سياسية من سقوط خصومها في تونس ومصر. ومع امتداد «الربيع العربي» إلى سوريا فقد أصبحت إيران واقعة في أسر خطابها السياسي والأيديولوجي، لأنها السند الإقليمي والأساسي لنظام دمشق الذي يقمع شعبه. ويتمثل ثاني الأسباب المؤسسة للمأزق الإيراني في هيمنة الطابع الطائفي على التعاطي الإعلامي العربي والدولي للحراك الدائر في سوريا، وتصويره باعتباره حراكاً بين أغلبية شعبية سنية في مواجهة أقلية علوية حاكمة، وليس صراعاً بين معارضة من كل الطوائف في مواجهة نظام تتمثل فيه كل الطوائف. هنا يراد لإيران أن تدخل في مواجهة مع شرائح عربية واسعة على قاعدة طائفية، وهو ما يمكن أن يفقد إيران موقعها المعنوي وصورتها التي تود الحفاظ عليها في المنطقة. أما ثالث الأسباب الدافعة للأزمة الإيرانية في سوريا فيتمثل في أهمية سوريا الجيو-سياسية، ومحورية موقعها الجغرافي في إسناد ورفع المشروع الإقليمي الإيراني في المنطقة.

ومع استمرار الأزمة السورية وبالتبعية المأزق الإيراني؛ فما زال لطهران أوراق هامة في أي من السيناريوهات المحتملة للأزمة، وبشكل يفوق ما هو شائع إعلامياً من خسارة إيرانية صافية في كل السيناريوهات. تستهدف الأطراف الإقليمية المناوئة للنظام السوري إيران في الواقع بدعمها لفصائل المعارضة ـ السلمية منها والمسلحة - ومنع إيران من تمديد حضورها الإقليمي، بحيث يرسم سقوط النظام السوري فصلاً جديداً من الانكفاء الإيراني عن التمدد. ويعني ذلك أن إيران تخوض مباراة صفرية مع خصومها الإقليميين على سوريا، وهي مباراة لا تسمح بتفاهمات أو تنازلات متبادلة، بل بخروج طرف رابح بكل النقاط وآخر خاسر لكل النقاط. ولما كان الوضع كذلك، يتوقع أن تستمر إيران في دعمها للنظام السوري حتى النهاية، خصوصاً في ظل عدم التوافق على مبادرات إقليمية لتسوية سياسية في سوريا، وبضمنها المبادرة المصرية.

تتباين سيناريوهات الأزمة السورية وترتهن بعوامل متداخلة منها توازنات القوى المحلية والإقليمية والدولية، وكل هذه العوامل تعقد الحسابات بما يجعل الخروج بتوقعات عن مستقبل سوريا أمراً معقداً. ومع ذلك تبدو في اللحظة الراهنة سيناريوهات أربعة متباينة للأزمة السورية:

1- بقاء النظام السوري من دون تغيير: يصعب تصور تحقيق هذا السيناريو، لأن ميكانيزمات السيطرة التي مارسها النظام السوري على معارضيه وأحزابهم وجمعياتهم الأهلية، لم تعد تؤدي دورها، والدليل على ذلك يتمثل في التصميم الواضح لقطاعات شعبية سورية على الثورة. وبالتوازي مع التصميم الشعبي، يظهر دعم إقليمي غير مسبوق، سياسياً ولوجستياً وعسكرياً، لبعض فصائل المعارضة السورية من دول الجوار الإقليمي: تركيا والسعودية وقطر. وفق هذا المقتضى لا يمكن للنظام السوري البقاء من دون تغيير، في ظل تنامي المقاطعة الدولية عليه. وإذ لا يمكن تقدير الشهور لبقاء النظام كما تفعل بعض التحليلات المتحمسة والمؤدلجة، وغني عن البيان أن هذا السيناريو سيكون الأفضل لإيران.

2- مرحلة انتقالية بمشاركة النظام: إذا لم تتبلور إرادة دولية للضغط أكثر على النظام، مع استمرار السيادة الجوية لقوات الجيش النظامي ودخولها في المعارك، وإحجام تركيا عن إدخال مواد قتالية أكثر تطوراً إلى الفصائل المتحالفة معها في سوريا (لخشيتها من دعم النظام للمسلحين الأكراد على جانبي الحدود التركية - السورية بالنوعية ذاتها من الأسلحة)، فلا يمكن توقع تغيير جذري في معادلات السلطة في سوريا. ويترتب على ذلك أن يعيد النظام السوري وفقاً لهذا السيناريو، تجديد نفسه على غرار «النموذج اليمني»، أي خروج الرئيس بضمانات سلامته وأسرته مع بقاء جوهر وأساس النظام. يبدو هذا الخيار ممكناً في حال توافق إقليمي - دولي بخصوص الأزمة السورية بين الأطراف المساندة للنظام: إيران ومن خلفها روسيا والصين، مع تركيا والسعودية وقطر ومن خلفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. يتوقع ألا يغير هذا السيناريو - في حال حدوثه - من حسابات إيران في الموضوع السوري، لأن بقاء النظام سيسمح لإيران بالخروج من أزمتها بأقل الخسائر، وسيجعل النظام السوري أكثر تصميماً على مواجهة خصومه الإقليميين والدوليين.

3- تراجع النظام إلى الساحل السوري واستحكامه هناك: ما زالت الآلة العسكرية للنظام في منأى عن انشقاقات مؤلمة لقطاعات ووحدات، وبشكل يغير من الموازين الداخلية. حتى الآن اقتصرت الانشقاقات على رتب صغيرة وبعض الرتب الكبيرة في الجيش السوري، وتراجعت في الشهور الأخيرة عمليات الانشقاق بوضوح، بالتالي ظلت مخازن الأسلحة والذخيرة بيد النظام حتى الآن. وإذا افترضنا أن تركيا ستتخلى عن حذرها التقليدي في تسليح المعارضة السورية بالصواريخ المضادة للطائرات بسبب تخوفها من الأكراد، وبافتراض أن هذه الأسلحة ستسقط طائرات ومروحيات النظام وتفقده القدرة على السيطرة على مناطق واسعة خارج العاصمة، وإذا افترضنا أيضاً أن هجمات المعارضة السورية ستشتد في دمشق، بحيث لا تعود آمنة للنظام (وكلها تبقى محض افتراضات)، فمن المتوقع ساعتها أن ينتقل النظام بأسلحته التقليدية والكيماوية إلى الساحل السوري عند اللاذقية وبانياس وطوطوس. ستسمح سيطرة النظام على الساحل واستحكامه فيه ببقاء الصراع في سوريا لفترات زمنية أبعد مما يتوقع كثيرون، ولكنها ستفتح الباب أمام تداعيات تقسيمية على سوريا ولبنان المجاور لها. لا يمكن استبعاد هذا السيناريو الكارثي من قائمة الاحتمالات، خصوصاً أن الفراغ المتولد في المشرق العربي بعد احتلال العراق عام 2003، وعجز النظام السوري في العقد الأخير عن فهم التعقيد الذي تقوم عليه توازنات سوريا الجيو-سياسية، عبر تحالفها الحصري مع إيران من دون ظهير عربي ودون القدرة على موازنة القوى الإقليمية غير العربية بعضها ببعض (على العكس من تجربة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد)، قد مهد الأرضية لتخيل سيناريو كهذا. في حال حدوث ذلك، سنكون أمام حالة من تقسيم سوريا بين القوى الإقليمية غير العربية، وهي نتيجة لا تجعل إيران خاسرة تماماً مما يجري في سوريا.

4- سقوط النظام المترافق مع فوضى شاملة: بافتراض سقوط النظام السوري على وقع تصاعد العمليات العسكرية ضده، وهو أمر لا يمكن أن يتم دون إسناد دولي ومواكبة إقليمية، وبافتراض تكرار سيناريو مشابه لحالة العراق 2003 أو ليبيا 2011 (وهو أمر غير مؤكد دون صفقات دولية وإقليمية كبرى)، فمن المرجح جداً أن تدخل سوريا مرحلة من الفوضى الشاملة. حتى نتحرى الدقة الآن تتجمع عناصر محفزة للفوضى: «جيوش حرة» بقيادات مختلفة وليس «جيش حر واحدا»، كل منها يرتبط بجهات إقليمية مختلفة وبشعارات أيديولوجية متباينة، بالتوازي مع سيطرة فعلية لمقاتلين أكراد على مناطق واسعة في شمال سوريا بتأييد من النظام لكبح تركيا عن التدخل، معطوفة على ثارات طائفية في سوريا يجري العمل إعلامياً على تغذيتها، فضلاً عن وجود عشائر سورية ممتدة على أجزاء كبيرة من الخريطة السورية ستعمد إلى تسليح نفسها بكل الوسائل (مثال العراق حاضر وناجز). في هذه الحالة ستمتد الفوضى إلى دول الجوار السوري ومنها إلى إسرائيل. وفي هذه الحالة لن تكون إيران خاسرة لكل أوراقها في سوريا، لأن تشتيت انتباه إسرائيل على حدودها والتحكم بوتيرة العمليات العسكرية عليها، سيفتح الباب واسعاً أمام إيران للمشاركة في توجيه الأحداث في سوريا وما حولها.

تملك إيران في السيناريوهات الأربعة أوراقاً لا يستهان بها، بحيث يصعب تصور خروجها خاسرة وفقاً لمعادلة صفرية. تدعم إيران النظام السوري حماية لمصالحها الإقليمية، فيما تفعل تركيا العكس توخياً للأهداف ذاتها، أما السعودية وقطر فتريدان توجيه ضربة قاصمة لإيران عبر إسقاط النظام في سوريا، وهو النظام الذي دعمتاه في السنوات الأخيرة مالياً وسياسياً أملاً في جذبه بعيداً عن تحالفه مع إيران. ولما لم تفلح هذه المحاولات نظراً لسيطرة إيران على مفاصل القرار السوري، جرى ويجري العمل على رفع سقف الانتفاضة الشعبية السورية بما يتجاوز تحقيق أهداف الانتفاضة الشعبية السورية في الحرية والديموقراطية، ليعاد صياغتها في مطابخ الجوار الإقليمي لتخرج على الشكل التالي: تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، وتغيير المعادلات السياسية والطائفية في كامل المشرق العربي، وكل ذلك على ظهر السوريين وبدمهم. يدفع الشعب السوري ثمن حريته مرتين، الأولى في مواجهة نظام يستخدم كل ما في وسعه من دمار لقمع انتفاضته الشعبية، والثانية في مواجهة قوى إقليمية تتباكى على مظلومية الشعب السوري وتتضامن مع شعارات الديموقراطية التي لا تطبقها في بلادها بأي شكل، وتستخدم انتفاضة السوريين لتحقيق مآرب سياسية وإقليمية؛ لا تتفق بالضرورة مع المصالح العليا للشعب السوري.

رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية-القاهرة.

=================

أحلام لافروف السورية

سامي مشاقة

السفير

29-10-2012

لا شك بأن هناك إجماعاً عاماً بأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رجل هادئ ورصين، وفي هذا السياق تأتي تصريحاته ومواقفه السياسية انعكاساً لهذه الشخصية، أي الهدوء والرصانة. إلا أن مشكلته أنه ينسى أو يتناسى، وقد يجهل وربما يتجاهل الوقائع الميدانية، ومن هنا تأتي مواقفه لتصب خارج هذه الوقائع. فعلى صعيد الوضع السوري المأساوي، عيون العالم أجمع ترى ما يجري في سوريا إلا عيني لافروف، فهو لا يرى، أو لعله يرى ولكنه لا يصدق عينيه، أو بتعبير أدق لا يريد أن يصدق، وهذا ما يدفعنا إلى الاعتقاد ـ دونما خطأ ـ بأن السيد الوزير يعيش في كوكب آخر.

فمنذ اندلاع الانتفاضة السورية، عبر التظاهرات السلمية الجماهيرية محافظة على سلميتها طوال ما يقارب الأشهر السبعة، كان موقف السيد الوزير الروسي صحيحاً، إذ انه دعا إلى الحل السياسي عبر الحوار بين النظام والمعارضة. ولا شك بأن هذا الموقف كان صائباً، إذ ان الانتفاضة كانت خلال هذه المدة تكتفي بطرح شعارات تطالب بالإصلاح السياسي الحقيقي كإلغاء حالة الطوارئ التي استمرت ما يزيد عن 40 عاماً، وإلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنهي حكم الحزب الواحد ـ حزب البعث ـ كقائد للدولة والمجتمع، وإطلاق الحريات الديموقراطية، ولم تتطرق الانتفاضة خلال تلك المرحلة إلى مسألة تغيير النظام فضلاً عن طلب إسقاطه، وتنحي السيد الرئيس الأسد.

إلا أن المفاجأة ان النظام سارع، منذ اللحظة الأولى، إلى الرد على الحركة السلمية بالقوة العسكرية متجاهلاً مطلب الانتفاضة الإصلاحي لأنه أصلاً رفض الاعتراف بوجود حركة شعبية تطالب بالحرية والديموقراطية والكرامة. وطرح النظام، إزاء ذلك، مقولته الشهيرة التي ما زال يصر عليها حتى الآن ويحاول تسويقها على كل صعيد بغير نجاح، والتي تدعي أن ما يسمى بالانتفاضة أو الثورة ما هي إلا عبارة عن مجموعات إرهابية مسلحة تعمل لحساب القوى الخارجية لتشكل مؤامرة ضد النظام السوري الممانع والمقاوم. دون أن يبلغنا النظام ممانعة ماذا، ومقاومة من! ودون تقديم أي تفسير هذه الظاهرة العجيبة: كيف نشأت هذه الجماعات الارهابية المسلحة هكذا فجأة في ظل نظام مخابراتي ممسوك بقوة الحديد والنار، وفي ظل نظام حالة الطوارئ. وفي تقديرنا أن طرح هذه المقولة كان يستهدف تسويقها دولياً لاستدرار عطف المجتمع الدولي الذي يسعى لمحاربة الإرهاب الدولي.

وعلى الرغم من التطورات المتسارعة وجنوح النظام إلى تكثيف الرد العسكري مستخدماً المدفعية والصواريخ وسلاح الجو، وبدء عسكرة المعارضة للرد على عنف النظام بعنف مقاوم. ما زال السيد وزير الخارجية الروسي حريصاً على المحافظة على أطروحته: الحل السياسي عبر الحوار بين السلطة والمعارضة. ولم يرفض النظام دعوة السيد الوزير، إلا انه احتفظ بحقه في تعيين المعارضة أي انه ـ وبعبارة أخرى ـ اقترح النظام ان يفاوض ويحاور نفسه.

وبعد مقتل أكثر من خمسة وعشرين ألف شهيد وتهديم مئات المنازل ولجوء عشرات آلاف السوريين إلى العراق وتركيا ولبنان، وإلى عشرات آلاف المعتقلين والمفقودين والجرحى، ما زال النظام يصر على أنه يحارب المجموعات الارهابية المسلحة، التي ـ بالمناسبة ـ تزداد قوة ومتانة وانتشاراً وفاعلية مما يتنافى تماماً مع زعم النظام. وما زال السيد وزير الخارجية الروسي يطرح مبادرته عبر الحوار بين النظام والمعارضة. هذه المرة جاءه رد النظام صاعقاً، عبر المؤتمر الصحافي الشهير الذي عقده وزير الخارجية السوري د. وليد المعلم إذ عبر عن توجه النظام بوضوح كامل لا يحتمل أي التباس، إذ أعلن أن الحل الأمني هو مطلب جماهيري. ولقد استخدم الوزير لفظ الحل الأمني تلطيفاً للفظ القوة العسكرية.

وحتى يثبت السيد الوزير انه واقعي ويعيش بيننا، فقد دعا باسم حكومته إلى مؤتمر لمعارضة الداخل، وعقد هذا المؤتمر فعلاً بدمشق وجاء البيان الصادر عنه متناقضاً في متنه وفي مقدماته ونتائجه. وجاء هذا المؤتمر في تقديرنا ليحقق هدفاً واحداً، هو تلميع وجه النظام وصورته أمام الرأي العام الدولي عبر الإيحاء باعتراف النظام بالمعارضة وإتاحة الحرية للتعبير عن وجهة النظر الأخرى. إلا أن هذا المؤتمر فشل في مهمته، لأن القتل ما زال مستمراً وما زال الحل الأمني ساري المفعول! بل لقد صار الوضع أكثر مأساوية، إذ أنه لم يعد أمام النظام سوى اللجوء إلى سياسة الأرض المحروقة.

=================

ثوار سوريا والتورط الإعلامي

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

29-10-2012

تتهم جماعة من ثوار سوريا في منطقة أعزاز بأنها تحتجز الصحافي اللبناني فداء عيتاني، الذي خاطر بحياته، وارتضى أن يرافقها مصورا وصحافيا. اعتقاله جدد النقاش حول إلى متى السكوت عن الإساءة إلى زملاء المهنة وهم يقومون بواجبهم في تغطية الثورة السورية.

ومهما كانت مبررات الجماعات الخاطفة فإنها ترتكب جريمة في حق كل الإعلاميين عندما قررت احتجازه، أو كما تسميه استضافته! سيخسر الذين يتعمدون إيذاء الإعلاميين أهم مصدر لهم، وهو الإعلام نفسه، الأكسجين الذي تعيش عليه أي ثورة في العالم، ومن دون مساندة الإعلاميين ستخسر ثورة سوريا كل ما جمعته وهي اليوم في وضع عصيب تحتاج إلى كل يد وتعاطف يقف إلى جانبها في محنتها.

وأنا لا أخص دفاعي بإعلاميي الثورة ومناصريها، ولا المحايدين منهم، بل أعني كل الإعلاميين، بما فيهم الذين يعملون لصالح النظام السوري.. لهم نفس الحقوق، على الأقل حمايتهم وسلامتهم مهما كانت مواقفهم وتقاريرهم، وهذا واجب علينا تجاههم رغم اختلافنا الشديد معهم. حماية الصحافيين في الحروب واجب لا يفرق فيه في المواقف والانتماءات، وضرورة للإعلام نفسه.

ومن دون الإعلام الشجاع والإعلاميين الشجعان ربما ما كان للثورة حظ في كسب تعاطف ليس العالم، بل حتى الشعب السوري نفسه. ومن دون احترام مهمة الإعلاميين مهما كانت مواقفهم ستخسر الثورة حتى الذين يقفون في صفها، وكل ما جمعته في آخر المطاف. ونلوم بشكل خاص تنظيمات الثورة السورية أكثر من النظام السوري، لأنها صاحبة قضية حقة، وهي الكاسب الوحيد من وجود الإعلاميين مهما كانت ميولهم. لهذا فإن احتجاز مراسل تلفزيون «إل بي سي» أو خطف المراسلة الأوكرانية، أمر يقلقنا جميعا، أهل المهنة. ما الذي يخيف الثوار من مراسلة أوكرانية، حتى وإن كانت تنقل تقارير تخدم النظام؟ لقد حسم الجميع مواقفهم بعد أكثر عام من الجدل والقتال. وأغلبية العالم تقف ضد نظام الأسد ولن يبدل كثيرا ما تقوله مراسلة أوكرانية أو مصور غربي قد لا يعجب الثوار. وإذا كان الثوار يخطفون امرأة لأنها تقول كلاما على تلفزيونها لا يعجبهم، إذن ما الفارق بينهم وبين نظام الأسد الذي يسجن ويقتل بسبب كلمة؟

مهنتنا تقوم على الاعتراف بحق الصحافي في الحضور والمشاهدة وحمايته ليقوم بوظيفته، ومن دونه ما كان للصحف ومحطات التلفزيون القدرة على مواكبة الأحداث. والذين يذهبون إلى أرض المعارك ليسوا ثوارا، ولا أصحاب قضية شخصية أو وطنية، إنما أهل مهنة يتميزون عن غيرهم بالشجاعة، والإقدام على مغامرات ليسوا مضطرين لركوبها. ومهما كانت مواقفهم وتقاريرهم فإننا نتوقع من ثوار سوريا أن يكونوا أكثر شرفا ونبلا في التعامل مع الإعلاميين من نظام بشار الأسد وعصاباته.

نحن كإعلاميين لا نستطيع الوقوف على الحياد حيال خطف الصحافيين واستهدافهم بالقتل أو الأذى مهما كانت اتجاهاتهم السياسية والمؤسسات والدول التي ينتمون إليها. من حق ثوار سوريا أن يرفضوا أن يلتحق بهم من لا يثقون فيه من الإعلاميين، أو أن يمتنعوا عن تقديم معلوماتهم لمن لا يشاءون من المؤسسات الإعلامية، إنما ليس من حقهم أبدا احتجاز الصحافيين أو خطفهم فقط لأنهم من الجانب الآخر. بمخالفة القواعد الدولية، وانتهاك الأعراف التي تقضي بحماية الصحافيين، فإنهم يقوضون وظيفة أكبر فريق يساندهم، ويقدمون الأدلة على الصورة التي يروجها النظام ضدهم. فقد سعى النظام السوري منذ البداية إلى مقاتلة الإعلام جسديا واغتياله معنويا، مدركا أنه لو استطاع توسيع الشقة بين الإعلام والثورة السورية سيكسب كثيرا، لأنه يريد أن يرتكب الجرائم في الظلام، ويسعى لإفقاد الشعب السوري حماسه وصبره واستعداده للتضحية، وستفقد الثورة الزخم الهائل من التأييد الذي تملكه.

=======================

أ.د. علي أسعد وطفة: في الممارسة الطائفية للنظام السياسي في سوريا

أ.د. علي أسعد وطفة: جامعة الكويت

أخبار الشرق 23/10/2012

غالبا ما نقع على خطب جميلة صداحة في الهجوم على الطائفية والتعصب الطائفي بوصفهما لعنة أبدية حلت بنا لا تحول ولا تزول وقد ابتلينا بهما بلاء لا ينقطع مداده ولا يرحم إيابه، وغالبا ما تطالعنا الصحف والمجلات بمقالات صاعقة في الهجوم على التعصب العرقي أو الطائفي أو الإثني أو المذهبي ولكنها سرعان ما تفقد بريقها ويرتد وميضها في غير ما أثر أو نفع أو ضرر. وتأسيسا على هذه الرؤية تتجنب هذه المقالة أن ترتسم على صورة ديباجة متأنقة أو على صورة خطاب ناري مصقع في الهجوم على الطائفية وتمجيد التسامح كما نفعل أحيانا وكما يفعل كثير من الكتاب المهتمين بالمسألة الطائفية في أكثر الأحيان. ولكننا لن نفعل هذه المرة، لأن الهجوم اللفظي والخطابي لا يكفي وقد لا ينفع إذا لم يكن ضارا بحد ذاته على وجه الإطلاق، وهذا يعني أن هذا الأمر يتطلب منا نوعا من التبصر والنظر في طبيعة هذه المسألة متأملين في أبعادها ومعانيها في إطار الممارسة السياسية للنظام الاستبدادي في سوريا.

يعتقد كثير من الكتاب والمفكرين – وفي هذا الاعتقاد تكمن جرثومة الخطأ -أن الهجوم الأدبي على الطائفية والتعصب الطائفي ورفضه وصب اللعنة عليه يمكنه أن يشكل قوة كافية لاستئصال هذا الداء المقيت الذي يستشري في عروقنا، وينبث في خلايا وجودنا الإنساني. وليس من الصواب أبدا أن تنقطع مهمة المثقفين على مجرد التأثير في عقول الجماهير تأثيرا أدبيا وأخلاقيا يعتقد أن يضعهم خارج مسارات الطائفية بعيدا عن مدارات التعصب الطائفي. فليس في هذا الانقطاع يتمثل الحدّ الذي يجب أن تنتهي مهمتنا عنده كمثقفين ومفكرين، إذ لا يكفي الهجوم الأدبي على الطائفية والعصبيات المذهبية عبر مقولاتنا المنمقة وخطاباتنا الرصينة وعباراتنا الرشيقة ومشاعرنا الأنيقة. بل يجب علينا أن نعلم علم اليقين بأن الطائفية لا تُجتث بالخطب والكلمات وحدها ولا تقتلع جذورها بالشتائم واللعنات، بل تحتاج إلى تأمل وتفكير ومنهج عمل ذكي صارم يمارسه عقل نقدي يستكشف مكامن أسرار الطائفية ومعاقل قوتها ومواطن ضعفها لبناء رؤية موضوعية تمكننا جميعا من العمل الحقيقي على تدمير مصادرها وتجفيف ينابيع قوتها ووجودها.

وقد لاحظنا بأن أغلب الكتابات غالبا ما تدور في هذا الفلك الأدبي من الهجوم على الطائفية. ويمكن أن أسوق مقاطع من مقالة للمناضل السوري ميشيل كيلو يصب فيها اللعنة على الطائفية حيث يقول قولا جميلا مفاده: “ليس هناك في الوجود الإنساني والسياسي كله بلاء يفوق في شناعته ومآسيه بلاء الطائفية. وعلى عكس ما يعتقد الجهلة، ليست الطائفية مستوى متدنيا في فهم الدين، بل هي النقيض الذي يقوضه من داخله، حيث يأخذ صورة خطاب يضمر بعض مفرداته، لكنه لا يمت إلى روحه وجوهره بصلة” وهذا القول الجميل الساحر البليغ هو حكمة التسامح والأنسنة ولكن صب اللعنة وحدها لا يكفي ولا هو يغني عن فقر أو يطعم من جوع.

وهنا يترتب علينا أن ندرك بأن الخطب الصداحة والكلمات الرنانة على أهميتها لا تطفئ جمرة الطائفية ولا تخمد نارها، وأن الهجوم الأدبي على الطائفية والتعصب الطائفي لا يجدي نفعا كثيرا، لأن الطائفية نتاج لجملة من الأوضاع الاجتماعية الضاربة في الأعماق، فهي ليست روحا نامية في ممارساتنا ولا ناموسا يثوي في أعماق فطرتنا. فالطائفية ترتد إلى عوامل مجتمعية متنوعة وعميقة الجذور في مجتمعاتنا، وخير لنا أن نرصد العوامل الأساسية التي تكرس الظاهرة الطائفية في مجتمعاتنا بدلا من صب اللعنة عليها، كما أنه من الأفضل لنا اليوم أن نبحث في المسألة الطائفية من منظور واقعي موضوعي وليس من أبراج مثالية عاجية قد لا تضر ولا تنفع. وعلى أساس هذا المنهج يجب علينا أن نبحث عن العناصر الأساسية الاجتماعية والسياسية التي تؤصل للتعصب الطائفي في مجتمعاتنا في الوعي والممارسة والسلوك الاجتماعي والسياسي.

أعود للقول من جديد: إن الخطب الصماء ضد الطائفية لا تجدي نفعا كثيرا ولا تثمر في القضاء على ريح الطائفية وتطفئ جمرها وتسكن صريرها وتجمد صرصرها، فالقضاء على الطائفية يحتاج إلى جهود إنسانية تربوية ومجتمعية كبيرة وكثيرة، أبرزها: تحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع، وبناء مجتمع ديمقراطي حرّ تتكافأ فيه الحقوق والفرص والواجبات بين جميع أفراد المجتمع على مبدأ المواطنة والانتساب لأرض الوطن. فالطائفية ليست مرضا بذاته بل هي نتاج لوضع اجتماعي مرضي غُيبت فيه كل القيم الديمقراطية وكل الأشكال المدنية لأنظمة سياسية تقوم على قيم العدالة والمساواة والمواطنة.

وعلى خلاف الطائفية، تأخذ الطائفة صورة بنية اجتماعية أو صورة أولية لتنظيم اجتماعي أولي بدائي (عرقي دموي أو مذهبي ديني) وهي في تكوينها وبنيتها لطالما مارست دورا سياسيا في حماية أفرادها وإيجاد نوع من التنظيم الاجتماعي بين مكونات وجودها الاجتماعي. ومثل هذه الممارسة السياسية للطائفة تظهر في ظروف غياب الحياة الديمقراطية في المجتمع.

ويجب علينا دائما أن نميز بين حقيقتين في الوعي الطائفي: بين حقيقة موضوعية تتمثل في أسبابها التاريخية الاقتصادية والمجتمعية، وبين حقيقة ذاتية تتمثل في درجة الوعي في هذه الحقيقة التي قد تكون زائفة ومتناقضة مع الحقيقة الأولى.

ففي المستوى الأول من الوعي – ونقصد به الوعي العقلاني الموضوعي بالحقيقة الطائفية – ينظر إلى الطائفة بوصفها تكوينا اجتماعيا كسائر التكوينات في المجتمع له ما لها وعليه ما عليها وهو رهن الوقائع والحيثيات الموضوعية والتاريخية في المجتمع وبالتالي فإن التعصب الطائفي في هذا يكون غائبا على نحو كلي. فمثل هذا الوعي لا يترتب عليه أي مواقف سيكولوجية تعصبية أو اي نمط من الاتجاهات العاطفية والوجدانية التي تملي على الفرد سلوكا طائفيا. وهذا يعني أن الشخص الذي يمتلك وعيا موضوعيا بحقيقة الطائفة والطائفية لا يمكنه أن يتأثر بمعطياتها أو أن يكون ضحية للمشاعر والاتجاهات والسلوكات التي تقوم على أساس طائفي. ومثل هذا الخطاب يمكنه أن يحدد لنا الكيفيات التي يمكننا أن نؤثر بها في إزاحة الفكر الطائفي والتأثير في عوامل وجوده.

أما الوعي الذاتاني التعصبي للحقيقة الطائفية فيتمثل في نسق من التحيزات التعصبية الساذجة التي تملي على الفرد نمطا من السلوك العدائي تجاه أبناء الطوائف الأخرى. وهذا الوعي مبني على نسق من المطلقات والأحكام الذاتية السلبية ضد الآخر من أبناء الطوائف الأخرى. فالطائفية بالمعنى الذاتي تعني التعصب لطائفة ما والتعبير عن مصالحها والتفاني في خدمتها وتقديم مآربها على ما غيرها من الطوائف. وهذه الصورة من الوعي مضادة ومباينة للوعي الموضوعي الذي يعتمد آلية البحث النقدي في المعطيات والصيرورات والوظائف التاريخية المشكلة للتعصب الطائفي. وبالمقارنة بين الوعيين يمكن القول: بأن الوعي الذاتي يأخذ صورة ممسوخة مشوهة عن الواقع، بينما يأخذ الوعي الموضوعي صورة وعي يتطابق مع الواقع ويقاربه بمعطياته المجتمعية وأسبابه الموضوعية، ومن سمات هذا الوعي الموضوعي أنه يحتوي الوعي الذاتي ويتجاوزه ويشتمل عليه ويرسم هويته ويحدد معالم قصوره وغرائزيته، وهو على خلاف الوعي الذاتي يدفع إلى التفهم ويعزز قيم التسامح بينما يدفع الوعي الذاتي إلى التعصب والكراهية.

ومن المؤسف أن جلّ الوعي السائد في مجتمعاتنا حول الطائفة والطائفية يأخذ صورة وعي ذاتي غرائزي ينطلق من المبادئ الشمولية ويركن إلى أحكام كلية تفتقر إلى أدنى مستويات العقلانية والموضوعية. إنه وعي طائفي بامتياز ونعني به هذا الشكل من الوعي الذي يضع الآخر الطائفي في مربعات الإدانة والاتهام والتبخيس المطلق.

وفي هذا المستوى تكمن المهمة العضوية والتاريخية للمفكرين في ترسيخ هذا النوع من الوعي الموضوعي بالطائفة والطائفية والمذهب والمذهبية على حساب الوعي الذاتي القائم على المطلقات الحسية الغريزية المعادية للآخر والمنادية بإزاحته.

وهناك فرق كبير بين الغائية الطائفية والأداتية الطائفية وكلاهما مذموم: فالأول يعني أن تمارس السياسة لتحقيق مصالح طائفية لطائفة بعينها، أما الثانية فتعني أن توظف الطائفة للمصالح الخاصة الأنوية للحاكم أو للنظام أو لعائلته وكلاهما شر مستطير. ووفقا لهذا التصور فإن النظام في سوريا ليس طائفيا غائيا كما يرى كثير من الباحثين في هذا الشأن أبدا لأنه لا يعبر في أي حال من الأحوال عن مصالح طائفة بعينها ولو كانت الطائفة العلوية التي يتحدر منها الأسد. وبالمقابل يمكن القول بلهجة التأكيد أن النظام السياسي نظام طائفي أداتي بامتياز، أي: أنه يوظف الطائفة في خدمة مصالحه وسياسياته ويضحي بمصالح الجميع من أجل مصالحه الخاصة.

ويجب علينا في هذا السياق أن نميز بين مفهومين للطائفة بين: الانتماء إلى الطائفة من جهة وبين التعصب للطائفة من جهة أخرى، وشتان ما بين الأمرين. فالانتماء للطائفة لا يتناقض مع المشاعر الإيجابية للفرد تجاه الطائفة، وهذا يوازي الانتماء إلى المكان والجماعة والقوم والعصبة والحزب السياسي، ومن هذا المنطلق فإن حب الطائفة دون تعصب ورفع الظلم عنها ومن ثم رفض الظلم الذي يقع منها على الآخر أمر محمود ومطلوب في مجتمع طائفي استبدادي، أي: مجتمع ذو بنية طائفية كما آل حال بلادنا اليوم مع الأسف الشديد. أما الطائفية المذمومة فتعني التعصب الأعمى للطائفة وإعلاء مصالحها على مصالح الآخرين والانتصار لها ظالمة ومظلومة وهذه جريمة لا تغتفر ضد الإنسان والدين والأخلاق والقيم والإنسانية.

ولنا في موقف النبي صلى الله عليه وسلم من العصبية القبلية أسوة حسنة في فهم الطائفية بمعنى حب القوم (الأقربون أولى بالمعروف) عندما قال: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره.(أخرجه البخاري). وعلى هذا المنوال فإن الطائفية بالمعنى الحميد أن يمنع المرء طائفته عن الظلم في حالة كونها ظالمة ويرفع عنها الظلم إذا وقع عليها وكانت مظلومة.

وكم من طائفة افتخرت ما زالت تفتخر بالعظماء من أبنائها. فصلاح الدين الأيوبي ما زال مفخرة للأكراد في العالم الإسلامي وهذا لا يمنع أبدا أن يكون مفخرة لأمته الإسلامية في الآن الواحد، وكذلك هو حال سلطان باشا الأطرش الذي كان مفخرة للسوريين جميعهم ولم يمنعه هذا من أن يكون مفخرة لأبناء جبل العرب الأبرار الأحرار. وهذا هو حالنا مع النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم فهو مفخرة كونية للمسلمين وما زال العرب وأهل مكة يفخرون به دوم الزمان. وهذا هو حال صلاح الدين الأيوبي الذي رفع شأن المسلمين جميعا في العالم كما رفع من شأن الأكراد في العالم الإسلامي وهذا لا يتناقض من عظمته الإسلامية بوصفه رمزا إسلاميا.

وهذا الأمر قد يكون معكوسا تماما حيث تذل القبائل والأمم والشعوب بطغاتها وفساقها وفجارها والفاسقين فيها. وقياسا على ذلك مذهب الفخر والافتخار نقول كم أمة ذُّلت وهانت بالقتلة والمجرمين من زعمائها وسادتها، لقد تحول هولاكو إلى لعنة في التتر والمغول. وستالين إلى رمز تخجل منها روسيا فيما ارتكبه من قتل وسفك الدماء، وها هو القذافي أصبح سبة في قبيلته، وصدام حسن زلة في قومه، وهتلر رمزا للمهانة الألمانية، ونيرون لعنة في روما، وهذا هو حال كل السفاحين والقتلة والخونة من الزعماء الذي أصبحوا عارا على قومهم وأهلهم في كل زمان ومكان.

طائفية النظام السياسي:

وهنا يحق لنا أن نتساءل عن طبيعة العلاقة بين نظام الأسد ومختلف الطوائف ولاسيما الطائفة العلوية التي يتحدر منها وإليها ينتسب؟ فنظام الأسد كان وما زال أكثر الأنظمة السياسية ظلما للشعب السوري بعامة وأبناء الطائفة العلوية بخاصة ولجميع الأقليات والفقراء في سوريا على وجه التحديد والحصر. فالعلويون في أغلبهم طائفة من الفلاحين الفقراء والجنود والموظفين في الدولة في سوريا، ويعلم الحابل والنابل أن النظام السياسي القائم كان وما زال نظاما سياسيا برجوازيا ربويا قائما على الفساد يأخذ بمصالح الطبقات التجارية الغنية ومصالحها على حساب الطبقات الفقيرة ولقمة عيشها. وتأسيسا على ذلك فإن هذا النظام كان دائما وأبدا نظاما معاديا لمصالح الطائفة العلوية بوصفها شريحة اجتماعية من الفلاحين الفقراء والمعدومين.

والسؤال متى كان نظام الأسد في مرحلتي الأب والابن يعنى بالطائفة العلوية ويهتم بمصالحها ويعبر عن طموحاتها ويدافع عن مصالحها؟ نحن في معرض الإجابة عن هذا السؤال نعتقد بأن هذا لم يحدث أبدا في تاريخ آل الأسد ولن يحدث بعد اقترابه من النهاية المأساوية الوشيكة المحتملة فالأسد لم يكن يوما معنيا بطائفته أو أي طائفة أخرى إلا من خلال المصالح الذاتية التي تتصل بأمجاد سلطته ومآثر سطوته.

لقد عمل الأسد الأب منذ بداية وصوله إلى السلطة على تحويل الطائفة العلوية إلى مطية وأداة وضيعة طيعة في سبيل ترسيخ نظام حكمه، وتأصيل استبداده، والمحافظة على مجده الفردي، الذي بناه على أشلاء أبناء الطائفة العلوية، إذ حولهم إلى طبقة من الجند والحراس لنظامه، ففتح لهم ابواب التطوع في الجيش على مصراعيه، وشجعهم وأغراهم على ذلك، ثم عمل على تنظيمهم في وحدات عسكرية مغرقة في الولاء لنظامه، غايتها المحافظة على نظامه وحراسة أمجاده الشخصية. ومن ثمّ وظف أدواته السيكولوجية والإيديولوجية لغسل أدمغتهم وتصفية عقولهم وتطبيعهم على الرضوخ لإرادته والإذعان لمشيئته، فلقنهم دروسا في فن الذل والعبودية والاستكانة، فأصبحوا مجرد أدوات عسكرية طيعة لنظامه يوظفهم في خدمة مجده الزائف وأطماعه الجنونية.

ومنذ البداية عمل الأسد على تدمير كل مظاهر الحياة الفكرية والثقافية لأبناء الطائفة إذ قام بتدمير البنى والتكوينات الفكرية في الطائفة، وعمل على تجويف الطائفة من مختلف قدراتها وكفاءاتها الفكرية والسياسية، فأمعن في أبناءها فتكا وسجنا وتعذيبا وتدميرا، ومن ثم قام بقطع الرؤوس الفكرية والدينية التقليدية والمعاصرة، وأبقى على ذاته ومن يلف لفه حاكما مطلقا ينوب عن الطائفة في كل قضية وفي كل أمر. وبعبارة أخرى جعل من الطائفة جثة هامدة فكريا وثقافيا وأخلاقيا بلا رأس بعد أن قام بالقضاء على مفكريها ومثقفيها وأصحاب الرأي فيها، فأحرق الأخضر، وألهب اليابس، حتى لم يبق في ربوع الطائفة ضرع ولا غرس ولا قيمة ولا زرع، وكدس أبناء الطائفة كجند أذلاء في دمشق، ثم رماهم في أكوام العشوائيات الهوامية المترامية الأطراف بلا كرامة أو قيمة إنسانية بعد أن قطع دابر اتصالهم بأريافهم وقراهم التي عرفوا فيها بعضا من كرامة الوجود وعزّ الحياة.

وفوق ذلك كله سلط على أبناء طائفته هذه الأيديولوجية الطائفية الزائفة التي تروج للأسد بوصفه حامل رسالة الطائفة العلوية والزائد عن مصالحها وكرامتها بجنده الأوفياء وأبطاله الشجعان.

والحق يقال: إن من ينظر اليوم إلى أوضاع أبناء الطائفة العلوية نظرة موضوعية سيرى بأن نظام الأسد كان العدو الأكبر للطائفة العلوية ولم يزل، وما زال هذا النظام يشكل خطرا وجوديا على وجودها ومكانتها في المجتمع السوري. لأن تحويل أبناء الطائفة إلى حراس مخدوعين بزيف المقولات الأيديولوجية للنظام حالة مريعة من حالات الاستلاب والاغتراب تتميز بطابع العمق والشمول، حيث يفقد أبناء الطائفة قيمتهم الإنسانية ويتحولون إلى أدوات طيعة بيد حاكم قاصر جاهل مستبد لا يرحم. ونعود للقول بأن الأسد وظف الطائفية والطوائف خير توظيف في خدمة مصالحه ومآربه وأمجاده الشخصية في تحقيق الامتلاك الشمولي لمقدرات الوطن وإمكانياته. ولو أخذنا المعنى الحميد للطائفية أي الدفاع عن الطائفة ومصالحها وحياتها ووجودها دون تعصب أو كراهية للطوائف الأخرى لقلنا:

- وظف نظام الأسد الطائفة العلوية وما زال في خدمة مصالحه الضيقة في الحكم والاستبداد، وهو على استعداد أن يضحي بأبنائها وأبناء سوريا جميعا من أجل نزواته العمياء وسطوته الخرقاء. وهذا أمر واقعي إذ جعل من الطائفة العلوية (طبعا وغيرها) مطية لمصالحه الأنانية ومصالح العائلة وثلة قذرة من المتآمرين والفاسدين والفاسقين في نظامه السياسي والإداري.

- لو كان الأسد عقلانيا يحب طائفته ووطنه لعمل على تحويل نظام الحكم إلى نظام ديمقراطي يكفل للطائفة العلوية وأبناء الأقليات الكرامة والحقوق والواجبات في وطن متحد متكامل بين أبنائه وطوائفه على مبادئ العدل والحق والخير والحرية والجمال.

- لو كان الأسد عقلانيا يحب وطنه أولا وطائفته ثانيا، ويحرص على مستقبل الوطن والطائفة والإنسان في سوريا، لاستجاب منذ البداية لمطالب شعبه في الحرية والكرامة ولبى مطالبه المشروعة في بداية الانتفاضة أو بعض مراحلها على الأقل.

- لو كان الأسد يحب وطنه أولا وطائفته ثانيا ويعنى بمستقبلهما لعمل على فتح المعامل والمصانع والمتاجر والمعاهد الفنية ويحسن أحوال الزراعة في الساحل بدلا من تجنيد أبناء الطائفة في جحافل الجيش ووحدات النظام لحماية استبداده وتسلطه؟

- لو كان الأسد وطنيا ومحبا لطائفته لعمل على الاهتمام بالأراضي الزراعية في الساحل السوري بعد أن أفقر الفلاحين وأجبرهم على ترك أرضهم وهجرها وبيعها للارستقراطية الناشطة في عهده، ولكان قد وفر مصادر رزق جديدة لأبناء الطائفة تغنيهم عن الذل والمهانة في عشوائيات الشام التي يتجرع فيها أبناء الطائفة كأس الذل والقهر والمهانة!

- لو كان يحب طائفته ووطنه لعمل على تدمير النزع الطائفي وكل أشكال التعصب في البلد ولكان قد عمل على دمج الطائفة العلوية والأقليات جميعها في نسيج وطني سوري دمجا أخلاقيا وإنسانيا رائعا يتصف بطابع الوحدة والديمومة والاستمرار؟

- لو كان محبا لوطنه وغيورا عليها لبث ثقافة الديمقراطية والتسامح في المجتمع السوري وحوله إلى مجتمع ديمقراطي ترسخ فيه القيم الديمقراطية وقيم التسامح لأنه بذلك يخدم طائفته وأبناء الأقليات كما أبناء الوطن جميعا في المجتمع السوري.

- لو كان الأسد يحب طائفته حقا ويغار على وطنه بعد انفجار الأحداث لأسرع في تسليم السلطة لقوى المعارضة المعتدلة وذلك من شأنه أن يضمن سلامة أبناء الطائفة وأمنهم قبل أن تستفحل القوى المتطرفة في البلد وتأخذ مكانها في عمق الحياة السياسية في سوريا.

- لو كان محبا لطائفته ووطنه لتوقف عن قصف المدن والأحياء الآمنة بالدبابات والمدافع دون تمييز بين المقاتلين والمدنيين الاعزل الأبرياء! ولو كان في محبا لوطنه وطائفته لما أقدم على ارتكاب المجازر التي تحمل مسؤوليتها في نهاية الأمر للطائفة العلوية لتصبح (ونتمنى ألا يكون ذلك طبعا) هدفا للمجازر في مستقبل القادم من الأيام.

- لو كان عقلانيا محبا لوطنه وطائفته لما وضع الطائفة العلوية والأقليات أيضا في مواجهة حرب طائفية طويلة الأمد مع أخوتهم من الطوائف الأخرى وهي حرب خاسرة بالضرورة للوطن بأبنائه جميعا.

- لو كان محبا لوطنه وطائفته لما جعل من نفسه والطائفة العلوية أداة في يد إيران تسخرها لخدمة مصالح إيران المذهبية والتوسعية في المنطقة. فالأسد من حيث الممارسة السياسية عدو الطائفة العلوية كما هو عدو لأبناء وطنه والإنسانية جمعاء، لأنه ومن أجل البقاء في كرسيه الوضيع قتل أبناء شعبه وسفك دماءهم ووظف أبناء طائفته وغيرها من العسكر في خدمة مآربه ومصالحه ومصالح عائلته المحدودة الضيقة. وهو اليوم يراهن على وجود طائفته وكرامتها ويضعهم في قفص الاتهام جميعا من أجل البقاء على الكرسي لأيام قد تقصر أو تطول إلى شهور معدودة.

- وما يؤسف له أن الأسد ونظامه السياسي قد حولا الطائفة العلوية أيضا إلى جماعة منبوذة مكروهة في العالمين العربي والإسلامي – وهي لا حول لها ولا قوة في ذلك – نتاجا لسلوكه الدموي وانقياده الأعمى لغرائزه البدائية في قتل الشعب السوري وسفك دماء الأبرياء على امتداد الوطن السوري.

لقد أجرم النظام الحاكم بحق طائفته وشعبه كما لم يجرم أحد بحق شعبه وأمته ووطنه. وأين هو الأسد من أكرم الحوراني الذي أحب طائفته وشعبه من أبناء سوريا جميعا فتفاني في خدمة الوطن والإنسان في هذه الأرض السورية المباركة؟ أين هو منه عندما قام هذا الرجل العظيم وهو سني المذهب وطني الهوى قومي الشكيمة بتوزيع أملاكه وأراضيه على الفلاحين من أبناء الطائفة العلوية حبا بوطنه وبرا منه بأبناء الوطن دون تمييز بين أبناء الوطن؟ نعم هو ذلك الحوراني الذي أعطى وهذا هو الأسد الذي أخذ الأرض والعرض فانتزع أملاك ابناء الطائفة العلوية وحولهم إلى عبيد فقراء أذلاء؟ إنه الحوراني ابن حماه العظيم أعطى الذي أعطى وأكرم بذلا في الكرم والعطاء، وذلك هو الأسد الذي أخذ وسلب وأسرف في الأخذ والنهب والسلب لمكونات الوطن والإنسان… إنه أكرم الحوراني الذي أعطى أراضيه للفلاحين العلويين والأسد الذي نهب أراضيهم وملكياتهم لبناء الاقطاعيات الكبرى على حساب الفلاحين ولقمة عيشهم في المنطقة.

أين أنتم من أكرم الحوراني حين جعلتم من أبناء الطائفة جند حراسة وعبيد أذلاء لثلة من القتلة المأجورين؟ أين أنتم من أكرم الحوراني وغيره من شرفاء هذا الوطن عندما جعلتم بنات الفقراء من الطائفة العلوية وغيرها خادمات للتافهين من أعضاء القيادة القطرية والقومية والمقاولين الساقطين في التاريخ والإنسانية؟ أين أنتم من أكرم الحوراني وصلاح جديد ونور الدين الأتاسي والشرفاء من أبناء هذا الوطن الذين تفانوا حبا بوطنهم وإيمانا به واستبشارا بمستقبله وكرامته؟

يقال عن عنترة أنه حمى قومه بني عبس حيا وميتا.. لأنه بعد موته (كما تروي الروايات) وضع قومه جثمانه على حصانه في ساحة المعركة ليخيفوا به أعداءهم بينما كانوا يعدون أنفسهم للهرب… ولذا غالبا ما يقول الناس رحمك الله يا عنترة: زدت عن قومك حيا وميتا.

أما نحن فماذا نقول لك أيها الأسد بعد أن صببت اللعنة على أهلك وقومك وطائفتك في حياتك وستلاحقهم هذه اللعنة بعد مماتك! لقد خذلت قومك وشعبك ووطنك بعد أن تحولت إلى رمز كبير من رموز التسلط والفساد والإرهاب الدموي سفحا وجنونا وطغيانا.

رحم الله أكرم الحوراني ابن حماه البار وكل الشرفاء في الوطن السوري العظيم. رحم الله شهداء الثورة السورية الأبرار… رحم الله الشهداء من النساء والأطفال والشيوخ.. كان الله معكم أيها الثوار… ونسأل الله أن نحتفل وإياكم بالنصر المؤزر تطهيرا للوطن من هذا العار… عار التسلط وجنون الاستبداد وعقم الكراهية… وعاشت سورية حرة أبية بشعبها الذي آمن بالحرية هوية ووجودا ومصيرا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ