ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 21/10/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

20-10-2012

رسالة مرسي وموقف الزهار من الثورة السورية * ياسر الزعاترة

الدستور

20-10-2012

حتى لا يخرج علينا من يتفلسف على رسالة مرسي إلى بيريز، فقد كتبنا في “تويتر” منذ تسرب خبر الرسالة نقدا لاذعا، وقلنا إنها خطوة رعناء لا ينفع معها أي تبرير يتحدث عن رسالة بروتوكولية ونص تقليدي. أصلا كان إرسال السفير المصري إلى تل أبيب في هذه المرحلة خطأً كبيرا، أما الرسالة فكانت خطيئة أكبر بكثير.

لسنا ممن يدافع عن باطل أي أحد، أكان إسلاميا أم غير إسلامي، وللتذكير، فقد كنا أكثر من انتقد الحزب الإسلامي في العراق (الجناح السياسي للإخوان) بسبب موقفه من الاحتلال الأمريكي، في وقت كان فيه أمين عام حزب الله حسن نصر الله يدافع عن حلفاء الاحتلال من القوى الشيعية لأسباب طائفية لا تخطئها العين.

ليس مطلوبا من إخوان مصر أن يعلنوا الحرب على الكيان الصهيوني، فالموقف بكل تفاصيله في هذه المرحلة لا يحتمل. ونعلم أن من يزايدون عليهم لن يكون أحسن حالا لو كانوا في السلطة، لكن ذلك لا يعني التساهل في القضايا المبدأية، لاسيما أن هناك ما يمكن الاستناد إليه ممثلا في مواقف نتنياهو المتغطرسة الرافضة لدفع الحد الأدنى من استحقاقات ما يسمى السلام. وفي العموم يجب أن يكونوا حذرين من دولة عميقة لا زالت فاعلة، ويمكن أن تورطهم في مواقف تسيء لهم ولتاريخهم.

مرة إثر مرة يصر القيادي في حركة حماس (محمود الزهار) على التغريد خارج سرب الحركة التي ينتمي إليها رغم أنه مجرد عضو في القيادة، والأصل أن يكون رأيه انعكاسا لرأيها الجماعي.

ليست لدينا مشكلة مع الزهار، فهو موضع محبة واحترام كمجاهد له سيرته المشرفة وقدم ولدين شهيدين، وهو جزء من ذلك الجهاد الرائع لحركة كانت لها بصماتها الكبيرة في سيرة هذا الشعب العظيم.

كل ذلك لا يجعله بمنأىً عن النقد ما دام يعمل في الإطار السياسي. وفي هذه السطور لن نتعرض لسيرته في تصعيد الخلافات الداخلية في الحركة بين الداخل والخارج، لاسيما استخفافه بقيادة الخارج ودورها، خلافا لسيرة الأبطال العظام الذين لم يجد كبارهم كما هو حال الشهيد الرائع عبد العزيز الرنتيسي حرجا في إعلان أن رئيس المكتب السياسي في الخارج هو قائده.

خلال الأسابيع الأخيرة غرَّد محمود الزهار كثيرا خارج السرب الحمساوي، تحديدا فيما يتصل بالموقف من الثورة السورية والعلاقة مع إيران، حيث تحدث عن “الحياد الإيجابي”، وانتقد موقف خالد مشعل الذي أعلنه في الكلمة التي ألقاها في مؤتمر حزب العدالة والتنمية التركي وجرَّت عليه وصلات من الردح في وسائل إعلام إيران والنظام السوري.

والحال أن حماس لم تكن محايدة في موقفها من ثورة سوريا، حتى منذ الشهور الأولى. وحين يرفض خالد مشعل لقاء الرئيس السوري وهو في قلب دمشق، كي لا يستخدم اللقاء في الصراع مع الشعب، فذلك من دون شك موقف تاريخي. لكن الموقف ما لبث أن تجاوز ذلك بخروج الحركة المكلف من سوريا.

الموقف الأخلاقي (الشرعي بالضرورة) قبل السياسي هو الذي فرض على حركة حماس الخروج من سوريا، وهو موقف لا يعني التنكر لما قدمه النظام لها من دعم، بقدر ما يعني الوفاء لشعب عظيم كان حاضنة لها أيضا، كما يعني الانسجام مع البعد الأخلاقي الذي يفرض الوقوف إلى جانب أي شعب يقاتل من أجل حريته ضد نظام دكتاتوري فاسد بصرف النظر عن المواقف الخارجية لنظامه.

مؤخرا، ومع تصاعد وتيرة القتل والتدمير، اتخذت قيادة حماس قرارا بتصعيد موقفها من الثورة السورية عبر سياسييها وإعلامها، وتم الاتفاق على استخدام مصطلح الثورة، وحين تحدث خالد مشعل في تركيا، فقد كان يعكس قرارا واضحا من الحركة وليس رأيا شخصيا؛ هو الذي كان قد حسم قبل ذلك موقفه بعدم الترشح لمنصب رئيس المكتب السياسي الذي سيغادره خلال الأسابيع القليلة القادمة.

حين يقول محمود الزهار إن مشعل كان يعبر عن موقفه الشخصي، فهو يتجاوز الحقيقة بشكل صارخ، لأنه هو (أعني الزهار) من يتحدث برأيه الشخصي، وهو ذاته الذي زار إيران مؤخرا رغم رفض قيادة الحركة في الداخل والخارج ومطالبته بألا يفعل.

منذ زمن طويل حاولت إيران في علاقتها مع حماس إحداث اختراقات في جسم الحركة كما فعلت مع الفصائل التي دعمتها، لكن الحركة قاومت ذلك بعناد، أما اليوم فهي بعلاقتها مع الزهار تحديدا، تعتبر أن لها أناسا في قيادة غزة يمكنها الاستناد إليهم وتوجيه الدعم لهم.

موقف الزهار من سوريا هو في واقع الحال مجاملة للإيرانيين أكثر من أي شيء آخر، الأمر الذي لا يمكن أن يكون مقبولا في ظل الدعم الهائل من قبل طهران لنظام الإجرام في دمشق.

ليست المسألة ثنائية بين الزهار ومشعل، بل هي تتعلق بسؤال القيادة الجماعية ورفض وجود أي اختراق داخل جسم الحركة لحساب أية جهة؛ في تكرار لتجربة حركة فتح على هذا الصعيد، وسيكون على القائد الجديد لحماس أن يواجه هذا التشظي بحزم كي لا يتكرر من قبل أي أحد.

الموقف من الثورة السورية هو انحياز من حماس للحق الصارخ ولا يمكن مقارنته بأي موقف آخر للفصائل الفلسطينية في تاريخ مضى، وهو انحياز لجماهير الأمة التي لا يمكن أن تقبل من الحركة التي أحبتها موقفا يخالف إجماعها. أما من وقفوا إلى جانب النظام، كما هو حال فصيل أحمد جبريل فلن يبوؤوا بغير الخيبة والخسران مهما قدموا من تبريرات.

نتمنى أن يعيد الزهار حساباته، وأن يكون أكثر انسجاما مع قيادة الحركة بشكل عام، وأن لا يسمح لأي طرف بإحداث اختراقات في جسمها، ولا شك أن العلاقة مع أي جهة ينبغي أن تكون انعكاسا لموقفها من عموم قضايا الأمة، والمؤسف أن إيران اليوم تقف على النقيض من الأمة، وتحشر نفسها في إطار مذهبي ضيق. وحين تعود إلى رشدها، لن يكون هناك إشكال في العلاقة معها.

التاريخ : 20-10-2012

============================

الولايات المتحدة والقاعدة في سوريا * جولي تايلر* – «كرستيان ساينس مونيتور»

الدستور

20-10-2012

ألقي الكثير من الضوء في الأسابيع الأخيرة على التهديد المتزايد الذي يفرضه مقاتلو القاعدة على نظام بشار الأسد في سوريا. واحدة من بين العديد من النقاشات التي أثيرت حول سبب وجوب الولايات المتحدة عدم تقديم المساعدة المباشرة لثوار سوريا هي أن نصر الثوار قد ينتج عنه وصول القاعدة أو مناصريها إلى السلطة في سوريا ما بعد بشار. ونظرا لكيف أن مجاهدين أفغانستان الذين دعمتهم الولايات المتحدة قد تحولوا لاحقا إلى القاعدة وطالبان، فتحذير إدارة أوباما يمكن فهمه. بالرغم من سخافة الأمر، إلا أن وجهة النظر تلك تحول القاعدة لتكون واحدة من أكثر موجودات الأسد فاعلية. بالنسبة للنظام السوري، التحدي الجهادي في سوريا صغير ولا يزال ينمو، لكن احتمال تزويد أميركا الثوار بمعدات أرضية جوية، ومنطقة حظر الطيران، أو مساعدة مباشرة يمثل تهديدا وجوديا. إذا كان وجود القاعدة يمنع واضعي سياسة الولايات المتحدة من جعلها تتدخل أكثر في الأزمة السورية، وبعدها قد يكون وجوده يجده نظام الأسد أمرا جيدا للاحتفاظ به.

والمشكلة الأخرى مع التركيز كثيرا على احتمالية ظهور القاعدة هو أن تكاليف التراخي في سوريا لا تقدم بشكل كفؤ في النقاش السياسي. حتى لو تغلب الثوار تماما، وحتى لو استمرت الولايات المتحدة في عدم تدخلها والخسائر البشرية ترتفع، فيمكنها مواجهة الحكومة المعادية لأميركا بشكل قطعي في دمشق سواء وصل الجهاديون للسلطة أم لا.

بالنسبة لنظام الأسد، فإن وجود القاعدة في سوريا لا يخدم التصدي للتهديدات الخارجية وحسب (مثل تدخل الولايات المتحدة) بل أنها تقلل واحد من التهديدات الداخلية العديدة للأسد : وهو ارتداد الأقليات السورية إلى جانب الثوار. يعتبر الجهاديون أن أقلية العلويين (والذين يسيطرون على نظام الأسد) والدروز (الذين يبحث عن دعمهم كل من الأسد والمعارضة) من الملحدين، ويجب أن تنفذ بهم عقوبة الإعدام. وإن العداء التاريخي بين تلك الجماعات والسنة السوريين كفيلة لجعلهم موالين للأسد. لكن عقوبة الإعدام الجهادية تسير طريقا طويلة نحو سحق الشكوك المتبقية.

عد أن شهدنا كيف أن المسيحيين حققوا نجاحا ضد القاعدة في العراق، لم يعطي المجتمع المسيحي السوري الثوار أمور مسلمة بها، فبدلا من ذلك فهو يعمل كما لو أن نصر الثوار يعني أن المتطرفين المسلمين -أو على الأقل، الحكومة المعادية للأقليات – سوف تصل إلى السلطة. بقي الأغلب مع الأسد إلى الآن، لكن كلما أخذ العصيان اللون الإسلامي أكثر، من المحتمل أن القليل من الأقليات السورية سوف تنقلب على الأسد.

بالطبع، احتمال وصول القاعدة أو غيرها من الجماعات المتشددة إلى السلطة، أو امتلاكها نفوذا في نظام ما بعد الأسد قد يكون أيضا كابوسا لمصالح الولايات المتحدة الإقليمية. وبذلك يجب أن يؤخذ هذا السيناريو في حسابات السياسة، حتى لو أنه غير محتمل في هذا الوقت. بالرغم من ذلك يوضح الكم الهائل من الاهتمام بهذا السيناريو، وبشكل خاص في دوائر الاستخبارات الأميركية، أن خطورة تأثيره على تشكيل السياسة لا تساوي احتمال حدوثه.

التركيز على احتمالية استغلال القاعدة للنزاع السوري يلهي الانتباه عن التكاليف المتزايدة بشكل سريع لتراخ الولايات المتحدة. حيث واشنطن مستاءة من نمو أميركا بين سكان سوريا والشرق الأوسط الواسع. فتلك ليست تكاليف محتملة إنما هي تكاليف مرتفعة.

لمشاعر المعادية للولايات المتحدة تضعف حلفاء أميركا الإقليميين وتقوي أعدائها – مثل القاعدة. ويتقلص نفوذ الولايات المتحدة في القضية العربية الإسرائيلية، وفي الاصلاح السياسي العربي الوليد، وحتى في مستقبل العراق. ودون تدخل واضح للولايات المتحدة، من المحتمل أن يستمر النزاع في سوريا. وكلما طالت، سيحظى الأسد بالمزيد من الوقت للقيام بمجازر بحق الشعب السوري- وقد يكون من المحتمل أكثر أن يتحول مؤيدو الولايات المتحدة محبطين إلى مصدر آخر من الحماية.

احتمالية تسليح الولايات المتحدة للمعارضة السورية وتدريبها نوعا ما تقوي القاعدة أمر مخيف، ولكن كذلك الأمر في تأسيس أي نظام لما بعد الأسد يكون معاديا لمصالح الولايات المتحدة. إذا جعل صناع السياسة الخوف من القاعدة يمنعهم من تقديم المزيد من الدعم للثوار السوريين، قد يساعد هذا الأمر في خلق ظروف كانوا يحاولون جاهدا تجنبها.

* محللة لسياسة الشرق الأوسط في شركة راند

عاشت في المنطقة لمدة أربعة شهور.

التاريخ : 20-10-2012

=============================

الأسد والأمان الحيوي للكائنات..

طارق الحميد

الشرق الأوسط

20-10-2012

واهم من يعتقد للحظة أن طاغية دمشق سيلتزم بعهد أو وعد واحد.. نعم واهم، أو أنه يغرر بالسوريين، ويريد منح الأسد الفرصة تلو الأخرى، فلا يمكن أن يكون مقبولا أن يرضى المجتمع الدولي والعالم العربي - من بعد كل جولات السيد الأخضر الإبراهيمي - بكلام مكرور وهدنة فقط، بمناسبة عيد الأضحى! أمر مؤسف حقا.

فمجازر الأسد بحق السوريين مستمرة، ويوميا، ويدعمه في ذلك كل من إيران وحزب الله، وبشكل سافر. والسيد الإبراهيمي يتحدث عن هدنة، وهذا أمر غريب؛ فالهدنة تحدث بين جيشي دولتين، وليس بين نظام يحكم بالحديد والنار، وبالطائرات الحربية، ويستعين بإيران وحزب الله، لقمع شعبه، ثم يقال هدنة! ما يفعله الأسد هو جريمة، ويجب أن يعاقب عليها، لا أن يمنح هدنة!

وعندما يقول السيد الإبراهيمي إن من شأن الهدنة أن تقلل عدد القتلى بدلا من أن يكون مرتفعا، فحينها يصبح السؤال هنا: هل نريد حماية الأرواح، أم تخفيض عدد القتلى؟ بل: هل إزهاق الأرواح البريئة أصبح فقط عملية عدد؟ بمعنى أن قتل عشرين مقبول لكن قتل مائة مرفوض؟! أمر عجيب حقا.

ولذا فعندما نقول إن من يصدق الأسد واهم، أو إنه يمنحه فرصا، فهذه ليست مبالغة، فبينما السوريون يقتلون على يد قوات الأسد وبلا رحمة، نجد أن طاغية دمشق يصدر «مرسوما رئاسيا» ينظم البحث والتطوير في مجال الهندسة الوراثية لضمان «صحة الإنسان والحيوان والنبات والبيئة»، وبحسب وكالة الأنباء الأسدية، فإن هذا القانون يهدف إلى «الأمان الحيوي للكائنات الحية المعدلة وراثيا ومنتجاتها»، كما يعمل هذا القانون على وضع ضوابط «لإدخال وإخراج ونقل وإنتاج وتداول واستخدام الكائنات الحية المعدلة وراثيا»، وذلك «بهدف ضمان مستوى آمن لصحة الإنسان والحيوان والنبات والبيئة»! فهل بعد هذا العبث عبث؟ خصوصا أن عدد من قتلوا من السوريين على يد قوات الأسد قد بلغ الخمسة والثلاثين ألفا! فهل هذا نظام حريص على الإنسان، حتى يكون حريصا على الحيوان والنبات والبيئة في سوريا؟ فإذا لم تكن هذه هي السخرية فما هي إذن؟

وعليه فلا بد أن نعي أن قبول الأسد بالهدنة ليس إلا مناورة جديدة، خصوصا أن المعارضة بادرت برفضها، كما أن الأسد يريد متسعا من الوقت لتسهيل إعادة انتشار ميليشياته، والتقاط أنفاسه، وهنا يجب أن نتذكر التصريح الفرنسي القائل بأن نصف سوريا اليوم بات محررا. ومن هنا فإن ما يجب أن يسعى إليه السيد الإبراهيمي ليس هدنة أيام محددة، بل إن المطلوب هو رحيل بشار الأسد، ومن ثم جلبه إلى محكمة الجرائم الدولية. وإذا قال هنا المبعوث الأممي، أو البعض، إنه ليس بالمقدور فعل ذلك، فإن الرد البسيط هو: وهذا هو المتوقع! ومن أجل ذلك فإن على السيد الإبراهيمي إعلان فشل مهمته، وإلقاء الكرة بملعب المجتمع الدولي مرة أخرى، وذلك بدلا من أن يكرر نفس أخطاء السيد كوفي أنان بسوريا، ويمنح الأسد فرصة أخرى.

tariq@asharqalawsat.com

=============================

هل من حرب سورية تركية؟!

الشرق الأوسط

اكرم البني

20-10-2012

وجهتا نظر يجري تداولهما بين السوريين حول احتمال نشوب حرب مع تركيا بعد تكرار قصف مواقع على جانبي الحدود، أبرزها مقتل خمسة أتراك بقذيفة أصابت منزلا في قرية «أغجا كالي» ردت أنقرة بقصف مواقع عسكرية في منطقة تل أبيض، تلاها تفويض البرلمان التركي لحكومته بشن عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية إذا اقتضى الأمر.

ترجح وجهة النظر الأولى خيار الحرب، مستندة إلى تقديرها بوجود مصلحة اليوم لدى حكام دمشق في جر تركيا إلى حرب مباشرة بدل غير المباشرة القائمة من خلال دعمها للثورة، وما يعزز هذا الخيار حضور مصلحة إيرانية في تغير قواعد اللعبة، لتوسيع رقعة المشاركين في دعم النظام السوري من جهة وللالتفاف على تفاقم أزمتها الاقتصادية وقد بدأت تنعكس بتمردات شعبية ضد تدهور الوضع المعيشي.

هو أمر مألوف أن تلجأ الأنظمة المأزومة إلى افتعال حروب خارجية لربح الوقت والتهرب من معالجة الأسباب الحقيقية لأزماتها، لكن ما يعطي هذه الحقيقة زخما إضافيا في الحالة السورية، شعور أهل الحكم بالعجز عن الحسم في المناطق المتاخمة للحدود التركية، وبأن الركون إلى عامل الوقت لم يعد في صالحهم أمام توسع المساحات التي تخرج عن السيطرة والتكلفة الباهظة للعمليات العسكرية.

ويضيف أصحاب هذا الرأي أن أهل الحكم يتطلعون من افتعال حرب مع تركيا إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، كتوظيف أجواء الحرب وسلاح التعبئة لتعزيز الضبط الداخلي وتمرير المزيد من الفتك بأقل ردود، والرهان على الشعارات الوطنية ضد العدو الخارجي في تمييع شعارات الثورة المتعلقة بالحرية والكرامة، وتاليا تمزيق وحدة الحراك الشعبي وشق صفوف المعارضة وتشويه سمعتها، ثم التعويل على مناخات الحرب في ترميم قاعدتهم الاجتماعية المتهالكة وإعادة رص صفوف القوى العسكرية التي بدأت تعاني تصدعا وانشقاقات متواترة، وفي الطريق التطلع إلى أن تفتح الحرب بوابة للتدخلات السياسية الخارجية التي قد تعيد للنظام بعضا من دوره الإقليمي المفقود، أو ربما تفضي إلى خلط الأوراق العربية والإقليمية والعالمية وتخلق حراكا في التفاعلات السياسية الجارية حول الوضع السوري تزيد قلق المتشددين وتشجع دعاة التريث والتعاطي الاحتوائي.

ويعزز هؤلاء موقفهم بأن تصعيد أنقرة يحمل معه هذه المرة جدية المواجهة العسكرية، وأن خيار الحرب بات يشق طريقه على أرض الواقع في ضوء تفويض البرلمان التركي وإشارات الدعم الأطلسية، ومعهما إدراك أردوغان حجم الضرر على شعبيته وموقع حزبه في حال استمر في «بلع» التجاوزات السورية المتواترة منذ إسقاط الطائرة التركية في يونيو (حزيران) الماضي.

في المقابل تستبعد وجهة النظر الثانية حدوث حرب مع تركيا بل تعتبر ذلك واحدا من الخيارات الأصعب على نظام غير مؤهل عسكريا لمعركة واسعة وقواته تنتشر على مساحة البلاد وقد أنهكتها المواجهات اليومية الدامية، ويتساءل هؤلاء ألم يفقد أهل الحكم وبعد عام ونصف من عمر الثورة، فرصة المناورة بالحرب للالتفاف على الأزمة الداخلية وتشويه أسبابها؟! وألا يؤدي افتعال صراع عسكري خارجي في الظرف الراهن إلى عكس الأهداف التي يبتغونها؟! وبالتالي من قال إن شحن الأحاسيس الوطنية ضد عدو خارجي كتركيا، يمكن اليوم أن يطعم المجتمع «خبزا» ويرده إلى السكينة والخضوع، أم ثمة من لا يزال يشكك بأن الناس لم تمل شعارات المواجهة والممانعة وتعافها نفوسهم وهم أكثر من خَبَرَ كيف وظفت هذه الشعارات لتعزيز أسباب التسلط والاستئثار والقمع والفساد؟! وأيضا من قال إن مناخات الحرب سوف تفضي إلى توسيع جماهيرية الحكم وتشجع الالتفاف حوله، وأنها لن تؤدي، مع استمرار حال التأزم الاجتماعي والاقتصادي، إلى كشف عمق الهوة التي تفصل بين مصالح نظام اهتزت شرعيته وبين مصالح المجتمع، وتعجل تاليا من ردود أفعال الفئات المترددة أو السلبية وتشجعها على حسم خيارها في دعم الثورة والتغيير؟! ث أي رهان خاسر التعويل على أجواء الحرب مع بلد كتركيا في كسب تعاطف الشارع العربي وفي إزاحة مشاعر الغضب والألم التي رسخت في نفوس أبنائه من مشاهد القمع والتنكيل ضد السوريين العزل، أو في إعادة بناء موقف جديد للصف العربي، الذي خبر جيدا لعبة الحروب وتوظيفها في أزمات الأنظمة وصراع المحاور!

ويعزز أصحاب هذا الرأي موقفهم بوجود حسابات مصالح تلجم دخول تركيا في صراع عسكري مفتوح مع النظام السوري تبدأ بخشيتها من تطوره لاشتباك مع إيران وحلفائها في العراق ولبنان وما يستتبع ذلك من تداعيات قد تضع القطار التركي على سكة لا يريدها، وربما تستنزف قواه وتهدد طموحاته في حال طال أمد المعركة وتعددت قواها، مرورا بتخوف أنقرة من تأثيرات الحرب على الداخل وأن يستثمرها حزب العمال الكردستاني لتصعيد عملياته، انتهاء، بحرصها على عدم التورط منفردة في الحرب دون قرار أميركي يجعل جيوش الأطلسي أداتها الرئيسة، وهي العارفة بأسلحة تمتلكها سوريا قادرة على الوصول إلى العمق التركي.

سياسة أنقرة، سياسة براغماتية فاقعة لا تخفى على أحد، تحكمها حسابات الربح والتكلفة قبل المبادئ والقيم، وفي عرفها يجب أن لا يفضي حنينها إلى الماضي العثماني الإمبراطوري، ومحاولة الإفادة من الثورة السورية لتعزيز نفوذها الإقليمي، إلى أي خسارة، ما يفسر الفجوة الكبيرة بين تصريحاتها النارية وضعف الفعل الملموس!

والنتيجة، إذ يحاول النظام السوري توجيه الأنظار إلى الجبهة التركية لمحاصرة دعمها للثورة والتهرب من الاستحقاقات الداخلية، تتحسب أنقرة من دفع الأمور إلى نهايتها، قبل توفير أوسع غطاء عربي وعالمي، أو قرار أممي يضمن حياد روسيا ويحاصر التدخل الإيراني، لكن ليس ثمة وقت طويل للرقص على الحبال وامتصاص الاستفزازات، فهامش مناورة الطرفين محدود وقد لا يسمح بأن تبقى لعبة المناوشات العسكرية في حيز الآمان.

=============================

اللاذقية في وضعية الانتظار

منذر خدام

الشرق الاوسط

20-10-2012

يسيطر هذه الأيام على جميع سكان محافظة اللاذقية سواء من قاطني المدينة أو الريف سؤال واحد وهو: متى تنشب الحرب بين قوات النظام ومسلحي المعارضة في اللاذقية؟ والانتظار يولد إشاعات كثيرة، سرعان ما تتحكم بسلوك الناس فتراهم يزدحمون على البقاليات ومحال بيع المنتجات الغذائية من أجل التموين وتخزين الغذاء، أو يرافقون أبناءهم إلى المدارس مع كثير من النصائح، أو يمكثون في البيوت أمام محطات التلفزيون لتتبع الأخبار. لقد سيطرت الإشاعات أيضا على مجالس سمر الناس، وصارت الموضوع الرئيسي في مكان العمل، وفي الزيارات التي يتبادلها الأقرباء والأصدقاء على قلتها، ولا غرابة أن تجدها حاضرة وبقوة حتى في أكثر الخلوات حميمية. لم يعد نوم الناس طبيعيا ولا طعامهم ولا حركتهم ولا عملهم، الكل في وضعية الانتظار والترقب للحرب القادمة إلى مدينتهم.

ها هو التاجر أبو مفيد يحلف الأيمان الغلاظ لجاره أبو محمد بأنه شاهد بأم عينيه مجموعات مسلحة في الحي الفلاني، بدوره الأستاذ الجامعي عدنان يحلف لبعض زملائه بأنه في الحارة الفلانية حيث يسكن اكتشفت الأجهزة المختصة مخزنا للأسلحة، والسيدة أم هاجر تحلف لزميلاتها في العمل بأنها على حاجز التفتيش الجنوبي قد رأت الجنود وهم يخرجون من طبونة إحدى السيارات مسلحين اثنين. وبطبيعة الحال الإشاعات لا تكتسب مصداقية من دون حلفان الأيمان الغلاظ وهذا يدركه جيدا مروجو الإشاعات وناقلوها وما أكثرهم هذه الأيام في محافظة اللاذقية.

في مواجهة هذه الإشاعات الكثيرة التي تشغل مجتمع اللاذقية ثمة وقائع على الأرض تقول غير ما تقوله الإشاعات، مع أنها في كثير من الحالات تشكل أساسا لها. بداية تبدو مدينة اللاذقية مزدحمة بقاطنيها بعد أن استضافت مئات الآلاف من السوريين المهجرين من حلب وإدلب وحمص وحماه وغيرها من محافظات سوريا، تراهم في الأسواق، وفي الحدائق العامة، وعلى شاطئ البحر، لكن بهيئة لا تخفي علامات الخوف والقلق من تهجير ثان من جراء الحرب المنتظرة في المدينة.

في موازاة ذلك تلاحظ القوات الأمنية والعسكرية الرسمية منتشرة في كل أحياء مدينة اللاذقية وعلى كافة الطرقات المؤدية إليها، وعلى جميع الطرق الرئيسية في الريف، تقوم بأعمال التفتيش للداخلين إلى المدينة، أو المتحركين على طرق الريف، كما تقوم بين الحين والآخر بعمليات مداهمة وتفتيش لبعض الأحياء في المدينة بناء على إشاعة أو تقرير من مخبر.

وبالمناسبة المخبرون في اللاذقية هذه الأيام منتشرون وبكثافة في كل زاوية من زواياها، فكل بائع قهوة على ناصية شارع، أو كل بائع على طبلية، عداك عن الكثير من سائقي التاكسي هم مخبرون إضافيون للمخبرين الرسميين لأجهزة الأمن في كل «مخترة» أو دائرة عمل، أو في كل سوق، أو في كل مقهى أو مطعم أو في أي مكان يمكن أن يتجمع فيه عدد من السوريين. واللافت أن جميع هؤلاء المخبرين مسلحون ببنادق آلية بحيث ينتقلون عند الضرورة في لحظة من وضعية المخبر إلى وضعية المقاتل.

بكلام آخر تبدو جميع أجهزة أمن السلطة مستنفرة إلى أقصى حد، لأن السلطة تخشى حقيقة أن تؤخذ على حين غفلة، كما يفصح عن ذلك مسؤولوها في اللاذقية، مستندين إلى وقائع اقتراب المعارك الدائرة في ريف اللاذقية الشمالي منها، وكذلك في ضوء تحريض بعض الشخصيات والقوى المعارضة على نقل المعارك إليها.

من المعروف أن اللاذقية كانت المدينة الثانية التي انتفضت طلبا للحرية والكرامة وتضامنا مع درعا، إذ بدأت المظاهرات فيها في الخامس والعشرين من مارس (آذار) أي بعد نحو سبعة أيام من انطلاقتها في درعا، ودفعت جراء ذلك ضريبة دم غالية زادت عن الثلاثمائة شهيد خلال وقت قصير نتيجة لوحشية النظام في قمعها. وكان من نتيجة ذلك أيضا خروج آلاف الشباب من مواطنيها إلى الأرياف الشمالية المحاذية للحدود مع تركيا حيث انخرطوا في صفوف قوى المعارضة المسلحة. وهم اليوم في مقدمة هذه القوى التي تخوض معارك شرسة ضد قوات النظام للسيطرة على منفذ كسب الحدودي مع تركيا، إضافة إلى نجاحهم في السيطرة على قمة جبل النبي يونس ذات الأهمية الاستراتيجية لكونها تطل على مدينة صلنفة وعلى مدينة الحفة لجهة الغرب وعلى شمال سهل الغاب حيث شبكة الطرق المؤدية من جنوب سوريا إلى شمالها حيث تدور معارك شرسة بين قوات النظام وقوات المعارضة المسلحة.

ومن المعلوم أن هذه القوات - وأغلبها من مدينة اللاذقية - كانت قد نجحت في وقت سابق من السيطرة على مدينة الحفة لبعض الوقت، وهي تقترب اليوم أكثر فأكثر من مدينة اللاذقية بحيث صارت في بعض المواقع لا تبعد عنها أكثر من عشرين إلى ثلاثين كيلومترا.

إن وصول الصراع المسلح بين قوات النظام وقوات المعارضة المسلحة إلى مشارف اللاذقية له دلالات خطيرة، فرغم أنه مؤشر على انهيار معنويات قوات النظام وتراجعها المستمر، لكنه من جهة ثانية قد يدفع باتجاه نشوب صراع طائفي تكون نتائجه مأساوية على التعايش القائم منذ قرون بين سكان المدينة من مختلف الطوائف والمذاهب، وبين قسم كبير منهم على الأقل وسكان الريف، واستعدادا لذلك تقوم بعض الشخصيات النافذة في المحافظة والمؤيدة للسلطة بإعداد وتدريب وتسليح ميليشيات خاصة بهم وتقوم بنشرها في مناطق قريبة من المدينة، وتدفع بقسم منها إلى جبهات القتال. وفي هذا المناخ المتوتر بدأت تعلو أصوات بعض مناصري النظام كنوع من التهديد، وقد تعني ذلك فعلا، وهي تتفق مع تسريبات من أوساط السلطة ذاتها، بأن أي اقتراب من مدينة اللاذقية أكثر سوف يعني إعلان حرب طائفية من أجل التأسيس لقيام دويلة طائفية في الساحل السوري.

ويبدو لي أن المجالس العسكرية لقوات المعارضة المسلحة في جبل الزاوية وفي جبل الأكراد ومناطق التركمان تعي خطورة ذلك، فأعلنت في بيانات كثيرة عدم نيتها دخول اللاذقية، وأن ما يروج من إشاعات حول ذلك لا أساس له من الصحة. ويعي ذلك أيضا قسم كبير من سكان اللاذقية، لذلك ترى وجهاءهم يعملون ليل نهار على حض الناس على ضبط النفس وعدم الانجرار وراء الإشاعات أو الاستجابة للاستفزازات التي تحصل يوميا من قبل بعض الأطراف المحسوبة على السلطة.

============================

«أنا إنسان مش حيوان»

بيسان الشيخ *

السبت ٢٠ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً مقطع فيديو عن انضمام رجل الى الجيش الحر قيل إنه هو مطلق صرخة «انا انسان مش حيوان» في بدايات الثورة السورية. هل تذكرونه؟ انه ذلك الرجل الاربعيني الذي ينتحب ويلطم وإذا به يلتفت الى الكاميرا ويصرخ ملء صوته صرخة مدوية فيها من الدمع والقهر ما صار عصياً عن الكتمان.

«أنا إنسان مش حيوان» عبارة تلخص جوهر ثورة مستمرة منذ عامين تقريباً ويمكن اعتبارها بلغة العصر «لوغو» الانتفاضة السورية، تماماً كتلك الصرخة التي طبعت ثورة الياسمين «هرمنا هرمنا». قوة هذه الصرخة انها لا تنتمي الى قاموس الشعارات الجماعية وهتافات التظاهرات وإنما تغوص في معاناة الفرد في ظل أنظمة تعامل أبناءها بغير ما يعامل البشر. إنه القهر الذاتي الذي يلخص حال الجماعة وينطق باسمها. وإذا كان جيل كامل من التونسيين هرم فعلاً بانتظار تلك اللحظة التاريخية بصبر وصمت، حتى صدرت عنه تلك العبارة الاقرب الى الشكوى والأنين، فإن السوريين احتاجوا لكل الشجاعة المتخيلة للبوح بحقيقة يفترض انها بديهية. أنا إنسان مش حيوان، بداهة تطلبت ثورة على الذات بالدرجة الاولى ليتفوه بها رجل على شفير الانهيار العصبي. فهو إذ يلتفت الى الكاميرا ويذكر العالم عبرها بأنه ليس حيواناً، إنما يقول بمعنى ما إنه حتى هذه اللحظة لم يشعر حقيقة بأنه إنسان ولن يقبل بذلك بعد اليوم. قسوة ما بعدها قسوة.

لكن كما الثورة نفسها، اصطدمت تلك الصرخة الانسانية بواقع الارض وهو تحول الثورة السلمية الى العمل العسكري. وها هو الرجل نفسه بعد عامين ينضم الى الجيش الحر ويرفع سلاحاً بوجه من هو مصر على معاملته بما لا يرتضيه على نفسه. استغرقه الامر سنتين كاملتين ليختار العسكرة. لعله صبر خلال تلك المدة، وتأمل كغيره من السوريين بجدوى الحل السياسي أو الديبلوماسي، وربما تمنى بينه وبين نفسه ان يحدث تدخل خارجي يرفع عنه كأس الاقتتال الداخلي. ورسم لنفسه جداول زمنية ومحطات تعينه على الصبر والأمل. فكان بداية الرجاء بدمشق وحلب، والانتخابات الفرنسية، فرمضان وبعده العيد، والانتخابات الاميركية... إلى أن وجد نفسه اليوم مجبراً على قبول هدنة في عيد الأضحى. هدنة يومين لاستئناف القتل بعدها.

ربط هذا الرجـــل الذي لا نعرف له اسماً مصيره بأحداث كبرى لا ناقة له فيها ولا جمـــل. لا شك في ان تلك الهدنة الابراهيمية نكأت فيه جرحاً قديماً بأن مصيره كإنسان مرتبط بمـــزاج النظام نفسه وقبوله او رفضه وقف اطلاق النار. حسم الرجل خياره وحمل السلاح ليس فقط بوجه من عامله كحيوان، وإنــما أيضــاً بــوجــه مـن طالبه أن يكــون إلــهاً... وهــو بكل بســاطة إنسان.

=============================

وحل المنطقة الذي يُغرقنا

حازم صاغيّة

السبت ٢٠ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

تركيّا والأتراك صاروا، في أدبيّات التهاجي السائد، «عثمانيّين»، كما صارت السعوديّة والسعوديّون، وقطر والقطريّون، «وهابيّين»، وكادت مصر والمصريّون، مع انقشاع موقف الرئيس محمّد مرسي من سوريّة، يصيرون «فراعنة». لكنْ في المقابل، صارت إيران والإيرانيّون «فُرساً» و «صفويّين» و «مجوساً».

وهذا التلوّث في فضاء المنطقة كلّها، وهو عنصريّ طبعاً، ينهض على عمليّة بسيطة في آخر المطاف: يُردّ شعب بكامله إلى ماضٍ إمبراطوريّ، أو إمبراطوريّ متخيّل، ثمّ يُهجى بصفته هذه.

والعمليّة البسيطة تلك تنطوي، فضلاً عن عنصريّتها الصريحة، على خطأين جسيمين: الأوّل، إعلان أصحابها جهلهم الفادح بالتاريخ السابق على الدولة الحديثة بحيث يُقلّص هذا التاريخ، على رغم منجزاته الضخمة، إلى مجرّد شتيمة بذيئة، والثاني، إعلان كلّ من الطرفين أنّ شعوب الخصم ودوله ليست شعوباً ودولاً.

وهذا الميل المسموم ليس جديداً في ثقافة منطقتنا، إذ درجنا طويلاً على إدانة الولايات المتّحدة بصفتها قاتلة الهنود الحمر، كما لو أنّ هذا الحدث حصل يوم أمس الأوّل، فيما هناك جوهر أميركيّ قاتل لا يعدّله الزمان، كما درجنا على اختصار إسرائيل والإسرائيليّة بـ «اليهود» وأسبغنا على التعبير الأخير ما تيسّر من مواصفات سلبيّة. وهذا ناهيك عن مقدّمات عنصريّة صلبة حيال السود «العبيد» يقيم بعض جذورها في تجارة الرقيق الشهيرة.

لكنّ الفارق أنّ ما كان يوجّه لـ «الآخر» قبلاً صار يتّجه راهناً إلى «الذات» بصراحة لا سابق لها. صحيح أنّ الحروب الأهليّة العربيّة لم تبخل بالإفصاح عن هذا التبادل العنصريّ في ما بين «الأخوة»، فسمعنا من اللبنانيّين والسوريّين والفلسطينيّين والأردنيّين، وقبلهم من اليمنيّين والسعوديّين والمصريّين، ما يندى له الجبين. وكانت النزعة هذه قد بلغت، مع حرب صدّام حسين على إيران ثمّ في غزوه الكويت وإبّان تحريرها، ذروة لم تكن مسبوقة حتّى ذاك الحين. مع هذا، فمعظم ذاك التهاجي كان يبقى محصوراً في البلدان المعنيّة بالصراعات الثنائيّة، كما أنّ كثيره ظلّ شفويّاً لا ينقل الإعلام، ولا يعمّم، إلاّ بعضه. أمّا اليوم، ومع الانفجار الإعلاميّ، لا سيّما منه التلفزيونيّ، فصارت اللغة الموصوفة هي الأعلى صوتاً والأكثر انتشاراً بين اللغات السياسيّة الرائجة في المنطقة.

وهذا لئن وشى بالتلوّث العميق الذي يخترق أجسامنا الفكريّة والسياسيّة، نبّه إلى أمرين: أوّلهما أنّ «الصراع على سوريّة»، بوصفه صراعاً على منطقة برمّتها، يملك اليد الطولى في هذه النقلة النكوصيّة المعمّمة. فكيف حين يتقاطع الصراع المذكور مع صعود استثنائيّ في التوتّر السنّيّ – الشيعيّ العابر للحدود؟. وإذا صحّ أنّ لغة النظام السوريّ السبّاقة في إبداعات «العربان» و «العثمانيّين»، تتحمّل أكبر أقساط المسؤوليّة عن هذا الوحل، فإنّ تمادي النظام نفسه في سياسة القتل يوفّر الأساس الموضوعيّ الأمتن لاستمرار التردّي ولتحوّله طبيعة ثانية لشعوبنا. أمّا الأمر الآخر فمفاده أنّ «الأخ» هو الوجه الثاني لـ «العدوّ» تماماً كما أنّ «العدوّ» هو الوجه الثاني لـ «الأخ». وكم هو دالّ أنّ فلسطين التي يُفتَرض أنهّا القضيّة الجامعة بين «الأخوة العرب والمسلمين»، هي أكثر البلدان إنتاجاً للغة يقوم بموجبها «الأخوة في فتح» (في نظر «حماس») بارتكاب ما لا يرتكبه إلاّ «الأخوة في حماس» (في نظر «فتح»). وما دمنا «أخوة/أعداء»، لا أفراداً/مواطنين، وما دامت هذه الثقافة تواكب تبرير التدخّل في بلدان لا تُحترم سياداتها وحدودها، فإنّ الوحل سيمضي في ابتلاعنا تهاجياً وتعفّناً غير محدودين.

=============================

فرصة جديدة للنظام السوري

مصطفى زين

السبت ٢٠ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

تحاول الولايات المتحدة إنشاء تحالف في الشرق الأوسط يأخذ على عاتقه إمساك الوضع إذا انهار الوضع في سورية أو إذا ارتكبت إسرائيل حماقة وهاجمت إيران. الحلفاء الذين حاصروا النظام السوري، سعوا جاهدين لدى واشنطن كي توافق على تحرك عسكري من خارج مجلس الأمن لإطاحة النظام ومساعدة السوريين في إقامة دولة «ديموقراطية»، مهمتها الأولى إبعاد بلاد الشام عن «مغامرات» النظام الإيراني لما يمثله من خطر على الإقليم كله. لكن البيت الأبيض، متعظاً بتجربة بوش الابن في العراق، لم يستجب هذا الطلب، وبقي مصراً على إسقاط النظام بدعم سخي للمعارضة المسلحة، وإضعاف المعارضة السلمية الساعية إلى إيجاد أرضية للحوار معه.

لتجاوز هذا الإشكال عمدت أنظمة كثيرة وجامعة الدول العربية إلى التركيز على البعد الإنساني وحماية المدنيين في مناطق آمنة، لكن المسألة لم تكن سهلة فالمناطق «المحررة» ليست «محررة» تماماً، على رغم الحديث عن سيطرة المسلحين على «أكثر من سبعين في المئة من حلب»، و «خمسين في المئة من كل الأراضي السورية». وأصبح واضحاً للجميع أن الحروب المتنقلة من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية لن تؤدي إلى انتصار المسلحين على الجيش الذي ما زال متماسكاً لكنه لن يستطيع الحسم على رغم استخدامه الأسلحة الثقيلة.

أضيف إلى هذا الواقع الذي كان ماثلاً أمام الجميع منذ بداية الأحداث بعد آخر. بدأت الحروب تنتقل إلى خارج الحدود السورية. إلى لبنان والأردن وتركيا والعراق. واتخذ كل من هذه البلدان تدابير لحماية نفسه من تداعيات الأحداث منذ عشرين شهراً. لبنان الرسمي نأى بنفسه سياسياً، لكن لبنانيين كثيرين، بينهم مسؤولون ونواب انغمسوا في الصراع، سياسياً وعسكرياً. العراق اتخذ موقفاً مؤيداً للنظام، ويتلقى الكثير من الضغط، خصوصاً من الولايات المتحدة وتركيا كي يكون محايداً. الأردن نشر قوات على حدوده المحاذية للأراضي السورية، بمساعدة مباشرة من الجيش الأميركي، على ما أعلن وزير الدفاع ليون بانيتا. أما تركيا التي أنشأت غرفة عمليات «مشتركة» فاتخذت خطوات تصعيدية على الحدود، فضلاً عن إيوائها قادة المسلحين من «الجيش الحر» وباقي الفصائل وبدأت تستعد للحرب الشاملة، وراحت تقصف الأراضي السورية، رداً على أي قذيفة تسقط في أراضيها.

الواقع أن حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تعرف تماماً أن الولايات المتحدة ليست الآن على استعداد لخوض حرب جديدة في الشرق الأوسط لأسباب كثيرة، منها أن البيت الأبيض منصرف للمعركة الانتخابية، والأهم من ذلك أن واشنطن تفضل الاستمرار في محاصرة دمشق وإضعافها من الداخل لتحييدها عن التأثير في مجريات السياسة في الشرق الأوسط، وقد أصبحت متيقنة من أن هذا ما يحصل، بقي النظام أو رحل. وكل ما يهمها الآن عدم سيطرة «المتطرفين» على الوضع لذا بدأت تتحدث عن خطر «القاعدة» ومسلحيها. وتسعى إلى أن يكون «المعتدلون» (الإخوان) في مقدم أي تشكيل سياسي أو عسكري، وهي تتوافق مع أنقرة في هذه النقطة بالذات، وتختلف مع دول أخرى ترى في «الإخوان» خطراً عليها.

قرع طبول الحرب في تركيا لا يعني أنها واقعة غداً، هو مناورة سياسية يقودها أردوغان لإسكات معارضة الداخل التي تأخذ عليه انخراطه في الأزمة السورية من بداياتها، واتخاذ مواقف مناهضة للعراق وإيران وأرمينيا خدمة لأيديولوجيا حزبه وجرياً وراء سراب اسمه العثمانية الجديدة (صحف حرييت وميلييت وزمان).

حرب العصابات مستمرة في سورية، جذبت إليها معظم التنظيمات المسلحة، ووضعت كل الدول المعنية أمام مسؤوليات جديدة لحماية نفسها، ما يعطي النظام السوري فرصة جديدة للاستمرار في خيار الحسم العسكري، بغطاء من خوف هذه الدول.

==============

الاسد الجريح يضرب في لبنان؟

عبد الباري عطوان

2012-10-19

القدس العربي

الاسد جريح ومحاصر يواجه ثورة مسلحة داخلية، ولذلك ليس من المستغرب ان يخبط غربا في لبنان، وشمالا في تركيا، فهو لا يريد ان يسقط وحده، او يترك اعداءه يحتفلون بسقوطه.

نقول هذا الكلام بمناسبة السيارة المفخخة التي نجحت في تفجير ألد اعداء سورية العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات في جهاز الامن الداخلي اللبــناني، وتشير كل اصابع الاتهام الى سورية بالوقوف خلفها.

السيد سعد الحريري رئيس تيار المستقبل اتهم الرئيس بشار الاسد شخصيا، وفعل السيد وليد جنبلاط الزعيم الدرزي الشيء نفسه، بل وذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما قال ان الرئيس السوري احرق سورية ويريد احراق لبنان ايضا.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: اذا كان هذا الرجل الذي يعتبر الاقوى في جهاز الامن اللبناني يتعرض للتصفية بهذه السهولة، وبعد يوم من وصوله الى بيروت، فإنه لم يعد من الصعب على مغتاليه، سواء كانوا من داخل لبنان او خـــارجه الوصول الى اي زعيم سياسي او امني لبناني.

العميد الحسن لم يتعرض للاغتيال البشع وعن طريق سيارة مفخخة، وبالاسلوب نفسه الذي اغتيل فيه العديد من المسؤولين اللبنانيين المعادين لسورية، ابتداء من بشير الجميل، ورينيه معوض، ورفيق الحريري، وجبران تويني، لانه كشف شبكات تجسس تابعة للموساد الاسرائيلي متورط فيها لبنانيون وفلسطينيون وعرب آخرون، وانما لأنه تعمّد تحدي النظام السوري، وهو، اي النظام، يمر بظرف هو الاكثر حراجة في تاريخه (المعارضة المسلحة)، ويكشف عن تورط السيد ميشال سماحة وزير الاعلام الاسبق في عملية نقل اسلحة ومتفجرات في سيارته الى لبنان، لاستخدامها في عمليات اغتيالات لسياسيين لبنانيين يدعمون الثورة المسلحة في سورية، حسب ما ورد في التحقيقات.

' ' '

العميد الحسن ذهب الى ابعد ما يمكن ان يتحمله النظام السوري، عندما طالب باستدعاء اللواء علي مملوك مدير مكتب الامن القومي والدكتورة بثينة شعبان مستشارة الرئيس الاسد للتحقيق معهما في قضية متفجرات وزير الاعلام الاسبق، باعتبارهما متهمين في هذه القضية.

وربما يجادل البعض بان التحقيقات في عملية الاغتيال هذه لم تبدأ بعد، ولذلك من السابق لأوانه اتهام سورية او غيرها، وهذا الجدل صحيح وفي مكانه، ولكن متى انتهت التحقيقات التي اجريت في اغتيالات سابقة في لبنان الى الجهة التي نفذتها؟

الرسالة التي يريد النظام السوري توجيهها الى اعدائه في لبنان، وربما في اماكن اخرى في المنطقة العربية وتركيا، تحمل اكثر من معنى، والى اكثر من جهة،وملخصها انه قرر ان ينقل المعركة الى الخارج، وهو قادر على ذلك اذا اراد، بدليل عملية الاغتيال هذه، وللرجل الامني الاهم في لبنان.

قبل اشهر تردد ان هناك قائمة اغتيالات سورية تضم مجموعة من الشخصيات السياسية في لبنان، ومن المفترض ان يوفر لها الحماية العميد الحسن نفسه، وها هو يصبح اول ضحايا هذه القائمة، ولا نستغرب ان يستمر هذا المسلسل في الايام او الاسابيع المقبلة.

انه اختراق امني خطير بكل المقاييس سيثير حالة من الفزع والرعب في اوساط النخبة السياسية اللبنانية، وبعض الشخصيات السورية المعارضة التي تتخذ من لبنان قاعدة لانطلاقها لتقويض السلطة في دمشق، وتهريب الاسلحة والمتطوعين الى العمق السوري والجبهات الملتهبة.

اغتيال العميد الحسن فأل سيىء للبنان، بل والجوار السوري بشكل عام، وهو الذي بالكاد تعافى من الحرب الاهلية التي استنزفته ومئات الالاف من ابنائه واستمرت حوالي خمسة عشر عاما. فشبح الحرب الاهلية الطائفية بات يخيم على لبنان، وربما تكون عملية الاغتيال هذه هي عود الثقاب الذي يمكن ان يشعلها.

لبنان يعيش حالة استقطاب طائفي وسياسي غير مسبوقة، فهناك معسكر سورية الذي يضم حزب الله وحركة امل والحزب القومي السوري، وفي المقابل معسكر المملكة العربية السعودية الذي يضم تكتل 14 اذار وبعض القوى السنية الاخرى.

ومن المفارقة ان عملية الاغتيال هذه جاءت بعد يومين من التصريحات التي ادلى بها السيد الحريري، واكد فيها انه كلف النائب عقاب صقر بالاشراف على عمليات تنسيق تمويل المعارضة السورية وتقديم الدعم الكامل لها. وقد قابلت شخصيات سورية معارضة في العاصمة التركية اسطنبول، واكدوا ان السيد صقر بات يتربع على قمة امبراطورية ضخمة تقدم تسهيلات لوجستية واسعة للمعارضة التي تقاتل النظام، الامر الذي يذكر بدور مماثل لـ'مكتب الخدمات' الذي اسسه الدكتور عبد الله عزام ومساعده الشاب في حينها اسامة بن لادن في بيشاور لدعم المجاهدين العرب في الحرب الافغانية، لاخراج القوات السوفييتية واسقاط النظام الشيوعي في كابول اوائل الثمانينات.

نيران الحرب الاهلية الدموية في سورية وصلت الى طرف الثوب اللبناني، ولن نستغرب انهيارا امنيا يؤدي الى حرب اغتيالات واغتيالات مضادة، مما يؤدي الى عودة البلاد الى دوامة الحرب الاهلية.

' ' '

ربما تكون عملية اغتيال العميد وسام الحسن محض صدفة،ولكن ألم تنطلق شرارة الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975 من المنطقة نفسها عندما اعترضت قوات الكتائب حافلة تقل ركابا فلسطينيين، فهل يعيد التاريخ نفسه؟

لبنان كان دائما ميدان حرب بالنيابة، تتقاتل على ارضه وتتصارع معظم القوى الاقليمية، والسورية والاسرائيلية منها على وجه الخصوص، هذه هي اعتبارات الجغرافيا واملاءات التاريخ، والبلدان مثل البشر لا تستطيع الهروب من اقدارها.

فصل جديد يبدأ في هذا البلد الهش امنيا، والمتأزم اقتصاديا (ديونه 50 مليار دولار) وهو فصل دموي بكل المقاييس ومفتوح على جميع الاحتمالات. العزاء الوحيد هو ديناميكية الشعب اللبناني وحيويته، وهي الديناميكية التي تجلت في استمرار الحياة وامتلاء المطاعم والملاهي والمقاهي في دوار الاشرفية حيث وقعت عملية التفجير وكأن شيئا لم يحدث!

=============================

رأي الراية ... لا لعودة لبنان للوراء

الراية

20-10-2012

جاء حادث اغتيال مدير فرع المعلومات بالأمن الداخلي اللبناني ليُلقي بظلال من الشكّ على الموقف الداخلي والدولي وهو مؤسف ومأساوي وغير مقبول وليس هناك أي تفسير له سوى أنه حادث مخطّط ومدبّر من أجل إعادة لبنان إلى الخلف وإدخاله من جديد في أتون الحروب الأهلية والاضطراب الأمني والسياسي ولذلك لم يجد مدبّرو هذا المخطّط إلا استهداف شخصيّة أمنيّة كبيرة لعبت دورًا مهمًّا في إرساء دعائم الاستقرار من خلال كشف العديد من الملفّات الأمنيّة التي كانت تستهدف جرّ لبنان إلى عدم الاستقرار عبر تنفيذ سلسلة اغتيالات لكبار السياسيين وعودتها إلى الحرب الأهليّة مرّة أخرى.

من المؤكد أن مدبّري حادث اغتيال العميد وسام الحسن كانوا يستهدفون أمن واستقرار لبنان في شخصه لأنهم يُدركون أنه شخصيّة عامّة غير عاديّة من خلال الموقع الذي يشغله وأنه ظل عصيًّا عليهم ولذلك كان لا بدّ من التخلّص منه من أجل تنفيذ مخططهم الإجرامي ولذلك فإن المطلوب من الشعب اللبناني بمختلف طوائفه وتيّاراته ضبط النفس والتزام الهدوء حتى لا يستغلّ منفذو المخطط ومن يقف وراءهم ذلك من أجل إشعال الأوضاع بلبنان وتفجير الأوضاع خاصّة أن الجميع يُدرك مدى هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية بهذا البلد.

إن عدم منح أعداء لبنان الفرصة للنيل من أمن واستقراره باستغلال هذا الحادث المدبّر هو مطلب ملح وعاجل باعتبار أن القضيّة أكبر من مجرّد اغتيال شخصيّة عامة لأن الظرف الحالي الذى يُواجه لبنان والمنطقة حسّاس ودقيق وأن هناك جهات داخليّة مختلفة بلبنان لها ارتباطات ومصالح بجهات خارجيّة خاصّة النظام السوري الذي يهدف لجرّ لبنان للأزمة التى يعيش فيها ولذلك فإن المطلوب من اللبنانيين عدم السماح بذلك بتفويت الفرصة أمام هذا المخطّط الإجرامي.

من المهم أن يُدرك مخطّطو الحادث قبل منفذه أن إعادة لبنان للوراء إلى قبل اتفاق الدوحة 2008 من خلال تنفيذ الاغتيالات خط أحمر لن يسمح به الشعب اللبناني ولا العرب ولا المجتمع الدولي وأن محاولات البعض جرّ لبنان لإدخاله بالأزمة السوريّة أمر مرفوض ويجب ألاّ يسمح به اللبنانيون بمختلف طوائفهم وتيّاراتهم وأحزابهم، فلبنان خط أحمر وأن على الجميع إدراك ذلك المسعى وهو ضياع لبنان بوضعه الحسّاس والدقيق.

إن اغتيال العميد وسام يجب ألاّ يمرّ مرور الكرام ليس لبنانيًا فقط وإنما عربي ودولي وإن هذه الجريمة لا تنفصل عن الاغتيالات المتعدّدة التي تمّت بلبنان ولذلك فإن المطلوب من المجتمع الدولي ربط هذه الاغتيالات بعضها بعضًا ودمجها بقضيّة الحريري خاصّة أن العميد القتيل كان قد كشف عن مخطّط معدّ لاغتيال المزيد من الشخصيّات اللبنانيّة واغتياله تمّ لطمس دلائل المخطّط وتخويف اللبنانيين من المجهول القادم الذي يعني جرّهم للحرب الأهلية من جديد.

=============================

الموقف الروسي والأزمة السورية

التاريخ: 20 أكتوبر 2012

حسين العودات

البيان

لاشك أن الموقف الروسي من الأزمة السورية منذ بدايتها حتى الآن أثار استغراباً وتساؤلات عديدة لدى الشعب السوري والشعوب العربية والمحللين السياسيين ولدى الدول الأخرى، ذلك لأنه كما ترى المعارضة السورية لا يتمتع بأي مصداقية، ويسيء إلى سمعة روسيا التاريخية ورصيدها لدى السوريين، في الوقت الذي لا ترى المعارضة أن روسيا حققت أي مصلحة من هذا الموقف، أو أنها أسست لاستمرار تأمين مصالحها فيما إذا تغير النظام، وعلى ذلك فالمعارضون لا يجدون تفسيراً للمواقف الروسية التي مارست حق الفيتو ثلاث مرات منذ بدء الأزمة، ومازالت تمنع مجلس الأمن من اتخاذ أي قرار ملزم للنظام السوري من شأنه أن يحل المشكلة.

ويؤكد مسؤولوها وخاصة وزير الخارجية لافروف في تصريحاتهم الكثيفة والمتتالية بأنهم لن يقبلوا تنحية الرئيس الأسد من قبل الدول الخارجية، كما لن يقبلوا فرض أي حل على الشعب السوري، ويذكٌرون يومياً بضرورة تطبيق قرارات مؤتمر جنيف المتعلقة بسورية، ويرفضون أي مشروع حل خارجها. وربما تشارك الدبلوماسية الغربية (الأوروبية والأميركية) المعارضة السورية رأيها، وتحتج دائماً أن الموقف الروسي يمنعها من اتخاذ قرار دولي يكون مبرراً وغطاءً شرعياً لأي إجراء تريد اتخاذه، وخاصة تحت الفصل السابع من ميثاق هيئة الأمم المتحدة.

لقد بدا واضحاً أن السياسة الروسية متحالفة جدياً مع السياسة الإيرانية تجاه الأزمة السورية (وتجاه غيرها) وحاول المسؤولون الروس امتصاص نقمة الشعب السوري عليهم وعلى سياستهم بالقول أكثر من مرة، انهم لا يدافعون عن الأسد وإنما عن القانون الدولي والشرعية الدولية، وقد أدى هذا الموقف لأن يعتبر الشعب السوري السياسة الروسية طرفاً في التحالف وواحداً من الأعداء.

لوحظ في الأسبوعين الأخيرين مؤشرات لسياسة أخرى من خلال تصريحات بوغدانوف نائب وزير الخارجية والمكلف من رئيس الجمهورية الروسية بوتين بمتابعة الأزمة السورية، أوحى فيها أن لا مانع لدى السياسة الروسية من تغيير النظام.

كما أوحى أن الخلاف مع المعارضة السورية ليس حول تنحية الرئيس الأسد وإنما حول موعد التنحية، هل هو قبل بدء المرحلة الانتقالية أم بعدها، لأن الروس يعتقدون أن التنحية بعد المرحلة الانتقالية تجنب سورية من اضطرابات وعمليات ثأ واستفزازات واعتداءات طائفية، وبالتالي فإن صحت هذه التصريحات على لسان بوغدانوف تكون السياسة الروسية تراجعت نسبياً عن مواقفها السابقة، وقطعت نصف الطريق نحو لقائها مع المعارضة السورية وحتى مع الغرب الأوروبي والأميركي وأخيراً مع العرب، مع أن تصريحات وزير الخارجية لافروف المناقضة لهذه التصريحات أكدت مجدداً إصرار السياسة الروسية على ما كانت عليه.

يبدو أن الموقف الروسي من الأزمة السورية كان خلاصة لتحليل شامل للوضعين الإقليمي والعالمي أجرته السياسة الروسية، وأخذت في اعتبارها، أن سورية هي آخر موطئ قدم لروسيا في الشرق الأوسط، خاصة وأن لديها فيها قواعد رصد متعددة، وهي المصدر الوحيد للسلاح السوري، وإذا أرادت أن تعود للتأثير في السياسة العالمية.

كما كان حالها أيام الاتحاد السوفييتي، فينبغي أن تتشدد في موقفها من دعم النظام السوري. ويذهب بعض المحللين بعيداً في تخيلاتهم فيقولون ان في ذهن السياسة الروسية إمكانية الوصول إلى المحيط الهندي بطريق(الهلال الشيعي المفترض )، والأمر الهام الأخير الذي يراه بعض المحللين هو أن السياسة الروسية تخشى من أن نجاح الانتفاضة السورية وتغيير النظام سيكون محرضاً لسكان القوقاز (من المسلمين وغيرهم) ليتبعوا الطريق نفسها.

وبالتالي فالموقف الروسي هو دفاع مبكر جداً عن احتمالات قد تكون متأخرة، ومن المهم ألا ننسى المرابح الاقتصادية التي تجنيها السياسة الروسية من العلاقة مع إيران ومع العراق وبيع الأسلحة إلى هذين البلدين، وبالتالي فإن السياسة الروسية مضطرة لمثل هذه المواقف من الأزمة السورية، ويبدو أن الروس يرفضون إعادة حساباتهم وتوسيع طيف رؤاهم لمسافة أبعد، ليقتنعوا أن تغيير النظام في سورية لصالح المعارضة سيضرب مصالحهم الاستراتيجية والاقتصادية إن بقيت سياستهم الحالية.

وبالتالي فلا بد لهم من حفظ خط الرجعة، وتبني سياسة معتدلة ومتوازنة بين المعارضة والنظام، فضلاً عن حاجة روسيا لاستعادة مصداقيتها لدى شعوب العالم، التي تعتبر أن استخدام الفيتو الروسي هو عمل غير أخلاقي صد شعب يدمره نظامه بدون رحمة.

قد تساهم الضغوط الأميركية والأوروبية والعربية الشديدة على روسيا في تغيير هذا الموقف، وأشير خاصة إلى الضغوط الفرنسية في أوروبا، والضغوط الخليجية في البلدان العربية (وخاصة بعد أن يجتمع وزير الخارجية الروسي مع وزراء خارجية الدول الخليجية الشهر المقبل). كما أن الانتخابات الرئاسية الأميركية ستحمل معها موقفاً أميركياً أكثر وضوحاً وحزماً من الأزمة السورية.

ومن يدري فقد يقايض الأميركان السياسة الروسية على تقديم ثمناً لها مقابل تغيير موقفها، مثل عدم العمل لإدخال جمهوريات سوفييتية سابقة في حلف شمال الأطلسي، أو اتخاذ موقف جديد يتعلق بالقواعد الصاروخية المحتمل إنشاؤها في بولونيا، أو أي تنازل آخر في منطقة أخرى أو موضوع آخر في العالم.

وهكذا سواءً كانت الخشية الروسية من الخسارة فيما إذا تغير النظام، أم محاولة استعادة موقف أخلاقي مفقود، أم وجود ضمانات أميركية وأوروبية تحفظ مصالح روسيا، فإنها كلها أسباب قد تؤدي إلى تغيير السياسة الروسية، أو على الأقل ستكون دافعاً لمثل هذا التغيير في المستقبل القريب، فلم يعد من الخيال السياسي توقع تراجع روسيا عن موقفها الداعم بلا تحفظ للنظام السوري، بل ربما أصبح الأمر في حدود الممكن.

=============================

أزمة سوريا ونتائجها

تاريخ النشر: السبت 20 أكتوبر 2012

غازي العريضي

الاتحاد

معرّة النعمان في يد المعارضة السورية. وقبل السيطرة عليها أصيبت بأضرار كبيرة، وبعدها دمّرت أحياء بكاملها، حيث دمّر أحد مساجدها بالطيران وقتل كل الذين لجأوا إليه باستثناء طفلة.

في حلب دمّرت أحياء جديدة. في حمص تستكمل عملية التدمير، وكذلك الرستن والقصير وريف دمشق ومناطق أخرى. أجواء سوريا مستباحة بالطيران القوة الأكثر فعالية في الحرب الدائرة هناك. مشهد مروّع. جيش قوي يملك قوة نارية هائلة وأسلحة نوعية مختلفة ومعارضة لا تملك شيئاً يذكر. جيش يستقوي على الناس من الجو ويغرق في ارتكاب الفظاعات على الأرض. ومعارضة مشتتة تريد التغيير لكنها تقع في أفخاخ كثيرة وتمارس ممارسات يشبه بعضها ما يمارسه النظام، لكنها بالتأكيد لا تملك أسلحته وقوته النارية.

الطيران يدمّر كل شيء، وعمليات الانتقام لا رحمة فيها. القتل الجماعي هو سمة التصفيات التي تشهدها مناطق وأحياء كثيرة. العالم يتفرّج، وثمة عجز دولي وعجز عربي عن القيام بأي شيء. الذين يعارضون النظام ويريدون وضع حد لتصرفاته وممارساته وسياساته مختلفون فيما بينهم وعاجزون ومترددون وقلقون غير متفقين على رؤية واحدة وغارقون في حساباتهم الخاصة بدولهم سياسياً ومالياً وانتخابياً والنظام باقٍ مستمر في ما يقوم به. والمؤيدون للنظام ويريدون حمايته لا يقدرون على ذلك فعلياً بل يواجهون أزمات كثيرة. وصورة النظام لا يدافع عنها، بل كل حماته ينتقدونه. لكنهم يتمسكون به حتى إشعار آخر. إنهم يبحثون عن مواقعهم ومصالحهم لا عن موقعه "المستقل" ومصلحته "الخاصة". هي لعبة الأمم ومصالح الدول وحسابات الكبار التي يدفع ثمنها الصغار والناس الفقراء، والاقتصاد والمجتمع والدولة كمؤسسات.

نعم، كل الممارسات تؤدي إلى سوريا مدمرة مسحوقة، فالمتمسك بالبقاء لن يبقى طويلاً. في النهاية سيذهب، ولكن المدة التي سيبقاها، سيبقاها على ماذا؟ على الركام لينتهي حتفه؟ ما الفائدة من البقاء على رأس سلطة لا تجد شيئاً لتمارس عليه؟ والذي يريد التغيير ماذا سيقدم للناس؟ ماذا سيفعل؟ على ماذا سيُقيم؟ ماذا سيحكم؟ كيف سيحكم؟ كيف سيبني؟ من سيبني؟ الحروب نعرف كيف تبدأ ولكن لا أحد منا يعرف كيف تنتهي، وبالتأكيد ما ستنتهي إليه الحرب في سوريا كارثي خطير.

وعندما نسمع الأخضر الإبراهيمي يقول إن نار الأزمة السورية ستمتّد إلى مواقع أخرى فهو محق. قد لا يكون ذلك سريعاً. لكن انعكاساتها مؤكدة في دول الجوار وأبعد منها. الذين يأتون إلى القتال في سوريا اليوم ماذا سيفعلون غداً؟ سينتقلون إلى مكان آخر أو إلى دولهم. يعني ستكون حروب عندهم. والذين يرتكبون المجازر في الداخل ماذا سيفعلون؟ إلى أين سيذهبون؟ والذين يغذون الحالة المذهبية أو "الحالات المتطرفة" باسم الدين على أرض غيرهم سيجدونها على أراضيهم لاحقاً. هذا هو منطق اللعبة الدائرة. وهذه هي الوقائع والحقائق المستخلصة من الحروب السابقة المماثلة.

لإسرائيل المصلحة الكبرى في ما يجري. دولة عربية كبرى تدمّر. فلتبقى الحرب قائمة. ليطول أمدها. لتتعمق الأحقاد في النفوس. ولتبددّ إمكانات وطاقات سوريا العسكرية والبشرية. ثم لاحقاً لتنتقل العدوى إلى الدول العربية الأخرى. يجب ألا ترتاح المنطقة. يجب أن يبقى التوتر قائماً على ساحاتها بعيداً عن إسرائيل. هذا هو الأمر الذي يريحها ويكسبها الوقت. الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني السياسي أو الأمني. والفوضى على الساحات العربية. ومشاكل الأنظمة. وعدم الانتاجية – والبطالة – والفقر- والأمراض البيئية - والصحية - والتلوث - والتصحّر- والحاجة إلى المياه رغم الثروة كبيرة – والظلام - والظلم- وارتفاع نسبة الأمية كل هذا لمصلحة إسرائيل.

والدول التي تشتري الوقت ، تحاول ترتيب أمورها ، وحماية ساحاتها وإبقاء النار محصورة على الساحة السورية. هي صاحبة مصلحة في أن يطول أمد الأزمة في سوريا.

نحن في لبنان. اعتمدنا نظرياً سياسة النأي بالنفس. ثمة حساسية في مجتمعنا اللبناني. لم نخرج بعد من آثار حروبنا الداخلية وحروبنا مع الاحتلال الإسرائيلي ونتائج الوصاية السورية علينا. الانقسام حاد. وأخطر وجوهه الانقسام المذهبي السُني – الشيعي. أسبابه كثيرة. ظواهره. عناوينه. متنوعة خطيرة. ثمة أحقاد في النفوس لم نشهد لها مثيلاً. ثمة خوف من جنوح نحو المشاكل، جاء الحدث السوري. كان اتفاق على النأي بالنفس.

الذي يراقب الحركة السياسية في الأيام الأخيرة، يشعر بقلق كبير لأن الفريقين للأسف يتهمان بعضهما بالدخول الميداني على خط الأزمة السورية. وكل فريق يبّرر موقفه. لكن لذلك انعكاسات خطيرة في الداخل. ثمة ظواهر لم تشهدها الحياة السياسية اللبنانية. وثمة خطابات لم نسمعها من قبل. مصطلحات وأسلوب تخاطب بين اللبنانيين خطير جداً لما يزرعه في نفوس الناس "ولا يلتام ما جرح اللسان"...

نعم هذه هي الحقيقة. وصل الأمر بواقعنا السياسي إلى حدّ اعتبار الإنجاز الكبير من الناحية التقنية والسياسية والمعنوية الذي حققته المقاومة بإرسال طائرة دون طيار لتحلق في أجواء فلسطين فوق الأراضي المحتلة وتربك إسرائيل وتخترق كل أجهزتها المتطورة وتلتقط صوراً لمواقع مهمة، استفزازاً لإسرائيل. إسرائيل عدوّنا! هل لأن القائلين إسرائيليون؟ على الأقل كثيرون منهم ضد إسرائيل وقاتلوها في مراحل كثيرة. وكل أدبياتهم وتاريخهم ضد إسرائيل. لكن الانقسام الداخلي، ومخلفات حرب الـ2006، وما جرى بعدها واستخدام السلاح في الداخل، وإنكسار الحد الأدنى من الثقة بين اللبنانيين والقطيعة ومحاولات التفرد بالقرار، والتفلت في الشارع. والاستقواء والاستعلاء وانقطاع الحوار الجدي وعدم الرغبة في الذهاب إلى حرب جديدة رغم كل ممارسات إسرائيل وتقصير الأمم المتحدة في فرض تطبيق القرار 1701 وعدم الاتفاق على استراتيجية دفاعية، كل هذا يجعل الناس لا يتحملون كلمة أو تصرفاً أو ممارسة قد تنعكس على استقرارهم وأمنهم وسلامهم، فكيف إذا كان كل لبنان سيتعرض للدمار في حال وقوع حرب ولن نجد من يقف معنا. وكان ينقصنا الحدث السوري والاتهامات الدائرة حول الانغماس فيه. ويحصل كل ذلك في وقت يعيش فيه اللبنانيون أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة والتخبط سيد الموقف في اتخاذ القرارات على مستوى مؤسسات الحكم . تسرّع، انفعال توتر، ارتجال. استسهال القرارات. ثم التورط فيها. دائرة مقفلة وارتفاع في الأسعار وهدر مال وسرقات. وفوضى وشلل مؤسسات وغياب رقابة ومحاسبة والبلاد على أبواب الانتخابات وكل شيء يستخدم فيها للفوز فيها دون أي أفق لحل أزمة من أزماتنا التي تتراكم ووضع المعارضة صعب أيضاً. وأخشى ما أخشاه أن يفلت هذا الواقع من أيدي الجميع ونغرق في فوضى لا يمكن ضبطها، ولا يمكن لأحد أن يكون بمنأى عن نتائجها السلبية. أليس هذا كافياً.

 

=============================

سوريا والعيد

تاريخ النشر: السبت 20 أكتوبر 2012

د. سعد بن طفلة العجمي

الاتحاد

العيد على الأبواب، وشعب عربي يتعرض للقتل والتنكيل والتشريد والدمار. شعب عربي عريق عرف بعزة النفس والكرامة والكرم وإغاثة الملهوف، لكنه اليوم يعاني التشرد والقهر والعوز، شعب بأكمله يتعرض للانتهاكات الصارخة بالطائرات والدبابات والمدفعية والجيوش المدججة بأحدث السلاح الروسي والأسلحة المحرمة دولياً، والمجتمع الدولي يقف متفرجاً على ما يدور منذ تسعة عشر شهراً.

لقد ألقت المأساة السورية بفكرة الأمم المتحدة وقدرتها على وقف الحروب وإنقاذ البشر العزل في بحار الوهم، كما أنهت أي قدرة للعرب على إغاثة شعب كامل من بطش نظام لا يرحم ولن يوقف القتل ظناً ووهماً منه بتحقيق المستحيل.

لقد سقط نظام الأسد ولن يسيطر على سوريا بعد اليوم مهما قتل ومهما ألقى من قنابل عنقودية، وسيلجأ لمزيد من أسحلة الدمار الشامل بما فيها الكيماوية، وهي ليست غريبة على عقيدة البطش و"البعث"، فلقد استخدمها صدّام البعثي ضد شعبه بكردستان العراق عام 1989، وهو لن يتوانى عن استخدامها في وقت سيحدده لإدراكه أن المجتمع الدولي لن يوقفه عند حده، ولن يتضامن لتخليص الشعب السوري من ديكتاتورية دموية تجاوزت كافة المحرمات وهي تنازع وتحتضر لتلفظ أنفاسها الأخيرة.

كما سقطت دعاوى إيران الوهمية وثورتها الدينية الشمولية التي ترفع شعار "المستضعفين"، فوقفت ولاتزال إلى جانب الجلاد مساندةً ومقاتلةً ومعينةً، ودفعت بوقوفها إلى جانب الأسد ثمناً أخلاقياً ودعائياً باهظاً، ناهيك عما تكبدته من خسائر اقتصادية نازفة بدعم نظام الأسد في وقت يتهاوى فيه الاقتصاد والريال الإيرانيين بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها.

كما سقط شعار مقاومة "حزب الله" إلى الأبد، حيث تحول إلى أداة قتل دامية مع نظام الأسد، وتلاشت كل دعاوى نصرالله بمقاومة إسرائيل التي لم ترتكب بجرائمها ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني بعض ما ارتكبه نظام بشار بالنسبة والتناسب. ولن تنطلي ادعاءات ومبررات عسكرة "حزب الله" بلبنان بحجة مقاومة إسرائيل بعد اليوم ولسان حال الإنسان السوري يردد "يا محلى إسرائيل". ولقد عمق "حزب الله" بتورطه المباشر بقمع الشعب السوري الشرخ الطائفي بلبنان، وحفر حفرة لدفن مفهوم التعايش الطائفي بعد سقوط بشار الحتمي.

ولقد أدت سياسات حكومة المالكي العراقية المنحازة لنظام بشار، والسائرة في ركب الموقف الإيراني، إلى تعقيد علاقة العراق المستقبلية مع سوريا، فالنظام ساقط لا محالة، والرهان على بقاء الأسد والتنصل من المساندة الإنسانية للشعب السوري، تشكل معاً شرخاً مستقبلياً عميقاً في علاقة العراق مع سوريا ما بعد الأسد.

يبقى الموقف التركي المساند للثورة وللشعب السوري وإغاثة اللاجئين، استثماراً ذكياً في سوريا القادمة، فرغم أن الأتراك يخشون التورط المباشر في الثورة السورية، فإنهم ساندوها واستقبلوا اللاجئين وأعلنوا موقفهم المنحاز مبكراً للشعب، وهو موقف سيتم استثماره لصالح الأتراك مستقبلاً.

كما يقوم الأردن -رغم إمكانياته المحدودة- بعمل جبار باستقبال اللاجئين وإغاثتهم، وهو موقف إنساني وعروبي ستكون له انعكاساته المستقبلية على العلاقات بين الأردن وسوريا المستقبل.

لقد أصبح واضحاً أن الموقف المصري المناوئ لجرائم بشار ضد شعبه، يتعارض تعارضاً مباشراً مع الموقف الإيراني، ويتخندق مع الموقف الخليجي والتركي، وهو خندق يمكن أن تتشكل على أساسه سياسات المنطقة وعلاقاتها المستقبلية.

المجتمع الدولي مشغول بهمومه وقضاياه، ولا عزاء لأطفال سوريا وهم على أبواب العيد، فلا مدارس ولا مشافي ولا ملاجئ تحميهم من قصف طيران بلادهم الحربي، ولا يصدق الإنسان السوري بخطة الإبراهيمي بوقف الاقتتال بالعيد، ففرحة العيد وبقاء بشار أمران لا يلتقيان أبداً.

==================

هل بدأ موسم التحوّل التركي تجاه سوريا؟

محمد نور الدين

السفير

20-10-2012

شكّل موقف رئيس الحكومة التركي رجب طيب اردوغان الموافق على تشكيل لجنة ثلاثية تضم الى جانب تركيا وإيران، دولة ثالثة - إما مصر أو روسيا - لبحث الأزمة السورية، نوعاً من المفاجأة في طريقة تعاطي أنقرة مع الأزمة السورية، ذلك ان حكومة اردوغان بهذا الموقف، إنما تعترف أولاً بدور رئيسي لإيران في حل الأزمة، خلافا لما كان عليه الحال حين تم استبعاد طهران عن كل المؤتمرات والاجتماعات التي كانت تعقد برعاية تركية أو من دونها. والثاني هو ما بدا لبعض المحللين انه بداية تحوّل في الموقف التركي من سوريا، الذي كان قد سار على نفس المنوال منذ البداية من أجل إسقاط النظام السوري بالقوة عبر دعم المعارضة بكل أنواع الأسلحة السياسية والاقتصادية والعسكرية.

ومع ان المقارنة مع مسار الموقف من تركيا لا تشجع على التفاؤل بتحول في الموقف التركي، ذلك لأن أنقرة لم تحد على امتداد الفترة الماضية عن التشدد في رفض أي حل يبقي على النظام السوري والرئيس بشار الأسد شخصيا، فإن البعض يرى تحوّلاً، ولو خجولا، في طريقة التعاطي التركية مع الأزمة.

من مؤشرات ذلك ان وزير الخارجية التركية احمد داود أوغلو اقترح اسم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لقيادة مرحلة انتقالية بدلا من الأسد. وهو اقتراح رفضته المعارضة السورية، فبدا كما لو أن أنقرة باتت تلعب في غير ملعب المعارضة، بالرغم من ان اقتراح اسم الشرع لهذه المهمة يهدف الى تحقيق انجاز ولو شخصي لأردوغان، وهو الإطاحة بالأسد، وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون.

والمؤشر الثاني هو موافقة اردوغان على تشكيل لجنة ثلاثية بعد اجتماعه مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في العاصمة الأذرية باكو. وفي كلتا الحالتين بدأت تشعر أنقرة بوطأة الأزمة السورية عليها من كل النواحي من دون استثناء، في ما يشبه إعلان فشل سياستها في سوريا وضرورة إعادة النظر في مجمل هذه السياسة.

في هذا المنحى يذهب محلل السياسة الخارجية في صحيفة «ميللييت» سامي كوهين الذي كتب عن «معيار جديد» في السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، ويقول ان «لا لزوم لعدّ قائمة المشاكل التي سببتها المسألة السورية لتركيا. من الناحية الأمنية تحوّلت الحدود الى منطقة صدام ساخن، وظهرت مخاطر نشوب حرب بين البلدين مع الدعم الكثيف المسلح لأنقرة للمعارضة السورية».

هذا من الناحية العسكرية، أما سياسياً واقتصادياً، فيقول كوهين «سياسياً انقطعت الخيوط مع دمشق بسبب سعي تركيا للقضاء على الأسد. في المقابل استخدم الأسد ورقة حزب العمال الكردستاني. والسياسة التي اتبعتها تركيا أفضت الى توتر مع إيران وروسيا أيضا. واقتصاديا تعرضت تركيا لخسائر تجارية كبيرة بسبب الأزمة السورية وأنفقت أكثر من 300 مليون دولار على قضية اللاجئين. وهذه الكلفة ستزيد مع استمرار تدفق أعداد جديدة من اللاجئين. جانب من هذه السلبيات كان خارج سيطرة تركيا لكنها تحمّلت هذه النتائج. وعلى الحكومة ان تعترف بأن جزءا كبيرا من هذه النتائج هو محصلة سياساتها تجاه سوريا».

ويقول الكاتب ان «النقطة التي وصلت إليها الأوضاع كانت تتطلب إعادة نظر في هذه السياسة. هذا لا يتطلب التخلي عن الوقوف الى جانب الشعب السوري، لكن إعادة النظر بسلوك يؤدي الى قيام مخاطر حرب أهلية والعمل على نهج يفضي الى حل بدلا من الصدام. واستطلاعات الرأي التي تعكس معارضة الأتراك للحرب على سوريا، كما المواقف المتحفظة لحلف شمال الأطلسي، والولايات المتحدة تحديدا، كانت تدعو الى اعتماد النهج السلمي لحل الأزمة بدلا من الصراع المسلح».

ويشير الكاتب الى انه «ربما اقتنعت أنقرة مؤخرا بضرورة تغيير نهجها تجاه سوريا. وقد أعطت الى جانب علامات إظهار القوة إشارات لضرورة المشاركة في بحث لحل الأزمة سلميا. ومن ذلك مؤشران: الأول إعطاء الدعم لمهمة المبعوث الأخضر الإبراهيمي، والثاني لقاء اردوغان مع احمدي نجاد. فلقاء باكو أسفر عن مفاجأة هي تشكيل آلية ثلاثية من أجل حل سلمي في سوريا تضم تركيا وإيران ومصـر او روسيا. وهذا يعني اتباع سياسة أكثر ليونة بالنسبة للإطاحة بالأسـد والقبول بالتعاون مع إيران شريكة الأسد وحاميته».

ويختم كوهين بأنه «حتى الآن لم يعرف أساس ومعايير هذا التفاهم، لكن هذه الخطوة تظهر ان حكومة اردوغان تفكر الآن بطريقة جدية لوضع معيار جديد في سياسة خارجية، فتحت على تركيا مشاكل لا حصر لها، كتلك التي أشرنا إليها من قبل».

================

روسيا والأزمة السورية: تصلُّب في معركة «الحياة والموت»

زياد حيدر

السفير

20-10-2012

لم يكن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف يشاكس نظراءه الأوروبيين في الاجتماع الذي عقد في لوكسمبورغ منذ عدة أيام، حين قال إن الرئيس السوري بشار الأسد لن يرحل، فالأشهر الأخيرة شهدت تطورات مهمة على صعيد الأزمة السورية، بعضها ميداني، وبعضها سياسي على الساحتين الإقليمية والدولية، وكان الروس بطبيعة حساسيتهم الشديدة تجاه سوريا الأكثر تفاعلا معها.

كلام لافروف عن معركة «حياة أو موت» تخوضها السلطة الحالية بكل مكوناتها، هو حصيلة تراكمية لكمّ نوعي من المعلومات استقته موسكو من مصادر مختلفة، بعضها استخباراتي داخلي، وبعضها من زيارات المسؤولين السوريين التي لا تتوقف، وبعضها الآخر من معارضين يقولون إن موسكو تتفق معهم بالمطلق في رؤيتهم للواقع السوري.

واستندت موسكو إلى عدة معطيات حتى قررت ألا تواجه وزراء خارجية أوروبا بهذا الاستنتاج فحسب، بل أن تعيد النظر في دفتر حساباتها المرتبطة بدعم دمشق، حتى قررت مؤخرا أن تحرّك الطاقة مجدداً في شرايين العلاقة التاريخية عبر صفقة بيع النفط الأخيرة، والتي ستلحق بها صفقة طائرات مدنية، فيما من المتوقع أن تحسم فعليا وقريبا قصة الحوامات السورية العالقة في روسيا.

من بين أبرز هذه المعطيات الوجه الجهادي الدولي الذي تميزت به غالبية الفصائل العسكرية المقاتلة ضد النظام في سوريا، والتي تشكل منذ لحظات الصراع الأولى مكمن تخوف الروس وقلقهم. ولعل أي مطّلع على النشاط الديبلوماسي الروسي في سوريا في الأشهر الأولى من الأزمة، يعرف جيدا كيف كان دبلوماسيو الكرملين يتقصّون ليلاً نهاراً ملامح هذا الوجه، الذي يقلق موسكو في أن يجد قاعدة انطلاق نحوها في الشرق الأوسط.

المسألة الثانية مرتبطة بالمعارضة السورية غير القادرة على الاتحاد بأي كيان أو شكل سياسي يسمح لها بأن تنطق كلمة موحّدة يتفق عليها الجميع ولو لأيام معدودة. هذا التشرذم، وانعدام ثقة موسكو التامّ ببعض رموز المعارضة السورية المرتبطة بدول إقليمية ودولية، جعل موسكو تعيد التفكير في طروحات كانت متحمسة لها، ومستعدة للتنازل بشأنها لو توافرت حماسة مماثلة لدى الطرف الآخر.

المعطى الثالث يخضع لتحليل روسي لبنية التحالفات الإقليمية التي نسجتها المعارضة في طبقات، أو نسجت حول المعارضة أو نسجت المعارضة على قياسها، وتخشى موسكو من خطّين يلتقيان على سوريا: الأول ينقسم الى مستويين: إسلامي سياسي، وإسلامي وهابي متطرف، ومعروفين بصلتهما بتحالف خليجي - تركي يتدرج بينهما. أما الثاني فهو غربي، يفضل بقاء الوضع على ما هو عليه إلى ما بعد استلام الرئيس الأميركي المنتخب زمام قيادة العالم الغربي، وذلك حتى تنضج الطبخة السورية أكثر، وبغرض تحقيق ضعف إضافي للدولة السورية ومكوناتها، وإنهاكها لوجستياً ومعنوياً في مواجهة أي طرح سياسي مستقبلا.

المعطى الرابع مرتبط بعقلية الإدارة في موسكو، والتي تنفعل بشدة حين تشعر أنها خدعت أو أن ذراعها تلوى باتجاه ما، وهو شعور الديبلوماسية الروسية التي رأت أن اتفاق الأطراف على وثيقة جنيف في يوم ونقضها ومن ثم تحويرها في اليوم التالي، شبيه بالاسلوب ذاته الذي اتبعه الغرب مع موسكو في المسألة الليبية. ويسند هذا العناد الإحباط الذي واجهته كل محاولات موسكو في تحقيق تقدم سياسي على مسار مختلف عن مسار المناطق العازلة والحملة العسكرية، ولا سيما من دول قد لا يتعدّى غرضها في سوريا مستوى التحدي الشخصي للنظام، أو في حال أفضل الطموح المذهبي ضده.

خامسا، لم تجن موسكو خسائر فقط من تشبثها بوجهة نظرها الخاصة، وخلفها الصين ودول مجموعة «بريكس» كما يحلو لبعض الدول الغربية التصريح، بل حققت أرباحا لا يمكن تجاهلها في الحسابات الاستراتيجية، ومنها صفقة تسليح للعراق تجاوزت 4 مليارات دولار، وقد يكون من أبسط أوصافها أنها إهانة محرجة لـ«غازي العراق» الولايات المتحدة، وأول صفقة طبيعية.

المعطى السادس استند إلى فهم الواقع السوري الداخلي على المستويين الاجتماعي والعسكري من دون إهمال الاقتصادي. ووفقا لتحليل ديبلوماسيين روس مطلعين على الملف السوري، سيعرقل الانقسام الحاصل بنيوياً في المجتمع السوري ترسيخ أي حل مستقبلي، الأمر الذي سيترك سوريا مشرذمة وغير مستقرة لسنوات إن لم يكن لأجيال آتية. وهذا سيكون بالغ التأثير إقليميا ودوليا، وسيؤذي بشدة مصالح موسكو. لذا إن حصول اتفاق سياسي في ظل وجود سلطة فعلية، هو أفضل بكثير من اتفاق لا يمكن تنفيذه في ظل انعدام سلطة فعالة.

ويبدو في هذه اللحظات أن الروس يشعرون مجددا أن لهيب النار السورية يمكن أن يمتد لمسافات طويلة. هذه المعطيات كلها تجعلهم أكثر قناعة بأن معركة دمشق هي «معركة حياة أو موت»... لا خيار ثالثاً فيها.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ