ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 10/10/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الأزمة السورية...قطبية جديدة

تاريخ النشر: الثلاثاء 09 أكتوبر 2012

الاتحاد

تموج منطقة الشرق الأوسط بتموجات إقليمية في غاية الخطورة والتأثير، برزت إحدى سماتها في الأزمة السورية وعواقبها السياسية على الصعيدين الدولي والإقليمي انعكست آثارها على مستوى استحالة توحيد رؤية مشتركة دولياً للحسم في حلحلتها بشكل يقطع دابرها، وهو ما يترجم إلى حد ما الانقسام الذي يتصدع به مجلس الأمن بين مؤيدي ومعارضي النظام "البعثي" القريب الأفول على مستوى تفادي الاحتراب الطائفي في بلاد الشام.

الصراع الدبلوماسي الذي اتسم به مجلس الأمن على ضوء هذه المستجدات الإقليمية بين موسكو وبكين من جهة وأميركا والدول الغربية من جهة ثانية حال دون إيجاد مخرج أممي للأزمة المفتعلة عبر استصدار قرار لازم وملزم للحد منها، يعكس مدى السياسة البراجماتية التي تتسم بها العلاقات الدولية المبنية على المصالح كجزء لا يتجزأ من الأهداف العامة للسياسات الدولية. ومنه تبرز الأسئلة التالية: أين تبرز الإشكالية؟ لماذا تحرك مجلس الأمن على وجه الاستعجال والسرعة في تنفيذ القرارات الصادرة عنه بإجماع في أزمات سياسية سابقة؟ أين تتجلى التحديات العصية على التحدي والتجاوز السياسي؟

هل هي إعادة للتوازن على مستوى العلاقات الدولية؟ هل هي إعادة لقطبية ثنائية جديدة تشي بأن روسيا استعادت هيبتها عبر إرسال إشارات إلى المجتمع الدولي من خلال ممارسة حق "الفيتو" في صدور قرار حاسم؟ إنه تحد صارخ لمجلس الأمن الدولي في مواجهة "الفيتو" الروسي والصيني المشترك على العدول عن موقفيهما الداعم لجرائم النظام السوري، لماذا يعجز مجلس الأمن عن حسم النزاع؟ لماذا هذا التماطل في قطع دابر الأزمة السورية؟

الأسباب الحقيقية وراء استئصال شأفة الصراع في المنطقة لا يتجاوز المحاور الأساسية التالية: أولاً: تضارب المصالح في الشرق الأوسط بين الدول الكبرى، بحيث أن امتناع الصين عن إبداء الموافقة ولو مبدئياً على الاستنكار الشديد على الفظائع والجرائم المقترفة تحت مظلة محاربة الإرهاب له ما يبرره مسلخياً- و ليس مصلحياً.

ثانياً: الخوف من اندلاع حرب كونية ثالثة إذا تدخلت أميركا في الصراع، بحيث أبانت روسيا والصين عن قوتهما التحالفية، في حالة نشوبها من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الديون المتراكمة في ذمة أميركا تجاه هذه الأخيرة -أي الصين- تمثلت في إنقاذها من أزمتها المالية عبر ضخ مليارات الدولارات تحول دون الإقدام على التأثير في قراراتها الدبلوماسية لقوتها الاقتصادية من حيث غزوها للأسواق العالمية.

ثالثاً: المصالح الاقتصادية لروسيا في إيران، بحيث تدخلها في الشؤون السورية سينعكس عليها لا محالة، وبالتالي نرى الانسجام في الخطاب على مستوى السياسية الخارجية الروسية والإيرانية إن لم نقل تواطئاً بينها على الحرب الطائفية اعتباراً للاتجاه النصيري.

هذه بعض السيناريوهات التي يمكن أن تفسر التأخير في الحسم في الأزمة السورية التي حصدت أكثر من 20 ألفاً من الأبرياء والشهداء، دون مسوغ شرعي وقانوني. وهو ما يدفعنا إلى القول بأكذوبة مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ألم يحن التفكير إذن في صياغة ميثاق جديد يؤرخ لهذه المرحلة ويبني عليها فصوله الحاسمة نظراً لشيخوخة الميثاق الأممي الحالي- الذي أصبح لا يستجيب لمتقلبات الظرفية الدولية الراهنة؟

إنها قطبية جديدة أصبحت تلوح في الأفق، روسيا والصين من جهة وأميركا والدول الغربية من جهة ثانية. بوادرها ظهرت ولكن عواقبها لا تزال في الكواليس، ودع الأيام تكشف المجهول المرتقب.

-------

رشيد أقجي

كاتب مغربي

================

لماذا تترك سوريا لتأكل نفسها؟!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

9-10-2012

ستبقى كل القضايا الرئيسية في هذه المنطقة معلقة ومؤجلة وفي حال انتظار الى أن يتم حسم الوضع السوري الذي تأخر حسمه كل هذه الفترة لأن الدول والقوى الفاعلة والمؤثرة تعاملت في البدايات وبعضها لا يزال يتعامل مع هذه المسألة على أنها مسألة داخلية وأنه ليس لها أبعاداً إقليمية ودولية وأنه كلما طال أمد حلها إزدادت تعقيداً وإزداد تأثيرها على دول هذه المنطقة القريبة والبعيدة.

غير معروف لماذا لم تدرك الدول الكبرى المعنية بأي تطور في الشرق الأوسط وفي مقدمتها الولايات المتحدة هذه المسألة بينما هي تشاهد حجم التدخل الروسي والإيراني.. وأيضاً الصيني ،العسكري والدبلوماسي والمالي، في سوريا ومنذ اللحظة الأولى وغير معروف أيضاً لماذا أصيبت الدول العربية التي أيديها تلامس جمر النيران الملتهبة في هذه الدولة العربية المحورية والمؤثرة بالشلل وهي ترى كل هذه التدخلات السافرة المستمرة في الشؤون الداخلية لهذه الدولة الشقيقة وترى كيف أن الأمور التي بدأت صغيرة قد تحولت في حقيقة الأمر الى أبشع الحروب الأهلية التي عرفها التاريخ.

لقد بدأ العرب بالتفتق حماساً لإنهاء هذه الأزمة الطاحنة بالضغط على نظام بشار الأسد للقبول بمصالحة شعبة ووقف حمامات الدماء التي غدت تعم البلاد من أقصاها الى أقصاها خلال فترة قصيرة بعد حادثة درعا الشهيرة وهُمْ ،أي العرب، بقوا يقدمون رِجْلاً ويؤخرون أخرى وبقوا يراهنون على حلول سياسية كانوا ولا زالوا يعرفون أنها مرفوضة من قبل هذا النظام الذي إختار منذ البدايات العنف والحلول الأمنية واختار الذهاب على هذا الطريق المكلف والصعب حتى النهاية.

والمستغرب أن العرب وآخرهم الرئيس محمد مرسي قد إستمروا ،ورغم كل هذا، بالحديث عن حلول سياسية ممكنة وبقوا يتسابقون في رفض أي حلول عسكرية وفي رفض أي تدخل خارجي وكأن كل هذا الذي يقوم به النظام ليس حلولاً عسكرية وكأن ما تقوم به إيران ومعها روسيا ليس تدخلاً خارجياً في شؤون دولة عربية من الأولى إذا كان لابد من التدخل أن يكون العرب هم المتدخلون في شؤونها الداخلية.

والمشكلة هنا أن رفض التدخل الخارجي ورفض الحلول العسكرية والإستمرار بالرهان على حلول سياسية لا امل إطلاقاً بنجاحها قد شجع النظام ومعه روسيا وإيران وحلفائه الآخرين ،المعلنين وغير المعلنين، على الإستمرار بما كان بدأه منذ البدايات وعلى مواصلة الدمار والمجازر الجماعية التي عمت البلاد كلها على اتساع مساحتها الجغرافية مما جعل المعالجات كلها الآن غير مجدية اللهم باستثناء المسارعة بدعم المعارضة السورية ودعم الجيش السوري الحر بكل ما يحتاجه من الأسلحة النوعية لحسم المواجهة قبل أن تزداد الأمور تعقيداً وتصبح أي معالجة متأخرة غير ممكنة وغير مجدية.

وهكذا فإن هذه المنطقة كلها ستبقى ،إنْ لم يتم وضع حدٍّ لكل هذه الذرائع غير المقنعة بل وغير المفهومة والمبادرة بسرعة لدعم الجيش السوري الحر بما يمكِّنه من حسم المعركة المحتدمة، كمنْ يقف على منصة الإعدام وحبل المشنقة مجدولاً حول عنقه وسيبقى كل شيء مؤجل وبخاصة في الدول المجاورة وستبقى سوريا... الدولة ذات التأثير الكاسح في الشرق الأوسط وفي المنطقة العربية كلها تَغُضُّ الخطا وبكل هذه السرعة الحالية وربما أكثر نحو التمزق والإنهيار وعندها فإنه لن ينفع الندم ولن ينفع البكاء ولا العويل.. وذلك حتى وإن كان مثل هذا البكاء صادقاً وصحيحاً.

 

=================

سوريا : المعارضة تنقسم والمقاتلون يتحدون

طاهر العدوان

الرأي الاردنية

9-10-2012

الاقتراح التركي الاخير بتسمية فاروق الشرع لقيادة المرحلة الانتقالية المقترحة في خطة عنان تلقاها رئيس المجلس الوطني السوري بالقبول لكن لا اعتقد بان هذا سيكون رأي المجالس العسكرية التي شكلها المقاتلون في المناطق السورية في اطار الجيش الحر . فالمشهد السياسي السوري لم يعد خافيا وهو مزيد من عسكرة الثورة ليس فقط في ميادين المواجهة مع النظام انما أيضاً عسكرة السياسة .

 حل الازمة السورية على الطريقة اليمنية هو (تغميس خارج الصحن ) ذلك ان قيادات المعارضة اليمنية ضد نظام علي صالح كانت موجودة كلها في اليمن ، في سوريا الوضع يختلف فقيادة المعارضة او قياداتها كلها في الخارج ومن كان منها في الداخل خرج لسبب معروف هو وحشية النظام ،و لو ان مجلس الأمن والجامعة العربية من خلفه نجحتا في فرض حل سياسي مبكر للازمة لكانت المعارضة السياسية في مقدمة الصفوف ، لكن لان مجلس الأمن والمجتمع الدولي فشل في ذلك فتحت الابواب على مصراعيها لعسكرة الثورة ، ليس على المستوى القتالي فقط انما في نقل مركز قيادة الثورة من المعارضة السياسية في الخارج الى الجيش الحر في الداخل .

 لقد شهدنا في الأسابيع الاخيرة حربا إعلامية بين أطراف المعارضة في الخارج ، لتدلنا على عمق الانقسام الحاصل بين هذه الأطراف وبالتالي على ضعفها ، فيما لم تتوقف الاخبار الخارجة من سوريا عن قرارات توحيد فصائل الجيش الحر خاصة في حلب التي تحولت الى نقطة حسم استراتيجية على الصعيدين العسكري والسياسي .

 الاقتراح التركي حول فاروق الشرع يأتي بعد فشل الدعوات الفرنسية المتكررة لمعارضة الخارج بتشكيل حكومة مؤقتة وهي دعوات لاقت ترحيبا في واشنطن ، لقد بات واضحا ان معارضة الخارج اصبحت عاجزة عن اتخاذ مبادرات سياسية حاسمة بعد ان ثبت عجزها في توفير الدعم العسكري بالأسلحة للمقاتلين ، ومن المستبعد ان تكون قادرة على تهيئة الظروف لنجاح المبادرة التركية فالأوراق كلها المتعلقة بالحرب والسياسة للثورة اصبحت في يد القيادة العسكرية المتمركزة في حلب .

 امام هذه الحقائق المتعلقة بمشهد الثورة السورية فان مستقبل هذا البلد اصبح بيد من يحملون السلاح في الداخل ومن الواضح انه كلما طال عناد النظام برفض الحلول السياسية فان اعداد المقاتلين سيصبح قريبا من اعداد المظاهرات السلمية الحاشدة التي عمت البلاد السورية في بداية ربيعها ، ومع الوقت ووصول السلاح الى ايدي ملايين السوريين فان سوريا المستقبل ستكون خارج توقعات وحسابات القوى الإقليمية والدولية التي ستندم على فشلها في فرض حل سياسي حاسم من خلال مجلس الأمن يقوم على مرحلة انتقالية تجنب شعب سوريا هذه الحرب الوحشية وتجعل الطريق الى الديموقراطية اقل كلفة .

في سوريا اليوم المعارضة تنقسم ومعها الموقف الدولي بينما المقاتلون يتحدون في مرحلة انتقالية تعتمد على الحسم العسكري الذي سيفرض طابعه على النظام المقبل وقد نرى تكرارا للامثولة الليبية وليس اليمنية مع اسقاط لتعقيدات الوقائع الديموغرافية والسياسية السلبية للحالة السورية والإقليم المحيط بها .

=================

لماذا تدعم إيران تدمير سوريا؟ * ياسر الزعاترة

الدستور 

9-10-2012

قد يبدو السؤال غريبا للوهلة الأولى، ولكن مزيدا من التأمل سيجعله مقبولا. ذلك أن مراقبة ما يجري على الأرض في سوريا لا زالت تؤكد مرة إثر أخرى أن المعركة الدائرة في سوريا، أعني الجزء العسكري منها يُدار عمليا من قبل الخبراء الإيرانيين، فيما يبدو بشار الأسد “خارج التغطية” من الناحية العملية؛ هو الذي كان فتح البلد على مصراعيه لهم منذ ما قبل الثورة، خلافا لوالده الذي كان يتعامل معهم بقدر من التحفظ والندية.

في المعركة الأخيرة، ومنذ الشهور الأولى بدا أن بشار الأسد لا يمكنه التعاطي مع المعركة دون تدخل مباشر من إيران، الأمر الذي دفعه إلى تسليمها الراية بعد أن تأكد أن جيشه المترهل لا يمكنه التعامل مع تمرد شعبي بهذا الحجم الواسع، لاسيما أن جزءا كبيرا من الجيش لم يبد استعدادا للانخراط في دوامة القتل بسبب الحساسيات الطائفية، وهو ما همَّش قطاعا واسعا منه بات أسير الثكنات، فيما انشقت أعداد كبيرة بمرور الوقت.

اليوم يمكن القول إن المعركة الدائرة في سوريا لا تتميز بغير سياسة التدمير المنهجي الشامل، لاسيما في المدينتين الأكبر (حلب ودمشق)، فيما لا يتعامل معهما النظام بغير سياسة القصف من الدبابات والطائرات؛ هو الذي يعلم أن نزول قواته إلى الأرض يعني هزائم متلاحقة وخسائر باهظة في مواجهة حرب عصابات يتولاها رجال مقبلون على الشهادة، أكانوا من عناصر الجيش الحر، أم من المقاتلين الإسلاميين القادمين من الخارج.

في قراءة سياسة التدمير الشامل للدولة ومقدراتها التي يعتمدها النظام يمكن الحديث عن مسارين تتبناهما طهران في التعاطي مع الأزمة، الأول سبق الحديث عنه مرارا وتكرارا ويتمثل في محاولة تحسين شروط التفاوض على الحل السياسي بعد إقناع الجميع بأن أحدا لن ينتصر في معركة السلاح، بينما يتمثل الثاني، وتحدثنا عنه مرارا أيضا، فيما بات يعرف بالخطة (ب) التي تتلخص في تدمير الدولة المركزية وصولا إلى إنشاء دويلة علوية في الساحل السوري (محافظتي طرطوس واللاذقية تحديدا)، على أمل أن تتمكن من البقاء لاحقا، أو تُتخذ منصة للتفاوض على حل لاحق.

البعد الجديد الذي يمكننا الحديث عنه في سياق تفسير سياسة التدمير الشامل للدولة المركزية ومقدراتها يتمثل في إضعاف شامل للدولة؛ الأمر الذي يلتقي مع السياسة الصهيونية في تدمير البلد وإشغاله بنفسه لعقود.

تلتقي طهران مع تل أبيب في هذه السياسة اعتقادا منها بأن ضعف سوريا الدولة في المرحلة المقبلة سيعني عجزا عن التأثير في المحيط، لاسيما في لبنان والعراق اللذين يقعان عمليا تحت سيطرة إيرانية شبه كاملة، أقله بالنسبة للعراق، مع وضع أقل وضوحا في الحالة اللبنانية.

تدرك إيران أن سوريا القوية لها تأثيرها الكبير في الجوار العربي، وقد ثبت ذلك خلال العقود الماضية عبر تأثيرها الكبير في لبنان، وتاليا عبر دورها في إفشال مشروع الغزو الأمريكي للعراق عبر دعم الجماعات السنية المسلحة، بما فيها القاعدة التي حصلت على شريان حياة من سوريا خلال سنوات ما بعد الاحتلال قبل أن يجري الانقلاب عليها بعد أن تأكد وقوع البلد تحت سيطرة حلفاء إيران. ونتذكر في هذا السياق تلك الحملة التي شنها المالكي على النظام الحاكم في دمشق بدعوى دعمه للعنف في العراق، وهو اتهام لم يكن بعيدا عن الصحة في جزء كبير منه.

إن سوريا قوية تعني بكل بساطة أن لبنان والعراق لن يكونا بمنأىً عن التأثر بوضعها الجديد لجهة تقليم أظافر النفوذ الإيراني فيهما، وبالتالي فإن تدمير الدول المركزية وإشغالها بنفسها يعني بالضرورة إفقادها القدرة على التأثير.

هذا هو البعد المهم اليوم في عقل القيادة الإيرانية التي بدأت تدرك تماما الإدراك أن زمن بشار الأسد وسوريا كحليف إستراتيجي قد انتهى إلى غير رجعة، وأنه لا بد من ترتيب الأوراق لليوم التالي، من دون الكف عن محاولات إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر السيناريوهات الآنفة الذكر.

نتحدث هنا عن نمط التفكير الإيراني، لكن النجاح قصة أخرى ستعتمد بالضرورة على جملة التطورات التالية وعموم الموقف العربي والإقليمي، بخاصة التركي. والأرجح، بل لعله المؤكد أن هذا المخطط لن ينجح لأن مسار التغييرات العربية في مصر وسواها لن تسمح ببقاء الوضع في العراق ولبنان على حاله، فضلا عن أن سوريا ستعود إلى التماسك من جديد خلال زمن لن يطول.

التاريخ : 09-10-2012

=================

رحلة العودة إلى سورية

رضوان زيادة *

الثلاثاء ٩ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

بعد خمسة أعوام بالضبط من الهجرة القسرية من سورية تمكنت من العودة إليها بفضل الثورة السورية التي ما زالت تخوض مراحلها الأخيرة للتخلص من نظام الأسد.

غادرت سورية في أيلول (سبتمبر) 2007 بعد تهديد مباشر بالاعتقال من قبل الاستخبارات العامة، بعدها أصدرت إدارة الاستخبارات العامة أمراً باعتقالي ومنع كل أفراد أسرتي من السفر إلى خارج سورية، وكانت المأساة الكبرى بحق أختي الكبرى التي يعيش زوجها في السعودية وهي ما زالت تعيش مع أولادها في سورية ومنعت من رؤية زوجها على امتداد الأعوام الخمسة فقط لأنها أخت ناشط حقوقي ومعارض سياسي.

والآن بعد خمس سنوات بالضبط في شهر أيلول 2012 عبرت «معبر السلامة» الذي يسيطر عليه «الجيش الحر» داخلاً بلدي الحبيب سورية. الكثير من العواطف اختلطت مع الكثير من الدموع والفرحة، فأنا داخل السيارة التي تقودني إلى داخل سورية وأنا لا أكاد أتوقف عن التفكير في معنى العودة إلى الوطن بعد الغياب ومعنى أن تلتقي بإخوتك ومواطنيك على أرض الوطن محرراً من القيود.

تعبر المعبر الحدودي من «السلامة» فلا تستوقفك صورة الأسد الذي ربط مصير سورية بمصيره على امتداد أربعين عاماً. تجد عبارة «سورية الحرة» التي كانت كلفتها الكثير من الدماء والشهداء والأرواح، لكن سعادتك الغامرة بالعودة سرعان ما تصدمها حقيقة سورية اليوم، إذ تجد ألوفاً من السوريين النازحين والمهجرين من بيوتهم خوفاً من القصف الجوي الذي تقوم به قوات الأسد وتستهدف به المدنيين والمنازل الآمنة في شكل عشوائي ومن دون استثناء. إنهم يفترشون الرصيف الحدودي على مدى أشهر لأن السلطات التركية تمنع إدخالهم لأنه لم تعد لديها الإمكانية لاستضافة المزيد من اللاجئين الذين فاقوا 85 ألفاً في المخيمات المنتشرة على الحدود التركية.

تحاول بصعوبة أن تفكر في سورية المستقبل وتؤمن أنها لا بد أن تجد حلاً لهؤلاء اللاجئين فتستوقفك صرخة طفل فقد مدرسته ولم يجد مكاناً سوى اللعب بين الحدود تائهاً لا يدري إلى أين يتجه.

تستكمل سيارتنا طريقها باتجاه سورية. أكاد لا أصدق نفسي هل أنا حقيقة في سورية. أريد أن أرى كل شيء دفعة واحدة. أريد أن أصور كل شيء حتى لحظات الزمن كي لا يضيع مني شيء، فأنا حرمت على مدى خمس سنوات من كل شيء يمت إلى هذا الوطن.

الأشجار كما هي وكما تركتها ترمز إلى المستقبل. الشوارع هي ذاتها قليل من الرصيف وكثير من الغبار. لم يتغير سوى السكان. أصبحت تقاطيع وجوههم أكثر قسوة بسبب عام كامل ونصف من القتل المنهجي والقصف العشوائي لكن وسط هذه القسوة تجد ابتسامة ملؤها البهجة. لم يعد الأسد هنا. كل شيء يشير إلى أنه رحل. صوره زالت، استخباراته رحلت، أجهزته تدمرت، بقيت سورية ورحل الأسد.

أوقفني طفل صغير قال لي: عمو عمو، بابا رجل مقعد بسبب قذيفة أصابته لا يستطيع المجيء إليك لكنه يريد أن يسلم عليك. قلت له بكل سرور أنا سأذهب إليه. استقبلني الرجل المقعد بالأحضان. زوجته العجوز بجانبه تفترش الرصيف قالت له: هذا هو من تحبه في كل مرة تراه على التلفزيون. بدا سعيداً وقال لي: أنا أحب كلامك المنطقي، أجبته أتمنى أن تنتصر سورية بالكلمات... ودمعت عيناي وأنا أرى رجله المقطوعة بسبب قذيفة أصابتها.

ندخل مدينة إعزاز حيث كل شيء فيها يرمز إلى الصمود والتحدي والنصر. في أول مدخل إلى المدينة مدرعة محروقة تتبع نظام الأسد استطاع «الجيش الحر» تدميرها. يخبرني أحد المقاتلين بكل فخر: هذه أول عربة «ب م ب» تمكنا من تدميرها وأسرنا ثلاثة من جنودها وما زالوا في معتقلاتنا إلى الآن. يقف الجميع ليأخذوا صوراً مع هذه العربة المدرعة التي أصبحت رمزاً لهزيمة جيش الأسد حيث كل زائر لسورية يجب أن يمر بجانبها. نستكمل طريقنا باتجاه المدينة التي استطاعت تدمير 17 دبابة للنظام كمؤشر على مدى شراسة المعركة التي خاضها «الجيش الحر» من أجل تحريرها. تنتشر الدبابات المدمرة اليوم في كل أرجاء المدينة، وقام «الجيش الحر» بتصويرها وتكبير الصور ووضعها على حائط مبنى دائرة العدل كمتحف يرمز إلى تحرير المدينة.

زرت المسجد الذي حولته قوات الأسد إلى مقر عسكري عند دخولها المدينة، حيث تمركزت الدبابات في حديقة المسجد وعلى مدخله وتمركز القناصة على مئذنتي المسجد. عاش مواطنو المدينة ستة أشهر من الرعب بسبب القناصة، فضلاً عن الدبابات التي انتشرت في المدينة وتقوم بالقصف العشوائي، حيث دمرت كل مدارس المدينة الستة التي لم تعد تصلح للتدريس الآن كما دمر قصف الطيران المركز الثقافي ومستشفى المدينة الوطني الذي أصبح خارج الخدمة أيضاً. لم يعد أي من مباني الدولة السورية الحكومية يصلح للاستخدام.

لكن على رغم كل ذلك تجد حب الحياة يسكن السوريين فهم يعودون إلى أعمالهم ومحلاتهم. بدأوا يشكلون جمعياتهم المدنية من أجل إعادة الحياة إلى المدينة في شكل كامل، فانتخبوا مجلساً مدنياً يشرف على تسيير الشؤون الحياتية. إنها سورية الحرة التي تدفع دماً غالياً من أجل حريتها.

 

=================

ماذا تعني «القيادة المشتركة» الروسية - الإيرانية - السورية؟

محمد مشموشي *

الثلاثاء ٩ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

لا شيء يدعو للشك في الوثائق السرية التي تنشرها قناة «العربية» حالياً حول النظام السوري وممارساته في الداخل السوري وفي الخارج، لكن واقعة «القيادة المشتركة» الروسية – الإيرانية – السورية التي تدير الحرب في سورية، حرب إبادة الشعب من أجل حماية النظام، تبقى الأهم والأكثر دلالة وخطورة من كل ما تكشفه هذه الوثائق.

قبل نشر هذه الوثائق، لم يكن خافياً على أحد تورط روسيا وإيران في هذه الحرب، لا سياسياً ولا عسكرياً ولا مالياً، لكن المفاجئ فعلاً هو وصول هذا التورط إلى درجة إنشاء قيادة مشتركة تقرر وتصدر الأوامر والتعليمات وربما حتى تشترك في التنفيذ. وبغض النظر عن مضمون الوثائق في ما يتعلق بالقرارات التي اتخذتها «القيادة المشتركة» هذه، سياسياً وأمنياً وعسكرياً، في سورية أو في خارجها، فمن السذاجة الظن بأن نظام الأسد كان يمكن أن يصمد ثمانية عشر شهراً حتى الآن، وأن يواصل تقتيل شعبه وتهجيره وتشريده وتدمير بلده من دون أن يرف له جفن، لو لم تـكن هـذه القيـادة مـوجودة وفاعلة بالصورة التي تبدو واضحة وجلية كل يوم تقريباً.

هذا لا يعفي الأسد من مسؤولياته الشخصية، السياسية والأمنية والأخلاقية، لكنه لا يقلل في الوقت ذاته من مسؤولية كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي عن إزهاق دم أكثر من ثلاثين ألف قتيل وثلاثمئة ألف جريح وتهجير حوالى ثلاثة ملايين من بيوتهم وقراهم، فضلاً عن تدمير بلد ووطن بالكامل.

أكثر من ذلك، فإذا كان الرئيس المفترض لهذا البلد لا يتصور نفسه للحظة خارج الحكم، ويعلن استعداده لعمل المستحيل من أجل البقاء في السلطة («الأسد أو لا أحد»، و «الأسد أو نحرق البلد») فليس مقبولاً على الإطلاق، ولا حتى مفهوماً، أن يتبنى قائدا بلدين آخرين (بوتين وخامنئي، في هذه الحال) موقفه هذا على علاته، وأن يشكلا معه قيادة عمليات مشتركة تكون مهمتها إحراق البلد فعلاً.

بل وأكثر، فإذا كانت هذه العمليات لا تقف عند حدود سورية بل تتجاوزها تارة إلى لبنان وأخرى إلى قطر وثالثة ربما إلى تركيا والأردن، وكانت في جلها أعمالاً أمنية واستخباراتية تستهدف تصدير أزمة النظام في سورية إلى خارجها، فلن يكون مبالغاً به توقع أن تكون «الشراكة» بين الأطراف الثلاثة أبعد مما يبدو عليه المشهد السوري في الفترة الحالية، لتشكل نوعاً من المحور الإقليمي والدولي المستعد لخوض حرب باردة واسعة على المستوى الدولي، أو حتى حرب ساخنة محدودة على ساحة المنطقة، إذا ما تدهور الموقف في سورية أكثر مما هو عليه الآن.

فهل هذا هو الوضع الفعلي بالمعنى الاستراتيجي الذي تتحدث عنه الأطراف الثلاثة، أم أنه يبقى في حدود ما يسمى «سياسة حافة الهاوية» التي تقف عند حدود إنقاذ النظام السوري، أو ما يمكن أن يبقى منه، فقط لا غير؟

في المواقف المعلنة لطهران، أن الحرب على سورية (الكونية، في رأي وزير خارجية سورية وليد المعلم) هي حرب على إيران، وأن القيـادة الإيـرانـيـة لن تسمح مهما كانت الحال بسقوط الجناح السوري في حلف المقاومة والممانعة، وأن لديها «مستشارين» سياسيين وعسكريين على الأرض السورية لمساعدة حكومتها على إحباط «المؤامرة الخارجية الجهنمية» التي تستهدفها.

وفي المواقف المعلنة لموسكو، أن الحال السورية الراهنة تمس الأمن في المنطقة كلها، وحتى في العالم، وأن تغيرها يتم فقط من خلال إصلاحات داخلية وعبر النظام نفسه، فضلاً عن أنها ترفض نهائياً تكرار تجربة مجلس الأمن في ليبيا وقد استخدمت حق النقض ثلاث مرات حتى الآن في هذا السياق، كما أنها تردد منذ بداية الثورة السورية (كما يفعل النظام نفسه وإيران) أن ما تشهده سورية هو «مؤامرة خارجية» تشترك فيها قوى دولية وعربية وأصوليات إسلامية.

هذا الالتقاء في المواقف، فضلاً عن المصالح بين الأطراف الثلاثة، قد يبرر فهم الكثير مما تقوم به روسيا وإيران لحماية النظام السوري ومنع سقوطه، لكنه لا يبرر بالتأكيد تشكيل قيادة عمليات مشتركة لا تفعل إلا أنها تدير حرب إبادة ضد الشعب السوري وتدمر بلده بالطريقة المنهجية التي يتم بها منذ ثمانية عشر شهراً حتى الآن.

وإذا كان نظام الأسد قد فقد كل شيء تقريباً، وتالياً الأمل في أن يستطيع حكم سورية بعد الآن، ولذلك فانه يخوض حربه الأخيرة على طريقة «يا قاتل يا مقتول»، فهل هذا هو وضع كل من بوتين وخامنئي أيضاً في ما يتعلق بسياساتهما الاستراتيجية في المنطقة وفي العالم؟

الواقع أن أسئلة كثيرة، وكبيرة، تطرح نفسها في هذه الحال، ليس حول المرحلة المقبلة في سورية فقط إنما حول شكل ومحتوى وأسلوب مقاربة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط كلها، وربما على مساحة العالم أيضاً:

> هل يمكن أن نصل في يوم إلى «ربيع دمشق» الروسي– الإيراني، بأسلوب «ربيع براغ» السوفياتي، تحت اسم جديد هذه المرة يستبدل فيه «حلف وارسو» بما يطلق عليه حالياً اسم «محور المقاومة والممانعة» للغرب عموماً وللولايات المتحدة في شكل خاص؟

> هل يمكن أن تكون تحرشات جيش النظام السوري بتركيا، وحلف شمال الأطلسي، وتكرارها على مدى أسبوع حتى الآن، جزءاً من خطة قررتها «القيادة المشتركة» الروسية – الإيرانية – السورية لاختبار ردود فعل العالم الغربي؟، أم أنها تندرج فقط في خانة سياسة حافة الهاوية بهدف التفاوض حول مستقبل سورية والمنطقة؟

> هل يمكن تصور أن تنضم الصين إلى «القيادة المشتركة» هذه، بعد أن بدا حتى الآن أنها اكتفت، وتحديداً في ما يتعلق بالوضع في سورية، بالوقوف سياسياً وديبلوماسياً إلى جانب المحور المعادي للغرب وللولايات المتحدة؟، أم يكون لها موقف آخر حتى من النظام في سورية نفسه؟

> وأخيراً، هل هي الحرب فعلاً (الحرب الكونية، كما يقول نظام دمشق) بعد شهور لم يصدقه فيها أحد، وفي زمن لم يعد أحد يتصور كذلك أنها يمكن أن تنشب؟.

* كاتب وصحافي لبناني

=================

الغزل التركي بفاروق الشرع

الياس حرفوش

الثلاثاء ٩ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

ربما كانت هذه أسوأ بطاقة توصية يمكن أن تعطى لشخص ما لدعم ترقيته إلى وظيفة جديدة، فأقل ما يقال عن اقتراح وزير خارجية تركيا احمد داود أوغلو بتكليف نائب الرئيس السوري فاروق الشرع قيادة المرحلة الانتقالية في بلاده، أنها ستقطع أي طريق محتمل لأي دور للشرع في مستقبل سورية، هذا إذا كان له دور فيها أصلاً بعد العزلة التي يجد نفسه فيها في هذه الفترة، وبعد الشكوك على أعلى مستويات القيادة حول موقفه منذ انطلقت الثورة من مدينته درعا.

ليس جديداً تداول اسم الشرع في هذا السياق، فقد جاء في اطار طرح «الحل اليمني» للأزمة السورية منذ اقترحت المبادرة العربية هذا الحل في مطلع هذه السنة كمخرج معقول يقوم على أساس تضحية الرئيس بشار الأسد بنفسه في مقابل المحافظة على النظام. غير أن داود أوغلو زاد على الاقتراح العربي صفات أضفاها على الشرع، من النوع الذي يزيد من حذر الرئيس السوري من نائبه، فقال إن الشرع رجل «متعقل وذو ضمير ولم يشارك في المجازر». وهذا تلميح مقصود إلى أن الأسد يفتقد هذه الصفات. وأضاف داود أوغلو قناعته بأن الشرع ما زال موجوداً في سورية، ما يفهم منه أن هناك اتصالات قائمة بين نائب الرئيس السوري والجانب التركي تؤكدها معرفة مكان إقامته. وسوف يضيف إلى انزعاج القيادة السورية، أن هذه الشهادة تأتي من الطرف الإقليمي الذي يعتبره رأس النظام السوري مصدراً للمتاعب التي يعاني منها، ومركزاً لتصدير «الجماعات الإرهابية» إلى بلاده.

يستدعي كلُّ هذا التساؤلَ عن مغزى توقيت هذه الإشادة التركية بالشرع، وعن معنى حرق أوراقه في سورية في هذه المرحلة، مع أن البديهي الذي بات معروفاً، أن أفق «الحل اليمني» أصبح مسدوداً في سورية منذ فترة طويلة، في ظل اقتناع الأسد والمقربين منه أنهم قادرون على الحسم العسكري ضد المعارضة، وهو ما أكده وزير خارجية إيران علي اكبر صالحي مؤخراً، نقلاً عن الأسد. هل يعود السبب إلى إدراك أنقرة أن المأزق الذي بلغته الأزمة السورية بات مأزقاً لها أيضاً، وهو بحاجة إلى حل سريع، إذ على رغم التفويض الذي حصلت عليه حكومة رجب طيب أردوغان من البرلمان باستخدام الجيش في عمليات خارجية عبر الحدود مع سورية، إلا أن الواضح أن تركيا غير مستعدة للذهاب إلى حرب واسعة النطاق مع سورية، للرد على التحرشات ومحاولات الاستدراج السورية المتكررة، وذلك في غياب أي غطاء أطلسي او غربي لتوسيع العمليات التركية في الأراضي السورية.

يبقى السؤال عن مدى تنسيق داود أوغلو مع المعارضة السورية لاقتراح الشرع كبديل مقبول، فعلى رغم قول الوزير التركي إن الشرع لم يشارك في المجازر أو في الاجتماعات الأمنية التي تخطط للعمليات العسكرية، وإشارته إلى أن المعارضة السورية تميل إلى قبول الشرع لإدارة المرحلة الانتقالية، إلا أن الأوساط الفاعلة في المعارضة لا تبدي ترحيباً بالاقتراح التركي، أولاً لأنها تعرف سلفاً أنه مرفوض من جانب الأسد، وأصبح الآن مرفوضاً اكثر بسبب تبني أنقرة له. ثم إن المعارضة تعتقد أن الأزمة السورية تجاوزت نقطة المحافظة على جسم النظام واستبدال رأسه فقط، وباتت مقتنعة بضرورة التغيير الجذري في البنية السياسية السورية بكاملها.

وهو ما يعيدنا مرة اخرى إلى السؤال عن الهدف من وراء إحراق تركيا لأسهم فاروق الشرع في هذه المرحلة.

 

* في تعليقي الأخير الذي نشر أول أمس الأحد (7 تشرين الأول/ أكتوبر) ورد خطأ ان قيمة الدولار كانت قبل الثورة الايرانية 70 دولاراً وبلغت اليوم 40 الف دولار. والمقصود طبعاً أنها كانت 70 ريالاً وبلغت اليوم 40 ألف ريال. فاقتضى الاعتذار.

 

=================

حقبة تاريخية مختلفة!

ميشيل كيلو

السفير

9-10-2012

نحن في الطريق إلى حقبة تاريخية جديدة، ستختلف فيها طرق العمل العام وما يسمونه السياسة، كما ستختلف هوية الدولة والمجتمع والحزب والنقابة والمواطن... الخ، وكذلك التفاعلات التي ستقوم في المجال العام والنتائج التي ستترتب عليها.

حتى ثورة الربيع العربي عامة والسوري خاصة، كان الشأن العام يقتصر على أنشطة ومصالح تكوينات أبرزها السلطة الرسمية والحزب السياسي، وكان شأنا ينسب إلى السلطة دون غيرها ويتصل بمصالحها، أما من الآن فصاعدا، فإن الشأن العام سيتعين بأنشطة وفاعليات المجتمع وسينطلق منها، وسيعبر عن مكوناته كمجتمع مستقل نسبيا عن تعبيراته السياسية، يمتلك وعيا مستقلا بهذا القدر أو ذاك عن أحزابه، التي ستختلف في أبنيتها وأدوارها ووظائفها اختلافا جذريا عن نمط الأحزاب التي عرفناها في الحقبة التي تنتهي تحت أعيننا بفضل ثورات الربيع العربي عامة والسورية منها خاصة، وأضيف إلى ما سبق قوله إن مصالح المجتمع وحده ستكون فيها مصالح الدولة العليا، وإن المواطن لن يكون خلالها ضربا من فرد في رعية بلا حقوق، بل سيتحول إلى حامل النظام السياسي / الاجتماعي برمته، وسيكون ركن المجتمع المدني بما هو مجتمع مواطنين أحرارا، والدولة كتعبير سياسي يحتضنه ويترجم حضوره في الشأن العام. نحن أمام انقلاب شامل لم يسبق لنا أن شهدنا ما يماثله في تاريخنا الطويل، مذ كانت لدينا مؤسسات سياسية .

هذا الانقلاب، الذي أعتبره بداية الثورة الوحيدة التي يمكنها أن تتحقق في حياتنا، والتي سندخل من بابها إلى العالم الحديث من باب سياسة مجتمعية، بعد أن أخرجتنا السياسة السلطوية والحزبية منه، وفشلنا في الالتحاق بركبه من مدخل ثورة برجوازية / مدنية يقول عالمنا الحديث إن التاريخ لم يعرف ثورة نجحت الإنسانية في إنجازها، ستكون له النتائج التالية:

- سيضع أقدامنا على عصر يشبه عصر الثورة الفرنسية: مؤسسة الدولة والمجتمع الحديثين، التي تم أنجازها بقوة مجتمع تقودة نواد عمادها مثقفون ومفكرون ورجال دين من مراتب دنيا ومتوسطة وخلائط من ملاك الأرض والبرجوازيين والتجار وساسة انشقوا عن النظام القائم، الذي يشبه من جوانب كثيرة نظام الإقطاع الأسدي بفساده وشركائه المختلفين القادمين من مراتب وخلائط اجتماعية طفيلية متنوعة.

- سيجعل السياسة شانا عاما يختلف جذريا عن كل ما عرفناه منها إلى الآن، لأنها لن تكون سياسة تصدر عن السلطة وبدلالة مصالح الممسكين بأعنتها، وإنما ستغدو فاعلية مجتمعية حاضنتها المباشرة مواطن جعل حريته محور وجوده، فهي موضوع وعيه وفاعليته الخاصة والعامة، التي ستعزز بفضل ضمانات قانون هو سيد الدولة الوحيد، الذي سيكبح أي شطط سلطوي، وسيراقب سلوك الحاكمين، بعد أن بينت التجربة السورية الحالية طابعه واظهرت ما فيه من خطر جسيم على الهيئة المجتمعية العامة والدولة، وأكدت أنه أشد من أي تحد خارجي يستهدفهما، كائنا ما كانت الجهة التي يصدر عنها. كانت السياسة التي مورست إلى الآن محكومة بضيق ومحدودية ما دافعت عنه من مصالح ومواقف، فهي طبقية في مستوى الأحزاب، لصوصية وفاسدة وعنيفة وفئوية في مستوى السلطة، وهي ضد الدولة ومصالحها العليا وتشابكاتها التحتية، إلا ما كان منها صادرا عن السلطة أو خادما لها، ومعاديا بدوره للمجتمع والدولة. بصدور السياسة عن مجتمع المواطنين الأحرار، أي المجتمع المدني، الذي يحمله المواطن الحر وتحتضنه دولة هي تعبيره السياسي، لن تبقى فاعلية ضيقة، غير مجتمعية أو مضادة للمجتمع، مقطعة وتجزيئية ومحدودة، وإنما ستصير ما كان ماركس يفهمه تحت المشروع الثوري: رؤية كونية تقوم على تفسير وتغيير العالم تتخطى بالضرورة الطبقات، بما في ذلك الطبقة العاملة: حامل مجتمع تشاركي جديد سيلغيها كطبقة خاصة وسيحل محلها مجتمع جديد لا يمارس أي قسر خارجي على أفراده الأحرار، لأن دولته فقدت وظيفتها كمؤسسة تمارس الإكراه وتحتكر العنف، وتحولت إلى جهة يقتصر دورها على القيام بإدارة الأشياء بدل قهر البشر، الذين سيؤنسنون طبيعتهم وسيطبعون إنسانيتهم، ولا يعانون أي نوع من التمزق والشقاء الوجداني والضميري.

- لن تكون السياسة المجتمعية مماثلة في حواملها ومفرداتها واهدافها ومصالحها للسياسة السلطوية، وعلى سبيل المثال فان الحزب الذي سيمارسها لن يتشكل انطلاقا من نخبة او قلة او فئة او طليعة... الخ، ولن ينخرط في مجال عام تهيمن عليه السلطة، فالسياسة فيه محكومة بان تكون وتبقى تطلعا اليها باعتبارها مسألتها المركزية، على حد قول لينين، وانما سينطلق من حامل مجتمعي، غير نخبوي، يعبر عن حاجة تاريخية ذات مرتكزات واقعية وملموسة في حياة المواطنين الأحرار، فهو ليس حزب نخبة تمثل طبقة في أحسن الأحوال، بل حزب مجتمعي / مدني يتقاسم وبقية الاحزاب جوامع ومشتركات نابعة من وحدة مصالح المواطنين الاحرار. وهو لا يفصل نفسه او يميز نشاطه من خلال برنامج خاص يعبر عن انشطار المجتمع إلى أصناف متصارعة، لا غرض لفاعليته السياسية غير تعميق الهوة بينه وبين غيره من الأحزاب، ولا هدف غير إلغائها بإخراجها من المجال العام وغير التحريض على أتباعها وأنصارها، بينما ستكون السياسة المجتمعية فاعلية مباشرة، حرة وطليقة، تخلو من أي طابع فئوي وبالتالي من أي صراع تمزيقي قد يحفر هوة بين الأفراد أو يصيب المجتمع والدولة، فالتغيير هنا محكوم بأسس توافقية لا خلاف عليها تنبع من وحدة الهيئة المجتمعية العامة، التي كان ماركس يسميها (الكائن العام)، ويعتبرها هيئة مفتوحة نحو الداخل والخارج، الأعلى والأدنى، تنمي مصالح أفرادها بما هي مصالح مشتركة تخلو من الإكره والعنف ،وتسوى خلافاتها سلميا ،فليس هدف السياسة فيها تحطيم او تدمير المجتمع القائم وإنما تنميته بصورة تراكمية تجعل منه حامل بديل ينتقل إليه بصورة منظمة وهادئة، دون هزات واضطرابات. لا أعتقد أنه سيكون هناك حاجة إلى أيديولوجيا وسياسة مؤدلجة حيث تكون مهمة السياسة الرئيسة تنمية حرية الفرد في إطار توافقي يحدد هوية السياسة وأبعادها ووظائفها. كما لا أعتقد أن السياسة ستكون فعل تنظيمات متخصصة ينتمي إليها أشخاص بعينهم هم أعضاؤها القائمون على تحقيق مقاصدها الخاصة، وأنها ستصنع مستقبلا في مجال مفتوح ليس منفصلا عن غيره أو مقطعا إلى حيزات وفسح مستقلة، غالبا ما تكون متناحرة وحتى متعادية.

هل سيتكون الحزب الجديد من لجان منتخبة مباشرة من قطاعات شعبية مختلطة المنابت من دون ان ينفصل عنها او يبنى هرمية تنظيمية تخضعة لقانون التكوينات الهرمية الذي يبعده أكثر فأكثر عن الفكر والسلوك الديموقراطيين، ويضفي طابعا بيروقراطيا ونخبويا عليه، يحوله إلى عبء على مجتمعه بدل أن يكون عونا له وأداة تعبير عن حاجاته ومطالبه؟

وهل سيكون المجتمع المدني الخاص، أي المحلي، مرجعية الحزب بدل أن تكون قيادته هذه المرجعية، فالعضوية فيه قاعدية وخاضعة لإرادة عامة تجعل منه محل تواصل وتفاعل هو سبيله إلى التواصل مع بقية قطاعات المجتمع من جهة، والى منح ثقة مشروطة ومرتبطة بإرادة المواطن الحر وحدها لهذا العضو أو المسؤول في الحزب أو ذاك من جهة اخرى، بحيث يكون تشابك الحزبية والمجتمعية شديدا ومتماثلا؟

وهل يمكن ان تكون الأحزاب إلا مجتمعية وقليلة الاهتمام بالسلطة والصراع عليها، لأن جهودها ستتركز على تنمية المجتمع بوسائل وقوى تعمل عند قاعدته، هدفها توطيد السياسة كفاعلية إنسانية تتخطى أية مصلحة آنية أو جزئية، وحرية الإنسان كغاية رئيسة تملي عليها برامجها وأنشطتها.

اخيرا، هل سيبقى السياسي على حاله الراهنة: قائدا معصوما لا يحاسبه أحد، أو كادرا يعرف كل شيء مع انه لا يعرف في الحقيقة شيئا، ويصلح لكل شيء مع انه لا يصلح لشيء ـ نموذجه الأسوأ ما انتجته الأحزاب الشيوعية والقومية من كوادر يقع معظمها بين الطرطور والمهرج - أو عضوا عاديا في جماعة او حزب ينقاد كالاعمى لما ينزل عليه من فوق، دون أن يكون له اي رأي فيه واي تأثير عليه؟ أم أننا سنشهد ولادة سياسي من نمط جديد يشبه عضو التنسيقية الحالي، الذي نجح في إيجاد صيغ تنظيمية أدامت وصعدت ثورة قام بها مجتمع كان مهمشا ومهشما بمشاركته، رغم أنه ليس طويل الباع في السياسة بمعناها القائم / القديم، الذي يجعل منها تطبيقا عمليا لأشكال من الأدلجة على مجتمع ينكر السياسي دوره ويهدد نسيجه الموحد أو يتجاهله في «نضاله»، فهي قطاعية وتفكيكية، بينما تقوم سياسة السياسي الجديد على وحدة المجتمعين المدني والأهلي، أي ما يسمى «الكيان العام»، وما يشدهما بعضهما إلى بعض من قيم جامعة ومبادئ عليا أهمها إطلاقا حرية الفرد كتعيين جوهري له يمتلك بعدين خاص وعام، يفضيان بتفاعلهما على الصعيد العام إلى قيام الديموقراطية كنظام حياة وعمل ودولة .

هذا الانقلاب من السياسي الذي يكبح المجتمعي إلى المجتمعي الذي يحرر السياسي بالمعنى الذي أسماه معلمنا ياسين الحافظ «السياس»: السياسة بالمعنى المدني الرفيع، تمييزا له عن السياسوية، عن السياسة المنحطة، هو ثوري بامتياز لأنه يحرر حامله: الإنسان،عضو المجتمع المدني والدولة وموحدهما، وهو جديد الثورات العربية الراهنة، وخاصة منها الثورة السورية، التي تقيم منذ الآن الأسس التي ستتكفل بمنع أخذها إلى أي مكان يتعارض وجديدها: الديموقراطية كوسيلة وكغاية، والإنسان كمقياس لجميع الأشياء والأفكار والنظم، سيضمن وحده العدالة الاجتماعية والمساواة بين خلق الله، وسينتج شروط تحقيقهما انطلاقا من حريته، التي تدفعه إلى التضحية بحياته للخلاص من الاستبداد وعبوديته.

إنها بداية تاريخ جديد، سأشرح بعض جوانبه في مقالة قادمة.

 

كاتب سياسي ـ سوريا

 

=================

سوريا قلب العالم

جهاد الزين

2012-10-09

النهار

كثيرة هي المفاجآت التي حملَتْها لنا الأحداث السورية منذ سنة وسبعة أشهر تاريخ اندلاع الثورة السورية. فما بدا أنه الحلقة الأخيرة لموجات "الربيع العربي" المتنقّلة في شمال إفريقيا ومنه، سيظهر  أكثر تعقيدا من ذلك على كل المستويات.

 

صحيح أن موجات الثورات العربية بحد ذاتها مثّلت مرحلة جديدة من مراحل التحولات السياسية والأيديولوجية شملت منطقة بكاملها أفرزت خصائص شخصيتها إلى السطح السياسي والسلطوي بما يسمح بمقارنتها من حيث "نهاية التاريخ" أي سيادة الفكر الديموقراطي بما حصل في أوروبا الشرقية والوسطى مع سقوط جدار برلين ثم انهيار الاتحاد السوفياتي وقبل ذلك بموجة التحوّلات الديموقراطية في أميركا اللاتينية في السبعينات وأوائل الثمانينات...

صحيح ذلك، إنما تفاعلُ وتفاقمُ ما حدث ويحدث في سوريا تحوّل إلى نقطة انعطاف صراعية في العلاقات الدولية بحيث ليس من المبالغة الاستنتاج أن صورة جديدة للنظام الدولي سترتسم  من نتائج الصراع في سوريا.

مفاجأة المفاجأة في هذا الانعطاف ليس مصير موقع ودور إيران على أهميتهما الفائقة في مستقبل المنطقة وإنما دور روسيا في نظام العلاقات الدولية.

المفاجأة الأخرى هي أن الصين اختارت سوريا لتكون شكل التعبير عن تحرّك ديبلوماسي معترض في الشرق الأوسط و خارج منطقة الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا في لحظة تصاعد توتراتها السياسية في محيطها المباشر الذي بات يشكّل مركز الحيوية الاقتصادية في العالم.

مع روسيا والصين أصبحت حدود سوريا ممتدة من القوقاز إلى آسيا الوسطى. وصارت ساحة الأمويين في دمشق محاذيةً لساحة الكرملين في موسكو وتيان آن مين في بيجينغ من حيث وحدة الخطر الديموقراطي على مستقبل الأنظمة الثلاثة بتوظيف ديناميكي من "القوة الناعمة" الأميركية.

المفاجأة الثالثة أن حجم الاندفاع التركي للإلتحاق بموجات "الربيع العربي" التي فاجأت تركيا ولم تكن مستعدةً لها...هذا الاندفاع بات يقرر مصير أول محاولة عملية تركية لتغيير المنطلقات التي وضعها مصطفى كمال أتاتورك منذ العام 1923 بشكل جوهري من حيث العودة للتوجه إلى الشرق الإسلامي وبهذا وصل هذا الخيار إلى حد أنه سيقرر مصير وجود "حزب العدالة والتنمية" في السلطة.

هذه المفاجأة الثالثة تُمكن صياغتها أيضا بالشكل التالي: حجم اندفاع "حزب العدالة والتنمية" على رأس أكبر كتلة شعبية تركية ذات حساسية إسلامية في تاريخ الجمهورية التركية في المواجهة السورية.

لكن بالمقابل حملت هذه المفاجأة مفاجأة مضادة رابعة هي انكشاف حجم التعاطف العلوي داخل تركيا مع القوة العلوية الموجودة في السلطة السورية.

هكذا يمكن اختصار المفاجأتين الثالثة والرابعة في واحدة: انكشاف الوضع الطائفي التركي بسبب الأحداث السورية.

المفاجأة الخامسة هي في مستوى تماسك الكتلة العسكرية الأساسية للنظام السوري والتي تقدّر برأي المصادر الفرنسية بمئتي ألف عسكري محترف ومقاتل بمعزل عن النسبة غير الواضحة لعدد الوحدات المنخرطة في القتال الشامل الدائر الآن وهي باتت لاشك كبيرة من درعا جنوبا إلى دير الزور شرقا إلى حلب شمالا.

ليست هذه كل عناصر الوضع السوري وخصوصا، حتى لا ننسى المنطَلق، التحرك الشعبي والشبابي الواسع جدا الذي أطلق الثورة ضد نظام سياسي هو جزء من مدرسة حزبية عسكرية وَضَعَ "الربيع العربي" حدا لمعظم حلقاتها المستمرة منذ الخمسينات. لكن هذه المفاجآت الخمس تجسّدت من حيث أن معظم المتابعين خارج سوريا ما كانوا يتوقّعونها.

المفاجأة السادسة وهي الأهم والأُولى والأصعب هو الهَوْلُ التدميري الذي كشف عنه الصراع بين النظام والمعارضات في سوريا: هناك سبع مدن سورية تتعرض للتدمير العنيف في "لحظة" واحدة مع أريافها المحيطة التي هي أقرب إلى مدنٍ صغيرة.

فاق التدمير السوري ما شهده العراق ويكاد يتخطى في أشهرٍ التدميرَ الذي شهده لبنان في 15 عاما. لا بل تخطاه.

لم يُفاجىء الوضعُ السوري بما ظهر من قوة "الإخوان المسلمين" كقوة شعبية منظمة رئيسية على الأرض في مواجهة قوة النظام، ولا بالجاهزية الإنفصالية الكردية المختمرة والمحتقنة والممتدة إلى داخل تركيا، ولا بتعددية التحالفات المناطقية والسنية و الاقتصادية للنظام الأقلاوي الحاكم، ولا بظاهرة الخوف المسيحي الاجتماعي السوري من تجذّر التيارات الإسلامية الأصولية، الخوف - الموقف المدعوم من جميع الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية السورية و"المُغطّى" من الفاتيكان، وإن كانت درجة انخراط الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في "حراسة" هذا الموقف، وهي الحليفة الأساسية للرئيس فلاديمير بوتين، يمكن اعتبارها المفاجأة السابعة في هذا التعداد بدءأ من زيارة بطريركها إلى دمشق في بدايات الأحداث. ولا طبعا كان مفاجِئاً تشابهُ الثورة السورية مع حالات "الربيع العربي" التي سبقتها من حيث قوة تعبيرها عن حداثة دينامية شبابية من الطبقة الوسطى ولا حجم التصميم الملكي السعودي القتالي ضد النظام بما يذكّر بدرجة استنفار العصبية السعودية في عهد المؤسس الملك عبد العزيز او خلال حرب اليمن في الستينات، ولا موجة تنظيم التحاق الجهاديين العرب والمسلمين، أي "الأفغان الجدد"، بالثورة السورية المتعسكرة رغما عن إرادة الأقلية النوعية من ناشطيها ومثقفيها  "العلمانيين" وبينهم سُنّة ومسيحيون وعلويون... 

لم يفاجِئ الوضعُ السوريُّ بكل هذه المعطيات التي كانت ظاهرة بنسبة أو بأخرى لمن يريد أن يصدّق ما يراه... الذي فاجأ فعلا أكثر من أي أمر آخر هو تلك المعطيات التي تجعل سوريا قلبَ الصورة المتشكّلة للنظام الدولي الجديد لا مجرد أزمة كبيرة مستعصية فيه وقلبَ القلبِ في "العالم العربي التركي الإيراني" الذي عاد متداخلا ومتلاطما مرة جديدة في التاريخ.

=================

هل أصبح حزب الله “قاعدة” إرهابية ؟!

انهيار الريال الإيراني هو انعكاس للفوضى السياسية التي تعيشها إيران منذ أن أتى الخميني إلى السلطة قبل قرابة أربعة وثلاثين عامًا

د. سلطان عبد العزيز العنقري

الثلاثاء 09/10/2012

المدينة

غريب أمر حزب الله الذي كان ينادي بالممانعة وبمقاومة الاحتلال والطغيان والاستبداد؛ والآن يدعم طاغية الشام بعناصر من حزبه، بل وبقادة ميدانيين متمرسين على حرب العصابات. فمقتل قائد ميداني من حزب الله، في كمين نصبه الجيش الحر لجيش النظام السوري، أكد تورط حزب الله في القتال جنبًا إلى جنب مع شبيحة الأسد وجيشه، وحرس إيران الثوري ومرتزقة مقتدى الصدر. بالطبع لم يستطع حزب الله نفي مقتل أحد قادته الميدانيين في سوريا، فالتورط واضح، والنفي أو التكتم سوف يضع علامات استفهام وتعجب عن هذا الحزب وأهدافه وتوجهاته، ليس خارج الحزب والمتعاطفين معه فحسب، بل داخل الحزب، إلى جانب أنه لابد من تشييع لجنازة هذا الرفيق تليق به يشارك فيها زعماء الحزب، فالحاج علي استشهد في عملية جهادية وهو يحرر هضبة الجولان المحتلة من قبل إسرائيل منذ عام 1967م؟!!.

حزب الله أشار إلى أن قائده الميداني قُتل في عملية جهادية، ولكن أين في سوريا؟!! أي أن الجهاد تحول إلى سوريا بدلًا من إسرائيل؟!! ويبدو أنه حتى الجهاد أصبح يُفسَّر ويفتى فيه من قبل الملالي والآيات في إيران وفق أهوائهم. فالجهاد حسب تفسير حزب الله هو أن تُقاتل ضد الشعب السوري المحتل للأرض السورية؟! وتقوم بإعدامهم رميًا بالرصاص في الميادين العامة لإرجاعهم إلى بيت طاعة بشار الأسد الطاغية، هذه هي المهمة الجهادية التي يفسرها زعماء حزب الله إنه بالفعل تفسير مثير للسخرية وكأن ما يسمى بالرفيق علي حسين ناصيف الملقب (أبوعباس)، مخطط المجازر والإعدامات في لبنان وسوريا، عائدًا من نصر إلى نصر من هضبة الجولان وسقط قتيلًا برصاص الجيش الإسرائيلي، وبالتالي أدخله حسن نصر الله في زمرة الجهاديين والشهداء الذين يجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمته؟!!

التخبط لدى حزب الله وتورطه في سوريا طال أسياد هذا الحزب في إيران الذي خرجت مظاهرات في طهران تطالب بالاهتمام بالشعب الإيراني وترك الشأن السوري وعدم التورط فيه بعد أن أمر أحمدي نجاد قوات أمنه بإغلاق محلات الصرافة غير المرخص لها، وجعلهم كعادته كبش فداء، فهم السبب وراء انهيار العملة الإيرانية "الريال" الإيراني إلى أدنى مستوياته؟! وتناسى بقصد أن الحصار الاقتصادي على إيران هو وراء انهيار العملة، وليس للمصارف غير المرخص لها أي دور، وذلك يعود بسبب سياسة الملالي والآيات في إيران في تبديد ثروات إيران في الصرف على أسلحة الدمار الشامل وفي تصدير الثورات، وفي إثارة القلاقل والفتن وتدمير الشعوب والوقوف إلى جانب الأنظمة الفاشية مثله. انهيار الريال الإيراني أمام العملات الصعبة الأخرى ليس بسبب هؤلاء الغلابة المساكين مالكي محلات الصرافة بل هو انعكاس للفوضى السياسية التي تعيشها إيران منذ أن أتى الخميني إلى السلطة قبل قرابة أربعة وثلاثين عاما.

المتخبط الثالث والمتورط في قتل وقمع الشعب السوري، والمدافع الآخر عن نظام قمعي فاشي مثله، هو السيد لافروف، أحد الأوصياء الشرعيين على النظام السوري، الذي يأمر الأسد بالاعتذار إلى تركيا بسبب القذائف التي سقطت على القرى التركية المحاذية للحدود السورية وقتل فيها أبرياء؟! وبشار الجعفري مندوب النظام في الأمم المتحدة ينفي ما تردد عن اعتذار النظام السوري لتركيا، بل يقول إن ما جاء من تصريحات هي تضامن مع المدنيين الأتراك، أي فقط التعزية في السيدة التركية التي ذهبت ضحية قذائف نظام الأسد؟؟!!

التخبط الرابع والذي يدل على عزلة النظام السوري هو ما شنه التلفزيون السوري من هجوم على حماس ورفيقهم السابق خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي كان يقوم إلى وقت قريب برحلات مكوكية ما بين دمشق وطهران وبيروت لتنسيق المواقف بينها وبين حركة حماس، وعندما رأى الانشقاقات والعزلة الشعبية والدولية، وأن انهيار النظام السوري مسألة وقت ليس إلا قرر هو التخلي عن نظام بشار الأسد. فخالد مشعل -كما أرى- هو من أفشل ويُفشل كل مصالحة بين فتح وحماس، فهو كان يدور في الفلك الإيراني والسوري وحزب الله؟!!

وأخيرًا إرهاب الدولة يتمثل في براميل مليئة بالمتفجرات تسقطها الطائرات الحربية للنظام السوري على المدنيين العزل، بدعة جديدة لم تعرفها الحربين العالميتين الأولى ولا الثانية. ولكن تلك البدعة وغيرها من البدع التي تقتل الأبرياء والمدنيين العزل لم نرها في هضبة الجولان المحتلة، والشيء المستغرب أننا لم نجد إلى الآن قذائف تسقط على حدود هضبة الجولان مع فلسطين المحتلة؟!! لأنه نظام عميل لإسرائيل.

 

=================

بل الأسوأ لم يحدث في سوريا بعد

طارق الحميد

الشرق الاوسط

9-10-2012

يقول الرئيس التركي عبد الله غل إن ما يحدث في سوريا «أسوأ سيناريو يتم تنفيذه»، موضحا أن ذلك يؤثر على تركيا التي تقوم بالإجراءات «المناسبة»، ومضيفا أن الشعب السوري «يعاني من ويلات»، مع تحذيره من النهج المتبع الآن، خصوصا أنه - أي الرئيس التركي - يرى أن «التغيير مقبل». فهل ما يحدث هو الأسوأ فعلا؟

المؤكد أن سير الأحداث في سوريا، ومنذ الثورة، كان ينزلق للأسوأ، لكن الأوضاع لم تستقر في القاع إلى الآن، فالأحداث في سوريا مرشحة لمزيد من السوء، والبلاد كلها معرضة لمزيد من التدمير، وهو ما حذر منه الرئيس التركي في حديثه أمس. والسبب واضح وبسيط، وهو تعامل المجتمع الدولي برعونة مرعبة مع الثورة السورية، ولا يكفي هنا إلقاء اللوم على الروس والصينيين الذين عطلوا صدور أي قرار مجد في مجلس الأمن. بل كان، ولا يزال، بمقدور المجتمع الدولي فعل الكثير لإنقاذ سوريا والسوريين. فالواضح، ومنذ أول يوم في عمر الثورة السورية، أن نظام الأسد يكذب، ويمارس القتل، لكن كان هناك تساهل واضح مع جرائم الأسد، إذ واصل العالم الصمت، والمقصود هنا الأفعال، وليس التصريحات الفضفاضة.

ففي سوريا لا يتعامل المجتمع الدولي مع تباين في وجهات نظر طرفين، بل إن القصة أكثر وضوحا. فهناك نظام يقتل، وهناك شعب ثائر، وهناك نظام يستعين بالروس والإيرانيين، وحزب الله، لقتل شعبه الأعزل الذي لا يزال يستجدي العون من المجتمع الدولي الذي لم يفعل شيئا يذكر. وكأن التاريخ يعيد نفسه، وتحديدا بقصة يوغسلافيا حيث أهملها المجتمع الدولي تحت ذرائع كثيرة إلى أن اضطر للتدخل متأخرا، وخارج مظلة مجلس الأمن، وهذا ما يبدو أن الأحداث تسير إليه في سوريا.

وبالطبع لا يمكن أن تلام تركيا على كل ذلك، بل الجميع، لكن هل الوقت الآن وقت تلاوم، أم وقت عمل؟ أعتقد أنه وقت الأفعال، لا الأقوال، فتركيا مثلا، في حالة حرب حقيقية مع الأسد، والسوريون أيضا في حالة حرب مع الأسد وإيران وحزب الله، والعالم كله في حالة شلل مع الانتخابات الأميركية. والرئيس التركي يقول إن بلاده لا تريد إراقة مزيد من الدماء السورية، أو تحويل سوريا إلى دولة مدمرة. وهذا كلام لا غبار عليه، لكن الحقائق على الأرض تقول لنا إن الدماء السورية تراق كل يوم بلا رحمة، وليس من قبل الأسد وحده، بل ومن حزب الله الذي يصف قتلاه في سوريا بـ«الشهداء»، هكذا بلا حياء، وسوريا كلها تدمر، حجرا وبشرا، ونسيجا اجتماعيا، فعلى ماذا الانتظار؟ وقد يقول قائل: وكيف لم نصل للأسوأ إذن؟

الإجابة بسيطة، فكلما تأخر الحسم في سوريا، طال الحريق الجيران بكل تأكيد، وتحديدا لبنان، والتأخير يعني تأصيل التطرف في المنطقة، والطائفية، وهذا الأمر سيقود إلى حريق كبير. ولذا فالمطلوب هو تسليح المعارضة، ودون انتظار نتائج الانتخابات الأميركية، فما يحدث في سوريا حرب، وحلفاء الأسد يواصلون دعمه وتسليحه، بينما السوريون العزل بلا عون، وهذا هو الخطأ القاتل، والذي سيقود سوريا، والمنطقة كلها، للأسوأ.

=================

هل تورطت بثينة أم ورطوها؟

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

9-10-2012

أيعقل أن سيدة أنيقة ومثقفة، مثل بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد، تتورط في جرائم قذرة؟ تقول التقارير الصحافية إن صوتها ورد ضمن تسجيلات هاتفية للوزير اللبناني السابق ميشال سماحة الموقوف في مؤامرة خطيرة. وفيه اتهام مبطن بأنها، أيضا، قد تكون متورطة في مخطط اغتيال شخصيات دينية ومدنية في لبنان. توجد تسجيلات، يقال: إنها كنز معلوماتي كبير، عثر عليها في بيت الموقوف سماحة، الذي يروى أنه اعتاد على تسجيل كل ما يدور معه ومع من حوله، حتى ورط نفسه وآخرين في القضية. كما فعل الرئيس الأميركي المعزول، ريتشارد نيكسون، الذي أدخل فكرة تسجيل كل ما يدور معه في البيت الأبيض فأصبحت التسجيلات الحبل الذي شنق به نفسه، حيث أثبتت تورطه في فضيحة ووتر غيت.

لم توجد وسيلة للاتصال بها، وأصدقاؤها المشتركون يقولون: إنها لا ترد عليهم، أيضا. نقل على لسانها - ردا على التهم الخطيرة ضدها - قولها إنها «نوع من المهاترات والسجالات السياسية المتعارف عليها هناك (في لبنان)، التي لا تستحق الرد أو التعليق».

هي مخطئة، فكل شيء في هذه القضية المهمة جدا يستحق الرد والتعليق، والاتهامات لا تعني تورطها. نحن نعرف بثينة من وظيفتها، فهي مسؤولة إعلامية في بلاط الرئيسين الأسد، الراحل والابن الآن. وبالتالي أستبعد أن طبيعة مهامها تخولها لمثل هذه النشاطات، خاصة أن في نظام الأسد جهازا أمنيا ضخما مكلفا بالمؤامرات والاغتيالات.

لكن إن كان صحيحا أنها قد تورطت - بأي شكل من الأشكال - في مؤامرة الأسد الأخيرة ذات التهم بالغة الخطورة، فإن تفسيري الوحيد أن الأسد صار يتعمد توريط أكبر عدد ممكن من المحيطين به، حتى لا يفكرون غدا في الهرب والانقلاب عليه، وحتى يجعلهم شركاء مباشرين في جرائمه، وبالتالي عليهم الدفاع عن النظام حتى اللحظة الأخيرة.

بثينة كانت مترجمة ومسؤولة إعلامية في الخارجية، ثم انتقلت كمترجمة فمستشارة إعلامية في القصر الرئاسي، وهذا مكنها بكل تأكيد من الاطلاع على دقائق التفاصيل هناك، وصارت شاهدة مهمة على تاريخ الأسد الابن تحديدا. النظام السوري الحديدي القمعي يخاف كثيرا من الانشقاقات، خشية على أسرار الدولة ومنعا لانهيارها، ولا بد أن الأسد يشك في غالبية المسؤولين المدنيين بأنهم يتحينون الفرصة للهروب والانشقاق، مدركين أن النظام ساقط، ومستقبلهم مظلم. ولهذا فإن معظم المسؤولين تم وضع أقاربهم تحت الإقامة شبه الجبرية وأمام رقابة الأمن، يستخدمونهم وسيلة لردع المسؤول من الهرب.

خالد مشعل، مسؤول حماس، كان يقيم في دمشق وغادرها احتجاجا، وفي أعقاب انتقاده للنظام السوري قبل بضعة أيام قام الأمن بالاعتداء على مكتبه وأقاربه، آخرهم صهره، حيث نهب أزلام النظام بيته بقدسيا وحرقوه.

الراغبون في الانشقاق كثر، لكنه أصبح أكثر صعوبة، يدركون أن من يستطيع الهرب سينجو وتكتب له حياة جديدة. وقد شرح أحد المسؤولين العرب، من المهتمين بالثورة السورية، قاعدة التعامل مع رجالات ونساء النظام. قال: من استطاع الانشقاق إلى قبل يوم واحد من انهيار النظام، فسنفتح له أبوابنا، أما من ينشق بعد ساعة من سقوطه فلن يجد أحدا في استقباله.

والأسد يدرك أن من حوله انتهازيون. شخصيات كبيرة، مثل وزير خارجيته ومستشارته الإعلامية، قد يغادرون دمشق بلا عودة، وهم محل إغراءات كبيرة بالانشقاق، خاصة أنهم لم يتورطوا في القتل، وإن كانوا متورطين في التبرير له. وبالتالي، فإن نظام الأسد، الخائف على وحدة صفه، لا يستبعد أن يتعمد توريط كبار موظفيه في عمليات قذرة بأي شكل حتى لا يكون لهم مخرج منها.

وإلا فما الذي يجعل مسؤولة إعلامية طرفا في مؤامرة لقتل أشخاص، إن كان صحيحا أن هناك تسجيلات عليها؟ الأرجح أن النظام لم يكتف بالتآمر فقط على خصومه في لبنان بقتلهم، وإحداث شرخ وحرب أهلية، كما ظل يحذر بأن لبنان سيسقط إن سقط نظام سوريا، بل تآمر أيضا على رجالاته مثل ميشال سماحة، وربما ورط آخرين مثل بثينة شعبان.

=================

شخصيات سورية لا تُنسى

غسان الامام

الشرق الاوسط

9-10-2012

شيء من التاريخ. بعضه ضروري لإذكاء الحنين إلى أناس ظلمناهم في حياتهم. ونسيناهم في مماتهم. وأَهالَ عليهم نظام القهر التراب. فأبادهم قسرا من الذاكرة.

لست مؤرخا. إنما أقدم هنا لمحات إنسانية وسياسية مختصرة، عن حياة بعض أولئك المنسيين. لا أُقَرِّظهُمْ كقديسين. فهم كساسة، لم يكونوا ملائكة. لكنهم لم يكونوا أبالسة. وخونة، كما صورهم نظام الزيف.

وأتحدث في لمحات عن عصرهم. ظروفهم. انتماءاتهم الاجتماعية. وأسأل أين هم المؤرخون والباحثون؟ ليكتبوا عنهم. في ساعة الحقيقة. في لحظة الحرية، ليروّوا غليل أجيال شابة تقاتل نظاما جائرا يحاول أن يدفنها، كما دفن آباءها وأجدادها. أجيال جديدة تقاتل. تموت لكي تعيش. لكي تعرف. لكي تستعيد التاريخ. بلا زيف. بلا تزوير. بلا خديعة. بلا ظلم.

لو عاش عبد الرحمن الشهبندر، ربما ما عرفت سوريا الانقلابات العسكرية التي دمرت الديمقراطية الوليدة. لكن الرجل كان أول ضحية سياسية للعنف الديني في القرن العشرين (1940). فقد قتل في عيادته، وهو بردائه الطبي الأبيض، برصاص التكفير. والزندقة. والكراهية. كان الشهبندر عقل وفكر النضال الثوري ضد الاستعمار. قاد ثورة دمشق (1925/ 1927) في قرى غابتها (الغوطة)، حيث يموت اليوم ألوف المدنيين والثائرين، بصواريخ وقذائف الطائفية التي سرقت الاستقلال وزيّفت الديمقراطية.

كان الشهبندر واعيا المأزق الطائفي. كان أول من نادى بالزعيم الوطني الدرزي سلطان الأطرش زعيما للثورة السورية. وكان الشهبندر إنسانا يداوي الفقراء بالمجان. عندما ذهبت آمال الأطرش (أسمهان) إليه في القاهرة، ليساعد أسرتها الصغيرة المهاجرة، لم يكن في جيبه سوى ريال واحد. كان هو منفيا. ملاحقا بحكم إعدام. وكانت هي صبية لم تشق، بعد، طريقها إلى الشهرة، بصوت كريستالي، فيه الكثير من حزن بلدها البعيد.

وكان جميل مردم مستشارا في وزارة الخارجية، عندما كان الشهبندر أول وزير لها في حكومة الاستقلال الأول (1919). وعندما غادر الثاني سوريا إلى المنفى (1927)، غدا الأول محرك السياسة النضالية. يفاوض. ويلهب الشارع.

وعرف مردم نكران الجميل من زملائه في «الكتلة الوطنية» التي قادت النضال من أجل الاستقلال. فحاولوا منافسته معتمدين على شوائب في مسيرته السياسية: تأييده لمعاهدة الاستقلال المنقوص مع فرنسا (1936). خلافه مع زملائه حول سياسة حكومته المالية آنذاك. ثم الاتهام الظالم له بالمسؤولية عن اغتيال الشهبندر الذي كان قد عاد من القاهرة، ومحرضا بشعبيته الهائلة الشارع ضد الكتلة الوطنية، وضد المعاهدة. وضد مردم.

برأ قضاة المحكمة الفرنسية مردم من الاتهام الظالم. وأدانوا رجل الدين الذي خطط عملية اغتيال الشهبندر. لكن الشبهة الثرثارة ظلت تلاحق الرجل الداهية. فقدم عليه شعبيا وزيره شكري القوتلي، ليصبح رئيسا لجمهورية الاستقلال (1943). دهاء مردم وذكاؤه ظلا رصيده. فشكل ثلاث وزارات أخرى في أربعينات القوتلي. وكان مردم المسؤول السوري الذي هندس مع الزعيم المصري مصطفى النحاس اتفاقية تأسيس الجامعة العربية.

كان مردم ذا غريزة سياسية شديدة الحساسية. عندما شعر بأصابع العسكر تهدد الديمقراطية، آثر الاستقالة. اعتزل السياسة. بل هاجر مع أسرته إلى حبيبته مصر في أواخر الأربعينات، ليموت في حضنها (1960). وهاجرت أسرة مردم مرة ثانية. غادرت مصر إلى سويسرا، ليغدو نجله زهير مردم أحد كبار رجال المصارف والبزنس العرب في أوروبا.

في نضالها من أجل الحرية، لم تعرف سوريا الطائفية. شكل فارس الخوري حكومة الاستقلال (1946) وشكل حكومة الديمقراطية في الخمسينات. كان الخوري بثقافته. وعلمه. وهيبة هامته المكللة ببياض شعره الكثيف، فوق تُرَّهات السياسة اليومية. شارك في وضع ميثاق الأمم المتحدة. وشارك زملاءه في «الكتلة الوطنية» آلام السجن. وخفف عنهم بتسليتهم بلعبة «البريدج»، كما روى زميله لطفي الحفار. وخرج الخوري من السجن ليهدي المسلمين قطعة أرض يملكها، ليبنوا مسجدا عليها.

لم يطل العمر برجل الدولة والوطنية سعد الله الجابري. مات باكرا بسرطان الكبد. وهزم مرض السل إبراهيم هنانو الزعيم الحلبي الآخر. فمات عام 1935، بعدما عجزت قوات الانتداب عن الإمساك به حيا. أو ميتا. قاتل إبراهيم هنانو في قرى ومدن حلب. إدلب. حماه التي يقصفها اليوم الأسد الابن بالصواريخ والقنابل.

أنجبت الأسرة الأتاسية السياسية ثلاثة رؤساء للجمهورية. منذ عام 1920، إلى عام 1954. كانت سوريا كلما خرجت من أزمة مع الانتداب، أو الديكتاتورية تعهد إلى هاشم الأتاسي برئاسة الجمهورية أو الحكومة. فيوصلها إلى درب الأمان. ويعود هو إلى عزلته. وأنجبت الأسرة ساسة. ودبلوماسيين. ومثقفين. بل أنجبت منتجا سينمائيا عالميا (نادر الأتاسي الشقيق الأكبر لمثقف ومفكر الاشتراكية الراحل جمال الأتاسي).

اختلف شكري القوتلي مع جميل مردم. فانتخب السوريون رجل الشجاعة رئيسا. وفضلوه على الرجل الداهية. حاول القوتلي الانتحار في السجن، لكي لا يجبره التعذيب على الوشاية بزملائه المناضلين. كان القوتلي نزيها. تقيا. محافظا على اليمين. بل متقشفا. أنفق من ماله على النضال. ولم يبن قصرا للرئاسة. اكتفى بالـ«فيلا» التركية القديمة المغمورة برومانسية أشجار الخضرة الدائمة.

باغتيال الشهبندر. والموت المبكر لسعد الله الجابري. واعتزال الداهية جميل مردم، انتهى عصر وحكم «الكتلة الوطنية». ولم يكن شكري القوتلي، في بساطته الفكرية والسياسية المتناهية، قادرا على استيعاب أفكار وتطلعات شباب جيل الأربعينات والخمسينات الذي استغرقته الحزبية السياسية والآيديولوجية، أو مواجهة غدر عسكر الانقلابات. أو تنافس القوى العربية. والإقليمية. والدولية، على الفوز بقلب سوريا. فقد ظل مراهنا على «قبضايات» الأحياء والحارات القديمة، كمفاتيح تضمن له ولاء الشارع التقليدي المحافظ!

بنهاية عصر «الكتلة الوطنية» الجمودية، لم يبق طافيا منها على السطح سوى شكري القوتلي. كان بضخامته وصوته الجهوري، أشبه بـ«التيتانيك» التي لا تغرق. ثم جاء الصدام المحتم. فقد استسلمت سفينة «التنك» السورية، لجبل الجليد الناصري. ثم ما لبثت الموجة الطائفية الحارة أن ذوَّبت جبل الجليد، لتستغرق سوريا في النوم مع أهل الكهف خمسين سنة.

في الثلاثاء المقبل، لمحات إنسانية وسياسية عن زعماء المرحلة الجديدة: عفلق. البيطار. الحوراني. ناصر. رشدي الكيخيا. ناظم القدسي. أمين الحافظ. الأسد الأب والابن. و... مصطفى طلاس وزير الدفاع المزمن الذي أجاد فن البقاء على الهامش ثلاثين سنة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ