ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 14/10/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

13-10-2012

أعان الله السوريين

تاريخ النشر: السبت 13 أكتوبر 2012

الاتحاد

غازي العريضي

من علامات الأزمة السورية الأخيرة التوتر الميداني على الحدود السورية – التركية وردود الأفعال عليه إقليمياً ودولياً، والتي يمكن رصدها وقراءتها كما يلي وهي تؤدي إلى نتيجة واحدة:-

كلما سقطت قذيفة سورية داخل الأراضي التركية ردّ الجيش التركي فوراً، بعد أن حرّك قواته النوعية على الحدود وأعلن الاستنفار، وأخذ الإذن المسبق من البرلمان التركي ليكون جاهزاً. ودخل رئيس الحكومة في عملية تعبئة استعداداً للحرب إذا لزم الأمر! ومع ذلك ثمة عقلانية في التصرف حتى الآن رغم الحدة في الموقف.

الطائرات التركية المقاتلة أجبرت طائرة سورية عائدة من روسيا على الهبوط في تركيا، وتم تفتيشها. أعلن عن وجود أسلحة ومواد خاصة بالصواريخ على متنها، تمت مصادرتها. الحدث أحدث أزمة إضافية، ارتفعت وتيرة اللغة العدائية بين البلدين.

الرئيس الروسي كان في هذه الأثناء يستقبل رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي المعروف بارتباطه بسوريا وإيران، رغم علاقاته مع أميركا، التي خرج عليها اليوم ليوقع اتفاقاً عسكرياً مع روسيا، ويشتري أسلحة منها بقيمة 4.3 مليار دولار تعويضاً كما قال لما فات روسيا في ليبيا. لكن الإشارة السياسية لهذه الصفقة هي الأهم. باتت روسيا في قلب بغداد. وبغداد ضد تركيا، لأنها مع سوريا وإيران. وكل هذا في سياق اللعبة الدولية الإقليمية والصراع على سوريا وحولها والخلاف مع أميركا.

بعد حادثة الطائرة السورية وتوقيفها، ألغى بوتين زيارته التي كانت مقررة إلى تركيا، وظهرت بوادر خلاف بين البلدين.

هاجم أردوغان الأسد، واعتبر أنه يزايد على والده لتحقيق رقم قياسي جديد يتجاوز رقم والده في قتل شعبه. أكد أن نظام الأسد يسير على عكازات معتبراً أن "الشعب السوري أمانة في أعناقنا"!

وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، اقترح تسلّم فاروق الشرع مهام الأسد على رأس حكومة انتقالية، لأنه "عقلاني"!

سوريا ردّت: لسنا أمام حالة عثمانية ولن نكون، لا تعيّن تركيا ولاة سوريا!

تركيا عضو في الحلف الأطلسي، والأمين العام للحلف "راسموسن" دعا سوريا وتركيا إلى تفادي التصعيد! وإظهار الاعتدال! يعني لن يتدخل الأطلسي في المعركة!

أميركا حذرت الأطلسي وتركيا من الردّ على القصف السوري.

أميركا لا تريد أن تتدخل، ولا تريد أن تسلّح، لا قبل الانتخابات الرئاسية ولا بعدها على ما يبدو، وحسب ما يصل من معلومات من أروقة مراكز القرار في واشنطن!

روسيا لن تغيّر رأيها، التغيير من الداخل بالوسائل الديموقراطية، وتخشى البديل عن الأسد الذي "لا تتمسك به"!

فرنسا تطرح فكرة الحكومة الانتقالية في سوريا، واشنطن تعلن: من السابق لأوانه الاعتراف بحكومة انتقالية. يعني ليس ثمة اتفاق على فكرة واحدة، غير إسقاط الأسد، ولا أدري إذا كان الاتفاق ثابتاً بين مكونات الأطلسي والدول المؤيدة لهذا الخيار!

الصين تعمل بهدوء، تستغل كل شيء. ولا تقف في الواجهة مثل روسيا في المحور الرافض للتوجهات الأميركية الغربية، الصين اليوم في أفغانستان،وفي تطور ملفت، تسعى إلى علاقات وثيقة مع ذلك البلد. وتستعد للاستثمار السياسي والاقتصادي والعسكري فيه فيما تستعد القوات الدولية للانسحاب منه عام 2014، بعد الفشل الأميركي الذريع والدمار والخراب الذي خلفه الاحتلال.

إسرائيل، تريد فلسطين، هذه هي قضيتها الأولى والأخيرة. الفلسطينيون منقسمون: داخل السلطة. داخل "فتح" داخل "حماس" داخل "الفصائل الثورية". خلاف بين السلطة و"حماس" وبين "فتح" والسلطة. وبين كل الفصائل وإسرائيل تقصف، تقضم الأرض، وتهوّدها، وتبني المستوطنات. تطلق يدها في كل الاتجاهات ولا تقبل نقاشاً واصلاً ، لا من يناقش اليوم ولا من يحزنون!

العرب خارج دائرة كل ما يجري، تخبّط، انقسام، غياب الرؤية، ضياع، فراغ، سياسات وحسابات مختلفة في سوريا، لا خطة مدروسة، ولا عمل جماعياً حتى بين الدول الحليفة لدعم وتمويل تسليح المعارضة. ولكن أي معارضة؟ ثمة معارضات بالمئات على الأرض. مجموعات تتنافس، تتناحر أحياناً. بعضها أساء إلى الثورة وإلى الناس، وإلى الأهداف النبيلة. صحيح أن عقوداً من القمع والتفرد والتسلط منع قيام معارضة، ولكن وقتاً طويلاً مضى منذ إن جاءت الفرصة، وكسر الشعب السوري حاجز الخوف، بدا القصور والتخلف، وأحياناً العجز عن اتخاذ قرار موحد.

اعتدنا في كل الحروب الأهلية أو الحالات المشابهة لما يجري في سوريا اليوم أن يكون هناك مرجعية، ولو في الخارج تستطيع أن تلعب دور المحرك أو الضامن أو الفاعل أو القادر، أو الذي يمون لأسباب عديدة تجمع القوى تنظمها وتضع حداً لحالات الانفلاش والانفلات والفوضى وتحفظ القوى. هذا الأمر غير موجود اليوم، مرجعيات عديدة بمستويات مختلفة وخلافات نافرة بين القوى وهذا يفيد النظام.

أضيف إلى ذلك الموقف المعلن من قبل بعض المسؤولين العرب ضد "الإخوان المسلمين"، وهم القوة الأكثر تنظيماً على الأرض في سوريا. ومن هذه البيئة تفرعت خلايا وجبهات وجهات أخرى، ولكنها مختلفة، والعرب مختلفون فيما بينهم.

بعضهم عينه على إيران، وعلى إسقاط الأسد، ولا يفعل شيئاً لا هنا ولا هناك، وبعضهم يقدم هذه الأولوية على تلك، ولا يصل إلى شيء. ومعظمهم لا يرون إسرائيل اليوم. ولا يدركون ماذا تريد أميركا. وإذا أدرك بعضهم أو تيقن، فهو لا يتصرف على أساس ما يدركه إنها أميركا، والكل في مأزق.

إيران تصرّ على دورها في المنطقة. ودور خلاياها وأجهزتها وتمددها في المنطقة كلها، وترسل طائرة من دون طيّار من خلال "حزب الله" إلى الأجواء فوق الأراضي المحتلة في فلسطين. واستنفار إسرائيلي وذهول، لا شك أنه تطور جديد.

النظام السوري يستقوي، يتحدث عن الحسم، وزير خارجية إيران علي أكبر صالحي يؤكد أنه لمس من الأسد في زيارته الأخيرة له أنه "ليس خارج الواقع. مقتنع أنه سيحسم الأمور"! وهي لم تحسم منذ أكثر من سنة ونصف السنة.

عدنا اليوم إلى حمص، ولا نزال في معارك درعا. والمعارضة دخلت إلى معرة النعمان، وهي في حلب، وكل مكان تقريباً والعاصمة تهتز يومياً!

ما هي نتيجة كل ذلك؟

العلامات المذكورة تؤدي إلى استنتاج واحد، الحرب في سوريا طويلة ودموية، ستأكل نارها ما تبقى من آثار تاريخية وسيعم الدمار أكثر. والكل في دائرة البازار الدولي الكبير الواسع الذي تحدثنا عنه منذ بداية الأحداث. الصفقة لم تتم بعد، وإلى أن يقضي الله أمراً كان منتظراً أعان الله شعب سوريا!

غازي العريضي

وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني

=================

وماذا لو بقي النظام السوري حيا؟

د. نور الله السيّد

2012-10-12

القدس العربي

مع أن احتمال بقاء النظام السوري حيُ هو احتمال يزداد ضعفاً مع مرور الوقت بالرغم من كل الدعم الذي تلقاه ويتلقاه من إيران والعراق بأشكاله المختلفة، المباشرة وغير المباشرة، ومن روسيا دعماً سياسياً على الأقل، وهو دعم تغير هدفه من الحفاظ على النظام إلى المد في عمره، وهذا يعني أن داعميه يزدادون قناعة بحتمية سقوطه. وبالرغم من أن النظام يضعف لتآكله الداخلي الذي ينكشف لكل ناظر، ويضعف بسبب تدخل خارجي متزايد، وسيتزايد على الأغلب، يعمل على إسقاطه. ومع هذا، لنفترض، وهو افتراض عبثي، أن النظام السوري سيكون قادراً على البقاء، برجالاته الحاليين وعلى رأسهم الأسد، فما هي تداعيات مثل هذا البقاء على الداخل السوري والمحيط الإقليمي؟

سيكون المشهد السوري عندها دولة منهكة عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، وسيكون السوريون، سوريو الشتات وسوريو الداخل، في حالة بؤس وخراب وهزيمة، المناصرون للنظام والآخرون، مدن مهدمة وبنية تحتية تحتاج إلى إعادة بناء، واقتصاد هزيل محطم.

أما ما سيعانيه السوريون في حال 'انتصار' النظام وإلى حينه، وبعده، تتلخص بعض جوانبه في:

ـ مزيد من القتل والتدمير، فلن يستتب الأمر للنظام اليوم، والمسألة ستطول، والدليل على ذلك أن النظام أعلن مراراً بأنها 'خلصت' على مدى أكثر من ثمانية عشر شهراً، ولكن القتل يزداد مع كل وعد بانتصار قريب دون أن يحدث هذا الانتصار. لنتذكر في هذا الخصوص ما أعلنه وليد المعلم في طهران في شهر تموز عن 'اندحار' المسلحين في معركة دمشق، التي لم تنته حتى اليوم وكان تفجير الأركان في 26 أيلول دليلاً آخر على فشل الحل الأمني في دمشق بالرغم من ضعف المعارضة المسلحة فيها مقارنة بالشمال السوري! أي أن 'انتصار' النظام سيحتاج إلى أشهر طوال.

ـ وفي حال استتب الأمر للنظام سيزداد بطشه عبر تركه، راغباً أو كارهاً، للأجهزة التي قاتلت من أجل بقاءه لتفعل ما تشاء، فسلطة المخابرات ستزداد شراسة على شراستها ضد المواطنين وهو الأمر الذي سيترجم بالمزيد من القتل إعداماً أو تحت التعذيب أو اختفاء مؤبداً وبالمزيد من السجن المديد والإذلال لكل معارض ولكل من لا يعترف بالأسد قائداً إلى الأبد، زد على ذلك ابتزاز المخابرات للناس ابتزازاً عانوه على مدى عقود، وسيضاف إلى أجهزة المخابرات البغيضة جماعات الشبيحة التي ستتحكم بالكثير من تفاصيل الحياة اليومية للناس، وهي قد بدأت ذلك بالفعل غير آبهة بشيء حتى بالجيش التي تضربه عندما يحاول كبح جماحها. لقد عرف السوريون بعضاً من تفاصيل تصرفات الشبيحة في المذابح التي انتشرت في كل أرجاء سورية، وهم سيتعرفون عليهم عن كثب أكبر في حال بقاء النظام، فهم سيتطاولون على الأموال والأعراض والعباد بلا وازع أو رادع، وسيكون النظام عاجزاً عن ردعهم حتى لو أراد.

ـ أما الحياة اليومية فلن تكون آمنة أبداً، إذ إن جزء من المعارضة المسلحة، التي يُفترض أنها خسرت معركتها مع النظام، سيتحول إلى العمل السري ويقوم بأعمال انتحارية مدفوعاً بمرارة الفشل واليأس، وهو أمر قد تمتد ممارسته لسنوات عديدة نتيجة لضعف الهيمنة الأمنية التي سيعاني منها النظام السوري على مدى سنوات لاحقاً. وهذا الضعف هو ما سيسمح لجماعات إرهابية فعلاً من دخول الساحة السورية للتأثير على نظامها خدمة لأجندات مرسلي هذه الجماعات ومحركيها.

ـ استمرار حالة الاحتقان الداخلي ناراً تحت الرماد بكل ما يحيل الاستقرار الظاهري إلى قنابل موقوتة ستنفجر عند إشعال أي فتيل، إذ لا يُعقل أن ينسى السوريون آلاف قتلاهم وبيوتهم التي تهدمت (عدد المنازل المهدمة حتى اليوم تقدر بـ 500 ألف بيت) وأرزاقهم التي دمرت هكذا وكأن شيئاً لم يحدث. وقد تتفاعل القضية الطائفية لتأخذ مفاعيل لم يعرفها السوريون في تاريخهم، فهناك اليوم طوائف متهمة بمساندة النظام بصمتها أو بفعلها.

ـ وستعاني سورية من الفقر المديد بسبب هروب رؤوس الأموال، الذي بدأ منذ أكثر من سنة ونصف ولا يزال مستمراً، وهجرة العديد من رأس مالها الفكري (يقدر عدد الأطباء الذين غادروا سورية في الفترة الماضية بحوالي عشين ألف طبيب) وعزوف أي رأس مال عن الاستثمار في سورية التي لن يمكن لأي كان الوثوق باستقرارها وهو شرط أي استثمار، سواء أكان مصدره من الداخل أو من الخارج، مع كل ما لذلك من تبعات على شكل هجرة مستمرة للشباب بحثاً عن العمل في الخارج وضعفاً للاقتصاد في الداخل والذي سيترجم بضعف شديد في التنمية وببطء في إعادة إعمار البلد. ولن تعود السياحة إلى سابق عهدها إلا بعد سنين وسنين، ولن يباع البترول السوري الذي لا يزال يبحث عمن يشتريه .

ـ وستعاني سورية من توغل إيراني وروسي في مفاصل البلد والنظام، إذا إن بقاء النظام لن يكون إلا نتيجة للدعم الإيراني-الروسي، وسيكون لهما كل الحق في تقاضي أتعابهم وفي تأمين النظام من التعرض لأي 'مؤامرة' مستقبلاً. فستزداد محاولات إيران شيعنة سورية بأقوى وأكثر مما كانت تفعله سابقاً وخاصة على مستوى الجيش السوري، وستكون شيعنة لأسباب سياسية أولاً. وسيكون للسفارتين، الروسية والإيرانية، كلمتهما في تسيير أمور سورية حتى الداخلية منها وقد يصل الأمر بهما إلى حد التدخل في حكوماتها ووزاراتها مثلاً.

ـ وفوق هذا وكله، فقد يورث بشار الأسد الحكم إلى ابنه ومن شابه أباه فما ظلم.

أما على المستوى الإقليمي فستعاني سورية من:

استمرار حالة العداء مع تركيا على الأقل إلى حين استلام المعارضة التركية للحكم، وهو أمر قد يحتاج إلى وقت طويل، ولهذا تبعاته لاقتصادية والسياسية.

سوء العلاقات مع دول الجوار نتيجة الرواسب العالقة والتدخلات التي قام بها النظام في هذه الدول مثل لبنان والأردن، وهي تدخلات لن تنساها هذه الدول وحكاية ميشال سماحة أذابت الثلج عن نقاط كثيرة كانت غامضة ومسكوت عليها، وسوء العلاقات هذا سيترجم على الأقل إلى حالة حذر وترقب ستمدد إلى سنوات، وستتحول سورية من حالة الفاعل في الساحة الإقليمية إلى حالة الغائب على الأقل عن هذه الساحة بكل ما لذلك من تبعات سياسية واقتصادية وستكون إسرائيل الرابح الأكبر، وهي الرابح الأكبر بقي النظام أو لا.

3- وسيكون الشيء نفسه مع معظم الدول العربية بكل ما لذلك من ترجمات سياسية واقتصادية. أما على المستوى العالمي، فستشهد العلاقات السورية جموداً قد يطول لعشرات السنوات بكل ما يستتبع ذلك من عقوبات اقتصادية وسياسية وهذا سيحكم مستقبل سورية وأجيالها.

هذه بعض من جوانب الصورة السورية إن بقي النظام السوري، وهي جوانب سلبية، فهل من إيجابيات لبقائه؟ كان النظام السوري والسوريون يتغنون بالأمن السائد في بلدهم، وها هي سورية اليوم دولة فاشلة والسوريون بلا أمن ولا أمان، لا اليوم ولا غداً إن بقي النظام. أما حصانته الطائفية فقد زبلت وسقطت وبقاؤه سيؤججها حقداً دفيناً. وكان الرئيس السوري قد تحدث في مقابلته مع مجلة وول-ستريت بأن نظامه يحقق تطلعات الشعب السوري متمثلة في ممانعته للمشاريع الخارجية، لكن بقاؤه سيكون بفعل التدخل الإيراني الروسي، الخارجي، وستكون سورية قشة تتقاذفها الرياح الخارجية. فهل بقي شيء إيجابي في بقائه؟ الجواب: لا، لذا فعليه أن يرحل، وعلى الشعب، من معارضين ومناصرين، أن يرغمه على الرحيل، وهو فاعل ذلك طال الزمان أم قصر. ويبقى الشعب السوري الذي أراد الحياة، وهذه هي سنة الحياة، الأنظمة تمضي وتبقى الشعوب، والعبرة لمن يعتبر.

 

' أستاذ جامعي سوري

=================

العلاقات اللبنانية ـ السورية سيرة تدخّل دائم في شؤون لبنان وضرب سيادته (2)

جورج أبو صعب ()

المستقبل

13-9-2012

ثامناً: تآمر الحكم في سوريا

على لبنان وثورة 1958:

على إثر إعلان الوحدة السورية المصرية وقيام الجمهورية العربية المتحدة انقسم الشارع اللبناني حيال الموضوع بين مؤيد ورافض. وبطبيعة الحال فإن المؤيدين كانوا من حلفاء النظام السوري المصري أمثال الأحزاب الوطنية كالبعث والاشتراكي والقوميين العرب وسواهم، فيما وقفت الدولة اللبنانية والحكم اللبناني ومؤيدوهما ضد الوحدة وقلقوا بشأنها لأنهم رأوا فيها خطراً على الاستقلال والكيان والسيادة والاستقرار اللبناني الداخلي (انظر صحيفة البيرق في 22 شباط 1958). وإذا بمجلس الأوقاف في طرابلس يعلن انفصاله عن المراجع المختصة في بيروت والتحاقه بأوقاف دمشق، والنائب رشيد كرامي يعلن تأييده للوحدة، وفي الوقت عينه قررت السلطات السورية في الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة اتخاذ تدابير أمنية مشددة على الحدود مع لبنان بسبب اتهام الحكم والحكومة في لبنان بأنه يلعب دوراً خطيراً في تهديد أمن واستقرار سوريا (التهمة نفسها كلما تميز لبنان في سياسته الخارجية عن السياسة السورية).

وراحت سوريا تتدخل أكثر فأكثر في تهيئة الأجواء للثورة ضد الحكم اللبناني، وقد تدخلت مباشرة عبر تسليح وتمويل ودعم الطرف العروبي اللبناني. فالرئيس صائب سلام أقر في حينه بأن سوريا أرسلت 120 شاباً من المغاوير ومبلغ مليون وثلاثمئة ألف ليرة لبنانية (مجلة "المجلة" العدد 176- ص. 30-31). كما أن قائد المقاومة الشعبية في بيروت رشيد شهاب الدين يقرّ بأنه استقبل مغاوير سوريين وبأنه يوم إعلان العصيان المدني كان في دمشق يبحث مع العقيد برهان أدهم في إرسال كميات أخرى من السلاح، ويقر بأنه تسلم السلاح بعد قيام الثورة على الحدود السورية اللبنانية وكانت أسلحة سورية (انظر رشيد شهاب الدين أرشيف المقاومة الشعبية المغاوير السوريون ص 78 حتى 80). فقامت السلطات اللبنانية بطرد 12 ألف عامل سوري من لبنان خلال شهر أيار 1958 وتقدم الحكم اللبناني بشكوى ضد سوريا بتدخلها الى جامعة الدول العربية في 21 الشهر نفسه تضمنت اتهام سوريا وخاصة وزير داخليتها العقيد عبد الحميد السراج وبتأثير من الرئيس جمال عبد الناصر بالتدخل في القضية اللبنانية (انظر زهير ابراهيم الاتجاهات السياسية - وبالفرنسية FICHES DU MONDE ARABE RELATIONS AVEC LA SYRIE ROLE DE LA SYRIE DANS LES EVENEMENTS DE 1958 VOL. 1 P3- LIBRAIRIE ORIENTALE)).

تاسعاً: التدخل الأممي عام 1958 لكبح جماح التدخل السوري (ج.ع.م) في لبنان:

مع تصاعد التوتر بين البلدين عام 1958 إثر اتهام لبنان للسوريين بالتدخل في الصراع السياسي الدائر بين الرئيس كميل شمعون والمعارضة اللبنانية على خلفية مبدأ ايزنهاور الشهير وحلف بغداد، اتخذ مجلس الأمن بتاريخ 11 حزيران 1958 قراراً بإرسال لجنة من المراقبين الدوليين الى لبنان للتأكد من عدم حصول تسلل أشخاص وإدخال أسلحة ومعدات حربية الى الأراضي اللبنانية من سوريا أو ما كان يسمى الإقليم الشمالي من ج.ع.م)، ووصل المراقبون الى بيروت بتاريخ 12 حزيران 1958 في وقت كانت المعارضة اللبنانية للنظام قد سيطرت فعلياً على المناطق المحاذية للحدود اللبنانية السورية وجبل عامل وجزء من العاصمة بيروت. ومع وصول اللجنة الأممية لمراقبة الحدود اللبنانية السورية أخفت المعارضة كافة المظاهر التي يمكن أن توحي بوجود تدخل أجنبي (سوري) لإثبات أن الأحداث الدائرة في لبنان أزمة داخلية فقط (صحيفة لوموند الفرنسية تاريخ 17 حزيران 1958 ص. 5- للكاتب الصحافي الفرنسي ادوارد سابلييه).

يقول الصحافي سيرج مانييه في صحيفة le Parisien liberé بتاريخ 28-29-30 حزيران 1958 ما حرفيته: "... إن سوريا لن تترك لبنان مستقلاً..." (ص.3)، فيما الرئيس كميل شمعون يؤكد وجود بين ثلاثة الى أربعة آلاف متسلل من سوريا الى لبنان بدعم من (ج.ع.م (Camille Chamoun Crise au moyen Orient Gallimard Paris France 1963 P.47 et suiv.) ) وفي الوقت عينه يؤكد المراقبون الأمميون أن التسلل السوري حصل ولو بحسبهم على نطاق ضيق، بينما تؤكد صحيفة (Le Parisien Liberé) ومعها صحيفة لوموند (Le Monde) بأن وجود تدخل سوري شمال لبنان من خلال المساعدات العسكرية والتدخل المباشر من قبل الجيش السوري، والبعثة الأممية لم تتمكن من التأكد من وجود أو عدم وجود تدخل أجنبي بسبب قلة عدد المراقبين ورقعة انتشارهم الجغرافي الواسعة، فضلاً عن عدم إمكان تمييزهم عملياً بين اللبنانيين والسوريين (لو باريزيان ليبيريه ولوموند أعداد 5 و6 تموز 1958 ص. 1-3-5).

 

عاشراً: التدخل السوري التحريضي المباشر في الشأن اللبناني في مواجهة الإنزال الأميركي في بيروت (15 تموز 1958):

بتاريخ 15 تموز 1958 بدأ الإنزال الأميركي في بيروت، واستكمل في 16 منه في الوقت نفسه نزول قوات بريطانية شرق الأردن بطلب الملك حسين، يومها وجه الرئيس كميل شمعون خطاباً الى الأمة شارحاً خلفيات طلبه التدخل العسكري الأميركي، متهماً (ج.ع.م) بالتدخل في الشؤون اللبنانية مبرراً طلبه التدخل بفشل جامعة الدول العربية والأمم المتحدة في اتخاذ قرار يرد عن لبنان تدخل جيرانه في شؤونه، طالباً تنفيذ المادة (51) من شرعة الأمم المتحدة لحفظ سيادة لبنان (جريدة نداء الوطن وجريدة الأحرار وجريدة الديار تاريخ 16 تموز 1958).

فاتصل عبد الحميد السراج من دمشق في منتصف الليل بالرئيس صائب سلام طالباً منه مواجهة القوات الأميركية وعدم السكوت على الإنزال (صائب سلام "وقائع سرية عن أحداث 1958" مجلة المجلة العدد 175- حزيران 18-24 حزيران 1958 ص. 30).

كذلك اتصل العقيد برهان أدهم بقائد المقاومة الشعبية رشيد شهاب الدين في بيروت لسؤاله عن سبب عدم تحرك المقاومة ضد الأميركيين، وقد أبلغ أدهم القائد شهاب الدين بأن الجيش السوري يقف بجميع قواته على الحدود اللبنانية السورية لدعم المقاومة... (رشيد شهاب الدين ارشيف المقاومة الشعبية وقائع سرية عن ثورة 1958 ص. 28 29).

 

حادي عشر: معارضة دمشق انتخاب الرئيس شهاب وتهديدها لبنان عسكرياً:

من أوجه التدخل السوري في الشأن اللبناني أيضاً معارضة دمشق انتخاب الرئيس فؤاد شهاب، وقد كانت تفضل الرئيس بشاره الخوري. وقد تلقى قائد المقاومة الشعبية في لبنان آنذاك رشيد شهاب الدين أمراً من رئيس المكتب الثاني السوري العقيد برهان أدهم بقصف المجلس النيابي اللبناني بمدفعية الهاون إذا تأكد انتخاب فؤاد شهاب رئيساً بغية تعطيل جلسة الانتخابات قبل حصولها (يوميات وثائق الوحدة - الوثيقة 17 ص 409 دمشق تأمر بضرب البرلمان بمدافع الهاون في حال انتخاب فؤاد شهاب رئيساً)، لكن تفاهماً سورياً مصرياً في اللحظة الأخيرة حمل دمشق على الموافقة على انتخاب فؤاد شهاب رئيساً.

وقد رسمت خطط عدة للإطاحة بالرئيس شمعون وإنهاء أزمة 1958، ومنها خطة كشفها رشيد شهاب الدين نفسه بإقراره بأن اتفاقاً كان قد حصل مع الزعيم كمال جنبلاط وشوكت شقير على تنفيذ خطة لإنهاء الأزمة تعتمد على المقاومة الشعبية في بيروت والمغاوير السوريين والقوى المدرعة للجيش اللبناني بإمرة العقيد جميل عيد لترحيل الرئيس شمعون الى الخارج بعد تطويقه في محلة القنطاري (حيث كان مقر القصر الجمهوري آنذاك)، لكن صائب سلام سرب التفاصيل الى قائد الجيش فؤاد شهاب آنذاك ففشلت الخطة.

وبتاريخ 15- 17 آب 1958 ، فشلت محاولة ثانية للإطاحة بالرئيس شمعون بتدخل سوري مباشر، بحيث كان قائد الخطة الثانية آنذاك العقيد فؤاد لحود قائد منطقة الجنوب العسكرية في الجيش اللبناني، وقد نسق الخطة مع المقاومة الشعبية والسوريين لإنهاء ولاية شمعون، وأيضاً كشف الرئيس صائب سلام الخطة للواء شهاب وفشلت الخطة وانتهى لحود بالإقالة من الجيش بتهمة التآمر على الدولة (رشيد شهاب الدين ارشيف المقاومة الشعبية وقائع سرية عن ثورة 1958 ص. 47 الى 54) وأيضاً (جريدة العمل 25 أيار و24 حزيران 1958).

وبتاريخ 4 تشرين الثاني 1958 اتهم الرئيس سامي الصلح من باريس ج.ع.م. بعدم التوقف يوماً عن التدخل في الشأن اللبناني واتهم المكتب الثاني السوري بتجنيد عملاء له من السوريين العاملين في لبنان واللاجئين الفلسطينيين للمشاركة في أعمال الثورة (جريدة بيروت المساء وجريدة الجريدة وجريدة الحياة في 5 و7 تشرين الثاني 1958).

وعلى إثر حصول الانتخابات النيابية في 12 حزيران 1960 (عهد الرئيس شهاب وبعد تعهدات الرئيس عبد الناصر الشهيرة في لقاء الخيمة الحدودي باحترام استقلال لبنان وعدم التدخل في شؤونه) شنت الأجهزة السورية حملة ضد الانتخابات، فاتخذت السلطات اللبنانية آنذاك تدابير أمنية طارئة في البقاع مخافة افتعال حوادث يوم الانتخاب (البقاع من مناطق لبنان الواقعة دائماً تحت التأثير السوري). وقد تم ضبط متسللين سوريين الى داخل الأراضي اللبنانية للقيام بأعمال شغب وأعيدوا الى سوريا (انطوان الناشف وخليل الهندي العلاقات اللبنانية السورية 1943-1985 ج 1 ص 188).

وبتاريخ 22 كانون الثاني 1961 اعتقلت السلطات اللبنانية ضابطاً في الجيش السوري يدعى أحمد عردوس و25 من مرافقيه اعترفوا في ما بعد بأنهم جاءوا الى لبنان بمهمة من المكتب الثاني السوري لاغتيال مسؤولين في الحزب الشيوعي والحزب القومي السوري ("النهار" 20 و 23 كانون الثاني 1961).

الثاني عشر : التدخل السوري في الانتخابات البلدية اللبنانية عام 1963:

على خلفية الصراع بين أنصار الناصرية وأنصار الانفصال السوري عن الوحدة العربية في لبنان أصدر وزير الداخلية اللبنانية آنذاك الزعيم كمال جنبلاط قانوناً جديداً للانتخابات البلدية والاختيارية في شهر أيلول 1963، وقد كتب الوزير جنبلاط يومها مقالاً في جريدة الأنباء نُشر بتاريخ 25 أيلول 1963 يكشف فيه الى حد بعيد التدخلات السورية والتمويل الخارجي ضد لائحة الرئيس رشيد كرامي التي نجحت في طرابلس في مقابل اللائحة المدعومة سورياً والمؤلفة من مرشحي حزب البعث الحاكم في سوريا (كمال جنبلاط ربع قرن من النضال الدار التقدمية بيروت لبنان 1978- ص 236).

وفي خلال شهر أيلول من العام 1964 هاجم الزعيم النائب آنذاك كمال جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي نظام البعث في سوريا متهماً إياه بالتدخل في شؤون لبنان من خلال تخطيط وتنفيذ عمليات تهدد أمن لبنان. وفي 25 أيلول من العام نفسه أصدرت السلطات اللبنانية مرسوماً منعت بموجبه حزب البعث من ممارسة نشاطه السياسي بعد ثبوت تدخل سوريا من خلاله في الحياة العامة اللبنانية (جريدة النهار تاريخ 11 19 26 أيلول 1964).

الخاتمة:

إنها محطات أساسية وليست كل المحطات التي سجلها تاريخ العلاقات اللبنانية - السورية الحديث. إذ تعمدنا عدم العودة كثيراً الى الوراء في عمق التاريخ القديم ابتداء من عام 1800 وما يليها... محطات تثبت بالوقائع والحقائق والوثائق أمرين أساسيين يجب أن لا يغيبا عن بال أي مسؤول لبناني اليوم:

- الأمر الأول: وجود فلسفة وجودية سورية لا تقر باستقلال وسيادة لبنان لا بل تعتبره الصدى الطبيعي لمصالحها، لا بل الحديقة الخلفية لسوريا في سياساتها وعلاقاتها المحلية والخارجية.

- الأمر الثاني: الدور السياسي البارز الذي لطالما لعبته دمشق في تحريك وتقسيم وتشتيت الحياة العامة في لبنان، من خلال اعتماد مبدأ الاصطفاف بين موالين لها من اللبنانيين ومعارضين لها من اللبنانيين، ما يكفي للإمساك بالصاعق المفجر للوضع اللبناني في أي وقت.

من هنا فإن المحطات السياسية التاريخية التي أردنا إبرازها في هذه الدراسة المختصرة، هي التي أسست عبر تراكم زمني وفكري وعقائدي معين المسألة اللبنانية لدى حكام الشام، وهي التي طبعت بشكل راسخ في مختلف مراحل الأحزاب والأنظمة السورية، هذه النظرة الى لبنان على أنه إما أن يكون جزءاً من أرض سوريا وسيادة سوريا وسياسة سوريا وإما أن يكون ساحة تصفية سورية لحساباتها على أرضه مع الآخرين، وقد رأينا كيف أن سوريا كانت تستخدم لبنان عندما ناوأت حلف بغداد، وكيف استخدمت لبنان عندما أرادت تسويق نفسها لدى الرئيس عبد الناصر إبان الوحدة السورية المصرية، وكيف استخدمت لبنان عندما أرادت مناهضة عبد الناصر، وكيف استخدمت لبنان عندما أرادت أن تكون انفصالية، وصولاً الى أيامنا هذه كيف استخدمت لبنان عندما أرادت ضرب نفوذ عرفات والمسلمين في لبنان، وكيف عادت وضربت المسيحيين اللبنانيين عندما خسرت ورقة المواجهة العربية الإسرائيلية مع اتفاقات كامب دايفيد، واستخدمت لبنان للمقايضة مع الأميركيين إبان حرب الخليج الأولى، واستخدمت لبنان إبان حرب الخليج الثانية لتنتزع من واشنطن التوكيل الشامل والمطلق في لبنان الذي سمح لها بالتحكم بلبنان حتى اغتيال الرئيس الحريري .

من هنا أهمية فهم الماضي والتاريخ لبناء المستقبل القوي والصادق بين البلدين.

قال السياسي اللبناني الكبير المرحوم العميد ريمون اده في حديث له مع جريدة "الجريدة " بتاريخ الأول من شباط 1962 بما يشبه الوصف العلمي الدقيق لحقيقة تكوين لبنان السياسي لم يخلُ من حس تنبوئي: "... في لبنان عدة تيارات وعدة قوميات، هناك قومية لبنانية، وهناك قومية عربية، وهناك قومية سورية، وفي لبنان اعتقاد إجماعي بل إيمان ثابت لدى جميع اللبنانيين بأن لبنان وطن نهائي له شخصية مميزة والتي لا يمكنها أن تذوب في أي شخصية أخرى.. ولكن في لبنان فئات متعددة من حيث الإعلان عن تحديد هذا الكيان والإعراب عن صيغة الإيمان بالكيان اللبناني...".

فليس في لبنان عروبة واحدة ذات منبع فكري وسياسي واحد، وليس في لبنان قومية واحدة ذات مرجع واحد وعقيدة واحدة ونمط سياسي واحد ورؤية واحدة للمستقبل، لكن في الوقت عينه في لبنان إيمان فطري بنهائية الوطن اللبناني وإقرار جماعي ضمني بخصوصية لهذا الوطن لا يمكن أن تبنى معه العلاقات على قاعدة الابتلاع أو التبعية أو الضم أو الفرز العقاري أو الجيو-سياسي .

إننا نريد مستقبلاً زاهراً وناجحاً للعلاقات اللبنانية السورية، ولكن نريد أيضاً ولو لمرة واحدة أن يفهم السوريون بأن لبنان إما أن تُحترم في علاقات الآخرين معه خصوصياته، وإما أن لا يكون هناك علاقات إلا في حدها الأدنى البروتوكولي. فيجب ألا نحول الواقع الجيو-سياسي الى لعنة تصيب لبنان فقط، بل فلتكن تلك اللعنة نعمة إذا ما استوعب الجار السوري ضرورة معاملته بكل احترام واستقلال وحرية على أساس المصالح المشتركة وليس المصالح المتفوقة لطرف على مصالح الطرف الآخر .

أردناها دراسة تحليلية لواقع وحقيقة أصبح السياسيون الذين يحبون الدخول في تفاصيله قلة مخافة إيقاظ عفاريت الماضي وتعكير صفو تحولاتهم السياسية، تكتيكية كانت أم استراتيجية، عسانا قد وفقنا في ما أردنا إيصاله من رسائل واضحة لمن يهمه الأمر.

() محامٍ وخبير قانوني

=================

حزب الله في قلب المعركة السورية * ياسر الزعاترة

الدستور

13-10-2012

هناك الكثير من القضايا التي يمكن التقاطها بالتحليل دون الحاجة لمعلومات. من بين هذه القضايا تلك التي نحن بصددها في هذه السطور ممثلة بصلة حزب الله اللبناني بالمعركة الدائرة في سوريا.

حين يعتقد الحزب -بحسب أمينه العام وسائر قيادييه- أن المعركة في سوريا هي محض مؤامرة غربية ضد المقاومة والممانعة التي يمثلها النظام السوري إلى جانب إيران والحزب (أخرجت حماس من الحلف بعد انحيازها للثورة السورية)، حين يعتقد ذلك، فمن الطبيعي أن يبادر إلى تقديم سائر أشكال الدعم للنظام السوري في المعركة.

وحين ترى إيران التي تمول الحزب أن نتيجة المعركة في سوريا ستحدد مصير مشروعها للتمدد والهيمنة الذي اشتغلت عليه عقودا، فمن الطبيعي أن تطلب من الحزب أن يلقي بثقله إلى جانب النظام، لاسيما أن قاسم سليماني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري) الذي يدير المعركة في سوريا، هو ذاته الذي يشرف على العلاقة بين طهران والحزب.

سليماني الذي يعاني هذه الأيام بحسب تقارير عديدة من صراع مع المرشد خامنئي بسبب فشله في إدارة المعركة التي دفعت فيها طهران إلى الآن (10 مليارات دولار) رغم متاعبها الاقتصادية التي بدأت تنتج حراكا شعبيا ضد النظام يمكن أن يودي به إذا تطور بمرور الوقت.

والحال أن التقارير التي تتحدث عن تدخلات الحزب في الساحة السورية ودعمه متعدد الأشكال لنظام بشار لم تتوقف منذ شهور طويلة، الأمر الذي دأب قادة الحزب على إنكاره، لكن التطورات الأخيرة لم تترك له فرصة للإنكار، وإن لم يتوقف عن ممارسته، أقله إلى الآن، من دون أن نستبعد أن يتطور الأمر إلى مستوىً من الجرأة (أو الوقاحة بتعبير أدق)، بحيث يعلن انخراطه المباشر في المعركة ضد “عملاء الغرب الاستعماري، لاسيما التكفيريين” الذين يريدون تقويض نظام المقاومة في دمشق.

لم يحدث ذلك إلى الآن، بينما كانت التقارير المتوالية عن تدخلات الحزب قد قفزت قفزة كبيرة إثر التشييع المهيب لأحد قادة الحزب الذي قيل إنه قضى “في مهمة جهادية”، بينما أدرك الجميع دون كثير عناء أنه قتل أثناء مباشرته العمل إلى جانب النظام في مواجهته مع الثورة السورية.

التقارير قبل ذلك من داخل لبنان، بل من دوائر شيعية وذات صلة بالحزب (دعك من خصومه) كانت تتحدث عن عشرات من عناصر الحزب يدفنون في مناطق متعددة من لبنان، بينما يطلب من ذويهم عدم البوح بخلفية مقتلهم، لكن أهمية علي حسن ناصيف المعروف بأبي العباس كانت أكبر من قدرة الحزب على تشييعه بسرية، فكان التشييع المهيب الذي جرت تغطيته بحكاية “المهمة الجهادية” التي قتل فيها، أو “استشهد” بحسب إعلام الحزب، تماما كما “استشهد” عناصر خلية الأزمة في مبنى الأمن القومي الذي نعاهم الأمين العام في كلمة متلفزة!! وحين حاول عضو مجلس شورى حزب الله تبرير الأمر خلال تأبين “الفقيد” يوم الأحد، لم يجد غير القول إنه “كان يحاول حماية لبنانيين”، محملا الدولة مسؤولية “إهمال اللبنانيين المقيمين على الأراضي السورية”!! وهو وهو الموال الذي عزف عليه الأمين العام في إطلالته عبر “المنار” مساء الخميس، حيث حرص على القول إن حزبه لم يتدخل إلى الآن لصالح النظام، مبررا مقتل “أبو العباس” بنفس الطريقة التي تحدث بها يزبك.

في تقرير بعث به من بيروت مراسلها نيكولاس بلانفورد، تحدثت صحيفة التايمز البريطانية مؤخرا عن المساعدات التي يقدمها حزب الله للنظام السوري. ونقلت عن ضابط منشق عن القوات الجوية السورية فرَّ إلى لبنان (لم ينضم للجيش الحر) قوله إنه “يوجد نحو 1500 من مقاتلي حزب الله ومثلهم من إيران في سوريا حاليا”.

أما الأهم فهو قوله “إنهم يعملون مع المخابرات ويدربون الشبيحة والجنود على التصويب على الأهداف البشرية-القنص-”.

وكانت تقارير عديدة اعتمدت على تسريبات من داخل أوساط الحزب قد تحدثت عن إشراف إيراني على تشكيل وتدريب فرقة كبيرة من الشبيحة تعوض الوضع البائس للجيش، الأمر الذي سارع النظام إلى نفيه. وعموما لم تعد القصة من باب الأسرار بعد أن تحدث عنها القاصي والداني، لاسيما نشاط الحزب العسكري في القرى السورية القريبة من الحدود اللبنانية (قرى حوض العاصي)، والتي تقطن بعضها غالبية شيعية، حيث يقوم بقصف مواقع الجيش الحر منها، بخاصة في منطقة القصير. وعموما لم ينكر نصر الله ذلك، لكنه برر الموقف بأن تلك القرى يسكنها لبنانيون (وسوريون في الآن نفسه).

سيقول بعض (شبيحة الخارج العرب) إن صحة التقارير إياها لا تعني الكثير، إذ من حق حزب الله أن يساعد حليفه (النظام السوري) ويرد له الجميل، تماما كما أن هناك إرهابيين تكفيريين من شتى أنحاء الأرض يساعدون الثورة، لكن ما ينساه هؤلاء هو أن الفئة التي يتحدثون عنها ليست حزبا يشارك بل يهيمن على حكومة في دولة ذات سيادة، بل هي مجموعات مطاردة من قبل الكثير من الدول والأنظمة، أما المقاتلون العاديون، فقد جاءوا ينصرون ثورة شعبية، وليس نظاما يقتل شعبه الذي خرج يطلب الحرية كما يفعل الحزب.

بانخراطه المباشر، وقبل ذلك دفاعه عن النظام السوري يمكن القول إن حزب الله قد أصبح عدوا في نظر غالبية العرب والمسلمين (باستثناء الغالبية الساحقة من الشيعة)، تماما كما هو حال سيدته إيران، وهي خسارة لن يجبرها بقاء النظام، فكيف وهو سيسقط لا محالة، طال الزمان أم قصر؟!

التاريخ : 13-10-2012

=================

محنة السوريين في الأردن * ماهر ابو طير

الدستور

13-10-2012

اقبل فصل الشتاء، وواقع مخيم الزعتري سيء للغاية، وعشرات الاف اللاجئين ينامون في خيم لاتحتمل الصيف ولا الشتاء، والعائلات التي تبيت في كرفانات عددها محدود للغاية، والسؤال يقول ماالذي سيواجهه هؤلاء عند بدء سقوط المطر وحلول البرد؟!.

الرسميون يتحدثون في الاردن عن مخيم جديد وبديل عن هذا المخيم،اذ يجري الكلام عن مخيم بديل في منطقة الرويشد، والواضح ان ماوراء القرار ابعاد للاجئين عن المناطق المأهولة بعد تقييمات امنية تنصح بهذا لاعتبارات كثيرة.

اقامة مخيم جديد في الرويشد له كلف مالية مرتفعة جداً، ومؤسسات التمويل قد لاتمول هذا المخيم،امام ضخامة المصاريف التي يطلبها الاردن، بالاضافة الى ان الوقت المتبقي لن يكفي لاقامة مخيم جديد بكل بناه التحتية، وخدماته ومرافقه.

منطقة الزعتري التي فيها المخيم الحالي معروفة بقلة امطارها،لكن هناك وادي الزعتري الذي تتجمع فيه مياه الامطار وقد تهدد المخيم الحالي، وفوق ذلك فإن البرد الشديد سيكون قاتلا في منطقة شبه صحراوية،وسيؤدي الى شيوع الامراض وغير ذلك.

لابد من حل جذري لهذه الازمة بما يحفظ كرامة الناس الذين قبلنا دخولهم الينا،والسلطات الرسمية ترفض فكرة التكفيل، خوفا من تزايد اعداد اللاجئين،وتحوطا من مشاكل معينة اجتماعيا وامنيا.

كل هذا يعني ان هناك مشكلة كبيرة تواجه الاردن في قصة مخيم الزعتري،اذ بعد قليل قد تصيح مؤسسات دولية وتتهم الاردن بأنه يسيء معاملة اللاجئين،ولن تتفهم هذه المؤسسات ابدا الكلف والاحمال التي على ظهر الاردن،الذي بالكاد يسقي شعبه الماء، فما بالنا بموجات اللاجئين الهاربين من الذبح والدم؟؟وهم اخوتنا مهما قيل في التحريض ضدهم،بسبب اي فعل يرتكبه نفر محدود منهم.

هذا يفرض على الجهات الرسمية ايجاد حل سريع لهؤلاء وهذا التباطؤ وجدولة الوقت،والتعامل بأعتبار ان كل شيء سوف يمر،امر مؤسف،لاننا قد نرى غدا تداعيات كثيرة لدخول الشتاء على هؤلاء وهم في منطقة لاترحم صيفا ولاشتاء.

هي دعوة ايضا الى العالم العربي الذي يندد ليل نهار ببشار الاسد ونظامه المجرم،ألا يترك السوريين فرادى في هذه المحنة، وكأن المطلوب هتك دم السوري مرتين،الاولى على يد النظام،والثانية بسبب مصاعب اللجوء، وهذا يقول ان على هذه الدول مساعدة الاردن في ملف اللاجئين، عبر حلول كثيرة،خصوصا،ان الوقت ينفذ،وغدا قد نراهم يغوصون في الطين، ويعانون من الامراض.

لابد من حل سريع جدا،حتى لايتحول اللجوء الى فخ وقعوا فيه لاعتبارات عدة،فما بالنا حين يكونون من امتنا واهلنا، ومحسوبين علينا بخيرهم وشرهم،لان الدم لايصير ماء،في نهاية المطاف،حتى لو اغرقهم الشتاء بمائه المدرار.

التاريخ : 13-10-2012

=================

جنون السلطة وهامشية التنحي في سورية

طلال المَيْهَني *

السبت ١٣ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

تُشَكّل السلطة السورية القائمة حالةً فريدةً في دمويّتها في التاريخ الحديث للأمم والشعوب. فقد رفضتْ، تمشّياً مع عادة الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط، كل المطالب بتسليم السلطة طوْعاً حفاظاً على بنية الدولة السورية. لكن هَوَسَها بكرسي الحكم دفع بها إلى التمسك به بطريقةٍ مَرَضِيّةٍ تعكس اضطراباً صارخاً على مستوى المحاكمة، ومقاربةً مشوهةً يبدو فيها الشعب كقطيعٍ من العبيد، والجمهورية كإقطاعيةٍ يتم توريثها. ومنذ اللحظات الأولى اتّبَعَتْ هذه السلطة أكثر الخيارات تطرفاً وعنفاً، وزجّت بالجيش، الذي يفترض به أن يدافع عن حدود الوطن، في حربٍ مدمرةٍ في مواجهة شعبها المنتفض. وكان من نتيجة ذلك أن تحوّل قطاعٌ من السوريين، بعد أن فقدوا كل ما يمكن أن يفقدوه، وبعد أن خسروا العزيز والمأوى والمستقبل، إلى شرائح مكلومةٍ تقودها الغرائز، ومشاعر الألم، والرغبة في الانتقام. كما أيقظتْ هذه السلطة، وبساديّةٍ قلّ نظيرها، ثقافة العنف وضخّمتها بطريقةٍ ممنهجة لتتقاطع مع عناصر مناطقية أو طائفية أو غيرها.

وهكذا غدا الصراع صراعاً وجودياً مسلحاً، لتتحوّل البلاد في سياقه إلى ساحةٍ مفتوحةٍ على كل التدخلات الخارجية السافرة، وتتم فيها استباحة الإنسان السوري، وذاكرة الإنسان السوري، ومستقبل الإنسان السوري من خلال التدمير الممنهج للبنى التحتية، والمرافق الاقتصادية، والتجمعات السكنية، ولم تسلم حتى الأوابد الأثرية. وها هم «المتطرفون» يتنادون من كل حدبٍ وصوبٍ إلى دخول البلاد، للمشاركة في حربٍ مقدّسةٍ ساهموا هم، والسلطة السورية، في خلقها ورسم أبعادها في ذهنيتهم المحدودة المغرقة بالدماء، والمشبعة بثقافة الموت.

وتكثر وسط هذا المشهد السوري المؤلم دعواتٌ باهتةٌ من هنا أو هناك لتنحي رئيس الجمهورية، وتسليم السلطة إلى حكومةٍ انتقالية. والسؤال المطروح: هل سينهي تنحي بشار الأسد الصراع الدائر في البلاد؟ ربما كان الجواب «نعم» لو تم ذلك بطريقةٍ هادئةٍ منذ بدايات الحراك الشعبي. أما الآن فكل التحليلات تشير إلى أن التنحي لن يؤثر عملياً في المسار المؤلم للأحداث. فقد أوصل هذا الشخص، ومعه سلطته فاقدة الأهلية ونظامه المستبد، البلاد إلى مرحلةٍ تجاوزنا فيها، وبكل أسى، احتمالات الانتقال السلس والآمن للسلطة، والمحافظة على بنية الدولة السورية، وضمان التعايش الأهلي بين السوريين. فحالة البغض والحقد بين مختلف الشرائح الاجتماعية، وحالة الاستقطاب السياسي والعنفي، وحالة الدمار والخراب، تكتسح البلاد طولاً وعرضاً. ويعطي ما سبق لدوامة العنف مقوّماتها الذاتية والمستقلة التي تضمن ديمومتها حتى لو حدثتْ تغييراتٌ جذريةٌ وكاملةٌ في بنية السلطة القائمة.

والسؤال الأهم: هل هذه الدعوات للتنحي منطقيةٌ وقابلةٌ للتحقيق؟ في الحقيقة يبدو أن مُطْلِقي هذه الدعوات إما جاهلون لطبيعة النظام السوري، أو أنهم متجاهلون لهذه الطبيعة. وعليه تصبُّ هذه الدعوات، في أحسن الأحوال، في خانة التسويق والتلميع الإعلامي، ولا تعدو كونها كلاماً لذرّ الرماد في العيون في الوقت المستقطع.

وسواء بقيت السلطة الحالية أم لا، فإن ذلك لن يمنع التحوّل والتفكك التدريجي للنظام (كما يحدث الآن) إلى ميليشياتٍ جانحةٍ تقاتل وجودياً وفي شكلٍ مستقل حفاظاً على بقائها، وعلى مصالحها الفاسدة. وفي الطرف المقابل سنجد تكاثراً لميليشيات المعارضة مع ولاءاتها العابرة للحدود بناءً على التمويل أو التسليح أو الإيديولوجيا. وفي ظل عدم وضوح أعداد وبنية وقيادات هذه الميليشيات من كل الأطراف، وفي ظل حالة التخبّط وغياب الإجماع الإقليمي والدولي، يصبح الحديث عن حلولٍ قريبةٍ ضرباً من الخيال، مما يعني استمرار معاناة الشعب السوري، واستمرار استنزاف الدولة السورية.

وبكل أسى، ومع استمرار الصراع العنفي، باتَتْ سورية تُذْكر إلى جانب أسوأ النماذج التي مرّت على البشرية خلال العقود القليلة الماضية، حيث بدأنا بالحديث عن أَفْغَنَة سورية، وصَوْمَلَة سورية، وبَلْقَنَة سورية. تبقى حقيقةٌ واحدةٌ مؤكدة وسط هذا الألم، هي أن أطراف الصراع المسلح، وفي مقدمها النظام المستبد، وعلى رأسه السلطة القائمة، ستدخل التاريخ من أكثر أبوابه المظلمة، لتكون نقطة علامٍ مغرقةٍ في بشاعتها في ذاكرة المنطقة والعالم، ومثالاً صارخاً، في القرن الواحد والعشرين، على وحشيّة وهمجيّة الإنسان حين يتجرد من أخلاق الإنسان.

=================

لعبة الأمم في دمشق

عبدالعزيز التويجري *

السبت ١٣ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

هل تريد القوى الكبرى أن تستمر الأوضاع في سورية على ما هي عليه، فلا النظام يفلح في قمع الثورة، ولا الثوار ينجحون في إسقاط النظام، لأن مصلحتها المتوهّمة تتطلب ذلك. ثمة مؤشرات كثيرة تؤكد للمراقبين أن اتفاقاً على نحو ما، قد تم بين واشنطن وموسكو، يقضي بعدم الحسم في حل الأزمة التي يعاني منها الشعب السوري، حرصاً منهما على قطع الطريق على القوى التي يزعمان أنها يمكن أن تخلط الأوراق وتنتهز الفرصة، للوثوب إلى السلطة في حال سقوط النظام، على اعتبار أن هذه القوى المزعومة لن تضمن المصالح الأميركية والروسية، وقبل ذلك المصالح الإســرائيلية إذا ما أسقطت النظام واستولت على الحكم.

ويرى بعض المراقبين، ورأيهم هذا له وجاهته وتعززه قرائن كثيرة، أن طهران التي أصبحت صاحبة القرار في النظام السوري الاستبدادي، تؤيد، من وراء الستار أو من أمامه، هذا الاتفاق السري، أو لنقل الاتفاق الضمني، بين واشنطن وموسكو، بالإبقاء على النظام الاستبدادي الإجرامي في سورية إلى أمد قد يطول، بحكم أن المصالح الإيرانية ستبقى محفوظة ما بقي هذا النظام قائماً، وأن تغييره سيكون كارثة بالنسبة الى إيران التي تسعى جاهدة من أجل إبعادها عن مجرد الاحتمال. وهي لن تتردد في التعاون مع أعدائها بمن فيهم (الشيطان الأكبر)، من أجل الحفاظ على مصالحها الحيوية في هذا البلد.

ويذهب مراقبون آخرون، إلى أبعد من ذلك، فيرون أن الاقتراح الذي طرحه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، باستلام فاروق الشرع نائب الرئيس السوري، زمام الحكم في حال تنحي بشار الأسد، ربما يدخل ضمن هذا الإطار الافتراضي؛ لأن حلول فاروق الشرع محل بشار الأسد لا يعني سقوط النظام، وإنما هو استبدال مسؤول يقال إنّ يديه لم تتلطخا بدماء الأبرياء من الشعب السوري، بحاكم مجرم سفـــاح قاتــل، مع بقاء منظومة الحكم البعثي الاستبدادي من دون تغيير. وهذا ما يحقق أحد الأهداف المتوخاة من الاتفاق الضمني بين القوتين الكبيرتين على عدم الحسم في المرحلة الحالية، بما يسقط النظام بجميع أركانه ومتعلقاته.

وفي كل الأحوال، فإن الخاسر الأكبر، سيكون الشعب السوري الذي طالت معاناته في الداخل والخارج، بعدما بلغ عدد القتلى أكثر من أربعين ألف مواطن سوري، وعدد اللاجئين السوريين (وهذا مصطلح جديد يدخل أدبيات السياسة في العالم العربي) نصف مليون مواطن سوري، ووصل عدد النازحين الذين فروا من المعارك الإجرامية التي حاصرتهم في مدنهم وبلداتهم وقراهم، إلى مناطق أخرى داخل الوطن، إلى ثلاثة ملايين مواطن سوري.

إن هذا التردد المريب الذي يطبع السياسة التي تنهجها القوى الكبرى تجاه الأزمة السورية المتفاقمة المطردة في الانفجار، وهذا التخاذل المشبوه منها في حق الشعب السوري المغلوب على أمره والمتآمر عليه من أكثر من جهة، يؤكدان بالوضوح الكامل، أن المجتمع الدولي يعيش أزمة سياسية وقانونية وأخلاقية خانقة تؤرق الضمير الإنساني، مما أصبح العالم معه مهدداً في أمنه وسلامه، هذا إذا كان هنالك أمن وسلام حقيقيان على الأرض.

التفكير في القضية على هذا النحو، وبهذا المنطق الواقعي الصادم، يذهب بنا إلى ما يتردد في محافل كثيرة، من أن الولايات المتحدة الأميركية تنظر بعين الارتياح إلى الموقف الذي تتخذه جمهورية روسيا الاتحادية في مجلس الأمن، تجاه الأزمة باستخدامها حق النقض (الفيتو)، لأنها بذلك تعفي غريمتها من الانجرار إلى اتخاذ موقف حاسم إزاء الأزمة هي لا تريده، لأنه سيلحق ضرراً بمصالحها الداخلية والخارجية.

فهل نحن بإزاء «خداع دولي» تمارسه القوتان الكبيرتان على المسرح العالمي أمام مرأى المجتمع الدولي ومسمعه؟ وهل بات الشعب السوري ورقة للمساومة في سوق السياسة الدولية (كدت أقول سوق النخاسة الدولية) يباع ويشترى في غياب أي التزام بالقوانين الدولية، بهذه الطريقة التي تتناقض مع المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية؟ ولكن متى كانت السياسة الدولية تعرف الأخلاق؟

لقد اتضح أن الكبار لا يريدون إنهاء الأزمة في سورية، على النحو الذي يحقق أهداف الشعب السوري المنتفض في وجه الظلم والجور والعدوان والقمع والاستبداد. إنهم يخشون أوهاماً تسيطر عليهم، إذ يزعمون أن النظام الحالي سيرعى مصالحهم في حين أن أي نظام آخر مجهول لن يحفظ لهم تلك المصالح. إنهم يلعبون «لعبة الأمم» التي يبدو أنها إحدى الحقائق الثابتة في السياسة الدولية التي تهيمن عليها القوى الكبرى المتحكمة في إدارة شؤون العالم.

ولكن الحقائق الدامغة هي تلك التي تنبثق من إصرار الشعب السوري على المضي قدماً في انتفاضته، فارضاً إرادته القوية الحرة، ومفسداً على الكبار لعبتهم القذرة. فهل يعي العرب هذه الحقيقة الصادمة، ويتحركون لإنقاذ سورية وإنقاذ أنفسهم من خطر كبير محدق بهم؟

=================

استراتيجية النظام: سد أبواب التسوية سلمياً

ميشيل كيلو

السفير

13-10-2012

هناك فكرة واسعة الانتشار في اوساط المعارضة السـورية، ترى في قادة النظام مجموعة مجانين يخبطون في هذه الحياة الدنيا خبـط عشواء، فلا خطط توجههم، ولا عقل يحكم حركتهم، ولا غاية تضبط سلوكهم، ولا قدرة لديهم على أن يروا ابعد من رؤوس أنوفهم. هناك، في الوقت نفسه، فكرة معاكسة في صفوف المعارضين تقوم على إبداء الاستغراب من قدرة نظام هذه صفاته على الاستمرار طيلة قرابة نصف قرن، رغم ما واجهه من مصاعب جدية في أحيان كثيرة، وعلى عزو بقائه إلى مصادفات غرائبية او مؤامرات خارجية، أو أحداث خفية يصعب إدراك كنهها، مع أن الجميع متأكد من وجودها تأكده من وجوده الشخصي.

سادت الفكرة، التي لطالما روّجت لغباء أهل النظام وتخلفهم العقلي، عند تقويم سياسات النظام خلال الأزمة الحالية، التي اعتبرت ضرباً من تخبط أعمى يجسد إفلات الأمور من أيدي اهل السلطة والقرار، وعجزهم عن فهم ما يجري، واختيارهم مواقف خاطئة أملاها عليهم قصور عقلي وأخلاقي يضعهم في موقع مجافٍ للوطنية والسلوك القويم، يستوجب أدانتهم كناقصي ولاء للشعب والبلاد، يهدد ما يمارسونه من سياسات حكمهم مثلما يهدد غيره من مقومات الوطن.

هذه الأفكار، التي غـدت أفـكاراً مسبـقة وغير قابلة للنـقاش لكثرة ما تمّ ترديدها، صحيحة في جـانب واحد يتـصل بلا عقلانـية السلطة. لكنها خاطئة في سائر جوانبها الأخرى، لأنها تتجاهل أن اللاعـقلانية لا تعني بالضرورة أن كل ما يصـدر عن أصحابها يكون عشوائياً ويفتقر إلى الترابط الداخـلي، ولا مـفر من أن يكـون بالتالي خاطـئاً. هـذه الفكرة ،التي تطبـع أي سلوك تـقوم السـلطة به وأي موقف تتخذه بطابع اللاعقلانية العامة لبنيتها، ليست صحيحة في حالات كثيرة، عندنا وفي العالم الفسيح، فمن المعلوم أن اللاعقلانيـة هي سـمة الاقتصاد الرأسمـالي العـام، والعقلانية التفـصيلية سـمة ما يمارسه من سياسـات جزئية، بينـما كان الاقتـصاد الاشـتراكي عقلانياً في سياقه العام ولا عقلانياً في سياقـاته الجزئـية. كما أن لاعقـلانية السلطة السورية لا تعني افتقارها الى قدر من التفكير المتماسك والمنسجم، الذي كثيراً ما يميز إجراءاتها وتصرفاتها، التي ليس من الضروري ان تكون عقلانية كي تكون فاعلة وإجرائية، ففي كل سلوك جانب تقني ليس من الحتمي ان يكون صحيحاً حتى يصير مؤثراً وضارباً.

هذه المقدمة الطويلة نسبياً كان لا بد منها قبل الحديث عن سياسات النظام او استراتيجيته في مواجهة الانتفاضة الشعبية الواسعة التي نشبت ضده واستمرت طيلة عام وسبعة أشهر الى الآن.

استعد النظام لمواجهة الانتفاضة قبل انفجارها، ووضع الخطـط التفصـيلية والعـملية للقـضاء علـيها، وجهّز القوى الضرورية لذلك، وفعل هذا كله بطريقة مترابطة ومنسجـمة، وانطـلق في سياسـاته من مراقبته الدقيقة لما جرى في بقية الـثورات الـعربية، وما جمعه من معلومات ووجهات نظر حول احتمالات الثورة السورية وممكناتها، مع التركيز على حقيقة مثلت روح هذه الثورة وجوهرها الحقيقي، تجسدت في وحدة المجتمعين المدني والأهلي حول قيم المجتمع الأول، المدني، التي تبناها المجتمع الثاني، الأهلي، لأول مرة في التاريخ، وتمحورت جميعها حول المواطن بوصفه إنساناً يتعرف بالحرية وما يعبر عنها من نظام ديموقراطي ينهض على مشاركته في الشأن العام.

ماذا كانت خطة النظام في مواجهة هذا الجديد، المفصلي والتحولي في تاريخ الشرق والعرب، والذي خشي ان يتمكن من إنزال الهزيمة به إن هو تركه يستمرّ وتنامى، ولم يسحقه في مراحل حراكه الأولى؟ لقد خطّط أرباب السياسات القمعية لفصل المجتمعين المدني والاهلي بعضهما عن بعض، بالقضاء الجذري على الأول، قائد الثورة ومنظمها، الذي يمثله الشباب والمثقفون والمعلمون والجامعيون والفنانون والمحامون وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسون وصغار ومتوسّطو التجار ورجال الأعمال، واستخدام أعظم قدر من العنف المستمر والقابل للتصعيد ضد المجتمع الثاني، الأهلي، لإرغامه على السير وراء قيادة تقليدية ومذهبية قدّر أنها ستنشأ في مسار الصراع، ودفعه إلى ممارسة عنف مضاد للعنف الرسمي، يفضي توسّعه الى القضاء على الطابع المجتمعي للحراك، وإجبار قطاعات شعبية واسعة على الخروج من الشارع والبقاء في منازلها، وتحويل نضال الشـعب في سبـيل الحـرية إلى اقتتال طائفي الهوية والطابع، والشعب الواحد الموحـّد إلى مزق وجمعات متناقضة الخيارات والانتماءات، يتنافى وجود كل واحدة منها في بعض جوانبه مع وجود غيرها، سبيلها إلى تسوية خلافاتها السلاح والعنف المتبادل، إثباتاً لأطروحة سلطوية حول ما يجري في سوريا باعتباره قتالاً بين سلطة شرعية وجماعات مسلحة: عصاباتية وخارجة على القانون.

طبـق النـظام هذه الخـطة بلا هـوادة. ولم يدع علاقـة أو أمـراً أو ضـغطاً يحرفه عنها، ومـارس خلال تطبيقـها قـدراً من العنـف أراد له أن يكون مستفزاً يدفع المجتمعين المدني والأهلي إلى الخروج عن خياراتهما العقلانية والإنسانية، والانغماس في خيارات عنـيفة وفئـوية لا يستقيم وجود الوطن معها، لأن النظام، الذي رفع شعـار «الأسد أو نحرق البلد»، أو «الأسد او لا أحد»، كان يتصرف من منطلق أن الثـمن الذي يجب على السوريين دفعـه للتخـلص مـنه لا يجوز أن يكـون أقل من إفراغ البلاد من شعبها أو إحـراقها وتركـها قاعاً صفـصفاً، لرفـع كلفة الحرية بالنسبة الى الشعب وخدمة النظام، الذي يشطب سوريا من معادلات القوة في المنطقة بقضائـه على الدولة والمجتمع، ويضع نفسه تحت رحمة أميركا وإسرائيل: المستفيد الأكبر من سياساته التدميرية المتصاعدة، التي تقوم على معادلة مرعبة حدها الاول النظام والثاني سوريا، فإما أن توجد بوجوده او ان لا توجد إطلاقاً في حال سقوطه.

هذه الخطة، كان عليها تنمية روح التطرف واللاعقلانية على الجانب الشعبي، والقضاء على فرص الحلول السلمية والداخلية على الجانب السياسي، وفتح طرق متنوعة لعقد تسويات مع الخارج، بما أن النظام نشأ العام 1970 في حاضـنة خارجيـة، وكان جزءاً من سلـسلة انقلابات عاشتها المنطقة، عززت وجود وسيطرة الأميركيين فيها وقلبت التوازن بينهم وبين السوفيات داخلها: من السودان جنوبا إلى سوريا والعراق شمالا وشرقا، مرورا بمصر ولبنان. إلى ما سبق، كان من الضروري سد أبواب التسويات السلمـية وفـتح بوابات العنـف، وتقويض مبدأ الحوار والتـفاوض كوسيلـة محتـملة لحـل الازمة، وتوحيد السلطة إلى أقصى حدّ ومنع أي شرخ يقع فيها بأي ثمن كان، وتفتيت المعارضة وإثارة قدر اعظمي من التنـاقض بين أطرافها ومكوناتها، وتقويض الجوانب الديموقراطية في عملها، والقوى المدنية والسلمية والوطنية المناضلة في سبيلها، ودفع الوضع إلى استقطاب يدفع المتصارعين إلى تطرف متصاعد: السلطة وقد أسفرت عن وجهها كجهة فئوية ومعادية للمجتمع، والمذهبيون من إسلاميين وعلمانيين كقادة لهم مصلحة في حرف الحراك عن المـسار الحر والديمـوقراطي، وفي تحويله إلى حراك طائفي/ مذهبي منفلت من عقاله يستخدم لتخويف الأقليات وإرعابها وإجبارها على دعم السلطة وسياساتها، إلى أن تبلغ البلاد حالاً من الصراع تنمي روح التطرف واللاعقلانية على الجانب الشعبي، ليحل الأكثر محل الأقل تطرفاً، ويتحقق هدف النظام النهائي والحقيقي: إجبار العالم على الاختيار بينه وبين تنظيمات إسلامية شديدة التطرف من سلفية جهادية وقاعدة، فلا يبقى لديه من افضلية غير تأييد بقائه خوفاً من تكرار تجربة العراق، حيث أوصل تنظيم القاعدة جيش الولايات المتحدة إلى حافة الانهيار بين العامي 2003 و2006، ومن أن يؤدي وصول الإسلاميين الى السلطة في دمشق الى إخافة إسرائيل من الأصولية ودفـعها إلى مواصـلة التمـسك بالنظام، الذي ضمن أمنها الإقليمي ولم يقم بأي عمل يزعجها في الجولان منذ نيف وأربعين عاماً، رغم أنها ضمّته إلى أراضيها وفرضت سيادتها عليه.

ميدانياً: تتضافر جهود طرفي التطرف الرسمي والمذهبي المعارض ضد القوى المدنية والديموقراطية، ويحجم النظام عن قصف المناطق التي تخضع لتنظيمات التطرف الإسلامي المتشدّد، بينما تتكفل تدخلات دولية وإقليمية في تحييد القسم الأكبر من ضباط الجيش الرسمي، الذين انشقوا عنه ويعيشون في تركيا والأردن، في حين يهيمن على القرار العسكري ضمن مناطق واسعة قادة من أمثال ابو دجانة أو ابو دجاجة، ويخضع العسكري المحترف للمتطرف الذي يعتقد أن استعداده للاستشهاد بحزام ناسف هو أعلى أشكال العلم العسكري، وانه كفيل وحده بتحقيق الانتصار.

هـذه سياسـة النـظام مـنذ بداية الأزمـة إلى اليوم. وإذا كانت قد عجـزت عن كـبح جماح الشعب وكسر شوكته، فإن رهاناتها ما زالت حـمالة مخـاطر جديـة على سوريا ومستقبــلها وثورتها، التـي لا بـد أن تستعيد عقلانيتها الأولى، ومطـلب الحـرية الجامع لشعبها، وأن تأخـذ بالحسـبان مخـاطر التـطرف الإسلامـي والطائفـي على الشـعب، وترى فيه رأس مـال النظـام الذي يمـكن أن يكـون الـسبب في إرغام العالم على قبول احتـفاظه بالسلـطة، في بلد تمّ تدمــيره ويحتاج إلى عقود طويـلة كي تقوم له قائمة، إن قامت له قائمة في أي يوم منظور.

سيحقق هذا الحل أمن الخليج، الذي لن يكون حزيناً لفشل الثورة السورية، وسيكون سعيداً بالنظام الضعيف والمتهالك الذي سيركع على ركبـتيه طويلاً قبل أن يمنحه النفـط العـربي أي قرش، وسيـحقق أمن إسرائيل، التي أبدت قدراً عظيماً من الوفاء حيال النظام خلال الازمة، كما سـيرضي أمـيركا، التـي ستبقي في السلطة نظاماً لا عدو له غير شعبه، الخطير على أصدقائها ونظمهم في الخليج، وسيضع النظام الأسدي إلى جانب الغرب في الصراع ضد إيران، وسيمثل ضربة عنيفة جداً للروس، الذين سيرثون كارثة إنسانية ستستهلك الكثير من إمكاناتهم، خاصة أن ألقي عبء إعـادة بنـاء بلاد صـارت أقـرب إلى مقبرة مقفرة منها إلى وطن، وأخيراً، سيمكن كل بلد إقليمي من فرض ما يريده على نظام الأسد المتهالك، الذي لن يقوى بعد ذلك على رفع يده عن ساقه من دون إذن خارجي ومداخلات إقليمية ودولية لا خيار له غير الرضوخ لها.

لا شك لدي في انتصار الشعب السوري. لكن المثل يقول: من لا يحسب لا يسلم. ولعل أول مبادئ الحساب الصحيح يكمن في الإقلاع عن اعتبار قادة النظام مجموعة من الحمقى، وفهم خياراتهم وبدائلهم وتطوير ردود ناجعة وعقلانية ووطنية ضدها. وفي النهاية، معرفة أنها تحمل الكثير من الخطر على الوطن والشعب، إن كنا نريد أن نكون مسؤولين أمام وطننا وشعبنا!

 

=================

طائرة من دون طيار تغطية لقتل السوريين!

علي حماده

2012-10-13

النهار

عندما خرج الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله معلنا ان الطائرة بدون طيار التي حلقت في اجواء اسرائيل اطلقها الحزب، وهي من صنع ايراني، وقد حلقت وصولا الى مسافة ليست ببعيدة عن مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب، فهم المراقبون ان الامر لا يتصل بحملة علاقات عامة يقوم بها الحزب بضعة ايام بعدما اضطر الى الكشف عن تورطه في سفك دماء السوريين من خلال تشييع احد قادة الحزب العسكريين الذي قتل في معارك في محيط مدينة قصير السورية. ثم اتى انفجار احد مخازن الذخيرة والاسلحة في بلدة النبي شيت البقاعية حيث سرت رواية سربتها جهات امنية لبنانية مفادها ان الانفجار ناجم عن عملية تخريبية يحتمل ان تكون من صنع الاسرائيليين!

تتمة الرواية ان "حزب الله" رد بتطيير الطائرة من دون طيار في اجواء اسرائيل والاعلان عن ذلك بلسان نصرالله شخصيا لاصابة هدفين في وقت واحد : الاول الرد على العملية الاسرائيلية بخرق خط "تفاهم" ضمني قضى بعدم الاستفزاز المتبادل وعدم خرق قواعد الاشتباك التي رست في اعقاب حرب تموز ٢٠٠٦. الثاني وربما الاهم، حرف الانظار اللبنانية والعربية عن تورط الحزب في القتال على الساحة السورية، والتذكير بأن الحزب هو مقاومة ضد اسرائيل، وخصوصا ان الكلفة المعنوية كبيرة جدا ان في الداخل السوري، او في الشارع العربي الذي خدع بحرب تموز الى حد علقت صور السيد حسن نصرالله في البيوت والاماكن العامة، ثم هبطت شعبيته لتصل جراء انكشاف تورط "حزب الله" وانغماسه في سفك دماء السوريين نصرة للنظام الى الحضيض. وليس من قبيل المبالغة الزعم أن ملايين العرب من المحيط الى الخليج يضعون اليوم "حزب الله" وايران ونظام بشار الاسد بالمرتبة نفسها لاسرائيل. هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها. ومن يشك في ذلك فلينزل الى الشارع في القاهرة او طرابلس الغرب او تونس او الجزائر او الرباط او الرياض او عمان او صنعاء وصولا الى الشارع السوري بسواده الاعظم.

في مطلق الاحوال، لا نعرف درجة تطور الطائرة من دون طيار. ولكننا نعرف انها ايرانية تتحكم فيها طهران قرارا وهدفا. ومن هنا قد يكون رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي احس أن الطائرة، وكلام نصرالله، هما في مكان ما صفعة له، وازدراء بمواقفه، وبطاولة الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية، فاصدر موقفا تضمن ردا سريعا ومباشرا حول الموضوع.

ايا يكن. الامر، فإن المراقب لا يسعه سوى ان يلحظ من دون كبير عناء كيف ان "حزب الله" صار اشبه بالقلعة المحاصرة، ان بسبب مخاض ولادة سوريا جديدة معادية له ولراعيه الايراني، او بسبب سقوط قناع ما يسمى "المقاومة" عن وجهه وطبيعته ودوره ووظيفته في اذهان ملايين العرب والمسلمين من الفيليبين شرقا الى ضفاف الاطلسي غربا.

=================

ما سرّ الصمت الدولي عن حادث الطائرة؟

تضخّم إقليمي لا يرقى إلى حرب

روزانا بومنصف

2012-10-13

النهار

لفت مراقبين سياسيين انه بعد اسبوع كامل على حادثة اختراق طائرة استطلاع الاجواء الاسرائيلية وتدميرها من اسرائيل باعتبار انها حصلت يوم السبت الماضي في السادس من شهر تشرين الاول الجاري، لم يصدر اي تعليق من اي نوع كان من اي دولة غربية ولا من الولايات المتحدة الغارقة في شأنها الانتخابي لكن المهتمة بشؤون المنطقة والتوتر التركي السوري، ولا من اوروبا الدائمة القلقة على امن جنودها المشاركين في القوة الدولية العاملة في الجنوب على الحدود بين لبنان واسرائيل والمتخوفة من اي تصعيد محتمل قد يذر بقرنه في اي لحظة. ففي حال مماثلة كانت تنهال التعليقات الغربية الرافضة اولا انتهاك القرار 1701 ما دام ارسال طائرة من لبنان الى اسرائيل يخرق بنود هذا القرار والرافضة ثانيا اي احتمال قد يشتمّ منه اثارة عوامل قد تفتح الباب على تصعيد امني او عسكري بين البلدين، خصوصا ان الاوضاع في المنطقة تبقي المجتمع الدولي يقظا ومتحفزا بازاء اي تحريك للوضع قد يؤدي الى اهتزاز الاستقرار في المنطقة. ولا يعتقد هؤلاء ان الانشغال الدولي بالمستجدات على الحدود بين تركيا وسوريا شكل عائقا امام ابراز الرأي في الشأن الحدودي اللبناني الاسرائيلي بل كان ليشكل حافزا اضافيا نظرا الى عدم وجود اي رغبة دولية بالمزيد من التشتت والتدهور في المنطقة. وهو الامر الذي دفع بهؤلاء المراقبين الى التساؤل عما اذا كان الحادث ككل خضع للتضخيم والتوظيف من الجانبين المعنيين اي من جانب كل من اسرائيل و" حزب الله" نظرا الى وجود مصلحة مباشرة لكل منهما في التضخيم لاسباب داخلية وخارجية على حد سواء كما في التوظيف للاعتبارات نفسها. فاسرائيل تجد مصلحتها في تكبير حجم المخاطر التي تتهددها عبر حدودها مع لبنان والحزب يكسب شعبيا لدى جمهوره وربما يحاول استعادة شعبية عربية ما في استهداف اسرائيل ايا كان نوع هذا الاستهداف. كما ان هناك مصلحة لايران ايضا واساسا في استغلال الحادثة خصوصا ان ايران كانت اول من قفز على المناسبة من خلال اعلان احد المسؤولين الايرانيين ان خرق طائرة استطلاع من دون طيار الاجواء الاسرائيلية هو ابرز دليل على فشل المنظومة الدفاعية الاسرائيلية المعروفة بالقبة الحديدية ولها اعتباراتها ايضا في تأكيد استمرار وجود يد طويلة لها تصل الى اسرائيل على رغم الضغوط التي تواجهها من جهة والحرب السورية التي تهدد نفوذها في المنطقة من جهة اخرى. في حين تضع الدول الغربية ثقتها في القوة الدولية العاملة في الجنوب التي كانت اعلنت نفي "علمها او رصدها عبور اي طائرة استطلاع من الاجواء اللبنانية باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة". اذ قال الناطق الرسمي باسم هذه القوة بعد ثلاثة ايام على حادث اسقاط طائرة الاستطلاع ان "اليونيفيل التي تراقب الاجواء في اطار عملها ومهماتها ووجودها برا وبحرا لا يوجد لديها اي معلومات عن هذا الامر". وتاليا فان المسألة تحتاج الى رصد ابعد من المواقف المعلنة من جانب اسرائيل او من جانب الحزب في هذا الاطار باعتبار ان التقارير التي ترفعها اليونيفيل هي ما يعتمد في نهاية الامر امام الامم المتحدة والدول الاعضاء. وهو الامر الذي يثير تساؤلات من نوع ما مقدار الصحة في التقارير التي تحدثت عن اسقاط اسرائيل طائرة استطلاع "متطورة" في الدرجة الاولى وهل ثمة معلومات لا تزال غامضة وغير واضحة في شأنها ومن يملك الاجوبة الدقيقة على ذلك أهي القوة الدولية العاملة في الجنوب ام غيرها من الافرقاء؟ ما هو الهدف من توقيت ارسال طائرة استطلاع فوق الاجواء الاسرائيلية وما الذي كانت تنوي استدراجه في هذا الاطار اي: هل هو تكبير حجم المخاطر الاقليمية الناتجة عن الحرب في سوريا او اظهار عدم التأثر با نعكاساتها في معرض التأكيد ان لا شيء قد تغير في حيثيات ما يسمى محور الممانعة او ايضا استكمال حلقة الاهتزازات في الدول المجاورة لسوريا على قاعدة ما كان اعلنه الرئيس السوري بعد اشهر قليلة على بدئه الحرب على معارضيه من ان اهتزاز سوريا سيهز المنطقة كلها.

كما توقف المراقبون المعنيون امام اعلان قائد القوات الدولية باولو سييرا على اثر الانباء عن اسقاط طائرة الاستطلاع فوق اسرائيل ان السنوات الست الاخيرة كانت الاكثر هدوءا في جنوب لبنان على نحو يدحض الحادث بطريقة غير مباشرة كما يدحض وجود نية من اي من الافرقاء في اسقاط هذا الهدوء. وهو امر تبدو كل الاوساط السياسية في لبنان مؤمنة به اكثر من اي وقت نظرا الى وجود اقتناع متزايد بان لا مصلحة لدى "حزب الله" في شكل اساسي، حتى مع تبني امينه العام السيد حسن نصرالله ارسال طائرة الاستطلاع الى الاجواء الاسرائيلية التورط في حرب مع اسرائيل راهنا نظرا الى المخاطر التي تنطوي عليها لجهة احتمال ان تكون اي حرب مقبلة بين اسرائيل والحزب أخر الحروب بالنسبة الى الحزب في ظل المؤشرات الراهنة التي تتجه اليها المنطقة في حين ان لديه الكثير لكي يخسره على مستويات متعددة في حال نشوب حرب جديدة في الجنوب علما ان اي حرب مقبلة لن تقتصر على الحزب وحده وتطاول لبنان ككل على نحو مدمر.

=================

العراق عاد إلى روسيا

سميح صعب

2012-10-13

النهار

كانت صفقة الاسلحة التشيكية التي عقدها عبد الناصر اواسط الخمسينات بداية انتقال مصر من المعسكر الغربي الى المعسكر السوفياتي. فهل تكون صفقة الاسلحة الروسية التي عقدها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع موسكو بداية لانتقال العراق من المعسكر الاميركي الى المعسكر الروسي الذي بدأ يتبلور مع حضور الاستقطاب الاقليمي والدولي حول الأزمة السورية؟

كل المؤشرات تدل على ان المالكي يسعى الى اعادة بعث الحياة في العلاقات التاريخية التي كانت تربط موسكو وبغداد في فترة الستينات والسبعينات وصولاً الى الثمانينات وانهيار الاتحاد السوفياتي ودخول الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في مغامرة اجتياح الكويت. وثمة ظروف اقليمية ودولية تساعد على احياء العلاقات العراقية - الروسية، من الازمة السورية والمضاعفات المترتبة على دول الجوار من جرائها. ومن الواضح ان الموقفين الروسي والعراقي منسجمان الى ابعد الحدود في ما يتعلق بتوصيف الازمة ومن ثم بالحلول المقترحة للمعالجة.

ولعل التروي العراقي حيال الازمة السورية وعدم الانسجام في المواقف مع بقية الدول العربية وتركيا، عمّق الهوة التي تفصل اصلاً بين بغداد من جهة والولايات المتحدة ومصر ودول مجلس التعاون وتركيا من جهة أخرى. فالعراق يشعر بوطأة الازمة عليه ويحاول تدارك قيام دولة سنية متشددة في جواره قد تعيد احياء الصراع المذهبي في الداخل العراقي. ولا تبتعد موسكو كثيراً عن هاجس تشكيل سوريا منطلقاً لموجة من التطرف الديني ستتردد اصداؤها في القوقاز وداخل روسيا. وهذا ما يتجاوز كثيراً قضية الحفاظ على قاعدة عسكرية شبه مهجورة في طرطوس.

فالهم الاصولي يؤرق موسكو بالقدر الذي يؤرق بغداد. ولا يبدو ان الهجوم الذي شنه المالكي على تركيا ووصفه تصرفاتها بـ"الوقحة" من قلب موسكو، الا دليلاً على الاستياء العارم الذي يشعر به رئيس الوزراء العراقي من السياسة التركية حيال بلاده اولاً وحيال الازمة السورية. وقبل موسكو استرعى الانتباه ان الحكومة العراقية طلبت من تركيا انهاء وجودها العسكري في شمال العراق الذي تستغله انقرة من اجل شن هجمات على مقاتلي "حزب العمال الكردستاني". ولم يتأخر الجواب الاميركي - التركي على زيارة المالكي ومؤشرات الانسجام الروسي - العراقي، فكان اعتراض طائرة الركاب المدنية السورية الآتية من موسكو، بمثابة رسالة احتجاج مزدوجة الى بغداد وموسكو.

وبالتزامن مع الموقف التركي، كان وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا يؤكد من مقر حلف شمال الاطلسي في بروكسيل انباء صحافية عن وجود جنود اميركيين في الاردن بالقرب من الحدود السورية تحت غطاء مساعدة اللاجئين السورين الهاربين من القتال ولمراقبة الاسلحة الكيميائية السورية. وكأن بانيتا أراد بهذا الاعلان افهام المالكي ان الولايات المتحدة تملك بدائل من العراق في احتضان وجودها العسكري.

=================

خيرالله خيرالله / ميزة الأداة التي اسمها ميشال عون...

الرأي العام

13-10-2012

يصعب التأريخ للاحداث التي مر بها لبنان منذ توقيع اتفاق الطائف في خريف العام 1989 من دون التوقف عند الذي حصل يوم الثالث عشر من اكتوبر 1990.

يومذاك سمحت الولايات المتحدة للنظام السوري بالانتهاء من تمرّد العماد ميشال عون الذي جاء به الرئيس امين الجميّل الى قصر بعبدا ليكون رئيسا موقتا لحكومة هدفها الاعداد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. كان ذلك خطأ من الاخطاء التي ارتكبها امين الجميّل الذي اعتقد ان عون سيعمل على انتخاب رئيس للجمهورية بعدما تعذّر ذلك قبل انتهاء الولاية الدستورية للرئيس اللبناني. احترم امين الجميّل الدستور وخرج من قصر بعبدا يوم انتهاء ولايته وترك لعون، الذي كان قائدا للجيش، العمل كرئيس موقت لحكومة مهمّتها انتخاب رئيس جديد.

ما دفع الولايات المتحدة الى السماح للنظام السوري باستخدام سلاح الجوّ في لبنان انضمام الاسد الاب الى التحالف الدولي الذي سيتولى لاحقا اخراج صدّام حسين من الكويت التي احتلّها جيشه في الثاني من اغسطس 1990.

من الناحية النظرية، لم يكن ميشال عون في تلك المرحلة سوى اداة من ادوات صدّام حسين، الذي وفّر له كلّ الدعم في سياق سياسة عراقية تتميّز اول ما تتميز بالغباء وقصر النظر وجهل بالتوازنات الاقليمية والدولية.

كان عون في واقع الامر اداة سورية تؤدي الدور المطلوب منها في كلّ وقت من الاوقات ومتى تطلّبت المصلحة السورية ذلك. هل من خدمة للنظام السوري، في العامين 1989 و1990، اكبر من خدمة ادخال الجيش اللبناني، الذي كان على رأسه ميشال عون، في مواجهة مع «القوات اللبنانية» التي لم تكن، وقتذاك، سوى ميليشيا من الميليشيات اللبنانية، وذلك بهدف اخضاع المناطق المسيحية كلّها للنظام السوري لا اكثر ولا أقلّ؟

دخل ميشال عون قصر بعبدا بطريقة شرعية وخرج منه بشكل مذلّ اذ فرّ الى منزل السفير الفرنسي بعدما عمل كلّ ما يستطيع من اجل خدمة النظام السوري الذي استطاع يوم 13 اكتوبر 1990 الدخول للمرّة الاولى منذ استقلال لبنان الى مقر رئاسة الجمهورية في بعبدا والى وزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة.

ادّى ميشال عون المطلوب منه في مرحلة معيّنة ثم لجأ الى فرنسا بعدما امضى فترة في حماية السفير الفرنسي في لبنان وكان اسمه رينيه آلا. تلك باختصار قصة ميشال عون الذي حال دون دخول الرئيس رينيه معوّض، المنتخب شرعيا رئيسا للبنان بعد اقرار اتفاق الطائف، الى قصر بعبدا. احتلّ «الجنرال» قصر بعبدا حتى اكتوبر 1990. حال دون وصول رينيه معوّض اليه كي يسهل اغتياله على يد النظام السوري الذي رفض في العمق اتفاق الطائف وسعى الى تطبيقه بالطريقة التي يريدها. كان رينيه معوّض عقبة في وجه تطبيق اتفاق الطائف على الطريقة السورية. ولذلك كان لابدّ من التخلّص منه يوم الثاني والعشرين من نوفمبر 1989. لم يكن مطلوبا التخلّص من رينيه معوض فحسب، كان مطلوبا ايضا ان تكون المناطق ذات الاكثرية المسيحية في لبنان تحت سيطرة الجيش السوري. هذا ما استطاع ميشال عون تأمينه في الثالث عشر من اكتوبر 1990 عندما مكّن الجيش السوري من دخول قصر بعبدا ووزارة الدفاع.

الى الآن، لم يتغيّر شيء في لبنان. لا يزال ميشال عون اداة سورية. ربّما كانت ميزته الوحيدة مقارنة مع الادوات الاخرى انه قابل لإعادة التأهيل من جهة وللتنقل بسهولة لا توصف بين الحضنين السوري والايراني من جهة اخرى. انه يصلح لكلّ المناسبات والفصول ما دام الهدف تهجير اكبر عدد من اللبنانيين من لبنان.

تشير الارقام الى ان اكبر هجرة للبنانيين في العصر الحديث، وللمسيحيين خصوصا، حصلت في مرحلة وجود ميشال عون في قصر بعبدا بين العامين 1988 و1990. تلت ذلك هجرة اخرى في 2006 و2007 عندما افتعل «حزب الله» حربا مع اسرائيل ثمّ انطلق من هناك للاعتصام في الوسط التجاري لبيروت استكمالا للحرب الاسرائيلية على لبنان. كان ميشال عون، ولا يزال الى اليوم، الحليف الاوّل لـ«حزب الله» الايراني في عملية تدمير لبنان وافقار اللبنانيين وتهجيرهم ونشر البؤس وتدمير مؤسسات الدولة. لا استعمال يذكر له الاّ في هذا الحقل الذي برع فيه على نحو استثنائي.

كلّما مر يوم يتبين مدى الاذى الذي الحقه ميشال عون بلبنان واللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم. يكفي انّه سمح للجيش السوري في مرحلة ما بعد 1990 بوضع يده على كلّ الاراضي اللبنانية كي لا يعود هناك ملجأ لمعارض، او حتى لمعترض مسيحي او مسلم على الوصاية السورية.

في السنة 2012، يتابع هذا الشخص مسيرته الهادفة الى تفتيت الوطن الصغير. لا شكّ انه مؤذ لبلده ومواطنيه. لكنّ ما يدفع الى بعض التفاؤل ان كلّ رهاناته كانت خاطئة. راهن على صدّام حسين وهو يراهن الآن على بشّار الاسد وعلى «حزب الله». رهانات ميشال عون تشير الى ان الرجل مريض، لكنّ المشكلة في ان لبنانيين مسيحيين ما زالوا يؤمنون به. هل هذا ذنبهم ام ذنبه... ام ذنب انعدام الثقافة السياسية لدى كثيرين اعمتهم الطائفية والمذهبية والغرائز البدائية لا اكثر ولا اقلّ؟

=================

التصاعد التدريجي للمأزق السياسي الروسي

2012-10-13 12:00 AM

الوطن السعودية

أن تتعرض بحسب ادعاءات الخارجية الروسية حياة 17 روسيا للخطر من ركاب الطائرة السورية التي أنزلتها تركيا وفتشتها قبل أيام، ثم تستنفر القيادة الروسية كل طاقاتها وتشن حملة إعلامية ضد تركيا، فإن التساؤل ينطلق عن غياب "إنسانية" روسيا عند استخدامها"الفيتو" في مجلس الأمن لحماية النظام السوري مما ساعده على قتل عشرات الألوف من المدنيين، وكأن حياتهم لا تساوي شيئا مقابل "لحظة خوف" اعترت ركاب الطائرة الروس.

ومن الغرابة أيضا أن يتحدث بيان الخارجية الروسية عن عدم تزويد الركاب الروس بالطعام، وكأن روسيا "الحنونة" لم تتسبب بحمايتها للنظام السوري واستخدامه لأسلحتها المدمرة في تشريد وتجويع ملايين السوريين.

إلى ذلك، كثيرة هي الأسئلة التي تستدعيها حادثة تفتيش الطائرة والموقف الروسي من الحدث، لعل في مقدمتها السؤال عن مهمة الروس المسافرين إلى دمشق، فهل رحلتهم كانت سياحية إلى بلد مضطرب لا يأمن أهله فيه على أنفسهم، أم لتقديم خبرات عسكرية للقيادة السورية للاستمرار في قمع الثورة، أم مهمتهم استخباراتية، أو تجارية، وإن كانت كذلك، فما الذي سوف يتاجرون به في بلد أضاعت قيادته اقتصادياته، وصار وقف القتل أول ما يحتاجه مواطنوه؟

أياً كان تبرير روسيا لأسباب سفر مواطنيها إلى سورية، فالمسألة مشبوهة في هذه الظروف. ويزيد من هذا الاحتمال الاتفاق الروسي السوري على التصريح بأنه لا توجد أسلحة أو أجهزة عسكرية على متن الطائرة، فيما أكد رئيس الوزراء التركي أن الطائرة تحمل ذخائر روسية الصنع تخص وزارة الدفاع السورية. فهل النفي تصرف استباقي لمنع تركيا من التكرار، أم أن هناك شيئا خطيرا، وروسيا تضغط على تركيا كي تتكتم، ولا تكشف الأوراق؟

كل المؤشرات تقول إن روسيا في مأزق سياسي يتصاعد تدريجيا بسبب حمايتها للنظام السوري، فإذا كانت روسيا تريد الخروج من الورطة فما عليها سوى الضغط أولا لمنع القتل في سورية ثم مساعدة المجتمع الدولي لدعم إنشاء حكومة انتقالية تعيد الاستقرار إلى البلاد، ليبدأ مشوار إعادة بناء ما دمره النظام، وهو كثير جدا بسبب إصراره على البقاء في الحكم بمساندة روسيا في مجلس الأمن وخارجه.

=================

تدمير الأوابد التاريخية

حسين العودات

التاريخ: 13 أكتوبر 2012

البيان

أحرق قصف الجيش السوري العسكري سوق حلب القديمة المسقوفة، التي يبلغ طولها مع الأسواق المتفرعة عنها حوالي 13 كم، وهي أطول الأسواق المسقوفة في العالم. وتضم السوق أقساماً لجميع أنواع البضائع القديمة والحديثة، من الحرير إلى الخيش، ومن العباءات إلى الألبسة الحديثة، ومن الأكسسوارات إلى مشغولات الذهب والفضة.

وتشكل هذه السوق في الواقع متحفاً كبيراً يضم جميع أنواع البضائع ويدهش من يدخله، ولذلك كان الشاعر المتنبي مغرما بهذه السوق، ويمضي جزءاً من يومه في التجول فيها والتفرج على بضائعها ومراقبة آليات عملها وتقاليدها وتعامل المتسوقين مع أصحاب المحلات.

ويقول المؤرخون إن عمر السوق هو آلاف السنين، وإنه بدئ ببنائها منذ أكثر من ألفي عام، وما زال البناء يستكمل حتى صار تحفة للناظرين وازدهر، خاصة في أيام حكم المماليك، أي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وقبل ذلك أيام حكم سيف الدولة الحمداني في القرن العاشر الميلادي. وهذه هي المرة الأولى التي يحرق فيها السوق ويدمر، رغم الغزوات الهمجية العديدة التي استهدفت حلب خلال التاريخ

ومنها خاصة غزوة المغول في القرن الثالث عشر، وغزوة تيمورلنك في القرن الرابع عشر، ومع أن تيمور قطع رؤوس الحلبيين وبنى بها أهراماً، إلا أنه لم يتعرض لسوق حلب بسوء، باستثناء بعض المنهوبات هنا وهناك التي قام بعض جنوده بنهبها خلال الأيام الأولى من الغزو.

وقبل ذلك كانت حلب قد واجهت حروباً وغزوات عديدة، منها بين اليونان وبيزنطة والفرس، وحروب الفرنجة (الصليبيين) وغيرها، ولم يجرؤ أحد من الغزاة على أن يتعرض للسوق بسوء، تجنباً لغضب الثقافة الشعبية التي كانت تحترمها وتكاد تقدسها وتنسج حولها الأساطير.

قصفت قوات الجيش السوري أيضاً قبل أيام، دير الراهب بحيرا في بصرى الشام، وهو دير بني أيام البيزنطيين، وكان يقيم فيه الراهب بحيرا النسطوري، وكانت قريش في تجارتها إلى دمشق تعتبر منطقة الدير (كغيره من الأديرة)، مكاناً للراحة والتزود بالطعام، ثم تستأنف مسيرة قافلتها إلى دمشق.

وقد استقبل فيه الراهب بحيرا النبي محمد (ص)، وتوسم فيه خيراً، ودهش من ثقافته وبعد أفقه ورؤاه الشاملة للكون والحياة، وتقول الأدبيات الإسلامية إن الراهب بحيرا أوصى عم الرسول، الذي كان مع القافلة، به خيراً وتنبأ بمستقبل استثنائي له، وأشار إلى أنه سيغير مسار تاريخ العالم.

وبقي الدير قائماً بحجارته البازلتية السوداء الأصلية مزاراً للسواح حتى الآن، يحترمه الجميع من السوريين وغير السوريين، ورغم الغزوات العديدة التي تعرضت لها بصرى الشام خلال التاريخ، لم يحاول أحد من الغزاة المس بالدير أو هدمه أو تخريب جزء منه، لا البيزنطيون ولا الفرس ولا الصليبيون ولا المغول ولا أي غاز آخر.

من المعروف أن التراث والثقافة والآثار ومنتجات الأجيال المتعاقبة، المادية والروحية والثقافية، هي التي تشكل هوية الأمة وتحدد مواصفات شخصيتها، وتغني هذه الشخصية باستمرار كما تغني تراث البشرية، وتؤثر في الثقافة الإنسانية.

ولذلك اختارت اليونيسكو وتختار كل عام، مناطق ومدناُ وآثاراً وأسواقاً وأبنية وشوارع، وأحياناً مخطوطات وكتباً وألبسة وغيرها، تسميها تراثاً إنسانياً، وتتولى صيانتها وحمايتها والحفاظ عليها، لأنها هي الأعمدة الحقيقية للبنيان الثقافي الإنساني ولمضمون الثقافة الإنسانية، وفي ضوء ذلك أيضاً تحافظ البلدان على آثارها وتراثها، وتحميهما وتصونهما وتعتبرهما من أغلى ممتلكات الأمة الثقافية والمادية.

نلاحظ في الأشهر الأخيرة أن من يتولى القصف المدفعي والجوي في سوريا، لا يهتم بالآثار ولا بالتراث، فقد قصف أكثر من قلعة أثرية، ولم يكن يرف له جفن عند قصف هذه المنشآت الأثرية بالصواريخ والمدافع، بل وبالطائرات. ومن المؤكد أنه لا أهمية حربية معاصرة لهذه القلاع، وبالتالي فإن قصفها وتدميرها لا يفيد عسكرياً، ولا يساهم في انتصار.

طرحت الصحف ووسائل الإعلام العربية والأجنبية، كما طرح السياسيون والمراقبون سؤالاً هاماً، هو: ألا يبرر حفظ حياة الناس وضمان مستقبلهم وخنق الفتنة وتحقيق استقرار البلاد تدمير الآثار والتراث وما يشبه ذلك؟

لا جدال في أن الإنسان هو الأثمن والأغلى، وأن حياته لا تقدر بثمن، سواء كان الثمن مالياً أم أثرياً أم بناءً أم أي شيء آخر، ولكن السؤال الملح هو؛ هل هناك حاجة عسكرية لتدمير هذه الآثار؟ لأنها لا تصلح ملجأ لا للمتمردين ولا للجيوش ولا للمسلحين ولا لأي شيء، وبالتالي فإن القول بأن تدميرها ينقذ حياة الإنسان هو قول لا مصداقية له.

تجدر الإشارة إلى أن البلدان العربية هي الأغنى بالآثار والتراث، ومع ذلك فهي الأقل احتراماً للأوابد الأثرية والتراثية والتاريخية، بينما لاحظنا خلال الثورة الليبية أن الطيارين الأميركيين رفضوا قصف أحد المسارح الرومانية التي قيل لهم إن سلاح جيش القذافي يخزن فيها الأسلحة، لا لموقف إنساني منهم (فهم لا يحللون ولا يحرمون)، وإنما لأن التراكم الثقافي الدفين لديهم كان له أثر في منعهم من قصف هذه الآثار.

وقبل ذلك وخلال الحرب العالمية الثانية، رأى بعض المؤرخين أن الجنرال الفرنسي بيتان استسلم للألمان، لا جبناً منه وإنما كي لا تدمر باريس وتراثها الثقافي وأوابدها الأثرية، وأن هذا السبب هو نفسه الذي جعل الجنرال ديغول زعيم تحرير فرنسا، يزور قبر بيتان بعد عودته لفرنسا وتسلمه السلطة، مع أن بيتان موسوم بالخيانة، لأن ديغول أدرك معنى أن تنجو باريس من الدمار والتخريب، وأن تبقى الذاكرة التاريخية الفرنسية حية ومستمرة، وتلعب دورها ووظيفتها في الشخصية الثقافية والوطنية الفرنسية.

=================

الديمقراطية والحريّـات

شتيوي الغيثي

عكاظ

13-10-2012

بعد اندلاع الثورات الشعبية في أكثر من دولة عربية بعضها نجح في إسقاط الحكم وبعضها الآخر كما هو معروف مازال يكافح بالدم لإنهاء أنظمة الاستبداد. كان التحدي الذي يواجه تلك الشعوب والأحزاب التي نافست على الحكم بالطريقة الديمقراطية ليس هو إسقاط الأنظمة كونها سقطت بأسرع مما كنا نتوقع بل هو في ما بعد العمل الديمقراطي أي بعد الاستقرار السياسي الذي لابد أن ينبني الحكم الجديد عليه لبناء الوطن والإنسان أو الثورة من جديد إذا لم تيأس الشعوب.

من المعروف والمتوقع أن الأحزاب ذات التوجه الإسلامي هي التي سوف تفوز أو فازت في أنظمة الحكم الجديدة وليس في ذلك من ضير في المفهوم الديمقراطي الذي يؤمن بإرادة الشعوب. هناك من يشترط أولية الوعي السياسي على الديمقراطية بحيث يعتبر أن وصول بعض الأحزاب ذات التوجهات اليمينية يمكن أن يتحقق في ظل الديمقراطية مما يمكن أن يسيء لها وهذا صحيح من جانب، وقد حصل مثلا في الديمقراطية الألمانية التي أوصلت هتلر.. لكن السؤال: هل بقي الوضع كما هو عليه؟، برأيي أن الديمقراطية يمكن لها أن تعلمنا مبادئها حيث الممارسة السياسية التي لابد منها وحيث الوعي الشعبي الذي سوف ينتج من خلالها وإلا فإنها سوف تكون تجربة سيئة سوف تستفيد منها الشعوب لا محالة على الأقل في تبيان حقيقة تلك الأحزاب اليمينية لكن هذا لا يمنعنا من قبول النتائج الديمقراطية مادام أنها جاءت بالإرادة الشعبية.

إنضاج التجربة (أي تجربة) لا يعني انتظار اكتمالها بعد اكتمال التنظير الفكري فيها؛ بل يعني ممارستها وتصحيحها من الداخل في كل مرة. العمل الديمقراطي يدور في نفس عجلة تلك التجارب. هناك الكثير مما يمكن عمله في الديمقراطية خاصة من جانب العمل على مبادئها، ولعل أهم مبدأ هو مفهوم الحريات الذي هو السؤال الحقيقي داخل العمل الديمقراطي، فسؤال: (كيف هو مصير الحريات؟) كان لابد أن يكون هو السؤال المحفز كثيرا على العمل والنقاش والجدل الفكري والعملي المتداول.

وكما قلت في مقال سابق فإن الخطاب الإسلامي يهتم بإبراز الحريات السياسية دون الحديث عن الحريات الأخرى التعبيرية أو حقوق الأقليات أو الدينية أو الفردية أو غيرها، وهذا الصمت يجعل علامات الاستفهام تلوح كل مرة في الحديث عن وصول الإسلاميين إلى الحكم. فالعبرة ليست فيمن يأتي بل العبرة في طريقة الحكم التي سوف تدار. القانون الذي تصوت عليه جميع الأحزاب الإسلامية والقومية والليبرالية هو الحامي في المجال الديمقراطي حيث لن يخضع مطلقا إلى تحكم حزب دون حزب آخر.

الحريات التي ذكرناها راجعة إلى سيادة القانون، وليس إلى سيادة خطاب سياسي أو آخر لكن تطبيق تلك السيادة القانونية هو المحك الحقيقي. فكيف سوف يتم ؟.. هذا مالا نستطيع الإجابة عليه لأنه سؤال مستقبلي، لكن أعتقد أنه ليس من السهولة تجاوز القانون في هذه المرحلة. خاصة أنها مرحلة ترقب أكثر منها مرحلة ثبات سياسي بسبب اكتمال التجربة..

إن الاعتماد على الأكثرية في العمل الديمقراطي لا يخص القانون بل يخص إدارة الحكم.. القانون خاضع إلى التوافق الكلي من قبل الجميع ولذلك فإنه يصعب التحكم فيه من قبل الأحزاب الحاكمة وسؤال الحريات راجع إلى سيادة القانون. لكن كيف صيغة مفردات الحريات التعبيرية أو الدينية أو الأقلية أو الفردية.. هذا ما يحتاج فيه إلى سؤال أو حتى مساءلة فكرية لذات القانون، حتى لا يتم الالتفاف عليه بشكل غير مباشر بحيث يكون استبدادا من خلال القانون نفسه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ