ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 23/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الأزمة السورية بين المسؤولية الدولية والرعاية الروسية

2012-09-22 12:00 AM

الوطن السعودية

تصدرت محافظة "الرقة" المشهد الدامي في سورية خلال اليومين الماضيين، فمن المعارك في مدينة "تل أبيض" الحدودية مع تركيا، إلى قصف طائرات النظام لمواقع عدة فيها مخلفة مئات القتلى، منهم حوالي ستين في محطة الوقود التي دُمرت في قرية عين عيسى أول من أمس. كذلك قتل عدد من أبناء مدينة الرقة إثر إطلاق النار على مظاهرات أبنائها الذين خرجوا احتجاجا على قتل أهاليهم في القرى والمدن المجاورة.

"الرقة" التي كانت هادئة إلى حدّ ما خلال الفترة السابقة إلى جانب مدن أخرى مثل طرطوس والسويداء والحسكة ولكل منها أسبابها، اضطرت لترك هدوئها لأن النظام كما يبدو عقد العزم على عدم الرحيل إلا بعد تخريب الدولة بأسرها.

الأسباب في "طرطوس" أقرب إلى كونها طائفية، والعدد الكبير للعرقيات والحضور القوي للأكراد جعل "الحسكة" تميل إلى الهدوء، ودروز "السويداء" لم ينخرطوا في الثورة لغاية اليوم عدا بعض المظاهرات المتفرقة. أما محافظة الرقة فأهم أسباب قلة مظاهراتها استضافتها لعدد كبير من لاجئي الداخل بحيث إن أي قذيفة تطلق عليها قد تقتل عددا هائلا من البشر بسبب الكثافة السكانية العالية حاليا. ورغم تضارب المعلومات، تشير مصادر "الوطن" إلى أن عدد اللاجئين في المحافظة اقترب من "المليون" أي أربعة أضعاف اللاجئين في دول الجوار، أغلبهم من حلب وحمص ودير الزور وحماة وإدلب، تحتضن مدينة "الرقة" حوالي نصفهم. أي ما يقارب ضعف عدد سكانها. ولذلك فإن أهاليها الذين تقاسموا البيوت مع ضيوفهم انشغلوا عن الثورة بتأمين موارد العيش للجميع بإمكانات ذاتية مع ضعف الموسم الزراعي وفقدان سبل الوصول إلى حلب، واستحالة وصول المساعدات الدولية، وعدم معرفة العالم الخارجي بما يجري في ظل القطع المتواصل للإنترنت والاتصالات عن المحافظة.

أمام هذه الحقائق، فإن تصعيد النظام السوري من حملته على المدن يشير إلى كوارث إنسانية تهدد تجمعات بشرية هائلة، فهل يقود ذلك المجتمع الدولي لأن يحزم الأمر باتخاذ قرار صارم قبل وقوع الكوارث التي تنذر بها مجازر النظام السوري الأخيرة، أم أن روسيا ستبقى ترعى المجازر ملوحة بـ"الفيتو" في مجلس الأمن لحماية النظام؟

=================

«أسد» في قبضة إيران!!

يوسف الكويليت

الرياض

22-9-2012

    قبل أن تعلن إيران تورطها في القتال الدائر في سوريا بين الجيش النظامي والحر والقبض على عناصر من حرسها القومي، كانت العراق قنطرة العبور، وكذلك لبنان بواسطة حزب الله، وعملية الاكتشاف الجديدة بأن طائراتها وناقلاتها تمر عبر العراق بجسر حربي معروف سلفاً، ولا تخفي روسيا أن أساطيلها وطائراتها للنقل تزود حكومة الأسد بالعتاد العسكري، وطالما هذا بالعرف العام تدخل مباشر لصالح طرف ما في حرب دائرة، ليأتي تمنع حلف الأطلسي بتجاهل الموقف، ثم الكشف عنه وإعلانه، دلالة أن كل الأطراف التي تدعي الخلاف على وفاق تام بجعل سوريا ساحة حرب طويلة..

من يفكر أن حكومة طهران شريك بالحل السلمي يناقض نفسه، فقد حددت موقفها سلفاً أن لا إزاحة للنظام القائم حتى لو دخلت حرباً مباشرة بقوتها كلها، وما يؤسف له أن من وضعها شريكاً ورسولاً للأسد لانتزاع بعض الكلمات المطمئنة يغالط حقائق موقف إيران فهي حليف يدفع فاتورة الحرب، وما لم يأت الموقف الدولي صريحاً ومتوافقاً مع المسؤولية الأخلاقية، فإن إيران وروسيا وحزب الله قوة مساندة متورطة في عمليات القتل والتجسس والامدادات المادية، والدفاع عن النظام سياسياً ودبلوماسياً..

دول حلف الأطلسي لا تخشى روسيا والصين وإيران، والذرائع التي تتكئ عليها ليست منطقية، فقد خاضت حروباً في العديد من الدول عارضتها روسيا، ومع ذلك نفذت ما تريد عسكرياً، واكتفت روسيا بالرد الدبلوماسي المعتاد وغير الفعال، وفي الحال السوري هناك لعبة تدار باتقان ضحيتها الشعب السوري نفسه، والذي حدد مطالبه بمناطق إيواء وحماية على أرضه، وبعض الأسلحة التي يدافع بها الجيش الحر عن مواطنيه، وليس في الأمر ما يناقض القوانين الدولية، إذا كانت منظمات حقوق الإنسان دانت فعل الأسد وقوته، وطالبت محاكمته في محاكم الجنايات الدولية..

المؤسف أن العراق الذي اكتوى من نظام الأسد، صارت دوافع حكم الطائفة المرتبط عضوياً وروحياً مع إيران، تحول نظامه عدداً مباشراً للشعب السوري، ولا ندري بماذا يبني تصوراته على المستقبل البعيد، فهو يعترف أن لا تحكم سوريا بالأكثرية السنية، أسوة بحكم العراق ذا الأكثرية الشيعية، لأن ذلك سوف يخل بالنظامين العراقي والإيراني معاً، ومسألة بقاء الأسد لا تقررها قوة البلدين حتى لو دام عدة سنوات أخرى، فالرفض جاء عاماً ومن مكونات الشعب السوري كله، وقد يكون المتضرر الأكبر في علاقاته العراق نفسه، وهو ما تؤكده الوقائع الراهنة والقادمة..

عموماً إيران ستذهب بعيداً في نصرة الأسد، ولن يخفف عنها أعباء الحصار رعاية حليف يطوي أوراقه ليذهب بدون رجعة وهو قانون الشعوب عندما تحدد ما تريد!!

=================

ليست حرباً أهلية سورية!

ميشيل كيلو

السفير

22-9-2012

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن الحرب الاهلية في سوريا. وكثرت التحليلات والتقديرات حول هوية وطابع ما يدور في بلادنا المنكوبة بنظام يربط شرعية وجودها بوجوده غير الشرعي. ويتساءل حتى الخبراء عن طبيعة الصراع الدائر منذ عام ونصف العام بين شعب، كان عند بداية انتفاضته أعزل ومعاديا للسلاح، ونظام يمتلك آلاف الدبابات الحديثة والمدافع الثقيلة والطائرات القاصفة والمقاتلة، ويستخدم القوة بإفراط لا مبرر ولا مسوغ له ضد شعب، قال رئيسه في خطبته الأولى حول الأزمة: إن مطالبه محقة ومشروعة، لكنه رحب في الوقت نفسه بما أسماه «الحرب»، وهدده بها.

ترجع الحيرة في تشخيص ما يجري في سوريا إلى غرابة بنية وتركيب النظام السوري من جهة، وفرادة وجدة الثورة التي يقوم بها الشعب من جهة أخرى، كما ترجع إلى شدة وتضارب التداخلات والتشابكات العربية والإقليمية والدولية في سوريا، وإلى السياسات والرهانات التي تبناها طرفا الصراع السوريان منذ بدايته، وقامت من جانب النظام على مخطط نفذه بكل دقة، غرضه الاستراتيجي تحويل ثورة مجتمعية سلمية هدفها الحرية والمساواة والعدالة لكل السوريين إلى اقتتال طائفي يشق صفوفهم ويضعهم بعضهم في مواجهة بعضهم الآخر والسلاح في أيديهم، بينما ركز الشعب مطالبه في إصلاح يغيّر النظام، وعندما واجهه هذا بالعنف، وفقد الأمل في أي تغيير وفي وقف القتل المنهجي الذي يتعرض له، دعا إلى إسقاط النظام برمته واستبداله بنظام ديموقراطي. بما أن معظم متابعي الشأن السوري لم يقروا الاسلوب العنيف الذي عالج النظام من خلاله المطالب الشعبية السلمية والمشروعة، فإنهم حملوه بحق المسؤولية عن دفع البلاد والعباد نحو حرب مفتوحة على مختلف الاحتمالات السيئة والتصعيدية، وجعلوه الطرف الذي راهن على إثارة صراع طائفي وجهوي، يستند الى ما في المجتمع السوري وبين مكوناته من تناقضات وخلافات واختلافات طبيعية أو مصطنعة، بنى عليها طيلة نصف القرن الماضي بنية سياسية مشوهة قلبت شعار الحرية إلى أداة قمع معمم، وشعار الوحدة العربية إلى انقسامات وتصدعات عمودية وأفقية أريد بها تهشيم المجتمع السوري ومنعه من تعبئة قوى كافية تمكنه من التمرد على الأمر القائم، ومن الاشتراكية أداة إفقار للأغلبية وإثراء لأقلية تمسك بكل شيء وتضع أكثر فأكثر حصصا متعاظمة من ثروة البلد في جيوبها، أعدت للوقاية من المفاجآت جهازا قمعيا متشعبا ومتراتبا ومحدثا ومستعدا للتحرك في جميع الاتجاهات وضد سائر الخصوم المحتملين، له من العدد ما يجعله ضربا من شعب مسلح ومن التعبئة الفئوية، ما يجعل منه جيشا عدوانيا متأهباً للانقضاض على مجتمع شعبي محروم من كل شيء ويزداد حرمانا بمرور الأيام، فليس له من وطنه غير العبودية والإقصاء بأسوأ معانيهما، وليس من طريق يقوده إلى خارج مأزقه غير الموت في سبيل حريته التي كانت تبدو بعيدة المنال لأنه كان يبدو بعيدا عن التضحية بحياته في سبيلها.

في أجواء كهذه، من الطبيعي أن يتحدث من يراقبون الواقع السوري عن احتمال ان يكون ما يدور اليوم في سوريا حربا أهلية، أو اقتتالا يقود إلى الحرب الاهلية، فهل دخلت سوريا فعلا في حرب أهلية؟ وهل ما يجري فيها هو حقا الحرب الاهلية التي سعى اليها النظام ويريد منها ردع العالم وتخويفه من التدخل المباشر لوقف صراعه ضد أغلبية شعبها؟

وللعلم، فقد خطط أهل النظام لبلوغ الحرب الأهلية عبر عتبة اولى هي حرب طائفية يجب أن تنشب في مناطق معينة أهمها مدينة حمص ومحيطها المباشر، القريب منه وحتى البعيد، على أن يمهد القتال فيها لشحن نفوس وعلاقات المواطنين السوريين في بقية مناطق سوريا، بانفعالات تفجيرية تزين لكل واحد منهم اعتبار من هم مثله أخيارا يستحقون العيش، ومن لا يشبهونه أو يخاصمونه أشرارا لا بد أن يكون مصيرهم القتل، بحيث تؤدي سيطرة هذه الانفعالات على الأفراد والجماعات للقضاء على أية حسابات عقلانية تتصل بأواصر الوطنية أو تنبع منها أو تذكر بها، وتعزز فرص حرب محلية تمهد للحرب التالية، التي يجب ان تصير عامة، أي أهلية، يندفع المواطنون خلالها إلى اقتتال لا يعرف الرحمة، تضاف فيه إلى العوامل الطائفية مؤثرات سياسية واجتماعية وجهوية ومصلحية وشخصية متنوعة، ترفدها الأحقاد والمخاوف بكل ما من شأنه إغلاق الأبواب أمام الجوامع الوطنية والمجتمعية، التي من شأنها الإسهام في كبح الاقتتال أو التمهيد لوقف القتل أو للمصالحة.

لم تنجح خطة الوقيعة الطائفية التي يمكن أن تتحول إلى حرب أهلية، لسبب رئيس هو أن المعركة دارت أصلا بين النظام الحاكم وقطاعات واسعة من المواطنين ينتمون إلى طوائف وفئات وتوجهات ومصالح متنوعة، وأن السلطة كانت طرفا مباشرا ووحيدا فيها، لم يتح متسعا لأن تحل أية جهة مجتمعية محله، لتبدأ بوصفها جهة متماسكة ومعبأة تنظيميا وسياسيا وايديولوجيا قتالا مفتوحا يضم معظم المنتسبين إلى ما تنتمي إليه من مجال مجتمعي ضد جهة أو جهات أخرى موجودة مثلها عند قاع المجتمع، تكون بدورها متماسكة تنظيميا ومعبأة سياسيا وأيديولوجيا. ومع أنه من غير الممكن إنكار وجود بعض التنظيم والتوجيه العدائي لدى بعض قطاعات المجتمع السوري، فإن هذه لن تتمكن من الحلول محل النظام، لاتساع رقعة الصراع من جهة وحجم القوى المشاركة فيه من جهة أخرى، ولانخراط قطاعات من جميع مكونات المجتمع فيه مباشرة أو بالواسطة، عبر السلطة أو «الجيش الحر»، الأمر الذي يجعل الحرب الأهلية مرحلة تم تجاوزها بالمقارنة مع نمط القتال الدائر اليوم، وطرق الحرب التي يتم اتباعها في خوضه، وضروب الأسلحة التي تستخدم لحسمه من قبل النظام بصورة خاصة. فالحرب الأهلية ستكون خطوة إلى الوراء بالقياس إلى ما هو حاصل الآن، خاصة أن أحد أطرافها المفترضين غير موجود في معظم مناطق سوريا، بينما لم ينشب في أي مكان قتال مباشر ومستمر بين أنصار النظام وخصومه من الأهالي، لأنه ليس للنظام أنصار بين هؤلاء يمكن أن يقاتلوا دفاعا عنه، بعد أن ذاب واختفى حزبه أو كاد في معظم بقاع سوريا، واقتصر على المدن والمناطق التي تتوافر له فيها حماية سلطوية مسلحة. بالنظر إلى كل ما سبق. أعتقد أن نشوب حرب أهلية سورية يعتبر صعوبة موضوعية، لكونها تتعارض مع بنية البلاد السكانية وطبيعة النظام الشمولي القائم فيها، الذي نزل إلى ساحة الصراع منذ بدايته بكامل ثقله العسكري والأمني، بعد أن ألحق بأجهزته الأمنية قوى وجهات مناصرة له، كان يمكن أن تخوض حربا أهلية بالنيابة عنه، لكنه حال هو نفسه دون قيامها بذلك، عندما حولها إلى جهة أمنية شبه رسمية تشن بقيادته حربا ضد الشعب، لا تنطبق عليها أو تتوافر فيها معايير الحرب الأهلية.

يتحول القتال في سوريا أكثر فأكثر إلى حرب نظامية وتزداد مأسسة وتجييشا، يحد من طابعها الاهلي انخراط المواطنين بأعداد متعاظمة في «الجيش الحر»، في حين وحد النظام قواه العسكرية والأمنية منذ البداية ضمن مؤسساته القتالية. وأرجح أن لا تذهب سوريا إلى الحرب الأهلية، بل أن تزداد ضراوة الحرب النظامية مع تعاظم قوة المقاومة والجيش الحر وتراجع قوة نظام زج بكل ما لديه من أسلحة وقوى، لحسم الأمور ووقف الانشقاقات في صفوفه قبل ان تقوض ما تبقى من تماسك في قمة هرمه السياسي والعسكري، وتؤدي الى تصدع النظام من فوق، بعد ان تكاثرت علامات تصدعه من تحت، عند قاعدته، وينهار كل شيء بغتة، أو ينأى قادة نافذون عنه، ويبحثون عن حلول تحفظ حقوقهم في إطار وطني جامع سيكونون طرفا فيها، لأنهم أسهموا في تحقيقها.

في العادة، تتطور الحرب الأهلية إلى حرب نظامية. بما أن الحل الأمني حشرنا منذ البداية في نمط من المقاومة موجه ضد السلطة الحاكمة ومؤسساتها الأمنية، تطور أكثر فأكثر إلى حرب نظامية، فإن عودتنا إلى الحرب الأهلية تبدو مستبعدة، ما دامت الحرب الأهلية تعني انقسام المجتمع إلى أطراف متحاربة تحاول كل واحدة منها إفناء غيرها. تخطى السوريون هذا الوضع، ولا بد لهم من الإفادة من هذه الحقيقة المهمة عند إعادة بناء دولة الحرية والعدالة والمساواة، التي ستقضي على عوامل الفرقة بينهم وستحافظ عليهم في إطار وطني رفيع وجامع، ينتج سلاما أهليا أبديا، سينعمون في ظله بالأمان والكرامة والمساواة.

 

=================

حرب إيران في سوريا ولبنان

علي حماده

2012-09-22

النهار

قبل ايام قال قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري : "إن عناصر في الحرس الثوري موجودون في سوريا لتقديم العون غير العسكري، وإن إيران ربما تنخرط عسكرياً هناك في حال تعرض سوريا لهجوم".

و البارحة قال اللواء حسن فيروز آبادي، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، إن الحرب الجارية في سوريا هي حرب بلاده، وأيد ما صرح به الرئيس السوري بشار الأسد لدى استقباله وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي الذي قال :"ليست سوريا المستهدفة الوحيدة، بل الهدف هو القضاء على محور المقاومة بمجمله". واضاف فيروز آبادي: "ما قاله السيد بشار الأسد صحيح، لأن سوريا تشكل الخط الأمامي للمقاومة في التصدي للكيان المحتل للقدس، وقد حافظت على هذا الخط منذ أعوام".

بالطبع، لن نتحدث عمّا يقوله المسؤولون الايرانيون عن وجودهم في لبنان، وعن ان "حزب الله" سيدخل حربا ضد اسرائيل في حال تعرض ايران لاعتداء اسرائيلي. ولكن المثير في المسألة السورية هو ارتفاع منسوب المواقف الايرانية العالية النبرة، والاعتراف متكرر بإن ايران تخوض حربها الوقائية، (وثمة من يعتبر انها حرب استراتيجية) في سوريا وان سقوط نظام بشار الاسد هناك سينعكس مباشرة على كل البناء الاستراتيجي الايراني الذي قام على عملية تراكم استمرت اكثر من ثلاثة عقود، تمكّنت خلالها ايران من اختراق كل المشرق العربي وصولا الى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، حيث حقق "حزب الله" المرتبط بطهران قفزات نوعية على طريق تطويع لبنان، والسيطرة على معظم مفاصل السلطة فيه، فضلا عن امتلاكه القدرة العسكرية والامنية الوحيدة القادرة فيه. ولعل حرب تموز ٢٠٠٦ التي افتعلها " حزب الله" مع اسرائيل شكلت تمرينا بالذخيرة الحية لحرب ايرانية - اسرائيلية مقبلة، ولقدرات ذراع ايران في لبنان على الحدود الشمالية لإسرائيل.  بالنسبة الى الساحة السورية، فإن الثورة التي بدأت شعبية وسلمية ضد نظام حكم دكتاتوري دموي مافيوي الطبيعة، تحولت بقرار النظام وداعميه الايرانيين الى حرب محلية اقليمية، وخصوصا ان النظام المافيوي دفع السوريين دفعا الى حمل السلاح للدفاع عن ارواحهم وبيوتهم، على قاعدة ان معركة عسكرية بين طرفين غير متعادلي القوة ايسر من مواجهة ثورة شعبية سلمية كما كان الامر في الاشهر الثمانية الاولى. ومن المسلّم به ان ايران أدت ولا تزال دورا محوريا في تحويل سوريا ساحة حرب اقليمية كبرى من اجل تعقيد مسألة اسقاط نظام بشار الاسد.

لقد شكلت اعترافات القادة العسكريين الكبار في ايران، وهم واجهة النظام في طهران وعصبه،الاطار الامثل لرؤية حجم التورط في سفك دماء السوريين، وللدور الذي يشمل لبنان ايضاً، حيث لن يتأخر الايرانيون عبر "حزب الله" لحظة واحدة عن اغراق لبنان في بحر من الدماء لحظة يتعرض استثمارهم الاستراتيجي للتهديد. من هنا ضرورة دعم احرار لبنان والمشرق العربي الثورة في سوريا لانها حرب تحرير كبرى موازية للتحرير من الاحتلال الاسرائيلي نفسه.

=================

فرصة التدخل في سورية

منار الرشواني

الغد الاردنية

22-9-2012

لا يكشف إلا عما هو معروف بداهة التقرير الاستخباري الغربي حول الرحلات اليومية لطائرات إيرانية إلى سورية، محملة بمقاتلين من الحرس الثوري والأسلحة. الأمر الذي ينطبق، كذلك، على إقرار قائد الحرس الثوري، محمد الجعفري، قبل أيام، بوجود من سماهم "مستشارين" من الحرس في سورية لمساعدة نظام بشار الأسد. إذ تكفي ملاحظة الكفاءة التدميرية التي أصبح يتمتع بها جيش الأسد في مواجهة الثورة السورية بما لا يقارن بالسابق، وذلك على الرغم من الإجهاد الذي يفترض أنه أصاب هذا الجيش بعد ثمانية عشر شهراً من القتال ضد المدنيين والثوار، وأهم من ذلك بعد مقتل أربعة من كبار قادة النظام العسكريين والأمنيين في تموز (يوليو) الماضي.

ولعل عملية اغتيال هؤلاء القادة خصوصاً شكلت نقطة تحول حاسمة في الاستراتيجية الإيرانية الداعمة للأسد، بحيث لم يعد ثمة خيار غير الانخراط بشكل كامل في العمليات العسكرية ضد الثورة السورية.

لكن بقدر ما هو معروف تماماً عدم قدرة إيران على تحمل خسارة الأسد وزوال نظامه، فإنه لم يعد بالإمكان تصور قبول الولايات المتحدة باستمرار هذا النظام، طالما أن ذلك يعني حتماً نصراً لحكام طهران، تستتبعه هيمنة وسيطرة إقليمية إيرانية شبه كاملة. ومع ذلك، ففي مقابل التورط الإيراني المباشر في سورية، يبدو الموقف الأميركي حتى اللحظة ثابتاً على سياسة الإكثار من التصريحات الجوفاء، ربما بهدف التغطية على الانكفاء الأميركي الفعلي، ولاسيما من خلال رفض تزويد الثوار السوريين بالأسلحة الضرورية.

طبعاً، هناك تفسيران متداولان لسلوك إدارة الرئيس أوباما على هذا الصعيد. يتمثل الأول في اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، بما يحد من قدرة الرئيس على اتخاذ أي قرارات حاسمة، لاسيما في شأن غير حاسم انتخابياً. لكن هذا التفسير كان صالحاً إبان الحديث عن تدخل عسكري أميركي مباشر، الأمر الذي بات في حكم المؤكد أنه غير وارد أبداً لأسباب كثيرة، أهم الظاهر منها هو المعارضة الروسية-الصينية، وعدم قدرة الولايات المتحدة والدول الغربية، تالياً، على التصرف بشكل منفرد قد يهدد مصالحها المتنازع عليها مع روسيا والصين خصوصاً في أماكن أخرى من العالم بعيدة عن الشرق الأوسط. هنا يبدو التفسير الثاني المتمثل في أن من مصلحة أميركا، ومعها إسرائيل حتماً، تدمير سورية على النحو الذي يقوم به نظام الأسد منذ اندلاع الثورة. ومن ثم، يكون مفهوماً ومتوقعاً تماماً، وفق هذا الرأي، النأي الأميركي عن أي فعل مؤثر إلا بالقدر الضروري لمنع استعادة الأسد السيطرة الكاملة والفعلية على سورية.

لكن في مقابل هذين التفسيرين يظهر تفسير ثالث، ويتجسد في رغبة أميركا (ولربما حاجتها بسبب ما تعانيه من أزمة اقتصادية وتراجع دبلوماسي) في حصول التدخل (غير المباشر حتماً) في سورية عبر دول الإقليم التي تقف فعلياً على خط المواجهة المباشرة ضد نظام الأسد، والذي بات استمراره يهدد مصالحها بشكل خطير منذ الآن، فكيف في حال سحقه الثورة!

والواقع أن هذا التفسير/ السيناريو ينطوي على فرصة عربية خصوصاً، بدلاً من ترجمته –كما يوحي للوهلة الأولى- خضوعاً للضغوط أو الابتزاز الأميركيين. ويبدو ذلك في اعتبار إنهاء الأزمة السورية فرصة لتبني سياسة عربية-إقليمية واعية، تتضمن التعاون العسكري، لكنها تقوم أساساً على الإصلاح والتنمية الشاملين، مفهوماً وجغرافيا. فإذا كان الإصلاح والتنمية مطلبين للشعوب، فهما في الواقع، من خلال تكامل إقليمي، خيار الأنظمة الوحيد للتجدد والاستمرار.

manar.rachwani@alghad.jo

=================

مرة أخرى عن «طائف سوري» * عريب الرنتاوي

الدستور 

22-9-2012

قبل أربعين يوماً بالتمام والكمال، وفي هذه الزاوية بالذات،نشرنا مقالاً بعنوان: “متى يصبح الطائف خياراً ممكناً لحل الأزمة السورية؟”..يومها تحدثنا عن تعذر خيار “الحسم” عند السلطة والمعارضة سواء بسواء، في ظل إحجام الجهات الدولية ذات الصلة، عن التدخل العسكري في سوريا..يومها أكدنا أن “الطائف 2” لم تكتمل شروطه بعد، بسبب غياب “التوافق” أو “التفاهم” الإقليمي والدولي، باعتباره شرطاً لتوافق أطراف الصراع المحلية واتفاقها، سيما بعد أن “تدول” الصراع على سوريا و”تأقلم”.

أمس، كنت استمع للدكتور ناصيف حتي سفير جامعة الدول العربية في باريس، يتحدث في ذات السياق، ويميز بين “طائفين”: الأول؛ إقليمي\دولي...والثاني؛ محلي\سوري...هو أيضاً لم ير أن شروط “الطائفين” قد نضجت بعد، بيد أنه توقف لشرح أطروحة صائبة في العلوم السياسية، مفادها أن “المصالح المشتركة” ليست وحدها ودائماً، السبب في بناء “التفاهمات” و”التوافقات” بين الدول...أحياناً تبني هذه الدول “تفاهماتها” على نظرية “المخاوف المشتركة”.

لا مصالح مشتركة للاعبين الإقليميين والدوليين في سوريا...تضارب المصالح وتناقضها كان قائما قبل اندلاع الأزمة السورية..وهو مستمر الآن...وقد يظل كذلك في المستقبل المنظور...لكن الجديد الذي طرأ خلال الأيام الأربعين الفائتة، أي منذ أن تحدثنا لأول عن “طائف سوري”، هو أن منسوب “المخاوف المشتركة” قد تنامى وتفاقم...وبات يشكل أساساً موضوعياً لـ”طائف إقليمي \دولي” مُحتمل حول سوريا.

وأحسب أنه يمكن النظر لأحداث بنغازي ومصرع السفير الأمريكي وصحبه في قنصليتهم هناك، بوصفها نقطة تحول حاسمة في الطريق إلى بناء “التفاهم الدولي” المبني على قاعدة “المخاوف المشتركة”، في غياب منظومة “المصالح المشتركة” وتعطل مفاعيل نظرية “توازن المصالح” الغورباتشوفية.

ليس خافياً على أحد، أن واشنطن تُجري الآن مراجعة وتقييماً دقيقين لعلاقاتها بـ”الإسلام السياسي” بعامة، العربي على وجه الخصوص....ولا شك أن نتائج هذه المراجعة ستراوح ما بين حدين: الحد الأعلى، إحداث تغيير “جوهري” في النظرة والمقاربة والعلاقة....والحد الأدنى إدخال تعديل على هذه المقاربة “Fine Tuning” ولقد شهدنا جملة مؤشرات دالة على هذه المراجعة، من اتهام جماعة الإخوان المسلمين بتبني “خطاب مزدوج” إلى وصف “حكمهم” في مصر بـ”اللا عدو واللا حليف”، فضلاً عن مراجعة المساعدات الإضافية وإلغاء لقاءٍ كان مرتقباً بين أوباما ومرسي...وهذا كله في العلن.

أما في الخفاء، فإن واشنطن باتت كما يقول حلفاؤها والمراهنون على تدخلها في سوريا بعد الإنتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم، أبعد أكثر من أي وقت مضى عن هذا التدخل...وهي باتت أقرب، وأكثر من أي وقت مضى كذلك، أكثر حماسةً لتحويل سوريا إلى ساحة مواجهة مع “القاعدة” والحرب على “الجهاديين”، ومصادر أنقرة تتحدث عن إلحاح أمريكي على تركيا لمواجهة “القاعدة” و”الجهاديين” في سوريا، الذين يستخدمون الأراضي التركية ويمرون منها إلى “ساحة الجهاد الجديدة”، كشرط أو “مطلب” أمريكي لدعم أنقرة في حربها على حزب العمال الكردستاني.

إذن، في غياب الحسم، حسم السلطة لحربها مع المعارضة، وحسم المعارضة لمعركة إسقاط النظام...ومع إطالة أمد الأزمة السورية واستطالتها..ومع تنامي دور الإسلاميين عموماً و”الجهاديين” خصوصاً في سوريا، فإن فرص بناء “التفاهم الدولي” حول سوريا، والمبني على “تفاقم المخاوف المشتركة”، قد باتت أعلى من أي وقت مضى...على أن ذلك لا يعني تلقائياً أن اللاعبين الإقليميين قد باتوا أقرب للتوافق والتفاهم...فالسعودية وقطر على سبيل المثال ، لا تستشعران المخاوف ذاتها التي بدأت تؤثر على المواقف الأمريكية والأوروبية، وهما ماضيتان في دعم “جناحي الإسلام السياسي، الإخواني والجهادي”...وتركيا أدخلت بعداً “شخصياً” و”حزبياً” و”مذهبياً” في مقاربتها للأزمة السورية، سيجعل دبلوماسيتها أقل مرونة في التكيف مع “جديد” الأزمة السورية المُتحركة، وستيعين على أطراف “التفاهم” الدولى المُحتمل، أن تبذل جهوداً كبيرة، لإخراج “التفاهم الإقليمي” إلى حيز التنفيذ.

في سياق “المخاوف المشتركة” وبوحيها...تتحرك روسيا وإيران والصين صوب “نقطة في منتصف الطريق” مع المحور الإقليمي والدولي الداعم للمعارضة السورية والمنادي بإسقاط النظام....وفي هذا السياق، يمكن التذكير بوقف روسيا المنفتح على “حلول” تستثني الأسد أو تنتهي بإخراجه من السلطة”...هنا أيضاً لا يمكن التقليل من شأن الحماس الإيراني لمبادرة مرسي “الرباعية الإقليمية” برغم المواقف “الجذرية” التي أطلقها الرئيس الإخواني لمصر ضد الأسد ونظامه.

حتى الآن، اصطدمت جميع المبادرات والمساعي الرامية حل الأزمة السورية بتباين مواقف الأطراف من مصائر الأسد الشخصية، يبقى أم يرحل...إلى متى سيبقى ومتى يرحل...الآن تتوفر فرصة، وربما لأول مرة، لـ”بناء التفاهم الدولي” ابتداءً، ولاحقاً “التفاهم الإقليمي” على معادلة تقول: “الإنتقال السياسي ينتهي برحيل الأسد ولا يبدأ به”...وللإنتقال السياسي شروط ومتطلبات، لا أحسب أنها كافية لتعطيل بناء التفاهمات والتوافقات...وربما يكون موعد الإنتخابات الرئاسية السورية المقبلة (2014) تاريخاً ممكناً، لاستكمال عملية “الإنتقال السياسي”، وموعداً لانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة لسوريا، لا يشارك فيها الأسد مرشحاً، شريطة أن تسبقه إجراءات وقف العنف والقتال وإطلاق سراح المعتقلين وتشكيل حكومة وحدة انتقالية، وغير ذلك كثير من خطوات بناء الثقة.

لاحظوا أننا لم نأت على ذكر “التفاهم الوطني” السوري الداخلي...لقد أسقطنا هذا الأمر في هذه المرحلة من التحليل، ولم يسقط سهواً...ذلك أن مرور 18 شهراً على اندلاع “المسألة السورية” قد أفقد الأطراف المحلية قدرتها على التحكم بمسارات الأزمة...أفقدها “استقلالية قرارها”...وجعل منها أشبه ما تكون بأدوات ووقود للصراع الإقليمي \ الدولي على سوريا...وفي مثل هذه الظروف، فإن إنتاج “التفاهمين” الإقليمي والدولي، كفيل وحده، وبقليل من الجهود والضغوط، بإنتاج “التفاهم الوطني”.

التاريخ : 22-09-2012

=================

اعتقال قياديي المعارضة السورية الداخلية

رأي القدس

2012-09-21

القدس العربي 

اذا صحت الانباء التي تتهم السلطات السورية باعتقال المعارض السوري البارز عبد العزيز الخير القيادي في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي واحد زملائه بعد عودتهما من زيارة الى الصين، وهي تبدو انباء صحيحة، فان هذا مؤشر واضح على ان النظام السوري لم يتعلم من دروس العام ونصف العام الماضي، وما زال مستمرا على نهجه القديم الذي ادى الى وصول البلاد الى هذه الحالة المزرية من الحرب الدموية.

النظام السوري يتحدث عن ايمانه بالاصلاح، ويؤكد عبر اجهزته الاعلامية انه ماض فيه قدما، ومستعد للحوار مع المعارضة الوطنية، للوصول الى حل سياسي للازمة يحقن الدماء، ولكن اعتقاله لاحد ابرز رموز هذه المعارضة الوطنية، وبعد عودته من الصين، وليس الولايات المتحدة الامريكية او السعودية مثلا، يجعلنا، والكثير مثلنا، نشكك بكل هذه الاحاديث حول الحوار والاصلاح.

هيئة التنسيق الوطنية تضم شخصيات سورية وطنية ترفض التدخل الاجنبي، العسكري او السياسي، وتنطلق من معارضتها من الداخل السوري، وهؤلاء تعرضوا للاعتقال والتعذيب في سجون النظام، ومع ذلك رفضوا كل الاغراءات للتعاون مع الخارج، او القبول بالحلول الغربية، الامر الذي عرضهم لحملات التخوين واتهامات العمالة للنظام، ولذلك فان اعتقالهم او بعضهم يظل تصرفا ينطوي على الكثير من قصر النظر، ونفي الرأي الآخر والتشكيك في وطنيته.

ومن المفارقة ان هذا الاعتقال، اذا صح، يحصل قبل ايام معدودة من عزم الهيئة عقد اجتماع لها في دمشق وليس في واشنطن او لندن او الرياض او الدوحة، للتأكيد على هويتها الوطنية السلمية والتصاقها بالارض السورية، ووجهت الدعوة الى شخصيات وطنية عربية للمشاركة في مؤتمرها هذا، الذي يخدم اهدافها مثلما يعطي بعض الفوائد للنظام الذي من المفترض انه لن يجهض هذا المؤتمر ويعتقل اصحابه، وهو الذي يتحدث ليل نهار عن ايمانه بالحوار مع المعارضة الوطنية التي لم تتلطخ اياديها بدماء السوريين، ولم تنخرط في المؤامرة التي تستهدف سورية.

الحوار هو الحل الوحيد لاخراج سورية من ازمتها الدموية الحالية، ووقف عمليات سفك الدماء للشعب المطحون، ووضع حد للتدمير الذي تتعرض له البلاد، واذا كانت السلطات السورية لا تستطيع تحمل معارضة وطنية داخلية مثل هيئة التنسيق تتوفر فيها كل الصفات التي حددتها هي للحوار، فمن الصعب عليها التحاور مع اي طرف آخر، اللهم الا اذا كانت تريد الحوار مع نفسها.

=================

العلل الأفغانية في الثورة السورية

السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٢

جمال خاشقجي

الحياة

وجب التشاؤم حيال الأزمة السورية، ويجب الاستعداد للأسوأ، فعندما يترك المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي المكلف حل الأزمة، عمله الحقيقي ويزور مخيمات للاجئين في تركيا، فهذا لا يعني سوى أن الرجل ليس عنده أفكار، ويريد أن يبدو بمظهر المهتم النشط ريثما يقدر الله أمراً كان محتوماً.

وكذلك عندما تغيب السعودية عن اجتماع وزراء خارجية اللجنة الرباعية التي اقترحتها مصر لحل الأزمة، فهذا لا يعني غير أنها فقدت الأمل، فإذا كان هدف اللجنة إقناع إيران بتغيير موقفها، فلا أمل في ذلك فهي في مركب «بشار» حتى لو غرقت معه. وإن كان الهدف التوصل إلى حل، فكيف للجنة فيها إيران أن تتوصل إلى حل عجزت عنه مجموعة أصدقاء سورية التي تضم حوالى مئة دولة، وقبلها الجامعة العربية والأمم المتحدة.

إن مجرد استمرار هذه اللجنة من موجبات التشاؤم، على رغم تأكد فشلها للمصريين والأتراك، ليس بسبب غياب السعودية وإنما لـ «المسخرة» الإيرانية، والتي يعترف رئيس حرسها الثوري بوجود عناصره في سورية لمساعدة النظام «ولكنهم لا يقومون بدور عسكري»، ثم يقول إنهم لن يتدخلوا لإنقاذ النظام، ثم ينفي متحدث رسمي إيراني التصريحات ويؤكد أنهم لن يسمحوا بسقوط النظام، فلا تعرف ما الذي ينفون وما الذي يثبتون. ثم بكل وقاحة يعلنون من القاهرة مبادرة لوقف إطلاق النار، بشرط وقف دعم المعارضة وإطلاق حوار يؤدي إلى «إصلاحات وتعزيز الديموقراطية» في سورية!

وما دمنا بصدد معركة طويلة، من المفيد إجراء مقارنة بين الوضع السوري والجهاد الأفغاني، اللذين يزداد التشابه بينهما يوماً بعد يوم، على كراهية السوريين لذلك، فهم يخشون أن «تتأفغن» بلادهم وصراعهم، فيطول عمر ثورتهم، إذ استمر الجهاد الأفغاني 10 أعوام ضد الاحتلال السوفياتي، ثم عامين ضد حكومة كابل التي تركها الروس، ثم نشبت حرب أهلية يرى البعض أنها مستمرة حتى يومنا هذا. أي بحسبة سريعة، هي 33 سنة من المعاناة... عمر الثورة السورية، عام ونصف، ولا يبدو أن ثمة أملاً قريباً بانتهائها.

الصراع بين الميليشيات يمكن أن يستمر أعواماً، ولنا في لبنان عبرة. ها هو الجيش الحر يستعيد حي صلاح الدين في حلب، ثم يخسره ثم يستعيده، هكذا تمضي حروب الميليشيات. كما أن تعددها يخيف الداعمين، فمنع أسلحة ضروريةعنهم ، مثل صواريخ «المان باد» التي يحتاجونها لتحييد طيران النظام الذي فتك بالمدنيين أكثر مما قتل من الثوار، لخوف الولايات المتحدة أن تصل لليد الخطأ، فتعطل وصول نحو 100 صاروخ وفرتها دول خليجية، لأن الأميركيين يعتقدون أن ضوابط معينة في الداخل لا بد أن تتوافر قبل السماح بتسليمها للثوار. إنها ضوابط مستحيلة، الجميع يعلم أن ما من سبيل لضبط الأمر في بلد انفلت حبل أمنه بالكامل، بل إن هذه هي طبيعة أي ثورة مسلحة.

أحياناً يفكر الخبراء الاستراتيجيون بسذاجة ورومانسية وكأنهم يشهدون صراعاً لأول مرة، فيما يستطيعون العودة إلى ملفاتهم القديمة والاطلاع على ما سجلوه من علل الجهاد الأفغاني التي تتكرر اليوم في سورية:

- كل محاولة لتوحيد الثوار ستولد تنظيماً جديداً، فثمة أفراد في التنظيم القديم (الجيش الحر) سيرفضون الدخول في التنظيم الجديد (الجيش الوطني) فننتهي بتنظيمين، ومن حولهما عشرات الكتائب تحتار بينها ولكن تستغلهما، كما تحتار الأطراف الدولية الأخرى فيهما وأيهما أحق بالدعم.

- السوريون ليسوا مثل الفرنسيين يتفقون على «ديغول» واحد، وإنما هم مثل الأفغان وربما أكثر، كلهم يعتقدون أنهم زعماء.

- المعلومات التي تصل من الداخل دائماً متناقضة، ومبالغ فيها خصوصاً عندما يترتب عليها صرف أموال أو توزيع أسلحة.

- الأنشط إعلامياً ليس بالضرورة أنه الأنشط على الأرض (الذي لديه تسجيلات أكثر على «يوتيوب» لا يعني أنه الأقوى).

- الوسطاء الذين يزعمون أنهم يعرفون الساحة جيداً، إنما يعرفون مَنْ يعرفون جيداً، ويجهلون مَنْ لا يعرفون تماماً، وبالتالي ستتوجه مساعدتهم نحو من يعرفون، ويهملون من لا يعرفون. حينها ستتهم الدولة الموظفة للوسيط بالمحاباة، وتفريق صف الثوار. بل ربما أسوأ، قد تتهم بالتآمرعلى الثورة.

- الثورة للشرفاء، وعشاق الحرية، ولكنها أيضاً ساحة للانتهازيين والتجار والمقامرين، ومتقلبي الولاء، بل حتى المجرمين.

- فكرة توحيد الثوار في الداخل مُغرقة في الرومانسية، ولكن يجب الاستمرار في السعي نحو تطبيقها من باب ما لا يدرك كله لا يترك جُله، التنسيق هو الحد الأدنى، وقد تحقق بفضل الأجهزة المتطورة التي وصلت من الأميركيين والفرنسيين. صعوبة توحيد الثوار تكمن في أنهم أتوا من مشارب عدة، المنشقون من الجيش يأتون من وحدات مختلفة وعلى فترات متباينة، ومثلهم من المدنيين طلاباً وعمالاً وفلاحين، متدينين وغير ذلك. هناك منتمون سياسياً وآخرون لا تهمهم السياسة، وإنما هدفهم الخلاص من النظام أو الانتقام منه، وسيبقى من الصعب صف هؤلاء تحت إمرة مركز واحد للتحكم والسيطرة.

- من يقُلْ إن «الإخوان المسلمين» هم الفصيل الأكبر في الداخل فلا تصدقه، ومن يقُلْ العكس فلا تصدقه أيضاً، فلا أحد يعرف الحقيقة، ولن يُعرف الحجم الحقيقي لهم إلا بعد أول انتخابات حرة تجرى هناك. لذلك، من الأفضل ألا يؤثر السعي البائس للإجابة على هذا السؤال في قرار أي دولة في دعم الثورة السورية.

- قاعدة أن عمل «عنوان واحد» سيجذب له الجميع للحصول على المال والمساعدات غير صحيحة، لأن التجارب السابقة أثبتت أنه يستحيل عمل عنوان واحد.

لقد نجحت الثورة السورية حتى الآن في إقصاء «القاعدة»، حتى الجماعات السلفية المتشددة التي تتلقى تبرعات ودعماً من جهات خليجية غير حكومية، رفضت إغراء إعلان هواها «القاعدي» ولكن استمرار الأزمة، ومشاعر الإحباط التي تتنامى وسط السوريين والذين عبروا عنها بوضوح حين قذف اللاجئون الإبراهيمي بالحجارة عندما زار مخيمهم. لقد باتـــت الديبلوماسية تعني التسويف عند الشعب السوري الذي يكتوي يومياً بنيران قصــف النظام، ما يولـــد فيه غضباً ونقمة، وشعوراً متنامياً بتخلي العالم عنه. هذا الغضب مع العلل الأفغانية السابقة الذكر، قد يفتح الباب للتطرف الذي يركز الاستخباراتيون والعسكريون على منعه، ولكن سعيهم هذا أصبح سبباً لترددهم في اتخاذ إجراءات وإرسال أسلحة تحسم المعركة، وكأنهم يفرون من شيء يولدونه بترددهم وتأخرهم.

حينها يجب ألا يفاجأ الخبراء الذين يجتمعون في أضنة، عندما يسمعون البيان الأول لـ «أبو عمر النجدي» معلناً عن انضمام كتيبة صقور الجزيرة إلى كتائب صقور الشام، مع أسود أنبار العراق، ومعهم مجاهدو أكناف بيت المقدس، في جبهة الجهاد المتحدة... «لا... لا، الاسم يبدو كأنه وكالة سيارات، لا بد أن نبحث عن اسم ذي وقع أشد ويعبر عن تطلعاتنا المشتركة». أتخيل «أبو عمر» يقولها لرفيقه «أبو النصر المكي» ومن حولهم خليط من الشباب المتحمس من كل بلاد العرب وهم جميعاً في حلب الشهباء، أرض الجهاد والملحمة الكبرى التي يستعجلونها!



=================

بشار الأسد: التخلي عن الدولة العلوية

عبد الله بن بجاد العتيبي

الشرق الاوسط

22-9-2012

لم يزل بشار الأسد يتنقل في خياراته من مرحلة إلى مرحلة أخرى ومن نهج إلى نهج، وإن لم يكن ذلك في كل الخيارات ففي أجزاء مهمة منها؛ إذ يبدو أن الأسد في ظل المتغيرات الكبرى التي يشهدها داخليا وخارجيا بدأ إعادة التفكير في موقفه ومستقبله، وغير شيئا من خططه وأحلامه وأوهامه.

لقد تنقل الأسد في خياراته تجاه ما يجري في سوريا، فاختار الحل العسكري والأمني من أول لحظة واستمر عليه إلى اليوم، ولكن طرأت على هذا الحل وهذا الخيار تطورات ساهمت فيها الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية والداخلية.

فبعد فشل الحل العسكري الأمني في قمع الحراك السلمي، ودفعه للتسلح الذي كان يريده الأسد لتبرير استخدامه القوات المسلحة ضد شعبه، إلا أن السحر انقلب على الساحر، فنشأت مجموعات مسلحة لم تلبث أن اتحدت في الجيش السوري الحر، مما أصبح يهدد كيانه من أساسه، وها هي الأنباء تتوالى عن محاولات حثيثة لجمع الجماعات المسلحة تحت لواء واحد يضمن عدم تشتتها ويقلل من حجم الأضرار اللاحقة التي قد تنشأ عن بعضها.

ثم جاءت مرحلة أخرى بعد تنامي المعارضة المسلحة وزيادة الضغوط الدولية وتصاعد التهديدات، وبعد بداية الانشقاقات العسكرية والسياسية - التي تصاعدت في وقت لاحق وشملت الدوائر المقربة منه - اتجه الأسد في صراعه الدامي لفكرة قديمة هي إقامة دولة علوية في جبال العلويين التي أصبحت تسمى محافظة اللاذقية، فتركزت عملياته ومجازره على السفوح الغربية والشمالية لجبال العلويين بغرض صنع حدود طبيعية لتلك الدولة المرتجاة.

ويبدو اليوم أنه، ومع تفاقم الأزمة، قد تخلى عن وهم الدولة العلوية، وهو ما قد يشير إليه اتجاه الأسد للتركيز على استخدام الطيران الحربي بالمروحيات والطائرات الروسية المقاتلة والصواريخ عن بعد، ولجوؤه للمدفعية الثقيلة وقذائف الدبابات، وتعميمه هذا النهج على كافة الخريطة السورية، وأنه قد اقتنع متأخرا بأن الدولة العلوية مجرد وهم تاريخي وعائلي لا صلة له بالواقع وأن عليه البحث عن مخارج أخرى.

مع كل مناوراته وتنقلاته بين استراتيجية واستراتيجية وتكتيك وتكتيك، فإن الأسد سيرحل لا محالة، فليس أمامه أي طريقة للبقاء، وقصارى أمره أن يظفر قبل النهاية بفرصة للفرار بجلده وعائلته القريبة لمنفى يختاره، ولكنه نجح في أمرين؛ الأول: خلق حالة عميقة من الفوضى العارمة والأحقاد المتقدة ورغبات الانتقام والتشفي، سمحت بدخول تنظيمات العنف الديني، كجماعات أو كأفراد، للقتال داخل سوريا لإقناع دول العالم بأنه إنما يقاتل الإرهابيين وتنظيم القاعدة. الثاني: التأسيس المنهجي لخلق بيئة تنتعش فيها كل بواعث اشتعال حرب أهلية حين تحين ساعة الرحيل.

التأثير الأسوأ والأكثر ضررا جراء رد الفعل المتهور والأحمق ضد الفيلم المسيء للرسول الكريم سينصب على الموقف الدولي تجاه سوريا، وسيصعد التخوفات الدولية من انتشار الفوضى الأصولية على الرقعة السورية، أي على مرمى حجر من إسرائيل، التي مع عداوتها الظاهرة للمشروع الإيراني إلا أنها غير مستعدة لمواجهة عدو أصولي مجهول جديد على جبهة الجولان، وبعد هذه الأحداث فإن الغرب سينصت لها مليا.

اعترفت إيران رسميا بوجود عناصر من الحرس الثوري داخل سوريا، وزعمت أنهم هناك لأغراض ادعتها، والحقيقة التي يعلمها الكثيرون هي أن هذه العناصر العسكرية المدربة التي نجحت من قبل في وأد الثورة الخضراء بإيران - لا عمل لها في سوريا سوى مشاركة نظام الأسد في قتل شعبه وتدمير بلده، لا بخبرتها وخططها فحسب، بل وبالعمل العسكري والأمني المباشر، ومعيب على بعض الدول العربية التي تفتش عن موضع قدم جديدة في توازنات المنطقة كمصر أن تمنح إيران غطاء عربيا في محاولات الأخيرة التدخل في الشؤون العربية، ويبدو أن إيران لم تقتنع بعد بأن عليها تجرع السم مرة ثانية وهو هذه المرة أكبر بكثير من السم الأول الذي تجرعه الخميني.

لقد اضطربت السياسات الأميركية والغربية عموما تجاه ما كان يسمى «الربيع العربي»، وهي بتخاذلها عن دعم الشعب السوري والاتجاه للمزيد من هذا التخاذل تجاه الأوضاع في سوريا إنما تزيد من الدخول في اضطراب الرؤية وتشتت الرأي، ولئن كانت لديها مخاوف محقة تجاه انتشار التطرف الديني المسلح داخل سوريا فإن ما دفع إليه منذ البداية هو هذا التخاذل السياسي الذي سمح له بالوجود ومن ثم التوسع.

إنما قلت إنها مخاوف محقة، لأن البشر حين يقعون تحت ضغوط هائلة واستثنائية يلجأون لإيمانهم ولا يكتفون منه بجوهره المعتدل، بل يذهبون به إلى حدوده المتطرفة، وكلما كانت الضغوط دموية ووحشية وقاسية بما لا يوصف كان الاتجاه للتطرف خيارا أقوى من غيره، ثم إن طول المدة وانسداد الأفق قد تدفع به ليصبح خيارا وحيدا وبلا بديل.

يعرف المراقب للأوضاع هناك أنه بعد عسكرة الحراك السلمي، بدأت المجموعات العسكرية ضد قمع النظام تتخذ أسماء ليس لها علاقة بالمدنية والسلمية، بل علاقتها الأكبر هي مع الأبعاد الدفينة في الأمة حيث الطائفية والإثنية والعنف، وقد تطور الأمر في هذا السياق لجهتين؛ جهة وصول مقاتلين إسلاميين من خارج سوريا، وجهة صعود نبرة خطاب «آخر الزمان» وتطبيق مفرداته على ما يجري على الأرض هناك، بمعنى نقل القتال من بعده المدني والسياسي إلى بعد ديني أخروي عنيف، وقد بدأ الجميع يسمع عن «أكناف بيت المقدس» ونحوها من التعبيرات الدالة والمنتقاة من نصوص آخر الزمان وتطبيقها بشكل عشوائي على أحداث سياسية ومتغيرات تاريخية.

مع تمني العكس، فإن الأوضاع والجو العام داخل سوريا يبدوان مشابهين بشكل كبير لما جرى من قبل في أفغانستان والبوسنة والشيشان، ويبقى الرهان على تحرك دولي أسرع لحسم الأوضاع هناك، وعمل جاد عربيا، وبالتعاون مع شتى القوى السورية الصاعدة، للجم أي تطور في هذا الاتجاه والتخطيط لمواجهته بدءا من الآن وليس من الغد.

أخيرا، لم يتخل الأسد عن وهم الدولة العلوية إلا ليتجه لمزيد تركيز على خيارات أكثر شرا وشررا كخيار شمشون، وكما تحمل «الدابي» وزر خيار الحل الأمني والعسكري، وتحمل «أنان» أوزار وهم الدولة العلوية، فيبدو أن «الإبراهيمي» سيجمع أوزار خيار شمشون.

=================

الحبل السري للمالكي في سوريا

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

22-9-2012

كيف عادت قوات الأسد إلى الوقوف على قدميها بعد أن فقدت سيطرتها على معظم الأراضي السورية، وبعد أن دخل الثوار العاصمة دمشق؟ السر في العراق الذي لعب دور الممول المالي والنفطي والمعبر البري. وبعد أن تمكن الثوار السوريون من إغلاق المنفذ الحدودي البوكمال مع العراق بعد استيلائهم عليه، قطعوا الحبل السري وتوقف طابور الشاحنات. إنما فتح العراق أجواءه للطائرات الإيرانية، فأقامت إيران بالتعاون مع المالكي أسطولا جويا أعاد الحياة لقوات الأسد. إذن العراق يلعب دورا مهما في الحرب ضد الشعب السوري، هذا ما تؤكده المعلومات التفصيلية المدعومة برصد الاتصالات العراقية مع الطائرات العابرة، والمدعومة بمعلومات عن الاتفاقيات الثلاثية بين إيران وسوريا والعراق.

بهذا أصبح المشهد السياسي واضحا في انقساماته؛ دول في صف الشعب السوري الثائر، مثل السعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا، ودول مع نظام بشار الأسد، مثل حكومات إيران والعراق، وبدرجة أقل السودان والجزائر.

لكن لماذا يلعب العراق دورا بالغ الخطورة مع جارة نظامها يتهاوى وسيسقط؟ ربما بسبب الضغوط الإيرانية عليه أو رغبة قيادته السياسية، وتحديدا رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي وصل لمنصبه بفضل إيران التي ضغطت على بقية الأحزاب الشيعية التي كانت ترفض توزيره واضطرت لإعطائه أصواتها. ومن الطبيعي أن تؤول الأمور إلى ما هي عليه اليوم، أي أن يسدد المالكي فواتيره للنظام الإيراني الحليف، على الرغم مما قد يعنيه من مخاطر جمة على العراق وعلى حكومته الهشة. وبسبب تزايد طلبات إيران من بغداد، نتوقع لاحقا أن تخرج حكومة المالكي من صندوق ثيابها، وتكشف عن قناعها الذي لبسته طويلا، لتعترف بتحالفها مع طهران، الذي حولها إلى مجرد أداة للإيرانيين ومحفظة مالية لنشاطاتهم، وهذا ما كنا نظنه وكان الجانب الأميركي يستبعده. فقد اعتبروا تعاون المالكي مع الإيرانيين من ضرورات اللعب السياسي، وليس تحالفا. الآن يرون التصاقا شديدا يغسل أموال نفط إيران، ويدعم الأسد ماليا، ويفتح الممرات الجوية لدعم القوات السورية. عمليا رئيس الوزراء العراقي يضع نفسه هدفا في مرمى كثير من دول العالم!

على المالكي أن يعي حقيقة الوضع في سوريا وحقيقة الأسد. لا يمكن بأي حال أن يبقى الأسد في الحكم بسبب ضخامة الجرائم التي ارتكبها. وثانيا لأن كل من يستخدمه الأسد تلحقه اللعنة، والشواهد كثيرة أمامه في لبنان. وحتى مع هذه الصحوة اللحظية لنظام الأسد، فإنه يتهاوى ولن يستطيع البقاء طويلا. لقد أطال المالكي في عمر الأسد، بعكس الأسد الذي كان يعمل في السنوات الماضية على تقصير عمر النظام العراقي، من خلال تبنيه «القاعدة» والجماعات العراقية المسلحة التي كانت تتخذ من سوريا مقرا لها. هذا التناقض يمكن أن يفهم فقط في إطار السياسة الإيرانية التي كانت تريد الهيمنة على العراق، مرة من خلال سوريا باستخدام الجماعات المسلحة، ومرة لاحقة باستخدام المالكي الذي تحول إلى مجرد بيدق تلعب به.

والرئيس السوري الذي يسير على خطى الإيرانيين، يحاول مثلهم استمالة المصريين إلى جانبه. والمثير للضحك الحديث المنسوب إليه في «الأهرام الأسبوعي». فالأسد اتهم السعوديين بأنهم وراء حرب وهزيمة 1967، في حين أن عمره حينها كان نحو 10 سنوات فقط، فكيف يجزم بشيء كهذا؟! والذي يثير السخرية أن أباه حافظ الأسد كان وزير الدفاع ويفترض أنه من أدار المعركة وسبب الهزيمة. وقد كان موقف الأب مشبوها بعد الهزيمة، لدرجة اصطدامه مع حاكم سوريا الفعلي صلاح جديد «حيث انتقد صلاح جديد أداء وزارة الدفاع خلال الحرب، وخاصة قرار سحب الجيش وإعلان سقوط القنيطرة بيد إسرائيل قبل أن يحدث ذلك فعليا».

تآمر الأسد في الحرب على بلده، وتآمر على قائده، واستولى على الحكم في انقلاب. هذا هو تاريخ حافظ الأسد وتاريخ هزيمة 1967. في مصر، عاقب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وزير دفاعه عبد الحكيم عامر الذي وجد مقتولا، أو منتحرا، في زنزانته. أما في سوريا، فإن وزير الدفاع المهزوم كافأ نفسه بالاستيلاء على الحكم ورئاسة الجمهورية!

كيف لبشار أن يفتح سيرة هزيمة 1967، وهي أكبر فضيحة في تاريخ أبيه وتاريخ عائلته؟!

====================

سورية: في اليأس من الثورة

عمر قدور *

الحياة

الأربعاء ١٩ سبتمبر ٢٠١٢

لم يعد التفاؤل حاضراً بقوة في أوساط الناشطين، أو بين متابعي الثورة السورية عموماً، وبدا كما لو أن الكثيرين استفاقوا فجأة على واقع مختلف عما تمنوا أو توقعوا منه. لم يعد مرد الإحباط فقط إلى تخاذل المجتمع الدولي عن حماية السوريين، وإن بقي على صلة بذلك، فثمة عوامل داخلية مستجدة بدأت تنال من الصورة الأولى الزاهية، والتي بدورها لم تكن نقية تماماً، ولا يجوز أن تكون كذلك، إلا كسردية ثقافية.

ومن المؤكد أيضاً أن الـــمزاج الثوري كان بـــدايةً بمثابة الرافعة الأخلاقية، فدفع مجتمع الثورة عموماً إلى بذل أفضل ما عنده، وحرّض نوعاً من التنافس الأخلاقي والجمالي معاً، لكن القمع والتنكيل الوحشيين اللذين لاقتهما الثورة كان لا بد أن يستنزفا مع الوقت قــسماً كبيراً من الطاقة الإيجابية، إن على مستوى الأفراد أو على الصعيد الكلي. طبعاً ليس المعني هنا نزيف الدم وحده، فآلة القـــمع أثبتت قدرتها على مختلف أنواع التدمير المادي والمعـــنوي بلا أي رادع، في الوقت الذي لم تستطع الأفضلية الأخـــلاقية للثورة أن تجنّب مجتمـــعها ذلك الأذى الهائل، ولم تتحصل الثورة بفضل أخلاقيتها على الدعم المرتجى، ولا حتى على سمعة حسنة توازي مناقبــيتها. باستثناء تعاطف ثابت محدود من قبَل أفراد ليسوا في مراكز القرار لم تلقَ الثورة حتى دعماً لفظياً ثابتاً، وتخبطت تصريحات المسؤولين الدوليين في أوحال النظام والسياسة، من دون أن تكون بوصلتها هي الحقوق المشروعة للسوريين في تحقيق مصيرهم بحرية تامة.

في المقابل من البذاءة التامة للنظام، وبذاءة ألاعيبه التي حملت دائماً استهتاراً مطلقاً بكرامة السوريين وحيواتهم، لم يقدم موالو النظام ولا المجتمع الدولي بما فيه «أصدقاء سورية» فضيلة أخلاقيةً تدعم فعلياً مُثل الثورة، بل سقطت السياسة سقوطاً ذريعاً في اختبار القيم والأخلاق. ومن ملامح السقوط أن تُطالب الثورة بإلحاح بالحفاظ على «صوفية» أخلاقية من قبل أولئك الذين لم تدفعهم أخلاقهم إلى تقديم أدنى عون مطلوب لها، الأمر الذي يضع ادعاءاتهم في خانة التواطؤ مع النظام، أو على الأقل في خانة التواطؤ البراغماتي مع أفعاله.

ليس عادلاً ولا واقعياً أن تُطالب الثورة بمكابدة ما لا تطيقه إلى ما لا نهاية، ومن دون أن تلوح بارقة أمل في نهاية النفق، وليس عادلاً ولا واقعياً أيضاً أن يُطالَب الثوار بأداء مثالي بينما ينشطون في ظروف أقل ما يُقال عنها إنها لاإنسانية. لكن الأقل عدالة مما سبق هو تناسي الحقوق الأساسية التي انتفض من أجلها السوريون، وأن يصبح مجرد وقف القتل مطلباً دولياً، وأن يجرى التفاوض عليه بصفته تنازلاً يقدّمه النظام من رصيده، أو أن يذهب التركيز نتيجة ذلك إلى حصر الانتباه بالقضية السورية بصفjها أزمة إنسانية أو أزمة لاجئين.

على رغم ما سبق سيبقى من حق، ومن واجب، أهل الثورة مطالبة أنفسهم بالحفاظ على سوية قيمية تليق بهم، وتكون قدر الإمكان على النقيض من النظام ومن تدني السياسة الدولية الخاصة بإدارة أزمتهم. انطلاقاً من هذا الواجب الذي لم يتخلَّ عنه قسم كبير من الثوار، وأيضاً قسم كبير من أصدقائهم الحقيقيين، بدأ بعض اليأس بالتسلل إلى النفوس من الفجوة التي تتسع أحياناً بين الواقع والمرتجى. وقد كان لنقد الثورة قسط في إشاعة اليأس، تحديداً عندما خضع للتسييس من قبل أعدائها، ومن قبل بعض أصدقائها المزعومين داخلياً وخارجياً، فتوقف النقد عن إنجاز مهمته في تصحيح مساراتها لينصبّ في الكثير من الأحيان على الطعن في جدواها أو في فكرة الثورة من حيث المبدأ.

لا شكّ في أنها كانت أكثر نقاء صورة ذلك المتظاهر السلمي الذي يتلقى الرصاص بصدره العاري، لكن هذه الصورة لم تكن لتصمد إلى ما لا نهاية من أجل أن يتغنى بها رومانسيون ثوريون، أو من أجل أن ينعم بنتائجها من يرغبون علناً أو سراً ببقاء النظام. كان من الواقعي أن يختبر الثوار مسالك لا يرغبون فيها أصلاً، وأن تأخـــذ بعض ردود الأفعال قسطاً من عنف النظام، وحتى أن لا يكون العنف «ذكياً» دائماً. بين المُثُل التي تقترحها غاياتها والواقع الوحشي الذي يفرضه النظام تكابد الثورة سلسلة من الخيارات المريرة، ولا يتاح لها أحياناً سوى انتقاء الأقل سوءاً. لا مكان هنا للمثالية التي لا تعني إلا التضحية بواقع الثورة كُرمى لنموذج لم يتحقق مطلقاً في مثل هذه الظروف، فضلاً عن أن المثالية في أعمّ حالتنا لا تعدو كونها ضرباً من ضروب التربية التوتاليتارية التي، بتعـــبير حنة أرندت، تقوم على اصطناع «إنسان الوحشة»، ذلك المنفصل عن الواقع ويصر طوال الوقت على قسره على صورة مثاله. أليست هذه أيضاً حال النظام؟

على صعيد متصل؛ سيكون من دواعي اليأس الشديد أن تُقاس الثورة بجدواها القريبة، إذ بات مؤكداً أنها لن تُختتم إلا بدمار شامل للبلد، فالنظام يمضي حثيثاً في تدمير الماضي والمستقبل. إننا أمام جريمة ممنهجة تطاول كلّ ما أنجزه السوريون قبل عقود طويلة من حكم البعث، فالدمار طاولهم فعلاً في عمرانهم واجتماعهم، ومؤسساتهم العامة التي أنجزوا الحد الأدنى منها على رغم فساد النظام. باختصار لن يكون من خيار فعلي للثورة سوى أن تعلن انتصارها فوق الأطلال، أما الأحلام الوردية التي راودت السوريين قبل سنة ونصف فعليها أن تنتظر طويلاً، ومن ذلك أن تقبع طويلاً للتسول أمام مؤتمرات الدول المانحة فيما بعد. في الواقع لا يوجد ما يفوق قتامة هذا المستقبل سوى تخيله مقروناً ببقاء هذا النظام الوحشي الفاسد؛ وحده هذا الخاطر كفيل بوضع الثورة في مقام الضرورة مهما كان حجم الدمار الإضافي المتوقع قبل سقوطه.

خلال سنة ونصف السنة نجح النظام في الدفع إلى مستويات أدنى من الطموحات، ونجح أحياناً في الدفع إلى عتبات اليأس وهذا ما يبتغيه أصلاً. إلا أن اليأس من الثورة ينبغي ألا يغيّب دوافعه الخارجة عنها، تلك العوامل التي تتعلق أساساً بالنظام ويتم ترحيلها إلى الثورة نتيجة للعجز أمامه، بل يبلغ الأمر أحياناً حد التعويض النفسي عن العجز بالانتقام من الثورة وتضخيم الظواهر السلبية فيه، وبحيث تغدو كأنها هي السبب وراء المصائب التي تلم بالسوريين. لم يعد ثمة فسحة كبيرة للأمل في سورية؛ هذا صحيح، وما يصحّ أكثر منه أن اليأس صناعة متجددة للنظام، ما يُبقي على التفاؤل في مقام الضرورة، وبشرط التنازل عن الكثير من الأوهام.

* كاتب سوري

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ