ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 25/10/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

24-10-2012

الأردن في نطاق التأزم السوري

سامح المحاريق

الرأي الاردنية

24-10-2012

ما حدث في لبنان، وما لم يحدث في الأردن، يدلل على الدخول في مرحلة جديدة من الصراع في سوريا، والقضية تكمن في وجود بيئة خصبة من الفوضى على حدود الأردن الشمالية الممتدة لمسافة طويلة، بغض النظر عن الفاعلين المحتملين، وهل هم فاعلين أصلاء أم وكلاء.

الشبكة التي جرى تفكيكها وما حولها من ملابسات في كفة من الميزان، واستشهاد العريف المناصير في كفة أخرى، فمهاجمة الحدود الشمالية مسألة لا يجب أن تغيب وراء الأخبار الكثيرة التي تتوارد من الداخل، وتتقاطر من الخارج.

تراجع وتيرة العنف في العراق، وانفتاح الوضع السوري على الفوضى يغري بنقل عمليات العديد من الأطراف والجهات إلى الداخل السوري، وكل الهموم الأمنية في الملف العراقي والتي وصلت إلى ذروتها مع تفجيرات عمان 2005، تعيد انتاج نفسها، ولكن الأوضاع الداخلية مختلفة، وذلك يلقي بالمعادلة الأمنية بين شقي الرحى، فهي مطالبة بأن تبدي أقصى درجات المرونة داخليا، والتفاعل مع الأوضاع المستوردة من الخارج بأقصى درجات الانضباط والحسم.

ما الحل، هل يمكن أن تبادر الساحة السياسية الأردنية إلى تفعيل هدنة من مسيراتها ومناسباتها لبضعة أسابيع لمنح الفرص للأجهزة الأمنية للتفرغ لمتابعة قضايا زخم تواجد اللاجئين السوريين، وملف ضبط الحدود، نعتقد أن معظم التيارات السياسية في الأردن يمكن أن تتقدم تجاه هذه الخطوة بصورة طوعية.

الحكومة من طرفها يمكن أن تبعث رسائل التطمين المناسبة في بعض الأمور الطارئة في الساحة السياسية المحلية، وبناء على ذلك يتوجه الوسط السياسي والحراكي إلى الإجماع على هدنة إلى حين اجراء الانتخابات النيابية المقبلة، والتي يجب أن تجري بغض النظر عن الظروف المحيطة بالأردن، والتعقيدات القائمة حوله، فوجود المجلس النيابي يجب أن يكون ناضجا لمواجهة جميع الاحتمالات التي تحيق بالمنطقة.

ما جرى في خيمة الصحفيين هو أحد الأمثلة، فالحكومة لا يمكنها أن تغير القانون لعدم وجود مجلس نيابي، وأطراف واسعة من الوسط الصحفي ذهبت إلى ممارسة التحالفات المدنية والاجتماعية مع المجلس المرتقب لإعادة صياغة القانون، وكانت زيارة النسور لخيمة الصحفيين بمثابة مهادنة مبطنة، تعهد فيها بالتعامل بطريقة عقلانية ومتوازنة مع القانون، وهو ما أدى إلى اطمئنان جزئي من قبل الصحفيين، مع وجود خيارات التصعيد الكامنة في حالة تعسف الحكومة في تطبيق القانون.

هذه صيغة مناسبة للتطبيق في مرحلة حرجة وحساسة، ولا يغيب عن كثيرين بأن الخلية الأخيرة، والاشتباكات على الحدود، ما هي إلا رأس جبل الجليد، وكما أشرنا مسبقا، فليس من المستبعد أن يكون في الموجات التي عبرت الحدود جماعات لا تنتمي لتصنيف اللاجئين، ويجب العمل على متابعتها.

الخلية الأخيرة تقليدية، ولا يجب التشاغل بالقاعدة وحدها، فالوضع السوري يمكن أن يسفر عن مخاطر غير معتادة، وغير مسبوقة، وذلك يحتاج إلى يقظة أمنية، وتمتين لما يمكن أن يوصف في هذه الحالات بالجبهة الداخلية، وهذه مسؤولية نعتقد بأن كل القوى السياسية والمدنية في الأردن أهل لها.

=================

سوريا ومبادرة العيد "الإبراهيمية"

تاريخ النشر: الأربعاء 24 أكتوبر 2012

محمد الحمادي

الاتحاد

بعد كل تلك التضحيات وكل القتلى والجرحى والمشردين والمفقودين والمعتقلين، خرج الدبلوماسي القدير مبعوث العرب والعالم إلى سوريا باقتراح يبدو مرفوضاً سلفاً، لكن تم طرحه وتداوله وإشغال العالم والإعلام به خلال الأيام لماضية، وهو الاقتراح بإيقاف الاقتتال بين قوات النظام السوري والمعارضين خلال عيد الأضحى المبارك!

وكأن الإبراهيمي لم يشاهد الأفلام التي شاهدها الملايين على اليوتيوب والتي تصور كيف كان أتباع النظام يقطعون رؤوس معارضيه بالسكاكين والسيوف ويفصلون رؤوسهم عن أجسادهم كما تنحر الخراف في العيد!

وكان ذلك في بداية الأزمة السورية، فما بالنا باليوم وقد أصبح الثأر أكبر والجرح أعمق والرغبة في الانتقام أشد؟!

ما يمكن أن يفعله الأخضر الإبراهيمي هو شيء من أمرين؛ إما أن ينقذ الشعب السوري من بطش النظام أو يتوقف هو عن هذه المهمة، أما هذه الأفكار التي تبدو سوريالية في وضع تراجيدي عميق كالذي في سوريا اليوم، فلا داعي لأن يضيع العالم وقته في الحديث عنها ومناقشتها وإزعاج الشعب السوري بها... فما يحدث في سوريا هو حرب بكل معنى الكلمة، فالقتل اليومي. والتدمير، والتخريب، وإثارة الفتن بين مكونات الشعب وطوائفه، وتدمير المواقع المهمة، السياحية والتاريخية والدينية، وتشريد الشعب... كل ذلك يجعل من غير المنطقي طرح "مبادرة العيد".

ومن السذاجة الاعتقاد بأن الشعب السوري مشغول بالتفكير في الاحتفال بالعيد... فكيف يحتفل شعب ويفرح، وفي كل بيت قتيلٌ أو جريحٌ أو سجيٌن أو مفقودٌ أو مغتصبةٌ؟! وفي كل بيت أم فقدت طفلها أو طفلة فقدت أمها أو ولد فقد والده؟!

عيد السوريين سيكون -كما هم يرددون دائماً- بانتهاء الظلم وعودة الأمن والاستقرار إلى بلدهم واسترجاع حريتهم، وفي ذلك يجب أن تبذل الجهود الدولية، وفي ذلك يفترض أن يفكر الإبراهيمي وفريق عمله ومن ورائهم المجتمع الدولي والمجموعة الإقليمية.

الولايات المتحدة والجامعة العربية وتركيا، وحتى أحمدي نجاد... الجميع رحّب بمبادرة الإبراهيمي لوقف إطلاق النار، وكلهم وافقوا عليها، إلا النظام السوري فإنه لم يوافق، وهذا طبيعي لأنه يدرك بأنه لا قيمة لوقف إطلاق النار في يوم واحد، وبأن هذه محاولة لتسجيل "إنجاز" للجامعة العربية والمجتمع الدولي الذي فشل في تقديم حلول منطقية للأزمة في سوريا. فعندما سئل الإبراهيمي منذ أيام، بعد لقائه مع الرئيس السوري، عن رأي النظام في سوريا حول المبادرة، رفض الكشف عن رد الأسد على موضوع "هدنة عيد الأضحى".

فكرة المبعوث العربي والدولي حول هدنة العيد أقل ما يقال عنها: "تمخض الجبل فولد فأراً"، فبعد أن كان العالم والسوريون في الداخل والخارج ينتظرون مبادرة تنصف الشعب وتنهي معاناته، إذا بهم يسمعون من يتكلم عن هدنة "يوم واحد" ثم تعود الأمور إلى ما هي عليه! وكأن الشعب السوري سيكون قادراً على نسيان معاناته اليومية، أو وضع سلاحه ساعة لتباغته قوات النظام بهجوم لا يعترف لا بيوم عيد مبارك ولا بشهر محرم.

يدرك الجميع أن مهمة الإبراهيمي صعبة، وأن حل الوضع السوري يصطدم بمصالح دولية وإقليمية، فبعض دول المنطقة رغم اختلافها مع نظام الأسد وتعاطفها مع الشعب السوري في تطلعاته، إلا أنها لا تريد نهايةً أو نجاحاً للثورة السورية، أملاً منها في أن تتوقف "أحجار الدمينو" عن السقوط فتتوقف في دمشق حتى لا تصل إلى عواصم أخرى. ولا يبدو هذا الموقف مقبولاً "أخلاقياً" في ظل استمرار القتل اليومي والقصف المتواصل الذي أصبحت تشارك فيه بالدبابات والطائرات الحربية.

التصريحات السياسية التي تنطلق بين الحين والآخر كلها تجمع على أن الوضع في سوريا صعب وأن الحل فيها غير واضح... فهل يتغير موقف المجتمع الدولي بعد الانتخابات الأميركية، خصوصاً بعدما سمعناه خلال المناظرة الأخيرة بين المرشحين أوباما ورومني، فقد كان تعليق كلا الرجلين واضحاً على الأزمة، فأوباما اعتبر أن أيام الأسد باتت معدودةً، أما رومني فقال إنه يؤيد تسليح المعارضة السورية... فهل هذا يعني أن فوز أي من الرجلين يعني اقتراب نهاية الأزمة في سوريا؟ أم أنها دعاية انتخابية تتلاشى مع الإعلان عن الفائز برئاسة الولايات المتحدة؟

هكذا يتساءل الجميع لكن في الوقت نفسه يأملون في أن يصبح للإدارة الأميركية موقفاً أكثر وضوحاً في هذه الأزمة وبالتالي يتجاوز المجتمع الدولي حالة التفرج التي يمارسها على الوضع السوري منذ أشهر دون اتخاذ أي موقف يعكس ادعاءه بالاهتمام بالإنسان وحقوقه أو يبرز رغبته في حقن دماء المدنيين الأبرياء... فكل الجرائم التي ترفضها دول العالم المتحضر والتي ترصدها المنظمات الدولية المعنية بالإنسان وحقوقه والطفل والمرأة والإعلام أيضاً، تم اقترافها على أرض سوريا دون أن نرى في المقابل من يحرك شعرة في تلك الدول والمنظمات، وهذا أمر يبدو مستنكراً، لاسيما وأن تلك الدول والمنظمات تتحرك وبشكل قوي في مناطق تكون أقل خطراً وأقل خسائر في الأرواح، وهي تبذل جهوداً خرافيةً من أجل إنهاء الأزمات!

لا يبقى إلا أن نتمنى عيداً هادئاً لإخوتنا في سوريا، ونتمنى أن تنتهي أزمتهم في أسرع وقت وتستعيد سوريا أمنها واستقرارها وتقر أعين الشعب السوري بالهدوء في وطنهم.

=================

أوهام النأي بالنفس وتوظيف الجوار

باسل ابو حمدة

2012-10-23

القدس العربي

الحوادث الكبرى حتى لو كانت مأساوية، بوسعها توفير أدوات إضافية من شأنها المساعدة على قراءة مشهد هنا أو وضع هناك لا سيما عندما يتعلق الأمر بملفات يلفها الغموض عبر التاريخ وتغلفها الأقنعة المزيفة والقصص الساترة والشعارات الزائفة التي تشيد صروحها للتغطية على الحقائق وتشويهها وحرفها عن مساراتها ومآلاتها الحقيقية افساحا في المجال للعب أدوارا مغايرة تقف على طرفي نقيض مع كل ما تتشدق به أجهزة الدعاية المغرضة التي تجيش في هذه الحالة لتكوين تلك صورة تسمح من الناحية الشكلية بدوام هذه الحال.

شعوب ما يسمى بالعالم الثالث وفي القلب منها الشعوب العربية بطبيعة الحال مبتلاة مصائرها بهذه المعادلة السياسية المقيتة، فتولد في كنفها أجيال وتموت محاطة بكل شيء ما عدا الحقيقة وقد كتب عليها أن تسمع القصص ذاتها من المهد إلى اللحد في مشهد سرمدي يبدو فيه كل شيء مخصيا لا حول له ولا قوة إلا الاستسلام والانصياع والأخذ بكل الأكاذيب التي تصور الأنظمة السياسية على ما هي ليست عليه، بينما تلعب هذه التشكيلات السياسية البوليسية أدوارا قذرة تعصف بحياة الفرد والمجتمع على حد سواء وترهنهما لأمزجة القائمين عليها وأهوائهم ومصالح أسيادهم.

هذا في الحالة العادية، لكن مع بزوغ فجر الربيع العربي، لم يعد المشهد على حاله ولم يعد مطلوبا من هذه الأنظمة البوليسية لعب تلك الدوار القذرة فحسب، بل بات لزاما عليها الحفاظ على نفسها لتتمكن من الاستمرار في لعبها، ما يعني زيادة هائلة في الأعباء الملقاة على عاتقها على المستويين الخارجي والداخلي في محاولة منها لإعادة تفعيل حيوية شعاراتها الزائفة حتى لو كان ثمن ذلك باهظا بما في ذلك اشعال الحرائق في اي مكان يمكن أن يشكل جزءا من النول الذي تنسج به قصصها المضللة.

ولسوء حظ الشعوب العربية أن تاريخها أو تاريخ أنظمتها البوليسية حافل بمثل هذه القصص، فعادة ما يسير خطابها السياسي باتجاه معاكس بالضرورة لما تمارسه على أرض الواقع، فبينما كانت هذه الأنظمة البوليسية ترفع شعار التنمية، كانت شعوبها ترزح تحت خطوط الفقر على امتداد الأوطان، وكانت تدمر بنى المجتمع كافة وتبيع مقدراته بأبخس الأثمان لأسيادها في مراكز صنع القرار حول العالم، وبينما كانت ترفع شعار الحرية والديمقراطية، كانت أقبية أجهزة مخابراتها تغص بمن ينشدون هذه القيمة الانسانية، التي اصبحت واقعا حتى في البلدان الأسوأ حظا وأكثر فقرا في القرن الأفريقي وأميركا اللاتينية، وعندما كان يرفع شعار تحرير فلسطين، كانت فلسطين قد بيعت منذ زمن بعيد مقابل استمرار قادة تلك الأنظمة البوليسية في مواقعهم التسلطية

لسوء حظ المواطن الذي يعيش على أرض عربية أنه يقف على سلسلة لا متناهية من هذا النوع من التضليل والمفارقات والتناقضات، التي لا تنطلي على أحد، لكنها فرضت عليه بقوة الحديد والنار طوال عقود من الزمن، لكن أبرز هذه المفارقات شهدته أنظمة تطرفت في رفع شعارات الحرية والوحدة والتحرير والعدالة وعلى رأسها النظام السوري ومن قبله العراقي والليبي بينما لم يحظ المواطن بأي منها.

خصوصية النظام السوري لا ترد إلى عامل الزمن المديد لبقائه في السلطة فحسب، بل إنها تمتد إلى مروحة واسعة من السياسات والممارسات التدميرية التي أتت على مقدرات وطن ومجتمع يحاولان الانفلات من قبضة جلاد متمسك بكل ما اوتي من خطاب تضليلي وقوة باطشة ببقائه متحكما بمصيرهما وبمصير منطقة بكاملها محاولا توريط كل ما يحيط به في أزمته الداخلية من خلال قوى وشخصيات نسجها على منواله طوال فترة حكمه وما فتئ يستخدمها ابشع استغلال كلما اقتضت الضرورة.

وقد جاءت عملية اغتيال رئيس فرع المعلومات في الشرطة اللبنانية وسام الحسن لتصب في السلسلة ذاتها بعد أن حاول النظام السوري جر بلدان مجاورة أخرى إلى أتون حربه المعلنة ضد الشعب السوري من خلال مسلسل طويل من التحرشات والاعتداءات التي كانت لتشعل حروبا وليس حربا واحدة مع دول الجوار في ظرف آخر، فعندما تعثرت تلك المحاولات على الجبهتين الشمالية والجنوبية، توجه النظام إلى حدوده الغربية، التي يحتفظ خلفها بحلفاء لا يستهان بهم راح يربيهم طوال عقود من الزمن استعدادا للحظة داخلية من النوع الذي تشهده سوريا منذ عشرين شهرا، وكل ما كان ينقصه هو الايعاز باشعال فتنة في البلد الصغير الجار، فكان له ذلك.

أما الهدف من تلك العملية الارهابية فهو لا يخفى على أحد، حيث يحاول النظام السوري من خلالها تعديل ميزان القوى الداخلي، الذي بات يرجح لصالح خصوم يصرون على اسقاطه في دمشق، استقواء بميزان قوى خارجي يأتيه عبر الحدود، بعد أن تكشف له عدم كفاية ما يتلقاه من دعم من حلفاء آخرين يقبعون بعيدا عن تلك الحدود، وبعد أن تأكد له غياب أي قرار دولي بحسم الوضع الداخلي في سوريا، في الوقت الذي تحيلنا هذه العملية المكشوفة إلى تاريخ الوجود السوري في لبنان، حيث يخطئ من يعتقد خروج القوات العسكرية والقوى الأمنية السورية منه كان ناجزا، مثلما يخطئ من يعتقد أن الفصل ما بين سوريا ولبنان يمكن أن يحدث بسهولة وبقرار دولي هنا أو قرار عربي هناك.

كما يخطئ من يؤمن بامكانية قطع الخيوط السوداء التي نسجها النظام السوري مع القوى الظلامية في المنطقة بتلك البساطة التي يتخيلها مخطئين من يحلمون بامكانية الناي بالنفس عن الحريق السوري، مثلما يخطئ من يظن أن جعبة النظام الشيطانية قد نضبت من الدسائس والمؤامرات والزعرنات وعمليات الابتزاز والتشبيح التي لا قاع لها عندما يتعلق الأمر بهستيريا البقاء بأي ثمن وبأي شكل، بحيث تصبح مسألة تصدير أزمته الداخلية وتطويلها من بديهيات المشهد السياسي في المنطقة.

النأي بالنفس يعني في الحالة اللبنانية، على سبيل المثال لا الحصر، يعني الاستقالة من العمل السياسي ودفن الرأس في التراب، فمن الجنون تصديق مقولة العزل السياسي، بينما تشي المسلمات السياسية بترابط قضايا العالم أجمع، فما بالك عندما يتعلق الأمر بقضايا تخص بلدانا مجاورة ومتشابكة ومتداخلة إلى الحد الذي تعيشه البلدان العربية، التي لطالما تنادت قواه السياسية وزعماؤه إلى وحدة تشكل جزءا لا يستهان به من العقل العربي، فضلا عن احتياجات التقارب التي يفرضها الواقع المعاش وضرورات حسن الجوار في هذه المنطقة من العالم.

إذا كانت دولا بعيدة مثل فرنسا والولايات المتحدة ترى نفسها معنية بهذا الشأن العربي أو ذاك، فإنه حري بالدول العربية نفسها أن تعنى بشؤونها الداخلية وشؤون الدول المجاورة لها، وهي مدعوة شعوبا وحكومات إلى التخلي عن سياسة دفن الرأس في التراب والاعداد لفتح طاولة للحوار فيما بينها لمناقشة ما يجري بين ظهرانيها علها تجد طرقا للخروج من مجموعة الأزمات التاريخية المزمنة التي تعصف بها.

' كاتب فلسطيني

=================

'المحاسيم' في سورية: قصص لا تصدق من بحر الظلمات

أحمد كالو

2012-10-23

القدس العربي 

بنى الأسد الأب سورا اشد من سور برلين وأعلى من سور ذي القرنين بين السوريين من جهة، وبينهم وبين الحرية من جهة ثانية، وعاشوا بغلاصم اسمها البونات (أصلها كوبونات)..

لكل شيء بونات ، للسكر والرز والمازوت و'المعارضة' حاليا.. والسوريون من أكثر الأقوام بلاء وإبداعا حسب شهادات كثيرة، فهم أصحاب أول أبجدية، وأول انقلاب عربي، وأول دكتاتورية جمهورية ديمقراطية ذئبية في الكرة الأرضية التي ازدادت دحوا بعد تولي الأسد رقاب السوريين مدة نصف قرن بالحديد والنار التي يعبدها المجوس. سورية كانت معملا مستمرا للحواسيم تحت سنابك حكم الأسدين الاب والابن: حواسيم بين المواطنين وحواسيم بين المحافظات (فهذه موالية وهذه معادية) وحواسيم بين الدوائر الإدارية وفروع الأمن الشبحي، وحواسيم طبقية بين فروع الدراسة الجامعية، وحواسيم بين الأب القائد وأبنائه الذين كانوا يحلمون ليس بلقائه وإنما بظهوره على التلفزيون، فالرجل اقتبس واحدة من أهم صفات الله عز وجل الذي حاول الحلول فيه وهي صفة 'الغيب'!!

'المحسوم' هو الحاجز في اللغة العبرية التي هي واحدة من اللغات العروبية والتي سماها مؤرخ غربي اسمه شلوتزر سنة 1781 تسمية أسطورية هي 'اللغات السامية' من غير برهان عقلي أو وثائقي. الشبه بين النظام السوري والاحتلال الصهيوني'يزداد أسبابا ودلائل: تدمير، وفيتو مضمون من الاستعمار الروسي وفصل عنصري ذكي و'جلا جلا' اسمها الدراما أو صناعة الحكايات البصرية لتخدير الجماهير النائمة في البيوت عن المقاومة والممانعة.. والشبه الأكبر بين إسرائيل ونظام 'اسدائيل' أن كلاهما باطنيان بفارق أن الاحتلال الصهيوني مقنع بثوب الحداثة والعقلانية الزاهيين. في المدن السورية تنتشر الحواجز بكثرة، وأسماء الحواجز مشتقة من المكان فهو 'الحاجز الشمالي' أو 'حاجز المطاحن' أو حاجز 'الموت الأحمر'.. أول اختناق لي في الحواجز، كان بسبب استعجالي، فلكسب عشر دقائق بعد العودة من عملي، ركبت سيارة زميلي عبدو حتى أصل إلى موعد الإفطار في رمضان وليس متأخرا خمس دقائق، كما يحدث في سيارة العمل الحكومية ذات النمرة الخضراء. وقفت على حاجز دوار باب تدمر في حمص نصف ساعة، فقد ذهبت هوياتنا 'بوناتنا الشخصية' إلى براثن الحاسوب'وهناك رقدت في فرنه لتشوى على نيران برنامج اكسل، وغالبا ما يكون الخباز جاهلا أو بطيئا أو بخيلا بالحرية على العابرين المستعبدين. خرجت البطاقات أخيرا، وقد ضاعت مرة إحدى البطاقات من غير أن يكترث بها عسكر الحاجز، ضاعت.. كيف ضاعت. ضاعت يعني ضاعت .. وكان معنى ذلك ان صاحب الهوية سيضيع في الحاجز القادم .. ولم يشفع لنا أن ركاب السيارة أربعة نصفهم من الطائفة العلوية الكريمة (والنصف الثاني من الطائفة السنية التي لا احد يتكرم عليها بصفة الكرم؟) أي أنهم يمثلون 'الوحدة الوطنية' بأجلى صورها. نجونا.. فليس لنا أسماء في القائمة السوداء لكن الضابط الذي ردّ لنا 'الهويات' بدا مترددا وراغبا في اعتقال احدنا، اعتقالي أنا، والسبب مجهول وفي علم الغيب، ربما سببه نظراتي المتهمة أو المتشكية أو الساخطة، ربما هو سرّ في هويتي... أفرج عنا أخيرا، بعد أن قلّب الهوية بيده، وقذفها لي قذفا.. فعدت إلى البيت مثخنا بالخوف والتعب، كان ذلك في الشهر الاول من الثورة، عندما كان التعذيب حتى الموت سنة مؤكدة وأصلا وقاعدة.. نمت من غير إفطار وبكوابيس كثيرة بعد المحسوم الذي سامني أنواع الرعب. خذ هذا المثال: مرة استأخر سائق من سائقي النقل الداخلي هويته في فرن 'التفييش' وقال للجندي الذي كان يعرض اسمه لنار برنامج اكسل: يا أخي اسمي غير موجود. لا تعذب حالك.

فنظر إليه الجندي مذهولا من بسالته الانتحارية، كيف يتجرأ سوري ويطالب بهويته، أليس مكوثه على الحاجز حجا ومكرمة.. ثم صاح فيه: هه .. سأضيف اسمك الآن .. أصبحت مطلوبا. واعتقل السائق في الصندوق الحديدي تاركا الركاب في لجة البحر المحيط..

ينفذ المواطن من خروم حاجز فيعلق في شباك المحسوم الذي بعده، لكن الحرية والحاجة، وكسب القوت اليومي وتفقد الأهل المقصوفين أمور تدفع السوري إلى الحركة بعد التوكل على الحي الذي لا يموت. من المستحيل المكوث في البيت في سبات امني. قليلة هي البيوت التي نجت من الدهم والتفتيش. وليست كل الحواجز بالسماكة 'والحقارة' نفسها، فهنالك حواجز تكتفي بالنظر والتقدير السريع وعليه تقرر فتح الطريق، وهناك محاسيم تصاب بالتعب والإرهاق ويمكن أن يخطئ العابر أو السائق، طامعا في شرود الجندي المرابط على المحسوم فيمشي ظانا أن الطريق مفتوح فيطلق عليه الحاجز النار طلقات تحذيرية لعبوره من غير إذن، فتتسبب الطلقات بالرعب والفزع في الشارع والمدينة كلها. إطلاق النار ليس امرأ سهلا، وان غدا عاديا بعد سنة ونصف من الحرب، على الشعب الذي تجرأ وطالب الجلاد بإطلاق عنقه من النير الذي أدمى روحه.

ويمكن أن أتذكر اعتقالات مجانية على هوامش المحاسيم؛ مثل اعتقال فراس ابن صديقي، عبد العظيم، وهو شاب فارع القامة، في الصف الحادي عشر، كان يعبر حاجز التربية في حمص متجها إلى المدرسة، فأوقفوه وسألوه ما إذا كان قد اعتقل ؟. فأمر الضابط باعتقاله، لأنه لابد لكل حمصي ذكر بالغ ان يذوق طعم الاعتقال فمكث في السجن ثلاثة أيام، في ضيافة الأمن السياسي، نائما على البلاط المبلول، مرعوبا، ولا يعرف ما اذا كان سيخرج حيا أم سيموت تحت التعذيب لأن كنيته عبد العظيم، لكنه خرج بعد ثلاثة ايام فقط لا غير، وهذا يعني انه محظوظ جدا، أكثر من بيل غيتس ومواطنه ستيف جوبز.. لقد خرج حيا، أما أهله فقضوا الأيام الثلاثة أشباحا، من غير طعام، يقتاتون على الأدعية فقط لا غير. لكن زميلا له، ومن نفس عمره، ومن العائلة نفسها، أو بالأحرى من فرع العائلة المصاهر، تعرض للموقف نفسه، على الحاجز نفسه: طلب الحاجز هويته وما اذا كان يحمل في جيبه 'فلاشات'' فأصيب الفتى بالخرس من شدة الرعب. الفتى لايزال حرا، ولم يعتقل ثلاثة أيام أو ثلاث ساعات لكنه الآن اخرس، وعائلته تدور به على ما يتاح من أطباء النفس الباقيين غير النازحين والرجال المباركين لفك عقدة لسانه التي اصيبت بالصمت والخرس.

أظن أن الفضيلة الوحيدة للطاغية الجونيور بشار الأسد هو انه كان سببا في زيادة إيماني بالله، وإقبالي على العبادة، والأذكار والصلوات، فانا أصاب بالكلل والتعب من الأدعية وأنا اعبر المحاسيم، واستبشر عندما أرى عساكر بدواً على الحواجز، فهم اقل احتفاء'بالانتساب الطائفي من الجند العلويين الذين يقلبّون البطاقة الشخصية ظهرا لبطن ويضربون أخماسها بأعشارها، ويكادون يلتهمون لحم البطاقة من شدة ..الوجد.

العساكر على الحاجز ليسوا في شهر عسل، ربما يستحقون الشفقة؟ فهم يقفون على أرجلهم اوقاتا طويلة وتتعرض الحواجز إلى القنص والقصف من قبل الثوار في الليل وأحيانا في النهار، وهم يتعرضون إلى الجوع والعطش والبرد والشمس وقد تسربت شهادات من أطباء في المشافي أن عساكر في الحواجز اسعفوا وهم يهلوسون من شدة الخوف.

روح السوري في 'هويته'.

قبل الثورة كانت إضاعة البطاقة الشخصية مشكلة كبيرة تعادل الخيانة الجزئية، وكسر الهوية في الجيب بسبب الجلوس أو الاصطدام وإعادة طباعة بطاقة شخصية تحتاج إلى عدة أيام نحسات (تحقيق في مخفر ومختار حارة وشهود..) فالانتماء إلى أمريكا التي يعبر فيها العابر- مهما كانت جنسيته - بالسماء أسهل من الانتساب إلى هوية سورية الأسد التي تقدم المقاومة والممانعة إلى المواطن السوري. فالسوري ما أن يذهب إلى أي مكان في العالم، عربيا أو أجنبيا حتى يضربوا له التحية لأنه مقاوم وممانع، وهو لا يحتاج إلى العمل، أو الهجرة، فهو يستطيع ان يعيش على ريع المقاومة والممانعة!!. لا يكتفي السوري بحمل هوية واحدة فهناك هويات جانبية مثل هوية العمل وهوية الطالب والهوية العسكرية.. والمحسوم لا يكتفي عادة بالهويات فلا بد أن يحاور العابر ليكشف دخائله وأسراره. المحاسيم السورية تحب الحوار استجابة لطلب النظام السوري الذي بات فجأة من عشاق الحوار على ضفاف الدردنيل.

والمحاسيم تدرك أهمية الهوية، لذلك تقوم عناصر الحواجز بكسر هويات طلاب جامعيين مختارين لأنهم ينتمون إلى مناطق وأحياء ثائرة. وهذا يعني حكما بالسجن في البيت او في السجون الكثيرة . لكن يمكن طرح هذا السؤال اللعين: لم صنعت البطاقة الشخصية السورية (الهوية) من مواد زجاجية قابلة للكسر؟ لمَ لم تكن مرنة مثل شعارات النظام السوري الذي كان عروبيا ثم صار سورية ثم هاهو يصبح روسيا وفارسيا؟ السوري هو المواطن الوحيد في العالم الذي يضع هويته في حافظة سميكة شفافة لحمايتها من الكسر والتلف والأعين الحاسدة؟ فإذا كسرت، او تعرضت لفقدان العذرية بسبب التلوث او التعرض لشمس الحرية، خسر المواطن شرفه، واعتبر فاقدا للحقوق المدنية إلى حين؛ قد يكون أسبوعا أو شهرا أو عمرا. وربما سجن.. فكيف يستهين هذا الناكر للجميل بهوية دولة مقاومة وممانعة يطمع جميع سكان الوطن العربي والمجموعة الشمسية بمن فيهم ابن الكلب اندريه بارو وهو اركيولوجي قال: لكل إنسان متحضر وطنان؛ وطنه الام وسورية. ونسي هذا الرجل او لم يكن يدرك ان نصف السوريين نازح ومهاجر ومنفي (قبل الثورة) ونصفهم الباقي او العاجز عن الهجرة بلا حقوق بشرية. كيف يسمح السوري لبطاقته بالكسر استهانة بهوية بلد يقوده شاب متواضع بشوش خفيف الظل لم يحدث أن ولدت النساء مثله قط؟ بلد يستحق ان يقود العالم !!

الدهم والدحم:

تعرض بيتنا الذي أقمت فيه بعد هربي من حارتي إلى تسع مداهمات وكلما دوهم قلت لنفسي لابد أنها المرة الأخيرة؟ ثم اقترحت على سكان البناء أن يتركوا باب المبنى مفتوحا، وان يكتبوا على بوابة المبنى 'الدوار الشمالي'. وقد عشنا لحظات رهيبة من الخوف، وتعرضنا لصنوف شتى من الإذلال المركز والدلال الطارئ الرخي الظليل، والدلال هو أن يطلب الضابط الإذن بالدخول وان يطلب منا تبليغ الحريم في الداخل بقدومهم الميمون!

ومن الدلال: ليس أن يظهر إذن النيابة بالتفتيش فلا نيابة في سورية ؟ وإنما أن يلاطفنا بطلب صندويش أو كأس شاي. أما اكبر مفاجآت الدهم التي رأيتها فهو أن ضابطا صعد وحيدا من غير حارس إلى الطابق الثالث ليجد الشاب إحسان مصابا وجريحا فقد أطلقت عليه دبابة قنبلة مسمارية، وهو يحاول إسعاف احد المصابين، ومن الغريب ان الضابط ترك الفتى إحسان الذي يواطئ عمره السادسة عشرة من غير اعتقال شبه مؤكد ، بل من الموت تحت التعذيب في الاقبية ؟، وأعيانا التفسير فإما أنه تركه لأنه ضابط سني المذهب، أو لأن أم إحسان بكت كثيرا وهي ترجو الضابط وتحلف له أن ابنها أصيب بالقنبلة وهو يشتري علبة دخان لأبيه، ولا علاقة له بالثوار والمظاهرات؟ أو أن الضابط ما كان ليتركه لولا انه صعد وحيدا تاركا العناصر في الأسفل. فالعناصر تقوم بوظيفة الاستخبار إضافة إلى الحماية ؟ فيما بعد اعتقل إحسان على احد المحاسيم عدة ساعات وبقي يذوق صنوف الركل واللكم إلى أن أحضرت أمه دفتر العسكرية لتثبت لهم أنه لم يدخل سن السحب إلى الجيش بعد، وانه لا يزال طالبا، في البكالوريا. خرج إحسان مقلوع الظفر (كان اظفره البنصر الطويل مغريا بالقلع). بعد ثلاثة أيام التحق إحسان بالجيش الحر. وهو يقول: الموت على الجبهة خير من الموت تحت التعذيب. وشهادة في سبيل الله أفضل من شهادة ثانوية عامة .

حاجز الكفار:

قتل احد حواجز مدينة الحولة بضعة عشر نفرا من سكان مدينة الحولة فاقسم الثوار على تحطيمه، ولو كلفهم حياة كل المجموعة، وشنوا عليه هجوما كاسحا واستطاعوا هزمه ودحر الحاجز ونتفه نتفا، وأسر الضابط المسؤول عن الحاجز وكانت المفاجأة أن الضابط سني، وقد سأله زعيم الثوار المهاجمين سؤالا واحد لا غير: من هو ربك؟

لا زلت أعيش في حمص واعبر الحواجز، أمس وضع احدهم يده على صدري وسأل: هل أنت خائف؟

قلت والخوف يعصف بي. باحثا عن أفضل جملة منافقة: لمَ أخاف وانتم تسهرون على راحتنا. أسعده الجواب فأطلقني.. احد أعضاء الوفد الأخير المكون من ستة أشخاص قابلوا سكرتير بشار الأسد، وهو مسيحي، كشف دخيلته وصرح قائلا: أنا أحس بالعنصرية على الحواجز؟

سأل السكرتير: العنصرية؟

قال: عندما اقنع الحاجز أني مسيحي وأريهم الصليب (هويته لا تكشف مذهبه وطائفته إلا لأبناء المدينة) يمرروني ويتركون السني محجوزا.

القذائف لا تزال تسقط على الأحياء القديمة، فتئن الخزانات فوق الاسطح مثل الطبول، وتولول زمامير السيارات الحديدية من شدة الضرب.. أخرج إلى السطح وأنظر إلى حمص، إلى المدينة التي استطاع شعبها خداع الطاغية الجبار تيمورلنك بظرفهم، فالمعروف أن الحمامصة استطاعوا حماية مدينتهم من النهب والتدمير بارتداء الأزياء بالمقلوب، وكان ذلك في احد أيام الأربعاء، لكنها لم تستطع بذخيرتها من قنابل الباذنجان ورصاصات البامياء، ولافتات النكات إضحاك الأسد الذي رأينا انيابه بارزة من أول يوم .. فظننا انه يضحك.

 

*كاتب كردي سوري

=================

الثورة السورية وسذاجة الغرب

غازي دحمان ـ دمشق

المستقبل

24-10-2012

كشفت الثورة السورية عن انعدام فعالية الولايات المتحدة و(الغرب عموماً ) في الحدث السوري، فقد قتلها تضارب أهدافها من التغيير في سورية، فمن أمن إسرائيل ومنع انتقال العدوى السورية الى دول الجوار، إلى منع انتشار أسلحة الدمار الشامل أو سقوطها في أيدي "الإرهابيين"، وإلى إضعاف إيران في سوريا واستتباعاً في لبنان، وصولاً إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير والموسع، كانت تلك سلة يصعب على الثورة السورية حملها أو ضمان تحقيقها.

وعلى مدار ثورة الشعب السوري، وعلى وقع عذاباته ودرب آلامه الطويل، لم يستطع الغرب، الذي أربكته أزمته الاقتصادية، سوى استثمار المزيد من الريبة والتشكك في قيمه وادعاءاته وما يسميه رسالته، التي ظهر أنها لا تختلف عن رسالة البعث الخالدة، كل على طريقته، بل إن الأسوأ في الأمر أن الغرب تعمد التلطي خلف موت السوريين لتحقيق أهدافه السياسية في استنزاف إيران وروسيا، وفي سبيل ذلك سمح لهما بممارسة أبشع الانتهاكات بحق الشعب السوري عبر طمأنتهما على الدوام بعدم نيته التدخل في سورية، ما دفع موسكو وطهران إلى ممارسات أقرب منها إلى التمرينات على القتل ووأد الثورات، أكثر منها سياسات تهدف الى الحفاظ على مصالح سياسية وتوازنات دولية معينة.

لا شك بأن استراتيجية المهل وإطالة زمن الأزمة وقبول المبادرات وسذاجة الغرب أو تخاذله وجبنه أوجدا واقعاً على الأرض، هذا الواقع لن يكون في مبناه ومعناه مريحاً لهم، فمن السذاجة التصور بأن المصالح يمكن أن تتحقق من خلال سياسات انتظارية وانتهازية ومترددة.

ثمة حسابات خاطئة وقع ضحيتها الغرب وقائدته الولايات المتحدة الأميركية في الحدث السوري، وهو أنه بمجرد سقوط النظام ستميل كفة الربح إلى جانبهم، مقابل تحقق الخسارة الأكيدة للطرف الآخر (روسيا وإيران)، وهذه حسابات مضللة، ذلك أنهم تركوا الطرف الآخر يعمل بكل أريحية على تشكيل أرض الحدث وهندستها، فإذا لم يستطع ربحها في هذه الحالة، فمن السذاجة أن يسلمها لقمة سائغة، بل ربما يغدو تخريبها نوعاً من الربح كونه يهيئها كواقع إشكالي مستقبلي للخصم.

لقد بدا واضحاً أن الأميركيين أصحاب نظرية (انتهزوا اللحظة) ثبت أنهم في هذه اللحظة كانوا أقل قدرة على التطبيق وأكثر تنظيراً، كل ما فعلوه في لحظة لا تسيّدهم على المشهد الدولي أنهم استنفدوا جهودهم كدولة عظمى بشكل غير مرشَّدٍ في ساحات ما كانت تحتاج كل هذا المجهود، في حين بالغوا في اتباع سياسات حذرة في وقت ما كان يتوجب الحذر، الأمر الذي جعل كل جهودهم من أجل السيطرة على نفط وجيواستراتيجية الشرق الأسط تصبح على الأقل تحت رحمة التفاوض.

في المقابل نجد أن روسيا، التي استنفدتها أميركا ذاتها في حرب النجوم الوهمية، وأخرجتها من التاريخ معلنة بفرح ساذج على لسان فيلسوفها فوكوياما نهاية التاريخ، يبدو أنها استفادت من دروس التاريخ ووفرت طاقتها وجهودها ولم تشغل سوى عنصر واحد من قوتها العنصر الديبلوماسي.

أميركا رومني أو أوباما لن تفعل شيئاً في القضية السورية، فعدا عن كون عناصر ضعف تحركها موجودة في ذاتها، فالأكيد أنها ستجد واقعاً مكرساً لن تستطيع أمامه سوى القبول بلعبة التفاوض، فالنظام وحلفاؤه يجهدون لتغيير طبيعة مسرح الحدث عبر العبث به وتشكيله بطريقة تناسبهم، وكل يوم يمر يصنع معطيات جديدة، مهجرون أكثر، دمار أكبر لمدن وقرى، ولنا أن نتصور استمرارية هذا الأمر وصيرورته بعد أربعة أشهر حين تكون واشنطن قد استفاقت من حملتها الانتخابية؟

القضية لم تعد مسألة نظام وإصلاحات أو تنحّي وسواه، روسيا وإيران من المستحيل أن يقبلا بالخروج من المولد السوري من دون غنائم وهما يتحكمان بالوقائع على الأرض، وهذا وضع طبيعي، وعلى الغرب أن يحصد الشوك، لسنوات طويلة، ثمناً لتردده في إزاحة النظام ودعم المعارضة، وغداً، وعندما نقرأ التاريخ الديبلوماسي كما سيدونه حكماؤهم، سنكتشف قاعدة جديدة في صعود وهبوط الدول، وهي ان إدارة الأزمات الدولية بطرق خلاقة هي سر حفاظ الدول على مكانتها.

=================

أما آن لهذا الجحيم ان يترجل؟

خالد غزال *

الأربعاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

عشرون شهراً انقضت على جحيم يحيا الشعب السوري في قلبه، حاملاً الدمار والموت في كل مكان. عند بدء الانتفاضة، كان تعداد الضحايا بالعشرات يومياً، واليوم قفز الرقم الى المئات، وليس بعيداً ان تدور الأرقام على الآلاف يومياً. ما يزيد الأمر صعوبة ان هذا النفق لا يؤشر الى بصيص نور حول نهايته، بل انه لا قعر مرئياً له.

لم يتزحزح النظام عن المعادلة التي قال بها منذ انطلاق الانتفاضة والقائلة : إن مصير سورية رهن ببقاء النظام، وهي معادلة نجح نجاحاً باهراً في ترجمتها على الأرض عبر تدمير سورية، مجتمعاً وبشراً وحجراً وتراثاً وتاريخاً.. ولن يتوقف. خارج مسلسل القتل، تدور محاولات تهدف الى تسوية سياسية، ما يظهر منها لا يتجاوز الفقاقيع، ولا يؤشر الى أي جدوى.

يبدو المسعى الذي يقوم به المندوب الدولي-العربي الأخضر الابراهيمي هو الأبرز. انتقل الابراهيمي من تفاؤل حذر في بداية مهمته، ليصل الى تحذير بأن الأزمة السورية تبدو الأكثر استعصاء في العالم. تطرح على لسانه اقتراحات من قبيل إرسال قوة من ثلاثة آلاف رجل لحفظ الأمن في سورية، ثم لا يلبث ان ينفيه. يتنقل بين الأقطار العربية والإقليمية باحثاً سبلَ الحل، فتبدو حركته أشبه بتقطيع الوقت. حتى الآن يرفض الإقرار باستحالة نجاح مهمته، وأن ما اصاب كوفي انان هو نفسه ما يعاني منه. يدرك جيداً ان الاستعصاء ناجم عن رفض النظام السوري ورئيسه تقديم أي تنازل، بل يعرف ان قرار الرئيس الأسد استمرار القمع الدموي للانتفاضة مهما كلف سورية من ثمن، على امل النجاح في إنهائها.

مبادرة ثانية أطلقتها القيادة الإيرانية تقوم على حل لمرحلة انتقالية فيها انتخابات نيابية ورئاسية، تجري بقيادة الرئيـس الأسـد نفـسه. تـخوض ايـران ومعـها حزب الله في لبنان معركة مصيرية لبقاء الرئيـس السـوري، بما يـمكن القـول انهـا معـركة حـياة او موت. تتدخل إيران وحليفها اللبناني بشكل فاضح في الأحداث السورية، عسكرياً ولوجستياً ومالياً.. ولا تخفي القيادة الإيرانية هذا التدخل. تبدو مبادرتها أشبه بمهزلة سخيفة، من نظام هو جزء من المعركة يطرح حلولاً تهدف الى شيء واحد هو إنهاء الانتفاضة وتكريس النظام القائم من دون أي تعديلات.

لا يبدو الموقف الروسي قادراً على استيعاب مدى التحولات التي أصابت سورية منذ الانتفاضة، وحجم ما تكبده النظام من خسائر على الصعيد الجغرافي، فهو يتصرف على أساس أن شيئاً لم يحصل بعد، ويصر يومياً على أن الرئيس الأسد باق، وان هناك استحالة لسقوط النظام.

يحار المراقبون في تفسير هذا الموقف، هل باتت مصالح روسيا في العالم العربي متقلصة الى درجة لا تجد فيها سوى النظام السوري المتهاوي حارساً وضامناً لها؟ ام ان روسيا تريد ثمناً غالياً للتخلي عن الأسد على الولايات المتحدة الاميركية والغرب ان تقدمه لروسيا للتوقف عن استخدام الفيتو؟ في كل الأحوال، كما ان إيران مسؤولة عن الدم السوري المتدفق مباشرة، فان روسيا تبدو أيضا مسؤولة عن هذا الدم ولو كان بشكل غير مباشر.

لا تزال المراوغة السمة المركزية لمسلك الولايات المتحدة والغرب تجاه الانتفاضة السورية ومصير الشعب السوري. على رغم الادعاءات الغربية التي لم يجف حبرها حتى الآن عن الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن هذا الشعار يبدو ممتنعاً عن التطبيق في سورية اليوم. رفض الغرب حتى الآن إنشاء منطقة حظر جوي في المناطق الواسعة التي حررتها الانتفاضة.

لم يطلب أحد من الجيوش الاجنبية التدخل، لكن مطلب المعارضة السورية هو الوفاء بوعود سالت في المراحل الأولى من الانتفاضة بضرورة قيام منطقة حظر جوي. تبخرت الوعود بالدعم المادي واللوجستي، وبدا ان الغرب يرفض دعم معارضة قد تقلب ميزان القوى العسكري لصالح الانتفاضة. وآخر تقليعة طلع بها الغرب هو الامتناع عن تسليح المعارضة خوفاً من وصول السلاح الى القوى المتطرفة. وهو عذر لا معنى له سوى الهروب من مسؤولية الوقوف مع الشعب السوري. لا يبدو ان الغرب قد تخلى حتى الآن عن نظرية ضرورة وصول الصراع الى أعلى ذراه، بما ينهي سورية وقوتها ودورها ويحولها أشلاء.

تبقى كلمة حول المعارضة السورية. عندما انطلقت الانتفاضة كان واضحاً ان أحد مآزقها الاساسية انتفاء وجود معارضة سياسية متكونة قادرة على توظيف الأحداث السورية في مشروع سياسي بديل. فالنظام السوري على يد حافظ الأسد وابنه سجل نجاحاً باهراً في إفناء المعارضة السورية طوال عقود. كان من الواضح ان من الصعوبة بمكان تركيب «معارضة على عجل»، فهذا التكوّن والتبلور له قوانينه وزمنه، لذا كان من الظلم توجيه النقد للمعارضة على الفوضى التي تعيشها وعلى تشتتها. أما اليوم، وبعد عشرين شهراً على الانتفاضة، فمن حق داعمي الشعب السوري ان يتساءلوا عن سبب هذا الارتباك في تنظيم المعارضة السورية وأدائها، والعجز عن بلورة مشروع سياسي موحد، وعن وضع حد لخلافاتها قبل ان تصل الى السلطة.

لا تلوح في الأفق نهاية لتلك الجلجلة الطويلة التي فرضت على الشعب السوري، لكن الأمل يظل قوياً في ان الشعب الذي أطلق انتفاضة واستمر بها ودفع هذه الكلفة الهائلة من الدماء والدمار، سيكون بإمكانه، مهما طال الزمن، الوصول بسورية الى عهد جديد بعد إطاحة نظام القمع والاستبداد.

 

=================

وسام الحسن

رندة تقي الدين

الأربعاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

يوم أعلن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عن ارتياحه لخروج اديت بوفييه الصحافية الفرنسية في جريدة «الفيغارو» التي كانت تغطي الحرب في سورية قال العميد وسام الحسن المحترف والكفوء لـ «الحياة» إنها لم تخرج بعد. وكان من الصعب أن يصدق أي كان أن الرئيس الفرنسي أخطأ وأعلن خروجها والعميد الحسن يقول إنها ما زالت في الأراضي السورية. وبعد دقائق من إعلان ساركوزي عن خروجها عاد واعتذر من الفرنسيين في إطلالة إعلامية قائلاً إنه أخطأ وأنها ما زالت في الأراضي السورية. ثم خرجت بوفييه وشكر ساركوزي المسؤولين اللبنانيين بمن فيهم الرئيس سعد الحريري لأنه كان على علم أن العميد وسام الحسن ساعد في إنقاذ وإخراج الصحافية من الجحيم السوري وهي مصابة بجروح خطيرة. فالعميد وسام الحسن كان شخصية استثنائية فكان بارعاً في عمله كرئيس شعبة المعلومات إضافة إلى انفتاحه وصراحته وتواضعه وتعامله مع الناس وأيضاً مع الإعلاميين. فلم يكن يخاف منهم وكانت شبكة علاقاته واسعة معهم ومبنية على انفتاح غير معهود وثقة من رجل مخابرات بالإعلاميين لأنه كان دائماً صادقاً.

إن اغتياله الوحشي مع رفيقه الشهيد أحمد صهيوني مثل اغتيال معلمه الكبير الرئيس رفيق الحريري سببه احترافه الكبير ووفاؤه لبلده ورغبته في حماية بلده من تداعيات حرب النظام السوري على شعبه. فاغتيل وسام مثل الرئيس الحريري وجبران تويني وسمير قصير وبيار الجميل وجورج حاوي ووسام عيد ووليد عيدو واللائحة طويلة من الشهداء كما الشهداء من الشعب السوري الذين يقتلون بالمئات من جيش النظام. العميد وسام الحسن كان يعمل منذ أكثر من سنة على قضية ميشال سماحة لمراقبة أعماله وتحركاته لأنه كان يعرف أن النظام السوري يعد كارثة للبنان. وعندما عمد مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي إلى توقيف سماحة كانت البراهين صلبة وفادحة وكان حلفاء سورية في لبنان وفي طليعتهم «حزب الله» يدركون أن ما لدى ريفي والحسن من براهين صلب وقوي. وأسف الحسن كان شديداً لأن الحكومة اللبنانية لم تصدر مذكرة توقيف بحق رئيس الاستخبارات السورية الذي أوكل المهمة لسماحة. كما أنه كان عازماً على حماية سماحة الموقوف في لبنان من القتل من معلميه لأن بحوزته الكثير من المعلومات عنهم. فالحسن كان مسؤولاً من الجيل الصاعد له مستقبل واعد ليس فقط على الصعيد الأمني بل أيضاً على الصعيد السياسي. ولذا اغتالوه ومعه عدد من أهالي الأشرفية. فلم تتوقف يد الإجرام والقتل أمام المدنيين والمارين في الأشرفية من أولاد ونساء يسقطون مع العميد الشهيد. وقد اغتالوا قلب زوجته التي أرادها في باريس محمية من وحشية من كان يعرف أنه يتعرض لهم. ويتموا ولديه اللذين كانا يبكيان والداً حنوناً ومحباً يوم تشييعه والألم يثقل سنهم الصغير.

إن جمهور ١٤ آذار أخطأ في دفع الناس إلى الهجوم على السرايا. فالمطالبة بإسقاط الحكومة لا تفيد الآن لا على الصعيد الانتخابي لأن قانون الانتخاب لن يمر بكل الأحوال ولا على الصعيد الأمني طالما النظام السوري ما زال موجوداً والتعطيل بكل الأحوال كان دائماً الوضع السائد منذ اغتيال الرئيس الحريري وسلسلة الاغتيالات التي تبعت. إن بقاء اللواء أشرف ريفي والعقيد عماد عثمان الذي عين خلفاً للعميد الحسن عنصر أساسي في مثل هذه المرحلة الدقيقة في المنطقة. أما إسراع سفراء الدول الكبرى في لبنان إلى الرئيس ميشال سليمان لمطالبته ببقاء الحكومة فهو لحرصهم على بقاء «حزب الله» في حكومة ستكون مسؤولة إذا حدثت أي كارثة على جنود الدول في قوات حفظ السلام. فهم يدركون أن أي كارثة تستهدف هذه القوات ستؤدي إلى سحبها وهذا خطر كبير على المنطقة. فلا شك أن بقاء حكومة «حزب الله» أفضل لهذه الدول من فراغ يجعل خطر تعرضها أكبر ولو أن الحكومة غير قادرة على منعه إذا أصرت إيران أو سورية على ذلك. فالأسرة الدولية لها حسابات خاصة بمصالحها وليست بالضرورة متناسبة مع مصالح الشعب السوري واللبناني. رحم الله عميدنا الحسن والأمل أن تقطع يد القتل بسرعة في سورية ولبنان.

 

=================

لا ضمير في معركة كبرى

عبدالله إسكندر

الأربعاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

لم تتحرك الضمائر إزاء الكارثة السورية المستمرة منذ زهاء 19 شهراً، ومقتل اكثر من ثلاثين ألفاً وفقدان عشرات الآلاف وتشريد الملايين وتدمير مدن وقرى كلياً أو جزئياً. ويبدو من غير المفهوم لماذا يرغب الموفد الدولي - العربي الأخضر الإبراهيمي بأن تتحرك الآن، عشية عيد الأضحى. فالعيد بالنسبة للذين حولوا سورية خراباً وطاردوا شعبها، بالقتل والخطف والتشريد وتدمير منازلهم، ليس سوى يوم آخر في روزنامة القتل والعنف والتدمير.

لا نحسب أن الإبراهيمي من السذاجة ليصدق أن مناشدته الضمائر ستؤدي إلى هدنة العيد. لكن مجرد لجوئه إلى مخاطبة الضمائر يعني انه استخلص أن كل جهوده التي لا تزال مجهولة المضمون فشلت في أن يكون يوم عيد الأضحى اقل دموية من باقي الأيام.

ومن الملفت أن هذا الفشل يأتي بعد تأييد فكرة الهدنة من حلفاء النظام السوري الأساسيين، خصوصاً إيران وروسيا التي استصدرت قراراً دولياً لدعمها. كما أن الملفت أن تأتي مناشدة الضمائر بعد لقاء الإبراهيمي الرئيس بشار الأسد الذي رفض الفكرة، معيداً الأمور إلى الموقع الذي ينظر منه إلى الأزمة: جماعات مسلحة تدعمها دول خارجية. والهدنة بالنسبة إلى النظام هي أن تتخلى المعارضة عن السلاح وأن يعلن مؤيدو مطالب الشعب السوري في العالم ولاءهم للنظام.

إذا كانت هذه شروط النظام من اجل هدنة في العيد، يمكن تخيّل كيفية نظرته إلى نفسه وإلى الشعب السوري والمدى الذي يذهب إليه في مطالبه عندما يحين موعد البحث في التسوية، وهي مطالب لا تتعلق بالداخل السوري وكيفية إدارة الحكم مستقبلاً وإنما أيضاً تتعلق بالجوار الإقليمي وشروط تعامل دول هذا الجوار مع الداخل السوري.

في الواقع، أفصح النظام بما فيه الكفاية عن كيفية نظرته إلى شعبه وكيفية إدارته. على هذا الشعب أن يعود إلى التصفيق لأرباب النظام والتسبيح بحمدهم لمجرد انهم لا يزالون يمنون عليه بنعمة الحياة فحسب، إذا كان مستكيناً وخانعاً. أما المطالبة بالحقوق والاحتجاج فقصاصه ما تشهده البلاد منذ 19 شهراً.

أما في المستقبل، فقد أفصح النظام أيضاً، عبر العفو الرئاسي الأخير، أن للشعب الدمار والقتل والتهجير والاعتقال والحرية لمجرمي الحق العام الذي سينضم كثر منهم بعد إطلاقهم إلى «الشبيحة» في مطاردة المدنيين وقتلهم ونهب منازلهم.

ومع الجوار، سيكون التهديد والابتزاز والتفجيرات أدوات التعامل «الديبلوماسي» مع دوله. وعينات هذا التعامل ظهرت في السعي إلى إرساء المعادلة الجديدة مع تركيا والأردن ولبنان. إنها العنف والتهديد به، وصولاً إلى نوع من وصاية كتلك التي شهدها بلد الأرز. فالنظام يتهم هذا الجوار بدعم الجماعات المسلحة ويشترط عليه إنهاء هذا الدعم، أي الانتقال من مرحلة دعم مطالب الشعب السوري أو النأي بالنفس إلى مرحلة تأييد النظام، وما يعنيه هذا التأييد من التزام بموجبات معركته التي ستستمر ضد شعبه. أي تسخير هذا الجوار في خدمته.

هذه هي عناوين الحل الذي يراه النظام من اجل أن يوافق على هدنة العيد. وهي عناوين لا تنبع من معايير الضمير والأخلاق والإنسانية، ولا تحسب حساباً كبيراً للضمائر المعذبة، ومنها ضمير الإبراهيمي.

أنها حسابات سياسية وموازين قوى في معركة كبيرة، لا مكان للضمير فيها. وإذا كان من عمل مفيد للموفد الدولي هو أن يجد سبل تغيير هذه الحسابات والموازين لمصلحة الشعب السوري الذي حرك ضميره.

=================

سوريا العيد بلا هدنة

فواز طرابلسي

السفير

24-10-2012

لم تكذّب مبادرة الاخضر الابراهيمي توقعات الذين حسموا بأنها لن تنجح في عقد هدنة خلال ايام عيد الاضحى. اطلق عليها النظام السوري رصاصة الرحمة عندما رفض الرئيس الاسد البحث اصلا في الموضوع خلال لقائه المبعوث الاممي والعربي. ولم تجرؤ قيادة المعارضة المسلّحة على الاقدام على مغامرة الاعلان عن التزامها بالهدنة من طرف واحد ولو لاحراج النظام او منح الشعب السوري بصيص امل ولو لبضعة ايام.

هل يجب التسليم بكل بساطة بأن البلد الذي لم يعرف يوم هدنة واحدا في نزاعه الدموي خلال سنة وثمانية اشهر لن يعرف الهدنة لايام معدودة لمناسبة عيد الاضحى؟ اي هل يجب التسليم من دون استهوال بأن هذا الشعب محكوم بتقديم المئات من الاضاحي البشرية مجددا خلال ايام العيد؟

عندما كان على النظام السوري التعاطي مع وسطاء يقترحون بدء مسيرة الحل السلمي، كان يشدد على وقف اطلاق النار اولا. هذه المرة تجنّب المبعوث الاممي والعربي اثارة موضوع وقف اطلاق النار، الذي يأتي في رأس قرارات المؤتمرات والهيئات الدولية والذي وافقت عليه السلطات السورية في كل المناسبات. اقترح الاخضر الابراهيمي مجرد هدنة من بضعة ايام على امل البناء عليها، بحسب قوله. فجاءه الجواب: الاولوية للحل السياسي. والمقصود: الاولوية للحل العسكري.

عن قصد او عن غير قصد، وفّرت مهمة الوسيط الاممي والعربي الجديد، مثلها مثل سائر مهمات الوساطة، مهلة جديدة من بضعة اشهر لتمرير الوقت المستقطع خلال الانتخابات الاميركية ولمنح النظام السوري فرصة جديدة لتحقيق ما يسميه «الحسم».

والمراقب للمواقف العربية والاقليمية والدولية لا يسعه الا ملاحظة ما قد اعتراها من تردد وترهّل وانتظار. على الصعيد الاقليمي، تبدو الحكومة التركية ملجومة او عاجزة، تزداد ضيقا بأعداد اللاجئين السوريين على اراضيها الذين جاوزوا المئة الف. اما وزير خارجيتها داود اوغلو فقد اكتشف خلال زيارته صنعاء ان «الحل اليمني » لم يعد صالحا لـ... سوريا (لم يبلغنا ما اذا كان لا يزال صالحا لليمن!)، فأعلن سحب دعوته الى تنحي الرئيس الاسد لنائبه فاروق الشرع مقدمة للحل السياسي العتيد. من جهة اخرى، تعاقبت العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية على اغتيال مبادرة الرئيس مرسي الرباعية. وتقضي السعودية الوقت المستقطع في جدل بيزنطي مع الابراهيمي حول مدى خطورة استمرار الازمة السورية على تفجير الاوضاع في المنطقة، علما بأن الوسيط يبالغ والمملكة تقلل من ذاك الخطر. واذا الوقت مناسب لامير قطر ايضا ان يحلّ في زيارة لغزة لاضافة تنظيم اسلامي جديد الى محفظته... السياسية !

دوليا، لم تحتل المأساة السورية حيزا يستحق الذكر في مواجهات المتبارزَين على الرئاسة الاميركية. كرر الرئيس اوباما قوله ان ايام الرئيس الاسد معدودة. والاكيد ان تصريحات الرئيس اوباما هي المعدودة، لأنه كررها عشرات، بل مئات المرات، على امتداد عام ونصف العام على الاقل. بينما غريمه رومني يزايد بالدعوة الى تسليح المعارضة السورية.

اللافت الوحيد في هذا الوقت المستقطع هو التحول في الموقف الروسي الذي شهد تصلّبا واضحا في الآونة الاخيرة عبّرت عنه الديبلوماسية الروسية بمغادرتها سياسة المغمغة بصدد مصير الرئيس الاسد والإصرار على انه «باق» للاشراف على «الحل». يصعب تبيّن اسباب هذا التحوّل بالضبط. قد يكون احد الاسباب انتقال الجيش النظامي الى المبادرة الهجومية على عدة مواقع ومحاولاته استعادة عدد من البلدات والمدن التي تسيطر عليها المعارضة المسّلحة. وهذا يعني فرض «الانتصار» امرا واقعا على الرئيس الاميركي المتجدد او الجديد، علما بأن اللجوء المتزايد الى القصف الجوي المدمّر والقاتل لا يبدو انه يحقق الكثير من حيث استعادة الفضاء السوري المنفلت من سيطرة النظام او اجلاء المعارضة المسلحة من المدن الرئيسية او حتى استعادة الجيش النظامي بعض المدن التي خسرها في الاطراف.

المؤكد هو ظهور رواية جديدة كل الجدة لدى القيادة الروسية عن الازمة السورية اعلنها الوزير لافروف حين عمّد الرئيس الاسد بما هو «حامي الاقليات» في سوريا والمنطقة. فها هي روسيا قياصرة المافيات والاستخبارات تستعيد أبشع انواع الطروحات الاستشراقية والمشاريع الاستعمارية بصدد المنطقة. فلا تعريف للاقليات هنا الا الاقليات الاثنية والدينية والمذهبية. ولا معنى لحماية الاقليات الا ان تكون ضد «أكثرية». والاكثرية معروفة هنا ايضا. ومع ان رئيس الديبلوماسية الروسية يبرر دعمه بقاء الرئيس الاسد برفض بلاده اي تغيير لحدود المنطقة وكياناتها، إلا إنه يستعيد اللغة ذاتها والنظرة اياها اللتين اعادت بهما بريطانيا وفرنسا النظر في حدود المنطقة وكياناتها في اعقاب انتدابهما الدولي على المشرق العربي وتجزئته بُعيد العام 1920.

العرض الروسي مقدّم لشريك مفترض في هذه المقايضة الدولية هو الولايات المتحدة الاميركية طبعا. والسؤال: ما هو الثمن الذي سوف تناله روسيا بوتين من هذا الشريك قبل ان «تبيع» الاقليات المشرقية وحماتها؟

fawwaz.traboulsi@gmail.com

=================

الثورة السورية

د. عبدالله بن إبراهيم العسكر

الرياض

24-10-2012

    لابد من التنويه إلى أن ما يجري في سورية لو تُرك على حاله فسيعبر الشر والفتن الحدود، وما حدث داخل الأراضي التركية وما حدث في لبنان يشي بأن النار ستستعر بضراوة، في البلدان المجاورة لسورية ما يخلط الأوراق ويُعقد المسألة، عندئذ يتنفس النظام السوري الصعداء

كتب الكثيرون عن الثورة الشعبية السورية، بل إن الكتابات الغربية في أكبر صحفها من الكثرة والعمق والتنوع يفوق ما تنشره الصحف العربية. وجدتُ ما يشبه الاجماع في صحف الغرب وصحف العرب على ضرورة إيجاد مخرج من النفق الذي دخلته الثورة الشعبية في سورية منذ ثمانية عشر شهرا. ووجدت أن موقف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية من المسألة السورية لايعكس الرأي الشعبي أو على الأقل رأي الانتلجنسيا الأمريكية.

سمعت مداولات انتخابية بين الرئيس أوباما والسيد ميت رومني مرشح الحزب الجمهوري في سباق الرئاسة الأمريكية، جاءت مسألة سورية ضمن ما نسميه بالمسائل الخارجية الصغيرة، كانت تعليقات كل منهما غير دقيقة ومن الممكن تفسيرها على أكثر من وجه. لم أتبيّن موقفا واضحا مع أو ضد الثورة الشعبية وكيفية الخروج من المأزق الإنساني.

لا شك أن ما يجري في سورية صدمة كبيرة للضمير الإنساني، لم يحدث مثلها في التاريخ المعاصر، إن موقف الدول الأوروبية وأمريكا لا يتعدى الكلام، وفي بعض الأحيان الكلام من نوع حمّال أوجهه.

لا شك أن أوروبا عاجزة عن اتخاذ موقف قوي لوقف الدمار الشامل الذي تتعرض له المدن السورية، ووصول عدد القتلى إلى اكثر من ثلاثين ألفا. أما أمريكا فاتضح لي أنها مترددة أو في أحسن الظنون لديها حسابات غير متطابقة مع حقوق الإنسان.

ما نسمعه هو التركيز على الحل السياسي كمخرج مقبول من النفق الذي دخلته المسألة السورية، وفي هذا السياق جاءت مهمة السيدين: كوفي أنان والأخضر الإبراهمي. لكن لم يقل لنا أحد ما الحل السياسي؟

إذا لم تتوفر الإرادة السياسية الدولية أو على الأقل الإرادة السياسية الأمريكية فلن يكون للحل السياسي المزعوم أية قيمة.

وإذا كان التدمير الشامل والقتل الواسع يسير كما هي الحال، فلن يكون للحل السياسي المزعوم مكان أو قبول من أطراف النزاع السوري.

لقد اتخذ النظام السوري النزوع والبحث عن حل سياسي كذريعة ووسيلة لمزيد من القتل، ومحاولة تركيع الثورة السورية. واتخذ من المساندة الروسية والصينية والإيرانية وبعض القوى الإقليمية سنداً للاستمرار في ما يسميه الحل الأمني، وهو ما يعني المزيد من القتل والتدمير.

ما يحدث الآن هو بعبارة واضحة لا لبس فيها أن القوى الإقليمية ضعيفة ولا تستطيع التدخل لوقف المجزرة، حتى لو أرادت ذلك. أما القوى الدولية فهي مترددة ولها حساباتها التي قد لا تتسق مع حقوق الإنسان، الذي طالما دندنت تلك القوى حوله.

ما المخرج من النفق وايقاف مكينة القتل المبرمج؟

الجواب هو إرادة سياسية دولية حتى لو تطلب الأمر اتخاذ قرار خارج مجلس الأمن، أو الاتكاء على الفصل السابع من نظام الأمم المتحدة. لابد من موقف شجاع تقوم به الإدارة الأمريكية بدعم القوى الإقليمة وحماية الشعب السوري. وبدون موقف أمريكي أخلاقي لن تستطيع أوروبا القيام بأي عمل مجد.

ومن الأفكار المعلنة قيام منطقة حظر جوي لتكون بمثابة مظلة لحماية آلاف السوريين من قصف الطائرات العسكرية السورية. خصوصاً أن دول الجوار أُثقلت بمئات الآلاف من النازحين السوريين ولا تستطيع قبول المزيد، خصوصاً تركيا والأردن.

بعد ذلك نأتي إلى المرحلة الأخرى وهي تسليح المعارضة بأسلحة خفيفة ومتوسطة. هذا أمر ضروري ويجب عدم الالتفات إلى محاذير مثل هذه الخطوة. كل الحلول العسكرية لها محاذير، لكن الأمر يُقدّر بمقادير غلبة الايجابيات على السلبيات. بدون هاتين الخطوتين: منطقة حظر جوي وتسليح الثوار سيبقى الوضع كما هو، وسيزيد القتل والتدمير، ولن يقبل طرفا النزاع الجلوس حول مائدة واحدة. بعد كل هذا التدمير الشامل والقتل المروع لم يعد أمام طرفيْ النزاع السورى خيارات.

ولابد من التنويه إلى أن ما يجري في سورية لو تُرك على حاله فسيعبر الشر والفتن الحدود، وما حدث داخل الأراضي التركية وما حدث في لبنان يشي بأن النار ستستعر بضراوة، في البلدان المجاورة لسورية ما يخلط الأوراق ويُعقد المسألة، عندئذ يتنفس النظام السوري الصعداء، لأنه نقل الصراع المحلي إلى صراع إقليمي.

وهذه الخطوة الثانية التي اعتمدها النظام السوري بهندسية وتنظيم ومساعدة إيرانية.

=================

هل تحالفت القاعدة مع نظام دمشق؟!

يوسف الكويليت

الرياض

24-102-102

    الغربيون يرون بالإسلاميين السوريين بعد سقوط الأسد خطراً باعتبارهم يحملون ثأر ما جرى في حماة، بينما نفس الأجنحة تحكم مصر وتونس وقد تكون المخاوف مبررة قياساً للطروحات والسلوك التي تتبعه قياداتهم، لكن القضية في سوريا لا تتعلق بأقلية وأكثرية دينية إذا كان النظام لا يفرق بينهم بالقتل والتهجير، والجيش الحر الذي هو القوة الموازية لم يرفع شعارات دينية أو التعهد بالانتقام، بل أكد على حماية الأقليات جميعاً بما فيها المسيحيون الأرثوذوكس والذين طالما جاءت ذرائع تسليح الأسد من قبل روسيا باعتباره الضمانة لحمايتهم..

السؤال: لماذا الحدث في سوريا يكبر ويأخذ مداه عن حوادث أخرى بالمنطقة، السبب يعود إلى طبيعة النظام وتركيبته ونزعته الإرهابية المبررة بالطائفية، والثاني أن موقعها الحساس بين قوى مختلفة تتباعد وتتلاقى أفكارها وعلاقاتها، يجعل سوريا محور الأمن والتوتر، ولذلك حين قبضت الأردن على مجموعة مرتبطة بالقاعدة أرادت القيام بعمليات خطيرة وبواسطة أردنيين أدخلوا متفجرات وأسلحة ونظم تفجير من خلال سوريا، يطرح الشك بأنهم موظفون منها حتى لو تقاطعت بينهم ونظام الأسد خلافات سياسية ومذهبية متجذرة، فقد عملت إيران على توظيفهم رغم العداء، وسوريا قد تتبع نفس الخط في خلق فوضى في الأردن تؤدي إلى زعزعة أمنه أسوة بما فعلته بلبنان، وقبل ذلك بالعراق..

مع تركيا لا تستطيع توظيف العلويين وتحريكهم لمناصرتها، لأن ما يتمتعون به من امتيازات وحياة تتساوى مع بقية المكون الاجتماعي بتركيا، يفوق ما يتمتع به العلويون السوريون في الداخل، لكن ما يثير الإشكال التوافق التام بين نظام الأسد، والمالكي بتبادل المناوئين للنظامين من عراقيين أو سوريين، وعندما قيل إن الأسد الأب كان حاذقاً وصاحب رؤية بعيدة بمناصرته ثورة الخميني نسوا أن النوايا المبيتة لم تتضح، إلا بعد أن شكل تحالف النظامين اتجاهاً مضاداً لكل الأمة العربية، وأن الهلال الشيعي كاد أن يكتمل بوصول المالكي لحكم العراق، غير أن الثورة السورية غيرت المسارات وأن ما بناه الأسد الأب، أطاح به الابن، لأنه تعامل مع الشعب السوري كقطيع تحكمه أقلية مدعمة بالأسلحة والمال، ومهيمنة على الأمن والاستخبارات، وأصبحت إيران في هذه الثورة اللاعب وسوريا وسلطتها المتفرج..

تركيا، ورغم سلبية ما يقال عن مواقفها، هي من يدعم المعارضة وتحمي اللاجئين، لأن رهانها على الشعب أقوى من حصر تأييدها لسلطة اتضح أنها تعاديها لحساب إيران وروسيا وأن دورها بالمنطقة لم يعد بتلك القوة التي كان عليها قبل انفجار الثورة، وفي الحسابات الأمريكية، صارت مناورة السباق على الرئاسة تُدخل سوريا في صلب السياسة الخارجية لها مع إيران، وعملية أن يدعم الجيش الحر بأسلحة من قبلها سوف يخلق معادلة مع الدعم الروسي، وقد يسقط النظام مثلما حدث لليبيا، وهذه المرة بدون تدخل قوة عسكرية أمريكية مباشرة، وإنما بالإرادة الشعبية السورية..

=================

 وأوغلو يتهم دمشق!

راجح الخوري

2012-10-24

النهار

عندما يقول احمد داود اوغلو ان اللواء وسام الحسن كان عنصر توازن على المستوى الاقليمي وان "اغتياله سيولد ردود فعل وتداعيات سلبية ليس على لبنان فحسب بل على كل منطقة الشرق الاوسط ومنها تركيا"، فانه بذلك يوسّع اطار الاشتباه الذي رسمه الرئيسان ميشال سليمان ونجيب ميقاتي عندما ربطا عملية اغتياله بمؤامرة سماحة - مملوك التي كشفها واضعاً رأس النظام السوري في دائرة الاتهام.

كانت المؤامرة تستهدف اشعال الفتنة المذهبية ودفع لبنان الى الحرب الاهلية، ولهذا كان من الطبيعي ان تسارع الدول الكبرى الى ربطها بالتهديدات التي اطلقها بشار الاسد عندما قال ان سقوط نظامه سيشعل الشرق الاوسط، وهذا ما اكده التحرك السريع لسفراء الدول الكبرى الى بعبدا، لمنع انزلاق لبنان الى الفوضى بما يحقق الهدف من جريمة اغتيال الحسن بجعلها مدخلاً الى إغتيال لبنان.

وليس خافياً ان النظام السوري الذي حاول من دون جدوى حتى الآن، جرّ تركيا الى الحرب فأسقط طائرتها ويتعمد اطلاق بعض القذائف على حدودها، والذي يواصل التحرش بالأردن لافتعال ازمة إقليمية، ركّز دائماً رهانه على لبنان كخاصرة رخوة وساحة مفتوحة، يمكن من خلالها ايجاد مخرج له عبر اشعال فتيل حرب مذهبية بين السنّة والشيعة تمتد ألسنتها الى المنطقة كلها، وخصوصاً بعد تصاعد الحقد والكراهيات المذهبية البغيضة التي تؤججها فصول القتل والتدمير في المدن السورية.

ومن الواضح ان اوغلو ينحاز ضمناً الى الاتهامات التي حمّلت النظام السوري مسؤولية اغتيال اللواء الحسن، لأنه استطاع ان يقيم حائط صد في وجه المؤامرات والخطط التي طالما حيكت وتحاك ضد لبنان بهدف تخريب الأمن والهدوء فيه عبر التحضير لمزيد من الاغتيالات التي تستهدف جماعة سياسية بعينها أي 14 آذار، وذلك عندما جعل من "جهاز المعلومات" عيناً ساهرة على النطاق المحلي والاقليمي وحتى الدولي كما يقضي العمل الامني الإحترازي، تسعى لإسقاط المؤامرات على البلد فتكشف الجواسيس الاسرائيليين وترصد عصابات الارهاب وتحذر السياسيين من الجرائم التي تعد لاستهدافهم والتي اتخذت احياناً شكل قوائم الموت!

وهكذا عندما يتم اغتيال وسام الحسن الذي نجح مع جهازه في إفشال خطط اشعال فتنة مذهبية في لبنان يراد لها ان تشكل شرارة لإشعال المنطقة كلها، فيقول اوغلو انه كان "عنصر توازن اقليمي" وان اغتياله سيولّد تداعيات سلبية في لبنان والمنطقة، فان ذلك يبيّن مدى النجاح الذي حققه وقد تحول عيناً ساهرة ترصد المؤامرات على لبنان وحتى على دول المنطقة، فليس غريباً ان يتطلب السهر على الامن في لبنان امتلاك عيون في الاقليم تساعد في كشف اوكار المجرمين وهو ما تستفيد منه الدول الاخرى وهو ما قصده اوغلو!

=================

ظروف سوريا والمنطقة والعالم... تُحبِط الابرهيمي؟

سركيس نعوم

2012-10-24

النهار

عرّاب اتفاق الطائف الذي توصل إليه النواب اللبنانيون عام 1989 في مدينة الطائف السعودية رئيس مجلس النواب السابق السيد حسين الحسيني أكد اكثر من مرة ان الاتفاق الذي أنهى الحرب العسكرية من دون الحرب السياسية كان صناعة لبنانية، فالبحث فيه بدأ عام 1984 بينه وبين البطريرك الماروني في حينه مار نصرالله بطرس صفير، ثم شمل قيادات سياسية وحزبية لبنانية عدة. وصار جاهزاً للبحث النهائي فيه من النواب اللبنانيين بغية اقراره، سواء بنصه او بعد تعديل بعض بنوده في شهر شباط عام 1989. طبعاً دخل على خط البحث رئيس الحكومة لاحقاً (الشهيد) رفيق الحريري الذي حاول مع مجموعة من اصدقائه عامي 1984 و1985 وقف الحروب في لبنان، وإقناع اللبنانيين المتحاربين ("أمل" و"القوات اللبنانية" و"التقدمي الاشتراكي") بتسوية تقضي على اسبابها وتبنّي دولة ينتمي اليها الجميع وتكون سوريا الاسد الاب عرابتها. طبعاً اخفقت محاولته هذه، لكنه لم ييأس، فاستمر احياناً وحده واحياناً مع اصدقائه والسياسيين وتحديداً مع الرئيس الحسيني والبطريرك صفير في السعي لإنهاء حرب لبنان.

في تلك الفترة كانت هناك لجنة عربية من ارفع مستوى تتولى، وبتكليف من قادة الدول العربية، العمل مع اللبنانيين ومع سوريا ومع المجتمع الدولي وخصوصاً  اميركا لوضع حد لحروب لبنان. وفي تلك الفترة ايضاً كان الاخضر الابرهيمي مساعداً للأمين العام لجامعة الدول العربية، وكانت مهمته نقل رسائل ومواقف من اللجنة الى اطراف الحروب في لبنان والى الجهات الخارجية الداعمة لهم. وكبر دوره على الاقل إعلامياً عندما انتهى الإعداد العربي – الدولي لحل الأزمة اللبنانية، وعندما انجز اللبنانيون مشروع التسوية النهائية. إذ زار لبنان اكثر من مرة قبل اجتماع الطائف المشار اليه اعلاه للتشاور مع قادة لبنان، ولدعوة رئيس حكومة العسكريين في حينه العماد ميشال عون الى الاشتراك فيه، وخصوصاً بعد الحملة التي شنها ضد اجتماع الطائف، وبعد الاجراءات العقابية التي اتخذها في حق النواب اللبنانيين، وخصوصاً الذين منهم تحت سيطرته العسكرية والامنية. وما حصل بعد ذلك معروف. وافق النواب في الطائف على التسوية بعد تعديلات لها اقترحوها هم، وبعد تعديل واحد أصرّ عليه الرئيس الاسد تحت طائلة رفض الاتفاق ورفض رعاية تنفيذه.

لماذا هذا الكلام الآن عن أمر حصل قبل مدة طويلة؟

لأن هناك اناساً وجهات مقتنعون بأن الاخضر الابرهيمي الموفد المشترك لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة لحل الأزمة – الحرب السورية سينجح في مهمته مثلما نجح في لبنان عام 1989. وفي هذا الاقتناع ظلم له وتجنٍّ عليه، وخصوصاً اذا فشلت مساعيه. فالنجاح اللبناني ما كان ليحصل لولا توافق النواب اللبنانيين، ولولا تكوّن ظروف عربية ودولية مؤاتية، ولولا موافقة سوريا الاسد الأب، ولولا الانهاك الذي اصاب "المتحاربين" في لبنان. وهذه الأمور كلها غير متوافرة حالياً في كل ما يتعلق بسوريا وحربها. فالابرهيمي ليس متسلحاً بدرع اقليمي لمهمته كما يعتقد البعض رغم الكلام الايجابي شكلاً لمصر ولتركيا ولايران. والصراع في سوريا مستمر، ولم يبلغ أوجه بعد. فهو اولاً صراع داخلي بين غالبية شعب ونظام تحوّل بفعل ممارسات الاخير من سلمي الى مسلح، ومن اصلاحي الى مذهبي. وهو ثانياً صراع اقليمي بين "محور الممانعة" المؤلف من سوريا الاسد وايران الاسلامية ولبنان "حزب الله" وحركات "جهادية" سنية وشيعية في آن واحد، وبين محور رفض الهيمنة الايرانية على العالم العربي والمؤلف من الخليج بزعامة السعودية والاردن ومصر (رغم تناقضات رئيسها مرسي) وليبيا وتونس وغيرها. وهو ثالثاً صراع بين اميركا وايران الاسلامية وصراع بين اميركا وروسيا واستطراداً ايران. الى ذلك كله يبدو ان هناك صراعات بين الثوار انفسهم، اي بين جماعة الداخل وجماعة الخارج، وبين جماعة الداخل انفسهم، وبين جماعة الخارج انفسهم. وفي ظل وضع كهذا لا يعتقد كثيرون ان الاخضر الابرهيمي سينجح، ولا علاقة لذلك بكفاءته ومهارته اللتين يعترف بهما الجميع واللبنانيون في مقدمهم، بل بعدم نضوج الوضع السوري داخلاً وخارجاً والوضع الاقليمي والوضع الدولي. وفور حصول النضوج يمكن الابرهيمي ان يقطف ثماره إذا كان لا يزال في مهمته. أما قبل ذلك فإن السوريين سيبقون في "الحريق" الذي يقتلهم والذي قد "يحرق الاخضر واليابس" في المناطق المجاورة لسوريا كما قدّر الابرهيمي نفسه. فهل بدأ توقّعه يصح باستشهاد العميد وسام الحسن؟

=================

شكوك حول "هدنة الإبراهيمي"

2012-10-24 12:00 AM

الوطن السعودية

الهدنة التي دعا إليها المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي في سورية خلال عيد الأضحى، لا يلوح في أفق المشهد القاتم في الشام ما يبشر بتحققها على أرض الواقع، فقبل يومين من حلول العيد تتصاعد وتيرة المعارك وتتوسع رقعتها في كافة محافظات البلاد، وسط تفاقم مشاكل اللاجئين في دول الجوار.

نظام دمشق ورغم ما يتشدق به من بوادر حسن نية، إلا أنه في الحقيقة لا يرغب في التوقف عن قتل شعبه، وكأن معدلات حصيلة القتلى التي تجاوزت حاجز المئة يوميا لم تشف غليله للعنف. وفي هذا السياق فإن إصدار بشار الأسد ـ أمس ـ مرسوما يقضي بالعفو عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ اليوم، ما هو إلا محاولة لذر الرماد في العيون، لأن القرار لم يشمل الذين انتفضوا مطالبين بالتغيير السلمي، إذ سماهم المرسوم "إرهابيين".

لقد تحول النزاع في سورية إلى هاجس كبير للمجتمع الدولي، بعد أن وصل الوضع في الداخل إلى نقطة اللاعودة مع مقتل أكثر من 34 ألف شخص منذ بدء النزاع. والأمر ليس متوقفا على تفاقم الأوضاع الإنسانية فحسب، ولكن المخاوف قائمة أيضا من امتداد موجات الأزمة إلى المنطقة برمتها. ولا يكفي أن تعلن الأمم المتحدة استعدادها للعمل على مشروع قوة حفظ سلام في سورية بعد توقف إطلاق النار وتبلور حل سياسي واضح، ذلك أن حماية المدنيين من إرهاب الدولة تقتضي مسارا آخر.

ما يجري في سورية، يحتم على المجتمع الدولي أن يتحرك لاتخاذ خطوات متقدمة لوقف نزيف الدم والتدمير الممنهج للمدن، حتى وإن جاء ذلك التحرك خارج إطار الأمم المتحدة، فالإنسانية الآن مسؤولة عما يجري للشعب السوري لعدم وقوفها بجانبه بما يكفي. وبقي القول إن نظام الأسد لن يعطي آلاف الأيتام من أطفال سورية الأمل في اقتناص فرحة حتى ولو كانت منقوصة في أيام العيد.

=================

لأنني مع الشعب السوري

الإبراهيمي لم يطرح الهدنة بصفتها مشروعاً للحل، بل طرحها بصفتها مشروعاً للتهدئة وحقن الدماء ولو لأيام معدودة. وهذا ما يمتلك الرجل أن يعرضه الآن

أنس زاهد

الأربعاء 24/10/2012

المدينة

لأنني مع الشعب السوري الذي يدفع ثمن واحد من أخطر الأزمات.. لأنني مع الأيتام والأرامل والعوائل العالقة والأسر المشردة.. لأنني مع اللاجئين والهاربين بأرواحهم وبشيء بسيط ولا يكاد يذكر من ممتلكاتهم.. لأنني مع الشيوخ الذين لم تعد تسعفهم أقدامهم على الركض عند اندلاع شرارة أي اشتباك أو عند وقوع أية قذيفة.. لأنني مع ما تبقى من تراث وتاريخ وآثار هي ملك للشعب السوري كله.. لأنني مع الحفاظ على البيئة والبنية التحتية وضد هدم البيوت والأحياء السكنية.. لأنني بكل بساطة ضد إحراق الأخضر واليابس..

لأنني مع كل ما سبق وضد استمرار القتل، فإنني مع الهدنة التي اقترحها المبعوث الأممي والعالمي السيد الأخضر الإبراهيمي خلال أيام عيد الفطر المبارك.

الذين سفهوا السيد الإبراهيمي وانتقدوا الهدنة باعتبارها لا تمثل حلاً نهائياً ومقبولاً للأزمة السورية، نسوا أو تناسوا أن السيد الإبراهيمي لم يطرح الهدنة بصفتها مشروعاً للحل، بل طرحها بصفتها مشروعاً للتهدئة وحقن الدماء ولو لأيام معدودة. وهذا ما يمتلك الرجل أن يعرضه الآن.

السيد الإبراهيمي والأمم المتحدة لا يمتلكان أدوات الحل.. كلنا يعلم ذلك.. الحل تملكه الدول العظمى التي ليس لديها مانع من إراقة آخر قطرة دم سورية للهيمنة على سوريا ومن ثم المنطقة بأسرها. ومهما فعل الإبراهيمي ومن ورائه الأمم المتحدة، فإن الحل النهائي يظل مرهونا بإرادة القوتين العظميين: أمريكا وروسيا.

وسط هذا الواقع الدولي المعقد، ما هو الخطأ من منح السوريين الفرصة لإيقاف الاقتتال ولحقن الدماء لأيام معدودة..؟! بل ما هو الخطأ من إيقاف القتال ولو لساعات قليلة يتمكن الناس بواسطتها من لملمة جراحهم واستعادة شيء من هدوئهم واتزانهم وشعورهم بالأمن؟!

مرة أخرى أقول إن الهدنة لا يمكن أن تمثل حلاً نهائياً.. هذا شيء معروف لكل من قرأ كلمتين عن تاريخ الحروب منذ فجر التاريخ. الهدنة هي حقن مؤقت للدماء، والعرب كانوا يعملون بها حتى قبل الإسلام، ثم جاء الإسلام فحافظ على تقاليدها وحرم القتال طوال الأشهر الحرم.

الواقع ليس من البساطة بحيث يُتعامل معه وفقا للمبدأ الخائب: إما كل شيء أو لا شيء.

=================

رأي المراقب

الأزمة السورية فى لبنان

عبدالله الاشعل

عكاظ

24-10-2012

توشك لبنان أن تنزلق إلى حرب أهلية، وهذه المرة بين الموالين للنظام، والموالين للثورة فى سورية، ولبنان بلد مرهف اجتماعيا وسياسيا وطائفيا؛ ولذلك فإن اشتعال النار فيه لن يقف بسهولة. وكلما تابعت الأحداث المتسارعة فى لبنان، استعدت صورة لبنان الجريح لما يزيد على عقد ونصف العقد من الحرب الأهلية، كان فيها الكل ضد الكل، وكان القتل على الهوية الدينية والسياسية، فى حالة سرطانية، أتت على الأخضر واليابس، ولم تفلح كل الجهود الدولية فى وقف هذه الحرب المجنونة. كان ذلك فى عام 1975 وظلت الحرب مشتعلة، وكان يراد لها أن تقضي على لبنان، وأن تصفى فيها حسابات، وأن ترسم بعدها خرائط، وتورطت فيها أطراف دولية وإقليمية، وكان الجهد العربي متواضعا فى وقت كانت المنطقة العربية بعد التقارب المصري الإسرائيلي قد دخلت فى تقاطعات كثيرة. ففي الفترة من 1975 حتى 1989 تاريخ مؤتمر الطائف فى المملكة الذى أنهى رسميا الحرب الأهلية، وجمع كل الأطراف اللبنانية لرسم خريطة لبنان بعد الحرب، وقعت عشرات الأحداث، وظهرت عشرات المحطات فعلى الجبهة الإسرائيلية العربية كانت سورية قد وقعت اتفاق فض الاشتباك في الجولان، مما مهد لأن تسند القمة العربية فى الرياض إلى سورية مهمة التدخل فى الساحة اللبنانية عام 1976 وهو ما مهد بدوره لوجود عسكرى سوري فى لبنان.

كانت المقاومة الفلسطينية طرفا فى الحرب الأهلية، وهو ما سمح لإسرائيل أن تتفرغ لإشعال الساحة اللبنانية، فتحرشت بالمقاومة عام 1981، وضربت المفاعل العراقي فى نفس العام فى الوقت الذى كانت جهة جهنمية أخرى قد فتحت وهى الحرب العراقية ــ الإيرانية . فى عام 1982 احتلت إسرائيل بيروت فى أول سابقة لاحتلال عاصمة عربية. الاحتلال الإسرائيلى لبيروت أدى إلى رحيل المقاومة الفلسطينية من لبنان، والتطور الثاني هو نشأة حزب الله، وبداية الدور الإيراني فى الملف الفلسطيني، وظهور المقاومة اللبنانية فى لبنان بديلا عن المقاومة الفلسطينية وما أحدثته من تعقيدات مع الدولة والمجتمع فى لبنان.وأما التطور الثالث فهو استمرار الوجود العسكري السوري، وفي غضون هذه التطورات جميعا تركت إسرائيل مع الكتائب جرحا غائرا بمذبحة صبرا وشاتيلا. فى الساحة اللبنانية خسر اللبنانيون وخسر الفلسطينيون وخسر السوريون.

=================

قصص من دفتر الظلم!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

24-10-2012

كانت السيارة في طريقها من ضاحية السيدة زينب إلى دمشق، عندما أوقفتها سيارتا أمن ترجل منها عناصر توجهوا نحو ركابها، وطلبوا منهم النزول منها لتفتيشها. كان الركاب ثلاثة رجال وسيدة ثلاثينية على قدر جلي من الجمال. رأى ضابط من شباك سيارة الأمن الثانية السيدة، فجاء يبلغ الرجال الثلاثة أنهم مطلوبون إلى الفرع، وأن عناصر الدورية سيأخذونهم إليه، بينما سيتولى هو مرافقة السيدة إلى منزلها بأمان. بإشارة من يد الضابط، سارع الأمنيون إلى وضع القيود في أيدي الرجال والعصائب الجلدية على أعينهم. احتج أحد الرجال ودفع ببراءته ومن معه، وطلب من الذي سماه «سيادة الضابط» اعتقاله بعد إيصال زوجته إلى البيت، لكن هذا انهال وعناصر الدورية عليه ضربا ورفسا وجره إلى سيارة البيجو 505 ستيشن، حيث ألقي في صندوقها الخلفي، بينما انصاع رفيقاه للاعتقال دون اعتراض، وجرا أقدامهما إلى مقعد السيارة الخلفي مع شيء من الدفع والركل، وكثير من الشتائم التي انهالت عليهما كأفراد في عصابة مسلحة، تصطحب عاهرة تغطي بحضورها مهمتها التخريبية، كي لا تلفت الأنظار إليها.

دخل الضابط ومرافقوه إلى بستان في القسم الشرقي من ضاحية السيدة زينب، حيث جرد السيدة من ثيابها وبدأ باغتصابها، وحين انتهى منها تركها لهؤلاء. بعد ساعة، عادت السيارة الأمنية الثانية وهي محشوة بعناصر من الفرع، انقضوا على السيدة وفعلوا ما سبق لرفاقهم أن فعلوه، رغم أن السيدة كانت قد فقدت وعيها بعد اغتصابها للمرة الرابعة. في اليوم التالي، وجد فلاحون سيدة ميتة والقسم الأسفل من جسدها عاريا ومغطى بالدماء، وقد تم خنقها بشال زهري اللون يرجح أنها كانت تضعه حول عنقها، لكن حلقاته ضاقت بأيد قتلتها حتى أزهق روحها.

وفي الفرع، وبعد استقبال حافل دام قرابة ساعة، تعرض الرجال الثلاثة خلاله لضرب مبرح وإهانات شاملة طالت آباءهم وأجدادهم، جردوا من ثيابهم وأحذيتهم وساعاتهم ونقودهم وخواتمهم ونظاراتهم، ووضعوا في زنزانات منفردة، قبل أن يؤخذوا إلى «الديوان»، حيث سجلت أسماؤهم وأعطوا أرقاما، ووضعوا في «الدولاب» وضربوا حتى ملأ عويلهم أرجاء المكان، ثم أعيدوا إلى الزنازين وقد تورمت أقدامهم وانتفخت عيونهم وازرقت خدودهم وغارت أعينهم من اللكم والصفع والضرب بمختلف أدوات التعذيب. عند الظهر، أخرج أولهم من زنزانته وأخذ إلى التحقيق، حيث نصحه المحقق باحترام نفسه والإقرار بالتهم الموجهة إليه، وأفهمه أن الإنكار لا يجدي، لأن كل ما فعله مدون في دفتر أخرجه من درج طاولة كان يجلس وراءها، ثم فتح صفحة منه وقال: كل ما فعلته موجود هنا، فلا تدعنا نعذبك إلى أن «تفطس». والآن، اعترف بما فعلته أنت وأفراد العصابة ليل البارحة في منطقة السيدة زينب، قال الرجل إنه لم يفعل شيئا، وأطلق صرخة ألم مدوية ارتج الفرع لها، أعقبها بتوسلات ذليلة ترجو الضابط أن يستمع إليه ويفهم وضعه، لكن هذا رد «بجلافة» وهو يشير إلى العنصر الذي يقف وراءه طالبا إليه أن يصعقه مرة أخرى بالكهرباء: هذا ما أحاول فعله، لكنك لا تتجاوب معي. أنا أريد فهم وضعك، لو أعطيتني الفرصة لذلك، بيد أنني لا أقدر أن أتواطأ معك على إخفاء الحقيقة، التي عليك التعاون معي لكشفها وإظهارها حماية للشعب والوطن. رد الرجل متوسلا: دعني أشرح لك، أنا لست من أي عصابة، اسأل فرع الحزب في السيدة زينب عني، وستعرف أنني موال للسيد الرئيس. قاطعه المحقق صارخا: لا تذكر اسم السيد الرئيس كي لا تدنس قداسته بلسانك النجس، ولا تذكرني بالحزب: ألم يكن المجرم إبراهيم اليوسف ضابط أمن الحزب في كلية المدفعية، والمجرم عدنان عقلة مشرفا على التنظيم الحزبي هناك؟ الحزب مليء بالخونة والمجرمين، ونحن نطهره اليوم من العصابات الإسلامية والمسلحة، فلا تقل لي إنك قريب من الحزب، اللعنة عليك وعلى هكذا حزب. اعترف وإلا أزهقت روحك. قال الرجل: كما تريد. كنا البارحة في عملية نفذناها في منطقة السيدة زينب. ضد من؟ سأل المحقق، فقال قبل أن يصعقه التيار الكهربائي مرة أخرى: ضد النظام.

جيء بالرجلين منفردين إلى المحقق، الذي واجههما باعترافات زميلهما الكاملة، وفيها أنهم كانوا يتدربون ليل الأمس على السلاح في بساتين السيدة زينب، بصحبة إحدى العاهرات. صعقهما عنصر الفرع بالكهرباء قبل أن يجيبا، وانهالت عليهما السياط والعصي والقبضات، فأقرا بالتهم الموجهة إليهما وبانتسابهما إلى تنظيم مسلح.

بعد أيام، استدعي الرجال الثلاثة من جديد للتحقيق حول دورهم في موت المرأة التي كانت معهم ووجدت ميتة بعد اعتقالهم. لقد طلب إليهم هذه المرة الإقرار بأنهم اتفقوا على قتلها مع معتقل في الفرع. أنكر الثلاثة التهمة وقالوا: إنهم لم يروا المتهم قبل ذلك، وأصروا على براءتهم، بل إن زوجها اتهم رجال الأمن بقتلها، وذكر للمحقق بأنهم رفضوا السماح له بإيصالها إلى منزلهما قبل أخذه إلى الفرع، وأن الشكوك ساورته في نواياهم، وأنه سينتقم من قتلتها متى خرج من الفرع، فقال المحقق ساخرا: وهل تعتقد أنك ستخرج من الفرع؟ يا مسكين، أنت لا تعرف مع من تتعامل. إنك لن تخرج حيا من هنا، لأسباب كثيرة بينها تواطؤك على قتل السيدة، التي ادعيت كذبا أنها زوجتك.

بعد أيام من التعذيب، وقع الثلاثة إقرارا بأنهم كلفوا شخصا بقتل الزوجة، علموا بعد مضي سنوات كثيرة في السجن أنه كان عنصرا في الفرع.

خرج الرجال بعد ثمانية عشر عاما من سجن تدمر العسكري. قبل مغادرة السجن، طلب منهم أن يوقعوا برقية شكر ترسل إلى من عفا عنهم وسامحهم: السيد الرئيس، فوقعوها، وطلب إليهم السكوت عما جرى لهم فصمتوا. كان الثلاثة قد اعتادوا العيش في السجن دون كلام، فقد كانوا يستيقظون في السادسة صباحا، فيلفون بطانيتهم ويسندونها إلى الحائط، ثم يجلسون عليها ويخفضون رؤوسهم حتى السادسة مساء، حين يأتي وقت النوم، دون أن يقولوا كلمة واحدة كي لا يتعرضوا لأفظع أنواع العقاب. بمرور الزمن، نسي الرجال ألسنتهم، حتى أن واحدا منهم كان يفعل الشيء ذاته في منزله، فهو يستيقظ في السادسة صباحا، فيضب فراشه ويجلس على كرسي أو مقعد قريب من الحائط ويخفض رأسه ويصمت حتى المساء. مع الوقت، نسي أهله رغبتهم في إخراجه من الصمت، وأقلعوا عن ممازحته وتذكيره بأن الإنسان حيوان ناطق. بعد سنوات من الصمت، أفاقوا ذات صباح فوجدوه ميتا ورأسه على صدره وعيناه مفتوحتان وموجهتان نحو الأرض، والدهشة تفيض منهما!

=================

..لهذا لن يستقر لبنان!

عثمان ميرغي

الشرق الاوسط

24-10-2012

لبنان ضحية نفسه والآخرين. فهذا البلد الصغير كتب عليه أن يدفع فواتير كبيرة يسددها من أمنه واستقراره ودماء أبنائه، وفرض عليه أن يعيش في أحسن الأحوال في حالة هدنة هشة ومتوترة، محروما من الاستقرار الحقيقي والسلم الدائم. يختلف اللاعبون، ويتباين الجناة، لكن النتيجة دائما واحدة. يبقى البلد مطلا على حافة الهاوية، تتقاذفه حسابات خارجية وصراعات داخلية لا تنتهي، لأن التعايش الداخلي يراد له أن يظل هشا، والقاعدة المعمول بها بين الأطراف هي «لا غالب ولا مغلوب»، إلا لبنان ذاته فهو يبقى مغلوبا دائما على أمره.

لبنان مستباح، لأن وحدته الوطنية لا توجد إلا بالاسم، وتوتراته الطائفية تجعل مسامه مفتوحة لكي ينفذ منها كل من يريد أن ينهش فيه، أو يصفي حساباته مع الآخرين على أرضه. تجار الشعارات في الداخل استمرأوا بيع القرار الوطني للأطراف الخارجية، ووضعوا مصير بلدهم في أيادي الآخرين، حتى أصبح سلعة في مزاد السياسة ومزايداتها، وساحة مفتوحة لحروب الآخرين وصراعاتهم. فكم من الحروب دارت على أرض لبنان بالريموت كنترول، وكم من التصفيات حدثت بقرارات من الخارج، وكم من ملفات الاغتيالات بقي مفتوحا والقاتل مجهولا؟ قليلون هم الذين سعوا لمساعدة لبنان على الخروج من محنته، وكثيرون الذين أرادوا إبقاءه خاضعا لحساباتهم، ومرتعا لحروبهم.

جريمة اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي لا تختلف في دوافعها وأهدافها عن كثير من الاغتيالات التي عصفت بلبنان، أي إحداث هزة تزيد في الشحن والتوتر، وتدفع البلد إلى فراغ، وإلى فتنة طائفية ترميه إلى الحرب أو تضعه على حافتها. فهناك ما يشبه الإجماع على أن توقيت الجريمة واختيار المستهدف بالاغتيال يرميان إلى تفجير الوضع الداخلي الذي بقي متوترا منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وازداد توترا بعد الأزمة السورية. وكثيرون يرون رابطا بين اغتيال اللواء الحسن وقضية توقيف الوزير السابق ميشال سماحة قبل تنفيذه مهمة اعترف بأن أوامرها صدرت من دمشق. ففي الحالتين كان المطلوب هو تفجير الوضع الداخلي ونقل الحرب السورية إلى الأراضي اللبنانية. فلبنان يبقى هو الحلقة الأضعف بين جيران سوريا، مع وجود حلفاء أو وكلاء وعملاء فيه مستعدين للاصطفاف وراء دمشق وتنفيذ حسابات توسيع الحرب لتخفيف الضغط عنها وإرباك حسابات إقليمية ودولية، خصوصا أن سقوط النظام السوري سيشكل ضربة لإيران وسيضعف حزب الله. من هذا المنطلق رأينا تصعيدا متزايدا على الحدود السورية – التركية، ومحاولات لنقل التوتر إلى الأردن والعراق، وفي هذا الإطار أيضا يمكن النظر إلى توقيت إطلاق الطائرة من دون طيار التي حلقت فوق إسرائيل وتبناها حزب الله.

العقلاء في لبنان سارعوا إلى احتواء الغضب الذي تفجر بعد اغتيال اللواء الحسن حتى لا يحقق المخطط أهدافه، وينزلق لبنان إلى الحرب. لكن المشكلة بقيت في كيف يكون الرد، وهل تستقيل الحكومة أو تقال؟ وإذا ذهبت الحكومة ماذا يكون البديل، وهل يستطيع هذا البديل أن يعمل في ظل التجاذب السياسي والتوتر الطائفي؟

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قال: إنه غير متمسك بالمنصب، لأنه ينتمي إلى طائفة تشعر بأنها مستهدفة، ويستشعر غضبها، ولا يستطيع أن يتحمل مسؤولية دم الحسن. لكن حتى هذه الاستقالة التي كانت ستبدو طبيعية في أي بلد آخر يمر بما يمر به لبنان، لا تبدو أمرا سهلا يمكن الالتقاء حوله ولو بين الحلفاء. فبينما يرى كثيرون أن الاستقالة هي أقل ما يمكن أن يفعله رئيس الحكومة، فإن هناك أيضا من يرون أنها لن تحل المشكلة، بل ستضيف مزيدا من التشويش والتعقيد، وقد تؤدي إلى فراغ، لأن تشكيل البديل سيواجه عقبات من القوى المتحالفة مع دمشق، وأن هذا الفراغ سيزيد في التوتر الطائفي، وقد ينتهي إلى اشتعال الوضع، مما يعني أن من اغتالوا اللواء الحسن نجحوا في النهاية في تحقيق هدفهم. وفي ظل هذه الصورة المربكة تبقى حكومة الوحدة الوطنية حلما بعيد المنال، لأن مثل هذه الحكومة حتى لو شكلت بمعجزة، فإنها لن تنجح إذا لم يكن لبنان موحدا بالفعل، ومتفقا على استقلال قراره، وإذا لم يكن سياسيوه متحدين حول رفض التدخلات الخارجية، وبعيدين عن تأثيراتها.

هل هناك من حل؟

الجواب المحزن أنه لا حل حقيقيا في الأفق ما دام لبنان منقسما على نفسه، ومتوترا طائفيا، وكثير من أبنائه يقدم الولاء للطائفة على الولاء للوطن، ويتجه للاستقواء بالخارج بدلا من تحصين الداخل وتمتين وحدة البلد واستقلال قراره. قد يتداعى الناس اليوم، كما تداعوا بعد اغتيالات أو أزمات أخرى، لحكومة إنقاذ، أو لعقد جولة أخرى من جولات الحوار الوطني، لكن ذلك لن يكون إلا تسكينا للجرح، وليس علاجا للمرض. فاللبنانيون في حاجة ماسة إلى وقفة صادقة مع النفس، وإلى الاعتراف بأن الصيغة الدستورية الراهنة تحتاج إلى مراجعة، لأنها لا تحل المشكلة الطائفية بل تقننها، ولا تعزز الوحدة الوطنية بل تضعفها. ففي بلد يبلغ عدد الطوائف المعترف بها رسميا 18 طائفة، هناك حاجة إلى البحث في كل ما يمكن أن يعزز الانصهار ويقوي الوحدة الوطنية، وهناك ضرورة إلى النقاش الصريح حول ما إذا كانت المحاصصة الطائفية بصيغتها الحالية نجحت فعلا في حماية البلد وفي صون وحدته، أم أنها كرست الطائفية فيه، وجعلته عرضة للاختراقات، وساحة لحروب الآخرين.

مشكلة لبنان لن تحل إلا عندما يتصرف اللبناني على أنه لبناني بغض النظر عما إذا كان مسلما أو مسيحيا، سنيا أو شيعيا، مارونيا أو أرثوذكسيا، درزيا أو علويا، أرمنيا أو أشوريا. وفي غياب ذلك لن يعرف البلد استقرارا حقيقيا، أو سلما دائما، وسيظل يذبح بأيدي أبنائه أو بأيادي الآخرين.

 

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ