ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 23/10/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

22-10-2012

سوريا: حلول عملية ومخاوف مستحقة

تاريخ النشر: الإثنين 22 أكتوبر 2012

عبدالله بن بجاد العتيبي

الاتحاد

تشهد الأزمة السورية حالياً تمديداً جديداً لمرحلة اللاحسم التي يدفع إليها تردد الجميع خارج سورياً عربياً وإقليمياً ودولياً في اتخاذ مواقف حاسمة تنتصر للشعب وتقضي على النظام المجرم، وحده الشعب السوري وبعزيمة أبنائه وإصرارهم وتكاتفهم يبقون جذوة القضية متقدةً وأجراس الخطر معلقةً.

بعد مهمة الدابي الفاشلة ونظيرتها مهمة عنان جاء الدور على السيد الأخضر الإبراهيمي ليخوض مهمةً محكوم عليها بالفشل حتى قبل أن تبدأ ذلك أنه بدون أي تغيّر حقيقي في سياسات ومواقف الدول المؤيدة للشعب السوري وبالمقابل استمرار الدعم الكامل من روسيا والصين وإيران والعراق و"حزب الله" لنظام بشار الأسد وقواته المسلحة وكتائبه الأمنية وشبيحته وأزلامه فلن يحدث شيء جديد.

في ظل هذه المعادلة الجائرة والظالمة، فإنّ الإبراهيمي وهو رجل كثير التجوال قليل الكلام قد تمخّضت خطّته عن الدعوة لفرض هدنة بين الطرفين، فعن أي هدنة يتحدث الإبراهيمي؟ وهل يجوز طرح القضية السورية وما يجري في سوريا بهذا الشكل، أي أن يتمّ التعامل معها على أساس طرفين متقاتلين يملكان نفس المبررات والمقوّمات والقوة؟ إنّ في هذا ظلماً من حيث المبدأ للشعب السوري الذي بدأ ثورته سلمياً لأشهر حتى دفعه النظام عن وعي إلى حمل السلاح والدفاع عن نفسه.

إنّ هدنة كهذه لن تزحزح النظام عن قناعاته ومبادئه ولن تقلّل من دمويته ووحشيته، وفضلاً عن استحالة تأمين هكذا هدنة أو الوثوق بها أو ضمان تطبيقها فإنها فيما لو جرت فإن قصارى أمرها أن تمنح النظام فرصةً لإعادة ترتيب صفوفه والاستزادة من السلاح والإمعان في التخطيط لتدمير أكبر وتخريب أعمّ وأشمل.

طبيعة السياسة أن تفتش عن المصالح، ومن هنا فإنّ لكل طرف إقليمي أو دولي مصالحه في مستقبل سوريا، بعضها مرتبط مع مصالح الشعب السوري وبعضها مرتبطة مع مصالح النظام وبعضها لم يحدد موطئ قدمه بعد، فالأول تشترك فيه كل من تركيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ودوله الكبرى تحديداً وكذلك بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية وقطر، والثاني أي الدول التي ترتبط مصالحها بمصالح النظام السوري نجد روسيا والصين والعراق، ولم تزل دول أخرى تتأرجح ولمّا تحدد مواقفها بعد.

ربما كان قدر الشعب السوري أن يكون هو عنق الزجاجة الذي يجب أن تخرج منه كل تقاطعات المصالح وتشابكات الأيديولوجيات وتناقضات التاريخ وتعقيدات الجغرافيا في هذا المنطقة، التي لم تزل مضطربةً في هذا الجزء من العالم.

ربما لا يتنبه الكثيرون إلى أنّ نار المأساة السورية كلما طال أمد استفحالها وتأجيل اتخاذ قرارات جريئة لحلها وإنهائها كلما أصبحت ناراً ذات شعب ترمي بالفتن والقلاقل ذات اليمين وذات الشمال مكانياً، وتخزّن وقودها للامتداد والاستمرار زمانياً، ما يؤكد أن دفع ضريبة ما لحلها بأسرع وقت هو أفضل كثيراً من تأجيلها الذي سيرفع الضريبة وينشر الأضرار، وما عملية اغتيال اللواء اللبناني وسام الحسن بكل رمزيتها عنا ببعيد.

لعله ليس من حق المراقبين أن يلقوا باللوم على المعارضة السورية والثوّار السوريين – مع التأكيد على أهمية نقدهم وتسليط الضوء على أخطائهم- ما داموا لم يجدوا حاضناً يحتويهم، ليوحدوا الصفوف، ويواصلوا الدعم، ويجمعوا التفرق على خطط مشتركة وتشكيلات متجانسة وإن بالحدّ الأدنى لعمل شيءٍ ما ينقلهم جميعاً من التخبط الذي عاشوه في الأشهر الماضية إلى مستويات أخرى تكون أكثر فعالية في نصرة الشعب السوري وإنهاء أزمته.

ثمة طرق مفتوحة لصنع الفارق في سوريا منها السعي لتوحيد المعبرين عن إرادة الشعب السوري سياسياً وعسكرياً تحت تنظيم واحد أو تنظيمات قليلة بما يلم شعثهم ويضمن توفير الدعم اللازم ويلغي كل المحاذير التي قد يطرحها هذا الطرف أو ذاك فالتعامل سياسياً أو عسكرياً مع قيادة موحدة هو الحل المقبول فلا أحد يستطيع التفاهم مع أفراد أو مجموعات مشتتة.

ومن تلك الطرق كذلك تطوير العمليات المتفرقة في عرض البلاد وطولها لتصبح عمليات نوعية مركزة تضعضع تماسك النظام وتفتّ في عضد من لم يزالوا يصرّون على البقاء تحت لوائه، وتمنح فرصةً أكبر للانشقاق عليه والنأي عنه، مع توفير كل ما تحتاجه عمليات كتلك من دعم لوجستي وعسكري إن بالتخطيط وإن بنوعية التسليح وإن بغيرها من العوامل لضمان أوسع مدى ممكن من التأثير.

ومن تلك الطرق أيضاً محاولات التأثير والدفع للانشقاق في النواة الصلبة التي لم تزل تحمي النظام لأنها تعتقد أنّ مستقبلها مرتهنٌ بالكامل لمستقبل النظام، وأعني بذلك بقايا المؤدلجين العقائديين في حزب "البعث" وكذلك -وبأهمية أكبر- الطائفة العلوية التي ربط حافظ الأسد ولاءها وكيانها به وبعائلته وبنظامه، واستمر بشار على ما كان عوّده أبوه، وأخصّ منها العوائل والأفراد الذين يتولون مناصب حساسة سياسياً أو عسكرياً أو أمنياً، وكلما كبرت هذه الانشقاقات نوعياً أو كثرت كمياً كلما كان أثرها أكبر وأسرع وأوسع.

إن فهم دوافع النفس البشرية مهم في هذا السياق، فالمثال الأخير المتعلق بالطائفة العلوية أو بالأصح من ارتبطوا منها بمصالح متشابكة مع النظام لن يتخلّو عنها بسهولة ما لم يقتنعوا بأنّ بقاءهم مع النظام سيجلب عليهم خسائر أكبر، والأمر ذاته ينطبق على المعارضة ومجموعاتها المسلحة وقادتها الميدانيين فما لم يتمّ إقناعهم بأنّ مصالحهم متحدين أكبر بكثير من مصالحهم مشتتين، فلن يجدوا أبداً طريقهم لخدمة القضية الكبرى قضية تحرير سوريا من حكم مستبد دموي لا مثيل له في العصر الحديث.

لا تندفع النفس البشرية خلف المصالح، فحسب بل لها دوافع كثيرة مختلفة ومتعددة من أهمها في هذا السياق الدافع الأيديولوجي بكل تجلياته سواء حرّكته السياسة أم لا، فمثلاً ما الذي يدفع مقاتلاً إيرانياً أو عراقياً أو لبنانياً لخوض معارك ضارية قد تودي به للهلاك ضد شعب لا يعرفه ولا يحمل عليه إحناً شخصيةً أو ضغائن اجتماعية؟ وبالمقابل فإنّ الأوضاع الاستثنائية التي يتعرض لها الشعب السوري ستحرّك كوامن أيديولوجية مقابلة لدى الأكثرية في العالم العربي والإسلامي، وسيدخل على المشهد مقاتلون أيديولوجيون -وقد فعل بعضهم بالفعل- وستتحوّل الحرب هناك للأيديولوجيا العقائدية والطائفية وحينها سيكون الخرق قد اتسع على الراقع. إنّ لغة المصالح وأصوات أجراس الخطر التي تقرع وإمكانية تحوّل الصراع للأيديولوجيا، وفرصة انبعاث كوامن التخلف كلها تؤكد أنّ الإسراع بإنهاء الصراع أفضل بكل الأحوال من الانتظار.

=================

وسام الحسن: ذراع ضاربة وقاسم مشترك

صبحي حديدي

2012-10-21

القدس العربي 

ذات يوم روى روبرت باير ـ الصحافي، ورجل المخابرات المركزية المتقاعد، وصاحب كتاب 'مواقعة الشيطان'، والبطل غير المباشر لشريط 'سيريانا' الشهير ـ أنه سأل أحد رجال الأعمال السوريين المقرّبين من بشار الأسد، عن مستقبل لبنان، فردّ بالتالي: 'لم يعد لبنان مشكلة سورية. لقد طردتمونا منه، فأسلمناه إلى إيران'. وهذا افتراض صحيح إلى حدّ كبير، حتى إذا توفرت مؤشرات عديدة توحي بأنّ النظام السوري ما يزال اللاعب الأكبر في لبنان؛ وليس اغتيال العقيد وسام الحسن، في عملية تنطوي على مزيج من علوّ التعقيد الفنّي وعمق الاختراق الأمني وطول الذراع الضاربة، إلا أحدث الأدلة على هذه الخلاصة.

بيد أنّ واقعة الاغتيال هذه إنما تجيز المصادقة على الافتراض الذي سمعه باير، حول وقوع لبنان في القبضة الإيرانية؛ كما تقطع خطوة إضافية نحو تمحيص طبائع تلك الحال، في جوانبها الأمنية والاستخباراتية المعقدة. وإذا صحّ القول بأنّ للنظام السوري أكثر من ميشيل سماحة واحد، رابض في بقعة معتمة ما، ينتظر ساعة الصفر؛ فإنّ الصحيح، على قدم المساواة، ذلك الافتراض الآخر الذي يقول إنّ ما قد تملكه إيران من نماذج سماحة، في بُقَع أشدّ عتمة وقتامة، لعلّه أدهى بما لا يُقاس.

غنيّ عن القول إنّ هذه السطور لا تستهدف تثبيت 'مضبطة اتهام' ضدّ أيّ طرف، داخل لبنان أو خارجه؛ ولكنها أيضاً لا تغضّ الطرف عن العناصر الكثيرة، المنبثقة عن منطق بالغ البساطة، يشير إلى المستفيد المباشر من تنفيذ اغتيال الحسن؛ كما يشير إلى 'أصحاب'، وليس 'صاحب'، المصلحة في حزمة الرسائل التي تبعث بها العملية، والعناوين المختلفة التي أُريد لدويّ التفجير أن يبلغ أسماعها. وجملة هذه العناصر تنتهي، على وتيرة المنطق البسيط إياه، إلى أنها عملية يصعب أن تُنفّذ في أيّ شبر من الأراضي اللبنانية، دون علم استخبارات 'حزب الله'، ومحطات استخبارات 'الحرس الثوري'، لكي لا يذهب المرء أبعد في الظنّ والترجيح.

هل كان الحسن خصم النظام السوري؟ لا ريب في هذا، كما يقول تاريخ لبنان منذ سبع سنوات على الأقلّ، بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري خاصة. هل كان 'حزب الله' على خصومة مع العقيد الحسن؟ نعم، بالطبع، لأسباب لا تقتصر على تحالف الحزب مع النظام السوري، بل لأخرى تخصّ ملفات الحزب ذاتها. هل تتلاقى المصلحتان، بما يبيح إزاحة رجل الأمن الأقوى في لبنان اليوم، والخصم الألدّ للمصلحتَين معاً؟ نعم، في المنطق البسيط إياه، الذي لا يستبعد صاحب المصلحة الإيرانية أيضاً، بالتكافل مع ذراعه الضاربة على الساحة المحلية. فلماذا تكون هذه الذراع، لا تلك التابعة النظام السوري، هي الطرف الأرجح وراء العملية؟

ثمة سبب أوّل يخصّ المستوى الرثّ الذي يلوح أنّ عمليات استخبارات النظام السوري قد هبطت إليه، وكانت آخر تجلياته أن يعهد رأس النظام إلى اثنين من 'أقطاب' الفشل الذريع في كسر الانتفاضة (اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي، العاطل عن العمل حالياً؛ وبثينة شعبان، المستشارة الإعلامية)، بأمر التخطيط لعمليات اغتيال وتفجير حساسة في لبنان، فيعهدان بها، من جانبهما، إلى شخص... ميشيل سماحة! الأرجح أنّ عظام اللواء غازي كنعان اهتزت في قبره، سخطاً وشماتة، إزاء هذا الإدقاع في أساليب النظام؛ إذْ هيهات أن ترقى إلى، أو تتشابه مع، عمليات أخرى استهدفت كمال جنبلاط، بشير الجميل، رينيه معوض، صبحي الصالح، حسن خالد، سليم اللوزي، رياض طه، داني شمعون، سمير قصير، جورج حاوي، جبران تويني، وسام عيد...

وثمة سبب آخر يفيد بأنّ النظام السوري هو اليوم، ومنذ تأسيس الحزب سنة 1982، في أضعف أطوار نفوذه داخل آلة القرار العليا لـ'حزب الله'؛ وكما أنها انعكاس لعجز النظام عن هزيمة الانتفاضة، وانحطاط مؤسساته وأجهزته وقواه، فإنها حال تعكس هبوط قدرته على تسويق مقتضيات مصالحه كما كانت الحال سابقاً، في ناظر الأجنحة المتشددة داخل السلطة الإيرانية بصفة خاصة. هو اليوم نفوذ بعيد عن تلك المراحل الذهبية (التي يتحسّر عليها باير، بوصفه رجل استخبارات مخضرماً!) حين كان حافظ الأسد قادراً على دفع إيران، و'الحرس الثوري'، إلى إعادة دافيد لودج، الرئيس التنفيذي للجامعة الامريكية في بيروت، بعد اختطافه إلى طهران، سنة 1982؛ أو إنذار 'حزب الله' بإطلاق سراح رهائن طائرة الـ TWA في مطار بيروت، سنة 1985؛ أو إطلاق سراح شارلز غلاس، مراسل الـ ABC، من أيدي خاطفيه التابعين للحزب، سنة 1987...

ولأنّ حصّة 'حزب الله'، في شؤون لبنان الأمنية والعسكرية، صارت الأكبر، شاء خصومه ـ والحلفاء، كذلك! ـ أم أبوا؛ فإنّ عملية الأشرفية تُحتسب على ذمّة الحزب، قبل أن تُلصَق بسواه من 'المشبوهين المعتادين'، استخبارات النظام السوري، أو أجهزة حلفائه الأقلّ شأناً. ويستوي، هنا، أن يخدم الاغتيال 'جبهة المقاومة'، أم يريح 'جبهة الممانعة'، أم يقلب الطاولة ويخلط الأوراق كيفما اتفق، أم يضع لبنان قاب قوسين أو أدنى من فوهة بركان... القاسم المشترك هو تهديد أمن اللبنانيين، واستهداف دياناتهم وطوائفهم ومذاهبهم... أجمعين!

=================

الجوار السوري على فوهة بركان

رأي القدس

2012-10-21

القدس العربي 

شيع اللبنانيون يوم امس جثمان العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات في جهاز الامن الداخلي اللبناني بمشاركة عشرات الآلاف، معظمهم من تيار الرابع عشر من اذار، وتقدمهم مفتي لبنان والسيد فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان الاسبق الذي القى كلمة نارية اشار فيها صراحة باصابع الاتهام الى سورية.

عملية الاغتيال هذه فاقمت من حدة التوتر وزادت من حالة الانقسام الطائفي والسياسي في البلد، حيث اقدم شبان يتبعون تحالف الحريري الى قطع الطرق في معظم المدن اللبنانية.

الموالون للسيد الحريري وتكتله السياسي جزموا منذ اللحظة الاولى ان العميد الحسن اغتيل من قبل عناصر تابعة او قريبة من المخابرات السورية بسبب دوره في كشف محاولة للسيد ميشال سماحة الوزير اللبناني السابق تهريب اسلحة ومتفجرات من سورية الى لبنان لاستخدامها في اعمال تفجير واغتيال، وفاجأ السيد نجيب ميقاتي رئيس الوزراء اللبناني الحالي عندما ربط، في تصريحات له، بين عملية تهريب الاسلحة هذه واغتيال السيد الحسن وقال ان طائفته السنية مستهدفة.

في المقابل يرى المقربون من سورية ان من الخطأ التسرع واطلاق اتهامات قبل بدء التحقيقات، فسورية هي اكثر الاطراف تضررا من حدوث فتنة طائفية في لبنان، وحدوث اضطرابات واعمال عنف.

واعاد هؤلاء التذكير باتهامات مماثلة لسورية صدرت اثناء اغتيال السيد رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الاسبق، وركزوا على ان اسرائيل ربما تكون المستفيدة من هذا التفجير للرجل الذي كشف العديد من الشبكات التجسسية التابعة لها في لبنان.

حالة الجدل هذه ستستمر حتما لاشهر وربما لسنوات قادمة، فحتى هذه اللحظة، ورغم التحقيقات المكثفة من قبل محققي محكمة الحريري الدولية، لم يتم تحديد الجهة التي وقفت خلف عملية اغتياله، وكل ما تردد من اتهامات لم يخرج من اطار التسريبات الصحافية.

المنطقة العربية بأسرها تقف على حافة بركان كبير قد تكون عملية اغتيال العميد الحسن احد تنفيساته، فلبنان هو الحلقة الاضعف، ومن غير المنطقي ان تشتعل سورية بأسرها وتغرق في حرب اهلية طائفية ويظل لبنان آمنا مستقرا، خاصة ان تكتل السيد الحريري يدعم الثورة المسلحة فيها بالمال والسلاح، وهو ما لم ينفه السيد الحريري واكده قبل الاغتيال بيومين، بينما هناك من يتهم حزب الله بدعم النظام السوري بالمقاتلين والسلاح وهو ما نفاه الحزب على لسان قائده السيد حسن نصر الله.

دول الجوار السوري خاصة تلك المتورطة في دعم المعارضة المسلحة وتسهيل عملياتها مثل الاردن وتركيا، بدأت تعاني من اعراض جانبية، وتوترات داخلية، فقد اعلنت المخابرات الاردنية يوم امس عن كشف 'شبكة تخريبية' تضم مجموعة كبيرة من عناصر تابعة لتنظيم 'القاعدة' وقالت انها قادمة من سورية خططت لتفجيرات ضخمة في حي السفارات الراقي في عمان (عبدون) قد ترتقي لتفجيرات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر).

مدينة ستراسبورغ حيث يوجد مقر للبرلمان الاوروبي شهدت مظاهرة ضخمة شارك فيها الالاف معظمهم من الاتراك ابناء الطائفة العلوية، قدموا من مختلف انحاء اوروبا للمطالبة بحقوق هذه الطائفة في المساواة والاحتجاج على ما وصفوه بالظلم والاضطهاد والتمييز ضد العلويين في تركيا وقالوا 'انهم مهمشون في المؤسسات التركية واماكن عبادتهم غير معترف بها'.

هذه الاحتجاجات غير المسبوقة تأتي من حيث توقيتها وشعاراتها، تضامنا مع ابناء الطائفة العلوية في سورية التي ينتمي اليها الرئيس بشار الاسد. وبهدف توجيه رسالة احتجاج قوية الى تركيا التي تدعم المعارضة السورية المسلحة التي تقاتل من اجل الاطاحة بنظامه. وهناك من يقدر عدد العلويين في سورية باكثر من 13 مليون انسان يتركزون قرب الحدود السورية مع تركيا.

النظام السوري الذي يواجه حرب استنزاف على مدى العشرين شهرا الماضية بدأ الانتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم، واستخدام كل ما في جعبته من اوراق ضد خصومه، ولذلك قد تأتي الايام والاشهر المقبلة حافلة بالمفاجآت.

=================

هل تمتد الأزمة السورية إلى لبنان؟

إبراهيم غرايبة

الغد الاردنية

لقد امتدت بالفعل. والواقع أن لبنان مسرح للأزمة السورية منذ عقود عدة، وكان أيضا على الدوام مخرجا وحلا لأزمة النظام السوري، وكان في ذلك يجد تواطؤا وتعاونا دوليا وإقليميا. ولكن الحال تغيرت منذ العام 2003، وصارت سورية غير مرغوب فيها في لبنان. ولكن إخراجها لم يكن سهلا. فلم تكن الولايات المتحدة، بسبب أزمتها في العراق، قادرة على إعادة ترتيب الشأن السوري كما كانت تعلن وتحلم، عندما قال جورج بوش الابن إن الوجود الأميركي في العراق هو بداية لإعادة ترتيب جديد في الشرق الأوسط، وسارعت سورية إلى الانسحاب من لبنان، وإعادة ترتيب أوراقها وشؤونها لمرحلة جديدة. ولكن النظام السوري اكتشف وبسرعة ثغرات عدة في المشروع الأميركي، وبدأ من جديد يعيد بناء استراتيجية المكاسب بالنقاط؛ النشاط الاستخباري والسياسي في لبنان والعراق، واستخدام الجماعات السياسية والمسلحة، والتعاون مع الولايات المتحدة المتورطة والمتلهفة للمساعدة.

النظام السوري يراهن على أن التحالف الاستراتيجي الذي تشكل بعد الغزو الأميركي للعراق: إيران وروسيا وسورية وحزب الله، وكانت قطر و"حماس" في وقت من الأوقات جزءا منه؛ يراهن على أنه قادر على العمل والبقاء، وأن لبنان يصلح للتأثير على العالم والإقليم، لأجل إطالة الحرب وتوسعتها. ففي هذه الحالة سيكون هو الأقدر على الاستمرار، وترجيح النتائج لصالحه في مواجهة ثورة مسلحة تحتاج إلى جغرافيا آمنة، وإمداد وإيواء وتنظيم وتدريب وتسليح سيكون مرهقا جدا في مواجهة دولة راسخة تملك إمكانات وتجارب استخبارية وأمنية وعسكرية هائلة جدا، مقارنة بثورة غرة عرضة للاختراق والاستدراج، وهي ابتداء ثورة سياسية جماهيرية!

ويدرك النظام السوري أنه إذا لم يسقط، فسوف تعقد تسوية سياسية يحكمها الواقع المتشكل والمكاسب والخسائر الميدانية عند التفاوض. وهو قادر على الاستمرار إذا لم يحدث تدخل خارجي قوي وحاسم، وقادر أيضا على أن يحول لبنان واللبنانيين إلى رهينة، ويبتز اللبنانيين والعالم أيضا بلبنان. وبالطبع، فإن بيروت ليست أعز على النظام السوري من حلب وحمص! وفي جميع الأحوال، فلم يعد لدى النظام السوري ما يخسره أو يمكن أن يحتفظ به؛ فهي مغامرة باتجاه واحد وخيار واحد.

ولكن الموقف العالمي والعربي والإقليمي محير ومرتبك؛ فلا يبدو في الحقيقة مشروع سياسي أو عسكري حقيقي لإنهاء الأزمة السورية. إذ إن المبادرات السياسية تثير الضحك والسخرية، ولا تبدو جدية. وفي الوقت الذي يخوض النظام حربا عسكرية شاملة مدعومة بقوة ووضوح وصلافة من إيران وروسيا والعراق (المالكية) وحزب الله، فإن الشعب السوري يواجه أعزل وحيدا حربا هي مستحيلة ابتداء حتى في مواجهة الجيش السوري وحده، عداك عن حزب الله والحرس الثوري الإيراني والسلاح الروسي.. ولا عزاء ولا رصيد للسوريين إلا التاريخ!

اليوم أرفع قبعتي (ليس لدي قبعة) لحسني مبارك وزين العابدين بن علي؛ فقد أثبتا أنهما شجاعان نبيلان. ولو كان يطاع لفقير رأي، لاقترحت على المصريين والتونسيين تكريمهما.

ibrahim.gharaibeh@alghad.jo

=================

ما المشكلة مع ايران؟

علي العبدالله *

الإثنين ٢٢ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

لا تكمن المشكلة في سياسة إيران في وقوفها إلى جانب حليف يخدم مصالحها القومية، بل في منطلق السياسة الإيرانية، وفي نظرتها إلى المنطقة نظرة امبراطورية. فقد أرادت، وما زالت، التحول إلى دولة عظمى إقليمية بالاتفاق مع القوى العظمى، وبخاصة أميركا. فخلافها مع أميركا أساسه سعيها للهيمنة على المنطقة بالاتفاق معها، إذ أرادت أن تكون شرطي المنطقة وبوابها، وسعت لإقناع واشنطن بقبول هذا الدور تحت إشرافها. لكن واشنطن رفضت الشراكة لحسابات استراتيجية وتكتيكية.

قاد الرفض الأميركي للتوجه الإيراني إلى تدشين الصراع بينهما: أميركا تعلن مواقف ضد النظام الإيراني ولا تعترف به كنظام شرعي، وإيران، وهذا خطأها الثاني، تضغط على دول الإقليم الحليفة لأميركا، أو التابعة لها لا فرق، واللعب في داخلها وخلق مواطئ أقدام، وتسريب أحصنة طروادة فيها، للتشويش على النفوذ الأميركي، والتشهير بالسياسات الأميركية، وبخاصة عبر تبني القضية الفلسطينية وتوظيف المظالم التي تقع على الفلسطينيين بسبب المواقف الأميركية المنحازة لإسرائيل بشكل دائم، ووصف أميركا بالشيطان الأكبر، وذلك لخلق مناخ معاد لها ومضر بمصالحها الحيوية في الإقليم، والسعي لإجبارها على قبول طلب إيران والتحالف معها لحاجتها إليها في الحفاظ على مصالحها.

في هذا السياق اندفعت في المشرق العربي وأنشأت حزب الله وفيلق القدس لمحاربة إسرائيل في لبنان وفلسطين. ولم يطلق فيلق القدس منذ تأسيسه إلى الآن طلقة واحدة ضد إسرائيل، أما «بطولاته» داخل الدول العربية والإسلامية فحدث ولا حرج.

في إطار هذا التوجه وخدمة لهذه السياسة تحالفت إيران مع النظام السوري الذي كان يبحث عن دعم نتيجة احساسه بهشاشة شرعيته بسبب خياره التصرف كنظام أقلية في مواجهة أغلبية سنية في الداخل السوري وفي المحيط العربي والإقليمي. وفي واقعة دالة على تفكير حافظ الأسد الأقلوي حديثه مع السيد الشاذلي القليبي أمين عام جامعة الدول العربية في مرحلتها التونسية ومحاولته إقناعه أن العلويين ليسوا أقلية في سورية وأن نظامه ليس نظام أقلية. والقليبي كان يصغي دون إدراك لأبعاد الموضوع حيث ليس لقضية المذاهب والأقليات المذهبية حضور في تونس، ولا في المغرب العربي كله، حيث يسود السنة والمذهب المالكي تحديداً.

واقعة أخرى في ذات السياق: إحصاء لنسب أتباع الأديان والمذاهب في سورية سربه النظام عام 2004. فقد جمع وقسم وطرح ليجعل من السنة طائفة لا تملك أغلبية حيث هبطت نسبتها، من دون الأكراد، إلى حدود الـ 45 في المئة، ورفعت نسبة الطائفة العلوية إلى الـ 30 في المئة.

لقد كرست سياسة الضغط على واشنطن، من خلال اللعب في ملاعب دول حليفة لها والإضرار بالمصالح الأميركية من خلال خلق حالات عدم استقرار وصراعات سياسية ومذهبية داخل هذه الدول، وتشكيل لوبيات، وتسريب أحصنة طروادة للعمل في الخطوط الخلفية وتفجير صراعات داخلية (العراق، سورية، لبنان، مصر، السودان، اليمن، تونس، المغرب، أفغانستان، تركيا، أذربيجان)، حالة عداء بينها وبين دول عربية كثيرة، امتدت، بسبب الخلفية المذهبية لسياستها، إلى الشعوب.

إيران الآن مهددة بخسارة النقاط التي سجلتها لصالحها خلال العقد الأخير على خلفية برنامجها النووي والسعي الغربي بعامة والأميركي بخاصة لمنعها من الاستمرار فيه ودخول النادي النووي على الصعيدين السلمي والعسكري. وقد رأت توظيف الملف السوري في سعيها لحماية مشروعها النووي وعقد اتفاق رزمة مع أميركا يربط بين الملفين النووي والسوري. وهذا استدعى تبني رؤية النظام السوري للصراع وروايته للأحداث ودعمه مادياً (أسلحة، أموال، مشتقات نفط، خبرات عسكرية...الخ) كوسيلة لإطالة أمد الصراع، ولو على حساب الدم السوري، ريثما تنجز الصفقة الرزمة من جهة، ومن جهة ثانية استخدام المعركة المفتوحة في سورية كخط دفاع أول في معركتها للدفاع عن نفسها وعن برنامجها النووي ونظامها السياسي ومصالحها القومية.

وقد كان لافتاً تزامن التصعيد الإيراني في الملف السوري مع تصعيد الضغوط الغربية عليها، وفق مفاضلة بين خيارين: إما اعتبارها جزءاً من الحل والتفاهم معها، والاعتراف بمصالحها الوطنية، ومكافأتها على ذلك بالاتفاق على البرنامج النووي والنظام السياسي والاعتراف بنفوذها الإقليمي، أو تواصل دعم النظام والمشاركة المباشرة وغير المباشرة في سفك الدم السوري وتفجير صراعات وحروب إقليمية العالم في غنى عنها.

* كاتب سوري

=================

«الطريق المسدود» في سورية مسدود في لبنان؟

جورج سمعان

الإثنين ٢٢ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

بقاء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أو رحيلها ليس هو الحل أو الجواب على اغتيال اللواء وسام الحسن. القرار في هذا الشأن ليس مرتبطاً بتوازنات داخلية بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار فحسب. بل بات رهناً بتوازنات وحسابات أوسع، إقليمية ودولية. فالحكومة اللبنانية بتكويناتها المتنافرة وعجزها المقيم والقوى المناهضة لها تنتظر فتح «الطريق المسدود» في الأزمة السورية. ميزان القوى المشدود في لبنان على وتر الحرب الدائرة خلف الحدود لن يتبدل بيسر، سواء واصلت الحكومة تسيير الأعمال الروتينية أو رحلت. لم يعد مصيرها مرتبطاً برغبة رئيسها أو برغبة القوى المنضوية فيها أو تلك التي تطالب باستقالتها. وثمة مخاوف أن تؤدي الإستقالة إلى عجز اللبنانيين عن تشكيل وزارة بديلة في ظل إنقسامهم العمودي حيال موقع بلدهم في الصراع الدائر في الإقليم. عندها ستظل الحكومة الحالية تمارس تصريف الأعمال، كما هي حالها اليوم و»تنأى بالنفس» عن كل شيء. فيما يستمر الجمود والاهتراء اللذان قد يعطلان كل المؤسسات والمرافق... فلا قانون انتخابات ولا انتخابات!

الطريق الوحيد المفتوح أمام القوى اللبنانية المتناحرة يقود إلى رفع وتيرة الشحن المذهبي، وإلى مزيد من «الإنخراط» في الأزمة المجاورة. فأولئك الذين حذروا من امتداد نيران الحرب السورية لم يكونوا يقرأون في كتاب جديد أو مجهول. يعرفون أن بعض الدواعي التي دفعت الرئيس حافظ الأسد إلى التدخل في لبنان لوقف حروبه كان منع انتقال النار إلى بلاده. كان التدخل بتوافق عربي - دولي. ولا حاجة إلى التذكير بما آل إليه لاحقاً هذا التدخل من تزكية لهذه الحروب وتقطيع أوصال «الشقيق الأصغر» خدمة لمصالح وأطماع وطموحات. ولا حاجة أيضاً إلى التذكير بكل «التدخلات» الإقليمية الأخرى في لبنان. لم تتغير القاعدة اليوم ولن تتغير: أن تستعر حرب أهلية في قلب الشرق الأوسط وتدوم يعني أن دول هذا الشرق لن تكون بمنأى عن نيرانها. وهذا ما فسر ويفسر اعتماد حكومة ميقاتي منذ اليوم الأول نهج سياسة «النأي بالنفس». إنه عنوان الاستقالة من السياسة، في الخارج والداخل أيضاً. لذلك لا يملك أهل هذه الحكومة ورعاتها بديلاً من التمسك بها، مثلما لا يجد خصومها بديلاً من المطالبة برحيلها!

«النأي بالنفس» لم يقتصر على لبنان. فالاستقالة من السياسة بمعناها الوطني الجامع باتت نهجاً في كل من الأردن والعراق، وفي تركيا إلى حد ما حيث عاد حزب العمال الكردستاني إلى إشعال ناره فيما يستعر غضب علويي إقليم هاتاي ضد آلاف اللاجئين السوريين من أهل السنة. بات غياب السياسة في كل من بغداد وعمان شبيهاً بما هو قائم رسمياً في بيروت. يستشعر الرسميون في العواصم الثلاث حرارة الحرب المندفعة من وراء الحدود، فيما القوى والأحزاب تخوض معركتها بمزيد من الإنخراط كلما طال أمد الأزمة في سورية... تأكيداً لحقائق الجغرافيا والتاريخ، فلا حرب أهلية في سورية يمكن حصرها ووقف تمددها إلى كل الجوار. وتأكيداً لمعطيات طارئة تعزز هذه الحقائق أيضاً وعلى رأسها الصراع الدائر بين إيران والولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

لذلك يبدو مستحيلاً، أو صعباً إلى حد الاستحالة، دفع حكومة نوري المالكي إلى الرحيل. ويبدو محفوفاً بالمخاطر ترحيل حكومة ميقاتي، ولا يجد الأردن مناصاً من تبديل حكوماته، مفضلاً أن يراوح مكانه بديلاً من المواجهة الواسعة في انتظار... فتح «الطريق المسدود» في سورية. التغيير الجوهري في البلدان الثلاثة يعني تغييراً في ميزان القوى الإقليمي والدولي في المنطقة. من هنا يصيب السيد وليد جنبلاط عندما يحمل على المجتمع الدولي وتقاعسه عن التحرك لتحقيق التغيير في دمشق. ويصيب عندما يتمسك بالحكومة القائمة التي يعرف أن لا قدرة على التغيير في الداخل ما لم يحدث التغيير في الإقليم. تماماً كما يعرف الرئيس العراقي جلال طالباني أن لا بديل اليوم من نوري المالكي ما لم يقم توافق أو تفاهم جديد بين القوى الخارجية الفاعلة والمؤثرة في بغداد.

واضح تماماً أن النظام في سورية يسعى إلى تحريك ميزان القوى القائم في الداخل عبر تغييره في الخارج. اتكأ منذ البداية على موقف روسيا والصين اللتين توفران له التغطية الدولية والحماية اللازمة. واتكأ ولا يزال على الدعم المطلق الذي تقدمه إيران. وإذا كانت المعارضة السورية المسلحة في الداخل تواصل التقدم على الأرض، وتنذره بالمزيد إذا تلقت أسلحة لا تزال محجوبة عنها، فإنه يسعى إلى فتح الطريق إلى دول الجوار لتصدير أزمته لعله يعجل في تأجيج الحرب الطائفية والمذهبية في المنطقة كلها. لم يفلح مع الأردن، وحاول ولن يكف عن المحاولة مع تركيا. أطلق يد حزب العمال الكردستاني على الحدود ولم يتردد في التحرش العسكري. وكذلك فعل ويفعل في لبنان حيث يراهن على توسيع المواجهة، لعل اغتيال اللواء الحسن يحقق ما أخفق في تحقيقه الوزير السابق ميشال سماحة.

تباطأ الخصوم الدوليون للنظام السوري في التحرك الفاعل. الولايات المتحدة تبدو حتى الآن عاجزة عن المبادرة. فيما تتردد أوروبا كما لم تفعل من قبل، سواء إثر احتلال صدام حسين الكويت أو عندما اندلعت حروب البلقان. كانت حجة الأميركيين والأوروبيين ولا تزال الخوف من أن يؤدي التدخل الخارجي إلى مزيد من الفوضى وانتشارها في الإقليم كله، والخوف من البديل المجهول. دفن الرؤوس في الرمال لم يمنع خصومهم من التدخل السافر الذي صار ينذر بتعميم الفوضى في المنطقة، ويزيد في اهتراء الأوضاع في لبنان كما في العراق والأردن وتركيا.

الإدارة الأميركية اختبأت حتى الآن خلف الفيتو الروسي - الصيني. وكذلك فعلت أوروبا. رفضتا التدخل في الأزمة السورية فيما خصومهما من موسكو إلى طهران يتدخلون علناً بلا حرج. هذا «النأي بالنفس» الدولي يعجل في الفوضى التي يخشون. وعجل في استدعاء مجموعات القوى الإسلامية المتشددة من كل مكان. ويعجل في امتداد النار إلى خارج الحدود. حتى بات البحث عن البديل أكثر صعوبة. وبات السعي إلى التدخل للحسم والتغيير أكثر مشقة، ورهناً بحسابات إقليمية ودولية معقدة. ولا يعتقد بأن تشبيه مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي الوضع في سورية بالحرب الطائفية التي اندلعت في البوسنة مطلع التسعينات سيدفع دول حلف «الناتو» إلى التدخل كما فعل في البوسنة من دون تفويض من مجلس الأمن.

يبقى أن استعجال النظام في دمشق توريط جيرانه في حربه الأهلية ليس دليل قوة بقدر ما هو دليل ضعف وتراجع قد يتعاظمان إذا ما توافر لمعارضيه المدد من الأسلحة المطلوبة لمواجهة سلاحه الجوي. بل لعله بات يشعر بتضييق الخناق عليه وربما باقتراب أوان الحل السياسي، لذلك يسعى إلى استدراج مزيد من القوى إلى المواجهة لعله يستدعي حلفاءه إلى الطاولة للإستقواء بهم!

اغتيال اللواء الحسن وجه ضربة قاسية إلى الهدنة الهشة التي كانت قائمة بين الفريقين اللبنانيين المتصارعين. أخل بقواعد اللعبة الداخلية. وإذا كان من حق قوى الرابع عشر من آذار أن تعلي الصوت وتطالب برحيل الحكومة التي انتزعت منها عشية اندلاع الأزمة السورية، وإذا كانت جريمة اغتيال أبرز القادة الأمنيين هدفها ليس الاقتصاص من دوره في حماية السلم الأهلي فحسب بل جر لبنان إلى صراع مذهبي، فحري بحلفاء سورية في بيروت أن يعيدوا النظر في حساباتهم ومواقفهم، ليتقدموا نحو شركائهم لئلا يقع البلد في فراغ سياسي يدفع إلى مزيد من الإنهيار والتقدم نحو النار السورية. وحري بالرئيس ميقاتي أن يبلور موقفاً أكثر وضوحاً، لا يستقيم التلميح إلى اتهام سورية والبقاء على رأس حكومة حلفائها. هل يستطيع الرئيس ميشال سليمان والسيد وليد جنبلاط إعادة تحريك «السياسة» بحثاً عن «اتفاق دوحة» جديد، عن هدنة تجنب لبنان حرباً أهلية فيقيم في منطقة انتظار آمنة إلى أن يحين التغيير الآتي في دمشق عاجلاً أم آجلاً؟

 

=================

المنطقة... وأيام سود!

جميل الذيابي

الإثنين ٢٢ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

تفجير. تدمير. تصفية حسابات. تصفية زعامات. اغتيالات. حلفاء وفرقاء. موالاة ومعارضة. 8 آذار في مقابل 14 آذار. طوائف ومذاهب وتكتلات سياسية. في لبنان البلد الصغير في المساحة والموارد، ترتفع النبرات وتعلو الأصوات وتتعارك على أرضه استخبارات دول عربية وإقليمية وغربية، ووحدها المتفوق مخابرات «حزب الله» الساعية في الأرض طولاً وعرضاً لتحقيق مصالح سورية وإيران على حساب سيادة الوطن.

بعد عملية التفجير في «أشرفية» بيروت، سارع نظام بشار الأسد و«حزب الله» قبل غيرهما إلى إدانة عملية التفجير، في تطبيق دقيق للمثل العربي «قتل القتيل ومشى في جنازته.. ينوح»!

وصف نظام الأسد التفجير الذي راح ضحيته قتلى وجرحى، بعمل «إرهابي جبان»، وكأنه لا ينحر الأطفال ويقتل النساء وينفّذ مجازر يومية ضد أبرياء في بلاده. فيما عبّر «حزب الله» عن «إدانته الشديدة للجريمة النكراء والبشعة، باعتبارها محاولة آثمة لاستهداف الاستقرار وضرب الوحدة الوطنية»، داعياً الأجهزة الأمنية والقضائية إلى استنفار أقصى الجهود والطاقات لوضع اليد على الجريمة وكشف الفاعلين وتقديمهم للعدالة.

من يقرأ لغة «حزب الله» يجزم بأن الحزب يتعاون مع شعبه لحفظ الأمن والاستقرار وصون السلم الأهلي وحماية الوحدة الوطنية! من يتمعّن في بيان الحزب، يشعر بأنه يتعاون مع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، ولم يرفض تقديم المتهمين متحدياً مطالب بلاده والعدالة الدولية. ولم يخرج شباب «القمصان السود» لتهديد كل لبنان واجتياح بيروت في 2009. من يسمع السيد حسن نصرالله لا يشك بأنه من يرفض «طاولة الحوار» بشأن التفاوض على نزع السلاح، وليس هو من يرفض أيضاً فك تحكم حزبه «الإلهي» بشبكة الاتصالات في مطار بيروت.

لكن، لماذا تم اغتيال العميد وسام الحسن «رجل الظل الخجول في زمن الغموض السياسي» كما وصفته قناة «أم تي في» اللبنانية أو «كاشف الاغتيالات» كما وصفته «الحياة»؟!

وفق شهادات اللبنانيين دخل الحسن خلال السنوات الخمس الأخيرة مرحلة الخطر بكشفه كثيراً من التجاوزات، وأن عين «القتلة» كانت ترقبه وتنتظر القصاص والخلاص منه، لكونه شكّل هاجساً مزعجاً للقتلة والمجرمين، لكشفه مجموعة من الجرائم بعد الانسحاب السوري، ولفضحه شبكات تجسس إسرائيلية عدة. وكان هدفاً واضحاً بعد إفشاله مهمة الوزير السابق ميشال سماحة لإحداث تفجيرات واغتيالات في لبنان بالاشتراك مع رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك.

بعد هذه الجهود الوطنية التي جنّبت لبنان هزات أمنية عدة، كان لا بد للقاتل أن يغتال الحسن لتلك الأسباب، إضافة إلى أسباب طائفية وأمنية أخرى لم يعد يحتملها، فقد كان الرجل من أكثر القادة الأمنيين اللامعين والمخلصين لبلاده، إذ كان يقضي جل وقته في العمل لحماية أهله وكشف المخططات وإحباطها قبل تنفيذها.

أراد القاتل وفق نوعية التفجير وطريقة تنفيذ عملية الاغتيال، إيصال برقية عاجلة للداخل اللبناني بقصد ترويعه وإفهامه أن كل لبنان تحت المقصلة، وأن البلاد ستجر إلى مصير مجهول وفوضى وفتنة طائفية تتشابك مع فتنة إقليمية تحاك في الخفاء والعلن لإراقة المزيد من الدماء البريئة.

الحقيقة، أن لا عزاء لمن ينتظرون حلولاً من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف حمام الدم في سورية أو لبنان، طالما القتلة طلقاء والطغاة ينفّذون الجرائم ويستنكرون ويتباكون مثل غيرهم.

لا يزال الأطفال ينحرون والنساء والأبرياء يقتلون بدم بارد في سورية يومياً والعالم يتفرج ويستنكر فقط، وأخيراً نجد المبعوث الدولي - العربي الأخضر الإبراهيمي «الفاشل في مهمته بعد فشل سلفه»، يقول خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت: «إذا قلّ عدد الذين يدفنون في أيام العيد في سورية سيكون بداية الخروج من الوضع الخطير الذي انزلقت إليه، فنستطيع أن نتكلم مع الأطراف الداخلية والخارجية لمساعدة السوريين لإيجاد حل لمشكلاتهم».

كيف يمكن لمبعوث سلام دولي أن يصرح بمنطق بليد مثل هذا وبتلك السطحية والغباء السياسي، وهو لم يحرز أي تقدم في مهمته سوى التصوير والتصريح أمام الكاميرات. هل يعلم أن منسوب القتل يزداد يومياً و«شبيحة» الأسد يحاصرون المحافظات بالدبابات والطائرات ومستمرون في قتل الشعب صغيره وكبيره بلا رحمة، وهو يبحث عن «هدنة مظلمة»؟ ألا يعلم أن القاتل هو ذلك النظام المعتدي؟

لا شك في أن مستوى الجريمة المروّع يتوازى مع جريمة اغتيال الحريري، بل يتطابق معها في الدقة وطريقة التخطيط والتنفيذ علاوة على أن المنفّذ واحد، حتى وإن غاب تداول اسم «أبوعدس»، وهو ما يشير إلى أن المجرم تمكّن من إيصال رسالة تفيد بأنه قادر على تنفيذ جرائم أخرى، ولن تتوقف عند تلك وإن اختلف الزمان والمكان لاحقاً. كما تشير إلى أن الدوائر بدأت تضيق على الأسد، وليس أمامه إلا تحريك «شبيحة» الخارج لتلغيم لبنان ثم المنطقة لاحقاً عبر إثارة الشكوك والصراعات الأهلية والطائفية، وهو ما يستدعي ضرورة اتخاذ القرار بدعم المعارضة بالمال والسلاح للخلاص من هذا النظام المجرم سريعاً.

كما يتوجب على اللبنانيين وضع الإصبع على الجرح الوطني النازف، ومواجهة الألم والأيام السود مهما كلّف الأمر حتى لا تُقْبر الحقيقة، فهي البداية نحو منع التدخل الإيراني ومحاكمة «شياطين» الأسد ووقف هيمنة «حزب الله»، لإفشال خطة المحور الإيراني الرامية إلى جر لبنان والمنطقة برمتها إلى معركة باهظة جداً!!

 =================

خيرالله خيرالله / لماذا لا مخرج في سورية؟

الرأي العام

22-10-2012

يخدع نفسه من يعتقد ان هناك مخرجا سلميا في سورية يمكن بلوغه من دون خروج الرئيس بشّار الاسد بكلّ ما يمثّله من السلطة. في النهاية، أن تعرف كيف تخسر في السياسة، او حتى في الحرب، اهمّ بكثير من ان تعرف كيف تربح. قد تكون السياسة فنّ معرفة التعاطي مع الخسارة اكثر من اي شيء آخر. وهذا ما جعل بلدين مثل المانيا واليابان يخرجان منتصرين من الهزيمة التي لحقت بهما في الحرب العالمية الثانية.

خسر النظام السوري لانّه لم يدرك اصلا طبيعة الثورة الشعبية في البلد. استخفّ بالشعب السوري معتقدا ان الاسلوب الذي اتبّعه في حماة في العام 1982 لا يزال صالحا في السنتين 2011 و2012. اكثر من ذلك، اعتقد النظام ان في استطاعته تدجين السوريين بعدما عمّر ما يزيد على اربعين عاما وبعدما تمكّن الرئيس الراحل حافظ الاسد من توريث نجله السلطة والبلد تحت شعار «الاسد الى الابد». كان التوريث ذروة الانتصار على الشعب السوري، نظرا الى ان النظام اعتقد انه اكتسب شرعية تسمح له باعتبار السوريين مجرّد عبيد لا رأي لهم يصدّقون كلّ ما يقال لهم عن «مقاومة» و«ممانعة» و«مؤامرات خارجية» تستهدف البلد.

لم يدرك النظام في ايّ لحظة عمق ازمته التي يختصرها عجزه عن الحرب والسلام في آن، وانّ كلّ ما يستطيع عمله هو المتاجرة بفلسطين والفلسطينيين ولبنان واللبنانيين. لم يدرك ان لكلّ شيء نهاية وان ليس من السهل الاستمرار في خداع السوريين الذين يعرفون جيّدا انّ النظام اصبح منذ خروجه من لبنان في العام 2005 تابعا للنظام الايراني وانّه فقد اي هامش للمناورة في كلّ ما يتعلق بطبيعة العلاقة بين دمشق وطهران.

ماذا عن الوضع الراهن والمهمّة المستحيلة التي يتولاها الوسيط الدولي والعربي السيّد الاخضر الابراهيمي؟

لم يتغيّر شيء في سورية منذ عشرين شهرا، اي منذ اندلاع شرارة الثورة. لا يزال النظام يعتقد انه قادر على الانتصار على شعبه عن طريق الحلّ العسكري. صارت المشكلة من شقّين يتمثّل الاول في ان لا خيار آخر امام النظام الذي يرفض الاعتراف بانّه انتهى وانّ لكلّ شيء نهاية والآخر بأنّ بشّار الاسد نفسه يعيش في عالم خاص به لا علاقة له بما يدور فعلا على الارض السورية. المؤسف ان طريقة تفكير الرئيس السوري، الذي يرفض التعلّم من اخطاء الماضي القريب تحول دون اي مخرج من اي نوع كان في سورية.

لو كان الاسد الابن قادرا على مراجعة الذات، لما ارتكب خريف 2004 جريمة التمديد للرئيس اللبناني اميل لحوّد بعد صدور القرار 1559 عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة. فالقرار لم يكن تعبيرا عن ارادة دولية فحسب، بل ان كلّ نقطة فيه تتطابق ايضا مع نص اتفاق الطائف الذي وافق عليه اللبنانيون في العام 1989 والذي ما زالوا، الى اشعار آخر، متمسكين به على الرغم من سعي «حزب الله» ومن لفّ لفّه الى المثالثة بدل المناصفة. والمثالثة تعني مثالثة بين الشيعة والسنّة والمسيحيين بدل مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، يعيشون معا متساوين في وطن واحد.

كذلك، لو كان الرئيس السوري قادرا على مراجعة الذات، لما كان اعتقد ان التخلص من رفيق الحريري في السنة 2005 يشبه التخلص من كمال جنبلاط في العام 1977 وان ذلك سيسمح بوصاية سورية على لبنان تمتدّ خمس وثلاثين سنة اخرى...

تبدو مشكلة سورية مشكلة نظام وكيان في الوقت ذاته. ولكن يتبيّن في ضوء ما شهدناه اخيرا انّها مشكلة طريقة في التفكير ايضا. انها طريقة تقوم على تجاهل ما يدور على ارض الواقع من جهة والاعتقاد ان هناك حلاّ عسكريا يمكن ان يؤمنه الدعم الايراني والروسي من جهة اخرى.

نعم، هناك انسداد تام في سورية. لا لشيء سوى لأنّ النظام يظنّ ان في الامكان السيطرة على المدن السورية الكبيرة وعلى الداخل السوري عموما وان المشاكل محصورة بالاطراف، اي بالمناطق القريبة من الحدود مع لبنان وتركيا والعراق والاردن. هناك في سورية من يرى ان «الداخل تحت السيطرة» وان المناطق الحدودية تثير قلاقل بسبب «المؤامرة الخارجية» مضيفا انّه لدى توقف هذه «المؤامرة» سيعود كلّ شيء الى طبيعته في البلد.

من يفكّر بهذه الطريقة، يكون اختار الطريق الاقصر لإغلاق اي مخرج. ولذلك، كلّ ما يمكن توقّعه في الايام والاسابيع القليلة المقبلة هو مزيد من التصعيد نظرا الى ان النظام يرفض الاعتراف بانّه خسر وان طريقة رحيله هي كلّ ما يمكن التفاوض في شأنه.

المخيف في الامر، ان كلمة الرحيل ليست واردة لدى النظام وانّه يظن ان في استطاعته اللجوء في نهاية المطاف الى خيار «الجيب العلوي» الذي شرح أبعاده بكلّ دقة رجل شجاع وقائد حقيقي اسمه الملك عبدالله الثاني. اشار العاهل الاردني في احدى مقابلاته الاخيرة الى ان القيادة السورية لجأت الى «الجيب العلوي» في اثناء حرب 1973. اراد ان يقول ان مثل هذا الجيب كان دائما خيارا لدى الاسد الاب ويشكّل الآن خيارا اخيرا لدى الاسد الابن.

ما قد يكون مخيفا اكثر ان «الجيب العلوي»، لا يمكن ان ينشأ من دون التخلص من مدينتين كبيرتين هما حمص واللاذقية و«تطهيرهما» من السنّة. هل هذا ممكن في السنة 2012، حتى لو حصل النظام على دعم ايراني مباشر عن طريق خبراء عسكريين وعناصر من «حزب الله» تسعى الى اقامة منطقة عازلة بين شمال لبنان السنّي - المسيحي من جهة والساحل السوري من جهة اخرى؟

=================

اغتيال وسام الحسن.. كما يجب أن يفهم

اياد ابو شقرا

الشرق الاوسط

22-10-2012

«ثلاثة لا يمكن إخفاؤها طويلا: الشمس والقمر والحقيقة».

(بوذا)

شهيد آخر ودعه لبنان يوم أمس.

شهيد آخر اقتضى اغتياله - المعد بعناية - استخدام عشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة، إثر رصد تحركاته لحظة بلحظة بعد 24 ساعة من عودته إلى لبنان من الخارج.

شهيد آخر يأتي «تنفيذ حكم الإعدام» به في أعقاب حملة تحريض و«إهدار دم» شرسة شاركت فيها على امتداد شهور «جوقة» سياسية - إعلامية معروفة الولاء والتوجهات وتبعية الإمرة.

شهيد آخر محسوب سياسيا على الشارع السيادي الاستقلالي في لبنان الذي طالما التقت ضده مصالح إقليمية سياسية تبدو في ظاهرها متناقضة، ويتذرع بعضها بعداوة البعض الآخر وعدوانيته، لتبرير تدميره الممنهج للبنان وسوريا والعراق وما تبقى من فلسطين والفلسطينيين.

شهيد آخر يسقط في وقت انكشاف أمني - سياسي استثنائي تبين فيه بوضوح مدى التزام قوى لبنانية فاعلة - هي تحديدا حزب الله اللبناني - بالتنفيذ الدموي للمشروع الإقليمي الجاري تنفيذه في مدن سوريا وقراها المدمرة.. حاصدا خلال 18 شهرا بالأرقام الموثقة أكثر من 35 ألف قتيل.

وسام الحسن، رجل الأمن وصمام الأمان في لبنان، كان يعرف جيدا أنه محكوم عليه بالإعدام، وكان يتصرف على هذا الأساس. وبالتالي، ليس غريبا قرار إزاحته عن الساحة، لكن الغريب والخطير في أمر إزاحته أن القاتل بلغ من الغطرسة والصلف حد الإعدام «الجراحي» بعد حملة تحريضية صاخبة تلت فضح الحسن مهمة ميشال سماحة لتفجير الوضع الداخلي بأوامر مباشرة - باعتراف سماحة - من بشار الأسد رأس النظام السوري.. وعلي مملوك ركن أركان جهازه الأمني.

القاتل ما عاد بحاجة إلى تمويه، رغم ذرفه دموع التماسيح ودعواته الوقحة للمحافظة على السلم الأهلي والوحدة الوطنية. ما عاد بحاجة إلى التخفي خلف أصبعه. لقد أعلن فعليا، من دون أن يعلن ذلك رسميا، أنه يخوض حرب إلغاء مفتوحة ضد كل من يعترض سبيل مشروع أسياده، بحجة أنه «مقاوم» و«ممانع» و«عروبي».. أما خصومه فهم «عملاء للأعراب» أو «جماعة الموساد» أو «شيعة فيلتمان» أو «سنة القاعدة».

اغتيال وسام الحسن، بالأمس، لا يقل خطورة ببعده السياسي العام عن اغتيال رفيق الحريري. إنه محطة مفصلية، وبداية مسلسل تدميري لإعادة رسم واقع لبنان والمنطقة، ويجب التعامل معه على هذا الأساس.

نتذكر أن الحريري اغتيل بعد حملة «إهدار دم» بدأت باتهامه بالتآمر مع إسرائيل على توطين الفلسطينيين في لبنان.. ولم تنته باتهامه بتشجيع تنامي التيارات الإسلامية الأصولية السنية داخل لبنان وفي المنطقة. ثم بعد صدمة الاغتيال يتذكر اللبنانيون - بمن فيهم أتباع النائب ميشال عون الذين لا يتميزون بقوة الذاكرة - كيف كان رد فعل خصومه.

كانت البداية، تنظيم حشد جماهيري ضخم في قلب بيروت تحت شعار «شكرا سوريا». ومن ثم بدأت أوراق التوت تتساقط.. بالتوازي مع توالي الاغتيالات الترويعية - الانتقامية.

رفض تشكيل المحكمة الدولية.

سحب الوزراء الشيعة من الحكومة.

احتلال وسط بيروت لأكثر من سنة، وشل مرافق البلاد لإجبار جيل آخر من أجيال لبنان الشابة المتعلمة الواعدة على الهجرة.

تمدد شبكات الاتصالات الأمنية وتوسعها في عموم لبنان، جنبا إلى جنب مع تسارع إيقاع شراء الأراضي عبر وسطاء «واجهات».

افتعال حرب عبثية ضد إسرائيل أدت إلى تدمير شبه كامل للبنى التحتية، ويومها أطلق مناصرو «المقاومة» لقب «حكومة المقاومة» على حكومة فؤاد السنيورة قبل الانقلاب على هذا الوصف لتدرج مع رئيسها في خانة أتباع أميركا وإسرائيل. ويومذاك ارتكبت حكومة السنيورة في رأي كثيرين خطأ كبيرا كان حماية حزب الله بالقرار الدولي 1701 الذي «أراح» الحزب من توجيه سلاحه إلى أراضي فلسطين السليبة، وأتاح له بترخيص من مجلس الأمن الدولي توجيهه إلى شعب لبنان ومدن لبنان وقراه.

باختصار شديد، بعد القرار 1701، الذي جاء لحماية المقاومة، تغيرت المقاومة، وغدا اللبنانيون بحاجة إلى من يحميهم منها. وهذا ما تأكد لهم تماما في مايو (أيار) 2008 عندما أثير موضوع أمن مطار بيروت، في ظل اغتيال عدد من الشخصيات بعد ساعات معدودات من عودتهم من الخارج عبر مطار بيروت. فلقد فجر فتح ملف الإشراف الأمني على المطار - المتاخم جغرافيا لمربع حزب الله الأمني في ضواحي بيروت الجنوبية - ما عرف بـ«أحداث أيار» التي شهدت اجتياح حزب الله بيروت وتهديده الجبل.

ومن ثم، بقوة السلاح غير المقاوم، بل «المقاوم للبنانيين»، فرض حزب الله ومحور طهران - دمشق الذي يحركه، على اللبنانيين «اتفاق الدوحة» بشروطه، قبل أن ينقلب عليه.. وتسلم السلطة الفعلية في البلاد عبر حكومة يشكل أرضيتها المسلحة.

في هذه الأثناء، عزز «الحزب» بغطاء من التيار العوني، تابعه المسيحي الصغير، هيمنته الفعلية على معظم مفاصل الأمن في لبنان، بما فيها ملف الاتصالات، ومنع عبر وزير الاتصالات «العوني» حصول الأجهزة الأمنية المستقلة عن سلطته على حركة الاتصالات اللاسلكية المعروفة بـ«داتا» الاتصالات. وبعدها لم يتبق له لبسط سيطرته - أي سيطرة طهران ودمشق - المطلقة على المؤسسات الأمنية إلا الاستحواذ على إمرة قوى الأمن الداخلي بقيادة اللواء أشرف ديفي، وبالأخص شعبة المعلومات فيها التي كانت تحت إمرة اللواء الشهيد وسام الحسن.

الغاية، إذن، من استهداف الحسن واضحة. والمسار العام للأحداث لا يقل وضوحا. وقوائم الشهداء المحتملين متداولة على نطاق واسع.

هل يمكن في وضع كهذا إجهاض المخطط الجهنمي، الذي فضح أمره بكشف عملية سماحة - مملوك، بأوامر مباشرة من رئيس النظام السوري؟

لا بأس من سوق بضع حقائق:

أولا: استقالة الحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي خيار لن يقدم أو يؤخر في شيء. إنها حكومة «صورية» تغطي واقع هيمنة شبه مطلقة على كل شيء في لبنان.

ثانيا: لبنان يشهد الآن حربا مفتوحة لا هدنة فيها. وبالتالي، فأي إجراء لا يأخذ في الاعتبار طبيعة هذه الحرب خطة عبثية لا طائل منها. والقوى الإقليمية التي استثمرت لسنين وعقود المال والجهد والأرواح للإطباق على لبنان، وكذلك الإطباق على سوريا والعراق، لن تتخلى عن منجزاتها بسهولة أو بفعل مهمة على غرار مهمة الأخضر الإبراهيمي.

ثالثا: أي حكومة تقوم في لبنان اليوم، في ظل هيمنة محور طهران - دمشق المسلح على الأرض، لن تستطيع حماية القضاء المستقل من السقوط في نهاية المطاف تحت سطوته، ولن تتمكن من متابعة التحقيق في جريمة الأمس أو أي جريمة سابقة أو لاحقة.

رابعا: على الرأي العام العربي، وبالتحديد الجمهور العربي الواعي والمثقف، إدراك حقيقة الحالة اللبنانية، كما أخذ يدرك ولو متأخرا حقيقة الحالة السورية. آن الأوان أمام العقل السياسي العربي العاطفي إدراك ما تستبطنه شعارات «الممانعة» حيث لا ممانعة، و«المقاومة» حيث لا مقاومة ضد إسرائيل، بل مقاومة شرسة دموية لطموحات الشعوب وانعتاقها وكرامتها. ومع الأسف، أول من يعي هذه الحقيقة إسرائيل نفسها.

هكذا يتوجب فهم اغتيال وسام الحسن، إحدى آخر وأهم شبكات الأمان لبقاء لبنان الدولة والتعايش والمجتمع المدني.

=================

الإبراهيمي وحلم هدنة «الأضحى»

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

22-10-2012

انخفضت طموحات الوسيط، الأخضر الإبراهيمي، من إخراج بشار الأسد من حكم سوريا سلما إلى مجرد هدنة من ثلاثة أيام فقط بمناسبة عيد الأضحى. وحتى هذا الحلم البسيط فشل رغم أن كل الأطراف في حاجة إليه، حيث توجد مناطق محاصرة تسيطر عليها قوات الجيش الحر، لكن الأكثر تحاصرها قوات النظام.

الأهالي المحاصرون في حاجة ماسة إلى هدنة يتدبرون خلالها الطعام والدواء، وبعضهم يريد الانتقال من مكان إلى آخر أكثر أمنا أو به خدمات ضرورية من ماء وكهرباء. الذي فعلته قوات النظام أنها عاقبت المناطق التي فيها مقاتلون، أو المناطق التي خرجت منها مظاهرات، بحصار دام أشهرا متواصلة. يضاف إليها مناطق هاجمتها القوات الحكومية بالطائرات ودمرت الكثير من المباني ومرافق الخدمات المختلفة.

ولأن الوسيط الإبراهيمي يدرك تفاصيل الأزمة، ويفرق بين المعقول والمستحيل، اختار أن يعرض على الأطراف المتقاتلة هدنة في عيد الأضحى، الذي يحل بعد أربعة أيام، ليكون فرصة يمتحن من خلالها رغبة الأطراف في التعاون ولو في المجال الإنساني والإغاثي.

إن كان هناك عيب في المقترح، بالطبع ليس في فكرة الهدنة نفسها المستحقة منذ زمن، بل في اقتراحها بلا دعم دولي من خلال مجلس الأمن. الروس والصينيون، مع أنهم عودونا على مساندة نظام الأسد حتى في رفض شجب الجرائم التي ارتكبها، هذه المرة قد لا يعارضون فكرة الإغاثة المحدودة لثلاثة أيام فقط. ولو عارضوها تسجل ضدهم، ونحن نعرف أنه سيأتي يوم قريب سيطلبون هم هدنة للأسد وفلوله الهاربة.

الأسد حاكم لا يبالي بكم يقتل من خصومه ولا من رجاله، هذه مسألة هامشية في نظر ديكتاتور اعتاد على القتل حلا، وحتى من داخل حكومته، الذين لم يرض عنهم قام باغتيالهم. لن يبالي كم سيموت من الأطفال والأهالي المحاصرين الذين بلا غذاء أو دواء، يظن أن القبول بهدنة يهز من صورته، وفي سبيلها مستعد لزيادة عدد القتلى حتى في الأحياء المؤيدة له والتي قد تستفيد من ثلاثة أيام لإدخال المؤن والمواد الإسعافية.

أما الإبراهيمي نفسه فهو وسيط لا نشك في نزاهته، بخلاف سابقيه: المبعوث الدابي والوسيط أنان. ولا أعتقد أن الإبراهيمي الجزائري يلتقي مع حكومة بلدها يساند تماما نظام الأسد في كل المحافل، رغم أنها تزعم غير ذلك في الإعلام؛ فهو صاحب خبرة، وسمعة حسنة، وعلاقاته مع الجميع دون تبني مواقف منحازة.

هو الأمل الوحيد للنظام السوري الحالي في أن يعقد صفقة يقبلها الجميع: يخرج الأسد من دمشق ويكون هناك انتقال في الحكم بأقل قدر ممكن من الضرر. ومع أن المعارضة السورية لن تقبل بخروج مريح للرجل الذي قتل عشرات الآلاف من السوريين، إلا أن الإبراهيمي يستطيع تأمين النصاب الكافي من الأصوات الدولية لتحقيق حل أخير ينهي المأساة السورية.

وقد يبدو الإبراهيمي أمل المحاصرين من المدنيين تعيسي الحظ، وهو كذلك، أيضا هو الأمل الأخير للأسد نفسه المحاصر في دمشق.

إن فشل الوسيط في تحقيق هدنة العيد، ثم وجد نفسه عاجزا عن التقدم في أي اتجاه، فهذا يعني أن آخر الوسطاء سيحمل حقائبه ويغادر ونصبح أمام قتال حتى النهاية بنهاية دامية جدا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ