ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 17/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

خيارات الإبراهيمي في مهمته المعقدة

2012-09-16 12:00 AM

الوطن السعودية

بالتزامن مع وجود المندوب الدولي للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي في سورية وقيامه بلقاءات مع شخصيات قيادية فيها يكثف النظام السوري حملته على المدن بدل أن يسعى إلى التهدئة لبيان حسن نيته في التعامل مع أزمة راح ضحيتها عشرات الألوف من المواطنين.

لم ينفع لقاء الإبراهيمي بالرئيس بشار الأسد أمس في وقف القتل، ولم تنفع في ذلك اتصالاته ولقاءاته قبلها مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، والسفير الإيراني في سورية، وبعض أعضاء المعارضة الداخلية – غير المعترف بها شعبيا – مثل هيئة التنسيق الوطني والديمقراطي، ولم تتناقص سرعة عداد القتل بعد جلساته مع السفير الروسي والقائم بالأعمال الصيني في سورية، وطاقم الأمم المتحدة في سورية وموفد اللجنة الدولية للصليب الأحمر. كل تلك الجلسات واللقاءات لا تهم الشعب السوري بقدر توقف القتل.

بالتزامن مع زيارة الإبراهيمي لدمشق ارتكب النظام السوري مجزرة في بصرى الشام، وقصف كثيرا من المدن مثل حمص وحلب وريف دمشق وإدلب وغيرها... فأي صيغة يحاور فيها الإبراهيمي نظاما كهذا؟! وبالتزامن مع زيارة الإبراهيمي أيضا وبرغم القصف لم تتوقف المظاهرات السلمية المطالبة برحيل النظام، مما يشير إلى أن الشعب حسم أمره، ولم يعد يخشى القتل مقابل الخلاص من نظام أدمن القمع والقتل طوال أربعة عقود. لذا يفترض بالإبراهيمي الذي تحدث عن صعوبة الوضع وتعقيده أن ينهي مهمته بأسرع وقت، فيعلن اليوم قبل الغد إمكانية نجاحها خلال أيام مع شرط سحب قوات النظام من المدن ووقف القتل، أو يعلن فشلها وعدم تجاوب النظام مع المطالب الشعبية والدولية.

الكثيرون رأوا أن قبول الإبراهيمي بالمهمة يعني منح النظام مهلة إضافية لقتل المزيد، وعلى الإبراهيمي أن يحسم الأمر بين الطرق التي أمامه والتي لا تخرج عن إعلان الفشل ووضع المجتمع الدولي أمام المسؤولية من جديد، أو إعلان قبول النظام بالتغيير ورحيل الأسد وتشكيل حكومة انتقالية تنقل سورية إلى نظام مختلف ثار شعبها من أجله. ولا نظن أن هناك خيارا ثالثا أمام الإبراهيمي سوى الخضوع زمنا لمراوغة النظام التي مارسها على البعثات العربية والدولية السابقة من قبل.

=================

رأي الراية..الأزمة في سوريا تُراوح مكانها

الراية

16-9-2012

ما بين توصيف الموفد الدولي والعربي الخاص من أن "الأزمة في سوريا تتفاقم وتُشكّل خطرًا على الشعب السوري والمنطقة والعالم" ودعوة الرئيس السوري إلى "حوار يرتكز على رغبات السوريين" يبدو أن الأزمة السورية ستظل تُراوح مكانها بانتظار حلٍّ لا يأتي أبدًا بعد أن تعوّد العالم على مشهد الحرب المشتعلة في المدن والبلدات السورية ومشهد آلاف اللاجئين الذين يفرون بحياتهم إلى دول الجوار.

الإبراهيمي الذي التقى رئيس النظام السوري وسط استمرار المعارك وسقوط الضحايا في دمشق وحلب ودرعا وعدد آخر من المدن والبلدات السورية قال إنه لا يملك خطّة للحلّ بعد وإن كان سيعمل ارتكازًا على خطة عنان وإعلان جنيف.

ومن المعروف أن خطّة عنان ظلّت حبرًا على ورق لم يُطبّقها النظام فيما جرى الاختلاف حول مفهوم المرحلة الانتقالية في إعلان جنيف.

اللافت أن الموفد الدولي المشترك الذي يعترف بصعوبة المهمّة التي يقوم بها وشبه استحالتها لم يتطرّق في تصريحاته إلى ضرورة وقف العنف وإطلاق النار ولم يُطالب حتى بهدنة إنسانية تُمكّن المنظمات الدولية الإنسانية من الوصول إلى المواطنين السوريين المنكوبين وتقديم المساعدات الغذائية والطبية لهم خاصة بعد ارتفاع أعداد النازحين منهم إلى أرقام تُلامس ثلاثة ملايين نازح ولاجئ داخل سوريا وخارجها.

الرئيس السوري اعتبر حسب تصريحات بثّها التلفزيون الرسمي أن المشكلة الحقيقية في سوريا هي الخلط بين المحور السياسي وما يحصل على الأرض.

وهي تصريحات يُفهم منها أن النظام أبلغ الموفد الدولي والعربي - كما يبدو - أنه لن يتوقف عن استخدام الخيار العسكري ضدّ الشعب وأن قواته ستُواصل قصف المدن والبلدات السورية لإخماد الثورة الشعبية وللقضاء على ما يصفه بـ "العصابات المسلحة".

ما يعني أن النظام قد قرّر وضع العصي في دواليب أية مبادرة جديدة يُمكن أن يُطلقها الإبراهيمي لأن أية مبادرة تدعو جميع الأطراف للحوار وتغفل شرط وقف العنف وقتل المدنيين السورين لن يُكتب لها النجاح وستموت بمجرّد الإعلان عنها.

فرصة الإبراهيمي في النجاح في مهمّته ضئيلة للغاية إن لم تكن منعدمة تمامًا والاختراق الذي يُمكن أن يُحقّقه يكمن في التأثير على حلفاء النظام السوري "روسيا والصين وإيران" للضغط على النظام وإقناعه بوقف العنف والقتل والقبول بمطالب الشعب السوري بالحرّية والتغيير.

الإبراهيمي كما صرّح في دمشق سيتواصل مع الدول ذات الاهتمامات والتأثير في الملف السوري، ومع أعضاء مجموعة الاتصال الرباعية.

لكن الأهم من هذا التواصل وهو مهم بلا شك إقناع النظام في سوريا بالكف عن استخدام السلاح في مواجهة شعبه.

=================

زين الشامي / «القاعدة» تتقدم في سورية ... إنه خطأ أوباما

الرأي العام

16-9-2012

منذ أيام تحدث الجراح الفرنسي «جاك بيريه» عن بعض مشاهداته في مدينة حلب التي زارها وساعد العشرات من عناصر الجيش السوري الحر ومقاتلي المعارضة المسلحة هناك الذين تعرضوا لإصابات دامية خلال قتالهم مع قوات نظام الرئيس بشار الاسد. هذا الجراح الفرنسي كان قد زار مدينة حمص ومحافظة ادلب قبل أشهر وقدم خدمات طبية للمقاتلين هناك وللأهالي أيضا ممن تعرضوا لاصابات بقذائف ورصاص قوات الجيش السوري النظامي. وبعد زيارته لحمص وادلب عمل «جاك بيريه» على تكذيب تلك الروايات التي تتحدث عن وجود مقاتلين اجانب بين المعارضة السورية المسلحة، كانت مشاهداته صادقة ففي ذلك الوقت حاول النظام تخويف الرأي العام العالمي عبر تصوير ما يجري في سورية مجرد حرب يشنها النظام ضد تنظيمات إرهابية وعناصر القاعدة التي عرفت طريقها الى سورية، لكن شهادة الجراح الفرنسي بددت مساعي اعلام النظام وبعض القوى الإقليمية والدولية الحليفة له لتشويه الثورة السورية.

على هذه الخلفية وبناء على موضوعية وحيادية رجل مثل «جاك بيريه» يجب علينا ان نقرأ جيدا ما قاله أخيرا عن انطباعاته وما رآه في حلب. علينا ان نأخذ ذلك بكل جدية لَأن تجاهله سيضر كثيرا بمسار وسمعة الثورة السورية. لكن ماذا قال هذا الجراح الفرنسي الذي يعتبر احد المؤسسين لمنظمة اطباء بلا حدود بعد زيارة حلب؟ لقد قال حرفيا إن مقاتلين اسلاميين يسعون لتحويل سورية الى دولة دينية وهم يتزايدون في صفوف المعارضة المسلحة التي تقاتل لاسقاط الرئيس بشار الأسد ويعتقدون انهم يخوضون حربا مقدسة، مشيرا الى ان نحو 60 في المئة ممن عالجهم هذه المرة كانوا من مقاتلي المعارضة وان نصفهم على الأقل ليسوا سوريين؟؟ واستغرب «بيريه» حين سمع بعضهم يقول انه ليس مهتما بسقوط بشار الأسد بل «بكيفية الاستيلاء على السلطة بعد ذلك وإقامة دولة اسلامية تطبق الشريعة لتصبح جزءا من الإمارة العالمية.»

ان هذه المشاهدات تعكس واقعا جديدا على الارض على الجميع خصوصا في المعارضة السورية والجيش الحر الانتباه اليه جيدا، لأن مخاطره لا تتعلق فقط بسمعة الثورة السورية بل بمآلها ومستقبل سورية والمنطقة عموما.

لكن من ناحية ثانية يجب ان نعلم ان الثورة السورية لم تكن كذلك أبدا ولم تدخلها عناصر متطرفة وخارجية بحجة الجهاد الا في الأشهر الاخيرة بعد مرور وقت طويل على صمت العالم وعجز المجتمع الدولي والقوى الكبرى في مجلس الأمن عن اتخاذ اي مبادرة عملية لوقف القتل والمذابح التي ترتكب بحق الشعب السوري، وبعد اليأس من امكانية الحصول على مساعدة خارجية وبعد شعور الكثير من السوريين ان الولايات المتحدة وحلف الناتو والجامعة العربية قد تركوهم يواجهون مصيرهم لوحدهم. ان الشعارات التي رفعها السوريون في تظاهراتهم ايام الجمع والتي قالوا فيها «يا الله ما لنا غيرك يا الله» تعبر عن تخلي العالم عن السوريين في محنتهم الانسانية ومعركتهم من اجل الحرية.

الشعب السوري خسر عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من اللاجئين وهو، من دون شك، الخاسر الأكبر في كل ما يحدث الآن، وان هذا الشعب من الطبيعي بعد كل هذه الخسائر ألا يقول لا او يرفض اي شكل من اشكال المساعدة حتى لو اتت من عناصر واشخاص معرفين بتطرفهم العقائدي او كان لهم تجارب مع تنظيم القاعدة. ان ذلك ليس خطأ السوريين بل خطأ الولايات المتحدة والقوى الكبرى التي لم تكترث كثيرا لحجم القتل وحجم المأساة الانسانية في سورية.

ان الولايات المتحدة على المدى الاستراتيجي تخسر كثيرا جراء مبدأ ونهج «القيادة من الخلف» الذي تتبعه في التعامل مع الحالة السورية، ان هذا النهج كلفته عشرات الآلاف من الضحايا وربما حربا طائفية داخلية. فوق ذلك سوف لن ينسى السوريون ان الولايات المتحدة شجعتهم على الذهاب بعيدا في ثورتهم ضد الديكتاتورية لكنها تركتهم وحيدين حين انهالت عليهم وعلى مدنهم قذائف النظام وحين ارتكبت بحقهم المجازر الوحشية.

=================

حرب الإبادة السورية والصمت الشعبي العربي

د. حسناء عبدالعزيز الـقـنـيـعـيـر

الرياض

16-9-2012

في إحدى نشرات الأخبار في قناة سي إن إن يستعيد المذيع ذكرى المجازر البوسنية، فيسأل المراسلة : هل يمكن مقارنة حرب البوسنة بحرب سورية؟ وهل التاريخ يعيد نفسه؟

إنه من المخجل حقاً هذا الصمت العربي الشعبي المريب إزاء الجرائم التي ترتكبها عصابات النظام السوري بمعاونة كتائب حزب الشيطان اللبناني التي يدعمها الحرس الثوري الإيراني، فقد تكالبت قوى الشرّ مع المجوسية الحاقدة على الشعب العربي السوري المسلم، وها هي الآن تمارس أبشع صور القتل والترويع

فأجابت : " كانت حربا بربرية ؛ قتل وحصار وتجويع، أوروبا رفضت التدخل قائلة إنها حرب أهلية، لكن ما يحدث في سورية شيء لا يتصوره عقل، إنها حرب إبادة لشعب أعزل بأيدي النظام وأعوانه".

نعم إنها حرب إبادة، فبعد عشرين عاماً ها نحن نشهد بوسنة أخرى في قلب العالم العربي، كنا نلوم الغرب على ذبح شعب مسلم في قلب أوروبا، فماذا نقول وشعب عربي يشن عليه نظامه حرب إبادة؟! كانت صحيفة بريطانية قد وصفت إبادة المسلمين في البوسنة بهذه العبارة : حرب في القرن العشرين تُشن بأسلوب القرون الوسطى ! فماذا عساها أن تصف اليوم ما يفعله النظام السوري في سورية؟

لقد أصبح الجيش النظامي يتصرف مع الشعب السوري وكأنه جيش احتلال ينهج سياسة الأرض المحروقة، إنها مواجهة قتالية غير متكافئة، فالطائرات تقصف، والصواريخ تسقط على البيوت، والإعدامات تجري في الشوارع والميادين، القتل مستمر بمعدل مائتي قتيل في اليوم، هذا فضلا عن الخراب، والتهجير، والتخويف بالحرب الطائفية التي يزعم النظام أنّ المتطرفين السنة هم من يقودها، وكأنه وإيران المجوسية حمائم سلام، وبينما يواجه السوريون دبابات النظام بصدورهم وصرخاتهم، فإن أعينهم ترنو إلى المجتمع الشعبي العربي - بعد أن تواطأ المجتمع الدولي عليه - لمساعدتهم في مواجهة واحدة من أقسى المجازر العنيفة في التاريخ، خاصة أن نظام دمشق، قد بدأ تصعيداً خطيراً لعملياته القمعية، وحوّل المدن السورية الحرة إلى أرض محروقة ومدن أشباح، عندما شعر أن الصمت الدولي والعربي لاسيما الشعبي بمثابة ضوء أخضرله ليعيث قتلاً وعنفاً في سورية.

صرح الأمين العام للجامعة العربية بعد اجتماعه إلى الأخضر الإبراهيمي بأن الدول العربية عاجزة عن التدخل لفضّ النزاع في سورية! ونتساءل: كيف تستطيع روسيا التدخل دعمًا لنظام الأسد بالسلاح، وعرقلة للجهود الدولية ؟ بل كيف تتدخل إيران عسكرياً بالسلاح والمعدات والمقاتلين من الحرس الثوري ومن جيش العراق ومقاتلي حزب الله بما يفوق العشرين ألف مقاتل؟ في الوقت الذي لا تستطيع فيه الدول العربية إقامة مناطق آمنة يحتمي فيها الهاربون من جحيم بشار الأسد؟من الذي أعطى إيران حق التدخل في حين تعجز الدول العربية عن فعل الشيء نفسه، والذي يربطها بالشعب السوري أكثر مما يربط إيران المجوسية بنظام بشار، حيث المصالح ليس غير !

إنّ الإرهاب والعنف هما سلاح الضعيف سواء مورس من قبل جماعات مسلحة أو من قبل أنظمة ودول، فالذي يفجر حافلة مثلا أو طائرة أو يطلق النارعلى المواطنين العزل أو يقتل معارضا أو يسجنه، في الحقيقه يفتقر إلى القوة السياسية اللازمة التي تجعله مؤهلاً ليمارس اللعبة السياسية حسب قواعدها، كما أن ممارسة العنف السياسي على شكل تدمير وإبادة، هو نوع من التعويض اليائس عن فقدان الشرعية، والأهلية للحكم، لذا فإن ما يفعله النظام السوري في سورية ليس إلا تعبيرًا عن الشعور باليأس من عدم القدرة على اجتراح حلول تخرجه من عنق الزجاجة، وإحساساً مريرًا بأن الأمور لن تعود إلى الوراء، لذا فإنه بعد كل هذا الدمار ليس أمام المجتمع الشعبي العربي أي عذر سوى أن يهب لنجدة السوريين الذين يواجهون حرب إبادة حقيقية ومنهجية تمتلئ شبكة الإنترنت بمآسيها اليومية، وإن لم يفعلوا فإن سورية ستتعرض لمذبحة تاريخية جماعية أشد قسوة وبشاعة من مذبحة حماة التي قام بها النظام نفسه عام 1982، خاصة وأن النظام يبدو أنه قد فقد صوابه، وصعّد عملياته الوحشية في تحدٍ سافر للمجتمعين العربي والدولي، ورسالة لهما بأنه لا يبالي ومستعد لارتكاب الأسوأ بالنظر إلى الدعم الإيراني والروسي.

ومن المثير للسخرية أنّ إيران القاتلة للشعب السوري، يأتي بها الرئيس المصري لتشارك في حل الأزمة السورية ووقف نزيف الدم، وهي دوما كانت جزءا لا يتجزأ من المشكلة، بل العامل الأكبر في تفاقمها، فلولا تزويدها نظام بشار بالمال والسلاح والمقاتلين فربما لم يستطع الصمود حتى الآن، والواقع أنّ الحكام المجوس الذين يسيطرون على إرادة ثلاث عواصم عربية هي: بغداد، وبيروت، ودمشق، إنما باتوا يديرون بأنفسهم آلة القتل في سورية، ليمنعوا إفلات دمشق من منظومة الحلف المجوسي، وهو ما يعني انفراط عقد الاحتلال السياسي لهذه العواصم المشرقية، وهروب ورقة فلسطين، وانكفاء إيران بالتالي إلى جغرافيتها، وخروجها بصورة نهائية من قواعدها المطلة على المتوسط !

يتساءل بعض المراقبين للوضع السوري، هل ترقى الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري تجاه شعبه منذ اندلاع الثورة السورية في 15 مارس 2011، إلى جريمة إبادة ؟ حيث هي أخطر جريمة في القانون الدولي على الإطلاق، وهي من الأسباب الرئيسة التي لأجلها وجدت المحكمة الجنائية الدولية. ونظرًا لفداحة هذه الجريمة وخطورتها، أعطت المادة السادسة من نظام روما الأساسي، المحكمة الجنائية الدولية الولاية القضائية في النظر في جرائم الإبادة الجماعية .

وكانت تونس قد طالبت بإحالة الرئيس السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، لأنّ جيشه يتصرف كجيش احتلال داخلي، وقال الناطق باسم رئاسة الجمهورية في بيان إنّ تونس " تدعو إلى إحالة ملف الرئيس السوري غير الشرعي بشار الأسد وكل من تورط في المجازر إلى المحكمة الجنائية الدولية الآن ". وطالبت " بتكثيف الجهود لوضع حد لسياسة الأرض المحروقة التي يعتمدها النظام السوري ".

وبعد أن وضحت نوايا النظام السوري، وبعد أن فشل المراقبون في وقف القتل وتهديم المدن وتحويل سورية إلى ميدان معركة حربية، فإنّ على المجتمع الشعبي العربي أن يتحمل مسؤولياته تجاه مدنيين عزل يواجهون ميليشيات مدربة على القتل والكره، ولا تبالي أن تنشَر أعمالها الإجرامية في الشبكة الدولية لترويع السوريين وإرهابهم، بالأعمال الوحشية التي لا يقرها أي حس إنساني، فكيف بنظام يدعي القومية وهو يتحالف مع قوى لا همّ لها إلا عداوة كلّ ما هو عربي، وشنّ حروب طائفية على الأمة، نظام يدعي الإخلاص للوطنية وهو يشن على مواطنيه حرباً لم يشهدوا وحشيتها قط في العصر الحديث، ولم تجرؤ إسرائيل نفسها على ارتكاب مثل هذه المذابح وعمليات الإبادة الجماعية.

إنه من المخجل حقاً هذا الصمت العربي الشعبي المريب إزاء الجرائم التي ترتكبها عصابات النظام السوري بمعاونة كتائب حزب الشيطان اللبناني التي يدعمها الحرس الثوري الإيراني، فقد تكالبت قوى الشرّ مع المجوسية الحاقدة على الشعب العربي السوري المسلم، وها هي الآن تمارس أبشع صور القتل والترويع، فأين المظاهرات التي عمت الوطن العربي إبان حرب إسرائيل على غزة، وهي حرب لا تقاس لا مدة ولا دمارًا ولا ضحايا بما يفعله النظام في سورية منذ ما يزيد على العام والنصف ؟ الذي استحلَّ فيها كل جريمة، وعمل فيها بوحشية أعظم مما فعل اليهود في فلسطين.

ونظرًا لتصاعد وتيرة الرغبة في القتل والتدمير، لم يعد النظام يفرق بين المحاربين وغيرهم من باقي المواطنين، حيث يشير تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان إلى أن الطائرات والمدفعية السورية قتلت عشرات السوريين بعد استهداف عشرة مخابز على الأقل في حلب خلال الأسابيع الأخيرة، في ظل انعدام الأمن الغذائي في سورية بشكل عام لدرجة أن نحو ثلاثة ملايين شخص يحتاجون إلى المساعدات الغذائية، أما الوضع الإنساني فيزداد تدهورًامع اقتراب فصل الشتاء..

يقول منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية إنّ " الشتاء قد يكون قاسياً جدًا في سورية، ومع وجود أزمة في الوقود وعدم وجود صرف صحي، أو شبكات مياه وتدفئة، قد يصبح الشتاء بمثابة مأساة لكثير من السوريين".

ومع تدهور الأوضاع وزيادة العنف في سورية سيكون من الصعب بشكل كبير على النازحين المدنيين إيجاد السكن المناسب، فهناك الكثير من القرى الخالية أو المدمرة، كما أصبحت الأماكن محدودة في المباني العامة، وأصبح لدى المجتمعات المضيفة قدرة أقل على استيعاب الضيوف. هذه الأوضاع المزرية يقف منها المجتمع الشعبي العربي موقف المتفرج، بل موقف غير المبالي، نظرًا لأنّ من يفعل ذلك في الشعب السوري ليست إسرائيل أو أمريكا أو إحدى دول الغرب، ولو كان ذلك لرأينا المظاهرات تعم الشارع العربي من شرقه إلى غربه بلا توقف!

=================

موسكو مدركة لضعف النظام السوري لكنها لا تملك حلاً

محاولة روسية... هل يغادر الأسد؟

تاريخ النشر: الأحد 16 سبتمبر 2012

الاتحاد

تقول روسيا إن الوقت قد حان من أجل القيام بجهد دبلوماسي آخر لتحقيق السلام في سوريا، ربما يأخذ شكل مؤتمر متعدد الأطراف في موسكو، لأن الثوار السوريين باتوا غير قادرين على حسم المعركة عسكرياً لصالحهم، ولأن الرئيس السوري بشار الأسد قد أكد لموسكو أنه على استعداد للتنحي إذا ما تم التصويت على ذلك.

وحول هذه النقطة قال نائب وزير الخارجية السوفييتي "ميخائيل بوجدانوف" في حديث لصحيفة "لو فيجارو" الفرنسية، عقب الاجتماع الذي عقده مع قادة المعارضة السورية في باريس، إن "بشار الأسد أكد بجلاء أنه إذا لم يكن الشعب السوري يريده، وإذا ما انتخب رئيساً آخر في انتخابات رئاسية، فإنه سوف يرحل". وأضاف بوجدانوف: "لم نقل أبداً في أي وقت إن إبقاء الأسد في السلطة يمثل شرطاً مسبقاً لأي مفاوضات... ولكننا نقول أيضاً إنه ليس من شأن الروس أو الفرنسيين أن يقرروا مصير الرئيس السوري".

وقال بوجدانوف أيضاً إن الوقت قد حان لمراجعة الاتفاق الذي تم التوصل إليه في يونيو من قبل الدول الكبرى في جنيف، والذي كان يتضمن تشكيل حكومة انتقالية مكونة من شخصيات رئيسية في النظام والمعارضة، وكتابة دستور جديد، والإعداد للانتخابات التي ستضع الأساس لتولي قيادة جديدة في البلاد.

وإلى ذلك يضيف "فيدور لوكاينوف"، رئيس تحرير مجلة "راشا إن جلوبال آفيرز"، وهي مجلة روسية رئيسية مهتمة بالشؤون الخارجية، قائلاً إن "هناك شعوراً يسود الآن في موسكو بأن روسيا تستعيد في الوقت الراهن أرضاً في المجال الدبلوماسي".

لم يوضح لوكاينوف قائلاً: "منذ بدايات الصيف، وبعد أن استقال كوفي عنان من مهمته، قال الجميع إن الدبلوماسية قد استنفذت أغراضها، وإن روسيا سوف تضطر من ذلك الحين فصاعداً إلى تبني نهج يقوم على الظهور الخافت.

لكن ما نراه الآن هو أن روسيا تقوم بتجديد نشاطها، وأن تطورات الأحداث تثبت بأن المعارضة السورية غير قادرة على تحقيق النصر، وأنه على الرغم من الضعف الذي حلّ بالأسد إلا أن نظامه ما زال قوياً وقادراً... وهو ما يتيح الفرصة لموسكو كي تعود مجدداً، والنظر في إمكانية التوصل لتسوية سلمية".

ويشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حاول أثناء قمة آسيا والباسيفيكي للتعاون الاقتصادي إقناع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بإعادة النظر في اتفاق جنيف، وعلى ما يبدو فإنها قد رفضت محاولته.

وقد قالت كلينتون في تصريح للصحفيين على هامش القمة المشار إليها: "يجب علينا أن نكون واقعيين. فنحن لم نكن متفقين مع الروس في النظر لما يجري في سوريا... وهذا الوضع قد يستمر... وإذا ما استمر فسوف نجد أنفسنا مضطرين للعمل مع الدول التي تتفق معنا في الموقف والرؤية من أجل دعم المعارضة السورية للتعجيل بسقوط نظام الأسد".

ويشار إلى أن موسكو تتبنى موقفاً رسمياً تجاه الأزمة في سوريا يقوم على أن نظام الأسد قوي بدرجة لا يمكن معها إسقاطه، كما يتبين من النجاحات الأخيرة التي حققها الجيش السوري النظامي، حسب ما يوضح بعض الخبراء.

ويقول هؤلاء الخبراء أيضاً إنه على الرغم من كافة التصريحات الرسمية عن مساعدة الثوار، إلا أنه لا توجد هناك شهية للقيام بتدخل في سوريا مماثلـة لتدخل "الناتـو" في الأزمة الليبية، علاوة على أن هنـاك إدراكا متزايدا لدى الجمهور في الغرب لحقيقة وجود مقاتلين جهاديين وقوات لها ارتباط بـ"القاعدة" ضمن قوات المعارضة السورية.

وقال "بوجدانوف"، نائب وزير الخارجية الروسي في الحوار الذي أجرته مع "لو فيجارو"، إن روسيا مستعدة للتقدم في أي لحظة وتنظيم مؤتمر شامل يضم كافة الأطراف المعنية لوضع الدبلوماسية مرة أخرى على المسار، سواء تم عقد هذا المؤتمر في موسكو أو في أي مدينة أخرى".

وقال بوجدانوف إن الوقت "ينفد"، وإن البديل للحل الدبلوماسي هو اندلاع فوضى شاملة. ومع ذلك فإن التفاؤل ليس عميقاً في موسكو، فالجدل الدائر حول تطورات الأزمة في سوريا في الوقت الراهن يشبه إلى حد كبير الحوار العام الذي يدور منذ العام الماضي حول تلك الأزمة، أي حول المواقف المتغيرة في لعبة اللوم بين الشرق والغرب، وكذلك حول الوضع المتدهور في سوريا، كما يقول المحللون،

ومنهم "بيوتر رومانوف"، الخبير في وكالة "آر. آي. آيه- نوفوستي" الروسية الرسمية للأنباء، والذي كتب يقول: "إن موسكـو تدرك أن نظام الأسد سوف يطاح به في نهايـة المطـاف، وأن المسألـة مسألـة وقت، لكنها لا تعرف ما الذي تفعله حيال ذلك".

وأضاف رومانوف: "هناك وضع في لعبة الشطرنج يطلق عليه (زاجزوانج)، تؤدي فيه كل نقلة، بصرف النظر عن نوعيتها، لتدهور الوضع وجعله أكثر سوءاً.

وبالتالي فإنه حتى إذا ما رحل الأسد فسوف تبقى هناك عقدة كبيرة مكونة من عدد من الخيوط الممثلة لمصالح مختلفة ومتضاربة... بمعنى أن الوضع سوف يكون معقداً على نحو لا يتيح إمكانية التوصل لحل أو مخرج صائب وبلا أثمان باهظة، بل ويجعل الجميع حائرين لا يعرفون ما الذي يتعين عليهم عمله".

فريد وير

«كريستيان ساينس مونيتور»

=================

بابا روما ومرشد إيران

احمد عياش

2012-09-16

النهار

إطلالة البابا بينيديكتوس السادس عشر على لبنان ومنه على الشرق الاوسط حدث استثنائي في هذه المرحلة من تاريخ المنطقة. ليس تفصيلاً صغيراً أن تكون زيارته من أجل شد عزيمة مسيحيي الشرق على البقاء في أوطانهم بعد الأعاصير التي هبت ولا تزال على المنطقة منذ سقوط الامبراطورية العثمانية واعادة رسم جغرافيا المنطقة وفرض دولة اسرائيل وانطلاق زمن الربيع العربي. من المهم جداً، وهذا ما يمكن فهمه في لبنان، ان لا يختزل الغرب، والبابا آتٍ منه، المنطقة بالنفط واسرائيل. وحسناً فعل البابا بدخول الشرق من بوابته الحقيقية وليس من البوابة التي اقامها الغرب على امتداد أكثر من قرن. وهنا تكمن أهمية ما قاله البابا في الربيع العربي وحوار الاديان بما يشكل تبريداً للرؤوس الحامية عند غلاة الاقليات الذين انتهى أمرهم في احضان الديكتاتور السوري والمرشد الايراني وكلاهما ينتمي الى زمن الطغاة الذين كانوا خير ممثل لمصالح الغرب في النفط واسرائيل. منذ أيام، سمع زائر لبناني لطهران من مرشد ايران الامام علي خامنئي دفاعاً لا هوادة فيه عن نظام بشار الاسد. ولم يتح لهذا الزائر أن يشرح لحاكم ايران ان رياح الفتنة الشيعية – السنية التي تهب على المنطقة تهدد لبنان ايضاً. وانتهى اللقاء بدعوة خامنئي ضيفه الى الاستعداد للمشاركة بهمة في مؤتمر تعد له طهران من أجل مؤازرة الأسد تحت عنوان مموّه. وما أشبه اليوم بالبارحة. فيروي صديق وقائع حوار دار بعد اعوام من الاطاحة بشاه ايران بين رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين وبين هاشمي رفسنجاني الذي لم يكن وقتذاك رئيساً للجمهورية الاسلامية. وفي خلاصة هذا الحوار ان رفسنجاني "طمأن" شمس الدين الى ان شيعة لبنان وهم بضع مئات من الالوف ان لا يخشوا سوءاً في ظل وجود أكثر من 70 مليون شيعي في ايران. وبالتالي، فمهما حل بشيعة لبنان فسيكون التعويض عليهم بشيعة ايران! ويقول الصديق صاحب هذه الرواية الموثقة ان شمس الدين أنهى اللقاء بجفاء.

لا بد ان البابا بينيديكتوس السادس عشر سينتبه الى ان نجل الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي وفّر كل امكانات النجاح للزيارة التاريخية لسلفه البابا يوحنا بولس الثاني في ربيع عام 1997، لن يكون اليوم في اللقاء الشعبي الكبير في بيروت. فالرئيس سعد الحريري وهو أكبر زعيم لبناني بمنطق صناديق الاقتراع في انتخابات عام 2009 مضطر حفاظاً على سلامته أن يبتعد عن وطنه وجمهوره الكبير بفعل المنطق الالغائي لخامنئي والأسد وتابعهما "حزب الله". ولن تنفع كل لافتات الحزب والنسوة اللواتي يرتدين التشادور وصبية الكشافة التابعين له المرحبين بالبابا في تصحيح هذه الخطيئة الكبرى. ما ينفع هنا هو القراءة في "الارشاد اللبناني" الذي خطه ببراعة سمير فرنجيه في كتابه "رحلة الى أقاصي العنف" وقال فيه ان "ثقافة العنف والاقصاء" المهيمنة في اوساط الاحزاب الطائفية ولا سيما "حزب الله" لم تعد مقبولة من معظم اللبنانيين. ويدعو الى "لبنان مكاناً متميزاً للعيش معاً" يواكب "ثورة الربيع العربي من أجل عالم عربي ديموقراطي وتعددي". اللبنانيون يتطلعون الى مساعدة "الارشاد الرسولي" لتحقيق هذه الامنيات.

=================

مهمة الإبراهيمي أمام كوابحها وشروطها * عبدالإله بلقزيز

الدستور

16-9-2012

لا يجادل أحد في اقتدار الأخضر الإبراهيمي، وكفاءته الدبلوماسية، وخبرته العريقة في مقاربة الأزمات المتفجرة التي كلّف بالبحث في أنفاقها المظلمة عن أفق مضيء، على نحو ما فعل مع الأزمة اللبنانية، في العام ،1989 حين كان مبعوثاً للجنة الثلاثية العربية، وكان عليه أن يعثر - تحت أنقاض «حرب التحرير» بين الجنرال ميشيل عون (رئيس الحكومة العسكرية وقتئذ) والجيش السوري - على مواد يبني عليها مشروعاً لتسوية سياسية تنهي حرباً أهلية لبنانية دامت خمسة عشر عاماً، وعلى نحو ما حاوله في أفغانستان بعد احتلالها من القوات الأطلسية، مبعوثاً من الأمم المتحدة، ثم في العراق بعد احتلاله لإنضاج صيغة «الحكومة المؤقتة»، التي رست رئاستها على اسم إياد علاوي: صديق أمريكا الموثوق بعد طلاقها مع أحمد الجلبي . وقس على ذلك في أزمات دولية وإقليمية أخرى، أنجز فيها الإبراهيمي الأدوار المطلوبة منه، وحقق بإنجازه شهرة محط إعجاب .

واليوم، يُدعى الأخضر الإبراهيمي إلى أداء مهمة بالغة الصعوبة والتعقيد، هي البحث عن أساسات ومداخل إلى إطلاق «عملية سياسية» تنهي حال العنف والاقتتال في الأزمة السورية، خلفاً لكوفي أنان المستقيل من مهمته . ومرة أخرى يراهن، في هذا التكليف، على الكفاءة الدبلوماسية للإبراهيمي، وعلى معرفته بمزاج السياسة العربية وأمزجة سياسييها من قيادات ومعارضات، ناهيك بتجربة علاقته بالقيادة السورية أثناء التفاوض معها في شأن الأزمة اللبنانية سابقاً . وليس معلوماً - حتى الآن - إن كانت مهمته ستنطلق من روح «خطة النقاط الست» لكوفي أنان، كما تطالبه بذلك روسيا وسوريا، أو ستستند إلى رؤية أخرى تتقاطع مع الخطة السابقة في نقاط محددة، وتختلف عنها في أخرى إرضاءً لمطالب آخرين جاهروا بمعارضة مشروع أنان منذ البداية، وسعوا - بما أوتوا من قوة وحيلة - إلى إفشال مسعاه السياسي .

على أن كفاءة الإبراهيمي الدبلوماسية - وهي مسلم بها - ليست تكفيه كي ينهض بدور اجتراح حل سياسي لأزمة فاضت عن الاستيعاب، ذلك أن سابقه كوفي أنان ليس أقل كفاءة وخبرة، وهو الذي كان للأمم المتحدة أميناً عاماً، وعاصر أضخم الأحداث والأزمات، في العقد الأول من هذا القرن، وتعامل معها مباشرة (حصار العراق وحربه وغزوه، احتلال أفغانستان، الحرب على صربيا، حروب البحيرات العظمى الإفريقية، الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية . . إلخ) . ثم إن الكفاءة وحدها من دون بيئة سياسية حاضنة لا تتفتق حسناتها، ولا تينع ثمراتها، حتى لا نقول إنها (الكفاءة) تخمد . والبيئة السياسية إنما هي من فعل آخرين، لا من عمل الكفاءة . والآخرون هؤلاء ليسوا على موقف واحد من الأزمة السورية، بحيث يوفرون للكفاءة شروط العمل، وإنما هم متضاربون في المواقف إلى الدرجات القصية، وهم أحياناً متواجهون بالسلاح - أصالة أو وكالة - على مسرح الأحداث السورية . فما الذي في وسع الكفاءة والحنكة أن تفعلاه في غيبة بيئة سياسية دافعة لا كابحة، جاذبة لا نابذة، كما هي - اليوم - البيئة السياسية المحيطة بالأزمة السورية .

من النافل القول إن البيئة السياسية المحلية (السورية) لا تسعف، اليوم، الإبراهيمي في مسعاه إلى إطلاق تسوية سياسية، أو «عملية سياسية» تقود إلى تسوية سياسية، لأن أي خطة عمل سيقترحها الإبراهيمي لا يمكنها إلا أن تلتحظ مطلبين وتمر - حكماً - بهما، وهما: وقف إطلاق النار، والدخول في عملية حوار سياسي بين السلطة والمعارضة . والحال أن الأفقين هذين مقفلان، اليوم، وممتنعان، فالنظام والمعارضة معاً ممعنان في خيار الحسم العسكري ولا يريان بديلاً منه . يعتقد النظام، من جهته، أنه قادر على كسر شوكة المسلحين باستخدام وسائل القوة كافة مستثمراً تفوقه العسكري، وتعتقد المعارضة أنها قادرة على استنزافه إلى حدود إسقاطه، آملة في أن تنجح في استقدام التدخل العسكري الأجنبي . والطرفان معاً يرفضان الحوار بدرجات مختلفة، يدعو النظام، من جهته، إلى حوار سياسي مع المعارضة التي يقبل بها شريكاً في الحوار، ويرفضه مع معارضة أخرى لا يرى فيها سوى جماعات من العملاء والمرتزقة والإرهابيين . وترفض المعارضة الحوار مع نظام يقتل شعبه، مثلما تصفه، ويوشك أن يسقط تحت ضرباتها، كما تتخيل، فيما يشترط بعض تلك المعارضة تنحي الرئيس بشار الأسد شرطاً لقبول مبدأ الحوار . هذه، إذن، هي البيئة السياسية المحلية التي سيعمل، في نطاقها، الأخضر الإبراهيمي . وستحكم على مبادرته بالفشل - قطعاً - إن لم تتحسن أوضاع البيئة الدولية .

أما البيئة الدولية، والإقليمية، المحيطة بالأزمة في سوريا، والمشاركة - بهذا القدر أو ذاك - في صناعة كثير من وقائعها وفصولها، فهي عينها البيئة التي أسقطت «خطة النقاط الست» لكوفي أنان، واتفاق جنيف الدولي، ودفعت الأخير إلى الاعتذار عن عدم الاستمرار في أداء مهمته . بل هي عينها البيئة التي أفشلت مهمة المراقبين الدوليين، وانتهت إلى عدم التجديد لبعثتهم ثلاثة أشهر أخرى . وهي، بهذا الحسبان، لن تسعف الأخضر الإبراهيمي في أداء دوره، على نحو فعال، ما لم يقع تصحيح جدي في أوضاعها، فهي وحدها التي توفر شرطاً لتسوية الأزمة السورية، إن استقامت الأوضاع فيها بين القوى الدولية والإقليمية، ذات الصلة بالحالة السورية اليوم، وإلا فليس من الحكمة أن يراهن على البيئة السياسية المحلية البالغة من السوء حدود الاهتراء . هكذا سيرتبط نجاح مهمة الإبراهيمي، أو فشلها، لا ب»شطارته» السياسية و»لمسته السحرية» في مقاربة الأزمات الحارقة، وإنما بمدى النجاح أو الفشل في تحقيق تفاهم روسي - أمريكي، وتفاهم بين إيران وتركيا والسعودية، في شأن الحل السياسي في سوريا . إذا لم يقع مثل هذا التفاهم، إذا لم تنضج شروطه السياسية والنفسية، لن يصلح الأخضر الإبراهيمي ما أفسده الدهر، وقد ينتهي به الطواف إلى ما انتهى إليه كوفي أنان، أو سيمتد أمد مهمته المعطلة - في حال المكابرة - إلى ما شاء الله من الوقت .

التاريخ : 16-09-2012

=================

أنقرة وحسابات واشنطن السورية * سمير صالحة

الدستور

16-9-2012

أنقرة التي كانت بين السباقين في المطالبة برحيل النظام السوري وبنت كل حساباتها على ذلك، تعيش في هذه الآونة خيبة أمل كبيرة ليس فقط بسبب فشلها أمام مجلس الأمن الدولي في تمرير اقتراح إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية يتم فيها توفير الحماية الدولية للاجئين هناك وليس بسبب حجم المشاركة والتمثيل الضعيفين اللذين رأت حكومة أردوغان فيهما انعدام الجدية واللامبالاة الأممية حيال جهودها، بل هي تعيش ذلك بسبب المواقف والتصريحات الصادرة عن شخصيات سياسية وعسكرية تعكس وجهة نظر الشريك والحليف الأميركي التي تقطع الطريق على تحركاتها في الملف السوري.

كلام رئيس الأركان الأميركي مارتن ديمبسي ووزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس حول صعوبة توفير الغطاء الذي تريده أنقرة من قبل حلف شمال الأطلسي في مسألة المنطقة العازلة ورد أسباب ذلك إلى شرط موافقة مجلس الأمن والنفقات المالية المكلفة وتقديم مسألة مخاطر ملء الفراغ المحتمل من قبل جماعات دينية متطرفة تعكس حقيقة التباعد التركي الأميركي في قراءات مسار الأزمة السورية على الرغم من زيارة كلينتون الأخيرة إلى أنقرة والإعلان عن تنسيق السياسات حول مرحلة ما بعد سقوط الأسد الذي قال ديمبسي إنه ما زال قويا ومتماسكا.

الإدارة الأميركية تعرف أكثر من غيرها أن استراتيجية إنشاء منطقة أمنية عازلة داخل الأراضي السورية وعلى مقربة من الحدود التركية لإيواء اللاجئين لن تقود في أحسن الأحوال سوى إلى مواجهة مباشرة بين أنقرة ودمشق. فهل هذا هو ما تريده واشنطن لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد من خلال تذكير الجميع بموقع ودور مجلس الأمن الدولي الذي تدرك استحالة تفاهمه والتقائه أمام خيار وسط في الموضوع السوري؟.

واشنطن تريد أن يأتي الحل من الداخل السوري ودون أي دعم حقيقي للمعارضة أو تريد من الحلفاء أن يسقطوا هم النظام وتكتفي هي بتقاسم قطعة الجبن مع ضمانات تقدم حول أن الخارطة السياسية السورية المستقبلية لن تهدد مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة. واشنطن وكما هو معلن تسعى لإضعاف الجيش السوري وحرمانه قدراته العسكرية والحربية عبر إطالة المواجهة غير عابئة بعدد الضحايا والدمار والخراب الذي يلحق بسوريا. لا بل هي تريد كما فهمنا تسليح المعارضة السورية لقطع الطريق على إيران في لبنان والعراق غير عابئة بحسابات وسياسات اللاعبين الإقليميين والدوليين الآخرين.

ربما من الأولى تذكير واشنطن، التي تحاول جني ثمار الأزمة السورية على حساب مواقف حلفائها وشركائها مستفيدة كما تعتقد من دروس أفغانستان والعراق ولبنان، أن المجتمع الدولي والمنظمات العالمية التي تم تجاهلها تماما في قرار شن الحرب على العراق قبل 9 سنوات سيسألونها عن ازدواجية المواقف وأن الجميع يرصدون كل شاردة وواردة في خطواتها وتحركاتها وأن لا هدايا مجانية تقدم لأحد أمام هذا الكم الهائل من التعقيدات والتداخلات.

لا يمكن لحكومة العدالة والتنمية التراجع بعد هذه الساعة عن مواقفها وسياساتها حيال الأزمة السورية وهي التي تعرف أن المطلوب هو ليس رأس داود أوغلو بل رأس أردوغان نفسه. من هنا فما قصده ربما أردوغان عندما قال إن إنشاء المنطقة العازلة لا بد أن تسبقه موافقة مجلس الأمن الدولي وهي مسألة شبه مستحيلة اليوم هو تذكير الحلفاء وواشنطن تحديدا بخيار شبه وحيد لا بد أن يتقدم على غيره من الخيارات في هذه المرحلة.. نقطة البداية فيه أن يقود المجتمع الدولي تحركا من هذا النوع يسبقه خطوة إعلان الحكومة السورية في المنفى بالتنسيق مع قوى المعارضة في الداخل والخارج ومطالبة هذه الحكومة الهيئات الدولية بتوفير الحماية اللازمة للشعب السوري وإنشاء منطقة حظر جوي على طيران النظام في إطار القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي وتحريك محكمة الجزاء الدولية والاستفادة من صلاحيات الجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار بند التوحد من أجل السلام أمام عجز مجلس الأمن ووصوله إلى الطريق المسدود بسبب انقسامه، وهي لن تكون لا المرة الأولى ولا الأخيرة في التحرك بهذا الاتجاه والتعامل مع أزمات من هذا النوع.

تباعد المواقف التركية الأميركية في الموضوع السوري لن يدفع بأنقرة إلى تبديل سياساتها لكنه سيقود حتما إلى تراجع علاقاتها بواشنطن فأنقرة التي تشعر أنها تركت وحيدة تواجه الضغوطات الإيرانية والروسية قبل أن تقاوم الحملات السورية ضدها على أكثر من جبهة.

التاريخ : 16-09-2012

=================

الرباعية والإبراهيمي: الفشل أقرب من النجاح!

خالد الدخيل

الأحد ١٦ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

لا أحد يعرف كيف ستكون العلاقة بين مهمة الأخضر الإبراهيمي، ومهمة اللجنة الرباعية التي تضم السعودية ومصر وإيران وتركيا. يجمعهما هدف واحد: إيجاد مخرج للوضع المتأزم في سورية. هل سيكون هناك شيء من التنسيق، وتبادل المعلومات؟ يمثل الإبراهيمي الأمم المتحدة والجامعة العربية، وبالتالي فهو رسمياً ليس ملزماً بما تفعله، أو تتوصل إليه اللجنة، لكنه لا يستطيع تجاهل مساعيها. اللجنة معنية بما سيفعله الإبراهيمي في تواصله مع النظام السوري والمعارضة. هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون فالسؤال الذي يتردد في كل أنحاء سورية، وأرجاء العالم العربي: هل هناك من أمل بنجاح الإبراهيمي، أو الرباعية في التوصل إلى حلّ سلمي يوقف نزيف الدم، وينقل سورية إلى مرحلة سياسية جديدة؟ هل يستطيع الإبراهيمي ومن ورائه اللجنة وقف نزيف الدم على الأقل تهيئة لحل سياسي؟

نبدأ مع الإبراهيمي. ولد عام 1934، أي أنه عاصر تشكّل مرحلة الاستقلال العربية، والكيفية التي نشأت بها الأنظمة العربية، ومنها النظام السوري، وكيف وصل إلى ما وصل إليه. كان وزيراً لخارجية الجزائر ما بين 1991 و1993، وبالتالي تعامل مع النظام السوري من قرب. بعد ذلك تولى مهمات دولية في أفغانستان والعراق، ومن ثم فهو يعرف المجتمع الدولي، وما الذي يحكم مواقف دُوله أثناء الأزمات الدولية. هناك ملمح آخر في ملف الإبراهيمي، وهو عضويته في منظمات دولية تعنى بقضايا السلام، والحكم الرشيد، والعلاقة بين الإقصاء والفقر والقانون، ما يجعله أقدر - ليس فقط - على إدراك معاناة الشعب السوري هذه الأيام، بل كيف وصلت الحال بهذا الشعب إلى ما وصلت إليه، وعلاقة ذلك بطبيعة الحكم الذي عاشوا في ظله أكثر من 40 عاماً. هل ينجح الإبراهيمي في مهمته؟ أكاد أجزم بأنه لن ينجح، إلا في تأمين وقف موقت لإطلاق النار، وحتى هذا سيكون موقتاً؛ لأن النظام لا يستطيع أن يجاهر برفض طلب مثل هذا، والمعارضة المسلحة لن تقبل قبل أن يلتزم النظام، وتحت إشراف دولي ملزم له. لماذا لن ينجح؟ لأن المَخرج الوحيد نحو حلّ سياسي مقبول من غالبية الأطراف هو تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، الرئيس يدرك هذا تماماً، وأيضاً يرفضه تماماً. الإبراهيمي ألزم نفسه من البداية بأنه معني بالحل وليس بالأشخاص، أطول وأهم حديث له كان مع فضائية الـBBC. في هذا الحديث شدّد على نقطتين مهمتين: أولاهما، أن التغيير في سورية بات ضرورياً، ولم يعد بالإمكان تفاديه، والثانية أنه لا يمكن هذا التغيير أن يكون شكلياً، أي أنه يجب أن يكون جوهرياً وعملياً؛ لكنه في الوقت نفسه قال إن تحديد من يبقى في المرحلة الجديدة بعد التغيير، ومن يغادرها، ليس من مهمته. هنا ترك الإبراهيمي أمام النظام السوري وقيادته مساحة للتأويل، ومن دون هذه المساحة كان النظام سيرفض استقبال الإبراهيمي؛ لأنه سيكون عليه التنازل مقدماً، وسترفض روسيا تكليفه. هذه المساحة فرضها الانقسام الدولي، والضعف العربي، وهي مقبرة أي مهمة من هذا النوع.

يريد الإبراهيمي التوصل إلى حلّ سياسي يعرف أن على كل طرف أن يدفع ثمناً له. الثمن الأكبر يقع على عاتق النظام، أولاً لأنه الطرف الأقوى، وثانياً لأنه المسؤول الأول عن حماية الناس وعن أمنهم، وثالثاً لأنه هو من بادر إلى استخدام السلاح مع مواطنين عزل يتظاهرون سلمياً. يريد النظام استخدام مهمة الإبراهيمي، كما فعل مع غيرها، غطاءً للمضي في حله الأمني الذي يزداد قناعة بأنه من دونه سيسقط. ويتضاعف المأزق أمام حقيقة أن تنحي الرئيس كمدخل للحل تفرضه كل معطيات واقع الأزمة، فهو مطلب سوري وإقليمي ودولي. بعبارة أخرى فقد الرئيس شرعيته، ولم يتبقَّ له إلا القوة العارية. بقاء الرئيس في مكانه بعد أن ارتبط اسمه بكل الدماء التي سالت، والدمار الذي طاول غالبية المدن والأحياء، والتهجير الذي أخذ معه ملايين السوريين، لم يعد ممكناً سياسياً ولا منطقياً ولا أخلاقياً ولا قانونياً. إن المسؤولية الأولى والأخيرة في كل ما حصل تقع على الرئيس وعلى نظامه، فهو المسؤول عن انتشار العنف، وتفشي السلاح، وتحويل الانتفاضة من حراك سلمي إلى مواجهات مسلحة. لقد بات معروفاً أن النظام هو من بادر إلى التعامل الأمني البشع مع الانتفاضة عندما بدأت في درعا في آذار (مارس) 2011. استمرت الانتفاضة سلمية لأكثر من خمسة أشهر، والنظام يواجهها بالمدرعات والشبيحة. فشلت كل محاولات إقناع قيادة النظام بالتخلي عن الحل الأمني، أو على الأقل تخفيفه، وهي محاولات محلية وإقليمية ودولية، كان يواجه هذه المطالب بادعاء أن من يطلق النار على المتظاهرين ليس الجيش، وإنما مجموعة من المندسين، والحقيقة أن النظام كان يرتاب من هذه المطالب، ولذلك كان الحل الأمني يزداد بشاعة، ويتسع نطاقه مع اتساع حجم الانتفاضة، لتشمل غالبية المدن والقرى السورية. لم يتبق للمنتفضين والمتعاطفين معهم من السوريين إلا اللجوء إلى السلاح دفاعاً عن النفس، وهنا دخلت سورية المأزق. جزء كبير من الشعب يدافع عن نفسه وبقائه أمام الآلة العسكرية لنظام يحكم باسمه، وهذه مفارقة قاتلة وجزء آخر يحاول الهرب من الجحيم. وجزء ثالث تسيطر عليه حال من اليأس والخوف. إذا لم يكن النظام هو المسؤول عن هذه الحال المأسوية، فمن يكون؟ منذ اليوم الأول للانتفاضة تخلى النظام عن مسؤوليته الأولى والأخيرة، وهي حماية أمن الوطن، وحماية المواطنين، أرواحهم، وممتلكاتهم، وحقوقهم. صار بقاؤه في الحكم أهم من كل ذلك. السؤال الذي على الإبراهيمي مواجهته إذاً هو: كيف يمكن أن يكون هناك حلّ مع بقاء هذا النظام، وبقاء قيادته، وكأن شيئاً لم يكن؟

تشبه الرباعية الإقليمية تماماً الرباعية الدولية التي تشرف على مفاوضات الفلسطينيين والإسرائيليين. فشلت هذه الرباعية لأن النجاح لم يكن هدفها بمقدار ما أنه توفير غطاء دولي للمماطلة الإسرائيلية. ثلاثة من أعضاء الرباعية الإقليمية يريدون النجاح: السعودية ومصر وتركيا، والعضو الرابع، إيران، تدرك أن النجاح مكلف لها، ولأنها لا تريد أن تتحمل وحدها وزر الفشل تطالب الآن بضم العراق إلى اللجنة، لأن الحكومة العراقية تقع تحت نفوذها.

النظام السوري لا يريد كما رأينا نجاح اللجنة. النجاح بالنسبة له استسلام المعارضة، ووقف التظاهر، والقبول به راعياً حصرياً لأي عملية سياسية، يحلم بأن في إمكانه حسم الوضع عسكرياً لمصلحته. كل ما يحتاجه هو الوقت. توفر الرباعية، ومعها الإبراهيمي، هذا الوقت. جاور النظام السوري إسرائيل لأكثر من 40 عاماً، وتعلم منها طريقتين يطبقهما حرفياً: القسوة الشرسة، والعقاب الجماعي مع الشعب. مثل إسرائيل تهدم قوات النظام أحياء كاملة كما في حمص وحلب ودرعا وإدلب وريف دمشق، وينفذ إعدامات ميدانية، ويعمل على نشر الرعب بين السكان لردعهم عن دعم الانتفاضة. الطريقة الأخرى التي تعلّمها النظام السوري من إسرائيل هي تكتيك «المفاوضات من أجل المفاوضات» لشراء الوقت، وليس أي شيء آخر، وتكفلت الرباعية الدولية بتوفير هذا الوقت لإسرائيل منذ 2002.

راقب النظام السوري هذا التكتيك، وأدرك مدى نجاعته، بل عانى نفسه من هذا التكتيك طوال مفاوضاته مع الإسرائيليين منذ مؤتمر مدريد في 1991، وإذا كانت إسرائيل تحتاج الوقت لاستكمال سرقة الأرض الفلسطينية، فالنظام السوري يحتاج الوقت هذه الأيام لكسر الانتفاضة، وتركيع الشعب بقوة السلاح لقبول حكمه وقيادته. وإذا كانت الرباعية الدولية هي من وفّر هذا الوقت مع سبق الإصرار، فالرباعية الإقليمية قد توفره للنظام السوري إذا ما أُعطي لإيران حق نقض قرارات اللجنة. إيران تدعم النظام السوري سياسياً ومالياً وعسكرياً، وهو دعم مكلف، لكن إيران استثمرت في هذا النظام أكثر من ذلك، وهي تدرك أن سقوط النظام يعني خروجها من المشرق العربي، وتقلص نفوذها داخل العراق، وعزلة حليفها اللبناني «حزب الله».

ربما تطمح اللجنة إلى تطبيق النموذج اليمني في سورية، لكن ينبغي ملاحظة أن النظام في اليمن يختلف عن سورية. في هذا النظام نمت المعارضة، وهي قوية سياسياً على الأرض. تغلب القبلية، وليس الطائفية، على تركيبة النظام اليمني، وهي تركيبة لم تسمح لعلي صالح بالاستحواذ على المؤسستين الأمنية والعسكرية، ولذلك لم ينزلق اليمن إلى حرب أهلية، على رغم أن علي صالح حاول الدفع بهذا الاتجاه. إلى جانب ذلك، فقد صالح غطاءه الإقليمي والدولي. تركيبة سورية الطائفية سمحت لعائلة الأسد بالسيطرة على النظام بخاصة المؤسستين الأمنية والعسكرية، وربطت مصيرهما بمصيرها هي. تجريف الحياة السياسية على مدى 40 عاماً من القمع والكبت السياسيين أضعف المعارضة السياسية، ثم إن تحالفات النظام الإقليمية مع الأسد الابن أخذت صبغة طائفية، مع إيران وحزب الله، إلى جانب دعم روسيا، وبسبب غلبة الصبغة الطائفية للنظام، وطبيعته الأمنية المتجهمة، نجح في وضع البلد على حافة حرب أهلية مفتوحة، ما يعني أن النظام السياسي هو عقدة المأزق، وتفكيكه مفتاح الحل. وأمام شبح فشل الإبراهيمي والرباعية، الأرجح أن تتسع المعارضة المسلحة، وأن تغرق سورية في الدم أكثر. يدرك الجميع أن مآل النظام هو السقوط. هل واجهه أحد وراء الكواليس بحتمية هذا الخيار؟ هل يطرحه الإبراهيمي في مفاوضاته مع القيادة السورية؟ لماذا لا يعمل المهتمون على تقليل ثمن السقوط، بدل الاختباء وراء المماحكات السياسية، والمجاملات الديبلوماسية؟

* كاتب وأكاديمي سعودي

=================

تحولات صورة سوريا والسوريين في مخيلة شاب لبناني

فيديل سبيتي

المستقبل

16-9-2012

ثورة السوريين هي ثمرة عقود من الخواء والخوف والاستبداد. موقف السوريين الشجاع اليوم، حفّزني لكتابة ما أتذكره عن سورية في مخيلة الطفولة والمراهقة، وما أتذكره من رحلة سريعة قمت بها إلى دمشق في خريف العام 2003.

في هذه الرحلة كانت لي مشاهدات وانطباعات في الناس وأماكن عيشهم، في السنوات الأولى لحكم بشار الأسد.

في مخيلتنا الطفولية كانت صورة "الجمهورية العربية السورية" مختصرة بمقام السيدة زينب في دمشق، أو كما تسميها جدتي وأغلب الناس "الشام". كانت جدتي تقول إنها حين تزور المقام ستقبّل باب قفل قبر السيدة، المصنوع من الفضة، وستصلي من أجلنا كي ننجح في المدرسة، ومن أجلها هي كي تشفى من مرضها، ومن أجل ابنها كي يتوقف الجيشان الإسرائيلي والسوري عن ملاحقته للسبب نفسه، وهو انتماؤه الى أحد أحزاب "الحركة الوطنية". كانت هناك في دمشق تطلب من السيدة زينب ردع "قوات الردع" عن ابنها، كما تطلب ردع الجراثيم والفيروسات عن جسدها. والسيدة زينب لا بد أنها تحمي أبناء الأمهات المؤمنات الطيبات ممن يريد لهم الأذية، إسرائيلياً كان أم سورياً. هي لا تفرّق بين الأعراق والإثنيات والأديان، كانت جدتي "المثقفة" تقول.

كانت سورية كلها تدور في باحة السيدة زينب في مخيلتنا نحن الأطفال، إضافة الى نهر وأشجار كثيرة وسهل تمتد فيه البيوت والبنايات التي تشكّل مدينة دمشق. كانت جدتي تقول إن عدد الناس في الشام بعدد أشجارها وأشجار البساتين المنتشرة حولها وحول نهر بردى. وتقول إنهم كالأشجار كرماء وطيبون، وكنهرهم غزيرون لا يتأخرون عن مدّ يد المساعدة لمحتاجها، خصوصاً اذا ما كان لبنانياً، فهم يحبون اللبنانيين، ويعتبرونهم أخوة لهم.

هكذا كانت تختلط الصور بين مقام السيدة الفضي والأشجار الخضراء والناس الوارفين مثلها والنهر المار بين البيوت. صورة أقرب إلى الخيال الطفولي، كالرسوم التي يتقن الأطفال رسمها في الصفوف الأولى.

وجدتي حين كانت تصف المقام، كانت تضيف رهبة على المدينة، فهو من الرخام، يمكنك أن تتمارى على بلاطات باحته النظيفة واللامعة، ويكون باردا في الصيف ودافئا في الشتاء. الهدوء يعمّ المكان فجميع الزوار يحترمون قدسيته ويمتنعون عن الكلام. ثم إنهم حين يصلون إلى قفص القبر الكبير، الواسع والفضي، يخشعون في حضرة السيدة ويقبلون قفصها، ويعلقون عليه قماشة صغيرة بعدما يتمنون ما يريدون أن يتحقق. خشوع سحبناه في مخيلتنا على كل سوريا والسوريين. كانت دمشق مدينة صامتة وهادئة، مؤمنة بتحقق الأمنيات.

في سن المراهقة تبدّلت الصورة تماماً. كان الجيش السوري قد دخل الى لبنان وانتشرت حواجزه في كل مكان. كانت تلك الحواجز المرتجلة توحي بأن وجود هذا الجيش مؤقت في لبنان، او يمكن القول انها كانت توحي بأن هذا الجيش بجنوده وعتادهم وآلياتهم على أهبة الاستعداد للعودة الى سورية. فكل ما في تلك المراكز مبني على عجل. مبني ليرتاح فيه الجنود أياماً عدة، قبل أن ينتقلوا إلى مكان آخر، حيث سيبنون غرفا جديدة على عجل أيضاً.

كانت المراكز التي ينام فيها الجنود ويركنون أمامها شاحناتهم الروسية القديمة، والمدهونة بطلاء المنازل، والمكتوبة أرقامها بخط اليد، والتي تحمل شعارات تعلن وفاء الجيش أو الجنود، أفراداً وفيالق، للقائد الأسد، الأب ومن بعده الابن.

الحاجز التابع للمركز، مؤلف من محرس باطوني مرسوم على جدرانه علم حزب البعث والعلم السوري، ويقف فيه جنديان كل من جهة، أو مرسوم عليه صورة الرئيس حافظ الاسد وابنيه بشار وباسل، وثلاثتهم يضعون النظارات الشمسية، ومكتوب تحت صورتهم شعار: "إلى الأبد، سورية الأسد". شبابيك تلك المراكز غالباً ما تكون مقفلة بالنايلون أو بالكرتون، وأبوابها مركّبة على عجل، من دون أن تكون بالقياس المحدد. الجدران عارية من قشرة الإسمنت ومن الطلاء أيضاً. سحنة الجنود التي تبديهم متبرمين دوماً، ومتعجلين من أجل القيام بأمر ما. نحول أجسامهم، الذي يظهر مضاعفاً مع اتساع بدلاتهم وبروز عظام الوجنتين. والسجائر التي في أيديهم يمجّونها مجّاً متعجلا، حتى يشعلوا غيرها حين تقترب من احتراق فلترها... البنادق الأوتوماتيكية القديمة المحمولة فوق الأكتاف أو المركونة في زاوية الحاجز العسكري. "الخوّة" (الأتاوة) التي يتقاضاها عناصر الحاجز بالملابس المدنية من الشاحنات المحملة بالبضائع مقابل عدم تفتيشها. السرية والسرعة في تقديم هذه "الخوة" من قبل سائقي الشاحنات، وتلقفها السريع والسري من قبل أولئك الرجال الغامضين. اعتياد اللبنانيين الراكبين في سياراتهم على وجود الحاجز، وتمهلهم أمامها، من أجل إلقاء التحية على الجندي الذي يتأمل الركاب واحداً تلو الاخر، وينظر إلى ما بين الأقدام مشيراً بيده للسائق بالتقدم، فيما يستدعي السيارة التالية بالإشارة نفسها، من دون أن ينبس بأي كلمة، أو بأي إشارة على وجهه، ومن دون أن يرد على التحية بمثلها... كل تلك المظاهر كانت تشعرنا بأن وجود الجيش السوري في لبنان مؤقت، أو ربما كنت أسقط رغبتي هذه على تلك المظاهر.

الجيش الآتي الى بلادنا بهدف معلن هو "فرض الأمن"، وهو غير الهدف المضمر، بدّل في مخيلتنا صورة سورية التي حفظناها منذ الطفولة. كانت حال الجيش مرآة البلاد التي أتى منها، فبدت دمشق البعيدة وكأنها مبنية ببيوت كغرف الحواجز المهلهلة، وتخيلنا الشعب السوري في حال من الفقر تجعل السوري نحيلا ومطأطأ الرأس تحت صور "القائد إلى الأبد" وتماثيله وعناصر مخابراته، الذين يضعون بدورهم نظارات شمسية، وينظرون من ورائها شزرا إلى كل البشر الذين يروحون ويجيئون تحت سماء من فولاذ.

ربما كانت هذه الصورة أيضاً وليدة كراهية أهلنا للجيش السوري، الذي خاض معارك ضارية ضد أحزاب "الحركة الوطنية"، في أواخر السبعينات من القرن المنصرم.

إنفتاح.. فانزياح

مرّت سنوات المراهقة متمهلة ومضطربة في خضم الحروب الأهلية، المتناسلة والمتطاولة، ثم بدأ زمن السلم بعد "الطائف"، فانتقل عشرات الآلاف من العمال السوريين إلى لبنان، للعمل في ورشة "إعادة البناء". ثم ارتفعت أعداد اللبنانيين الذين يزورون سورية، بدوافع دينية أو تجارية أو سياحية. كانت البضائع السورية أرخص بكثير من مثيلاتها في لبنان، فازدهرت التجارات الصغيرة، وأبرزها شراء النسوة وربات المنازل اللبنانيات للملابس السورية الصنع لبيعها في لبنان، وتحقيق ربح غير قليل منها. كانت تلك مثالات لانفتاح الشعبين على بعضهما البعض، وتلاقيهما وتواصلهما، بعد طول انقطاع بسبب الحروب اللبنانية، التي كرّست فقط العلاقة بين الضباط السوريين والساسة اللبنانيين. وهي علاقة "تابع ومتبوع"، يقابله انقطاع نسبي في العلاقة بين شعبين من المفترض أنهما "شقيقان" أو أقله جاران.

كان ذلك الانفتاح والتواصل الجديدان سبباً لتزايد الفضول لزيارة تلك البلاد، التي نحن وأهلها "شعب واحد في بلدين" في الخطابة الرسمية التي كانت سائدة آنذاك، أو "شعبان في بلد واحد" كما أراد نظام البعث السوري في نهاية المطاف.

الفضول لاكتشاف سورية وعاصمتها، في تلك السنوات من أوائل الألفية الثالثة، كان يهدف إلى كسر الصورة النمطية المغبشة والهيولية لتلك البلاد، التي أشيع عنها وفيها أن بشار الأسد أتى لتحديثها ولانفتاحها على العالم، وإخراجها من القمقم الذي وضعها فيه الأسد الأب ثم ختمه بخاتمه "السحري". وهو خاتم من مزيج معادن التسلط والاستبداد.

في دمشق: لافتات الحرب والهواتف

في العام 2003، بعد سنوات قليلة على وراثة بشّار لأبيه مُطلقاً "الانفتاح" السوري الجديد، وقبل سنتين من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قررت أن الرحلة إلى البلاد التي لا أملك إلا صورة مشوشة عنها قد باتت واجبة.

لننس عبور سيارة الأجرة في الأراضي اللبنانية، التابعة سياسياً وأمنياً لنظام البعث السوري، ولننتقل مباشرة إلى المنطقة الخالية والجرداء، التي تفصل بين الحدود اللبنانية والسورية.

المسافة ما بين الجمارك اللبنانية والجمارك السورية، والتي تزيد على الكيلومترين، تبدو خاضعة بدورها للسيادة السورية بلا مسوغ. فالإعلانات المرصوفة على طول تلك الطريق تروّج لمحلات ومصانع وبضائع سورية.

على مبنى الجمارك السوري وفي مداخله رفعت لافتات تحيي حرب تشرين، وتصوّرها في تخييل أسطوري يضخّم من نتائج تلك الحرب، والانتصار الافتراضي على العدو الإسرائيلي. واللافتات نفسها تحيي القائد الراحل حافظ الأسد وابنه الذي يكمل مسيرته، وتجعل من الأول "باني سورية الحديثة" والثاني موجهها نحو المستقبل.

في واحد من الممرات المخصصة للبنانيين داخل المركز وقفت في طابور منتظراً دوري، الذي لم يكن ليأتي قبل أقل من ساعة. اقترب مني سائق سيارة التاكسي الذي يقلّني وسألني اذا ما كنت سأنتظر طوال الوقت. فأشرت إلى الطابور أمامي. بمعنى "ما بيدي حيلة". فطلب مني خمسين ليرة سورية واخذ جواز سفري ثم خرج من الطابور إلى الممر المخصص للسوريين. اقترب من ضابط الجمارك وناوله جواز السفر، بعد ان وضع فيه الليرات الخمسين. فردّه إليه مختوماً.

بعد مكاتب الحصول على تأشيرات الدخول، نقترب من حاجز الجمارك الذي يقف عنده عسكريون بغية تفتيش السيارات. لكن التفتيش لا يحدث أبداً. فبعد ان يركن السائق سيارته يترجل منها حاملا "الإكرامية"، التي تكون إما علب تبغ أو ربطة خبز أو نوعاً من أنواع الفاكهة، فيناولها للموظف بعيداً عن أعين المسافرين، ثم يعود مسرعا إلى سيارته التي يبقى محركها مشتغلا. والعملية هذه لا تطلب أكثر من دقيقة أو دقيقتين، فالسائقون باتوا معتادين على القيام بها يومياً على نحو آلي.

حين أشرفنا على دمشق من على التلال المحيطة بها، لم أر النهر الذي حدثتني عنه جدتي، ولم تظهر بساتين محيطة بالمدينة، بل ظهرت فحسب كتل إسمنتية هائلة، ومتراكمة، منتشرة على التلال المحيطة بالمدينة، ثم تهبط من الأعلى كسيل ينفجر ويتوسع في الأسفل ليشكل مركز المدينة. وترافق هذا المشهد، صورة سوريالية رسمت على شفتي ابتسامة صغيرة. فعلى إحدى التلال الجرداء يقف قصر ضخم يطل على كل المشهد العمراني المتفجّر. قال السائق إنه "قصر الشعب"، الذي يسكن فيه الرئيس الابن بعدما سكنه الرئيس الأب. نظرت الى ركّاب السيارة من السوريين وسائقنا، وضحكت، فضحكوا مثلي، بل وجاروني ضحكاً، لقد فهموا تماما ما أضمره: قصر الشعب، يطل على مآسي الشعب. الرئيس في الأعلى وهم في الأسفل، ويحكمهم هنا في سورية حيث تعيش عائلاتهم، وهناك في لبنان حيث يعملون. اكتفيت بالضحكة من دون تعليق كلامي، فمن يعلم؟ يقال أن الأخ يكتب تقريراً أمنياً بأخيه في "سورية الخالدة".

من المظاهر الجديدة التي كانت تدل على "الانفتاح" آنذاك، الذي جاء ليحققه بشار الأسد، هي إعلانات شركة الاتصالات السورية "سيريتل"، الجديدة والحديثة والمختلفة عن إعلانات الشركات القديمة والبدائية، والتي تشبه الرسائل الموجهة إلى القرّاء. كان الانفتاح الاقتصادي المتمثل بتسليم الاقتصاد لأقارب الرئيس السوري يتجسد بالصور الجديدة, التي تحتفل بافتتاح شركة "سيريتل". وكانت تنتشر إلى جانبها إعلانات أخرى تتعلق بتمجيد حرب تشرين والحركة التصحيحية. وهذه الأخيرة ثابتة لا تتحرك من مكانها.

اعلانات شركة الهواتف النقّالة الوحيدة في سورية، تشغل زوايا الشوارع، وواجهات أبنية كثيرة، ولافتات محلات بيع الهواتف وخطوطها، التي ازداد عددها بشكل كبير في تلك السنوات.

اما لافتات "حرب تشرين" وغيرها من اللافتات السياسية المؤدلجة، فقد كانت معلّقة على شرفات الدوائر الحكومية والوزارات، وعلى أسيجة الحدائق العامة، وفي مراكز النقابات، وفي الأسواق العامة. واللافتات هذه موقعة بأسماء النقابات والعمال والمسؤولين وأقرانهم وأصدقائهم والخاضعين لوصايتهم والمستفيدين من خدماتهم. واختلاط التواقيع على اللافتات واختلاف اصحابها وتباينهم، يبلغ حدا سورياليا.

وانتشار هذين النوعين من اللافتات، لم يؤد الى تنافس أو تعارض بينهما. فما يرد فيهما متشابه إلى حد كبير. فالشركة التجارية تصوّر في إعلاناتها سوريين من مناطق مختلفة، ومن طبقات اجتماعية متنوعة. فلاحون وعمال ورجال أعمال وأطفال، يرفعون الهواتف مبتسمين، ويتطلعون إلى المستقبل، توكيداً لشعار الشركة "يدا بيد نصنع المستقبل". اما لافتات السياسة البعثية والحزب الواحد الأبدي فإنها تؤدي المعنى ذاته. ففيها يحيي موقعوها "باني سورية" الحديثة وموّجه سوريا نحو المستقبل.

واذا كانت شركة الاتصالات الوحيدة في سوريا تستخدم في اعلاناتها الموزعة في الطرق صوراً لمواطنين مختلفين مناطقيا وطبقيا وفئات عمرية، فان موقّعي اللافتات الحزبية والسياسية هم هؤلاء ايضا. فنقابات العمال والمستخدمين في القطاعين الخاص والعام، ونقابة المعلمين، ونقابة الفنانين، وتجمع اصحاب المتاجر، والعاملون في هذه الوزارة او تلك يرفعون لافتاتهم كما يرفعون هواتفهم في الإعلان. بدا الأمر وكأنه خلط بين الزمنين الماضي والحديث، وكأن الخلف سيكمل رسالة السلف ولو بشكليات عصرية.

ورافع الهاتف المبتسم في اعلان الشركة ليس "فردا"، كما يبدو للناظر الى الاعلان والمتمعن فيه. بل هو جماعة متمثلة بفرد. فرجل الاعمال يختصر بالصورة النمطية رجال الاعمال، أي اولئك الذين يحملون حقائب جلدية ويرتدون ملابس رسمية وربطات عنق، ويبدو على وجوههم هناء العيش، وفي مظهرهم الثراء.

والفلاح في الاعلان هو أيضاً ممثل جميع الفلاحين في سورية، أي ذلك الرجل الذي يعتمر كوفية مرسلا شاربيه، ويتمتع بنضارة سكان القرى وعافيتهم، ويرتدي ملابس الحقل. وهذا ينطبق على العامل انطباقه على ربة المنزل والتلامذة... الخ.

لكن ما كان واضحا للناظر الغريب، أن الألوان في الصورة ليست كالألوان الحقيقية التي يراها خارج الصورة، فتلك طازجة وملونة وبهية ومليئة فرحا، بينما ألوان الأبنية المحيطة كانت باهتة ورمادية وكأنها بلا لون، وكأن الزمن الذي يمر عليها ثقيلا ومتباطئاً ولزجا ومشبعا بالغبار، وعتيقا كما العبارات والشعارات التي تملأ اللافتات واليافطات، والتي تبدو كأنها قادمة من زمن آخر آفل وعتيق. أما ناس الصور وابتساماتهم وانتظاراتهم لغد سعيد وأفضل، فقد كانوا بسيمائهم يناقضون قسمات السوريين المارين في الطريق قرب اللافتة. فهؤلاء كانوا يبدون في السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين وكأنهم ما زالوا في سبعينات القرن الماضي، في ملابسهم وألوانها وهندامهم وتصفيف شعرهم، وكانوا يبدون عكري المزاج ينتظرون شيئا ما أو عملا يقومون به ولا يصل. لم يكونوا مختلفين كثيرا عن مجموعات العمال الذين كانوا ينتظرون تحت جسر الكولا أو جسر البربير في بيروت في الكثير من التفاصيل... كان المشهد كلّه يثير الأسى والشفقة، وبالتأكيد التساؤل السخيف بالنسبة لشاب متحمس مثلي: "لماذا يقبلون بالعيش في هذا المستنقع؟".

لم أكن أنتظر الإجابة، ولم أكن أنتظر أن العام 2011 سيأتي محمولا على رياح التغيير. وبصدق، لم أكن أتوقع أن هؤلاء الذين بدوا لي مستنقَعين لا يلوون على شيء سيقدمون واحدة من أجلّ بطولات القرن وأعظمها.

=================      

نساء سوريا ثائرات.. لسن لاجئات ولا سبايا

عمر قدور

المستقبل - الاحد 16 أيلول 2012 - العدد 4461 - نوافذ - صفحة 10

من المؤلم ما ظهر أخيراً إلى العلن عن استغلال بعض الذكور العرب لمأساة العائلات السورية، والإقدام على الزواج من نساء سوريات اضطررن إلى النزوح إلى بلدان أولئك الذكور، بل بلغت الوقاحة ببعض المستغلين إلى حد الإعلان عن نواياهم على صفحات التواصل الاجتماعي أو بعض المنابر الالكترونية؛ الأمر الذي اقتضى من ناشطين سوريين إطلاق حملة باسم "لاجئات لا سبايا". سبق ذلك بأشهر أن أعلن شبان سوريون أيضاً عن تشرفهم بالزواج بفتيات تعرّضن للاغتصاب من قبل الأمن أو الشبيحة، وعلى رغم النوايا الطيبة وراء الإعلان إلا أنه لاقى نقداً قوياً في أوساط النشطاء من الجنسين، لأنهم رأوا فيه امتهاناً للمغتصبة، ولحقّها في اختيار شريكها من دون شعور بالعار أو بأنها ضحية العطف والشفقة.

ما يزيد الشعور بالغبن أن المرأة السورية لعبت وتلعب دوراً في الثورة لا يقلّ شأناً عن دور الذكور، ولا يجوز بأي حال الانتقاص من كرامتها، وليس الحديث عن مساهمة المرأة في الثورة السورية من باب المحاباة والتشجيع، فالبعض منهن بدأ تحركه منذ التباشير الأولى، ونعني بذلك الاعتصامات التي شهدتها مدينة دمشق تضامناً مع الثورتين المصرية والليبية، وكانت تعني أيضاً تضامناً مع الذات السورية التي تتهيأ للالتحاق بالربيع العربي، أو على الأقل هذا ما فهمه عن حق النظام الذي بادر إلى قمع تلك الاعتصامات. صحيحٌ أننا نتحدث هنا عن تجمعات صغيرة للمثقفات والمثقفين، وصحيحٌ أيضاً أن التظاهرة الأولى التي انطلقت من أمام الجامع الأموي بتاريخ 15/3/2011، وشهدت مشاركة نسائية، لم تخرج عن الإطار نفسه، إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية الانخراط المبكر للمرأة في فضاء الثورة العام، ولا يقلل بخاصة من الأهمية الإعلامية والرمزية لحضورها.

من المتوقع طبعاً أن المشاركة المعممة للنساء ليست باليسر ذاته، آخذين بالحسبان انتشار الثورة في بيئات اجتماعية متفاوتة العادات والتقاليد، وإن بقيت تميل عموماً إلى المحافظة أو التدين. في الواقع إن الاعتبارات التي حكمت هذه المشاركة متناقضة، ولا تعبّر بالضرورة عن تطورات مستدامة في وضع المرأة إجمالاً، فبسبب مواجهة النظام للتظاهرات بالعنف المفرط انحسر دور النساء، أحياناً بما أن القسمة الاجتماعية تضع الرجال في موقع الأكثر تحملاً للعنف، لكن قتل الرجال وملاحقتهم بلا هوادة من قبل أجهزة الأمن أدى أيضاً بالضرورة إلى إقحام النساء في أتون الثورة، حيث لم يُتوقع منهن ذلك، أو حيث لم يُتوقع أن تسمح لهن بيئتهن الاجتماعية بذلك. على سبيل المثال؛ لم يكن مُنتظراً في بيئة متزمتة، كما في قرية البيضا بالقرب من بانياس، أن تخرج نساء القرية في مظاهرة ضخمة ويقطعن الطريق الدولي السريع المارّ بالقرب منها، احتجاجاً على العنف المفرط للنظام بحقّ قريتهن وبحق البلد عموماً. غير بعيد في المكان والزمان؛ كانت قوات النظام تدشن طريقتها بالمساواة بين الجنسين، إذ تم استهداف النساء في قلعة بانياس وقُتل ثلاثة منهن فيما يعبّر بشكل مأساوي عن مساهمتهن بالثورة، وفي سابقة ستتكرر كثيراً ما أن يبدأ النظام سياسة المجازر، التي استهدفت النساء والأطفال بلا تمييز.

لقد أعلن النظام مبكراً الحربَ على مجتمع الثورة ككل، فلم يستثنِ الفئات المستضَعفة تقليدياً كالنساء والأطفال، وكان من مظاهر الإصرار على سلمية الثورة في البداية خروجُ آلاف النساء في مقدمة التظاهرة الكبرى التي شهدتها مدينة حماة بتاريخ 3/6/2011 "أو ما سُمّي جمعة أطفال الحرية". إذ من المعلوم أن مدينة حماة تُعدّ من المدن التي يغلب عليها الطابع المحافظ، ولم يكن بالأمر السهل أن يخرج هذا العدد الضخم من النسوة، بمباركة اجتماعية، وأن يكنّ في الطليعة وفي مرمى أسلحة رجال الأمن المتهيئين لإطلاق النار. إن خروج النساء على هذا النحو لا يتطلب منهن شجاعة وإحساساً وطنياً فحسب، بل يقتضي من البيئة الذكورية القامعة أن تغلّب الاعتبارات الوطنية العامة على الاعتبارات الاجتماعية الموروثة، وهذا ما قد حصل في أماكن عديدة على امتداد سوريا.

من درعا في الجنوب، مروراً بريف دمشق وبعض أحيائها ثم حمص وريفها، وصولاً إلى حلب ودير الزور، قضت الضرورة بأن يعيد المجتمع الثائر تعريف ذاته متخلياً عن جزءٍ من تقاليده قبل الثورة. وبسببٍ من رسوخ هذه التقاليد في بعض الأماكن، فإن ما حدث يُعد ثورة في الثورة نفسها، فليست بنقلة بسيطة مثلاً أن تؤوي فتاةٌ متظاهرين هاربين من الاعتقال أو القتل، في غياب لذكور عائلتها؛ تلك الفتاة التي نُظر إليها دائماً على أنها عورة بالمطلق، ولا يجوز لها حتى أن تفتح باب المنزل عندما يُطرق، بل وتَربَّت على أن تنظر إلى نفسها هكذا. لقد أمّنت الأبواب المفتوحة، في غير مكان، الحماية غير المنتظرة للكثير من المتظاهرين، وفي حالات فائقة الشجاعة خرجت الحماية إلى العلن كما فعلت إحدى الأمهات المسنّات في بلدة شهبا عندما راحت تمنع بعصاها شبيحة النظام من ضرب المتظاهرين، وهذا ما فعلته أيضاً فتاة في جامعة حلب، عندما اشتبكت مع الشبيحة لتمنعهم من اعتقال زملاء لها، ما أدى إلى اعتقالها هي.

رغم كل الحوادث والمعطيات السابقة، لا تجوز المجازفة باستخلاص استنتاجات عن تحسنٍ في وضع المرأة السورية، ومن غير الواقعي انتظار انقلاب جوهري في بعض البيئات الاجتماعية بسبب الظروف الطارئة التي تفرضها الثورة، وحتى من جهة العقلية الذكورية ذات الطابع الديني يمكن تبرير "التساهل" الحالي مع المرأة ضمن باب "الضرورات التي تبيح المحظورات"، وهذا لا يعني إباحة ما يُعد محظوراً عند زوال الأسباب. لكن المسألة ليست بهذه البساطة أيضاً، فالنساء اللواتي تذوقن طعم الثورة وقيمها لن يبقين هنّ أنفسهن كما كنّ من قبل، وقد لا يكون من السهل إعادتهن إلى وضعهن السابق، على الأقل قد لا تنفع الذرائع التقليدية السابقة في إعادتهن إلى حظيرة الطاعة العمياء، وقد يتطلب ذلك مناورات أكثر حنكة من قبل لإعادة السيطرة عليهن.

إن جانباً مهماً من الوضع المستقبلي للمرأة السورية يُرسَم الآن، خصوصاً بسبب الوحشية الشديدة التي يتعرض لها الثوار، والعدد الضخم جداً من القتلى وذوي العاهات الذي خلفته آلة القمع، والذي من المتوقع ارتفاعه بحدة مع فقدان النظام لأي أمل بالبقاء. هذا الواقع، وكما في كل الحروب، سيرتب على النساء مسؤوليات اجتماعية مستجدة. وبعيداً عن أفكار ومُثُل المساواة، فإن المجتمع الذكوري التقليدي قد يجد نفسه مضطراً لتجرع فكرة نيل المرأة لبعض حقوقها، لأن ما ستناله المرأة سيتناسب طرداً مع المسؤولية الملقاة على عاتقها. من المتوقع مثلاً أن تضطر نساء بعض العائلات إلى الدخول إلى سوق العمل، بسبب قتل معيلهن أو تعرضه لإعاقة دائمة، وإذا كانت هذه الأوضاع المأساوية مدعاة للأسف، إلا أنها بحكم الأمر الواقع ستعيد تموضع المرأة على نحو مختلف عن ذي قبل؛ تموضع ليس بالتقليدية السابقة وليس ملبياً للطموحات بكل تأكيد.

إن محك الثورة الحقيقي هو في التغييرات الاجتماعية طويلة الأمد. وفيما يخص المرأة السورية، فقد خالفت منذ البداية القسمة المعهودة، فمع آلاف النساء اللواتي قُتلن لم يعد ممكناً اعتبار النساء ضحايا من الدرجة الثانية وحسب، فضلاً عن حوادث الاغتصاب، التي ستدلّ طريقة معالجتها على العقلية التي سيعالج بها المجتمع قضاياه بدءاً من الآن. في الواقع، لم يكن للثورة السورية أن تكون ما عليه الآن لولا المساهمة الفعالة للمرأة، وسيكون مستحقاً لها أن تقطف نتائجها بالقدر الذي تحملت به مسؤولياتها الآن، وبقدر ما تتحمله مستقبلاً. مرة أخرى؛ الأمر لا يتعلق فقط بالرغبات أو بالنوايا الحسنة للبعض، إنه يتعلق بالدرجة الأولى بمدى استفادة المرأة من الظروف الاجتماعية المستجدة، ولن نجانب الأخلاق إن استطردنا بالقول: بما في ذلك الظروف الإنسانية المأسوية.

=================

الكذب ملح الديكتاتور والثورة عليه ثالثهما

دلال البزري

المستقبل

16-9-2012

بالكذب المديد تفوّق الأسدين، الأب ووريثه، على نصائح مكيافيلي لأميره. صنعا من الكذب الضفائر، أطالا حبْله، حمياه من الانكشاف، جعلاه عريقاً، متجاوزاً حدود جغرافيتهما، حولاه الى فضيلة. على يديهما صار الكذب "ذكاء"، "تدبّراً"، مرونة، ركن من أركان الحكم "الصالح".

لم يترك الأب، وبعده وريثه، باباً من الكذب إلا وطرقه: قال عن نفسه انه علماني، اشتراكي، وحدوي، من أجل فلسطين يحارب الصهيونية والامبريالية، يحبه شعبه حتى الثمالة.

أمدّ جواره الطيّع، اللبناني والفلسطيني، خصوصاً، بهذه الصناعة، فخلق الدمى المردّدة لبضاعته؛ والصرخة واحدة "انها اسرائيل!".... عقود من الزمن والرهط يسجل "الإنتصارات" الواحد تلو الأخرى، فتسرّبت الأكاذيب الى مسام الناس، يصدقونها، يريدون تصديقها، ويكذبون بدورهم، من فرط حراستها... فصرنا "مجتمعات الكذّابين"، نصدق أنفسنا، كما يصدق الحكام أنفسهم... فنصبح عفويين، صادقين بكذبنا، منافقين بالفطرة. مع الحفاظ طبعا على المقامات: الجالس على العرش، أو العريش، يصدر الاكاذيب بوعي تام وإمساك أتمّ بحبالها الغليظة والدقيقة. فيما نحن، تحت، نستهلكها، نمضغها ونبتلعها، سذاجة أو تواطؤا.

مع أن هذه الاكاذيب لا تحتاج إلى الذكاء الطبيعي لكي تنكشف. أمام أعيننا... الجولان، والطائفية والثراء الفاحش غير المشروع، والتجربتان اللبنانية والفلسطينية، والإمبريالية والصهيونية، و"التأييد" الذي يبذل "الروح والدم" من اجله... لا حاجة إلى براهين علمية، لا حاجة الى المسافة لكي ينكشف الهراء الموصوف؛ لكن القائمين لا يطيقون الإنكشاف. من الأول يعملون بالقاعدة الذهبية المكيافيلية: "لا تعرض أكاذيبك للتدقيق أو الفحص"، أي، من أول الطريق، كمّم الأفواه، ومن يعاند منهم، أغلق عليه في السجن سنوات، عذّبه، ربِّيه، علّم الآخرين به. واذا جازفت بالإعلان عن كذبة غير مقنعة، فاخترع أكاذيب أخرى، أكثر فداحة، أكثر قابلية للتصديق... هكذا كانت تعيش سوريا، هكذا كنا في لبنان نتلقى تفاعلات المنظومة التكاذبية، نتحمس لها، نموت من أجلها، نخرّب ديارنا واتفاقاتنا وتفاهماتنا، فقط لأن العديد من بيننا ممعن في تصديق الكذبة، بل في "النضال" في سبيل تثبيتها الى يوم الساعة. غرقنا في الأكاذيب، ولم نعد نراها، ولا نشعر بأذاها على صحتنا النفسية، على صحتنا العقلية. وصرنا نحتاج، ونحن أمام الخطاب المعتمد لدى فروع اللبنانية من المنظومة الأسدية، إلى تفكيك طبقات الكذب المعمّرة، ومستوياته المتشابكة.

من بين ما فعلته الثورة السورية أنها نالت من منظومة الكذب. قامت بفعل أخلاقي من الدرجة الأولى. قطعت مع الصمت، مع الكذب، السلبي والايجابي، خاضت في الصدق، فصرخت: "لا! هذا النظام لا هو تنموي ولا وحدوي ولا علماني ولا تحرري... وفوق كل ذلك، نحن لا نحبه على الاطلاق". قالت انه كذّب علينا طوال عقود، وها نحن الآن لم نعد نحتمل تصديق أكاذيبه. نحن لحظة صدق، نعد انفسنا بالصدق، وبعدم السكوت بعد الآن. فخرج السوريون يتظاهرون، يجهرون بحقيقة ما هم عليه، غير خائفين، بعد الآن، من رفع الحجاب عن الكذب الذي قام على أساسه نظامهم.

هل هي رياح الثورات العربية فحسب؟ بل هي شيء إضافي... شحٌّ أصاب بنك الأكاذيب، فوقع في فخ التكرار من دون عبقرية البهلوانيات السابقة، من دون شعوذاتها... كل هذه المهارات كان لها نصيب وافر في حقبة، تغيرت الآن؛ ثورة سلمية، في بدايتها، تهز الهيكل "النظري" الذي قام عليه، والذي من دونه لا يعرف ان يحكم، هيكل الكذب المترامي الأطراف. هكذا تفهم الرصاصات التي تصدّت للمتظاهرين المسالمين، انه دفاع النظام عن نفسه، عبر دفاعه عن اكاذيبه. ماذا في بنكه المفلس؟ "إرهاببين"، "مسلحين"، "سلفيين"، "فلسطين"، "الصهيونية"، "الامبريالية"... مواد فاسدة، اقتربت كثيرا من العفن، خصوصا عندما تقصف قوات النظام العمارات على من فيها، وتقول انها من أعمال الشيطان القاعدي...

فيما بنك الكشف لدى الثورة لا يتوقف عن الغرف من الحقيقة: لولاها، من سوى "النخب" سوف يكون على بيّنة من مجزرة حماه التي حجبها النظام بالكذب، بالصمت عنها، بالغاء الشهود عليها، لإخراسهم؟ من سيعرف رامي مخلوف، واسماء الاسد، وآل الأسد جميعا، لولا تجلي تخريفاتهم جميعا؟ لولا حمى العمليات الانتحارية الاعلامية التي خاضها الشباب السوري، لتغطية الردود التي يقابل بها النظام شجاعة مواطنيه؟

إنتبه العديدون، في بداية الثورة انها، هذه المرة، سوف لن تمر على سلام، لن تمر كمجزرة حماه، من دون حس ولا خبر. هي اليوم مغطاة إعلاميا، تضرب ركناً حيوياً من أركان النظام، المصهور بالإذعان للكذب... وبعد ذلك، وعلى الرغم من كل ذلك، يأتيك من هذا النظام نفسه ويدين أكاذيب معارضيه. صلافة بلا حدود! لكن هيهات... في جعبة الثورة المزيد من الحقائق تحررت من ثقل الأكاذيب.

هل من باب الصدف ان يكون حلفاء النظام السوري يشبهونه، من هذه الناحية بالذات، من دون ان يتوصلوا، حتى الآن على الأقل، الى حدّ القتل والتدمير المنظَّمين بحق شعوبهم. الروس والايرانيون، مع "أذرعتهم"، هم على شاكلته نفسها، من دون إمتحان قاس، كالذي يتعرض له النظام السوري "الشقيق". جميعهم يخضعون شعوبهم وجماهيرهم بالصمت عن الاكاذيب. أطرف الوقائع الايرانية، وبتنا نعرفها جميعا، تلك الترجمة المحرِّفة لخطابي مرسي وبان كي مون في مؤتمر عدم الانحياز في طهران... ولكن أعمق من ذلك، ان في النظامين وشركائهما لا صحافة تفضح ولا مداولة (حقيقية) تحاسب ولا حرية تعبير تُصان. مال الحقيقة السائب يشجّع الحكام على المزيد من الحرام، المزيد من التمرس على التزييف النشط؛ ولكن الخاوي أيضا، المكرر، المحفوظ. الحلفاء "الراشدون" هؤلاء لا يتوقفون عن نسخ أكاذيب النظام السوري، داعمين بذلك، أخا وصديقا نشأ على صورتهم ذاتها، فكانت القرابة تلقائية، وجودية، قبل أن تكون مصلحية.

الآن، طبعاً، سوف يكون هناك من ينبري، بالسؤال المضاد: هل هذا يعني بأن الانظمة الغربية المؤيدة، تأييداً محدوداً، للثورة السورية، لا تمارس الكذب؟ طبعا تمارسه، طالما ان السياسة بالتعريف تحتاج الى الكذب. ولكن.... الكثير من اللكن: ان هذه الأنظمة الذي تحتضن الكذب الضروري تضع حدودا له، يصعب تجاوزها. هو النظام الديموقراطي الذي يسمح بتغيير الحكم دوريا عبر انتخابات غير إيمائية. هو ليس النظام الطوباوي الحالم، انه فقط الأقل سوءاً من بين أنظمة اختبرتها البشرية. لذلك، فان الحقيقة عنده، فاضحة الكذب، ليست مطلقة، لأن الكذب فيها أيضا ليس مطلقا، بل نسبي، مثل الحقيقة. وهذا النسبي الذي لا يعجبنا، خارق بقوته: بفضله كشفت أكاذيب الاميركيين في العراق وأفغانستان وسجون غوانتانامو، والاكاذيب الداخلية من احتيالات ومخالفات وهدر وفساد الخ. هو ليس المجتمع الفاضل المشتهى، ولكنه جنة من الفضائل قياسا الى كذب الاستبداد ومخلفاته. انه نظام قريب من الطبائع البشرية، حيث يتعايش الكذب مع الصدق ويتعاركان.

تريدون آخر الأمثال على ذلك؟ جو بايدن، نائب أوباما في الرئاسيات المقبلة، يأخذ عليه المحلّلون "حماقاته"، ويرونها نقطة ضعف الرئيس المرشح. ويقصدون بها، أي "الحماقات"، عدم قدرة بايدن المكررّة على إخفاء رأيه، والتفوه بكلام يضرّ بتوجهات الادارة القائمة. ولكن هناك أيضا من يرى ان "الحماقة" بالنسبة لرجل سياسي هي قوله حقيقة لا يقولها زملاؤه، وعندما يرتكبها رجل مثل بايدن، فهذا دليل على "أصالته"، لا على غبائه أو قلّة "ذكائه"...

=================

لماذا حركت إيران خلاياها في تركيا؟

سمير صالحة

الشرق الاوسط

16-9-2012

العلاقات التركية - الإيرانية التي تقدم نفسها على أنها أفضل نماذج التعاون والانفتاح الإقليمي بسبب براغماتيتها وواقعيتها على طريقة «شيلني أشيلك»، مهددة بالتراجع والتدهور نتيجة الامتحان الصعب الذي تمر به بعد تباعد الرؤى وتضارب المصالح حيال الأزمة السورية والموقف من النظام في دمشق.

مقاربة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الأخيرة أمام مؤتمر «الصحوة العربية» الذي عقد في إسطنبول بين ما يجري اليوم في سوريا وما جرى قبل عقود في كربلاء وحديثه عن متعصبين في المنطقة يدعمون النظام السوري، رسالة واضحة حول أن المقصود هو القيادة الإيرانية التي لم يذكرها بالاسم. الأخبار والمعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام التركية وتصريحات قيادات «العدالة والتنمية» تعكس احتمال اقتراب المواجهة التي اختارت أنقرة تأجيل موعدها وترجيح لعب ورقة مرور الزمن.

فما الذي أغضب أنقرة على هذا النحو وتركها أمام خيار التفريط في مليارات الدولارات من التعاون التجاري مع إيران؟ هل هو شعورها أن طهران لن تغير مواقفها حيال ما يجري في سوريا ولن تتراجع عن خيار الوقوف إلى جانب النظام، أم قناعتها باستحالة المضي في لعبة المساواة بين علاقاتها مع طهران والتمسك بشراكتها مع الغرب، أم اكتشافها لتحرك إيراني جديد باتجاه بناء وتوسيع رقعة التحالفات مع أعداء تركيا وكل من له مصلحة في إسقاط حكومة «العدالة والتنمية»؟

إيران أرسلت العشرات من رجال أمنها إلى المدن التركية بمهمات متنوعة، وهي حركت مجددا خلاياها النائمة في المدن التركية منذ سقوط نظام الشاه المنفتح على تركيا والشركاء الغربيين، وها هي اليوم توسع شبكة العلاقات مع حزب العمال الكردستاني وتعمل على إعادة الحياة إلى حزب الله التركي.. هذا ليس ما تقوله التقارير الأمنية والاستخباراتية وحدها، بل ما تعكسه عمليات المداهمة والاعتقال والنشاطات العدائية شبه اليومية التي تتناقلها وسائل الإعلام التي تصب كلها في إطار الضغط على تركيا لتبديل سياساتها حيال الأزمة السورية وقرار التعاون مع الغرب في موضوع نشر مظلات الصواريخ والملف النووي الإيراني.

معلومات أمنية تتحدث عن دخول أكثر من 100 رجل من الحرس الثوري الإيراني وأجهزة المخابرات هذا العام وحده إلى الأراضي التركية ونجاح هذه المجموعات في الاختراق والتغلغل وإقامة شبكة علاقات قوية في العديد من المدن التركية بغطاء تجاري ودبلوماسي وثقافي وإعلامي. عشرات الموقوفين والمعتقلين الذين يجري التحقيق معهم أو تمت إحالتهم إلى القضاء وجهت إليهم تهم التجسس والتحضير لعمليات تخريبية داخل المدن التركية.

صور وأفلام موثقة حول لقاءات بين رجال الأمن الإيراني وشبان أتراك محسوبين على حزب العمال لبحث سبل تبادل الخدمات.

عمليات تصوير ورصد لأهم المواقع الاستراتيجية الأمنية والاستخباراتية والحيوية في المدن التركية الحدودية مع إيران مثل أغدر وأغري وفان وهكاري.

تفكيك الكثير من الخلايا التي تم تركيبها أو محاولات إنعاش خلايا قديمة لحزب الله التركي وإحالة العشرات من المواطنين الأتراك والإيرانيين إلى القضاء بتهم تهديد الأمن الوطني.

ربما الدخول المباشر لجهاز المخابرات التركية (الميت) على الخط وتحركه لقطع الطريق على هذه النشاطات يعكس حجم الأزمة وبروز قناعة تركية رسمية حول إصرار إيران على استهداف وزعزعة الداخل التركي.

أكثر ما يزعج أردوغان وحكومته في هذه الآونة إلى جانب هذا الكم من التقارير الأمنية حول تحركات الأمن الإيراني، ليس تمسك أنقرة بوقوفها إلى جانب إيران في مجلس الأمن الدولي رغم كل ضغوط الشركاء الغربيين، بل محاولة طهران إضعاف الموقف التركي في الموضوع السوري بهذه الطريقة التي يتقدمها تحريض المعارضة التركية واللعب بورقتها من أجل تخفيف الضغوط على النظام في دمشق، واحتمال تحريك مجموعات حزب العمال وعملاء مأجورين لاستهداف رموز المعارضة السورية المقيمين على الأراضي التركية والذين عجزت دمشق عن الوصول إليهم.

أنقرة بدأت الرد أمنيا وسياسيا وقضائيا وإعلاميا، لكن 3 زيارات متلاحقة لرئيس جهاز الاستخبارات الأميركية إلى تركيا في عام واحد لها أكثر من مدلول، فإيران ونشاطاتها في تركيا في قلب هذه الاتصالات كما يبدو.

=================

لماذا تفشل كل المبادرات في سوريا؟

فايز سارة

الشرق الاوسط

16-9-2012

لعل الأهم فيما يميز الأزمة في سوريا، يتجسد في الفشل المتكرر الذي أصاب كل المبادرات التي أطلقت لمعالجة الأزمة في سوريا بصورة كلية أو في بعض من جوانبها. وهذه الحكم لا يتصل فقط بالمبادرات الدولية التي بينها مبادرة السيد كوفي أنان، والتي يحاول المبعوث الدولي والعربي الجديد الأخضر الإبراهيمي إحياءها مع بعض التعديلات، وإنما ينطبق على المبادرات الإقليمية، وقد طرحت جامعة الدول العربية اثنتين منها، وينطبق الأمر أيضا على مبادرات سورية محلية، آخرها موضوع عقد مؤتمر إنقاذ وطني، تصارع الموت قبل عقد المؤتمر بعد أن أعلن بعض المشاركين في الإعداد له انفصالهم عنه، مما يشير إلى فشل مؤكد للمؤتمر، وهو مصير يماثل مصير مبادرة رسمية قامت بها السلطات في العام الماضي عندما عقدت مؤتمر الحوار الوطني برئاسة فاروق الشرع، وتراجعت عن تنفيذ مقرراته وتوصياته.

وفشل المبادرات الدولية والإقليمية والمحلية الهادفة إلى معالجة الوضع السوري، لا يستثني فشل مبادرات أطلقتها كتل المعارضة وجماعاتها. وكلها لم يكن مصيرها أفضل من سابقاتها، ولعل المثال الأبرز والأوضح في هذا كان مؤتمر المعارضة في القاهرة الذي انعقد تحت رعاية جامعة الدول العربية، وضم أغلب كتل المعارضة السورية ومعظم جماعاتها، وسط بيئة إيجابية أدت إلى إقرار وثيقتين أساسيتين: العهد الوطني والمرحلة الانتقالية، دون أن يصل المشاركون فيه إلى عدم توافق يتجاوز ذلك، بل إن كتله الرئيسية كرست الاختلاف في ثلاث نقاط، أولها انسحاب المجلس الوطني الكردي، والثاني رفض المجلس الوطني تشكيل لجنة متابعة مسؤولة، والثالث تحفظات أثارتها هيئة التنسيق الوطني.

وسط تلك الدوامة من الفشل المتكرر في موضوع المبادرات الهادفة إلى معالجة الوضع السوري في كليته أو بعض مفاصله وحيثياته، يطرح السؤال الجوهري نفسه: لماذا فشلت وتفشل كل تلك المبادرات، خاصة أن معظم المعنيين بالوضع السوري لا يتوقعون سوى الفشل لمهمة الأخضر الإبراهيمي الحالية؟

وتتطلب الإجابة عن هذا السؤال ملاحظة أربع نقاط رئيسية؛ الأولى فيها تتصل بعدم توفر إرادة دولية موحدة، وهذه حقيقة مكرسة في مسارات الأزمة السورية في مجلس الأمن الدولي وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث الانقسام واضح ليس كما هو شائع فقط بين روسيا والصين وآخرين من جهة، وكل من الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية وتركيا، بل إن الاختلاف والخلاف قائم بين الدول المنتمية إلى كل طرف، وطالما أن المجتمع الدولي على هذا النحو من الانقسام والاختلاف، فإن أيا من المبادرات لن تنجح، حتى لو تم تمرير بعض هذه المبادرات في مجلس الأمن الدولي، لأن تلك المبادرات تتضمن في مضمونها أسباب عدم نجاحها، بل هي لا تملك آلية تتجاوز من خلالها العقبات التي تعترضها أساسا.

النقطة الثانية أن بلدان الجوار السوري والقوى الإقليمية تعاني من ضعف لا يمكنها من تدخل حاسم في الوضع السوري. والأمر في هذا الجانب لا يتعلق بالجانب العسكري على الرغم من أهميته. بل أيضا بجوانب سياسية واقتصادية واجتماعية، تدفع جميعها دول الجوار السوري والقوى الإقليمية بعيدا عن الدخول العميق في الوضع السوري، ولعل المثال التركي هو الأبرز، إذ يمكن لتداعيات الوضع السوري أن تأخذ تركيا إلى كارثة محققة، فيما لو تحركت وتوحدت عناصر قومية وطائفية ودينية وسياسية ومسلحة، في مواجهة سلطة العدالة والتنمية التي يقودها أردوغان.

وتتعلق النقطة الثالثة بالمعارضة السورية التي ظهرت ضعيفة ومرتبكة وقليلة الخبرة، إضافة إلى انقسامها وغياب الرؤية السياسية عند الأهم من كتلها وجماعاتها، بل معظم تلك الملامح موجودة داخل الحراك السوري في شقيه المدني والعسكري، الأمر الذي أعاق ثورة السوريين على الرغم من التضحيات الكبيرة عن امتلاك القوة اللازمة والكافية لتحقيق الهدف الرئيسي في تغيير أو إسقاط النظام.

وبالتقدير، فإن النقطة الرابعة هي الأهم والأكثر تأثيرا على الرغم من أهمية النقاط الثلاث السابقة. وتتعلق النقطة الرابعة بالنظام الحاكم الذي من الواضح أنه أقام قطيعة بينه وبين السياسة، واختار خط المعالجة الأمنية - العسكرية إلى نقطة النهاية، الأمر الذي يعني أنه يغلق الباب أمام كل المبادرات السياسية، التي لا شك أنها تقوم على توافق واتفاق وتنازلات للخروج من أوضاع، ثبت أن المعالجات الأمنية - العسكرية لا تستطيع معالجتها وإيجاد حلول لها.

إن بقاء الأحوال المحيطة بالوضع السوري على ما هي عليه من حيث غياب الإرادة الدولية الموحدة، وضعف الجوار السوري وقواه الإقليمية، وبقاء أوضاع المعارضة على ما هي عليه، واستمرار النظام في مواقفه وسياساته، إنما يعني بالدرجة الأولى أن من المستحيل نجاح أي مبادرة تتعلق بسوريا، وأن الطموح إلى نجاح أي مبادرة يفرض تغييرا جوهريا في الأحوال المحيطة، والأهم في ذلك أمران؛ أولهما تغيير في الموقف الدولي نحو إرادة وموقف واحد، أو تغيير وتبدل في مواقف النظام وسياساته، وقد نحتاج الاثنين معا إذا كانت الرغبة في معالجة سلمية وهادئة وجوهرية للوضع السوري.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ