ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 16/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

خير الله خير الله / بعد سقوط خيار «الدولة العلوية» في سورية

الرأي العام

15-9-2012

ماذا بعد سقوط خيار «الدولة العلوية»، أي ما يسمّى «الخطة ب» في سورية؟ تشير التطورات الاخيرة الى انّ الثورة الشعبية التي يشهدها هذا البلد العربي المهمّ لا يمكن ان تتوقّف. لم يعد السؤال بعد سنة ونصف سنة على الثورة هل سينتصر السوريون على النظام الذي استعبدهم واذلّهم طوال ما يزيد على اربعة عقود. سينتصر الشعب السوري حتما على الرغم من كلّ الدعم الايراني والروسي للنظام. لكنّ السؤال كيف ستخرج سورية من المواجهة التي يخوضها شعبها مع جلاد لا يرحم يعتقد ان الانتصار على لبنان واللبنانيين بديل من الانتصار على اسرائيل، او اقلّه استعادة الجولان، وانّه في حال صار ذلك هدفا مستحيلا، لا عيب في استكمال الانتصار على سورية والسوريين متى كان مثل هذا الانتصار يحقق الهدف المنشود.

الهدف المنشود هو بقاء سورية تحت هيمنة العائلة الحاكمة وفروعها من جهة وتحولها شيئا فشيئا الى مستعمرة ايرانية من منطلق مذهبي من جهة اخرى. هذا كلّ ما في الامر. وهذا ما يفسّر الاعتماد منذ البداية على الحل العسكري القائم على الغاء الاخر، اي الغاء الشعب السوري في حال اصراره على استعادة كرامته وحرّيته.

بعد ثمانية عشر شهرا على اندلاع الثورة السورية، وفي ضوء المواجهات الاخيرة التي تميّزت بالمجازر والقصف العشوائي للمدن بواسطة المدفعية وسلاح الجوّ، خصوصا بعد انضمام اهل دمشق وحلب الى الثوّار، في الامكان القول ان النظام اختار الطريق الثالث. يأتي ذلك بعد فشل «الخطة ألف» و«الخطة باء».

قبل الانتقال الى شرح ما هو الخيار الثالث، لا بدّ من الاشارة الى انّ «الخطة الف» كانت تقوم على نشر الرعب في كلّ انحاء سورية عن طريق التذكير بما حلّ بحماة في العام 1982، مع التشديد يوميا على ان سقوط النظام يعني سقوط سورية. لذلك، كنا نجد، ولا نزال نجد، ان ادوات النظام السوري في لبنان، وادوات الادوات من مستوى النائب المسيحي ميشال عون، لا يتحدّثون عن النظام، بل يصرّون على ربط مصير سورية به وكأن النظام، الذي لا يمتلك اي شرعية من اي نوع، كان في اساس نشوء الكيان السوري الحالي وهو ضمانة استمراره... كما انه ضمانة لبقاء لبنان وعدم تهجير مسيحييه!

لم تنفع «الخطة الف». تبيّن ان السوريين، بعدما كسروا حاجز الرعب والخوف، على استعداد لبذل الرخيص والغالي للتخلّص من النظام الذي حوّل بلدا غنيّا الى صحراء قاحلة وشعبا خلاقا الى مجرد شعب مستعبد لا هم له سوى البحث عن لقمة العيش فيما الملايين تتكدس في حسابات ارباب النظام والمحيطين بهم.

اما «الخطة ب»، التي كان لا بدّ من اللجوء اليها، فكانت تقضي بالاعداد للانتقال الى «الجيب العلوي» على الساحل السوري. هذا «الجيب» يمكن ان يشكل نواة لدولة علوية مستقلة تكون بديلا من سيطرة النظام، الذي اسّسه الراحل حافظ الاسد، على سورية كلّها بمدنها ذات الاكثرية السنّية مثل دمشق وحلب وحمص وحماة وادلب ودرعا ودير الزور.

اصطدمت «الخطة ب» بصمود حمص المدينة المحورية التي تربط بين الداخل السوري والساحل اضافة الى تحكمها، جغرافيا، بشبكة الطرق في البلد. الاهمّ من ذلك، تبيّن ان نسبة لا تقلّ عن ستين في المئة من سكان اللاذقية من اهل السنّة. والى اشعار آخر، تظلّ اللاذقية، المرشحة لأن تكون عاصمة الدولة العلوية، المدينة الاهمّ على الساحل السوري. هل يمكن ازالة حمص واللاذقية من الوجود كي يصبح في الامكان الانتقال عمليا الى مشروع «الدولة العلوية»؟

في ظلّ هذه المعطيات التي لم تدخل في حسابات نظام استسهل في البداية تطبيق «الخطة الف» ثم «الخطة ب»، صار الخيار الثالث واردا. انه وارد خصوصا في ذهن الذين يدعمون النظام القائم بكلّ ما لديهم من امكانات. على رأس هؤلاء ايران وروسيا...وربّما اسرائيل التي لا تزال تتخذ موقفا «محيّرا» على حدّ تعبير مسؤول عربي كبير يراقب طريقة تصرفها عن كثب.

يقضي الخيار الثالث بإطالة النزاع في سورية قدر الامكان بغية خلق حال من الفوضى وتكريس الانقسامات الطائفية والمذهبية بغية استمرار الحرب الاهلية في البلد ومنع المرحلة الانتقالية. هذه المرحلة التي تؤمن قيام نظام مدني عصري ديموقراطي يستند الى المؤسسات ويضمن المساواة بين السوريين بغض النظر عن انتمائهم الديني او المذهبي او المناطقي.

انه النظام المدني الذي يعيد سورية الى الحضن العربي بعيدا عن الشعارات والمزايدات و«الممانعة» و«المقاومة» التي لا تصبّ الاّ في خدمة اسرائيل. مثل هذا النظام يمتلك عدوا معلنا هو ايران في الدرجة الاولى وروسيا في درجة اقلّ.

من هنا، لم يعد الخوف على سورية من النظام نفسه. الخوف صار من الخيار الثالث الذي تلعب ايران الدور الاساسي في الترويج له خوفا من سورية العربية، بالمعنى الحضاري للعروبة طبعا وليس عروبة البعث وما شابه ذلك، اي عروبة الشعارات التي تعني التخلف والقمع والاستبداد والعنصرية ولا شيء آخر غير ذلك من قريب او بعيد.

ففي سورية العربية المتصالحة مع نفسها اوّلا والمتفاهمة مع محيطها والمنفتحة عليه، بعيدا عن كل انواع «التشبيح» وسياسات الابتزاز والترهيب، لا يعود وجود لقوة ذات اطماع اقليمية، مثل ايران، تسعى الى الهيمنة عن طريق اثارة الغرائز المذهبية واستخدام الميليشيات المحلية التابعة لها، كما الحال في اراضي سورية ولبنان والعراق.

حمى الله سورية من الخيار الثالث الذي لم يعد امام ايران بديلا منه من اجل المحافظة على بعض النفوذ في سورية، كي تبقى ممرّا لنقل السلاح الى الميليشيا المذهبية التي ترعاها في لبنان، ولو من خلال حرب اهلية طاحنة وفوضى داخلية لا حدود لها...

=================

الغرب الأوروبي والأميركي والأزمة السورية

حسين العودات

التاريخ: 15 سبتمبر 2012

البيان

صرح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (بالفم الملآن) أن الحلف لن يتدخل عسكرياً في الشأن السوري، وفي اليوم نفسه تقريباً، أصدر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بنهاية اجتماعهم في قبرص الأسبوع الماضي بياناً أكدوا فيه أنهم لن يتدخلوا عسكرياً في الأزمة السورية، ولن يزودوا المعارضة السورية بالسلاح، كما صرح وزير خارجية بريطانيا في الفترة نفسها، أن بلاده لن تزود المعارضة السورية بالسلاح، ومبرره هو أن تزويد سورية بالسلاح أمر محظور بقرارات أوروبية سابقة، (ولم ينتبه وزير الخارجية البريطاني أن الحظر يقع على السلطة السورية، حسب قرارات المجموعة الأوروبية وليس على المعارضة).

وصار واضحاً، على أية حال، أن أوروبا والولايات المتحدة، أي الغرب الأوروبي والأميركي، تخلى كلياً عن تزويد المعارضة السورية بالسلاح، وهي الحاجة الأهم التي تحتاجها، وهذا يوحي ، من حيث المبدأ، بأن الغرب ألغى من برنامجه إسقاط النظام السوري، أو حتى السلطة السورية، أو أجل ذلك إلى وقت آخر، وكأنه يقول للسوريين: ((إقلعوا شوككم بأيديكم)) ولا تنتظروا منا سوى المساعدات الإنسانية.

وحتى هذه لا يضمن أحد وصولها إلى المحتاجين لها فعلاً، لأن السلطة السورية اشترطت توصيلها إليهم بطريقتها، وهذه الطريق لن تكون مفتوحة سوى للوصول إلى أنصار النظام والموالين له، وهؤلاء لم يتضرروا أساساً نتيجة ما يجري في سورية، ولعل الغرب، يعلم علم اليقين، أن مساعداته التي يقررها، والتي بقيت حتى الآن حبراً على ورق، وقرارات لم تنفذ، أن هذه المساعدات، فيما إذا قدمت فعلاً لن تصل لمحتاجيها.

وبالتالي فما زالت حتى الآن لا تتعدى الكلام والوعود والقرارات. وعلى أية حال ، ليس أمر المساعدات هو الذي يشغل البال، وإنما موقف الغرب خلال عام ونصف العام، المملوء بالوعود (والصراخ والاستعراض) من جهة ، والذي تغير وتبدل عدة مرات من جهة ثانية.

في الأسابيع الأولى للانتفاضة السورية لم يشجع الغرب عليها فقط، بل وعد قادة الحراك الشعبي، والأحزاب السورية المعارضة، أنه سيعمل على منع السلطة السورية من استخدام العنف أو السلاح ضدهم، ولما استخدمتهما وتشكلت تكتلات المعارضة في الداخل والخارج كرد فعل على ذلك، وعد الغرب أن يقيم مناطق آمنة، يحميها من القصف الجوي أو البري، وتكون بمثابة أرض محررة، وشجع فصائل المعارضة على حمل السلاح، وأوحى لها بأنه سيعمل على أن لا تبقى السلطة في الحكم أكثر من بضعة أسابيع.

وطالب بعض فئات المعارضة المقربة منه وخاصة المعارضة الخارجية، أن ترفض أي حل أو تسوية مع السلطة القائمة، إلا إذا كان ألف بائها تنحية الرئيس الأسد، والغرب يعلم استحالة قبول السلطة لمثل هذا المطلب، وهكذا أصرت المعارضة السياسية والحراك الشعبي وفيما بعد المعارضة المسلحة، على أن أية تسوية أو حوار لابد أن تكون مسبوقة بتنحية الرئيس، الذي ترفض سلطته التنحي حتى لو دمرت سورية، وهذا ما حصل.

وتعطلت إمكانية العثور على أية نقاط لقاء بين السلطة والمعارضة، أو أي تقاطع، وانتظر السوريون أن تصل مساعدات الغرب التي وعد بها، ولكن هذا الغرب، بدلاً من أن يفي بوعوده تراجع عن مواقفه، وأخذ يطالب بوحدة المعارضة، التي تقف شرذمتها عقبة في طريق إسقاط النظام ، حسب رأيه، فاجتمعت فصائل المعارضة في القاهرة ( 2يوليو الماضي) ووحدت أهدافها وبرامجها.

فأخذ يطالبها بمطالب جديدة لا حاجة لها لإسقاط النظام، ثم أخذ ينتقد المجلس الوطني السوري وهو أقوى فصائل المعارضة ويشكك بسلوكه ومسيرته، والأغرب من ذلك كله، أن المعارضة السورية المسلحة استطاعت بإمكانياتها المتواضعة، أن تسيطر سيطرة كاملة على منطقة واسعة شمال سورية (ريف حلب، وادلب، ودير الزور، ومناطق أخرى) أي أنها حققت أساساً صالحاً لمنطقة آمنة بقدراتها الذاتية، ولا تحتاج سوى لبضع عشرات من الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات، حتى تجعل من هذه المنطقة (أرضاً محررة) يمكنها أن تكون مقراً ومستقراً، للمعارضة السورية ولحكومة مؤقتة، ولقيادات عسكرية ومعسكرات عديدة، وللاجئين السوريين الذين يطلبون الأمان والمقيمين الآن في تركيا.

كما يمكنها أن تتوسع شيئاً فشيئاً، حتى تضم مناطق ومدناً سورية أخرى، دون الحاجة لتدخل عسكري أجنبي، أو لأن تشن القوى الغربية حرباً ضد سورية، وكل ما هو مطلوب من هذا الغرب هو تقديم بعض السلاح لإقامة أرض محررة آمنة من صواريخ وبعض الأسلحة الأخرى، وبطرق غير مباشرة (بطريق المهربين) وستدفع بعض الدول العربية تكاليفها، ولكن الغرب مازال يفتعل المبررات كي لا يتدخل، وبالتالي فمن الواضح أنه يماطل قي إسقاط النظام السوري، بانتظار أهداف أخرى ينتظر تحقيقها.

يقول بعض المراقبين، أن هذا الغرب يراهن على قصر نظر السلطة السورية، وصلفها، وعدم استيعابها ما يجري، وإصرارها على رفض أية تسوية، واستمرارها في ممارسة العمل المسلح والتدمير ضد شعبها، يراهن على هذا على أمل أن تقوم القوى السورية المتصارعة، بتدمير سورية تدميراً ذاتياً، بنتيجة هذا الصراع العسكري الذي لا يبقي ولا يذر، وبعد أن يتم تدمير سورية، يقوم الغرب عندها، حسب هؤلاء المحللين ، بإسقاط النظام بإشارة منه، ولن تقوم لسورية قائمة بعدها لعشرات السنين القادمة. يبدو أن تراجع الغرب الأوروبي والأميركي عن تحقيق وعوده ليس مجرد تقاعس!.

================

التدخل الدولي في سوريا

تاريخ النشر: السبت 15 سبتمبر 2012

السير سيريل تاونسيند

الاتحاد

ذكرتُ منذ بدء الأزمة السورية، وعندما بات واضحاً أن الرئيس السوري بشار الأسد لن ينفذ برنامج التغيير، أن التدخل العسكري الغربي في سوريا، اعتماداً على تركيا، احتمال ليس وارد الحدوث. وكانت النقاط التي أُثيرت حول هذه القضية مألوفة، حيث إن أميركا مشغولة لحد كبير بانتخاباتها الرئاسية، بينما أوروبا غارقة في هموم الديون التي أثقلت كاهلها. كما أرهقت مشاكل أفغانستان دول "حلف الناتو" التي عانت من جولات خفض تكاليف الدفاع المتعاقبة. وحتى في ما يتعلق بالقضية الليبية، لم تكن العديد من دول "الناتو"، بما فيها ألمانيا، ترغب في التدخل في بداية الأمر.

لكن الحال تغير وبدأت لهجة التدخل العسكري في الارتفاع، الأمر الذي ربما لا تجد الدول صعوبة في تبريره. وبدأ الإعلان عن الجرائم العالمية ومواقعها التي تتضمن قصف المدنيين واستخدام الطائرات المروحية المحملة بالمدافع، يتم بصورة شهرية متواصلة. وبلغ عدد ضحايا الحرب منذ بدايتها في مارس 2011، أكثر من 20 ألف قتيل، كما أصبحت الآن كل من دمشق وحلب ضمن أرض المعركة وستظلان كذلك. وهناك أزمة لجوء مستمرة ومتفاقمة إلى دول الجوار، بينما بلغ عدد اللاجئين في تركيا نحو 100 ألف حتى الآن.

وسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوجان، إلى الحفاظ على الاستقرار في سوريا، مطالباً الرئيس الأسد بالتفاوض مع معارضيه، الشيء الذي لم يحدث وليس من المتوقع أن يحدث. وبدلاً عن ذلك، قيل إن سوريا قامت بتحويل كميات من الأسلحة الكيماوية إلى الحدود مع تركيا، بالإضافة إلى إسقاط طائرة تركية من طراز "فانتوم آر أف 4"، ودعم الميليشيا الكردية. وسارعت تركيا خلال الصيف إلى حشد ست من طائراتها في تحذير لمروحية عسكرية سورية. ومن المؤكد وفي حالة قيام سوريا بإسقاط طائرة أخرى، أن تركيا لن تتردد في اتخاذ الرد العسكري المناسب.

وقد أعلنت كل من أميركا وبريطانيا وفرنسا رسمياً عدم استبعاد خيار التدخل العسكري. ويجدر بالذكر أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، تربطه علاقات وطيدة مع الرئيس التركي، وأنهما على اتصال دائم في ما يتعلق بهذه القضية. وتُعد تركيا من الدول التي تمارس الديمقراطية في ما يخص قيام المشاريع وحرية التعبير. وجاء على لسان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن: "ننظر إلى تركيا باعتبارها المدخل والرابط بين الشرق والغرب، بيد أنها تملك نفوذاً قوياً لا يمكن إغفاله". وتطمح تركيا إلى شراء طائرات عسكرية وطائرات بدون طيار من أميركا. كما أن حالة عدم الاستقرار الأمني التي تسود بعض دول الشرق الأوسط والتهديد النووي من طرف إيران، عوامل تزيد من توطيد العلاقات التركية الأميركية. وترغب الدول الغربية في التدخل فقط لمساعدة تركيا كعضو في منظومة دول حلف "الناتو".

هذا، وربما تقود الحرب الدائرة في مدينة حلب، والتي لا تبعد سوى 30 ميلاً من الحدود التركية، إلى تدفق مزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا. كما أن نفس النتيجة متوقعة في حالة حدوث مجزرة على نطاق واسع في سوريا.

وتكمن الفكرة في خلق ممر إنساني على طول الحدود، من قبيل المنطقة المحمية التي تم توفيرها للأكراد في شمال العراق عام 1991. وتملك تركيا قوات مميزة في المنطقة يبلغ قوامها نحو 500 ألف جندي وآليات من تلك التي بحوزة دول "الناتو". ووقّعت كل من تركيا وسوريا في عام 1998، على اتفاقية "أدانا" التي يتم بموجبها السماح لتركيا وللحفاظ على أمنها واستقرارها، استخدام القوة العسكرية في سوريا مما يُضفي على مثل هذا التدخل الصبغة الإنسانية. ويرى رد الفعل الرسمي لنظام الأسد أن فكرة مثل هذا الممر الإنساني غير واقعية. ومن المعروف أن مفاوضات جادة جرت بين أميركا وتركيا حول قيام ذلك الممر المقترح. ووفقاً لأحد رؤساء الوزراء السابقين في سوريا، فإن نحو 30 في المئة فقط من البلاد هو ما يقع تحت سيطرة النظام السوري. وفي هذا الخصوص علّقت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، قائلة :"يترتب علينا المزيد من العمل اللصيق مع المعارضة، بينما يفقد النظام يوماً بعد يوم المزيد من المناطق، مما يسفر في النهاية عن وجود ملاذ آمن داخل سوريا".

وتقوم وسائل الإعلام الأميركية بتغطية شاملة لما يجري في سوريا، حيث طالب في نهاية يوليو الماضي 60 من خبراء الشؤون الخارجية، بعضهم قريب من ميت رومني، وباسم الحرية السياسية، الرئيس الأميركي بالعمل مع الشركاء الإقليميين بغية إنشاء مناطق آمنة تخضع للمراقبة الجوية الدولية لتغطية المناطق المحررة داخل سوريا.

وتعتبر مسألة المراقبة الجوية فوق مناطق آمنة محددة، من القضايا الهامة، خاصة وأن سوريا تملك نظاماً مضاداً للطائرات يتميز بالقوة والجودة، إضافة إلى الصواريخ التي اشترتها من روسيا، رغم أن ذلك كان قبل سنوات طويلة. وحتى تكون دول "الناتو" مستعدة لتحمل مسؤولية جديدة، ينبغي عليها امتلاك أحدث الأسلحة التي تمكنها من دك حصون الدفاعات الجوية السورية.

وفي عام 1999، تمكنت دول "الناتو"، من الهجوم على صربيا التي كان يحكمها آنذاك ميلوسوفيتش، الذي رفض الامتثال لقرارات مجلس الأمن. ويتطلب الهجوم الجوي على سوريا دعماً قوياً من جامعة الدول العربية، حيث يحتمل، وكما حدث في ليبيا، أن تتعرض مجاميع "الجيش السوري الحر"، لهجمات ساحقة.

ومن وجهة نظري الخاصة، فإن التدخل أصبح خياراً أفضل بكثير من عدمه، رغم المخاطر الكبيرة التي تحيط بكلا الخيارين.

=================

مفارقة التداعيات الواسعة لموجة الاحتجاجات

إفادة مباشرة للنظام السوري وإيران

روزانا بومنصف

2012-09-15

النهار

في التسييل المحلي والاقليمي المباشر والاولي  لتداعيات التطورات التي تمثلت في ردود الفعل على الفيلم المسيء للاسلام والتي انطلقت من ليبيا بأعمال عنف طاولت السفارة الاميركية وأدت الى مقتل السفير وثلاثة من العاملين في السفارة وتفشي ردود الفعل الصاخبة الى عدد من الدول لا سيما منها تلك التي شهدت انتفاضات شعبية انها تصب بقوة في خانة مصلحة النظام السوري كما في مصلحة داعميه من ايران وصولا الى روسيا.

فبالنسبة الى النظام السوري يبدو غريباً ان تساهم ليبيا من دون قصد في المساهمة في اطالة عمر النظام للمرة الثانية. اذ ان التدخل الغربي لمصلحة الثوار في ليبيا ومساعدتهم في اقامة حكومة انتقالية في بنغازي ومن ثم اطاحة معمر القذافي على نحو اثار احتجاجا روسياً وصينياً ساهم في خدمة النظام السوري من حيث عطّل أي إمكان لتكرار ما حصل في ليبيا. اذ حين انطلقت الثورة في سوريا في آذار 2011 وشهدت ليبيا ما شهدته انكفأ العالم الغربي عن اي احتمال للتدخل في سوريا لمساعدة الثوار عملاً بالدرس الذي استقاه من ليبيا على صعد عدة وصولا الى مقتل القذافي. وبدا لمراقبين معنيين ان احداث ليبيا تدخلت مجددا في الايام الاخيرة بحيث قد تساهم في توفير المزيد من كسب الوقت للنظام على وقع المحاذير من انه اذا كان التغيير الديموقراطي المرتقب في سوريا ليكون مماثلا للذي حصل في ليبيا، فان الامر يستحق الانتظار وعدم الاستعجال ان لجهة دعم المعارضة السورية بالسلاح الذي قد يستخدم لاحقا كما استخدم السلاح في ايدي المجموعات الليبية او لجهة التريث في تأمين البديل غير المتوافر اصلا بالاستناد الى ما قالته المفوضة السامية للشؤون الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي كاترين آشتون قبل ايام من ان ليس لدى اوروبا حتى الان بديلا حقيقيا عن النظام القائم في دمشق. فهذا الكلام يصب من دون قصد على الارجح في خانة الايحاء باطالة امد الوضع السوري وله مفعول مختلف في المنطقة في ضوء الرهانات التي تعقد على تطور الاوضاع. وهذا لا يعني قطعا وجود توقعات ان يقبل الرئيس السوري التنحي غدا او بعد غد مع بدء الاخضر الابرهيمي في مهمته ايجاد حل للوضع السوري، لكن الظروف قد تعمل لمصلحته في عملية كسب الوقت راهنا والتي يعتقد كثر انه يراهن عليها في مهمة الابرهيمي كما مع سلفه كوفي انان.

وفي الاطار نفسه، فان هذه التطورات في ليبيا وبعض الدول العربية الاخرى قد تبرز وجهة النظر الروسية والمخاوف التي تبديها روسيا من التوجه الاسلامي المستقبلي في سوريا بعد رحيل الاسد كأنها اكثر واقعية من وجهة نظر الغرب الداعم للتغيير الديموقراطي في الدول العربية.

من جهة اخرى اقترب المشهد في بعض الدول العربية خصوصا تلك التي شهدت انتفاضات شعبية ادت الى وصول الاسلاميين الى السلطة في حادث الاعتداءات على السفارات الاميركية من ذلك المشهد التاريخي للثوار الايرانيين قبل ثلاثة عقود في حصار السفارة الاميركية في طهران وما ادى اليه لاحقا من قطع للعلاقات بين الولايات المتحدة وايران. وهذا المشهد ينزل بردا وسلاما على المسؤولين الايرانيين الذين حاولوا ان يجيروا ثورات العالم العربي لمصلحتهم وعلى سويتهم ومثالهم في العامين الماضيين من دون نجاح كبير لتأتي التطورات الاخيرة المتمثلة في رد فعل اسلامي على فيلم فردي مسيء للاسلام نشر وتم نقله عبر الانترنت ليصب في خانة المنطق الايراني من حيث لم تنتظر طهران هدية مماثلة في هذا التوقيت بالذات على رغم ان الانظمة في الدول المعنية لا تغطي في غالبيتها ما يحصل وتتصدى لعمليات الاعتداء على السفارات الاميركية. لكن تعميم نموذج المعاداة للولايات المتحدة وما يحصل تحت هذا العنوان امر يصب في مصلحة ايران وتوظيفها له في المرحلة اللاحقة كما يؤسس لمرحلة صعبة على المنطقة في حال كانت الشعوب المتمردة في المنطقة ستعتمد المسار نفسه الذي اعتمدته ايران والشعارات والعناوين نفسها. وهذا لا يعني ان الشعوب العربية كانت ستصمت في حال حصل امر مماثل في ظل وجود الديكتاتوريات في الحكم وتمتنع عن ردود فعل مشابهة للذي جرى في اليومين الاخيرين خصوصا ان بعض الانظمة حاولت جاهدة تصحيح ما حصل من خلال اعتذار الرئيس الليبي عما حصل في بنغازي وتصحيح الحكومة المصرية دعوتها لاقامة تظاهرات يوم امس الجمعة وتصدي السلطات في اليمن للمتظاهرين في صنعاء وقبلها في تونس. لكن المنحى السياسي العام للامور يخضع للتوظيف في خانات الربح والخسارة في هذه المرحلة.

الا ان ديبلوماسيين مراقبين يقولون انه من المبكر الحكم على نتائج الامور على هذه الاسس نظرا الى ان التغييرات التي حصلت لم تنضج بعد في الدول التي شهدت ثورات كما ان الانظمة ايضا لم تستقر وتنتظم مؤسساتيا ودستوريا بحيث يمكن استخلاص نتائج في هذا الاتجاه. وتاليا فمن المبكر الحكم على تطورات قد تكون مجرد رد فعل مبالغ فيه ما لم توظف لاحقا لاستكمالها على المستوى نفسه، وهناك علامات استفهام رسمت حول ضلوع  تنظيم "القاعدة " ودخوله على الخط في هذا الاطار، لكن من غير المستبعد ان يتم نسيانها بعد اسبوع كأن شيئا لم يكن على ما حصل سابقا في حوادث مماثلة .

=================

الثورة السورية والعمل العسكري إلى أين؟

باسل حفار

المصدر: الجزيرة نت

13/9/2012

إن حالة التخلي التي تعيشها الثورة السورية والتي اضطرت العديد من أبناء هذه الثورة إلى القيام بما لم يكن من المفترض أن يقوموا به بأيديهم، أمر يستدعي الاهتمام ويستوجب العمل الجاد والمدروس الدقيق بما يضمن أن يؤدي إلى إنجاز حقيقي تثمر عنه نتائج واقعية ملموسة تدفع بعجلة الثورة إلى الأمام.

مجتمع دولي متردد

رغم كل التصريحات الهزازة التي نسمعها بين الفينة والأخرى من قبل زعماء ومسؤولين عرب وأجانب حول ما يحدث في سوريا إلا أنه لا يخفى على المتابع حالة البرود الواضحة والتردد الكبير في دعم الثورة السورية من قبل المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا.

 

وهذا أمر وإن بدا غريبا عندما ننظر إليه من زاوية المأساة التي تعيشها سوريا إلا أنه طبيعي جدا عندما نستذكر التجربة التي خاضتها أميركا في أفغانستان والعراق في فترة سابقة.

وبحسب العديد من المحللين فبعد هاتين الحربين لم يعد المواطن الغربي والأميركي خصوصا داعما فعليا لأي قرار يتضمن عملية تدخل خارجي ملموس في شؤون أي بلد من البلدان حتى إن القيادة الحالية للولايات المتحدة إنما تغلبت على منافسيها عبر وعودها بإخراج الأميركيين من تبعات المشاركة في حروب خارجية تسببت لهم بكره عالمي وجعلتهم أهدافا لفئة واسعة من البشر واضعفت هيبتهم ومكانتهم الاقتصادية والسياسية بين الدول.

 

كما أن الأزمة السورية على رغم تعقيدها والفظائع والمجازر التي ترتكب فيها، ليس لها تأثير مباشر على مصلحة المواطن الأميركي، فالمواطن الأميركي لن يخسر شيئا ملموساً بخسارة سوريا ولن يتوقف شيء من مصالحه بتوقف عجلة الحياة في سوريا أو حتى اختفائها عن الخارطة ربما.

 

وعليه فطالما أن المواطن الأميركي خصوصا والأوروبي عموما لا يشعر بخسارة شيء في سوريا فسيبقى تعاطفه مع ما يجري في هذا البلد تعاطفا معنويا من الصعب تحويله إلى دعم ملموس حقيقي على الأرض.

ثم إن سوريا لا تحوي موارد أساسية كالنفط وخلافه يمكن أن يؤثر سقوطها في الأيدي (الخطأ) على الاقتصاد الأميركي أو الغربي عموما وبالتالي وبحسب رأي العديد من السياسيين الغربيين ليس هناك الكثير مما يمكن أن يخسره الغرب وأميركا في حال سمحوا لدول أخرى بالتدخل (ولو مؤقتاً) في الوضع السوري لحين تمكنهم هم من ترتيب الأوراق بالطريقة التي تلائمهم.

 

عدم التدخل الغربي الفاعل لدعم الثورة في سوريا تمت ترجمته في الأوساط العربية والإقليمية إلى حالة من الإحجام عن المساس بالوضع في سوريا، كون هذه القوى لا تستسيغ ولا تتحمل فكرة اللعب خارج الملعب الدولي، وكنتيجة مباشرة لهذا الوضع فقد انتهت الأمور إلى حالة من التخلي عن الثورة السوريا التي ما انفك أبناؤها يصعدون الأمور ويقدمون التضحيات تلو التضحيات على طريق المواجهة مع النظام.

أفكار متشددة تنمو سريعا في الساحة

وكتحصيل حاصل لحالة التخلي هذه فقد وجد الثوار أنفسهم أمام خيارين: أولهما يتمثل في التخفيف من وتيرة الاحتجاج وعيش حالة من الركود لحين تكشف الأمور أكثر وضمان مصادر الدعم وهو ما حصل في حالة حماة ومناطق الساحل مثلا، أو (الخيار الثاني) استمرار التصعيد والإبداع بما هو متوفر بين الأيادي والاعتماد على "مصادر أخرى" غير المطروحة على الساحة يمكنها أن تعمل خارج نطاق السياسات العالمية لتوفير الدعم وهو ما حصل في مناطق سوريا الأخرى وفي مقدمتها حمص وحلب ودمشق.

 

هذا علما أن مصادر الدعم (الأخرى) هذه ليست في الغالب مصادر شفافة أو بريئة وإنما هي مصادر لها أجنداتها الخاصة بالنسبة إلى الثورة السورية وإلى طبيعة النظام الذي سيقوم بعدها في دمشق، وفي عواصم أخرى أيضاً.

وعليه وفي ظل غياب الغطاء الغربي والعربي الرسمي، الذي كان يمكن أن يشكل عاملاً موازناً لمصلحة قيام نظام ديمقراطي تعددي في سوريا ما بعد الأسد. فليس من المستغرب مثلا أن نرى طابعاً إسلامياً سلفياً يظهر أكثر فأكثر في الشعارات والسلوك والوجهة السياسية لمسلّحي الثورة السورية ويقوم بمحاولة فرض طريقة تفكيره على مظاهر العمل المسلح في سوريا. وربما مظاهر الحياة المدنية مستقبلاً.

 

هذا الاستنتاج يقودنا إلى سؤال هام يتبادر إلى الذهن حول موقع النظام من هذه التطورات الكبيرة في الحالة السورية.

 

عندما كانت الثورة في طورها السلمي حرص النظام كل الحرص على نقلها بأسرع ما يمكن إلى الطور المسلح ولم يكن يومها الأمر مفهوما لدى العديدين وظن الكثيرون أن الأمر ليس أكثر من أن النظام يتخذ قرارا غبيا لا يعرف أبعاده بمحاولة كبت الحراك بالقوة.

 

ولكن الحقيقة أن النظام كان يدرك منذ البداية أن أسهل وأقصر الطرق لإطالة زمن حكمه هو تحويل مسار الثورة سريعاً إلى الحالة العسكرية بحكم معرفته بطبيعة تفكير المجتمع الدولي اتجاه الوضع في سوريا وخبرته بطريقة رد الفعل للشعب السوري بحكم ممارسات قمعية سابقة مارسها ضده في الثمانينيات وطيلة فترة حكمه الماضية، ولا ننسى أن الشروق المتأخر نسبيا لشمس الربيع العربي على الربوع السورية أعطى الفرصة للنظام لحياكة الخطط والإستراتيجيات التي تلزمه لكبت الحراك.

ولكن ما لم يحسب النظام حسابه ربما ولم يكن يعرف كيف يتعامل معه في حينها هو بقاء العمل الثوري ضمن دائرة الطور السلمي مع تشكل قيادة عسكرية من الجيش السوري تأخذ على كاهلها مسؤولية العمل المسلح.

 

هذه الإستراتيجية في العمل لو قدر لها الاستمرار والنجاح لشكلت موازنة جديدة غيرت قوانين اللعبة في القضية السورية تماماً، وهو ما أدركه النظام قبل غيره من الأطراف (التي تعاني مشكلة حقيقية في الإدراك على ما يبدو) فحرص باكرا على وأد هذا المسار وحرف مساره إلى المسار الذي يخدم الصورة التي يريدها هو، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن قواعد اللعبة بالكامل وتنفيذ عملية اختطاف في الأراضي التركية لأحد أهم رموز هذا المسار وأوائل الداعين له المقدم حسين الهرموش.

مسار عسكري متعثر بنفسه

لهذا السبب ولأسباب أخرى كثيرة فقد فشل هذا المسار في المضي قدما في الثورة وظهر بدلا منه مسار آخر مظهره الأساسي عدد كبير من أنصار الثورة وناشطيها المدنيين الذين قرروا رفع البندقية والمسدس بدل القلم واللافتة يدفعهم في قرارهم هذا طروحات وتصريحات كثيرة أوهمتهم بأن المجتمع الدولي يقف من خلفهم وأنه لن يسمح بمزيد من الهدر لدمائهم، وأن نظام بشار بحكم الساقط ولا يمنع من سقوطه إلا تواجد ثلة مقاتلة من أبناء سوريا نفسها تطلق رصاصة الرحمة عليه.

ووسط جهل كبير في كيفية استخدام الأدوات الجديدة وكيفية توظيفها أقدم الآف الشباب في سوريا على بيع الغالي والرخيص لشراء قطعة سلاح لا تساوي في الوضع الطبيعي ربع سعرها في سوق عسكرة الثورة، وراحوا ينظمون أنفسهم في مجموعات وكتائب تحاول جاهدة الصمود أمام آلة عسكرية منظمة تحصد الأرواح حصدا، تقويها مجموعات إجرام بلباس أمني تحرص على القتل كما يحرص غيرها على الحياة.

 

ومع بداية تشكل هذا المسار استشعرت قوى إقليمية في مقدمتها تركيا خطر هذا التحول ولكنها لم تملك الشجاعة للحديث علنا حول ما أدركته فراحت تلح وتشدد على ضرورة الإبقاء على الطابع العسكري والحرص على العمل من خلال شخوص الجيش المنشقين دون أن تتمكن من إقناع الآخرين بسبب إلحاحها والتزامها بهذا الطرح.

 

فنتج عن حالة الجذب هذه بين الطرفين تشكل مؤسسة عمل عسكري مشوهة التركيب قوامها عدد كبير من الشباب المتطوعين الذين قرروا أن يبيعوا الدنيا بسقوط النظام يمثلهم مجموعة من رموز سابقين للنظام انشقوا عنه وقرروا ان يبيعوا ما كانوا عليه بوضع جديد يضمن لهم احترامهم ومستقبل أولادهم وعوائلهم.

 

ولم يكن لهذه التركيبة أن تستمر ما استمرت عليه أو تنجح بشكل من الأشكال لولا آلة دفع إعلامية عجيبة راحت تمجد هؤلاء المنشقين العسكريين وتثني عليهم دون حساب أو مراجعة رغبة في إعطائهم نوعا من الرمزية والقدسية التي ستصعب في المستقبل القريب تجاوزهم أو التخلص منهم.

عقل ثوري يتطور

ومع مرور الوقت واستمرار حالة التخلي التي كانت وما زالت تعاني منها الثورة السورية اقتنع العقل الثوري بأمور أساسية شكلت منعطفا مهما في طريقة تعامله مع الثورة أهمها:

1- الميادين الخارجية (تركيا، لبنان، أوروبا) بالنسبة للثائر السوري أحد أمرين: إما نقطة اتصال مع الخارج يتم من خلالها توصيل المطالب واستلام المكاسب المعنوية أو المادية وإما ملجأ خوف (مؤقت) لشخص ملاحق لم يجد في أرض سوريا ملاذا يؤمنه، وأما ما هو غير ذلك فليس أكثر من شخص اتخذ موقفا مع الثورة ولم يتمكن من دفع ثمنه فانسحب وترك الآخرين ليقوموا (بالواجب).

 

2- الإعلام ليس أكثر من أداة تتلاعب بالثورة عن قصد أو غير قصد ومعركة الثوار الحقيقين العاملين في مجال الإعلام ليست مع إعلام النظام فقط ولكنها أيضا مع أدوات الإعلام العربية والأجنبية التي يعيشون معها حالة صراع ليل نهار حول كيفية نقل الخبر وزمنه وطريقة نقله وما يظهر مما لا يظهر. فهم في صراع بين أجندات وأهواء إعلامية خارجية وداخلية يحاول متسلقون أو مستفيدون فرضها وبين واقع مؤلم معقد قد يصعب حتى على أبرع الصحفيين والكتاب التعبير عنه بالطريقة التي تخدم القضية.

 

3- كل ما هو قائم ومعروف في غالبه ليس أكثر من فقاعات تتحرك بمعية أو تبعية أطراف معينة في المجتمع الدولي يلزم الالتفاف عليها والحصول منها على أكبر قدر ممكن من المكاسب بداعي الاستمرار في الثورة وإن استلزم الأمر نفخ المزيد من الهواء بين الفينة والأخرى لهذه البالونة أو تلك.

 

4- أفضل طريقة لمواجهة المتسلقين والارتياح منهم سد الباب في وجه الجميع وعدم الانفتاح على أحد مباشرة إلا عندما يتعلق الأمر بالدعم. وكما يقول المثل (الباب اللي بجيك منه الريح سده واستريح).

 

5- العسكريون ليسوا أكثر من أشخاص مولعين بالقيادة ولا يوجد فيهم من يرغب فعلا بالعمل الميداني إلا ما ندر ومعظمهم يسرق المال إذا وصل إلى يديه أو يتصرف به بطريقة لا ترقى لمستوى الثورة والحدث.

 

هذه القناعات وغيرها من الأفكار التي تبلورت في أذهان شريحة واسعة من الثوار نتيجة الوضع الذي عاشوه على مر عام ونصف من اندلاع الثورة دفعتهم للتحليق بمفردهم خارجا عن أي سرب معتمدين على أنفسهم أولا وعلى ما يتم سوقه لهم ما بين فترة وأخرى من هنا أو هناك ماضين في طريقهم نحو تشكيل مظهر جديد للثورة المسلحة قوامه سرايا وكتائب وألوية من شباب الثورة يقودهم رجالاتها وأصحاب النفوذ فيها، ليحملوا على عاتقهم مسؤولية العمل العسكري وينتقلوا بالعمل من حالة الدفاع إلى المواجهة ومن طور الركود الثوري إلى النشاط الفوضوي الذي لم يعاينه أحد إلا وصدم بحجمه وشكله.

 

المسار العسكري الجديد كيف ومن؟

مع تبلور هذا الواقع الجديد وجدت الرموز العسكرية نفسها خارج إطار اللعبة فراحت تبحث لنفسها عن دور في طابور الفوضى وعن مكان وسط الركام وموقع بين الجثث، فرجعت إلى ناصحها الأول (تركيا) تستنجد به مروجة لسيطرة المسلحين من القاعدة وغيرها من المتشددين على مقاليد الأمور، ليعودوا من جديد بمشروع كانوا قد رفضوه هم أنفسهم من قبل اسمه المجالس العسكرية، تعرض نفسها على الثوار ممثلة للعمل العسكري وناطقة باسمه وربما مخططا إستراتيجيا لمستقبله.

وقد بدت فكرة براقة جميلة في البداية ولكنها سرعان ما تعرضت للنقد بعد أن فهم الميدانيون أنها ستؤدي إلى حالة من الغياب الإعلامي لوجودهم وبالتأكيد إلى حالة من السيطرة للعسكريين على مقاليد مستقبلهم.

 

فانتهى الأمر إلى حالة من الجفاء بين الطرفين تولد عنها انقسام جديد طرفه الأول مجالس عسكرية تتمتع بقبول خارجي مبدئي ودعم رسمي من المعارضة السورية في مقابل طرف ثان عبارة عن مجموعات من المجاهدين المسلحين الذين يتمتعون بالقبول الشعبي ومؤازرة المجالس الثورية ودعم غير رسمي من المعارضة السورية ومن نخب ومؤسسات أخرى غير سورية.

 

غير أن حالة الجفاء هذه سرعان ما وجدت من ينادي بإنهائها والانتقال إلى طور جديد يمثل حالة تعاون وتنسيق بين المجالس العسكرية والمجموعات المسلحة بعد أن وجد كل طرف نفسه مجبرا على القبول بوضع التعاون الجديد وسط تهديد بخسارة كل ما يتمتع به من مميزات إن استمر في تعنته الذي لا يعرف أحد مبرراً له.

مسؤولية بحاجة إلى من يحملها

هذه التركيبة للثورة في سوريا والتي باتت تتعقد يوما بعد يوم والتي هي المسؤولية الأكبر التي لم تجد من يحملها أو يبادر إلى الإشارة إليها حتى الآن، لا يمكن أن يحل عقدتها إلا فكر سامٍ واضح متزن يسود العقل الثوري ويعيد تقويمه بما يسهل عليه إعادة النظر في الأمور وعواقبها فيتمكن من تجاوز الخلافات والترفع عن التفاهات دون المساس بالثوابت أو تثبيت المتغيرات.

======================

هل مخاوفنا على سورية محض اوهام؟

هيفاء زنكنة

2012-09-14

القدس العربي 

هل تستند مخاوفنا على سورية على الاوهام أو انه الوقوف بجانب النظام ؟ هل لا نزال بحاجة الى الكتابة من جديد حول دموية النظام وقمعه لابناء الشعب وقد اتسعت ادوات القتل، في الشهور الأخيرة، لتشمل الجو بعد الارض؟ هل نحن بحاجة ان نقرأ من جديد، نحن ابناء القمع المتوارث والنضال المتوارث، تقرير نزار قباني السري جداً من بلاد قمعستان؟ ذلك التقرير/ القصيدة الذي يمتد ليشملنا جميعا كشركاء، سوية مع مضطهدينا، في ارض قمعستان 'تلك التي تمتد من شمال افريقيا / إلى بلاد نفطستان / تلك التي تمتد من شواطئ القهر الى شواطئ القتل / الى شواطئ السحل/ الى شواطئ الاحزان .. وسيفها يمتد بين مدخل الشريان والشريان / ملوكها يقرفصون فوق رقبة الشعوب بالوراثة / ويفقأون أعين الأطفال بالوراثه / ويكرهون الورق الابيض، والمداد، والاقلام بالوراثة'

ماعدنا بحاجة الى التكرار. لأننا نحمل قناعة مناهضة كارهي الشعوب، وان كانوا منهم، معجونة بدواخلنا. موقفنا كان واضحا منذ الايام الاولى للانتفاضة السورية الشعبية. غير ان هناك جانبا آخر، يفرض نفسه علينا فنكرره، مرات ومرات وهو: ان مخاوفنا التي رافقت نبض الشارع، حقيقية. صارت مخاوفنا على سورية وشعبها، كابوسا دائم الحضور لانها تستند الى واقع نعرفه جيدا وموت نعرفه ونشم رائحته التي لاتنسى ونعيش تفاصيل مآسيه منذ ما يزيد على التسع سنوات . وحين استخدم صيغة الجمع، اعني نحن العراقيين المعارضين ممن ذاقوا طعم النظام الاستبدادي، على مدى عقود، الا انهم اختاروا ان يقفوا، بقوة، ضد استبدال النظام بغزو واحتلال اجنبي. كان رفضنا واضحا وصريحا لا يقبل المساومة وهو ان تغييرالنظام لايستدعي معاقبة الشعب او فتح ابواب الوطن للغزاة. كنا نفكر بمنطق يستصرخ الانسانية بصوت عال قائلين: كفى عقابا للشعب العراقي الذي حولته سنوات الحصار الجائر، على مدى 13 عاما، الى صفوف من رجال ونساء واطفال يمتهنون استجداء الغداء داخل الوطن (اطلق عليهم اسم العوائل المتعففة تعففا) واستجداء الاقامة والخدمة خارج الوطن حفاظا على البقية الباقية من الكرامة. ومنذ التسعينات و'معارضة' النظام العراقي الرسمية تنام في سرير واحد مع المخابرات الامريكية والبريطانية مقدمة اسخى الخدمات والوعود بنفط مجاني وقاعدة عسكرية دائمة تحت غطاء اسمه ' الديمقراطية'، الى ان تم استبدال النظام... ولكن، بماذا؟

بنظام 'حاكم مؤمرك يأخذها بالصدر والأحضان'. باحتلال مسح المدن واعتقل وعذب واغتصب وقتل. بنظام قمعي، طائفي، فاسد، شرعن الارهاب واغتيال المواطنين وتفتيت الوطن، ثم وقع معاهدات بيع الوطن الطويلة الأمد.

نظام حزب الدعوة برئاسة المالكي وماسبقه برئاسة الجعفري (الملقب عراب معتقل الجادرية الرهيب) وما سبقه برئاسة اياد علاوي (الملقب بجزار الفلوجة)، استطاعوا، ان يحققوا خلال تسع سنوات، فقط، ما فشلت كل حكومات العراق السابقة، غير المشهورة بانسانيتها واحترامها لحقوق الانسان، بتحقيقه من خراب ودمار بشري وبناء تحتي. اذ حققت رقما قياسيا في تصفية مايزيد على المليون مواطن وتهجير الملايين وزرع بذرة الطائفية الهجينة التي احتاجوها لانهم بلا جذور. ان نظام 'العراق الجديد' المبني على روح الانتقام، المتعطش للدماء والقتل والتعذيب، اباد باسم التحرير والديمقراطية مايزيد على شهداء الحرب العراقية الايرانية، الراسخة في ذاكرة العراقيين، بدمويتها ووحشيتها.

كيف نستطيع ان نبقي شعلة الامل بثورة الانسان والرغبة بالانتقام تتصاعد، مع كل ضحية جديدة؟ كيف تغيرت صديقتي السورية التي قالت لي باعتداد مدافعة عن وحدة ولاطائفية سورية في بداية الانتفاضة: 'ان سورية ليست مثل العراق'، ثم عادت، لتتساءل، بعد مقتل طفلين من اسرتها: 'كيف نغفر لهم مافعلوه بنا؟'. وهو السؤال الاكثر قربا الى كينونة الانسان ووجع القلب وعلاقته بوطنه ومستقبله. وقد يليه سؤال طالما طرحناه على انفسنا، تحديا ونحن في غمرة الذهول العقلي: وهل نستطيع ان نغير الواقع ونستشرف المستقبل والدماء تغطي عيوننا؟ وكيف نضع حدا لدائرة الانتقام التي باتت تسبقنا بأميال؟

من الصعب الرؤية بوضوح، خاصة عند الاستغراق في المأساة العراقية المزمنة وتلاحمها بالماساة السورية. فنظام حزب الدعوة يبحث مع الادارة الامريكية كيفية التعامل مع 'الأزمة الحالية في سورية، والمجالات الممكنة للتعاون'. ودرجة التعاون بين الطرفين تتحكم بهما عوامل عدة. من الجانب الامريكي هناك حالة الانشغال المحموم بحملة الانتخابات الرئاسية المقبلة وآثار الأزمة الاقتصادية وكون أمريكا قد تعلمت درسا من سقوطها العسكري في 'مستنقع' العراق، ولا تريد السقوط في مستنقع آخر سواء كان سوريا أو ايرانيا.

من الجانب العراقي، هناك الصدام الدموي بين ساسة العملية السياسية وميليشياتها والذي لاينفك يضيف الى ايامنا صفة 'الدامي' كيوم الأحد الدامي والاربعاء الدامي والخميس وكل ايام الاسبوع الدامية. هناك، ايضا، بقايا ولاء نظام المالكي لايران الذي يجذبه بعيدا عن حبل الطاعة الكلية للسيد الذي قام بـ 'تحريره'.

مما يدفع السيد الذي تم دفعه جانبا لصالح سيد آخر، الى الاحساس بالغضب الشديد و الرغبة بالانتقام واثارة الفتنة. وهذه مسألة جوهرية، غالبا مايتم اهمالها عند النظر الى تفاصيل تفجيرات الايام الدامية وضحاياها الابرياء. اذ تسارع اجهزة الاعلام بتكرار ببغائي تقديم بيانات النظام وتصريحات مسؤوليه المنغمسين حتى رقابهم في النزاعات والفساد وتوجيه اصابع الاتهام فورا وبلا مساءلة الى 'الارهابيين' و'ازلام النظام السابق' و'القاعدة'.

وهو وضع يشبه توجيه اصبع الاتهام الامريكي والغربي، عموما، الى 'الارهابيين العرب' و'المسلمين' حالما يقع حادث ارهابي لديهم. والى ان تنكشف عاجلا أم آجلا هوية الفاعل الامريكي او الاوربي لهذه التفجيرات تكون وصمة الارهاب الإسلامي قد رسخت في اذهان الناس ومن الصعب ازالتها. ان معدل من يلقى القبض عليهم، في العراق، بتهمة الارهاب حسب المادة أربعة، هو ألف رجل وأمرأة شهريا، اي 12 ألفا سنويا. ولايمر يوم لايتم القاء القبض فيه على أمير للقاعدة او مساعد له او سكرتير او ممول او سائق.

ومع ذلك تستمر التفجيرات. ألم يحن الوقت للتساؤل عن هوية المستفيد من هذه التفجيرات بالدرجة الاولى؟ لماذا اختفت صورة المستفيد الأول من البيانات واجهزة الاعلام على الرغم من ان اصابعه او فرقه القذرة لاتزال مغروزة في الجسد العراقي؟ ماهو موقف السيد الامريكي المتنازع مع السيد الايراني للسيطرة على الارض العراقية؟

هل سيترك العراق الذي يراه، كما ذكر وزير الدفاع بانيتا، اخيرا، ضرورة استراتيجية لاحكام تواجده في منطقة الخليج وايقاف ايران عند حدها؟

هل سيكتفي بالمعاهدات الامنية والتواجد العسكري القتالي وعلى اهبة الاستعداد في الكويت والبحرين وقطر والامارات، وبعدد أقل في السعودية وعمان، بالاضافة الى عدد من حاملات الطائرات؟ وماهي طبيعة 'التعاون' بين نظام حزب الدعوة والادارة الامريكية والبريطانية على ضوء زيارات مسؤولي البلدين الى العراق والتي ازدادت بشكل كبير في الآونة الاخيرة لمناقشة سبل 'التعاون حول الأزمة السورية'؟.

لأنني لن اتمكن من الاجابة على كل هذه الاسئلة في هذا الحيز سألجا لطلب المساعدة من شاعرينا الراحلين محمود درويش ونزار قباني. يقول درويش وهو ينظر الى بغداد المحروقة بقنابل أمريكا وبريطانيا الفسفورية واليورانيوم: 'أتذكر السياب حين أصابُ بالحمَّى وأهذي: إخوتي كانوا يُعدون العَشاءَ لجيش هولاكو، ولا خدمٌ سواهم إخوتي!' فيجيبه القباني وهو ينظر الى مدن سورية المهدمة التي صارت امتدادا لمدن العراق المهدمة، قائلا: 'متهمون نحن بالإرهاب ... إذا رفضنا محونا .... على يد المغول'.

' كاتبة من العراق

=================

الابراهيمي عندما يلتقي الاسد

رأي القدس

2012-09-14

القدس العربي 

لا نعرف ما اذا كان تفجر مشاعر الغضب الشعبي بسبب فيلم مسيء للاسلام والمسلمين انتجته حفنة من الحاقدين، وفجر احتجاجات غاضبة في اكثر من عاصمة عربية، يخدم مهمة السيد الاخضر الابراهيمي المبعوث العربي والدولي الذي وصل الى سورية امس ام انه يجعلها اكثر صعوبة.

الامر المؤكد ان هذه الاحتجاجات حولت الاضواء عن الاوضاع المتفجرة في سورية، وجعلتها تتراجع الى مراتب اقل في نشرات اخبار التلفزة وصدر الصفحات الاولى في المحطات والصحف العربية بعد هيمنة استمرت اكثر من 18 شهرا.

السيد الابراهيمي لم يعط اي امل بالتفاؤل على صعيد نجاح مهمته هذه، بل اثارت تصريحاته الكثير من الاحباط، وهي تصريحات تراوحت بالقول انه متشائم جدا، او ان مهمته صعبة جدا بسبب تعقيدات الملف السوري.

صحيح ان الدبلوماسي الجزائري المخضرم خبير في حل الصراعات الدولية، وعمل وسيطا في اكثر من واحدة منها، مثل كيفية ترتيب اوضاع الحكم في العراق بعد احتلاله، وقبلها المساهمة في انجاز اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية اللبنانية، ولكن الصحيح ايضا ان الازمة السورية تختلف كليا، لانها ما زالت في بداياتها اولا، والطرفان المتحاربان لم يتعبا بعد، ويحظيان بدعم قوى خارجية لا تريد لهذه الحرب ان تتوقف في الوقت الراهن على الاقل.

السيد الابراهيمي التقى امس بشخصيات من المعارضة السورية الداخلية للتعرف على آرائها قبل اللقاء مع الرئيس بشار الاسد، وهي خطوة صائبة، للتعرف على بعض اجزاء الخريطة السياسية ومعالمها البارزة، فما زال في مهمة استطلاعية استكشافية، ولا بد انه يخطط للقاءات اخرى مع المعارضة الخارجية، وبعض الدول الاقليمية الاخرى المتورطة بالازمة الى جانب هذا الطرف او ذاك مثل تركيا ومصر وايران والمملكة العربية السعودية وروسيا والصين.

مهمة المبعوث العربي والدولي قد تطول اكثر مما هو متوقع لها، وربما تريد الاطراف العربية والدولية هذا الهدف، لان العالم يمر حاليا بمرحلة انتقالية في انتظار انتخابات الرئاسة الامريكية، وحسم الملف الايراني النووي سلما او حربا او تعايشا.

التركة ثقيلة ومعقدة في الوقت نفسه، والسيد كوفي عنان الذي غامر بالنزول الى الميدان على امل حلها خرج يائسا مكتئبا بعد ان وجد نفسه يدور في دائرة مفرغة بسبب رفض الجميع التعاون معه.

خلفه السيد الابراهيمي قد يكون اسوأ حظا، لان البند الاول على جدول اعمال مهمته هو وقف العنف وحقن الدماء بالتالي، وهو بند لا يمكن التقدم مليمترا واحدا الى البنود الاخرى دون انجازه، ولكن كيف يتحقق هذا الهدف والاسلحة تتدفق على الطرفين المتصارعين وآخرها سفينة اسلحة ليبية محملة بالصواريخ المضادة للطائرات من نوع سام افرغت حمولتها في ميناء الاسكندرون التركي ووصلت بالفعل الى الجيش السوري الحر ومقاتلي حركة الاخوان المسلمين مثلما ذكرت صحيفة بريطانية امس.

وصول صواريخ سام الى المعارضة اذا تأكد يعني شل فاعلية طيران النظام جزئيا او كليا، وحرمانه من قصف تجمعات الجيش السوري الحر والفصائل الاخرى المقاتلة خاصة في المناطق الشمالية.

ولا نستبعد ان يلجأ النظام الى تزويد صواريخ مماثلة الى ميليشيات حزب العمال الكردستاني المعارض للنظام التركي.

السيد الابراهيمي ربما يكتشف ان الازمة اكثر صعوبة وتعقيدا مما تصور، وان فرص نجاحه لا تقترب من الصفر، بل ربما تحته بدرجات عديدة!

====================

السوريون يأكلون الحصرم واللبنانيون يضرسون!

عادل مالك *

السبت ١٥ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

الوضع الثوري في سوريه تحول او يكاد الى ما يشبه ادارة ازمة وسط مراوحة الانتفاضة على النظام في الدوامة القاتلة، وفي مرحلة انعدام... الحل. فنحن أمام نظام عجز حتى الآن عن الحسم العسكري واستعادة السيطرة على الأقسام الثائره من سورية، ولا المعارضة بل المعارضات في الداخل منها وفي الخارج عجزت بدورها عن توحيد الصف بين مختلف فصائلها وبالتالي الفشل في تحقيق اختراق الحسم. اما على صعيد الوساطات الاقليمية منها والدولية فما زالت بدورها تتخبط في غير اتجاه وعلى غير صعيد من الدول المنخرطه عملياً في الثورة السورية.

وآخر الوسطاء الوجه الديبلوماسي البارز الأخضر الإبراهيمي. واذا كان من المبكر الحكم على نتائج وساطته في السلب او في الايجاب، فيكفي ان نستعير مواقف أو مشاعر الوسيط نفسه، اذ ماذا يمكن ان تتوقع من حراكه في شتى الاتجاهات عندما يشكك هو نفسه بإمكانية نجاح مهمته وهو الذي قال عند اختياره لهذا الدور: «لا ادري ما الذي سيحدث، لكن نجاحي في مهمتي يشبه المستحيل»!

والأخضر الإبراهيمى يملك تراثاً من التجارب في هذا المجال، فهو «خريج» الحروب الأهلية في لبنان والتوصل مع آخرين الى «اتفاق الطائف» الشهير، لكن دوره في تلك الأزمة كان معززاً ومدعوماً من اطراف بارزين في تلك الحقبة من المملكة العربية السعودية الى المباركة الإقليمية والدولية.

لكن التعاطي مع الوضع السوري المأزوم يختلف عن ظروف حقبة التسعينات التي اوقفت نيران الحرب الأهلية. واليوم ومع انقضاء ما يقرب من اكثر من عقدين على هذا الاتفاق وهو لا يزال موضع اشكالية كبيرة بين مطالب بتعديل اتفاق الطائف، وآخر يطالب بتنفيذ الاتفاق بصورة أمينة لنص هذه التسوية وروحها.

وفيما يمضي الأتون السوري في الاشتعال، نشطت حركة الاستيراد والتصدير بين سورية ودول الجوار، الامر الذي اثار وسيثير الكثير من الازمات والمخاوف الفعلية «من تفشي» عدوى «السورنة» وما شابه. وفي مجال استعراض ازمات دول الجوار السوري يبرز الوضع في لبنان على سبيل المثال لا الحصر، ويمكن ايجاز تداعيات الوضع السوري المتفجر على لبنان في النقاط الرئيسة الآتية:

اولاً: يصح القول: «ان السوريين يأكلون الحصرم واللبنانيين يضرسون». اذ يجد لبنان نفسه، ولو مرغماً على مواجهة تداعيات الوضع السوري المتفجر والتدفق المتواصل من النازحين واللاجئين السوريين الهاربين من جحيم المعارك، وما يترتب على هذا الوضع من المعالجات لهذا الواقع الاستثنائي كتقديم المساعدات الانسانية لهؤلاء النازحين وإيجاد منازل لإيوائهم الى آخر الاحتياجات الانسانية.

ثانياً: وهذا هو الأخطر والذي يتمثل بالاحتكاكات اليومية عبر الحدود السورية - اللبنانية حيث وقع الكثير من حوادث اطلاق النار من الداخل السوري الى الداخل اللبناني، وسقوط القتلى والجرحى جراء هذه المواجهات غير المتكافئة. وعندما ندرك ان الأزمة السورية لن تنتهي في وقت قريب، يتبين ضرورة تواصل هذا الوضع، حيث يكتفي لبنان بالإعراب عن استيائه الشديد في السر والعلن، وكان لدى الرئيس ميشال سليمان الشجاعة للتعبير عن الاستياء الشديد بلغ حد العتب العلني، على سورية وعدم اتصال الرئيس بشار الأسد به لشرح خلفيات نقل الاسلحة من سورية الى لبنان، حتى لا نقول الغضب قياساً إلى اعتدال الرئيس سليمان.

ثالثاً: ان ذروة الخطورة في هذا الوضع المأسوي مما تركته «الاحداث في سورية» على عملية التجاذب السياسي الحاد بين مكونات التركيبة اللبنانية، الأمر الذي أمعن في تأجيج الانقسامات الداخلية معاً وما تفرع منها من عمليات الخطف والخطف المتبادل... ومع تواصل العجز في وضع حد للنزف الشديد في سورية، يعني عملياً التحسب لمزيد من التداعيات على الصعيد اللبناني.

رابعاً: وفي سياق متصل بانتشار الازمة الى دول الجوار، برز خلال الساعات القليلة الماضية تحذير واضح من جانب الاردن حيث شكا الملك عبدالله الثاني من مخاطر «تصدير المنتج السوري»! الى الاردن، ورفع الصوت عالياً متخوفاً من عملية «تقسيم وتفكيك سورية»، وهو الامر الذي يتخوف منه كثيرون من الذين لا يعبرون عن «تفتيت» سورية وتقسيمها الى دول وأقاليم عدة في شكل واضح خوفاً من توجيه الاتهام الى هذا الطرف او ذاك بالعمل على التقسيم. وقد اضاف الملك عبدالله الثاني وصفاً جديداً لما يجري عندما توقع تحول ما يجري في سورية الى «الصوملة». وتعددت التسميات والنتائج واحدة من «السورنة» الى البلقنة» الى «العرقنة» الى «اللبننة» الى «القبرصة»، وفق الطرح الآتي:

اذا لم يكن بإمكان الرئيس بشار الأسد استعادة السيطرة على سورية، يبقى الانكفاء الى موقع معين ويسميه البعض بـ «الدولة العلوية» او تسميات اخرى، وهذا لا يعني التسويق لفكرة تقسيم سورية، بل اذا ما بلغ البركان السوري المتفجر مرحله يصعب معها تعايش اطياف المجتمع السوري ضمن بوتقه واحدة، صعوبة الى درجة الاستحالة عندها يصبح خيار التقسيم هو الخيار الوحيد المتاح وهو ما يسمى بفرض الأمر الواقع.

على ان اعصار التقسيم الذي بدأ يتضح في ارجاء المنطقة لن يقتصر على سورية فحسب، بل على بعض دول الجوار الاقليمي. وعندما هدد رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان بشار الأسد بمخاطر تقسيم سورية، رد الأسد بالقول: «إن التقسيم لن يقتصر على سورية فقط، بل ان تركيا ستكون في وضع مشابه». ويلاحظ في هذا السياق تحرك الاكراد والمواجهات العسكرية بين القوات التركية وعناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، والذي يعكس حلم الاكراد بقيام دولة مستقلة، او قيام حكم ذاتي او ما شابه.

واذا ما وسعنا دائرة التحليل لما يجري في المنطقة، لا بد من التوقف عند الأحداث الدامية التي شهدتها مواجهات مدينة بنغازي ضد مبنى القنصلية الاميركية وإضرام النار فيه، الامر الذى ادى الى مقتل السفير الاميركي في ليبيا كرستوفر ستيفنز، وعدد آخر من العاملين في القنصلية. وتزامن هذا التطور مع تطور آخر لا يقل اهمية والذي تمثل بهجوم عناصر متطرفة على مبنى السفاره الاميركية في القاهرة ونزع العلم الاميركي، ولا يزال هذا التطور يتفاعل في الشارع المصري.

وإذا كان صحيحاً ان ردود الفعل الغاضبة حركتها عصبيات طائفية ومذهبية فهي تعكس تنامي الموجات الاصولية في المنطقة، وتشكل فصلاً جديداً من فصول المواجهات التي هي من نتائج «الربيع العربي» والذي يتأكد يوماً بعد يوم ان مثل هذا النتاج سيقض مضاجع بعض دول المنطقه لفتره غير محددة. اما توقيت حدوث هذه التطورات فتزامن عن قصد او عن غير قصد مع ذكرى مرور 11 سنة على أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر).

وبعد...

الى اين يقودنا تحليلنا من مشهدية منتظرة؟

ان كل المتدخلين والمتداخلين في الأزمة السورية هم في حالة ارباك شديد باعتبار ان كل الرهانات التي اطلقها هذا الفريق او ذاك انتهت كلها بالفشل سواء من جانب الغرب الأميركي منه او الاوروبي او التي اطلقها هذا الفريق او ذاك من جانب الاطراف الاقليمية، لذا فإن فشل كل الرهانات السابقة يحتم اعادة نظر جدية لمواجهة المعطيات الجديدة التي افرزتها الحرب في سورية، والتداعيات التي انتهت اليها حتى الآن. ومع «تحطم» كل السيناريوات التي سبق التداول بها لمواجهة النظام السوري فهي تتحدث وجب الاتفاق على توجه جديد للمعالجة.

ويلاحظ في هذا المجال لجوء الجهات والاطراف التي كانت تنادي بسقوط الأسد ونظامه لأن تتحدث الآن عن ضرورة التوصل الى حل سياسي لما بلغته الاوضاع المأسوية في سورية. وما زال الموقف الروسي الاكثر «ارتياحاً واطمئناناً لأن تصور موسكو وبيجينغ هو الذي سجل انتصاراً سياسياً واضحاً»، الامر الذي جعل من الصعوبه بمكان التوصل الى حل للمأزق السوري في معزل عن «الفيتوين» الروسي والصيني.

وحتى لا تجرفنا التفاصيل اليومية، يجب التشديد على حقيقة راهنة وهي ان المنطقة بكاملها هي الآن في محطة انعطافية وجذرية مع الانتقال من واقع الى آخر ومن ضفة الى اخرى. وفي فترة التحولات التاريخية كالتي نشهد، يبدو ان المنطقة دخلت مرحلة هجينة وحائرة ومترددة بين الماضي السحيق وأخطاء الحكام القاتلة، والغد الضبابي الذي يتأرجح بين الانجازات والاخفاقات. واذا كان التاريخ علمنا ان الثورات تأكل ابناءها، فإن التاريخ المعاصر يؤكد الحقيقة الجديدة: «ان الثورات تأكل بعضها بعضاً، وعليه فإن المنطقة ستبقى لأجل غير مسمى رهينة انعدام الحلول والدوران في الحلقة المفرغة القاتلة».

وملاحظة اخيرة: مطلوب مراقبة دقيقة للثورة العكسية والمضادة من الشارع العربي باتجاه الولايات المتحدة.

=================

إيران تنقل الأزمة السورية إلى الداخل التركي

فؤاد فرحاوي*

الشرق الاوسط

15-9-2012

عندما انطلقت الأحداث في سوريا، أدلى رئيس الوزراء التركي أردوغان بتصريح قال فيه إن «الأزمة السورية شأن تركي داخلي»، وهو ما أثار استفزازا لدى سياسيين ومراقبين عرب، بل منهم من ذهب إلى الاستدلال به بوصفه تعبيرا حقيقيا عن «النوايا الهيمنية» لأنقرة في المنطقة العربية. وحاول الأتراك في ما بعد تفادي هذه التفسيرات بالإشارة إلى أن طول حدود الدولتين يفرض تحديا للأمن القومي التركي.

وفي الواقع، فإن الزيارات المكوكية التي قام بها أوغلو وزير الخارجية التركي إلى سوريا، والإلحاح الشديد على ضرورة إجراء إصلاحات فورية، لم تكن إلا تعبيرا عن مخاوف أكبر لم يصرح بها الساسة الأتراك آنذاك. ومع تسارع الأحداث وتعقد الأزمة بدأت تظهر آثار الأزمة السورية على الداخل التركي سواء من الناحية الأمنية أو السياسية أو الاقتصادية، وذلك بالتوازي مع اصطدام المقاربات الإقليمية للأزمة، لا سيما مع إيران وروسيا وعراق المالكي.

قبل أن يقوم وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بزيارته المفاجئة إلى أنقرة، بداية أغسطس (آب) الماضي، أصدرت الخارجية التركية بيانا نددت فيه بتصريحات مسؤولين عسكريين ضد أنقرة. وكان رئيس الأركان الإيراني حسن فيروز أبادي قد اتهم تركيا ودولا خليجية بتسليح المعارضة السورية، وما دامت أنقرة - حسب اتهامه - قد قبلت بهذا الأسلوب فإن «عليهم أن يدركوا أنه بعد سوريا سيحين دور تركيا ودول أخرى». هذا التصريح وتصريحات مسؤولين آخرين اعتبرتها تركيا تهديدا مباشرا لها، وأن طهران تعمل على إثارة القلاقل داخل تركيا.

وفي خضم هذا الجدل والاتهامات المتبادلة بين البلدين حول الملف السوري، حدثت تطورات أمنية خطيرة في تركيا، إذ ألقت سلطات الأمن التركية بداية هذا الشهر القبض على مجموعة كردية تعمل لصالح إيران. واتهمت المجموعة بتزويد إيران بإحداثيات ومعلومات عن الجيش والمؤسسات التركية. وفي الشهر نفسه، شهدت محافظة شيرناق الواقعة على الحدود العراقية - التركية وغير البعيدة عن الحدود مع إيران، هجوما لحزب العمال الكردستاني أدى إلى مقتل 10 جنود أتراك. وخلال عطلة عيد الفطر تعرضت محافظة غازي عنتاب القريبة من سوريا لانفجار بسيارة مفخخة أودى بحياة تسعة مدنيين.

هذه التطورات الأمنية وغيرها أكدت الشكوك لدى صانعي القرار ومتتبعي شأن المنطقة بأن إيران وسوريا تقفان بصفة مباشرة وراء الهجمات الأخيرة. وفي تصريح لنائب أردوغان بكير بوزداغ، لوكالة أنباء «الأناضول»، أشار إلى أن «هناك بعض الأطراف الداخلية والخارجية تحاول إضعاف تركيا وهز أمنها».

وفي الواقع، فإنه بعد اشتداد الضغط على بشار الأسد، وسقوط 48 شخصا من الحرس الثوري الإيراني في قبضة الجيش السوري الحر، اقتنعت إيران بضرورة اتخاذ خطوات أكثر تصعيدا مع أنقرة، وذلك لإجبارها على تغيير مواقفها المعارضة للأسد ومصالح طهران. وكانت هذه الخطوات كما تدل عليه تطورات الأحداث تتم في تنسيق مع الأسد وأطراف عراقية وتعاون مع حزب العمال الكردستاني. ومن هنا كان انسحاب القوات النظامية من شمال سوريا، وتركها في أيدي أكراد سوريا، جزءا من هذا التصعيد. وبعد هذا الإجراء لوحظ مدى انزعاج سلطات أنقرة من إمكانية أن يتحول شمال سوريا إلى قاعدة خلفية لـ«العمال الكردستاني»، وهو ما حدا بها إلى دعوتها لضرورة إنشاء منطقة آمنة داخل الأراضي السورية لإيواء اللاجئين، وفي الوقت نفسه للحيلولة دون استغلال فراغ السلطة ضد أمنها القومي.

اتخذت الأزمة السورية مظهرا من مظاهر التجاذب السياسي الداخلي بين الحكومة التركية والمعارضة. ويشن زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كيريشتار أوغلو، حملة إعلامية وسياسية ضد الحكومة، متهما إياها بالتسرع في إظهار تركيا كدولة قادرة على التدخل وحسم الأزمة السورية. هذا على الرغم من أن زعماء آخرين في الحزب استغربوا تجنب زعيمهم إدانة نظام بشار الأسد بسبب المجازر التي يقوم بها.

البعض يرى في تركيا أن مواقف المعارضة من الأزمة السورية تحكمها اعتبارات لها صلة بالصراع السياسي على السلطة، وأن الهدف الأساسي من إثارة الموضوع إعلاميا وسياسيا هو خلق مشاعر قلق لدى الرأي العام التركي تجاه الحكومة. ونتيجة لتصاعد هجمات حزب العمال الكردستاني في الفترة الأخيرة، دعا حزب الشعب الجمهوري إلى عقد جلسة خاصة في البرلمان لمناقشة الوضع الأمني وأثر الأزمة السورية على تركيا، إلا أن حزب العدالة والتنمية الحاكم رفض هذه الدعوة. وشكل عدم اكتمال النصاب القانوني للجلسة انتكاسة للمعارضة، وأظهرها ذلك أمام الرأي العام عاجزة عن توجيه النقاش ضد الحكومة عبر الملف السوري.

وتشكل الورقة العلوية أيضا أحد الملفات التي يعتقد النظام السوري وحزب العمال الكردستاني وإيران أنهم قادرون على توظيفها لإرباك الساحة السياسية والأمنية الداخلية في تركيا. وتمت المراهنة على سياسة الحكومة من الأزمة السورية لخلق قلق لدى جمهور هذه الطائفة. وفي هذا السياق، لوحظ أن بعض العلويين الأتراك قاموا في السابق بمظاهرات مؤيدة لبشار الأسد، كما يعتزم حزب الشعب الجمهوري تنظيم مظاهرات في 15 الشهر الحالي ترفض ضمنيا وجود اللاجئين السوريين على الأراضي التركية بحجة رفض الحرب في المنطقة، وهو ما أثار المخاوف من احتمال أن تؤدي الأزمة السورية إلى فتنة طائفية داخل تركيا.

إن توظيف الورقة العلوية في سياق الأحداث السورية له أبعاد مرتبطة بتاريخ الصراع الحزبي في تركيا، إذ شكل أتباع الطائفة العلوية القاعدة الانتخابية والجماهيرية للأحزاب اليسارية، خاصة حزب الشعب الجمهوري، بل إن جل قيادات هذا الحزب الآن هم من أبناء الطائفة. وبمجيء الحكومة الحالية وترشح بعض العلويين باسم حزب العدالة والتنمية فيها، بالإضافة إلى سعيها لحل مشاكل العلويين، فإنها طرحت تحديا سياسيا لحزب الشعب الجمهوري المعارض نتيجة خوفه من أن تسحب منه الحكومة «الورقة العلوية» وتوظفها انتخابيا. وحزب العمال الكردستاني الذي يقال إن زعيمه عبد الله أوجلان ينتمي إلى الطائفة العلوية، مدرك لهذه التناقضات. ومع التقاء حسابات الحزب مع حسابات إيران وأهداف أخرى، قام الشهر الماضي باختطاف حسين آيغون عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، لكن سرعان ما تم إطلاق سراحه. والمفارقة أن النائب المختطف هو من الأكراد العلويين، ولو لم يتم إطلاق سراحه لتحولت قضيته إلى سجال سياسي كبير، لكن يبدو أن المعنيين أدركوا خطورة اللعب بهذه الورقة في هذه المرحلة.

الأزمة السورية والتوظيف الإيراني لها ألقيا بظلالهما على التطور الاقتصادي في تركيا. وكجزء من الجهود لحل المشكلة الكردية، تم الاعتماد على المقاربة الاقتصادية عبر خلق نشاط اقتصادي ومشاريع تنموية في المناطق الكردية. وفي هذا الإطار جاء الانفتاح الاقتصادي التركي على العراق وسوريا وإيران، وذلك لخلق دينامية اقتصادية توفر فرص العمل للشباب، ومن ثم سحب البساط من «العمال الكردستاني» الذي كان يوظف ورقة الفقر والبطالة لاستقطاب الأنصار. ومع اشتداد الأزمة السورية تراجعت الحركة الاقتصادية في المناطق الحدودية، وقامت طهران بالضغط على حليفها في بغداد نور المالكي وتوظيف القواعد الخلفية لـ«الكردستاني» في العراق بهدف عرقلة المواصلات والمشاريع الاقتصادية التركية في العراق.

والخلاصة أن الأزمة السورية بقدر ما خلقت إشكالا للسياسة الخارجية التركية، فإنها انعكست على الوضع الداخلي على مختلف الأصعدة. ومن ثم فإن مستقبل نجاح الحكومة التركية مرتبط بمدى قدرتها على كبح انعكاس الأحداث السورية على تطلعاتها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

*باحث في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية (أوساك) – أنقرة

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ