ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 16/10/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

15-10-2012

العلويون" والثورة السورية

تاريخ النشر: الإثنين 15 أكتوبر 2012

الاتحاد

بات الكثير من المثقفين والنخب السياسية يسألون لماذا أحجمت الطائفة العلوية عن الانضمام للثورة السورية؟ وما هي الأسباب والدوافع التي منعتها من الانخراط الميداني في أتون ثورة الحرية والكرامة السورية؟ ولماذا ظهر موقف العلويين عموماً -إلا فيما ندر- على الأرض وكأنه موقف داعم ومؤيد بالكامل لسياسات النظام القمعية والدموية بحق باقي أبناء وفرقاء الوطن من المذاهب والطوائف الأخرى خاصة السنية منها؟ أين هم من ذلك كله؟

في الواقع إذا دققنا في طبيعة هذه الأسئلة، وبحثنا بهدوء وتأمل في ماهية الأسباب التي جعلت العلويين يغيبون -بصورة عامة- عن المشاركة في الثورة السورية، لابد من العودة قليلاً إلى الوراء عندما قام حافظ الأسد بانقلابه عام السبعين على زملائه في القيادة البعثية، واعتقاله لهم ووضعهم في السجون والزنازين، حيث قام على مدى ثلاثين عاماً من حكمه بتشظية وتفتيت الطائفة العلوية التي حكم باسمها زوراً وبهتاناً، مفرغاً إياها من أية قواعد وثوابت فكرية وطنية يمكن للعلويين أن يستندوا عليها للمشاركة الوطنية الفاعلة في بناء مستقبل وطنهم جنباً إلى جنب مع باقي مكونات المجتمع السوري.

وهذا التشظي والتفتيت الممنهج للطائفة "العلوية" لم يقتصر على دور ومكانة وطبيعة رجال الدين العلويين بل تعداه إلى العائلات الوطنية المعروفة تاريخياً المنتمية لتلك الطائفة، ولكل من كان يشتم منه أدنى رائحة أو إمكانية أن يكون ولو مجرد معارض بسيط، فضلاً عن أن يكون بديلاً عن الأسد في حكم البلد... وحتى في قريته "القرداحة" منع الأسد الأب أي ظهور غير مألوف لأية شخصية أو عائلة معروفة تاريخياً غير عائلته التي كانت أفقر وأصغر عائلة وأقلها عدداً قياساً بالأصول العائلية لأسر تاريخية أخرى كآل الخير وإسماعيل وآل مخلوف وغيرهم.

وكذلك كان من مظاهر هذا التشظي للطائفة، وخلخلة وجودها الوطني، استدامة تفقيرها واستضعافها، والتلاعب بمشاعرها التاريخية الدينية، وإبقائها في حاجة ماسة للنظام من أجل استمرار كسب ولائها الحيوي بالنسبة لوجوده السياسي، مستغلاً عقدة الاضطهاد التاريخية المتغلغلة في روح الطائفة وفي نسيجها المجتمعي كأقلية دينية... فقام النظام منذ بداية حكم الأسد، بتطويع أبناء الريف العلوي على وجه الخصوص في قطاعات جيشه وعسكره وأمنه، ومختلف وظائف الدولة الحساسة... وهذا كله طبعاً جاء على حساب الانتماء الوطني والاندماج الطبيعي للطائفة في الوطن السوري ككل.

وأخشى ما أخشاه الآن، بعد مضي أكثر من 18 شهراً على تفجر واندلاع الثورة السورية التي تعسكرت مرغمة -مع أنها بدأت سلمية لحوالي ثمانية أشهر من بدئها- هو أن يدفع "العلويون" الذين لم ينخرطوا في صفوف النضال والكفاح ضد النظام المستبد، ثمن وقوفهم إلى جانب النظام البعثي-الأسدي، وأقله بالطبع الثمن السياسي المستقبلي. ومن هنا، فليس للعلويين من خيار سياسياً وثقافياً وتاريخياً إلا بالمباشرة برفع الغطاء الطائفي وورقة التوت العشائرية الأخيرة التي لا يزال هذا النظام. وطبعاً لا يعني كلامي أنني أميل لتحميل العلويين -كأقلية دينية- مسؤولية عدم مشاركتهم في الثورة على النظام السوري المنتمية -بعض أهم وأبرز رموزه وهياكله الأساسية- طائفياً إليهم كما يزعمون، وعدم انضوائهم في تحولات وفاعليات الثورة السورية على الأرض، ولا يعني أيضاً أنني أدعو إلى جعلهم يدفعون أثمان عدم المشاركة في محرقة أتون الثورة جنباً إلى جنب مع باقي تيارات ومكونات وتنوعات وأبناء الوطن السوري. وهذه دعوة لهم، إلى أن يثوروا ويفكوا قيودهم الطائفية الضيقة التي كبلهم بها هذا النظام، بعد طول استخدام واسترهان لهم، ودفعهم باتجاه خيارات خاطئة وشديدة التكلفة وفائقة الخطورة والسلبية بالمعنى الوجودي على مستقبلهم السياسي ودورهم التاريخي كجزء من سوريا الوطن والحضارة.

ــــــــــــــــــــــــــ

محمد عمر البستاني

كاتب سوري

ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"

=================

لن تكون سورية ضائعة بين الثورة والمؤامرة!

مطاع صفدي

2012-10-14

القدس العربي 

لا نقول ان الخارطة العربية للمشرق موشكة على التغيير، كأن هذا الشكل الجيو ـ سياسي الذي فُرض عليها منذ قرابة قرن، قد أصبح جزءاً من تضاريسها الجيولوجية، يحتاج إلى أكثر من زلزال يهز جذورها في عمقها الصخري.

فلقد استهلكت المنطقة مرحلة طويلة من الانقلابات العسكرية بعد زوال الاحتلال الأوروبي القديم لمعظم أقطارها، وها هي تكاد تستنفد مرحلة الثورات الراهنة التي تداهمها عوامل الانحطاط التقليدية والمستجدة، وهي في أوج فتوتها الأولى.

كل قوة للتغيير التاريخي تحتاج إلى نوع من وحدة المقاومة التي تشرْعن مطالب الحق العام، وإن لم تحشد وراءها جميع المكونات المجتمعية دفعة واحدة، فليس من ثورة يمكنها ادعاء التعبير عن الصالح العام إن لم يكن وراءها مطالب شعبية واضحة وملحة. ويمكن القول ان مجتمعاتنا العربية حافلة بهذه المطالب التي كانت تجددها من منعطف سياسي إلى آخر، لكن دون تحصيل إلا أقل النتائج المرجوة منها، بينما تتراكم نفايات الخيبات في عمق اللاوعي الجماهيري، ولكن دون أن تسد كل الآفاق أمامها. فما أن تنهار ثورة ما حتى يقوم جيلٌ آخر منادياً بالثورة المصحِّحة لسابقاتها الخائبة.

هذا يعني في الفكر الفلسفي أن العصر هو حقاً أمسى زمناً للثورات. فما يحدث لوقائع الربيع العربي هذه الأيام، هو أنه يأتي ببراهين قاطعة، أن التغيير أمسى حقيقة الحقائق، وأنه لا شيء يمكن أن يوقف حركة التاريخ. لن يكون ذلك نسيجَ فكرٍ تأملي خالص إذا لم يحقق هذا الربيع العربي وعوده الكبيرة خلال المرحلة الزمنية المنقضية، إنه على الأقل قام بنقلة نوعية نحو التغيير، من مجرد مقولة فكرية إلى فاعل وقائع كبيرة، وفاصلة، بحيث يبدو مسلسل التاريخ كونه متتابعاً بفعل قوته الذاتية.

غير أن المشكلة هي أنه ليس من ثورة تولد هكذا كاملة من لحظتها الأولى، يكفي أن انفجارات الأيام الأولى من حياة كل ثورة جديدة، ترفع عن الناس بعض أثقال العتمة السابقة، لا تكتفي بالكشف عن عورات الواقع المضاد بل تجعلها عرضة للانهيار والزوال، قد لا تكون الثورة أكثر من مشروع للتغيير، وسوف يظل مشروعها هذا قابلاً للتعديل والمراجعة. فهي بقدر ما تعلن حرباً شعواء على عورات الواقع المضاد، فإنها لن تستطيع أن تخفي عوراتها الخاصة. هكذا يدخل المجتمع الثائر في سياق حركة جدلية شاملة، تجعل كل ما هو قائم في مناحي الحياة العامة قابلاً للمراجعة، وإعادة التقييم. مع ذلك لن يبقى ثمة حراك اجتماعي معصوماً عن النقد أو التفكيك، ذلك أمرٌ معروفٌ تاريخياً كونه نشاطاً تلقائياً تمارسه الضمائر الحية دونما حاجة إلى مؤسسة حزبية أو سلطوية تحتكر التنظير والتنهيج والإدارة.

عالمنا العربي يدخل مرحلة المجتمع الثوري، وليس الدولة الثورية ـ كحال الماضي. إنها الثورة التي تفارق مستويات السلطنة لتغدو شأناً بشرياً خالصاً. فليس المجتمع الثوري عنواناً أيديولوجياً لأي نظام، إنه مجرد تعبير عمّا يعنيه تحوّل على مستوى الناس فيما بينهم، وإزاء مؤسساته القائمة، لكن النُقلة نحو المجتمع الثوري لن تكون نتاجاً لجهد تنظيمي معين، بقدر ما هي حصيلة تراكم بطيء وعميق لتحولات الثقافة العامة في مجتمع التغيير.

لقد أعطت التجربة العربية المعاصرة أمثلة حية ـ وكانت في مجملها مشؤومة ـ عما كان يسمّى بالدولة/الثورة. فقد ظل هذا النموذج معلقاً في الفضاء الأعلى، فوق رؤوس الناس، هابطاً عليهم بأوامره وتدخلاته الطفيلية، في أخصّ الشأن العام والفردي. فكان مصير الدولة الثورية إلى الاحتباس في أضيق أشكال الاستبداد؛ بالمقابل استطاع الاستبداد أن يخفي وجهه البشع طويلاً وراء أقنعة الثورة المزيفة. جعل من مصطلحها مصدراً للغة التكاذب والخداع، وتسويغ الأخطاء، وحتى الجرائم. فقد أبلى الاستبداد كل المفاهيم الثورية المتداولة، استخدمها كأرخص عملة لشراء الضمائر والعقول.

لا غرابة أن ينطلق الربيع العربي بمتغيراته الواعدة من كبرى تلك الدول المجسدة لنموذج ما كان يسمّى بالدولة الثورية. فالانتفاضات الشعبية غير المسبوقة التي اسقطت فراعنة السلطة، حققت جسر العبور الممنوع من مرحلة الانقلابات المدعية للثورات (الفوقية) وأشباهها إلى مرحلة الولادة المجتمعية لنموذج الشعب الصانع لمستقبله بيده.

إنها مرحلة انتقال حقيقية، لكنها شاقة. ولا تزال تكافح في خطواتها الأولى مختلف أشكال الدفاعات الملغومة لأعطال الماضي المستمر حولها. فإن أمسك بعضُ الشعب بأطراف من إرادة التغيير كان ذلك بمثابة انقلاب بنيوي لم تبلغُه النهضة المعاصرة حتى اللحظة الراهنة التي جاء بها ربيعٌ عربي ما زالت تحبو خضرتُه الوليدة بين كثبان الرمال الهائلة.

كل ثورة أصيلة عند ذاتها تواجه معضلة مركزية: كيف لها أن تحافظ على 'عذريتها' عبر فتوتها الأولى، وخلال ممارستها المعقدة في ظروف الواقع المضاد حولها. كيف لها أن تختار الزوج الذي يلائمها ـ أي ذلك النظام السياسي الذي يظل أميناً على مقدمات الثورة، مع قدرته على إبداع مؤسساته المعبرة حقاً عن مطامح مجتمع متحرك طامح إلى تغيير ظروف حياته جملة وتفصيلا إن أمكنه.

ثوراتنا العربية المتحركة اليوم تعاني من هذه المواجهة، فهي قبل أن تطمح إلى إنشاء الأنظمة المنتمية إلى مفاهيمها، عليها أن تثبت أقدامها في الأرض المتحركة، وتدفع عنها أخطر أمراض الممارسة، بدءاً من وباء التزوير والتزييف الذي يلحق بها، محاولاً التلاعب بمصيرها من داخل إرادتها أو بدونها.

كل ثورة نقية معرضة للاختطاف، ونحن نشهد يومياً تجارب الاستلاب والنهب المنظم، الموجه إلى انتفاضاتنا البريئة. فليس صراع الثورة هو مع أعدائها الخارجيين المباشرين فقط، بل ربما جاءت الأضرار من أقرب الملتصقين بها.

فالثورة السورية تكاد تمسي حقل تجارب رهيب لـ 'مؤامرات' الاختطاف واستغلال فرص الصراع ضداً على النوايا البريئة للشبيبة الثائرة، فهي التي تنتفض من أجل كرامتها الذاتية أولاً، ولكن (الآخرين) هم الذين يتربصون بها ليستلبوا منها أسماءَها، وقد يستغلون انتصاراتِها لترويج مصالحهم الشخصية أو الباطنية المشبوهة.

هنالك أطرافٌ قد تحوّل أحياناً سمعة الثورة إلى ما يشبه بضاعة للمتاجرة. هذه الظاهرة وأمثالها تكاد تلقي بظلالها السوداء على لوحات الممارسة الشعبية، ووقائعها الانتصارية منها خاصة. لذلك قلنا ان هناك في سورية ثورة ومؤامرة تستهدف أساساً الثورة قبل العدو، وما تفعله هذه المؤامرة باسم الثورة هو ما يشكل موضوعاً دسماً للمتصيّدين في الماء العكر، فقد يمكن أن تسوّق أحداث المؤامرة، كأنها هي من نتاج الثورة، وأصحاب النوايا السيئة يتعامون عن هذا الخلط. والرأي العام العربي والعالمي المراقب لمجريات الأهوال السورية، لا يمكنه أن يميز بسهولة بين ما هو ضلالٌ من صنع المؤامرة، وما هو إنجاز سليم وصحي من جهة الثورة. فقد تستحق المؤامرة كلّ الأوصاف السلبية (التدخل الأجنبي والمال النفطوي والدس الاستخباري) لكن المتهم هو الثورة، وذلك هو مبعثُ هذا التردد لدى قطاعات كبيرة من الرأي العام السوري والعربي في الحكم الصحيح على مسالك الحدث السوري وأهدافه الفعلية.

فلقد ثبت حتى الآن أن انطلاق الثورة وصمودها الطويل بتكاليفها الإنسانية الهائلة، إنما كان نابعاً من قوتها الذاتية التي انطلقت منها منذ البداية، ولا تزال ترفد نضال الشباب بدون كلل. فلا فضل لأحد على هذه الثورة حتى الآن، وما يسمّى بالمساعدات وسواها فهي لا تسد إلا الجزء الأضعف من تكاليفها. هذا لا ينفي أن هناك شراذم وفصائل كثيرة تتهافت عليها، وكل منها تحاول أن تفوز بحصة الأسد من سمعة الثورة، خاصة من تلك الانتصارات المقبولة، ولكن عندما تطغى عليها الأعمال الهدامة المسيئة حقاً إلى أخلاقية كل نضال إنساني سليم، يتبرأ (المتآمرون) من أية مسؤولية عنها.

الثورة السورية هي وحدها صانعة لمجتمعها الثوري، إنه المنتوج الأساس لأفعالها الصامتة والظاهرة. والثوار وحدهم يشكلون بيئته الطبيعية الجديدة.

يدفع هذا المجتمع منذ الآن أعلى التكاليف البشرية والمادية، لكنه يبني الحصن المنيع حول جوهرية التغيير التاريخي الشامل الذي تعمق جذوره يوماً بعد يوم في صلب الأرض العربية بدءاً من التربة السورية الطاهرة..

 

' مفكر عربي مقيم في باريس

 

=================

تورّط "حزب الله"..أين السرّ؟

خيرالله خيرالله

المستقبل

15-10-2012

لم يكن الامر يوما سرّا. اين السرّ على سبيل المثال وليس الحصر في معرفة من اغتال الاخ والصديق جبران تويني؟ تكفلت الايّام والاحداث والجنازات بكشف عمق تورط "حزب الله"، وهو لواء في "الحرس الثوري" الايراني عناصره لبنانية، في الاحداث السورية وقبل ذلك وبعده بكلّ ما شهده لبنان من احداث يندى لها الجبين.

كان ذلك معروفا لدى العامة منذ اعلن المسؤولون الايرانيون الواحد تلو الآخر انّهم معنيون مباشرة بالحرب الدائرة في سوريا وفي ضمان الانتصار على الشعب السوري. ولكن كان هناك دائما من يبحث عن اثباتات. وقد اتت الايام الاخيرة بتلك الاثباتات وبأن هناك تورطا ايرانيا مباشرا وعبر لبنان في الحرب على الشعب السوري.

ذهب احد القادة العسكريين الايرانيين الى حد تأكيد ان الحرب على الشعب السوري "حرب ايران". انها في الواقع حرب ايرانية بامتياز منذ نجح النظام القائم في طهران في السيطرة على سوريا بشكل تدريجي منذ وصول الرئيس بشّار الاسد الى الرئاسة صيف العام 2000، وحتى قبل ذلك عندما بدأ الاسد الابن يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية في ضوء تدهور الحال الصحّية لوالده ابتداء من السنة 1998.

بغض النظر عن مقتل هذا العنصر او هذا القائد الميداني من "حزب الله" في سوريا، فانّ تورط "حزب الله" في قمع الثورة الشعبية في البلد الجار للبنان، يعكس اتجاها واضحا بدأ يتبلور منذ العام 2005 يصب في انجاح عملية ايرانية مدروسة بشكل جيّد وبأدقّ التفاصيل هدفها النهائي الربط بين طهران وبيروت ومن ثمّ جنوب لبنان عبر البصرة وبغداد ودمشق...

كان ملفتا ان الملك عبدالله الثاني حذّر في تشرين الاوّل- اكتوبر 2004 مما سمّي "الهلال الشيعي"، بالمعنى السياسي للكلمة، اي بالحلف الذي تنوي ايران اقامته من منطلق مذهبي، ليس الاّ، للهيمنة على العراق وسوريا ولبنان...ومدّ نفوذها في اتجاهات اخرى، خصوصا في اتجاه الخليج العربي. لم يتجرّأ، وقتذاك، غير عبدالله الثاني على قول هذا الكلام السياسي الدقيق الذي لا علاقة له بأي شكل بالمذهبية. فتاريخ الهاشميين، وهم من اهل البيت، يشهد على ذلك.

هناك بكلّ بساطة ما هو ابعد بكثير من سقوط هذا المقاتل من "حزب الله" او ذاك في المواجهة الدائرة بين الشعب السوري والنظام القائم الذي يرفض الاعتراف بانّه انتهى. لم يعد مكان في المنطقة لانظمة من هذا النوع تقوم على اطلاق شعارات فضفاضة مثل "المقاومة" و"الممانعة" من اجل تغطية الطبيعة الحقيقية للنظام وهي للاسف الشديد طبيعة مذهبية، اخذت مع الوقت طابعا عائليا محضا، خصوصا ابتداء من السنة 2000.

نعم، هناك ما هو ابعد بكثير من سقوط قتلى لـ"حزب الله" في الاراضي السورية. الامر يتعلّق بالاصرار الايراني على انقاذ النظام السوري بايّ ثمن كان من جهة والعمل في الوقت ذاته على الامساك بلبنان في حال سقط النظام السوري من جهة اخرى. يعتبر سقوط النظام السوري بمثابة سيناريو "مرعب" للمسؤولين الايرانيين الذين سعوا في كلّ وقت الى انقاذ النظام من دون عثورهم على طريقة تمكّن هذا النظام من انقاذ نفسه. تلك مشكلة ايران التي سيتوجب عليها عاجلا ام آجلا مواجهة الحقيقة المتمثّلة بانّ النظام السوري غير قابل للانقاذ بايّ شكل نظرا الى ان مشكلته غير مرتبطة بالاصلاحات او بأيّ شيء من هذا القبيل. انها مشكلة نظام تابع لاقلّية تسعى يوميا الى المزايدة على السوريين والادعاء بأنّها قادرة على اعطائهم شهادات في الوطنية ليسوا، في طبيعة الحال، في حاجة اليها.

من هذا المنطلق، نجد انّ ما يعاني منه لبنان الذي يقاطعه السيّاح العرب، خصوصا الخليجيين منهم، وذلك للمرّة الاولى منذ قيام الجمهورية اللبنانية، وحتى قبل ذلك، جزء لا يتجزّا من اللعبة التي تمارسها ايران اقليميا. هل يمكن لايران البقاء في لبنان، او على الاصحّ ابقاء لبنان تحت سيطرتها، كما هي الحال الآن في حال سقوط النظام السوري؟ ذلك هو السؤال الكبير الذي يفسّر الى حدّ كبير اندفاع "حزب الله" في اتجاه التورط اكثر فأكثر الى جانب النظام السوري في الحرب الشرسة التي يشنّها على شعبه.

جاء تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية، حكومة "حزب الله" في سياق السعي الايراني المبكر الى استكمال وضع اليد على لبنان في ضوء الضعف الذي يعاني منه النظام السوري. ما لا يمكن تجاهله في اي وقت ان ايران استطاعت، عن طريق "حزب الله" ملء الفراغ الامني الذي خلّفه الانسحاب العسكري السوري من لبنان نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في 2005.

ما نشهده حاليا هو فصل آخر من مسلسل طويل معروف كيف بدأ وليس معروفا كيف سينتهي. بدأ بقرار ايراني بالوصول الى المتوسط، الى بيروت تحديدا، والى اقامة خط تماس مع اسرائيل في جنوب لبنان، من منطلق ان ايران قوة اقليمية وانّها المنتصر الوحيد من الحرب الاميركية على العراق.

كيف سينتهي المسلسل؟ الجواب ان الشيء الوحيد الاكيد هو ان السقوط الوشيك للنظام السوري غيّر الحسابات الايرانية وغيّر حسابات ادواتها، من بينها "حزب الله" الذي بات عليه التفكير بمستقبله. وهذا ما يفسّر تخبط الحزب وذهابه بعيدا في التورط مع النظام السوري، حليفه المذهبي الاوّل وغير الاخير بوجود النظام الايراني. هل يدفع لبنان ثمن هذا التخبط؟ الامر وارد لولا ان اللبنانيين يدركون ان النفوذ الايراني في لبنان سيتضاءل الى حد كبير مع سقوط النظام السوري وأنّ الحكومة الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي هي آخر الحكومات الايرانية في لبنان...

=================

تمدّد انتفاضة القرداحة إلى أحياء علوية في دمشق

فادي سعد *

الإثنين ١٥ أكتوبر ٢٠١٢

المستقبل

ما جرى في القرداحة انتفاضة حقيقية. فقد اجتازت عائلاتها المناوئة للنظام عقدة الخوف، لتعلن ولادة جمهورية الكرامة والجرأة، في مواجهة ضباط رفيعي المستوى. ويؤكد ناشطون أن شوارع في القرداحة أصبحت حراماً على آل الاسد وشاليش، لا سيما بعد توارد أنباء عن مقتل هارون الأسد أحد أخطر زعماء شبيحة اللاذقية والقرداحة مع مرافقه في مواجهة مع العائلات المنتفضة، وما أشيع عن مقتل هلال الاسد، المسؤول عن الشرطة العسكرية في الفرقة الرابعة، أما محمد الأسد والذي بدأت الأحداث بسبب نزاع بينه وبين شاب من آل الخيّر، والذي يقبع في مستشفى طرطوس، فقد يكون كبش الفداء الذي سيقدمه بشار مقابل هدنة مع آل الخيّر وعثمان وحلفهم المتشكّل حديثاً.

وقد تجددت ليوم رابع الاشتباكات في محيط القرداحة بعد الكشف عن مقتل امرأتين قيل إن آل الاسد خطفوهما سابقاً، لكن الجديد أن الاشتباكات لم تقتصر على القرداحة، بل انتقلت للمرة الأولى إلى أحياء العلويين في المعضمية وعش الورور في دمشق، فاندلعت بين معارضين وموالين علويين، إضافة لورود اخبار عن انشقاق ثمانية من كبار الضباط العلويين في مراكز حسّاسة. وهذا، إذا صحّ، دليل قوي على أن بنية النظام الأمنية بدأت بالتفكك، ما قد يعني حتمية سقوطه القريب.

بدوره، فالنظام الذي فقد عقله إثر انتفاضة القرداحة ضرب طوقاً من التعتيم، وحاول تشويه اخبار الإنتفاضة بمساعدة طابور خامس (بين صفوفه معارضون). فحاول استخدام «الجيش الحر» بعبعاً لإخافة العلويين بعد خطف ثمانية منهم من «بولمان» متوجه الى دمشق ووصول جثة أحدهم إلى القرداحة. وهذه، بالطبع، أفعال لا تخدم سوى النظام، وربما كانت من تدبيره.

* كاتب سوري

=================

قصة حياة أو موت

غسان شربل

الإثنين ١٥ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

من يعرف النظام السوري وظروف ولادته واستمراره ومرتكزات قوته ونقاط ضعفه لا تفاجئه المأساة المفتوحة هناك. لا يشبه هذا النظام أنظمة البلدان التي عصف بها «الربيع العربي». ومن يعرف الرئيس بشار الأسد يعرف انه من غير الوارد أن يقتدي بزين العابدين بن علي أو يسلم بما سلم به حسني مبارك أو أن يسلك الطريق الذي سلكه الرئيس علي عبد الله صالح. اعتقد حزب البعث على غرار أحزاب كثيرة في تلك المرحلة أن من يأخذ السلطة يأخذها مرة واحدة وإلى الأبد. وليس من ثقافة الحزب خوض منافسات متكافئة مع أحزاب أخرى على ملعب الانتخابات. وفكرة الشراكة صعبة بالنسبة له إلا إذا امسك بكل خيوطها وهي تخسر صفتها في مثل هذه الحال. لا يتعلق الأمر بفكر الحزب وحده. يتعلق أيضاً باستيلاء جنرالات الأمن على مفاصل الحزب، وبشبكة المصالح الحزبية - الأمنية وبالنواة الصلبة الحقيقية للنظام والتي كان محظوراً الكلام فيها أو الإشارة إليها.

على رغم قوافل المنضوين في الحزب ومن مختلف الطوائف لازم النظام خوف غير معلن من أن فئات تنتمي إلى الأكثرية طائفياً تبطن حلم الثأر وتنتظر الفرصة. دفع هذا الشعور النظام إلى مزيد من الاتكاء على القبضة الأمنية كما دفعه إلى اعتبار مواقفه القومية المصدر الأساسي لشرعيته واستمراره وحقه في سحق أي تهديد لهذه الشرعية. ولم تتوافر للنظام فرصة جدية لتطوير نفسه وتوسيع قاعدته إلا في بداية عهد بشار الأسد يوم كان الرئيس قادراً على خوض انتخابات حرة والفوز فيها، لكن بارونات الأمن والحزب سارعوا إلى اغلاق النافذة. منذ تلك الأيام اختار النظام الاتكاء على خيار الممانعة لكن انسحاب قواته من لبنان حرمه من حق القيادة، فانضوى في برنامج إيراني صريح لم تحتمله المعادلة الداخلية. لا بد هنا من الالتفات إلى تاريخين الأول غزو العراق والثاني اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.

مع هبوب «الربيع العربي» بالتوازي مع تردي العلاقات السنية - الشيعية في الإقليم كان الوقت قد تأخر فعلاً. ثمة من يعتقد انه لم يكن أمام النظام بحكم طبيعته وتحالفاته غير ما فعل. أي اعتبار الاحتجاجات مؤامرة على وجوده وخياره الممانع وأن القصة قصة حياة أو موت. وأن رده الأول يجب أن يكون منع قيام بنغازي سورية أو ميادين تحرير تستضيف المليونيات المعارضة. لهذا سارع إلى استخدام القوة المفرطة لإسقاط الطابع السلمي للاحتجاجات ولاعتقاده أن مواجهة «المجموعات المسلحة» مهما بلغت قوتها تبقى افضل من رؤية ساحات حلب ودمشق تغص بمتظاهرين يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام».

نجح النظام في استدراج المعارضة إلى مواجهة مسلحة تدور على شفير حرب أهلية. عززت هذه المواجهة تماسك النواة الصلبة التي يستند إليها وقطعت الطريق باكراً على خيارات نقل السلطة أو البحث في صيغ لا تترك مكاناً للرئيس في الحل. نجح النظام أيضاً في إظهار أن المواجهة هي قصة حياة أو موت لمحور بمجمله. في هذا السياق يمكن فهم سخاء إيران في دعم النظام وانتقالها خصوصاً بعد اغتيال خلية الأزمة في 18 تموز(يوليو) الماضي إلى موقع الشريك في يوميات المواجهة السورية وكأنها تعتبر بقاء النظام السوري قصة حياة أو موت. وهكذا أيضاً يمكن فهم رحلة الطائرة الإيرانية من دون طيار التي أرسلها «حزب الله» إلى الأجواء الإسرائيلية والتي أرفق السيد حسن نصرالله تبني رحلتها بكلام يعمق انخراط الحزب في النزاع السوري وكأنه يعلن أن ما يجري في سورية هو قصة حياة أو موت.

إنها قصة حياة أو موت للنظام وحلفائه وللمعارضة من دون أن تكون المعركة بمثل هذه الحدة لحلفائها. وفي غياب تفاهم أميركي - روسي لا يبدو قريباً أو تفاهم أميركي - إيراني لا يبدو محتملاً أو تدخل اطلسي ساحق لا يبدو وارداً حالياً سيموت كثيرون وستختفي بلدات وربما مدن وستسقط «براميل» كثيرة.

=================

إيران تلعب أوراقها مكشوفة في لبنان

مشهد مكتمل مع سوريا في المواجهة

روزانا بومنصف

2012-10-15

النهار

يتوقف مراقبون سياسيون عند الدلالات التي يمثلها اعلان الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ان طائرة الاستطلاع التي تبنّى ارسالها الى اسرائيل هي من صنع ايراني وتجميع من عناصر الحزب. فالامر لم يعد يطرح من زاوية تلقي الحزب مساعدات ايرانية عسكرية ومادية او استخدام ايران الساحة اللبنانية على الحدود مع اسرائيل وتعزيز النفوذ الايراني في المنطقة، بل اللافت وفق هؤلاء هو لعب ايران ومعها الحزب الاوراق في لبنان على المكشوف، من دون اي محاولة للتغطية، بل على العكس من ذلك. فالتطور الذي شكلته حادثة الطائرة تأتي من حيث توقيتها بعد اقل من شهر على تصريحات القائد الاعلى للحرس الثوري الايراني في 16 ايلول الماضي عن وجود عناصر من فيلق القدس في سوريا ولبنان بعد تصريحات للمستشار الاعلى لمرشد الثورة اللواء يحيى صفوي، قال فيها ان لبنان وسوريا يمثلان العمق الاستراتيجي لايران، ويبدو ان اي تطور يبرز تاليا سيكون ترجمة عملية لهذه المواقف.

وليس واضحا ما اذا كانت المساعدة الايرانية المعلنة للحزب تساعد المسؤولين الايرانيين في تبرير احد اسباب الانهيار المالي والاقتصادي، من زاوية ان المساعدات تؤتي ثمارها في تعزيز موقع ايران الاقليمي وليست هدرا في تقديمها الى الحزب او خارج ايران، الا ان الرسالة وفق ما يقرأها المراقبون المعنيون تتصل بمجموعة امور هي: اولا الرغبة الايرانية في الاعلان بوضوح ان ايران هي من بات بديلا كامل المواصفات في لبنان مكان النظام السوري الذي بات عاجزا الى حد كبير عن الاضطلاع بمهمة الوصاية على القرار اللبناني، وتاليا توظيفه لمصلحة الاهداف الايرانية سواء ما يتصل بالموضوع النووي او بالنفوذ الاقليمي لايران في المنطقة. وان لبنان هو ساحة او مسرح مكمل لما تواجهه كل من ايران وسوريا، وانه جزء لا يتجزأ من المنظومة التي تضمهما معا في اطار المعركة التي تستهدف ايران.

ومع ان البعض يعتبر ان الاعلان الايراني عن تثبيت الحضور والنفوذ في لبنان سابق لانطلاق الثورة السورية بدليل اسقاطها حكومة الرئيس سعد الحريري، الا ان ايران بدت مضطرة اكثر في الاونة الاخيرة الى تأكيد مصالحها في لبنان بصراحة ومن دون مواربة في معرض امتلاكها ما يكفي من الاوراق قابلة للمساومة او المفاوضة لاحقا. وهذه الرسالة الاخيرة هي برسم الدول العربية والمجتمع الدولي في كل الملفات التي ترى ايران نفسها معنية بها.

ثانيا، ان حادثة الطائرة هي عرض قوة في وقت تتعاظم فيه التحديات في كل من ايران والحزب. فمن حيث التوقيت، فان التهديدات لاسرائيل ولمسار مسعى استطلاع الطائرة الاجواء فوق المنشآت النووية الاسرائيلية موازية للتهديدات التي تواجهها ايران في الموضوع النووي ايضا، كأن في المسألة محاولة ارساء توازن رعب او توازن تهديد.

ثالثا، ان لكلام الامين العام للحزب عن الطائرة رسائل داخلية تصب في اطار اولوية استراتيجية دفاعية اقليمية ايرانية لاستراتيجية دفاعية لبنانية، لكن ايضا هناك احتمال لعدم تغير المعادلة السياسية بفعل التطورات السورية والانهيار المحتمل للنظام.

=================

زين الشامي / سيكولوجية القمع ... سيكولوجيا الإصرار عند السوريين

الرأي العام

15-10-2012

غالبية من المتابعين لما يحدث في سورية شاهدوا على القنوات الفضائية ذلك الرجل الثلاثيني وهو يعبر بألم عما فعلت به قوات الامن السورية خلال مداهمتها لبعض قرى ومناطق جبل الزاوية في ادلب حين صرخ «أنا إنسان ماني حيوان.. وهالناس كلها متلي». انه محمد أحمد عبدالوهاب، وهو من قرية «خربة الجوز» التي تزنرها اشجار الكرز والرمان والجوز ودوالي العنب وكروم الزيتون والتين. صرخته كانت مؤلمة ومؤثرة لأنها صرخة لا يعرف ما تختزنه من قهر الا السوريون انفسهم او غيرهم ممن عاشوا تحت نظام عائلة الاسد وحكم البعث والذين اكتووا بنار القمع الممتد على اكثر من خمسين عاما في تاريخ السوريين الحديث.

طبيعة النظام في سورية منذ تسلم البعثيين وتحوله الى نظام امني عسكري متغول في الحياة العامة في اوائل الثمانينيات بعد القمع الدموي لحركة التمرد التي قادها الاخون المسلمون، هي طبيعة ليست فريدة في التاريخ، لكنها فريدة لناحية امتدادها واستمرارها منذ بداية الستينيات من القرن الماضي وحتى لحظة ثورة السوريين في آذار عام 2011 وهي ثورة لم تنته الى اليوم، انها الثورة الاكثر دموية وألما وتضحيات وبطولات مقارنة ببقية ما شهدته البلدان العربية التي عاشت انتفاضات مماثلة.

ان بطولة السوريين وشدة قمع النظام لمعارضيه تعكس حقيقة التاريخ، التاريخ الممتد ما بين تسلم البعث للسلطة ثم تحوله الى نظام شمولي فردي بعد تسلم حافظ الاسد السلطة في عام 1971. وبناء عليه ربما يتساءل احدهم عن هذه «الخصوصية السورية»، او الاسباب الكامنة وراء بطولة السوريين واستعدادهم الكبير للتضحية رغم قوة النظام وبطشه ورغم عشرات الالاف من الضحايا ورغم تدمير الكثير من المدن والقرى؟

ان الجواب يكمن في فهم صرخة «محمد احمد عبد الوهاب» ابن قربة «خربة الجوز»، نعم، فهم سر هذه الصرخة التي تعكس حقيقة علاقة المواطن السوري مع نظامه، لقد اراد السوريون من خلال ثورتهم ان يضعوا حدا لاكثر من نصف قرن من القهر والاستلاب والعبودية التي مارسها نظام فاشي كان يختبئ وراء شعارات قومية كبيرة، نظام شعاره الوحدة والحرية والاشتراكية، لكنه اكثر الانظمة العربية التي اساءت للتضامن العربي واكثر الانظمة التي شاركت في تمزيق وحدة الصف العربي، ولعل اللبنانيين والفلسطينيين يدركون تماما ماذا فعل هذا النظام بحق قضاياهم ووحدتهم السياسية والمجتمعية. لا بل ان هذين الشعبين هما من بين اكثر الشعوب العربية التي عرفت وذاقت وحشية هذا النظام، خصوصا وان الآلاف منهم سجنوا في سجون النظام وتم تعذيبهم ومنهم من قتل او اعتقل ولم يعد الى اهله الى اليوم.كذلك كان النظام السوري من اكثر الانظمة استلابا لحرية مواطنيه واكثرهم تفقيرا لشعبه وسرقة ونهبا للمقدرات الوطنية.

ان تكون سوريا أو عشت في سورية، يعني انك تعرف تماما ما هو وقع كلمة مثل «مخابرات» او «فرع فلسطين» او «فرع المنطقة» او «سجن تدمر» او «سجن المزة». ان وقع هذه الكلمات على نفسية السوريين ربما يشبه وقع «النازية» او «الغستابو» على اليهودي، او «ستالين» على الروس. انها ليست كلمات عادية او امكنة او مؤسسات، انها تفاصيل وحياة يومية محورها الخوف والرهبة عاشها السوريون لسنين طويلة، انها كلمات ليست بكلمات، انها الموت، او التعذيب، او نهاية المستقبل، او الغياب لسنين طويلة بعيدا عن الضوء والاهل والاقارب، وفي احسن الاحوال كلمات تثير الهلع الشديد في نفس أي شخص حصل وسمع بعض القصص عنها لاشخاص اختربوها.

حتى المؤسسة الحزبية، او تلك التشكيلات الهرمية التابعة لحزب البعث لا تقل في مدلولاتها وايحاءاتها القمعية والسيكولوجية عن تلك القلاع والمؤسسات الاستخبارية، ففي الفرقة الحزبية قد تستدعى للتحقيق مع امين الفرقة اذا لم تكن «مواطنا ايجابيا» او «صديقا للدولة»، وهو مصطلح يعرف السوريون انه يعني «مواليا للنظام والرئيس القائد». وفي الفرقة الحزبية ايضا قد لا يسمح لك بفتح حانوت صغير اذا لم يوافق امين الفرقة على ذلك لاعتبارات «قومية» او تخص الأمن الوطني والقومي او لاسباب تتعلق بنسبة ولاء الشخص للنظام أو سلبيته.

ذات يوم وصل ابي الى البيت وقت العصر ووجه مكفهرا متألما غاضبا، كنت طفلا لم يتعدَ العاشرة من العمر، من خلال حديثه لأمي فهمت ان رئيس البلدية اجبره على شراء كتاب اسمه «هكذا تكلم القائد» اذا كان يريد الحصول على تلك الرخصة المتعلقة بفتح «فرن للخبز» وكان سعر الكتاب مرتفعا جدا بحيث انه كان يعادل راتب موظف، ابي كان اميا ولم يكن امامه خيار سوى شراء كتاب سميك يحتوي نحو الف وخمسمئة صفحة وعليه صورة الرئيس حافظ الأسد.

ان تكون سوريا، يعني ان تخشى وتحسب حسابا لجارك فربما يكون «جاسوسا» يعمل لدى المخابرات، ومن مدرسك الذي يعلمك فقد يكون على علاقة بالحزب او فرع استخباراتي، ومن زميلك في الصف فربما جندّه امين فرقة الحزب في المدرسة؟

ان تكون سوريا، عليك تعتبر ان «القائد» اهم شخص على وجه الكرة الارضة، وهو الاكثر احتراما وحكمة ورحمة وحبا لشعبه والاكثر شجاعة في مواجهة «العدو». لا يجب ان تنتمي او تكون منتميا لأي حزب سياسي غير حزب البعث، واياك ان تعجب بأي رئيس او قائد او ملك او زعيم غير حافظ الاسد، ومن بعد ذلك ابنه ووريثه بشار الاسد. ان مثل ذلك قد يعرضك للسين والجيم والاستدعاء لدى احد الفروع الامنية.

في سورية من الطبيعي جدا ان تهين وتشتم لكن اياك من توجيه كلمة نابية الى شخص «القائد» ان ذلك قد يجعلك نسيا منسيا في اقبية المخابرات.

في سورية عليك ان تجامل رجل السلطة وترشيه احيانا مهما كانت حياتك قاسية ومهما كنت «مواليا» للنظام. ان استمرار ولاءك دائما في وضعية اختبار مهما بلغت من شأن او عمر. انه مسيرة دائمة ملازمة لكل فرد اراد ان يتجنب المساءلة او ملاحقة ومتابعة الاجهزة الاستخبارية، ومن خالفوا او تحدوا هذا النمط من العبودية كان مصيرهم السجن او في ادنى الاحوال، العزل والبقاء بدون عمل او فرصة في التعليم او حتى السفر للخارج.

ان مجيء بشار الاسد للسلطة بعد وراثته الحكم عن ابيه عام 2000 لم يغير من حقائق هذه الاوضاع، او من طبيعة المؤسسات الامنية المتغولة في حياتهم، مجيئه لم يضع حدا للفساد، ولم يصنع سوى اصلاح شكلي مخادع حين اعطى دفعا لطبقة جديدة من رجال الاعمال المقربين واصحاب النفوذ الموالين فيما بقيت غالبية السوريين تعيش ذات الظروف التي عاشتها تحت حكم الاب... مزيد من القمع، مزيد من تردي الحياة المعيشية، والادهى من كل ذلك مزيد من الخوف.

ربما يفسر ذلك بعضا من اسباب صمود السوريين الى اليوم امام آلة القمع الوحشية للنظام واصرارهم على الاستمرار في ثورتهم.

زين الشامي

=================

نموذج الحكم في سوريا ينتظر نضج التسوية الدولية

من يعيد الإعمار وبأي شروط؟ وهل تعتمد التجربة اللبنانية؟

سابين عويس

2012-10-15

النهار

قد تطول الازمة السورية أو تقصر وفق الرهانات على تقدم مسار التسوية الأميركية – الروسية على ما يتوقع مرجع سياسي بارز، بعدما حسم الخيار الدولي في شأن مصير النظام وبدأ العمل على تحديد التوقيت والآليات والضمانات، ليس لمستقبل سوريا وإنما للمصالح الروسية فيها من جهة ولعملية التحول إلى المجتمع المدني من جهة أخرى، في ظل محاولات تحريك الاقليات التي لم تبلغ بعد المدى الذي يتيح لها تحقيق التغيير. وفي رأي المرجع المشار اليه، فإن بت مسألة الوقت مرتبط بالأجندات والمفاوضات الخارجية، وبتحسين الوضع العربي من خلال المزيد من الدور المصري بهدف إعادة التوازن في المنطقة بعد الفراغ الذي خلفه تراجع هذا الدور لمصلحة تقدم النفوذ الايراني.

لكن لطول الازمة السورية مخاطر على الاقتصاد السوري نتيجة الخسائر والاضرار التي تتفاقم يوما بعد يوم وتهدد البلاد بالانهيار.

تتفاوت الارقام المعلنة حول حجم تلك الخسائر. وثمة من يتحدث عن عشرات مليارات  الدولارات كلفة إعادة إعمار سوريا، إذ تراوح التقديرات بين 34 مليارا و60 مليارا وفق ما أعلن أخيراً عضو غرفة الصناعة في دمشق أحمد غنام مقدرا حجم الخسائر بـ50 مليارا.

لفريقي النزاع في سوريا مصلحة في تضخيم حجم الخسائر والاضرار في حسابات كل منهما لمرحلة إعادة الاعمار، بهدف تأمين الحصول على أكبر حجم من المساعدات. وفي حين تغيب الاحصاءات الدقيقة لهذه العملية وهي في تغير يومي بفعل تنامي الأعمال العسكرية التدميرية، تؤكد مصادر في القطاع الخاص   أن ثمة مبالغة وتضخيماً في تقدير كلفة إعادة الاعمار.

وتنطلق من تقويمها بقولها إن الاضرار في غالبية المدن التي شهدت اقتتالات او مواجهات او إستهدافاً مباشر بالقصف، إقتصرت على الابنية السكنية والمؤسسات التجارية والانشاءات، فيما لم يسجل تدمير على مستوى البنى التحتية الصناعية أو منشآت الكهرباء او المياه او الجسور كما حصل في لبنان مثلا في عدوان تموز، حيث إستهدفت بشكل مباشر البنى التحتية. علما ان كلفة اعادة اعمار لبنان بعد ذلك العدوان تراوحت بين 3 و 3٫5 مليارات دولار، من ضمنها اعادة بناء اكثر من 160 الف وحدة سكنية مدمرة بالكامل وإعادة بناء كل شبكة البنى التحتية (الجسور والطرق والمنشآت).  ولكن الأضرار الحقيقية في رأي هذه المصادر تعود إلى الخسائر في تراجع الحركة الاقتصادية وشلل الانتاج والتصدير والاستثمار والبناء. وهذا الامر يقود سوريا إذا طال أمده كما هو ظاهر اليوم إلى التحول نحو إقتصاد حرب، مع ما يعنيه ذلك من فقدانه مقومات أساسية من دوره وموقعه على خريطة المنطقة.

قد يشوب الغموض القراءات الخاصة بمرحلة ما بعد الحرب إن على المستوى السياسي، لجهة من يحكم سوريا وبأي نموذج سياسي أو على المستوى الاقتصادي لجهة من يعيد إعادة إعمار سوريا وبأي نموذج مالي.

إذا كان يتعذر في الظروف الراهنة الاجابة عن السؤال الاول في إنتظار نضج التسوية الدولية في هذا الشأن، فإن ثمة من يرى أن سوريا ستكون أقرب الى إعتماد النموذج اللبناني ما بعد حرب تموز، بما يتيح لها ان تعيد بناء مساكنها ومؤسساتها واسواقها وأحيائها المدمرة بدعم دولي لا بد أن يكون مشروطا بالتسوية المرتقبة.

لكن الحاجة ملحة في سوريا الى تفادي النموذج اللبناني ما بعد الحرب الاهلية إذا طالت حربها، لأنها ستكون في حينها أمام مواجهة كلفة إعادة الاعمار إلى جانب كلفة إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد والنمو. ولن تكون حلول مثل إنهيار العملة لشطب ديون مستبعدة، علما أن ثمة من يبدي خشية على الديون المعقودة بالعملات الاجنبية، وللبنانيين يعملون في سوريا بعض منها.

وإلى جانب أضرار التدمير اليومية، يشهد الاقتصاد تراجعا في كل أنشطته على صعيد الانتاج والتصدير والسياحة والتجارة وتراجع العملة، فيما سجلت الاحتياطات المكونة بالعملة الاجنبية نتيجة تراجع تصدير النفط الى مستويات ضعيفة ( لا تزيد على 4 مليارات دولار) بفعل الاستنزاف المالي الحاصل. يقابل ذلك خضوع سوريا لعقوبات غربية تضعها تحت مجهر المراقبة والضغط الدوليين، فيما المتنفس الرئوي الجدي لها لبنان يواجه ضغوطا مماثلة، تزيد حيال أي محاولات تفلت.

يعوض سوريا خسائرها عاملان هما: التهريب الناشط بقوة عبر الحدود اللبنانية والتركية على الاخص، وتدفق النقد من المال السياسي المخصص لتمويل الحرب الذي يؤمن بدوره الاستقرار في البلاد ويحول دون الانهيار. وهذان العاملان يحولان سوريا إلى إقتصاد حرب يقتات من التمويل السياسي ومن الحدود المشرعة، مما يجعل عملية إعادة ضبطها أمرا غير سهل.

في أي حال وأياً تكن بوابات الخروج المتاحة أمام سوريا، فهي ستمر حكما بالتجربة اللبنانية التي كان لقيادات النظام اليد الطولى فيها!

=================

اللحظة الراهنة في الأزمة السورية

ديدييه بيليون

التاريخ: 15 أكتوبر 2012

البيان

منذ 19 شهراً والأزمة السورية متفجّرة، وعدد الضحايا يتعاظم. فالمواجهات المسلّحة مستمرّة، ومن الصعب تقديم توصيف دقيق للوضع، فليست هناك وجهة نظر صادرة عن القوى الداخلة في الصراع، تأخذ في حسبانها شمولية الوضع وتعقيده.

بالتأكيد لا تمكن المناظرة بين السلطة والانتفاضة. فمن جهة، هناك نظام استخدم بإصرار كل أشكال العنف، ومن جهة ثانية هناك شعب يحاول إسقاطه ولم يتمكن حتى الآن من ذلك.

بعد تحديد هذا الإطار العام، ينبغي الذهاب أبعد في التحليل، وعدم الانجرار وراء الانطباعات. ولو كانت المعطيات سهلة، لكانت الأزمة قد وجدت حلاّ منذ وقت طويل.

والواقع أن النظام قد استمر ولم يسقط، حتى لو ضعف كثيراً، ولكن استمراره لا يعود فقط إلى قوّة النار الرهيبة التي استخدمها، وإنما أيضاً لكون أن هناك قاعدة اجتماعية ما لا تزال تسانده. وعلى العكس، يلاحظ أن الجزء من المعارضة الأكثر شهرة في وسائل الإعلام، أي المجلس الوطني، هو فريسة انقسامات داخلية حادّة، ولم يتوصّل إلى تمثيل مختلف مكونات المجتمع، لخلافات إيديولوجية وإثنية وطائفية.

الكثير من المعلّقين يقدمون رحيل بشار الأسد بمثابة الحل الذي يمكنه أن ينهي الأزمة، وبالتأكيد سيتحدد في لحظة ما مصير الدكتاتور، لكن من التوهّم الاعتقاد بإمكانية تسوية الوضع كلّه برحيله عن المشهد السياسي السوري. ولا بد من رؤية القلق المصيري الذي ينتاب الأقليات في المجتمع السوري، وفي مقدمتها العلويون الذين يخشون منذ ألف عام إبادتهم. وبدا وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970 بمثابة ثأر من التاريخ، حيث تولوا المناصب الأساسية في السلطة مع حلفائهم المسيحيين والدروز.

العلويون، وفيما هو أبعد من المصير الشخصي لبشار الأسد، لا يريدون العودة إلى وضع التهميش الذي عانوا منه طيلة قرون. والمسيحيون يخافون من المصير الذي عرفه مسيحيو العراق بعد الإطاحة بصدام حسين. والأكراد السوريون، رغم انقسامهم الشديد، لهم مطالبهم الخاصّة.

تجدر الإشارة إلى أن العديد من الشخصيات في المجلس الوطني السوري، يرددون باستمرار أنه سيتم احترام حقوق الأقليات في إطار النظام الجديد، لكن دون التوصّل إلى إقناع الجميع بذلك. في مثل هذا السياق يبرز خطر أن يتكرر خلال الأشهر المقبلة، ما جرى في لبنان طيلة الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1985. من هنا يبدو أن الوصول إلى حل سلمي، هو وحده الذي يمكنه أن يؤدي إلى تجنّب مثل هذا السيناريو الأكثر خطراً.

وأمام الوضع الحالي تبدي المجموعة الدولية مرّة أخرى عجزها، فالإدارة الأميركية المأخوذة بالانتخابات الرئاسية ولا تريد إدارة وضع مثل النموذج الأفغاني أو العراقي، تكتفي، علناً على الأقل، بإطلاق التصريحات المبدئية، وقسم من الأوروبيين يكثر من التصريحات ويكتفي بالجوانب الإنسانية. لكن هذه المواقف المعلنة تخفي دعماً نشطاً للمعارضين، ويتركون فكرة سياسة تغيير النظام بالقوّة تتردد، مما قد يشجّع الأكثر تطرفاً من المقاتلين.

والجملة التي قالها قدري جميل في موسكو بتاريخ 22 أغسطس الماضي بحضور وزير الخارجية الروسي لافروف، وأشار فيها إلى أنه "لا شيء يمنع دراسة جميع المسائل، بما في ذلك مسألة رحيل بشار الأسد"، تكتسي أهمية كبيرة من حيث دلالتها. وموسكو هي الطرف الحاسم الذي يمكنه أن يحرّك الأمور سياسياً، وروسيا هي البلاد التي تحاول فتح الباب أمام حل تفاوضي فيما هو أبعد من الدعم الذي تستمر في تقديمه لنظام بشار الأسد. ثم إن القادة الروس يفضّلون المحافظة على جزء من جهاز الدولة، وتجنب أن تذهب الأمور إلى الفوضى العامّة في الأسابيع والشهور المقبلة.

وفي ظل عدم إمكانية تحقيق أي حل عسكري للوضع، يبدو أنه لا مناص من الحل السياسي. وبهذا المعنى تمثل روسيا عنصراً مركزياً في حل المعادلة المعقّدة المجهولة النتائج كثيراً، القائمة في سوريا اليوم.

=================

القناة السرية بين تل أبيب ودمشق!

عماد الدين أديب

الشرق الاوسط

15-10-2012

ما أعلنت عنه «يديعوت أحرونوت» أول من أمس ثم أكدته الخارجية الإسرائيلية عن حدوث مفاوضات سرية بين تل أبيب ودمشق خلال الشهور الماضية بهدف التوصل لاتفاق سلام سوري - إسرائيلي، أمر يدعو للتأمل العميق.

جميعنا يعلم أن هناك قناة اتصال خلفية تتم منذ الاحتلال السوري للبنان بين دمشق وتل أبيب على مستوى الاستخبارات العسكرية بين البلدين.

هذه القناة السرية تعمل بكفاءة وانتظام بصرف النظر عن طبيعة العلاقات أو اللاعلاقات العلنية أو مستويات التوتر بين سوريا وإسرائيل. وقد أثبتت هذه القناة أنها «ذات كفاءة وأهمية قصوى للأمن بين الطرفين». وتعززت هذه «القناة» في دورها أثناء وجود لجان عسكرية تفاوضية في ماراثون التفاوض السوري - الإسرائيلي الذي تم في واشنطن برعاية أميركية في عهد الرئيس بيل كلينتون، وكان يقود فريق التفاوض السوري فاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية، ووزير الخارجية حينئذ.

وكشفت المصادر الإسرائيلية أول من أمس عن أن هدف هذه المفاوضات مع سوريا هو البحث عن إمكانية لشق الصف بين سوريا من ناحية، وإيران وحزب الله من ناحية أخرى، أو أن هذه المفاوضات تمت برعاية من وزارة الخارجية الأميركية.

وفي رأيي، فإن هذه المفاوضات التي لا يحتاج أحد إلى أن يكون عبقريا كي يكتشف أنها ستفشل من اللحظة الأولى، كانت تهدف إلى «تعويم» أو «تنشيط» النظام الأسدي في أزمته.

وفي رأيي، فإن تل أبيب وواشنطن اكتشفتا بعد قليل أن ارتباطات بشار الأسد الشخصية والنفسية والأمنية بالنظام الإيراني أقوى من أي «مداعبة سياسية مع واشنطن أو أي غزل أمني مع تل أبيب».

حدثت تلك المفاوضات في وقت تشكل فيه ثورات الربيع العربي عبئا على واشنطن بعدما كانت حلم الأحلام لصانع القرار الأميركي. وتمت هذه الاتصالات السرية في وقت يعد فيه إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي خطته التي يعكف على تدعيمها، وهي فصل غزة عن الضفة، ثم فصل الضفة عن الدولة العبرية خوفا من مشروع يتم الإعداد له دوليا في الغرف المغلقة مؤداه أنه إذا فشلت فكرة الدولتين، فمن الممكن تسويق فكرة أن تكون هناك دولة واحدة تحتوي القوميات الإسرائيلية والعربية من يهود ومسلمين ومسيحيين ودروز.

هنا يبقى السؤال: إذا كانت كل مشاريع واشنطن الإقليمية تعاني من الفشل المتكرر، فمن سوف يدفع ثمن هذا الفشل؟

=================

إيران وروسيا والأطلسي.. والتصعيد السوري ـ التركي

فؤاد فرحاوي

الشرق الاوسط

15-10-2012

شهدت الأزمة السورية تصعيدا خطيرا بعد سقوط قذيفة سورية على بلدة «أكتشه قلعة» التركية والتي أودت بحياة خمسة أتراك. وخلافا للفترة السابقة التي تم فيها إسقاط الطائرة العسكرية التركية في يونيو (حزيران) الماضي، اتسم رد فعل أنقرة بحدة أكبر، إذ قامت المدفعية التركية بقصف أهداف داخل الأراضي السورية. واستصدرت الحكومة مذكرة تفويض من البرلمان التركي يأذن لها بالقيام بعمليات عسكرية في العمق السوري. ورغم صدور مذكرة التفويض فإن المسؤولين حرصوا على ضبط ردود فعلهم تجاه الاستفزاز السوري وعدم الانجرار إلى فخ ربما تم الإعداد له من أطراف عدة. الموقف التركي رحب به حلفاء وأصدقاء تركيا، أما روسيا فقد عرقلت صدور بيان مجلس الأمن يدين النظام السوري.

وتوضح طبيعة الإجراءات التي اتخذتها أنقرة وتصريحات مسؤوليها أن تركيا بصدد نقل التعاطي مع الأزمة السورية إلى مستويات أكثر حزما. وتدرك أنقرة أن النظام السوري لا يمكن له أن يقوم بأي خطوة عسكرية وأمنية خارجية دون التنسيق مع الروس والإيرانيين، فلكل من موسكو وطهران مستشارون عسكريون يشاركون في عمليات التخطيط والتنفيذ لحماية النظام السوري من السقوط، على الأقل في هذه المرحلة. وكان لافتا أن ربط أردوغان في الطلب الذي تقدم به للبرلمان بين سقوط القذيفة السورية والأمن القومي التركي، مما يؤكد أن الأزمة السورية دخلت منعطفا جديدا بالنسبة لأنقرة.

وفي الواقع، فإن تطورات في المنطقة أقلقت صانع القرار التركي، حيث يفهم منها أن سقوط القذيفة السورية على الأراضي التركية إنما هي حلقة من حلقات «لي الذراع» بين أكثر من طرف إقليمي ودولي حول موضوعات أخرى تتشابك مع الأزمة السورية، من قبيل الملف النووي الإيراني والعلاقات الروسية بحلف الأطلسي وكذلك تطورات العلاقات الإيرانية - التركية - العراقية.

إيران شعرت أن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بسبب ملفها النووي بدأت تؤثر على اقتصادها وأمنها الاجتماعي والسياسي، إلى درجة صار فيه البعض يتحدث عن «ربيع فارسي» قادم قد يعصف بالنظام الإيراني. وازدادت المخاوف الإيرانية بعد انهيار عملتها الوطنية مؤخرا وما نتج عنه من اصطدام التجار مع الشرطة في طهران، الأمر الذي دفع مرشد الجمهورية علي خامنئي للحديث عن «مؤامرة الريال».

وبالتوازي مع الضغوط الداخلية على النظام الإيراني، بدأ الأوروبيون مناقشة إمكانية فرض حظر تجاري ومالي أوسع على طهران يشمل قطاع الطاقة والبنوك. وتذكر الخطوة الأوروبية بردود الفعل الإيرانية في أواخر عام 2011 وبداية 2012 عندما هددت بإغلاق مضيق هرمز في حالة ما إذا فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية عليها، ولكن هذه التهديدات لم تؤد إلى إيقاف إصدار عقوبات جديدة، بل نتج عن تكرارها قيام واشنطن في سبتمبر (أيلول) الماضي بأكبر مناورة بحرية في تاريخ الشرق الأوسط بمشاركة 30 دولة، وذلك كرسالة موجهة لإيران بأن مضيق هرمز خط أحمر. فهمت طهران الرسالة فاتجهت إلى التركيز أكثر على الورقة السورية والعراق. وتعتقد إيران أن أحد مداخلها لمواجهة الولايات المتحدة هو إضعاف واستهداف حليفها تركيا، بل والعمل على إيجاد تناقضات في العلاقات الأميركية - التركية. وهكذا سعت طهران من خلال حليفها في بغداد نور المالكي إلى دعوة واشنطن للضغط على أنقرة من أجل الامتناع عن قيام الطيران الحربي التركي بقصف شمال العراق بدعوى ملاحقة «حزب العمال الكردستاني». وبالتوازي مع تلك الدعوة طلبت الحكومة العراقية من البرلمان إلغاء أو عدم التمديد للقواعد الأجنبية فوق الأراضي العراقية، وذلك في إشارة إلى المواقع العسكرية التركية في الشمال والتي أنشئت بموجب اتفاق سابق مع نظام صدام حسين.

وفيما يبدو محاولة من طهران للضغط على أنقرة وواشنطن عبر العراق وفق السيناريو الأسوأ، أي سيناريو سقوط حليفها في دمشق، قام وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي بزيارة للعراق، وهي أول زيارة يقوم بها وزير دفاع إيراني للعراق منذ 1979. وبعدها قام قائد القوات البحرية الإيرانية بزيارة لبغداد والالتقاء بنظيره العراقي. وتكتسب أهمية هذه الزيارات في سياق عرض سابق لطهران على بغداد للتوقيع على اتفاقية التعاون الأمني والعسكري، وذلك خلال آخر زيارة قام بها نور المالكي لإيران. حكومة المالكي طلبت من طهران التريث إلى غاية أن يتضح الموقف والتأثير الأميركي على تركيا لإيقاف الغارات الجوية في شمال العراق، وقد يكون هذا الملف إحدى القضايا الرئيسية التي سيتم مناقشتها خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد للعراق بعد عودة المالكي من روسيا وجمهورية التشيك.

أما روسيا فإنها رغم دعوتها كلا من تركيا وسوريا «لضبط النفس» على خلفية التصعيد الأخير، فإنها بدورها تستعمل الورقة السورية لإضعاف موقف أنقرة في الساحة الإقليمية. وترى موسكو أن الضغط على تركيا عبر سوريا يحقق لها أهدافا استراتيجية تتصل بإحراج حلف الأطلسي، وإظهاره كمنظمة تعجز عن الدفاع عن أحد أعضائها. وتربط موسكو موقفها من الأزمة السورية بمسعاها إلى إقناع دول آسيا الوسطى بعدم جدوى بقاء قواعد الولايات المتحدة وحلف الأطلسي في جوارها الإقليمي بعد الانسحاب من أفغانستان. وتعتقد روسيا أن إضعاف تركيا من خلال الملف السوري هو إضعاف لقدرة أنقرة على أن تلعب أدوارا في آسيا الوسطى والقوقاز بالتعاون مع واشنطن. ولكن هذا لا يعني أن موسكو ترغب في إلغاء الدور الأميركي نهائيا في هاتين المنطقتين، بل إن هذا الدور مطلوب أحيانا، لمحدودية قدرات روسيا في مواجهة كل المشاكل في هذه المناطق، لا سيما عندما تنخفض أسعار الطاقة. إن أحد الأهداف الرئيسية لروسيا من خلال الضغط على أنقرة، هو الإبقاء على التأثير الأميركي بالمنطقة في الحدود التي تستطيع من خلالها موسكو أن توسع نفوذها وتأثيرها في السياسات الدولية.

ونظرا لالتقاء المصالح الإيرانية والروسية بخصوص الأزمة السورية والتصعيد ضد أنقرة وواشنطن، فإن موسكو تسعى بدورها إلى تطوير علاقاتها بالعراق. وفي هذا الإطار تأتي دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنوري المالكي لزيارة روسيا. وهي الزيارة التي شملت مباحثاتها قضايا توسيع الاستثمار الروسي في قطاع الطاقة والبنية التحتية في العراق، وبمشاركة المقاولات المتوسطة والصغيرة الروسية بدل الاقتصار على الشركات الكبرى. وفي الحقيقة، فإن مجالات التعاون الاقتصادي في مباحثات المالكي بموسكو لم تثر مخاوف كبيرة لدى أنقرة وواشنطن، بقدر ما أثارتها صفقة السلاح التي بلغت 4.2 مليار دولار شملت تعزيز منظومة الدفاع الجوي العراقي، وذلك برغم تأكيد المالكي أن الصفقة ليست بديلا عن السلاح الأميركي. والملاحظ أن أطرافا سياسية عراقية، مثل «الاتحاد الكردستاني»، أبدت مخاوفها من هذه الصفقة، إذ تخشى أن يستغلها المالكي ضد منافسيه وخصومه عبر بوابة الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية.

يتضح في ضوء التحليل السابق أن سقوط القذيفة السورية على الأراضي التركية لم يكن خطأ غير مقصود، بل هو حادث يراد منه الإبلاغ أن الأزمة السورية قد دخلت مرحلة جديدة سمتها الإعلان غير الرسمي عن قيام تحالف روسي إيراني عراقي في مواجهة سيناريو سقوط نظام بشار الأسد. وعلى هذا الأساس قامت تركيا من خلال المذكرة البرلمانية بإعلان غير رسمي عن جاهزيتها عسكريا للتصدي لتحالف يستهدف أمنها القومي وإضعاف نفوذها وتأثيرها الإقليمي.

* باحث في منظمة

البحوث الاستراتيجية الدولية (أوساك) في أنقرة

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ