ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 15/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

دموع أنجلينا جولي

عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

14-9-2012

لم تعرض القنوات الفضائية سوى جزء يسير من الشريط المصور لزيارة الممثلة الأميركية الشهيرة أنجلينا جولي إلى مخيم اللاجئين السوريين في الزعتري، وكان ذلك كافياً لهذه القنوات المضغوطة دائماً بعنصر الوقت، ومُرضياً للمتلقين الراغبين في قطف مشهد من هنا وخبر من هناك، لأخذ العلم بمجريات الحالة السورية، وتكوين أشمل معرفة ممكنة عن تطورات الموقف يوماً بيوم، وأحياناً ساعة بساعة.

غير أن الأنباء التي تحدثت عن دموع سفيرة النوايا الحسنة للمفوضية العليا للاجئين، أثارت لدي الفضول، وحملتني على البحث في شبكة الإنترنت عن الشريط المصور لهذه الممثلة ذائعة الصيت، متسائلاً بيني وبين نفسي: هل اغرورقت تلك العينان الواسعتان حقاً بالدمع؟ وهل اكتسى ذلك الوجه الملائكي الوضيء بمسحة حزن تشف عن حس إنساني رهيف بالفعل؟ وهل ارتجفت شفتا أنجلينا المكتنزتان تأثراً بحالة اللاجئين المزرية؟

لم يكن الفضول المثخن بحب الاستطلاع وحده ما حملني على إغناء الذاكرة البصرية بمشاهد زيارة السيدة الآتية من هوليوود إلى مخيم الزعتري، بل كانت جملة من الأسئلة الجارحة والمفارقات الفارقة، ناهيك عن ثنائية الصورة النمطية لفنانة لم تدخل الأربعين من مشمشها بعد -بحسب محمود درويش- وقد بلغت المجد من طرفيه مالاً وشهرة، وبين رهط من الفنانات السوريات المعرضات عن إظهار أدنى تماثل، وبيان أقل قسط من التعاطف مع بنات وطنهن المثقل بالركام فوق الأشلاء والجراحات النازفة.

وبالفعل، فقد أشبعت ميلي الفطري إلى حب الاستطلاع، واستمتعت كثيراً بمشاهد الزيارة، خصوصاً صور استقبال الأطفال وتحلقهم حول السفيرة، وانفعالاتهم البريئة بهذا الاهتمام بهم من لدن نجمة تلألأت في سماء هوليوود وفي فضاء العذابات الإنسانية، وكأن أحدا أسرّ لهم سلفاً أن الضيفة التي طبقت شهرتها أربع جهات الأرض، سوف تحل بينهم، وتصغي لحكاياتهم، وتنقل بعضاً من آلامهم، وتساعد على التخفيف من عذابات هجرتهم القسرية.

ما إن انتهيت من مشاهدة مقاطع الفيديو المصورة عن هذه الزيارة، حتى عادت إلى الذهن تلك المفارقات والمقارنات بين أنجلينا جولي التي شرقت بدموعها في الزعتري، وغالبت نفسها بصعوبة وهي تتحدث عن مشاهداتها في المخيم الصحراوي، وبين نفر بين ظهرانينا يدعون إلى إقفال الحدود تارة، ويهولون من مخاطر استضافة المهجرين على البنية التحتية، ناهيك عن قول بعضهم إن هؤلاء الفارين بأرواحهم جاؤوا إلينا بحثا عن منافع اقتصادية، أو أنهم ظاهرة مفتعلة يتم توظيفها في سياق المؤامرة الكونية.

وما دام الشيء بالشيء يذكر، فإنه ينبغي القول إن أنجلينا جولي تبرعت بما مجموعه عشرون مليون دولار نقداً للاجئين الذين طافت على ملاذاتهم البائسة من باكستان إلى كينيا ودرافور وسيراليون، إلى لبنان والعراق وليبيا والصومال، إلى أن حطت مؤخراً في مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا ثم الأردن، ولم تعتب عليها سوى مخيمات اللاجئين في غزة والضفة الغربية. فكم نجماً عربياً أو ثرياً من أبناء جلدتنا عمل ما عملت أنجلينا، وقدم عشر أعشار ما قدمته هذه الممثلة المهمومة بضحايا الحروب والنزاعات الأهلية؟

في ختام جولتها على مخيم الزعتري، قالت أنجلينا جولي بتأثر باد على وجهها الإنساني النبيل: "أنا قلقة للغاية على مصير هؤلاء، والعالم قلق أيضاً. ما يكسر القلب هو عندما يسألك سوريون لاجئون عن السبب الذي تعتقد أنه وراء عدم تمكن أي أحد من التوصل إلى حل لمشكلته حتى الآن". ولو قدر لي أن أكون حاضراً في تلك اللحظة لقلت لها: إن تضارب مصالح الدول الكبرى، وتخاذل الإخوة الضعفاء، وروح الفرقة لدى الأشقاء الأعداء، وجنون الطاغية، تضافرت معاً لتصنع هذا المصير البائس لهؤلاء اللاجئين المضيعين على مذبح شهوة الدكتاتور للسلطة المطلقة.

==============

تركيا والنظام السوري: تبصّر الواقع أم استيهام الضلال؟

صبحي حديدي

2012-09-13

القدس العربي

يلتقي المرء، في باريس، معارضاً سورياً مخضرماً غادر سورية، سرّاً، قبل أسابيع قليلة ـ ويحدث، أيضاً، أنه أحد شيوخ 'ربيع دمشق، صيف 2001، و'إعلان دمشق'، خريف 2005 ـ فيُطرح السؤال التلقائي: هل يقيم المعارض في فرنسا، أم في القاهرة مثلاً' فيأتي الجواب، الذي صار شبه تلقائي، بدوره: في اسطنبول، أغلب الأوقات.

وقبل أن تصبح العاصمة المصرية مستقراً لعدد من مؤتمرات المعارضة السورية، كانت مدن تركية مثل أنطاليا واسطنبول وأنقرة، محجّ شرائح واسعة من المعارضين السوريين، على اختلاف صفاتهم التمثيلية وانتماءاتهم السياسية او التنظيمية؛ وما تزال الحال هكذا، جوهرياً، فلم يتبدّل المحجّ ولا الحجيج.

هذه، كما سبقت الإشارة في سياقات مماثلة، لم تكن مصادفة جغرافية محضة، تنهض على الجوار الحدودي الطويل بين سورية وتركيا؛ كما أنها لا يصحّ أن تُعزى إلى سبب وحيد هو مرونة القوانين الناظمة لحرّية التعبير في تركيا. وليس صحيحاً، كذلك، أنّ المنابر التركية (وهي، في نهاية المطاف، ليست حكومية أو رسمية البتة) لا تشرع أبوابها إلا للإسلاميين، كما تردّد مراراً؛ إذْ شهدت المؤتمرات واللقاءات ولجان العمل حضور سوريين من مشارب شتى، من أهل اليمين واليسار والوسط، المتديّن فيهم مثل العلماني، والماركسي مثل الليبرالي، فضلاً عن التنويعات الإثنية والدينية والمذهبية كافة. ولقد حدث مراراً أن بدت الحكومة التركية ـ وهي، وإنْ كانت إسلامية مستنيرة تكنوقراطية، تعتمد على جمهور انتخابي متديّن في الرأي، وفي السلوك أيضاً ـ أكثر ليبرالية من ديمقراطيات غربية علمانية عريقة، في فرنسا وبريطانيا وأمريكا.

هذا من حيث الشكل، الذي يعكس في واقع الأمر بعض علائم المحتوى أيضاً، في أنه أسبغ على تحركات المعارضة السورية صفة سياسية، وربما إيديولوجية، ليس من السهل التهرّب منها: أنّ الحاضنة الأولى لهذه المؤتمرات، بالمعنى القانوني والإجرائي على الأقلّ، لم تكن في عهدة شخصيات أو مؤسسات تابعة لـ'حزب العدالة والتنمية' التركي الحاكم؛ وأنّ تلك الحاضنة شكّلت، بدورها، ميداناً عملياً لرأب الصدع الظاهري بين موقف الحكومة التركية من الانتفاضة السورية، وموقف الحزب الحاكم. في عبارة أخرى، ما يجد المسؤول التركي حرجاً في التصريح به، لن يتردد المسؤول الحزبي التركي في الإعراب عنه علانية، من خلال رعاية هذا أو ذاك من لقاءات السوريين على الأرض التركية؛ فلا تقع الحكومة التركية في محذور قد يحمّلها أعباء دبلوماسية وسياسية في غير أوانها، ولا يفوت المسؤول الحزبي أن يشبع تطلّع جماهير الحزب إلى مواقف أكثر صلابة في تأييد الشعب السوري، الجار في الجغرافيا، والشريك في التاريخ، والأخ في الإسلام.

ليس غريباً، إذاً، ان تتعرّض القيادة التركية، ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان شخصياً، إلى هجمات إعلامية مركزة ومنهجية، بلغت مراراً شأو كيل اتهامات قدحية صدرت عن بشار الأسد شخصياً؛ أو بالأحرى ظلت تصدر عنه بصفة منتظمة، أقرب إلى الهوس باستهداف الرجل وليس الوزارة، والخلفيات المذهبية قبل السياسات الحكومية. مؤخراً، في تصريحات لصحيفة 'جمهورييت' التركية، قال الأسد إنّ أردوغان 'أبدى 'الكثير من الصراخ دفاعاً عن الفلسطينيين في عام 2008 عندما هاجمت إسرائيل غزة، ولكن قبلها بسنتين ونصف لم نسمع هذا الصراخ عندما هاجمت إسرائيل لبنان'، وهكذا 'أظهر خلفيته الطائفية، لأن الفرق [بين لبنان وغزّة] هو فقط الناحية الطائفية'؛ وكان مدهشاً أن يكشف الأسد قناعته بأنّ حرب إسرائيل لم تكن ضدّ لبنان بأسره، وهو بلد متعدد الأديان والطوائف، بل ضدّ الشيعة وحدهم، بدليل تقصير أردوغان (السنّي!) في نصرتهم. كما ذهب الأسد أبعد، حين اتهم أردوغان بالنفاق: 'اليوم يبكي من أجل الشعب السوري بكاء المنافقين'، ولكن 'لماذا لم يبكِ من أجل مَنْ يُقتلون في بعض دول الخليج وهم أبرياء وسلميّون ولا يحملون السلاح؟ لماذا لا يتحدث عن الديمقراطية في بعض بلدان الدول الخليجية؟'... مفترضاً أنه، أي الأسد، ظلّ طيلة سنوات رافع العقيرة دفاعاً عن قتلى الخليج، وحامل لواء الديمقراطية هناك!

وقبل أيام، في حواره مع قناة 'الدنيا' الموالية، انتقل الأسد من تأثيم شخص أردوغان، إلى تأثيم تركيا الدولة، وليس الحكومة الراهنة وحدها، فاعتبرها مسؤولة مباشرة عن إراقة دماء السوريين: 'موقف الدولة التركية معروف، وهي تتحمل مسؤولية مباشرة في الدماء التي نزفت وسُفكت في سورية'. كان لافتاً، مع ذلك، أن يعرّج الأسد على ما أسماه اضطراباً طويلاً ومتوتراً بين البلدين، لأنّ علاقات النظام بحكومة أردوغان ظلت وثيقة وطيبة واستثنائية، حتى بعد أسابيع أعقبت انطلاق الانتفاضة السورية: 'عندما بدأنا بتطوير العلاقة مع تركيا لم ننظر الى علاقة مع أشخاص أو حكومة عابرة، وإنما نظرنا إلى تاريخ علاقة متوترة مضطربة لنحو تسعة عقود تقريباً أردنا أن نمحوها، فهل نعود الى الوراء بسبب جهل بعض المسؤولين الأتراك؟'...

لعلّ العود أحمد، في ناظر الأسد، إذا راكم المزيد من الأوهام، والاستيهام، حول وقوف الشعب التركي معه، وليس مع حكومة أردوغان؛ الأمر الذي يبيح لأجهزته تصدير التأزم الطائفي إلى أنطاكيا (رغم الاختلافات الكبرى، الفقهية والثقافية والتاريخية، بين علويي تلك المنطقة، وعلويي الساحل السوري)؛ وتحريض جيوب تركية معارضة لـ'حزب العدالة والتنمية'، لكنها ضئيلة الحجم، محدودة الجمهور، وبين الأشدّ ابتذالاً من حيث خطاباتها السياسية. ولعلّ العود أقصر نظراً، أيضاً، عن سابق عمد وتصميم أغلب الظنّ، لأنّ الأسد تناسى أنّ سلسلة الاعتبارات التي حكمت العلاقة بين نظامه وتركيا المعاصرة، في عهد إدارة أردوغان بصفة خاصة، ترقى من الجانب التركي إلى مستوى المزايا الكبرى الجيو ـ سياسية والاقتصادية والإيديولوجية، على مستوى تركي محلّي، وآخر إقليمي وإسلامي، وثالث أوروبي وأطلسي.

كذلك تجاهل الأسد أنّ الحال تغيّرت، وكان لا بدّ لها أن تتغيّر، بعد انطلاق الانتفاضة السورية، ولجوء النظام الفوري إلى الحلّ الأمني وأعمال العنف الوحشية ضدّ المدنيين العزّل والتظاهرات السلمية، سيّما تلك التي وقعت في جسر الشغور والقرى المحاذية للحدود، وأجبرت آلاف السوريين على اللجوء إلى تركيا. وهكذا، كانت العلاقات التركية مع النظام السوري في أبهى أزمنتها، فأخذت تتدهور يوماً بعد آخر، وكلما حنث بشار الأسد بما قطعه من وعود لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان شخصياً. ولقد توجّب أن تنقلب اعتبارات الجوار من مزايا إلى تحدّيات، ومن مغانم إلى مخاطر؛ وان يرتطم تبصّر الواقع عند أردوغان، باستيهام الضلال عند الأسد.

فعلى الصعيد الجيو ـ سياسي، كان على تركيا أن تتخلى عن ركائز كبرى في فلسفة وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو، وهي الناظمة للسياسة الخارجية التركية منذ نجاح 'حزب العدالة والتنمية' في حيازة أغلبية برلمانية مريحة. بين تلك الركائز مبدأ تطوير علاقات متعددة المحاور مع القوقاز، والبلقان، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وجنوب شرق آسيا، والبحر الأسود، وكامل حوض المتوسط؛ وليس الاقتصار على علاقات أنقرة التقليدية مع أوروبا والولايات المتحدة، أو البقاء في أسر التلهف على عضوية الإتحاد الأوروبي.

ركيزة ثانية هي خيار 'الدرجة صفر في النزاع' مع الجوار، من منطلق أنه أياً كانت الخلافات بين الدول المتجاورة، فإنّ العلاقات يمكن تحسينها عن طريق تقوية الصلات الاقتصادية. وفي الماضي كانت تركيا تحاول ضمان أمنها القومي عن طريق استخدام 'القوّة الخشنة'، واليوم 'نعرف أنّ الدول التي تمارس النفوذ العابر لحدودها، عن طريق استخدام القوة الناعمة هي التي تفلح حقاً في حماية نفسها'، كما ساجل داود أوغلو في كتابه الشهير 'العمق الستراتيجي: موقع تركيا الدولي'. وتدهور العلاقات مع النظام السوري يعني، أيضاً، هذا المقدار أو ذاك من تدهور العلاقات مع إيران، ومع حكومة نوري المالكي في العراق، و'حزب الله' في لبنان...

كذلك، على الصعيد الاقتصادي، ظلّت تركيا حريصة على إدامة ميزان تجاري رابح تماماً بالنسبة إلى أنقرة، وخاسر على نحو فاضح من الجانب السوري، بلغ 2,5 مليار دولار في سنة 2010، بزيادة تقارب 43 بالمئة، وكان يُنتظر له أن يبلغ خمسة مليارات في السنتين القادمتين. الاستثمارات التركية في سورية بلغت أكثر من 260 مليون دولار، واحتلّت الشركات التركية المرتبة الأولى من حيث عدد المشاريع التابعة لجهات أجنبية. ولقد اتضح، طيلة أسابيع الانتفاضة، أنّ كبار التجار الأتراك تكاتفوا مع كبار التجّار السوريين، في حلب ودمشق بصفة خاصة، لإبقاء العاملين في مؤسساتهم بمنأى عن الحراك الشعبي، حتى إذا كلّفهم ذلك سداد تعويضات إضافية ومغريات مادية مجزية.

وفي المستوى الإيديولوجي، لم يكن 'حزب العدالة والتنمية' يملك الكثير من هوامش المناورة في ضبط مشاعر جماهيره وناخبيه، وغالبيتهم الساحقة من المسلمين السنّة، إزاء ما يرتكبه النظام السوري من مجازر وأعمال وحشية، وخاصة في مواقع ذات قيمة عاطفية ورمزية عالية مثل مدينة حماة، فضلاً عن دمشق التي تظلّ 'الشام الشريفة' في ناظر الجمهور التركي العريض. وكيف كان للفريق التركي الحاكم أن يسكت عن جرائم النظام السوري، فيضحّي بما اكتسبته تركيا من شعبية واسعة في الضمير العربي العريض، بسبب الموقف من العدوان الإسرائيلي على غزّة، وانسحاب أردوغان من سجال مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس في ملتقى دافوس، ومأثرة 'أسطول الحرية'، وسواها؟

ويبقى الجانب الذي يخصّ المقارنة بين نظامين في الحكم، لا مناص للجارة تركيا من أن تشكّل مثالاً نقيضاً، وبالتالي قدوة حسنة، لمواطن سوري عانى طيلة ثلاثة عقود من نظام الاستبداد والفساد الذي ترأسه حافظ الأسد، ويعيش منذ 12 سنة ونيف في ظلّ النظام ذاته بعد أن ازداد سوءاً وصار وراثياً وأقرب إلى حكم العصابات والشبيحة. وفي الحساب الأخير، ألا تقوم الديمقراطية التركية على انتخابات حرّة، وتداول سلمي للسلطة، وحرّيات مدنية أساسية؛ كما أنها، وهنا الأخطر ربما، ديمقراطية لا يغيب عنها العسكر والجنرالات، وهي إسلامية المنشأ، آسيوية شرق ـ أوسطية؛ واقتصادها مزدهر متطّور، ينتقل من نجاح إلى نجاح؟

والحال أنّ 'المعادلة السورية'، كما يقول البروفيسور إحسان بال، مدير مركز الدراسات الأمنية التركي، 'تظهر كم هو خاطىء أن يصدر المرء حكماً، وهو يستند على أنصاف الحقائق'. فكيف إذا اتكأ، كلياً أو يكاد، على استيهام الضلال!

==============

محنة حلب بين الراهن والتاريخ

كرم الحلو *

الجمعة ١٤ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

العارف بتاريخ حلب وعراقتها ومكانتها المركزية في النهضة والثقافة العربيتين يتملكه الحزن والأسى إزاء محنتها الراهنة، فهذه المدينة التاريخية المحاصرة اليوم بالعنف والنار والدم، امتازت منذ القرن السادس عشر بمركزها التجاري كمنطقة مهمة في طريق المواصلات إلى أوروبا وكمحطة كبرى للطرق الداخلية بحيث اعتبرت مركزاً مهماً للتجارة الدولية في الإمبراطورية العثمانية وملتقى للمبادلات العالمية بين قارتي أوروبا وآسيا. بيوتها كما وصفها ألفرد مارتينو في القرن التاسع عشر «مبنية من قطع ضخمة من الحجر، مريحة ومزينة بزخارف جميلة من الداخل». وقد توطنت الجاليات الإيطالية والفرنسية في حلب، فاشتروا البيوت والبساتين وتعاطوا التجارة وتوطدت علاقاتهم الاجتماعية والثقافية مع المسيحيين الحلبيين، الأمر الذي مهّد لتوجه فكري ليبرالي عرفته هذه المدينة في مرحلة مبكرة من تاريخنا.

وثمة اتفاق بين المصادر التاريخية على أن النهضة التي عمت بلاد الشام في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان بدؤها في حلب في القرن الثامن عشر، ففي أوائل هذا القرن كما يقول ألبرت حوراني تعمق عدد من المسيحيين في علوم اللغة العربية، على يد الفئة الوحيدة التي كانت تملك ناصيتها يومذاك، أي مشايخ الدين الإسلامي، ومن هؤلاء امتدت شعلة الأدب العربي إلى لبنان وفي ذلك يقول مارون عبود: «عن حلب الشهباء أخذ لبنان لغة الضاد».

وفي حلب انبرى المطران جرمانوس فرحات 1670 – 1732 للتأليف في الصرف والنحو وكان له الفضل في ترسيخ العربية، في عصر غلبت فيه العجمة على العربية، ولهذا الأسقف فضل أكبر وأهم إذ صحح الترجمة العربية للمزامير والأناجيل. وفي حلب أنشئت أول مطبعة عربية عام 1702، ومنها قدم إلى لبنان عبدالله الزاخر، أبو الحرف المطبعي العربي كما يسميه مارون عبود، فأنجز مطبعته في الشوير عام 1733. ومنها انطلق رزق الله حسون لينشئ في الآستانة أول صحيفة عربية عام 1855، وصفه فيليب طرازي بإمام النهضة الصحافية بلا مراء وقد نادى بالحرية ودان الاستبداد في كتاباته من دون هوادة. وفي حلب ألّف فرنسيس المراش عام 1861 «دليل الحرية الإنسانية»، وعام 1865 روايته «غابة الحق» فكان أول من أعاد إنتاج فكر روسو في العقد الاجتماعي في الفكر العربي الحديث، وأول من نادى بأبطال الرق على أساس الحق الطبيعي، وأول من أقر بحقوق الفئة البائسة في المجتمع وفي السياسة، وبالمساواة السياسية بين المواطنين من دون تمييز أو تفريق. وكان من الرواد العرب الأوائل الذين نادوا بمرجعية العقل وحقه في التعليل والتأويل، كما كان في مقدمة النهضويين بإقراره بحقوق المرأة في الكرامة والتعلم واختيار الزوج، وفي طليعة المنادين في الفكر العربي بحرية الرأي والاعتقاد، ومن أوائل دعاة التجدد في الأدب واللغة، وأول من تلقّف آراء داروين في الفكر العربي، وأول من انتقد بشدة الوجه المتوحش للحضارة الغربية، ما يضعه في طليعة المؤسسين لحقوق الإنسان الطبيعية في الفكر العربي قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأكثر من ثلاثة أرباع القرن.

ومن حلب انطلق إلى فرنسا عبدالله مراش، المثقف الموسوعي والأديب البليغ الذي وصفه إبراهيم اليازجي بـ «كوكب المشرق الطالع في سماء المغرب» لبلاغة أسلوبه وجرأته النقدية وثقافته الشاملة والنادرة. وفي حلب أسست مريانا مراش أول صالون أدبي في العالم العربي وكانت أول امرأة عربية تنشر أفكارها في الصحافة العربية، وقد ألفت ديوان شعر عام 1893. في حلب كتب جبرائيل دلال قصيدة «العرش والهيكل» التي ضمنها خلاصة الأفكار الليبرالية في عصره، ونقداً لاذعاً للملوك والحكام ورجال الدين المستبدين وكانت هذه القصيدة السبب في سجنه وإعدامه ليغدو في طليعة شهداء الفكر العرب في العصر الحديث.

وفي حلب أمضى الإمام عبدالرحمن الكواكبي حياته مقارعاً الاستبداد مدافعاً عن المظلومين والمضطهدين، ومنها فر إلى القاهرة حيث طبع كتابه «ضبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» أول نقد منهجي جذري في الفكر العربي للاستبداد وآثاره الوخيمة على السياسة والتربية والأخلاق، وقد كان هذا الكتاب السبب في استشهاده مسموماً عام 1902.

كل هذه الإنجازات الكبرى عضدتها بيئة اجتماعية مؤاتية بعيدة من الأحقاد الطائفية، ففي حين زلزلت الفتن جبل لبنان ودمشق عام 1860 ظلت حلب في منأى عن الويلات التي لحقت باللبنانيين والدمشقيين، وعاش أهلها في مودة وسلام، ولم تكن بعض الأحداث المحدودة التي ضربتها في خمسينات القرن التاسع عشر ذات خلفية طائفية. ولهذا قال فيها فرنسيس المراش:

«رعياً لكم يا ساكني حلب فما زلت بكم قدم ولا خنتم قسم

والجار ملتزم بإخلاص الوفا للجار في البلوى فبينهما ذمم».

حلب التي تتكئ على كل هذا التاريخ من الإنجازات والتي كانت مهد الفكر الليبرالي ومنطلق النهضة الأدبية واللغوية وحاملة راية التقدم والحرية في تاريخنا الحديث، هل قدِّر لها أن تنتهي إلى كل هذه المعاناة وكل هذا الشؤم؟ هل كان في تصور رواد الحرية الحلبيين العظام أن تؤول حال مدينتهم إلى ما آلت إليه بعد أكثر من قرن على طرحهم أفكارهم الليبرالية التنويرية؟

لعل في استعادة قول فرنسيس المراش الحلبي: «ما كان ليل قط إلا له صبح فما قد كان سوف يكون» ما يهدئ روعنا فيما نحن نتأمل في حال حلب هذه الأيام.

==============

الإبراهيمي وموسكو والأسد

وليد شقير

الحياة

الجمعة ١٤ سبتمبر ٢٠١٢

لا يُحسد المبعوث الدولي - العربي الى سورية الأخضر الإبراهيمي على مهمته، وهو أعطى ما يكفي من المؤشرات الى اقتناعه بذلك حين قال إن مهمته شبه مستحيلة.

لكن الديبلوماسي العريق والصبور الذي سبق أن حقق انجازات في غير مهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، يواجه تحدياً شخصياً هذه المرة، يفوق التحديات التي جابهته في مهماته السابقة. وهي تحديات لا تبدأ عند إقناع بعض أصدقائه الذين نصحوه بعدم قبول تعيينه ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة في سورية، والذي عاد فوافق عليه بعد دراسته، ولا ينتهي عند أصدقائه الذين يراهنون على أن يتبع توليه المهمة تغيير في الواقع السوري على الأرض، يفضي الى تعديل في مواقف الدول المعنية بالصراع على سورية، وبالتالي الى الانتقال من مرحلة الجمود الى الحلول.

وهو أمام تحدي أن ينهي حياته الديبلوماسية كرجل ناجح، في عمره المتقدم الذي أكسبه خبرة هائلة، بإنجاز آخر، لا بإخفاق كالذي حصده سلفه كوفي أنان الذي في سجله إخفاقات في بعض المهمات التي تولاها.

وإذا كانت خطوة الإبراهيمي الأولى تبدأ اليوم بلقائه الرئيس السوري بشار الأسد فإن التحديات الأخرى التي سيجابهها، بالمضمون لا بالشكل هذه المرة، تبدأ بقدرته على التكيّف مع أسلوب نادر في العمل السياسي. فالإبراهيمي يعرف الرئيس الأسد الأب الذي يتقن ممارسة أسلوب القول نعم في معرض القول لا، بكفاءة ليترك محدثه يستنتج المراد، إذا كان يريد التملص من إجابة قاطعة، والذي كان يدرك أهمية الإجابة الواضحة الجازمة إذا كانت الظروف تقتضيها، فيلتزم بها أشد التزام، لكن الإبراهيمي لا يعرف جيداً الأسد الابن الذي يعطي جواباً قاطعاً، ثم يعطي تعليمات بممارسة عكسه، فور انتهاء لقائه بمحدثه... هذا إذا لم تكن التعليمات صدرت قبل ذلك.

وهو قد يكون علم من وقائع مهمة سلفه أن الرئيس السوري يعيش عالماً افتراضياً خاصاً به، ويعتبر أن الوقائع التي يعرفها محدثه ناجمة عن واقع افتراضي بعيد عن الواقع. إلا أن الإبراهيمي سيلمس هذا الأمر في شكل مباشر.

يدخل الإبراهيمي باب الأزمة السورية متحرراً من الأطر والوثائق السابقة من خطة النقاط الست الى قرارات الجامعة العربية، وخطة مؤتمر جنيف، وقرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، على أنها أوراق مفيدة يمكن البناء عليها وليس بالضرورة اعتمادها كأسس للحلول، طالما أنها لم تسمح لأنان بأن يحقق تقدماً في معالجة الأزمة ما أدى الى انسحابه.

وإذا كان الإبراهيمي يتحرر من خطة «مجموعة العمل من أجل سورية» فلسببين:

الأول، أن مبادئ جنيف صريحة في تحديدها خطوات الانتقال السياسي بدءاً من تشكيل حكومة انتقالية «بكامل الصلاحيات تضم عناصر من الحكومة الحالية ومن المعارضة»، لكنها لقيت فهماً متعارضاً بين دول الغرب التي رأت أنها لا تضم الأسد وأعوانه بل قيادات من النظام وحزب البعث وبين روسيا (والصين) التي رأت أن الحكومة الانتقالية تضم الأسد، وتعني الحل بوجوده لا بغيابه، حتى لو كان هذا الحل سيؤدي في نهاية المطاف الى رحيله.

الثاني: إن الآلية التي تعتمدها خطة جنيف لوقف العنف تستند الى عمل المراقبين الدوليين الذين صدر قرار في مجلس الأمن بإنهاء مهمتهم، إزاء عجزهم عن وقف المجازر والهجمات الانتقامية والفظائع التي يرتكبها النظام.

في ظل موازين القوى الحالية حيث يعجز النظام عن سحق المعارضة، والأخيرة قاصرة عن إسقاط الأسد وهزيمة جيشه، لا تغيير في المعادلة، التي يدخل الإبراهيمي عليها مع إبقائه اللعبة مفتوحة الى أن يشكل تصوره للخطوات المقبلة، فإن المقدمات لا تشير الى إمكان إحداث اختراقات. فالموقف الفعلي لأركان النظام، حتى لو أبدت رموزه استعداها لإعادة إحياء خطة جنيف، هو أن يبدأ الإبراهيمي من نقطة الصفر ويلغي كل ما سبق ويعيد تشكيل الفريق الدولي – العربي الذي يعاونه. أما الجديد الروسي، فهو قديم أكثر مما يمكن لأي متابع أن يعتقد. وفضلاً عن أن موسكو تريد إحياء خطة جنيف عبر قرار لمجلس الأمن يتبناها، مع ما يعنيه ذلك من عودة الى المربع الأول (كيف سيطبق الشق المتعلق بوقف العنف الضروري لولوج الانتقال السياسي، طالما أن مهمة المراقبين انتهت؟) فإن الأهم أن موسكو تقترح أن تطرح على المعارضة 5 أو 6 أسماء لرئاسة الحكومة الانتقالية، فتختار واحداً منها يشكل الحكومة بالاتفاق مع مواصلة الرئيس الأسد ولايته حتى نهايتها.

وطالما أن موسكو متمسكة بموقفها السابق، لا يبدو أن هناك ما يسهل حصول توافق دولي ينشده الإبراهيمي للنجاح...

==============

إرهاصات الثورة و«خزعبلة» كيماويات بشار

وفيق السامرائي

الشرق الاوسط

14-9-2012

الغريب أن أحدا لم يتطرق قبل الثورة - إلا في حالات نادرة وعابرة - إلى وجود أسلحة كيماوية وبيولوجية في سوريا. وفجأة بدأت التصريحات تتصاعد، خصوصا ما جاء على لسان أرفع المسؤولين في أميركا وفرنسا. وفي مرحلة الإعداد لحرب 2003، نشرت تقارير تشير إلى أن العراق قام بنقل مثل هذه الأسلحة إلى سوريا، وهي تقارير كانت بعيدة عن الواقعية، على الأقل لأن صدام لم يكن يثق في القيادة السورية، ومر بتجربة مريرة عندما قرر إرسال نحو 140 طائرة إلى إيران.

وبسذاجة اليائس، اعترفت السلطة في دمشق على لسان وزارة الخارجية، بحيازتها هذه الأسلحة. وقالت إنها لن تستخدم إلا ضد هجوم خارجي، وهو تهديد ينم عن خوف من احتمالات التدخل الخارجي لوقف المذابح التي يتعرض لها السوريون. وأكدت السلطة - ومعها الروس - التزاما بعدم الاستخدام الداخلي، وعلى وجودها في أيد أمينة، تمشيا مع القلق الأميركي من وقوعها في أيد غير أمينة، وكأن الأيدي التي تقتل الأطفال وتدمر المدن وتغتصب الناس أمينة! ببساطة، إن مواقع الصواريخ والقنابل والحاويات الكيماوية والبيولوجية أصبحت معلومة بفضل تقارير المنشقين، ومن الطبيعي أن تكون تحت رصد الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع ومجموعات الاستطلاع العميق، وعناصر المراقبة المحيطة. فضلا عن المعلومات التي ترد من داخل تلك المواقع. وأصبحت السيطرة عليها ممكنة في حالات الطوارئ القصوى. وعلى الدول المهتمة في هذا المجال الاستفادة من قوى المعارضة العسكرية، وتشكيل وحدات مختصة منها، للحركة السريعة لضبط المواقع فور وقوع الانهيار العام، ولا بأس أن يكون هذا بتنسيق مع قوات خاصة أممية. وتدرك السلطة الغاشمة أن أي استخدام سيؤدي إلى رد فعل فوري شامل، ولن تحقق ضربة متهورة كهذه ما تحقق في مجازر تعرض لها الأبرياء. كما أنه من غير المرجح نقل أسلحة من هذا النوع إلى جنوب لبنان، لأن أي استخدام لها ستتحمل تبعاته سلطة دمشق مباشرة. لذلك، يرجح بقاء المستودعات ضمن حدود ما هي عليه الآن.

وإذا كانت إرهاصات الثورة تقدم ذريعة لـ«تقطير» المساعدات المطلوبة للدفاع الفعال، وتأخير عملية الحسم النهائي، بحجج التخوف من عدم ضبط أسلحة الدمار، فإن من واجب أصدقاء سوريا العمل على تجاوز الإرهاصات، وإيجاد الحلول لها، ومنها التراشق الكلامي بين عدد من الضباط المنشقين البارزين، لا سيما أنهم موجودون في مواقع تحت نفوذ الأصدقاء.

فالمهم الآن هو تطوير استراتيجية الكفاح الشعبي وتحويلها من سياقات ومناهج وممارسات محلية آنية وعفوية، إلى خطط مركزية، وتشكيل نواة لجهاز أمن وطني من الآن، يتولى جمع وتدقيق وتفسير المعلومات، لتسهيل عمليات الدفاع الشعبي في المرحلة الحالية، والمساعدة في تأمين عملية الانتقال من الانفلات إلى السيطرة.

وفضلا عن جهاز الأمن الوطني، يفترض البدء الفوري بتشكيل هيئة أركان مشتركة للقوات المسلحة الثورية، لتشغل هياكل الأركان العامة للدولة فور التغيير، والتي لم يعد معظم الأشخاص العاملين فيها صالحين للمرحلة المقبلة. وهو ما سيغطي كل الاستحقاقات الفردية لمعظم الثوار من المنشقين العسكريين وبعض رجال الثورة المدنيين، الذين يلعبون دورا مميزا حاليا. فالمدنيون من المقاتلين يمكن تكليفهم بمهمات في الأمن الوطني، بالاستفادة من خبرات المنشقين، أو من مبادئ عامة وخبرات عربية ودولية صديقة. ومن هم موجودون من منشقين من الضباط وضباط الركن في مجالات الأمن والمخابرات والجيش، يمكن أن يغطوا متطلبات هذه الهيئات المهمة جدا، وبكفاءة عالية، خلال فترة وجيزة. فالصراع الآن ميداني ونفسي على كل الجبهات، ولا يجوز حرمان تشكيلات الثورة من مؤسسات حساسة تساعد في بلورة استراتيجية فعالة. ولمجابهة الحرب النفسية التي تشنها السلطة وعملاؤها، يفضل العمل على تشكيل مؤسسة للحرب النفسية، تتولى السيطرة قدر الإمكان على ما يصدر من بيانات وتوضيحات ومواقف.

وعلى سبيل المثال، إذا كان ذكر التضحيات البشرية للمدنيين ضروريا للغاية، فالضرورة تقتضي حجب أرقام التضحيات البشرية في صفوف الثوار؛ لأن الأرقام العالية تشجع الطرف المقابل على العناد، وربما تتسبب في إضعاف المعنويات. وفي الحروب، نادرا ما تعطى أرقام صحيحة للخسائر في صفوف المقاتلين.

من المؤكد أن الثوار حققوا طفرات مذهلة في بناء قواتهم. ويفترض عدم التوقف عند «خزعبلة» جراثيم وكيماويات بشار، فإنها ستقع تحت سيطرة سلطة الشعب.

==============

سوريا وأعذار أوباما الخمسة لعدم التحرك

أمير الطاهري

الشرق الاوسط

14-9-2012

في الوقت الذي يستمر فيه بشار الأسد في حصد أرواح السوريين بمعدل 100 شخص في اليوم الواحد، يبدو أن تردد وانحرافات ومماطلات إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في هذا الموضوع تصبح أكثر سخرية على نحو متزايد.

يحاول أوباما ومناصروه شرح، بل وتبرير، سبب إخفاقه في وضع سياسة تتمتع بالمصداقية حول سوريا عن طريق ذكر عدد من «المشاكل» التي تبدو ظاهريا خارج نطاق سيطرة الرئيس الأميركي.

تتمثل أولى هذه «المشاكل»، كما يزعمون، في أن المعارضة السورية مقسمة.

هل هذا الأمر حقيقي؟ أنا لا أعتقد ذلك.

يجب أن لا نخلط بين الوحدة والإجماع، فمما لا شك فيه أن ملايين الأشخاص الذين يخاطرون بحياتهم من أجل محاربة هذا الطاغية المتعطش للدماء لا يفكرون جميعا بنفس الطريقة حول كافة الموضوعات، كما أنهم أيضا ليسوا جميعا أعضاء في حزب واحد.

ففي مجتمع يئن تحت وطأة حكم حزب واحد منذ ستة عقود، لا يكون التوحد الظاهري في كثير من الأحيان إلا مجرد واجهة، وبمجرد انهيار تلك الواجهة، سوف يظهر أن المجتمع مقسم إلى عدد لا نهائي من الأقسام. ففي أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، ظهر ما لا يقل عن 120 حزبا سياسيا من مختلف الاتجاهات من تحت أنقاض الشيوعية. وفي العراق، ظهر ما يزيد عن 200 حزب سياسي في مرحلة ما بعد صدام حسين.

وعلى أي حال، فإن ما يتمناه المرء لسوريا هو نظام تعددي يكون للناس فيه القدرة على التفكير والاعتقاد والتصرف بشكل مختلف في إطار حر ومقبول في ظل حكم القانون، فسوريا عبارة عن خليط كبير من المجتمعات العرقية والدينية التي ينبغي أن يكون لها صوت سواء في المعارضة أو في سوريا المستقبل.

وبعد أن ذكرنا كل هذه الأمور، فالآن أصبحنا ندرك أن المعارضة السورية متحدة بشأن القضايا الرئيسية. ففي صوت واحد، تطالب كافة الأحزاب والجماعات المشاركة في الثورة السورية بتنحي بشار الأسد عن الحكم، مما يمهد الطريق لتشكيل حكومة انتقالية في البلاد، فضلا عن أن الجميع يصرون على ضرورة استبدال نظام الأسد بنظام آخر تعددي، يتم فيه اختيار الحكومات عن طريق انتخابات حرة ونزيهة.

وفي سياق أكثر رسمية، قامت المعارضة السورية بإنشاء أجهزة موحدة من خلال «الجيش الوطني السوري» و«المجلس الوطني السوري»، والذي تم الاعتراف به رسميا من قبل 30 دولة على أنه الممثل الشرعي للشعب السوري.

لذا، بات واضحا الآن أن الادعاء القائل بأن الولايات المتحدة لا ينبغي عليها القيام بأي شيء لوقف حمام الدم في سوريا بسبب انقسام المعارضة السورية غير صحيح بشكل كبير.

أما «المشكلة» الثانية التي ذكرها أوباما فكانت أن السوريين لم ينجحوا حتى الآن في إقامة «مناطق محررة»، كما كان الحال في ليبيا خلال الثورة التي أطاحت بطاغية عربي آخر. يقول المتحدث الرسمي باسم أوباما: «أين بنغازي السورية».

تعد مقارنة الأوضاع السورية بالليبية غير صحيحة على الإطلاق، فليبيا دولة شاسعة المساحة وسكانها يعيشون في مناطق متفرقة، ومن دون الغطاء الجوي الذي وفره حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، كان من غير المرجح أن تستمر مدينة بنغازي في صمودها أمام القوات الجوية والفرق المدرعة التابعة للعقيد معمر القذافي.

ورغم كل ذلك، تمكنت القوات المناهضة للأسد من إقامة «مناطق محررة» بالفعل في خمسة أقاليم على الأقل. تعتبر هذه الجيوب من الأراضي موطنا لنحو خمسة ملايين مواطن سوري، فضلا عن 250 ألف سوري فروا إلى الدول المجاورة. ربما يكون الأمر الأكثر أهمية من ذلك هو تمكن قوات المعارضة السورية من إقامة «مدن مصغرة كثيرة على شاكلة بنغازي» في قلب العاصمة السورية دمشق وفي مدينة حلب، أكبر المدن السورية من حيث عدد السكان.

تتمثل «المشكلة» الثالثة، التي سردها المدافعون عن أوباما في عدم قدرة الولايات المتحدة على التحرك في هذه القضية، في وجود الفيتو الروسي في مجلس الأمن الدولي.

ولكي نكون منصفين، ينبغي أخذ وجهات النظر الروسية في هذه القضية وغيرها من القضايا الدولية ذات الصلة على محمل الجد، ولكن لا ينبغي علينا أن ننسى أن موضوع الفيتو يخص مجلس الأمن فحسب، ولا يجب أن يحول دون تنفيذ مجموعة من التدابير التي وافقت عليها الجمعية العامة والأمين العام ومختلف الهيئات التابعة للأمم المتحدة. تقول وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، التي يجب أن يعترف المرء بأنها أكثر جدية إزاء المأساة الدائرة في سوريا، إن الولايات المتحدة ستواصل السعي للحصول على الدعم الروسي من خلال مجلس الأمن. أكدت كلينتون في الأسبوع الماضي أنه في حال استمرار الخلاف مع روسيا، سوف تقوم الولايات المتحدة بدعم المعارضة السورية، وهو ما يعني من الناحية العملية أن الفيتو الروسي أمر مهم خارج مجلس الأمن أيضا، فضلا عن أنه يغطي جوانب السياسة الخارجية الأميركية.

أما «المشكلة» الرابعة التي زعمها المدافعون عن أوباما فهي أن حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين والإقليميين لم يقوموا بما يتوجب عليهم القيام به بعد. يقول أوباما إنه يريد «القيادة من الخلف»، أيا كان معنى هذه العبارة، ويصر على ضرورة أن تلعب الولايات المتحدة دورا داعما في الخطط التي يقوم الحلفاء بوضعها وتنفيذها.

وإذا ما نحينا جانبا الهراء الخاص بمقولة «القيادة من الخلف»، فإن ادعاء أن الحلفاء الأوروبيين والإقليميين كانوا يغطون في سبات عميق هو غير صحيح على الإطلاق. فقد غامرت تركيا كثيرا بدعم الثورة السورية، وهي الآن تدفع الثمن غاليا، بعد أن أصبحت هدفا للهجمات الإرهابية التي ترعاها طهران ودمشق، بينما قامت المملكة العربية السعودية وقطر وغيرهما من البلدان الخليجية باستضافة قوات المعارضة السورية وتقديم الدعم المادي لها. وبالنسبة للأردن والعراق ولبنان فعليهم التعامل مع الأعداد المتزايدة من اللاجئين السوريين في بلدانهم. أما الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي، فقد صدع بصوت الثورة السورية في قلب العاصمة الإيرانية طهران خلال قمة دول عدم الانحياز التي عقدت في أواخر الشهر الماضي. ومن جانبهم، كان لدول الاتحاد الأوروبي، وبخاصة فرنسا وبريطانيا العظمى، دور السبق في هذا الأمر عن طريق فرض عقوبات قوية ضد نظام الأسد ودعم الثورة السورية بمجموعة واسعة من التدابير.

وأخيرا، يقول المدافعون عن أوباما إن «المشكلة» الأخرى تكمن في الخوف من أن يؤدي سقوط الأسد إلى صعود «الإسلاميين المتشددين».

ظلت هذه الكذبة القديمة تستخدم على مدار عقود طويلة، فقد استخدمها كثير من الطغاة العرب في تبرير تشبثهم لفترات طويلة في السلطة. وحتى القذافي كان يقوم بتسويق نفسه في الغرب على أنه «الحاجز الذي يحول دون وصول الإسلاميين للسلطة». يزعم بعض «الخبراء» الغربيين أن العرب لا ينبغي أن يحصلوا على الحرية، لأنهم إذا حصلوا عليها سيقومون مباشرة باختيار «المجاهدين» الإسلاميين وإعلان الجهاد على العالم الخارجي.

الحقيقة أنه أينما يكون لدينا انتخابات تعددية نظيفة بصورة معقولة في العالم الإسلامي، من إندونيسيا إلى المغرب، فإن البعبع الإسلامي الذي أطلقه «الخبراء» الغربيون قد أثبت فشله في اجتذاب أكثر من ربع عدد الناخبين. وعلى أي حال، ينبغي ترك السوريين ليختاروا بأنفسهم الأشخاص الذين يريدون، وليس من يفضله الأجانب.

ومع قيام روسيا بالدور المحوري في التحالف الرامي لإنقاذ الأسد، حتى وإن كان ذلك على حساب قتل أعداد كبيرة من السوريين، تحتاج واشنطن إلى المضي قدما للأمام لتكون بمثابة الثقل الموازي لموسكو. يوجد هناك بالفعل تحالف من الأطراف الراغبة في حماية سوريا من طاغية مختل عقليا، ولكنه لا يزال في حاجة إلى من يقوده. وسواء شئنا أم أبينا، لا تزال الولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على لعب هذا الدور، وأوباما ليس لديه أي أعذار في التنصل من هذه المسؤولية.

==============

مرحلة جديدة في الحرب على الشعب السوري

رضوان السيد

الشرق الاوسط

14-9-2012

جرت في القاهرة يوما الاثنين والثلاثاء اجتماعات من نوعين: اجتماعات الأخضر الإبراهيمي المبعوث الجديد للأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية بالرئيس المصري، والأمين العام للجامعة العربية، ومعارضين سوريين - والاجتماع الأول للجنة الاتصال الرباعية التي اقترحها الرئيس المصري للبحث عن حل للأزمة السورية وتضم إيران والسعودية ومصر وتركيا. وكان الأخضر الإبراهيمي قد صرح مرارا قبل مجيئه إلى القاهرة بأن معالجة الأزمة بسوريا صعبة جدا بل تكاد تكون مستحيلة. وإنه لن يسلك مسلك كوفي أنان الذي أدى إلى الفشل. لكنه قال أيضا إنه سيذهب إلى إيران بعد زيارته للرئيس بشار الأسد في سوريا. وقال آخرون إنه قد يذهب بعد سوريا وإيران إلى روسيا وربما إلى الصين وغيرها، من يدري؟! وربما كان الإبراهيمي لا يزال يفكر في اجتراح الحل المبدع للخروج من تلك الأزمة الطاحنة. لكن ذهابه إلى إيران بعد سوريا وربما إلى غيرها، يشير إلى أنه سيمضي بالفعل في السبيل التي مضى فيها عنان وأدت بالفعل أيضا إلى الفشل. وصحيح أنه قال في إحدى المناسبات إنه لن يعمل شيئا إلا فيه مصلحة الشعب السوري، لكنه يعرف أن الدولتين اللتين تشاركان في حفظ تماسك النظام السوري بإمداده بالمال والسلاح والرجال هما إيران وروسيا. وهو يعرف أيضا أنهما لن تغيرا موقفهما مهما حصل. ولو أرادتا شيئا من ذلك لما دفعتا إيران أخيرا بالألوف من الرجال والأسلحة والمعدات إلى سوريا، ومن إيران نفسها ومن العراق ولبنان. ولو أرادتا شيئا من ذلك لما صرح وزير الخارجية الروسي قبل أسبوع بأن النظام السوري لن يوقف إطلاق النار أولا، ثم صرح قبل يومين بأن الرئيس الأسد ونظامه قويان وثابتان، وهو مستعد للتنحي إذا اختار الشعب السوري قائدا غيره في انتخابات حرة بعد نهاية مدته!

ولذا فالذي أرجحه - وأرجو أن أكون مخطئا - أن الإبراهيمي سائر على نفس طريق أنان وطريقته لأربعة أسباب، أولها أنه لا يعمل بذهنية الثورة الجزائرية التي شارك فيها في شبابه، بل بذهنية النظام العسكري الجزائري الذي عمل وزيرا لخارجيته إبان اندلاع الحرب الأهلية بالجزائر في مطلع التسعينات من القرن الماضي. وثانيها أنه يتعامل مع النزاع في سوريا ليس باعتباره نزاعا بين النظام وشعبه، بل باعتباره نزاعا إقليميا ودوليا ين روسيا والولايات المتحدة، وبين إيران والسعودية؛ وهكذا فهو وسيط دولي، وليس شريكا عربيا في حفظ دماء الشعب السوري وثورته. وثالثها أنه ما دخل في وعيه بعد أن الربيع العربي هو عصر جديد في حياة الأمة وشعوبها، بل الحل هو ما ذكرته روسيا في إحدى إبداعاتها الأخيرة من ضرورة توليف طائف جديد مثلما حصل في لبنان في مطلع التسعينات، مع أنه لا مشابهة على الإطلاق بين الحالتين. ورابعها أنه ذهاب كوفي أنان إلى طهران وموسكو وبكين - في معلومات قبل شهرين - إنما كان بعد تشاور عميق مع السيد الإبراهيمي وآخرين من العرب ذوي الخبرة بالمرحلة العربية السابقة!

وعلى أي حال؛ فإن الإبراهيمي دبلوماسي ومبعوث دولي، وهو لا يستطيع التأثير في قرارات الدول. ولذا فالخيبة الأكبر في اعتقادي - وأرجو أن أكون، مرة أخرى، مخطئا - إنما هو من موقف الرئيس محمد مرسي. فهو الذي أبدع فكرة لجنة الاتصال وأدخل فيها تركيا وإيران إلى جانب مصر والسعودية (!). لقد انتظرنا طويلا مصر ودورها وموقعها الاستراتيجي. ذلك أن غياب مصر منذ أواخر السبعينات، هو الذي جرأ علينا إسرائيل، ثم جرأ علينا إيران التي تدخلت بالعسكر وبالأمن وبالحركات الإسلامية (والجهادية)، ليس في مجتمعاتنا ودولنا بالمشرق العربي وبالخليج وحسب؛ بل وفي مصر نفسها. فاستيلاء حماس على غزة عام 2007 ما كان من أجل مقاتلة إسرائيل، بل من أجل محاصرة مصر.

وها هو الرئيس مرسي يدخل إيران معطيا لها «الشرعية» التي ما حصلت عليها في غياب مصر على الرغم من قسوة الظروف على الأمة على مدى العشرين عاما الماضية، وهي تشارك - أكثر من روسيا - منذ 18 شهرا في قتل الشعب السوري، زاعمة أنها إنما تدعم الأسد المقاوم في وجه المؤامرة الأميركية - الصهيونية! وقد تفاءلنا خيرا بكلام الرئيس المصري في مؤتمر عدم الانحياز بطهران، وكلامه الآخر أمام الجامعة العربية. فلننظر في نتائج اجتماع لجنة اتصاله العتيدة: هناك اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع بعد أيام، وهناك اقتراح إيراني بضم العراق وفنزويلا إلى لجنة الاتصال (نعم شافيز والمالكي ولا أحد غيرهما!).

القتل مستمر ويتعاظم في سوريا بمعدل مائتي قتيل في اليوم، وهذا فضلا عن الخراب الهائل، والتهجير الهائل، والتخويف بالحرب الطائفية التي يقودها المتطرفون السنة بالطبع (وهذا التخويف أو الاتهام لا يوجهه النظام السوري القاتل وحسب؛ بل ويشارك فيه الأميركيون والروس!). وإذا لم يكن ذلك كافيا، فهناك تصريح الأمين العام للجامعة العربية، الذي قال بعد اجتماعه بالإبراهيمي إن الدول العربية عاجزة عن التدخل لفض النزاع في سوريا! ونتسائل: لماذا تستطيع إيران التدخل بالعسكر والعتاد ضد الشعب السوري - وهي المحاصرة والمتعبة - وبما لا يقل عن عشرين ألف مقاتل من إيران والعراق ولبنان، ولا يستطيع العرب التدخل ولديهم طائرات أكثر من إيران بكثير، ولديهم جيوش وعتاد وصواريخ ومضادات أكثر بعشرة أضعاف من إيران؟! وفي حين تتدخل إيران للقتل، ليس المطلوب من الجيوش العربية وعلى رأسها الجيش المصري، إلا التدخل لإقامة منطقة آمنة للسوريين الهاربين من القتل في المنطقة الحدودية مع الأردن؟!

إيران القاتلة هذه، وليس في سوريا فقط، بل وفي العراق ولبنان واليمن ولا أدري أين وأين أيضا، يأتي بها الرئيس المصري إلى القاهرة، لكي تساعد في وقف نزيف الدم في سوريا وهي التي تقوم أو تشارك به! ثم لا يقبل القاتل بذلك، بل يريد من الرئيس المصري الجديد الإتيان بفنزويلا والمالكي أيضا! لقد كان بوسع الرئيس مرسي أن يقف الموقف الذي اتخذه الرئيس السابق مبارك من غزو العراق من جانب الولايات المتحدة، فالذي أذكره أنه قال وقتها إنه نصح صدام لكنه لم ينتصح فليتحمل نتائج أعماله! بل كان بوسعه الاكتفاء بإدانة النظام السوري القاتل كما فعل في طهران والقاهرة! أما أن يأتي إلينا بطهران وأنقرة لإشراكهما في «الحل»، وأي حل؟! قد نفهم الاستعانة بتركيا والأردن مثلا؛ لأن البلدين آويا مئات ألوف السوريين المعذبين، ورفضا سفك دم الشعب السوري، وحاولا مساعدة المعارضين السوريين بقدر الإمكان لحماية النساء والأطفال من العسكر القاتل.

يتحدث كثيرون عن الثورات المضادة. وفي حسبانهم أن هناك قوى قديمة وأخرى جديدة في دول الربيع العربي، تصدت وتتصدى للثورات لإحباط مآلاتها، وتجميد مفاعليها، وإرغامها على السير في اتجاهات أخرى. وهذا غير صحيح أو غير دقيق. ففي اليمن على سبيل المثال لا يزال الناس في الشارع لإكمال التغيير. وفي تونس ومصر لا يسكت المصريون عن أي شيء يمكن أن يخل بما جرى التوصل إليه بالعرق والدماء والدموع. إنما الذي يحصل أن دولا في العالم والإقليم لا ترى في أحداث الربيع العربي مصلحة لها، وهي تتخذ أحد موقفين: التوجس والتشكك والانتظار، أو التدخل العسكري والأمني لمنع التغيير بالقوة. إسرائيل صرح يمينيوها بشتى الوسائل أنه لا مصلحة لكيانهم بالتغيير في سوريا، وهم نشطون أمنيا للمراقبة وحساب المصالح والاستعداد لما يكون. أما الذين يتدخلون ضد الثورات العربية بشكل مباشر وغير مباشر فهم الإيرانيون. وهم يقاتلون مع الأسد في سوريا، ويدعمون الحوثيين والانفصاليين باليمن، ويدفعون المالكي وحزب الله أيضا للتدخل في سوريا ومساعدة النظام هناك. كما يحاولون استخدام حماس والجهاديين بغزة وغيرها لاستمرار الانقسام، وإثارة الحروب عند الضرورة. فليست هناك ثورات مضادة، وإنما هناك إيران المضادة لكل تغيير عندها بالداخل، وفي العراق وسوريا ولبنان واليمن!

==============

الإبراهيمي في مسعاه المستحيل

د. نقولا زيدان

المستقبل

14-9-012

عندما صرح المندوب الدولي والعربي الأخضر الابراهيمي منذ يومين في القاهرة انه جاء الى سوريا لانقاذ الشعب السوري، كان عملياً ينعي مهمته سلفاً. وكان ابتداء من أروقة الامم المتحدة قد وصف هذه المهمة بالشاقة والصعبة جداً جداً. بل أضاف من القاهرة ان مساعدته الشعب السوري للخروج من هذا المأزق الدموي تستحق هذا العناء.

لقد اطلقت رصاصات عدة على مهمة الأخضر الابراهيمي العصية والمستحيلة. كانت أولاها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لم يكتف بتكرار مساندته المطلقة للنظام السوري وبشار الأسد بل ذهب في ذلك لحد اتهام الغرب باستقدام عناصر القاعدة الإرهابيين لإسقاط هذا النظام. ثم تبعه سيرغي لافروف وزير خارجيته لاستعادة المعزوفة ذاتها. وقد ترافق ذلك مع انعقاد الاجتماع الرباعي في القاهرة بناء لدعوة الرئيس المصري محمد مرسي حيث حضر الاجتماع مسؤولون كبار من تركيا والسعودية وايران انضم إليهم الأخضر الابراهيمي نفسه. ومن المستغرب بمكان انه لم يصدر عن هذا الاجتماع اي بيان او تصريح ما جعل الاعلام المصري يتحدث عن تسريبات وتكهنات غير جدّية لا يعول عليها على الاطلاق. ومن اللافت أيضاً ليس السرية والتكتم على مكان عقد هذا الاجتماع فحسب بل مستوى التمثيل بالنسبة لتركيا والسعودية، هذا في الوقت الذي أرسلت فيه إيران نائب وزير خارجيتها. وكانت احدى الرصاصات التي تلقتها مهمة "الابراهيمي" تلك التي أطلقها السيد بوغدانوف وهو مسؤول كبير في وزارة الخارجية الروسية الذي أبدى تشدداً واضحاً بل تصلباً في الموقف الروسي حيال الأزمة السورية. وكانت السيدة كلينتون قد نعت بدورها المبادرة من موسكو إذ اعلنت من هناك ان تبايناً كبيراً ما زال يفصل بين الموقفين الأميركي والروسي حول الأزمة.

لقد كان لافتاً حقاً تركيز الابراهيمي على الشعب السوري وعدم إشارته بتاتاً للقيادة الحاكمة في سوريا وكأنّه يلوّح سلفاً باحتمال فشل مهمته، وكأنّ ذلك التصريح قد جاء رداً على التأخير المقصود الذي عمد إليه الأسد في تحديد موعد استقباله له، وذلك تعبيراً عن الاستخفاف به والمكابرة التي اعتدنا عليها معه.

ويواجه الابراهيمي تصلباً في الموقفين الروسي والايراني واستمرار المعارك في شوارع حلب ودمشق ودرعا حيث تبدو الآلة العسكرية الأسدية عاجزة عن تحقيق الحسم العسكري الذي يتوهّم الأسد بقدرته على تنفيذه، وعدم توفر أية معطيات مشجعة للابراهيمي لحلحلة الأزمة السورية. هذا باختصار التوصيف الواقعي والموضوعي للوضع السوري الراهن.

إن أسوأ ما تواجهه الثورة السورية الآن هو الوقت الضائع الذي يجتهد المراقبون والمحللون السياسيون في وصفه: فمن الطروحات الفرنسية عن المناطق الآمنة وهي طوباوية بامتياز ما دام الحظر الجوي والغطاء المطلوب غير قابل للتنفيذ الى انتظار الانتخابات الرئاسية في أميركا الى العجز العربي الفاضح، الى التردد التركي في إيصال الأسلحة النوعية المتطورة الى الجيش السوري الحر وذلك تحت ذرائع واهية.. كل ذلك والشعب السوري يدفع أثماناً باهظة: إن نصف سوريا قد أصبح مدمراً كما حصدت الآلة العسكرية ما يقارب 30 ألف قتيل وعشرات ألوف الجرحى والمعاقين وما يقارب ماية ألف مفقود وحوالى مليوني مهجر داخل سوريا وخارجها. هذا والعالم كله يتفرج على هول المأساة، كارثة العصر التي أنزلها بشار الأسد بشعبه. فهل يعقل الوصول إلى حل سياسي مع بشار الأسد في الحكم وهو يحمل على منكبيه هذا الكم الهائل من الدماء؟ فهل ينتظر الشعب السوري في نزفه المتواصل وهو يشاهد بأم العين مدنه وقراه تسحق تحت وابل القذائف، وأهله يقتلون، حتى يصل الى مخرج من هذا الدهليز الأسود العابق بالدماء، الا وهو اتفاق ما اميركي روسي على صفقة تاريخية تضمن مصالح الطرفين ومن ورائهما الصين وايران من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة اخرى، وما دام الأمر هكذا، فما الجدوى من مبادرة اخرى محكومة بالفشل كسابقاتها؟

ان سياسة البطش والتنكيل والاغتصاب وحرق الأحياء والتمثيل بالجثث بل سياسة الاعدامات الميدانية بالجملة، هذا بالاضافة الى تدمير المدن والقرى التي يمارسها النظام السوري راحت تستدعي ردود فعل واعمالاً انتقامية وثأرية من المجموعة الثورية المسلحة، فأصبح السائد على الساحة السورية الآن هو أشد وأعتى شعور بالحقد والكراهية. "فالعنف يستدعي العنف ويبرره"، كما يقال، لكن المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق قيادة الجيش السوري الحر تتطلب التحلي بأعلى درجات اليقظة والانضباط فلا ننزلق في المتاهات التي غرق فيها النظام الفاشي في دمشق نفسه.

على ايقاع دوي المدافع وسلاسل الدبابات وسحق الأبنية تحت وابل قذائف الطائرات، والحرائق المرعبة يواجه الاخضر الابراهيمي مهمة عصية تقارب المستحيل هي أقرب إلى الفشل الذريع.

==============

سوريا والخطر الطائفي

محمد الباهلي

الاتحاد

تاريخ النشر: الجمعة 14 سبتمبر 2012

الآن وبعد أن وصلت الأمور في سوريا إلى حد لا يطاق، وتبخرت غالبية المبادرات والحلول وجهود الوسطاء لحل الأزمة دون نتيجة، وأضحت الحرب الأهلية هي التي تحكم الموقف في الأزمة السورية، لابد من التساؤل: هل ستبقى الدولة السورية قائمة وموحدة، أم سيدفع نظام "البعث" نحو تفتيت وحدتها التاريخية والجغرافية والسياسية، وإدخالها في أتون الحرب الأهلية كما حدث لدول عديدة؟

لقد انتهج نظام الأسد أسلوب العنف والوحشية واستخدم أشد الأسلحة فتكاً ضد شعبه، وجعل السوري يقتل السوري فغرقت البلاد في حمام من الدماء، وأصبح التهديد الأخطر والأبرز للدولة السورية هو تحالف نظام "البعث" السوري الطائفي مع النظام الإيراني وميليشيات "حزب الله"، إمعاناً في توظيف البعد الطائفي، مصحوباً بمظاهر الدم والقتل والدمار، حتى وصف رئيس وزراء تركيا ما يحدث في سوريا بأنه "تكرار لما حدث في كربلاء قبل 1332 عاماً، مع اختلاف المظلومين والظالمين".

وسوريا اليوم أصبحت على مفترق طرق خطير، بل باتت كالبركان الذي يهدد المنطقة العربية بأكملها فيما لو استمر الحال على ما هو عليه الآن. إن هذا الوضع سوف يخلف سلسلة من الاضطرابات غير المحسوبة، خاصة وقد أصبح للقوى الدولية الكبرى كلمة مسموعة في المنطقة، وهي أميركا وروسيا والصين وأوروبا، لما لها من مصالح تقتضي وجود هذه الهيمنة.

الولايات المتحدة ترى أن الحالة في سوريا لم تصل بعد إلى مرحلة تشكل خطراً على مصالحها الحيوية، وبالتالي فلا يهم أن تستمر الحرب الأهلية، خاصة أن استمرارها يؤدي إلى ضعف الدولة السورية وتفتيتها.

أما روسيا، وحسب ليونيد ريشيتنيكوف، فترى أن سقوط النظام السوري سوف يفقدها حليفاً في المنطقة، ويضطرها لتغيير العديد من مواقفها في الشرق الأوسط الذي يعتبر بالنسبة لها بالغ الأهمية، فهو نقطة تقاطع طرق المواصلات العالمية، ويمثل سوقاً واسعة لتصريف السلع، وفي سوريا بالذات توجد القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة بالمنطقة (في ميناء طرطوس). وعدا عن كل ذلك، فإن الشرق الأوسط يمثل سوق سلاح مهماً.

أوروبا من جانبها ترى في استمرار الأزمة السورية تهديداً لأمنها ولاستقرار الشرق الأوسط المجاور، فحدوث مزيد من الاضطراب على حدودها الجنوبية لأوروبا سيغذي ظواهر الإرهاب وانتشار الأسلحة والهجرة غير الشرعية.

وفي ظل صراع المصالح الدولية والصراع السياسي الطائفي المشتعل في المنطقة، وما يساور بعض الدول العربية من قلق، حققت الدول الكبرى مكاسب كبيرة من مبيعات الأسلحة للمنطقة العربية.

ليس سوريا وحدها، بل العالم العالم العربي كله تقريباً بسبب ما يحدث في سوريا، أصبح أمام مفترق طرق خطير، بل هو اليوم في وضع يشبه وضعه قبل اتفاقية "سايكس بيكو"، حيث توجد اليوم أجندات وخرائط واستراتيجيات عديدة تتحرك على أرض الواقع، وهناك علامات ومشاهد عديدة تؤكد ذلك، يشجعها المشهد المضطرب السائد في المنطقة، والذي هو جزء من هذه الحقيقة.

==============

جاهلية الأسد تهاجم مرسي..!

شوارد

د. صالح الورثان

الجمعة 14/09/2012

المدينة

العالم كله لم يسلم من بذاءة النظام الجاهلي الأسدي، فالكل أعداء لسوريا باستثناء إيران والصين وروسيا وبعض من بقايا الأنظمة الشيوعية حول العالم؛ ولذلك هاجم إعلام النظام الأسدي المجرم الدكتور محمد مرسي رئيس جمهورية مصر، الرئيس الذي جاء بإرادة الشعب ولم يأت بقهر الشعب وإذلاله، الرئيس الأكاديمي المثقف والمعتدل الذي يسعى جاهدًا مع أشقائه حكام السعودية والخليج إلى لملمة ما تبقى من منظومة العمل العربي المشترك الذي تمزق بين العراق وسوريا وغيرهما من الدول العربية التي ترتمي في أحضان أعداء المسلمين والعرب على وجه الخصوص!

إن البذاءة التي استخدمها إعلام القاتل بشار الأسد تدل على حالة الهوان والترنح والتخبط التي باتت تلف حزب الظلم والإجرام في سوريا، الذي يدعي الممانعة وشظايا صواريخه لم تقع في الجولان المحتلة ولو بالخطأ؛ في حين تنال من لحوم الأبرياء من الأطفال والنساء والكهول! بل الأدهى والأمر قتل أبناء الشعب الفلسطيني في مخيم اليرموك الذي أزعجنا الأسد وحزب الله وإيران من ورائهم بأنهم من يدافع (لوحدهم) عن قضية فلسطين، ويقفون منفردين في مواجهة إسرائيل!

أكاذيب فوقها أكاذيب، وافتراءات يضحك منها الطفل في مهده، وهي تؤكد للعالم كله أن الأسد وحزبه لا يتمتعون بالشجاعة التي تتمتع بها بعض الديكتاتوريات في العالم، بل نظام يقتل الناس في بيوتهم وينحرهم كما تنحر البهائم ثم يأتي بوقاحة ليتبجح بالدفاع عن كرامة الأمة! فأي كرامة وإنسانية يعرفها هذا النظام المجرم بوحشية لم يسبق لها في التأريخ مثيلا؛ وحشية غادرة وجبانة تصب صواريخها وحممها على رؤوس المساكين العزل في منازلهم! فهل من إصلاحات بشار قتل الأطفال والنساء واغتصاب العفيفات؟ وهل من إصلاحاته دك المدن والآثار والثقافة العظيمة للشعب السوري الشقيق؟ إذا كان الإصلاح هكذا فما هي الجاهلية إذن؟

وبعد ذلك الدمار والقتل والتشريد لآلاف السوريين تأتي أبواق الأسد في قنواته الإعلامية الفاشلة لتهاجم الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي سارع في بناء دولته، ومد يد التعاون مع أشقائه لحمل راية الأمة واستعادة كرامتها بالبناء والتنمية وليس بقتل الشعوب وتشريدهم من أرضهم!

إن نظام الأسد وإعلامه الضال لا يمكن أن يمس من مرسي شعرة واحدة، لأن مرسي إنسان قبل أن يكون رئيسًا، ولأنه ينتمي إلى أمة عربية وإسلامية صادقة تمتاز بالأخلاق والشيم التي يفتقدها بشار ومن عاونه من الظلمة والمجرمين. ويجب على إعلام بشار أن يخجل من نفسه وهو يهاجم كل العرب والمسلمين لحساب رجل قاتل ومجرم دمر وخرب البلاد وأفسد بين العباد؛ ومع الأسف فإن النظام الغربي والسياسة الأمريكية في المنطقة منحت لهذا السفاح "قاتل الأطفال والنساء والعجزة" فرصة كبيرة للاستمرار في جرائمه البشعة التي لم يخفف من هولها سوى الضربات الموجعة التي وجهها الجيش الحر والبطل لمعاقل هذا النظام الدموي الذي حول سوريا إلى بلد مدمر ومتخلف عن الركب!

==============

سوريا وحديث الخرائط القديمة

ما تبقى للنظام السوري من عناصر المناعة هو مجرد مصالح دولية تتبدل وحسابات قوة تتغير مع الوقت

عبدالمنعم مصطفى

الجمعة 14/09/2012

المدينة

عاتبني صديق عندما قلت: إن الأوضاع في سوريا تقترب من الحسم، وأن نظام بشار الأسد دخل في طور الاحتضار، معتبرًا أن ما قلته يدخل في باب التمنِّي، ولا يستوعب كثيرًا حسابات القوة على الأرض، وقال لي صديقي الكاتب الصحفي، وقد حرص على أن ننتحي جانبًا، في أحد مجالس جدة الشهيرة «كيف انتهيت إلى هذه النتيجة، وأنت مَن كنتُ أظن فيه الحرص على دقة المعلومة وسلامة التحليل؟! وأضاف: «أتوقع أن يستمر نظام بشار الأسد حتى العام 2014، وقد يستمر إلى ما بعد ذلك».

المشكلة أن مصادر المعلومات التي يعتمد عليها أغلب الناس لبناء رؤية أو لاستيعاب ظرف، تطرح بيانات متضاربة، تثير الالتباس بأكثر ممّا تساعد على الفهم، ولعل هذا هو ما قاد البعض إلى نتائج قد تكون بعيدة جدًّا عن الواقع، ولعلي ألتمس بعض العذر لبعض من لا يزال يرى أن بوسع النظام السوري البقاء في السلطة بصورة ما، فالحقائق ملتبسة، والصور مرتبكة، والرؤية مشوّشة، ومع ذلك فثمة وقائع تُؤسس بذاتها لحقائق جلية، فهناك في سوريا مَن يشق عصا الطاعة على النظام القائم، وهناك مَن يتحدّى شرعية هذا النظام، وهناك -وهم الأكثرية- مَن يراه وقد سقطت شرعيته، وهناك أكثر من ستة وعشرين ألف قتيل منذ اندلاع الثورة في مارس من العام الماضي، مات معظمهم بقرار من النظام السوري.. باختصار لقد أعلن النظام في سوريا الحرب ضد الأغلبية من شعبه، وهو قد أغلق بذلك كل أبواب المصالحة، وأطاح بكل فرصه في أي تسوية سياسية قد تطيل عمر النظام، أو تسمح بخروج آمن للرئيس ورجاله.

يعرف بشار الأسد أن الإعدام هو عقوبة مَن يقتل عمدًا ولو لمرة واحدة، ويعرف أن تعدد ضحايا القاتل، لا يقود إلى تعدد مرات إعدامه، ولأن ضحاياه قد بلغوا الآن عشرات الآلاف، فإن فرصه في التراجع، أو الاعتذار، أو طلب العفو تبدو شبه معدومة، ولهذا سيواصل النظام الهروب إلى الأمام، مرتكبًا المزيد من المجازر. المناعة الذاتية للأوطان هي الضمان الحقيقي، وربما الوحيد لأمنها، والشرعية أو القبول الشعبي العام هي أهم عناصر المناعة الذاتية لأي وطن أو أي نظام حكم، وقد تآكلت مناعة نظام الأسد بنفس مقدار تآكل شرعيته، وهو بدون عناصر نظامه، وأجهزة استخباراته وبعض عناصر الطائفة العلوية، يبدو فاقدًا لأية شرعية، أمّا عناصر المناعة التي تبقي على النظام في سوريا، فهي خارجية في معظمها، لا تستند إلى ولاء أو قبول، وإنما إلى مصالح تتبدل، وحسابات قوة تتغير مع الوقت.

يبدو الموقف الروسي وكأنما هو الداعم الرئيس لنظام الأسد، لكن موقف موسكو يستند إلى مصالح تتبدل، وإلى حسابات قوة تتغير كما ذكرنا، وقد كشفت تسريبات عن محادثات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، ونظيرها الروسي سيرجي لافروف، أن موسكو قد تعيد النظر في موقفها من الأسد إذا ما أعادت واشنطن النظر في موقفها من الدرع الصاروخي، وقال لافروف عقب محادثاته مع كلينتون «مبدئيًا لا يوجد اختلاف في موقف روسيا وأمريكا. كلانا يريد أن تصبح سورية ديمقراطية ذات نظام متعدد يُحقّقه السوريون بأنفسهم مع احترام كافة الدول سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية».

وهكذا يظهر الدرع الصاروخي الأمريكي على طاولة محادثات بشأن مستقبل سوريا، والمسألة ربما بدت منطقية، فروسيا التي تحتفظ بمحطتي رصد وتشويش في سوريا، تستهدف بين ما تستهدف، درع أمريكا الصاروخي في أوروبا، تريد المساومة على طريقة «سيب وأنا أسيب» أي أن تتخلى أمريكا عن درعها الصاروخي مقابل تخلي روسيا عن قواعدها في سوريا والتي سوف تخسرها حتما إذا ما سقط نظام الأسد.

كذلك تريد روسيا ترتيب أوضاع سوريا من خلال مؤتمر دولي يتناول -بين ما يتناول- إعادة ترتيب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وهى الأوضاع التي أفرزتها حقبة سايكس - بيكو وما بعدها، فالعالم يستعيد خرائطه القديمة منذ سقوط جدار برلين، دول اختفت عن الخارطة ودول أخرى عادت إليها، وفي خضم هذه العملية فقد خسر السوفيت - الروس طوال الوقت في وسط أوروبا وفي البلقان، وحتى في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، وهم يريدون تقليص الخسائر، ربما عبر المدخل السوري.

ويُدرك الروس أن سوريا قد تكون مفتاح إعادة هيكلة إقليم الشرق الأوسط برمته، فيما تعتبر طهران أن سقوط النظام في سوريا قد يُمهِّد الطريق لإجهاض طموحات إيران في المنطقة، بل إنه قد يكون مدخلًا لتوجيه ضربة أقل كلفة لإيران، طال الحديث عنها في الآونة الأخيرة، وسط إصرار إسرائيلي على إجهاض المشروع النووي الإيراني بأي ثمن، ليس فقط لأن قنبلة إيرانية سوف تكون فوق رأس إسرائيل، ولكن أيضًا لأن إجهاض المشروع الإيراني بيد إسرائيل سوف يُكرِّس استئثار الأخيرة بخيارات القوة في المنطقة برمتها.

الوضع في سوريا إذن خرج من يد الأسد وعائلته، وبات رهين حسابات قوى دولية وإقليمية، تسلم جميعها -بما فيها إيران- بأن فرص النظام السوري باتت شبه معدومة، وأن ساعاته أصبحت معدودة.

ما يثير الالتباس، ويدفع صديقي الكاتب الصحفي إلى الابتئاس، هو في الحقيقة، شواهد عجز لدى النظامين الدولي والإقليمي، برهنت عليها تصريحات الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا في مستهل مهمته قبل يومين، حين وصف المهمة بأنها بالغة الصعوبة، وعلق عليه الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بقوله: «بل شبه مستحيلة».. لكن شواهد القدرة لدى الشعب السوري تقول بغير ذلك.

 

==============

الحديث عن حقوق الإنسان في سورية بلا معنى

2012-09-14 12:00 AM

الوطن السعودية

حديث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في جنيف منذ أيام عن ضرورة الحفاظ على "حقوق الإنسان" في سورية يكاد يكون مضحكا ومبكيا في آن معا. فانتهاكات حقوق الإنسان في سورية بالجملة. في كل يوم يسقط عشرات الضحايا الأبرياء في شوارع المدن السورية وتحت أنقاض أبنيتها المدمرة، وفي كثير من الأحيان لا يكتفي القاتل بموت الضحية فيمعن حتى في جثث الموتى تمثيلا وتقطيعا. لذلك فإن الذين يتعرضون إلى بعض "الانتهاكات" لحرياتهم وحقوقهم قد يكونون من "المحظوظين" إذا نجوا من براثن الجلاد ببعض الجروح الجسدية أو النفسية طالما أنهم لا يزالون على قيد الحياة!

من يعرف حقيقة ما يجري في سورية وما يعانيه أبناؤها من ظلم وقهر واضطهاد وجوع وقتل وتمثيل يدرك أن عبارة "حقوق الإنسان" ربما تحتاج إلى إعادة تعريف. لم يوضح السيد بان كي مون ما هي حقوق الإنسان التي يراد الحفاظ عليها.. هل هي حرية إبداء الرأي مثلا؟!

من حق المواطن السوري الذي يعيش على أرض الواقع في حلب وأخواتها أن يشعر بأن الأمم المتحدة وأمينها العام وبعض منظمات حقوق الإنسان يعيشون في كوكب آخر. فلم يتحدث بان كي مون عن أولويات مثل حق الأمان وحق الحياة وحق الخبز وحق الكهرباء وحق الماء وحقوق أخرى يجب تأمينها للشعب السوري. وبالدرجة الأولى، وقبل الحديث عن محاسبة القاتل، يجب التفكير أولا بكيفية منعه من ارتكاب المزيد من أعمال القتل.

ليس من الواضح ما كان يقصده السيد "مون" عندما تحدث عن ضرورة ممارسة "ضغوط" من أجل تخفيف مستوى العنف. إذا كان القصد هو المزيد من الإدانات والمطالبات للأطراف المتصارعة في سورية بوقف العنف والامتناع عن انتهاك حقوق الإنسان فإن الأمين العام يعرف قبل غيره أن هذا النوع من "الضغوط" لا يجدي نفعا. المطلوب في هذه المرحلة هو الوقوف جديا وبكل الإمكانيات والنوايا الصادقة وراء مهمة المبعوث الأممي والعربي الجديد الأخضر الإبراهيمي وتوفير المناخ اللازم لنجاحه في مهمته التي تضع وقف نزيف الدم وتوفير الأمن للسوريين في أعلى سلم الأولويات.

لقد تفاءل البعض على الأقل عندما بدأ كوفي عنان مهمته لحل الأزمة السورية، لكن تعقيدات الوضع السوري الداخلي والخارجي منعا عنان من استكمال مهمته. وإذا لم تتخل الأطراف الداخلية والخارجية عن أجنداتها الخاصة المتعلقة بالشأن السوري فلن يكون الإبراهيمي أوفر حظا من سابقه.

من حق الشعب السوري أن يسمع العالم صوته الحقيقي، فالشعب في سورية يريد الحياة.

=========================

أسلوب «كافئ نفسك»

رؤوف بكر

التاريخ: 13 سبتمبر 2012

البيان

بالنسبة إلى القلة القليلة من السوريين التي كانت أو لا تزال ترى في بشار الأسد رئيس دولة، يتلاشى شيئاً فشيئاً هذا التفكير لمصلحة تأييد يزداد سواداً، من قبل الحلقة الضيقة المقربة من الأسد، والمنتفعة تالياً من استمرار الأعمال العسكرية ضد الشعب، لما تدره من أرباح خيالية عليها.

تكمن الطامة الكبرى، في واقع الأمر، في حقيقة أن الهيكلية الحاكمة في سوريا منذ أكثر من أربعة عقود، لم تشعر في يوم من الأيام بأدنى انتماء إلى الوطن، أو تؤمن بأنها جزء من الشعب، بل تعتقد أنها تخوض حرب بقاء على امتداد الوطن، الذي تحول ساحة حرب مفتوحة بالنسبة إليها، ومعركة تصفية حسابات ثأرية تاريخية ضد الأغلبية المنتفضة عليها.

دلائل ذلك المنهج، تمثلت مؤخراً، حينما لم تتحرك أذرع النظام الأمنية أو الدبلوماسية، لنصرة السوريين المخطوفين في لبنان، ولم تعر قضيتهم أدنى اهتمام، وكأن الأمر لا يخص رعاياها في الخارج، الذين يفترض فيها حمايتهم، حيث وصل الأمر ببعض وسائل إعلامها إلى درجة التشفي بالمخطوفين، وتبني رواية خاطفيهم والتعاطف معهم. وقبل ذلك، كان هناك إثم التسويق بكثافة لادعاءات تعرض سوريات للاغتصاب في مخيمات اللاجئين التركية، وتكرارها بلهجة انتقامية، حرص معها مروجوها على التركيز على الطابع الفضائحي للأكذوبة، وكأن هؤلاء النسوة لسن سوريات، وكأن قضية تعرضهن للاعتداء لا تخص ما يجب أن يكون «سلطات» تدير شؤون مواطنيها أينما وجدوا.

ولعل المثال الصارخ على تقمص العصبة الحاكمة روح أمراء الحرب، ظهر في الكيفية التي تعاطت من خلالها مع مجزرة داريا المأساوية، بحيث صورتها على أنها حدث مزعج فحسب، وتفصيل صغير، رغم أن الرواية الرسمية الممجوجة تتصيد أي خطأ صغير للثوار، المتهمين هنا من النظام بارتكاب المجزرة، وتعمل فيه تضخيماً، فيما تبين في المقلب الآخر، حجم التجييش الإعلامي والمذهبي رسمياً، حينما ضرب تفجيرٌ جرمانا، المسكونة بجماعات متحالفة مع السلطة، وكأن دماء أزيد من 300 قتيل في داريا لا تساوي 5 في جرمانا.

يشي كل ذلك بدهياً بعقلية ميلشيوية بحتة، تقف وراء ذلك النمط من التفكير، وتختفي معه أي علامات لمنطق الدولة الراعية والحامية لكافة مكونات المجتمع، لأن الميلشوي يهتم أولاً وأخيراً بالمصلحة الضيقة لحلقته، وينطلق من مواقفه في حساب المكاسب التي قد يجنيها، أو الخسائر التي يمكن أن يتكبدها.

إن مشاهد دهم أحياء المدن والقرى السورية الثائرة، وتجويعها وسرقة أو حرق منازلها، وقتل واغتصاب وبتر أعضاء سكانها بأسلوب العقاب الجماعي، لا تذكّر، بطبيعة الحال، إلا بحقبة زعيم ميلشيا الجبهة الثورية المتحدة في سيراليون فوداي سنكوح، الذي أطلق العنان لأنصاره وأتباعه ليفعلوا ما يحلو لهم تماماً بأهالي المناطق المعارضة لهم، خلال حملة «كافئ نفسك» المشهورة حينها.

وعليه، لا يمكن في نهاية المطاف سوى أن يُنعت مثل هؤلاء بأنهم لوردات حرب، شاءت المخططات أن يكونوا هم من يتحكمون في مخازن السلاح والقواعد العسكرية، ليبطشوا بالناس، وليسوا حتى قوة احتلال داخلي، كما يوصفون أحياناً، لأن لقوى الاحتلال التزامات بموجب القوانين الدولية، تمنعها من ارتكاب تلك الأفاعيل الميلشيوية على مرأى ومسمع من العالم.

=================

مصر والأزمة السورية... حدود التحول

تاريخ النشر: الخميس 13 سبتمبر 2012

الاتحاد

تخلى الرئيس محمد مرسي عن الحذر الذي التزمت به سياسة مصر الخارجية تجاه الأزمة السورية منذ اندلاع الانتفاضة في مارس 2011. وتضمنت كلمته أمام الدورة الـ138 للمجلس الوزاري لجامعة الدول العربية الأسبوع الماضي، موقفاً هو الأكثر وضوحاً من جانب مصر تجاه الأزمة السورية حتى الآن. فقد أعلن أن "الشعب السوري اتخذ قراره بإنهاء نظام الحكم"، وتنبأ بأن "هذا النظام لن يدوم طويلاً". وطالب رئيسه بأن يتنحى. لكنه لم يوضح كيفية تحقيق ذلك، ولم يطرح رؤية واضحة للتغيير في سوريا أو للبديل الممكن. كما لم يفصح عن تصوره لماهية هذا البديل. فهل هو بديل عن النظام كله أم عن رأسه. فلا إجابة حاسمة عن هذا السؤال في خطاب مرسي الذي يحتمل أن يكون التغيير مركزاً في رأس النظام الذي يدعوه إلى التنحي، أو يشمل مجمل هذا النظام الذي يقول إن الشعب السوري اتخذ قراره بشأنه.

والفرق كبير، بل جوهري، بين تغيير في رأس النظام قد يُسترشد فيه بالتجربة اليمنية، وآخر يشمل النظام كله كما حدث في تونس وليبيا بطريقتين مختلفتين. لذلك يتطلب فهم ما يفكر فيه الرئيس المصري البحث عن تفسير لمراوحته بين حديث صريح عن إنهاء النظام وكلام يُبقي الباب مفتوحاً لتغيير في رأسه بالأساس من خلال تنحي بشار الأسد.

وثمة تفسيران محتملان لهذه المراوحة يعبران عن اتجاهين مختلفين ليس فقط في مقاربة الأزمة السورية، ولكن أيضاً بشأن حدود التحول المحتمل في سياسة مصر الإقليمية الجديدة التي لا تزال في طور التشكل.

ويبدو التفسير الأول أكثر انسجاماً مع الاتجاه العام لسياسة مصر الخارجية حتى الآن وما تنطوي عليه من حرص على توجيه رسائل تطمين إلى الجميع تقريباً، ما لم تكن هناك نية مبيتة لتغيير كبير فيها يبدأ في مرحلة لاحقة. فوفقاً لهذا التفسير، يمكن فهم حديث مرسي عن حل سياسي، وعن فرصة لا تزال قائمة لحقن الدماء، باعتباره مدخلاً إلى تحرك جدي انطلاقاً من مبادرته العامة التي دعا فيها إلى حوار بين مصر والسعودية وتركيا وإيران.

لكن هذه المبادرة هي نقطة الضعف الأساسية في ذلك التفسير لأن فرص نجاحها تبدو معدومة تقريباً. فلا يحتاج الأمر إلى خبرة سياسية عميقة لتوقع صعوبة تفاهم الأطراف الأربعة لهذه المبادرة على حل سياسي لأن أحدها(إيران) يرى أن ما يحدث في سوريا ليس سوى مؤامرة خارجية وإرهاب داخلي، وأنه لا توجد بالتالي أزمة تستدعي البحث عن مثل هذا الحل، وأن نظام الأسد أجرى إصلاحات كافية ينبغي على المعارضة أن تتجاوب معها عبر حوار وطني.

ولذلك يصعب الحديث عن تحرك جاد وعمل حقيقي بمشاركة إيران التي تعتبر أن شخص بشار الأسد، وليس فقط نظامه، يعتبر خطاً أحمر. ويعني ذلك أنه لا مجال لديها لأي حل حتى إذا اقتصر التغيير فيه على رأس النظام، أو أي تحرك حتى على نسق المبادرة الخليجية التي نجحت في معالجة الأزمة اليمنية. وهذا فضلاً عن أن المعارضة السورية ترفض حلاً من النوع الذي فتح الباب أمام انتقال السلطة من الرئيس اليمني إلى نائبه حتى إذا اختلف في كثير من تفاصيله وأدى إلى تغيير أوسع نطاقاً مما حدث في صنعاء وأكثر جذرية. كما أن بحار الدماء التي أريقت في سوريا أكثر وأعمق، لأن قمع الرئيس اليمني السابق للانتفاضة كان أقل قسوة بكثير.

وتبدو معضلة هذا التفسير إذن في الافتراض الذي يقوم عليه، وهو أن الرئيس المصري يراهن على حل سياسي صعب وربما مستحيل. لكنه تفسير لا يخلو من منطق إذا نظرنا إليه باعتباره محاولة لإعطاء انطباع بأن مصر لم تعد ساكنة أو محكومة بمبدأ "لا تحرك حجراً قد يقع على قدمك"، بغض النظر عن مردود أي تحرك يمكن أن تقوم به. وربما يعتقد أن موقفاً مصرياً قوياً يمكن أن يمثل ضغطاً إضافياً على النظام السوري قد يدفع بعض أركانه إلى التضحية برئيسهم كما فعل قادة الجيش المصري يوم 11 فبراير 2011.

وقد يراهن مرسى أيضاً على أن تحد إيران من غلواء موقفها أملاً في أن تفوز بجائزة إعادة العلاقات مع مصر، رغم إدراكه بأنه قد لا يستطيع منحها مثل هذه الجائزة في المدى القصير، لاعتبارات داخلية تتصل بعلاقة جماعته مع القوى السلفية، وليس فقط بسبب التوازنات الإقليمية والدولية التي يحرص عليها.

لكن لأن هذا التفسير لا يساعد كثيراً في فهم حدود التغيير في سياسة مصر تجاه الأزمة السورية انطلاقاً من التحول الذي حدث في خطاب رئيسها، فليس ممكناً استبعاد تفسير ثان مؤداه أن مرسي يعتقد بقدرة المعارضة المسلحة على إسقاط نظام الأسد اعتماداً على الزيادة الملموسة التي حدثت أخيراً في الدعم العسكري الذي تتلقاه من دول تساندها.

ويستند هذا التفسير الثاني أيضاً على التحول الكبير في موقف جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر باتجاه السماح لشبان ينتمون إليها بالسفر إلى سوريا للالتحاق بالمعارضة فيها. ورغم أن المعلومات الدقيقة عن سفر بعض شباب جماعة "الإخوان" إلى سوريا لا تزال محدودة، فهي تدل على تحول ملموس نحو مساندة مباشرة للمعارضة بوسائل غير عسكرية حتى الآن، مثل تقديم دعم في مجال الإعلام والتنظيم وبعض الأمور اللوجستية.

ولذلك تبدو مساندة "الإخوان" للمعارضة السورية حتى الآن مختلفة عما تقدمه بعض الحركات السلفية المصرية التي ذهب بعض شبابها لـ"الجهاد" بمعناه المسلح.

غير أن ثمة تحولاً واضحاً في معالجة جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر للأزمة السورية. ويفيد هذا التحول أنها تراهن على أن يكون للإسلاميين دور رئيس في النظام الجديد الذي سيحل محل نظام الأسد لكي يصل "الربيع الإسلامي" إلى المشرق العربي ويمثل محوراً ممتداً من الرباط إلى دمشق (باستثناء الجزائر) يؤسس لتغيير كبير في العلاقات الإقليمية. وربما يبدو في هذا التفسير شيء من المبالغة أو القفز على الواقع، لكنه يستمد أهميته من الضعف الماثل في سابقه الذي يقوم على سعي الرئيس المصري إلى حل سياسي.

والحال أننا أمام تفسيرين ربما يكون في استبعاد أولهما نوع من التعسف رغم ضعف الافتراض الذي يقوم عليه، وقد يكون في إغفال ثانيهما شيء من الاستهانة بطموحات "الإخوان المسلمين" وتنظيماتهم في المنطقة، رغم أنه يبدو بعيداً في اللحظة الراهنة.

==============

اتفاق ايران و"القاعدة" لإراحة الأسد وإزعاج السعودية!

سركيس نعوم

2012-09-13

النهار

أخصام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بل اعداؤها من عرب وأجانب لا يصدّقون انها تسعى وبكل جدية لإيجاد حل للأزمة السورية، وخصوصاً بعد تحوّلها حرباً مذهبية رغم رفض اطرافها كلهم وداعميهم الاعتراف بهذه الحقيقة رسمياً، ربما لأنها مخجلة للجميع. فَتقرُّبها من جماعة "الاخوان المسلمين" في لبنان وهي تناصر فريق 8 آذار في مواجهته فريق 14 آذار كان هدفه، كما ذكرنا في هذه الزاوية سابقاً، مد جسور مع "اخوان" سوريا المنتفضين على الحاكم العربي الوحيد المتحالف مع ايران اي الرئيس السوري بشار الاسد، وذلك بغية اقناعهم بمشروعها الاقليمي الذي تشكّل سوريا جزءاً أساسياً منه. وفي حال نجحت ايران في ذلك فإنها ستستعمل كل نفوذها داخل سوريا لإنهاء الأزمة، محاولة في البداية أن يكون بعض نظام الاسد جزءاً من التسوية. وإذا تعذّر ذلك فإنها تُسهِّل المرحلة الانتقالية الى سوريا الجديدة ولكن فقط بعد إتمام الصفقة. وتَقرُّب من "الاخوان" المصريين فرضه ايضاً تمسكها بمشروعها الاقليمي. فالمملكة العربية السعودية تقود تحالفاً واسعاً من الدول العربية ضده. وشعوب هذه الدول معها لأسباب معروفة. وغالبية المجتمع الدولي، باستثناء روسيا والصين، تدعمها في مهمتها السورية. وهي ما كانت لتمارس هذا الدور لولا غياب مصر المُزمِن عن ريادتها بل قيادتها الطبيعية للعرب من زمان، جراء وزنها الديموغرافي والعسكري وتضحياتها الجسيمة في مواجهة اسرائيل. والطريقة الوحيدة لازاحتها عن سدة الريادة هي إعادة مصر اليها، وذلك ممكن كون حاكمها الجديد "اخوانياً"، كما كون "اخوانه" الأكثر تنظيماً في مصر من زمان والأكثر تأثيراً حالياً. وما ترحيب ايران باقتراح الرئيس المصري "الاخواني" محمد مرسي قيام مجموعة من اربع دول اقليمية مهمة، هي مصر والسعودية وتركيا وايران، مهمتها البحث في وضع سوريا بغية حل أزمتها ووقف الحرب الاهلية فيها إلا الدليل الساطع على رغبتها في توظيف مصر لإنجاح مشروعها الاقليمي نفسه، انطلاقاً من "الإسلامية" المشتركة بينهما. علماً ان الفروقات والتناقضات بينهما كبيرة جداً. ولا أحد يعرف إذا كانت ازالتها ممكنة. طبعاً هناك إشارات اخرى تدل على النية المبيّتة عند ايران، في نظر اخصامها والاعداء، عن تقرّبها من مصر و"الاخوان المسلمين" عموماً. منها استقبالها الرئيس مرسي في قمة عدم الانحياز، وعدم اثارتها موضوع سوريا معه وفي القمة رغم موقفه السلبي من الاسد الذي أعلنه داخلها. وايعازها في الوقت نفسه الى المترجمين بإحلال البحرين بدلاً من سوريا في اثناء الترجمة الفورية لخطابه. وهذا يدل على خوف ايران من شارعها كما يدل على سوء نية. ومنها ايضاً محاولتها ادخال تعديل على تركيبة اللجنة الرباعية تضم حليفين لها اليها هما فنزويلا شافيز وعراق المالكي. والاولى لا علاقة لها بأزمة سوريا ولا دور جراء ضعف دورها الدولي رغم تمرد زعيمها على العالم. ولو كانت جدية في ترحيبها بمبادرة مرسي لكانت أصرت على ضم دول مجاورة عربية الى اللجنة باعتبار انها معنية بالموضوع ومنها العراق والاردن ولبنان. علماً ان المعلومات التي توافرت سابقاً عن هذا الامر اشارت الى ان الاضافة الايرانية لإعضاء الى لجنة مرسي كانت ستشمل دول الجوار العربية الثلاث المذكورة.

في اي حال لا يزال البحث في مبادرة مرسي في بداياته. لذلك لا بد من التريث في الحكم على تعاطي ايران معها، يقول اخصامها بل الاعداء. لكنهم يجزمون بأنها غير جدية انطلاقاً من معلومات موثوق بها وصلتهم تشير الى ان المسؤولين المعنيين في طهران اجروا اتفاقاً مع تنظيم "القاعدة" أو مع اجنحة لها، وعلاقاتهم به قديمة ومعروفة، قوامه امتناع اعضائها عن استهداف النظام السوري بتفجيرات انتحارية أو غير انتحارية، وذلك في مقابل تسهيل انتقالهم الى دول الخليج التي يعتبرها تنظيمهم العدو الاول له، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية. واتفاق كهذا يعني ان مواجهة ايران مع السعودية ومحورها الاقليمي وجناحها الدولي مستمرة. بل يعني انها لا تزال متمسكة بمشروعها وهو الحفاظ على "محورها" في قلب الأمة العربية المؤلف من سوريا آل الاسد والعراق ولبنان "حزب الله" وفلسطينيي "الجهاد"، بعدما خسرت "حماس" أو صارت قاب قوسين أو أدنى من خسارتها. وهو ايضاً التحوّل دولة نووية سلماً وسلاحاً. وهو اخيراً التحوّل دولة عظمى وحيدة في المنطقة... الى جانب اسرائيل طبعاً.

=================

الأزمة السورية في مساء جديد؟ * رضوان السيد

الدستور

13-9-2012

لست أزعم أنني تفاءلت كثيراً بتعيين الأخضر الإبراهيمي خلفاً لكوفي عنان. فقد كنت أعلم ان آراء الإبراهيمي (وعرب آخرين)، كانت وراء ذهاب كوفي عنان الى روسيا والصين وايران رجاء اقناعهم بالدخول في مسار المرحلة الانتقالية في سورية، والابراهيمي لا ينكر ذلك، لكنه يذهب الى انه تأمل ان يقدر عنان على اجتذاب الاطراف الثلاثة الى صفه (في أي صف كان هو والإبراهيمي؟)!.

علة الابراهيمي والمستشارين السياسيين العرب المحليين والدوليين الآخرين، انهم نتاج المرحلة الماضية من الجمهوريات العسكرية والأمنية الوراثية، وهي بحكم طبيعتها دويلات وكيانات تابعة، لأن الهدف الوحيد للقائد الأوحد في المرحلة الثانية هو البقاء في كرسي السلطة، ولذا يسارع الى شتى التنازلات تجاه الولايات المتحدة وتجاه جواره الاقليمي (في هذه الحالة اسرائيل)، وعندما يذكر المعلقون الإبراهيمي، يؤكدون انه ابن الثورة الجزائرية، ودبلوماسي دولي محترف. وهو ذو خبرة بالفعل، لكنه ليس وريث الثورة الجزائرية، بل هو ابن مرحلة العسكريين العرب، الذين ليس في تاريخهم أو تاريخ اكثرهم شيء غير المذابح ضد شعوبهم بخاصة في الجزائر وسورية وليبيا، ولست أقصد بذلك انه شارك -لا سمح الله - بسفك الدم الجزائري عندما كان وزيراً للخارجية بالجزائر، لكنني أقصد انه اعتاد على “شرعية” العسكريين وطرائقهم في الحفاظ عليها، واعتاد على تعامل الجزائر مع ايران باعتبارها مقدمة على السعودية ومصر، والجزائر وسيط بينها وبين الولايات المتحدة وأحياناً روسيا، ونسي أخيرا قوة الشعوب وأنس الى “الاستقرار” الذي يحققه العسكريون العقلانيون والتقدميون!

بدأ الابراهيمي مهمته بتصريحات عامة وغامضة تذكر ان المهمة صعبة بل شبه مستحيلة، وانه لن يسير على نهج عنان، وانه يريد مصلحة الشعب السوري، وما كنت مسروراً بتلك التصريحات أيضاً.. فقد كنت انتظر منه لا ان يعمل نفسه ثورياً ضد الاسد، بل ان يعلن عن الهدف الحقيقي والباقي، ايقاف للعنف وانهاؤه! وان لم يستطع ذلك خلال شهر أو شهر ونصف فسيعتذر، وسيسمي للترحال دون تحقيق ذاك الهدف! وكنت سأعذره لو قال انه ذاهب الى اقاصي الدنيا ومنها ايران وروسيا، وكل ما يستطيع الضغط من اجل تقحيق هذا الهدف، لكنه ما فعل لا هذا ولا ذاك، بل عاد الى المسار نفسه الذي اقترحه على عنان: الذهاب للاجتماع بالاسد (وهذا مبرر)، ثم الى ايران، وعندما كان في مصر اعلن عنه الأمين العام للجامعة العربية انه ليست بوسع الدول العربية التدخل لحماية الشعب السوري! وفي ظني ان الابراهيمي بعد ايران سيزور روسيا والصين، ثم يعود الى سوريا ثم الى ايران..الخ. ويزيد الطين بله ان مصر جمعت قبل يومين عندها لجنة اتصال رباعية كانت قد اقترحتها مكونة منها ومن السعودية وايران وتركيا - كأنما لتثبت ما ذكره الأمين العام للجامعة العربية: ان الدول العربية عاجزة عن التدخل لصالح الشعب السوري!

ان الابراهيمي إذن ليس وحده، (أو هو وامثال محمد حسنين هيكل) الذي يحمل مثل هذه الافكار المتخاذلة ان لم نقل اكثر، انما يبقى السؤال لماذا تستطيع ايران التدخل وتأتي معها بأموال المالكي ونصرالله لقتل الشعب السوري، ولا تستطيع الدول العربية التدخل وهي تملك طائرات اكثر، ووسائل دفاع جوية اكثر، وصواريخ اكثر، بل ومشاة وجهاديين وثواراً أكثر من ايران وروسيا والصين مجتمعة! فمن هو الأحق باللوم.. إذن الابراهيمي الدبلوماسي غير العسكري والذي لا يثق بالعسكرية العربية، ام رئيس جمهورية مصر الذي تحدث عن استعادة مصر لدورها، لكنه لا يرى ذلك مطمئنا بدون ايران وتركيا معاً(!).. أيها السوريون الأحرار والابطال، اعرف انكم لا تنتظرون (شيئاً) من الابراهيمي، لكنني أقول لكم: ولا من مرسي!

التاريخ : 13-09-2012

=================

الابراهيمي واستثمار الفشل

طاهر العدوان

الرأي الاردنية

13-9-2012

يبدأ المبعوث الأممي الى سوريا الاخضر الإبراهيمي مهمته وسط غياب اي تفاؤل بنجاحها، التشاؤم هو طابع هذه المهمة المستحيلة. والواقع ان بشار الاسد هو الوحيد المتحمس لاستقبال الوسطاء والمبعوثين لانه لا يرى فيهم الا مناسبة للحديث مع الاخر وسرقة بعض الوقت يقطع فيه عزلته عن شعبه والعالم. ولانه يدرك بان حل الازمة لا يتحقق الا برحيله عن السلطة فما عليه غير استغلال الانقسام في مجلس الأمن لتحويل مهمة الإبراهيمي الى نفس الطريق الذي سارت علية مهمة كوفي عنان من اجل كسب مزيد من الوقت للانتقام من ( شعب يثور على سيده).

لقد مر من الوقت ما يكفي لامتحان النوايا الحقيقية للاسد، ومثلما نجح نظامه في جر الانتفاضة السلمية لشعبه الى ثورة مسلحة فانه نجح بمساندة شريكه الروسي في استغلال مهمات المبعوثين الدوليين من اجل السلام بتحويلها الى فرص اخرى للمضي في إلقاء براميل الديناميت على حلب وريف دمشق وحمص ودير الزور والبو كمال ودرعا وغيرهما.

حل الازمة السورية ليس في دمشق ولا في مقر الجامعة العربية انما في مجلس الأمن في نيويورك وكل المؤشرات تدل على ان هذا الحل لا يزال مستبعدا بسبب الموقفين الروسي والصيني. قبل ايام اعلنت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون وبعد محادثات مطولة مع نظيرها الروسي لافروف ان لا اتفاق بينهما حول سوريا ومن ناحيته اعلن وزير الخارجية الفرنسي تباعد المواقف بين باريس وموسكو حول سوريا وذلك بعد محادثات استغرقت ثلاثة ايام مع نائب لافروف. ومثل هذه الاخبار كفيلة بان تدفع الإبراهيمي الى التراجع عن زيارته المزمعة الى دمشق خاصة وانه كان قد اعلن عند تكليفه بهذه المهمة لانه يشترط تفويضا من مجلس الأمن.

لكن مع كل هذا الياس يستطيع الإبراهيمي ان يحدث نقلة كبيرة في الموقف الدولي اذا ١- اختصر زمن مهمته في دمشق ووضع الاسد في الزاوية مثل الإصرار على تلقي إجابات قاطعة عن ترتيبات وقف النار او في مسالة قبوله من عدمها لحكومة المرحلة الانتقالية ٢- على ضوء ذلك ان يسرع في اعلان تقريره وتحديد المسؤوليات حتى لا تتحول مهمته الى وقت مفتوح يمنح لحرب المجازر ولنهج الشريك الروسي بالاستمرار في توفير الغطاء لها.

استثمار الفشل لخلق حالة دولية اكثر جدية للضغط على موسكو وبكين قد تقود الى البحث عن الاجابة على سؤال وماذا بعد الإبراهيمي ؟ هل سيبقى الموقف الأممي على حاله في مجلس الأمن اذا فشل بعد الفشل المدوي لكل من عنان ولمبادرة الجامعة العربية ؟ وهل سيبقى الشعب السوري وحيدا في ساحة الإبادة والتصفيات بينما تضع روسيا بوتين كل ثقلها لدعم آلة القتل الأسدية اضافة الى تواطؤ الحلفاء الاخرين الذين لا يرون في الثورة السورية الا مناسبة للقتل والانتقام وتصفية الحسابات مع العرب وربيعهم.

وبالمناسبة فان الثورة السورية تدفع اليوم ثمن وصول التيار الاسلامي الى السلطة في اكثر من بلد عربي وما يحدث ذلك من مواجهات وتبدل أدوار وتغييرات في مسار العلاقات الاميركية العربية وخوف على المصالح وعلى امن اسرائيل. لا عراب للثورة السورية، انهم وحدهم كما كان من قبلهم الفلسطينيون والعراقيون، بينما العرابين كثر لنظام يستبيح سوريا وشعبها، اليوم حتى الأعداء يلتقون موضوعيا على الخوف من الثورة ومن نظام ما بعد الاسد فمواقف واشنطن ليست بعيدة عن مواقف موسكو وموقف طهران يلتقي موضوعيا مع مخاوف اسرائيل ولهذا تستمر مسرحية الانقسام في مجلس الأمن.

=================

ثورة السوريين الاستثنائية

سمير الحجاوي

الرأي الاردنية

13-9-2012

مازال السوريون يقاتلون وحدهم في الميدان، وكل الثرثرات الغبية من «القلقين» على الدم السوري لم تنقذ حياة سوري واحد، فلا تركيا والعرب والغرب عملوا شيئا ملموسا يدفع الثورة السورية إلى الانتصار، مما يجعل منها حالة استثنائية متفردة في عالم الثورات التي شهدتها البشرية على مر العصور.

الجميع بلا استثناء يخذلون الشعب السوري ويتركونه وحيدا، تماما كما ترك العرب والمجتمع الدولي قوات الاحتلال الاسرائيلي تحاصر بيروت 88 يوما دون ان يتحرك احد، وكان الجميع يتبادلون «الثرثرة» بينما تنهال القنابل والصورايخ والقذائف الاسرائيلية على كل ركن في بيروت الا مناطق حلفائهم «الانعزاليين» كما يحلو للبعض ان يصفهم، او الطائفيين كما يحلو للبعض الاخر.

اليوم يتكرر في سوريا نفس السيناريو لكن اداة القاتل هذه المرة هي نظام الأسد الارهابي واداته هي «الجيش العربي السوري» او «حماة الديار « كما يحلو للنظام ان يطلق عليهم، والمقتول هو الشعب السوري باكمله، وبينما كانت قوات الارهاب الاسرائيلية تقصف بيروت تقوم قوات الاستبداد الأسدية بقصف كل المدن السورية، وهذا يعني ان المعادلة هي استمرار «حكم القوة»، وما يعنيه ذلك من اراقة للدماء وتدمير لقدرات البلاد، والجيش يقتل الشعب الذي يجب ان يحميه.

الثورة السورية اسقطت كل دعاوى الزيف العربية والعالمية بالأخلاق وحقوق الانسان وغيرها من «الثرثرات» غير المجدية، فعداد الموت في سوريا ارتفع من 50 شهيدا يوميا إلى 70 شهيدا ثم كسر حاجز 100 شهيد ليصل إلى 200 شهيد ويرتفع إلى 300 شهيد ليدخل إلى موسوعة «جينز» بحوالي 500 شهيد يوما، وهذه حالة من الفرادة بتنفيذ قتل متسلسل ومنهجي واجرامي ووحشي بدون توقف وأمام بصر العالم وسمعه.

هذا العدد الكبير من الشهداء الذي وصل إلى 50 الف شهيد و100 الف جريح وحوالي 20 الف مفقود وأكثر من 150 الف معتقل وحوالي 350 الف مشرد خارج سوريا وأكثر من 2 مليون مهجر داخل سوريا، لم يدفع العالم إلى التدخل لوقف المذبحة، وما زال البعض يبحث عن حلول «سياسية» تضمن سلامة القيادة السورية كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في مقابلته الاخيرة مع قناة روسيا اليوم، فامبراطور الكرملين والساحة الحمراء يبحث عن سلامة «بشار الأسد» وعصابته وشبيحته، ولا يستطيع ان يرى 50 الف شهيد قتلهم نظام الأسد الاجرامي الوحشي، فهو يطلب الحماية للجلاد ولا يرى الضحية.

على الطرف الاخر يلعب «حلفاء المعارضة» السورية من اجل التحكم بحركتها وقوتها والسيطرة على مفاصل قراراتها بشكل مباشر او غير مباشر، وتحولت المعارضة السورية البائسة الى»العوبة» بيد هذه الدولة او تلك، فهي تعمل على مبدأ رد الفعل وليس الفعل وصنع الوقائع، مما يجعل منها اداة ضد الثورة بشكل غير مباشر او غير إرادي فهي لا تعمل على قاعدة « لدي ما يكفي من الرصاص لكي نتحاور» بل على مبدأ «ميزان القوى» المختل والاستعطاف والمناشدات، وهو مبدأ لا يقود الا إلى الهزيمة والفشل، ولو كان في هذا المبدأ من خير لأعاد للفلسطينيين حقوقهم المهدورة منذ 64 عاما او على الاقل منذ اوسلو قبل عقدين من الزمان، ومن هنا فان هؤلاء «الحلفاء المزعومين» يلعبون بالدم السوري من اجل تحسين اوراقهم التفاوضية في قضايا لا تخص الشعب السوري.

هذه الحقائق تقود إلى النتيجة التالية الا وهي: تصعيد الحالة القتالية للثورة السورية لخلق وقائع على الارض، وانتهاج سياسة جديدة تتمحور حول التوقف عن كل «الحراك السياسي العبثي» ورفض اضاعة الوقت والسفر والاجتماعات و»البوفيهات المفتوحة» والسيارات المضادة للرصاص والدخول من قاعات كبار الزوار، فسوريا لا تحتاج إلى الدخول من قاعات كبار الزوار بل من قاعات كبار الثوار.

ايها السوريون اتعظوا بالفلسطينيين ولا تدخلوا في جحور السياسة التي دخلوها وامنوا بسلاحكم وقتالكم ورصاصكم، فليس والله من حليف لكم سوى الرصاص، وكل الاخرين يتاجرون بكم وبدمائكم، وابتعدوا عن «ثرثرة الصالونات السياسية» لاولئكم الذين لا يجيدون سوى البحث عن وعود او منح وعود، والذين يحولون الثورة إلى «مكلمة» لا تنتج سوى الام ودماء وقتلى وجرحى ومشردين ودمار شامل.

=================

موقف بريطاني متلون من سورية

2012-09-12

القدس العربي 

قال وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ إن الدول الأوروبية لا يمكنها تقديم أي مساعدات عسكرية للثوار السوريين، بسبب الحظر الأوروبي على تصدير الأسلحة لسورية. وأضاف هيغ خلال تصريحات صحفية قبيل اجتماع لمسؤولين أوروبيين في قبرص، أنه لابد من حل سياسي للأزمة في سورية. الحقيقة أنني لم أسمع تصريحاً سياسياً أغبى من هذا التصريح وأشد حماقة منه، اللهم إلا تصريحات بشار الأسد ومساعديه والتي تبثها قناة الدنيا والإخبارية السورية. ولكنني أعتقد في الوقت نفسه، أن هيغ فضح مكنونات السياسة الغربية تجاه الثورة السورية.

الاتحاد الأوربي هو الذي فرض الحظر على سورية بشار الأسد، لمنع وصول السلاح إلى النظام الذي يقتل الأبرياء، هكذا قيل لنا، وهذا ما أعادوه وكرروه في كل اجتماعاتهم. ثم يأتي الوزير البريطاني ليقول إن هذا الحظر هو الذي يمنع أوروبا من إرسال الأسلحة للثوار الذين يقاتلون لإسقاط الأسد. هذا لا يعني بالنسبة لي إلا شيئاً واحداً، وهو أن الغرب كله وأمريكا بالطبع، تتآمر على الثورة السورية المباركة وتمنع السلاح عنها بهدف إطالة عمر النظام في دمشق. هذا النظام، الذي يدافع عن مصالح الغرب ومعتقداته أيضاً، فهو يحمي الكيان الصهيوني منذ خمسين سنة، ويساهم في قتل المسلمين في سورية على شكل إبادة جماعية، ترضي الغرب وتسره. فكيف يتحدث الوزير عن حظر الأسلحة على ثوار سورية في الوقت الذي لا تقوم أوربا بواجبها بمنع وصول الاسلحة الروسية والإيرانية لبشار الأسد، هذه الأسلحة التي تستخدم جهاراً نهاراً وأمام سمع العالم وبصره في قتل السوريين أطفالاً ونساء، ناهيك عن تدمير البنى التحتية وممتلكات السوريين. هذا يعني اتفاق الغرب على إيصال السلاح لبشار ومنعه عن الثوار. قد يقول قائل، إن الغرب يدرك أن نهاية بشار الأسد حتمية، وبالتالي فمن غير المعقول أن يساهم في مساعدته. بالتأكيد فإن الغرب يعلم أن بشاراً ساقط لا محالة، ولكن منع السلاح عن الثوار سيطيل بعمر سلطة الأسد، وبعمر الثورة أيضاً وسيؤدي إلى المزيد من قتل السوريين من جهة، وإلى المزيد من إنهاك سورية المحررة من جهة أخرى. فبعد انتصار الثورة السورية، المنتصرة حتماً، سيتجه السوريون إلى بناء دولتهم، وتشييد ما دمره الأسد وسيأخذ ذلك عشرات السنين من الجهد المضني، بما يعني انشغال السوريين عن الصهاينة ومشاريعهم، وماذا يريد الغرب والصهاينة أكثر من ذلك، إنه خدمة للمشروع الصهيوني الخبيث في المنطقة.

لم يشهد العالم خيانة للضمير الإنساني كما يشهدها اليوم، إذ يتفرج 'العالم المتمدن' على شعب يقصف بالطائرات، ويضرب بأنواع الأسلحة المحرمة، ويذبح أطفاله بالسكاكين، دون أن يقوم بأي عمل لإيقاف هذه المجازر. لا أدري إذا كان الساسة الغربيون مصنوعين من الحجر، أ لم يشاهدوا المشردين واللاجئين، ألم يسمعوا أنات الأمهات والآباء، ألم يروا كيف يذبح أطفالنا بدم بارد، وتحفر على رؤوس الشهداء عبارات النشوة بالقتل. ومع ذلك يطل علينا أندرس فوغ راسموسن ليقول: ليس هناك أي نية للتدخل العسكري في سورية إذ لا يمكن المقارنة بين حالتي ليبيا وسورية، لكنه لم يقل لنا لماذا لا يمكن المقارنة، ربما خجل أن يقول إن الغرب تدخل في ليبيا حماية لمصالحه النفطية التي تفتقر إليها سورية، وأن بشار الأسد المجاور للكيان الصهيوني والمحافظ على السلام مع الصهاينة لا يمكن استبداله بشخصية أخرى، ولعله أخفى خوفه من الشعب السوري الثائر ليس على الأسد فحسب بل على النظام الدولي برمته.

مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون صرحت من جانبها :إن استخدام النظام السوري للسلاح ضد مناوئيه أمر معيب.

لا أدري على أي قاعدة سياسية اختارت المسؤولة الأوروبية كلمة' معيب' هل علينا أن نخاطب بشار الأسد بعبارة ' عيب عليك يا راجل، أوقف القتل'.

لن أمل من الإعادة والتكرار، بأن على الشعب السوري ألا يثق بأحد في الغرب والشرق، بل عليه الثقة بنصر الله أولاً والاستمرار في الثورة حتى النصر. ويعلم القاصي والداني أن أجزاء كبيرة من سورية قد أصبحت محررة تماماً، وأن بشار الأسد إلى زوال وسيكون ذلك قريباً بحول الله. وما النصر إلا صبر ساعة.

د. عوض السليمان - فرنسا

=================

سورية: بين عبثية النظام وإرادة شعب

شفيق ناظم الغبرا *

الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

ورث بشار الأسد عن أبيه عام ٢٠٠٠ دولة وأجهزة وشعباً، لكنه لم يعرف ماذا سيفعل بما ورثه نظراً لاستحالة نجاح أسلوب التوريث بهضم بلد بعمق وحضارة وتنوع سورية. وعلى الأغلب تم إقناع بشار الأسد من قبل المسؤولين الأمنيين بأن المسؤولية في الدولة لا تتطلب الكثير، وأن كل شيء يمكن تقسيمه وتنظيمه بواسطة الأجهزة الأمنية التي أنشأها الرئيس السابق حافظ الأسد. بدأ الرئيس الجديد مهامه وأكتشف طريقاً إضافياً لربط الناس من خلال المصالح المالية، لكن ذلك الأسلوب غير الشفاف والذي لم يكن أميناً لمبادئ العدالة الاجتماعية أدى إلى الكثير من الفساد العائلي والأمني، ودفع بفئات كبيرة من المجتمع للشعور بالتهميش وأخرى بالغبن. وبعد أكثر من عقد على حكم بشار الأسد انفجرت كل مكونات التركيبة السورية. من خلال الثورة السورية بدأت سورية بالاستقلال عن عائلة الأسد وعن نظام سياسي تم رسمه بدقة وعناية منذ جاء حافظ الأسد إلى الحكم عام ١٩٧٠.

إن الأنظمة التي تبني بقاؤها على قوة الأمن والأجهزة والبوليس والاستخبارات تتفاجأ بالأحداث وذلك لأنها تمتلك معلومات مشوهة عن المجتمع الذي تدعي تمثيله، وهذا يقودها إلى فهم مفكك للمحيط، إذ تراه مشكلاً من سلسلة من المؤامرات. وقد يكون الرئيس بشار (وقبله صدام والقذافي) هو الآخر ضحية رؤية تآمرية يحملها، وذلك بحكم التربية، للتاريخ وللسياسة. فمن يحكم سورية في ظل نظامها الأمني والديكتاتوري لا بد من أن يشك في الأنصار كما والأعداء.

إن استمرار الأسد باتباع سياسة الأرض المحروقة في التعامل مع الثورة السورية التي تطالب بالتغير مع طول جمود وتسلط ستجعله يتخندق في ذات الموقع الذي وصل إليه من قبله كل من الرئيس السابق صدام حسين والرئيس السابق معمر القذافي أو الرئيس البوسني ميلوسوفيتش الذي خضع لمحاكمات دولية. إن الطريق المدمر الذي يتطور أمامنا لن يكون بلا حساب دولي وإقليمي. فقد مضى الزمن الذي يمعن فيه حاكم من أجل سلطة زائلة أو سيطرة مزيفة بقتل شعبه. قد تكون هذه المعركة في سورية أخطر معارك العرب مع الطغيان في وسطهم.

المواجهة القائمة بين النظام والشعب غطت كل الجغرافيا السورية، ففي سورية جيش نظامي وآخر حر انشق عنه بسبب انحراف الجيش النظامي عن مهامه، وهناك حصار للمدن وبخاصة لمدينة حلب ومعارك في دمشق العاصمة يقوم بها النظام، وأصبح النظام السوري الرسمي يسيطر على نسبة صغيرة من رقعة الأرض السورية وإن كان لا يزال يمتلك جيشاً قادراً على توزيع الموت على مجمل المدن السورية. وفي الوقت ذاته هناك ملايين اللاجئين السوريين في مناطق سورية مختلفة وفي دول الجوار، كما أن معظم التجار وأصحاب الأعمال خرجوا من البلاد. فحتى اللحظة لا يزال الشعب السوري يتظاهر، ولا يزال الشعب السوري ينزل للشوارع وذلك على رغم عسكرة قطاعات كبيرة من الثورة.

في الظروف الراهنة العنف الذي يمارسه النظام مفرغ من كل رؤية سياسية. فاستمرار العنف سيؤدي إلى نتيجة واحدة: انضمام المزيد من الناس إلى الثورة. إن الأسلوب العدمي للنظام السوري يعبر عن جانب عصبي يتحكم في تفكير القيادة السورية. وهو تصرف مغاير لأسلوب النظام المصري والتونسي وحتى اليمني في أصعب مراحل الثورات العربية.

ولو عدنا قليلاً للوراء سنسمع القصة التالية. ففي بداية الربيع العربي كانت أكثرية السوريين تقول: سورية مختلفة عن بقية دول الربيع لأنها تقاد من قبل شاب حقق بعض التقدم الاقتصادي. لكن بعد أحداث درعا والرد الدموي المرعب للنظام ثم طريقة إدارة الرئيس للأزمة وتصريحاته وخطاباته ومواقفه بدأ دعم الأسد وسط الغالبية السورية يضمحل. بل حتى المتعاطف مع النظام في صفوف السوريين أخذ بالتساؤل: إلى أين تسير سورية في ظل هذا النوع من القيادة؟ ما وقع في سورية نموذج واضح لرئيس فقد التأييد الذي توافر له بين السوريين في الأيام الأولى من الأزمة.

إن النظام السوري في وضع كهذا لا يمكن أن ينتصر، فإن انتصر سيقف على هيكل مدمر لا يمكن بناؤه بينما لن يتعاون معه أحد في المعمورة لإعادة بناء ما دمر، وإن هزم تكون تلك بداية لانبعاث إرادة الشعب. وربما تبقى حتى اللحظة بعض الحظوظ للحل السياسي الذي يؤدي لإيقاف الحل الأمني ولاستقالة الرئيس وكل مسؤول عن جرائم القتل بينما يبدأ طريق واضح باتجاه الإصلاح السياسي المتفق عليه.

لهذا السبب ما زالت الدول والأطراف تحاول طرح مبادرات سياسية بهدف تخفيف اندفاعة العنف الدموي للنظام السوري، فعنف النظام السوري ساهم في عسكرة المعارضة السورية وعمق الجروح بين السوريين. لكن استمراره يهدد سورية الكيان ويهدد موقع سورية في التوازنات الإقليمية كما يهدد كل من إيران وروسيا بفشل شامل. إن المبادرات الأخيرة من الرئيس محمد مرسي في مصر والموجهة لإيران ولروسيا قد تكون قد وقعت في وقت تفكر فيه القيادة الإيرانية والروسية بأنه يجب التحضير لمرحلة ما بعد الأسد وأن مرحلة الانتقال يجب أن تتضمن تفاهماً دولياً يسمح بإعادة بناء سورية.

لكن هناك أبعاداً أخرى للمبادرات الجديدة بما فيها مهمة المبعوث العربي الدولي الأخضر الإبراهيمي الشاقة والصعبة: محاولة تفادي الحل العسكري الدولي. فكل حرب تدوم وتتطور في ظل مقتل الكثير من الناس والمدنيين الأبرياء وفي ظل تجاوزات وجرائم حرب ستقود إلى التدخل العسكري في نهاية المطاف. إن الدعوة للتدخل الدولي ستكبر كما حصل في حروب البوسنة وكوسوفو وكمبوديا وغيرها. إن المبادرات لإيقاف الحل الأمني ولفرض الاستقالة على الرئيس الأسد هي المدخل الأول لإيقاف إمكانية التدخل الدولي بعد الانتخابات الأميركية.

لقد دمر النظام السوري سورية وقراها ومدنها، لكنه فشل في تدمير روحها الثائرة، وهذه ليست أول مرة يدمر النظام مدن سورية، لكن الجديد هذه المرة أن الشعب السوري أكثر قوة وقدرة على المواجهة، فقد تحرر من عقدة الخوف، وتحرر من الأوهام حول نظامه، وهو يتواصل مع الروح التي أيقظت فيه في السابق القدرة على المقاومة لنيل الاستقلال في زمن الاستعمار، هذه الطاقة المتجددة ستكون كفيلة باستكمال برنامج الثورة ثم بإعادة بناء سورية بعد انتهاء الكابوس الذي يتهددها.

=================

مصير دموي للإعلام في سورية

فايز سارة *

الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

قالت رابطة الصحافيين السوريين، وهي كيان نقابي مستقل، إن تسعة من الصحافيين والنشطاء في مجال الإعلام قتلوا في آب (أغسطس) الماضي في سورية، وهو تطور رفع عدد من قتل من الصحافيين والنشطاء الإعلاميين هناك في العام ونصف العام الماضيين إلى خمس وستين شخصاً، وهو رقم غير مسبوق حتى في ظل أزمات وكوارث حدثت في مختلف دول العالم. وتمثل الأرقام بعض مؤشرات ما أصاب الصحافيين والنشطاء الإعلاميين سواء منهم المحليين أو العرب والأجانب في هذا البلد، وقد أصيب بعضهم بجروح، فيما تعرض بعض آخر للاعتقال والتوقيف، وجرى طرد كثيرين منهم خارج البلاد بعد توقيفهم.

ويعكس ما حدث في جانب منه قسوة وضراوة ما حصل ويحصل في سورية من جهة، كما يعكس في جوانب أخرى، قسوة تعامل السلطات السورية مع المشتغلين في الإعلام، حيث أن ما يصيب الصحافيين والنشطاء الإعلاميين، يعكس طبيعة ما تقوم به السلطات السورية من عمليات حصار وقصف واقتحام لمدن وقرى، يسقط بسببها قتلى وجرحى، ثم يعقب ذلك القيام باعتقالات وتوقيفات، ثم عمليات تهجير، يأخذ بعضها مساره إلى مناطق سورية أخرى، فيما يتجه بعضها الآخر نحو الخارج عبر دول الجوار، وفي سياق هذه السلسلة، يقع الصحافيون والنشطاء الإعلاميون ضحايا ما تقوم به السلطات من ممارسات تنتمي إلى السياسة والممارسات الأمنية والعسكرية التي تتابعها منذ آذار (مارس) 2011 وتداعياتها.

لقد صاغت السلطات السورية سياستها في التعامل مع الإعلام والعاملين فيه على مبادئ الشك والحذر وصولاً إلى حد العداء، ومنع تسرب أو شيوع المعلومات، التي ينظر لها من زاوية أمنية، حتى وإن كانت تقع خارج هذا السياق، وفي ضوء تلك السياسة، كانت علاقة السلطات السورية متشنجة مع الإعلام والإعلاميين، وعجزت كل الجهود التي بذلت في العقد الماضي إلى جانب تطورات علوم الاتصال وتقنياته عن تغيير تلك العلاقة، بل إن الإعلام السوري الخاص الذي أقيم على أساس التحولات الإعلامية والتقنيات الجديدة، تحول بفعل السيطرة الرسمية الشديدة إلى تابع خاضع للنظام وأداة رخيصة له على نحو ما هي عليه قناة الدنيا مقارنة بما هي عليه المحطات الرسمية ومنها الفضائية السورية، والسبب الرئيس لذلك هو التحكم بالإعلام والإعلاميين وفق الضرورات السياسية للسلطة.

والجانب الثاني المكمل في سياسة السلطات هو الحد من دخول الإعلام والإعلاميين إلى سورية، ومنه ولدت حالة تقييد حضور وحركة الإعلاميين العرب والأجانب، ويتلقى الزوار منهم نصائح ترقى لمستوى التعليمات حول ما ينبغي الاشتغال عليه من موضوعات، والأشخاص الذين يمكن الاتصال بهم والتواصل معهم، ويتم تعيين مرافقين رسميين لهم، وغالباً ما يتم تقييم محصلة عملهم، ليتحدد في ما إذا كان سيتم السماح لهم بزيارات لاحقة للقيام بمهمات إعلامية جديدة.

لقد ساهمت تلك السياسة إلى جانب التطورات الميدانية في العديد من المحافظات ولا سيما المتاخمة لتركيا ولبنان إلى تسلل إعلاميين عرب وأجانب إلى مناطق وسط وشمال سورية لتغطية الأحداث، فيما كانت ظاهرة الإعلامي المواطن تتفشى في كل المدن والقرى، حيث ظهر إخباريون ومصورون ومحللون لم يكونوا في الإعلام سابقاً، مما ولد سيلاً لا ينقطع من الأخبار والمعلومات والتحليلات والصور والأفلام، وشكلت خرقاً فاضحاً لسياسة النظام الإعلامية وتعرية لممارساته، فجعل الإعلام والإعلاميين بين أهدافه، وقد سقط أغلبهم في مناطق المواجهات وفي خلالها، وتم إلقاء القبض على آخرين وإبعادهم، فيما جرى اعتقال بعضهم بمن في ذلك صحافيون أجانب.

لقد حولت تلك السياسة سورية إلى واحدة من أكثر البؤر سوءاً في تعاملها مع الإعلاميين ومن أكثر المناطق خطراً عليهم، وهو أمر شائع منذ زمن طويل، وقد زادت الأحداث السورية الراهنة ولا سيما مجريات الحل الأمني العسكري الذي تتابعه السلطات خطورة الوضع السوري في تأثيره الدموي على الإعلاميين سواء المحترفين أو النشطاء الإعلاميين الذين لم تمنعهم معرفتهم بالواقع السوري واحتمالات الخطر فيه من الانخراط في تغطية إعلامية غير محدودة لما تشهده مدن وقرى سورية كثيرة من أحداث تستحق أن يطلع العالم على محتوياتها ومجرياتها.

=================

مرحلة صمود قاسية تبدأ في دمشق

الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

هي أصعب الأوقات في سورية الآن. مواجهات قتالية غير متكافئة، وشعب متروك لإرهاب السلطة. نظامٌ تهالكت هيبته وتهتّكت سيطرته وثقة أنصاره وحلفائه به. وزير إعلامه يقول إن «الجيش لا يستخدم القوة المفرطة»! وكأن أحداً لم يُعلِمه أن الطائرات تقصف والصواريخ تهطل على السوريين في بيوتهم، فهل هذه قوة ناعمة؟ وهل الإعدامات الميدانية واستهداف المخابز وحرمان حلب من المياه وتدمير العمارات فوق ساكنيها هي من قبيل ضبط النفس؟ لم يعد هناك أي «مسؤول» يفترض أنه «مدني» إلا وقد انتابه وباء «التشبيح». هذا «وزير» يريد أن يتحلّى الإعلاميون جميعاً بالرعونة الفظّة وانعدام الانسانية، كما روبرت فيسك و «قناة الدنيا» وفروعها اللبنانية، لينقلوا ترهات إعلامه الذي، كما قال، «لا يكذب ولا يخدع ولا يفبرك»، بدليل شفافيته الناصعة منذ اقتلاع أظافر الأطفال في درعا الى السيدة المحتضرة في مجزرة داريّا.

هي أحلك اللحظات في سورية الآن. قيل ويقال الكثير عن الدعم العسكري للمعارضة، لكنه في الواقع لا يزال متواضعاً، فالتضييق مستمر على التسليح، على رغم مراهنة «الأصدقاء» على اختراقات ميدانية تغيّر مسار الأزمة. يتداول المعارضون كثيراً من الاستياءات، بعضها من دولة «قبضت» ثمناً مضاعفاً لأسلحة تحجم عن تسليمها، ومن تقلبّات دولة اخرى تكاد تتسبب بإخفاق المقاتلين في حلب ودمشق. لم تتبدد يوماً مخاوف المعارضين، على اختلاف انتماءاتهم، من أن يُخذلوا بعد كل التضحيات التي بذلوها وبعد كل ما أنجزوه، لذا يبقى لديهم هاجس «أن يتركونا فريسة للنظام... اذا اتفقوا على تسوية في ما بينهم». صحيح أن المعارضين، ولا سيما العسكريين، ناقشوا طويلاً مع «الأصدقاء» الاميركيين وغيرهم كل ما يتعلق بالنيات والأهداف، وتوصلوا الى تفاهمات في شأن المطلوب قبل «مرحلة التحرير» واثناءها وبعدها، لكن الذي يده في الجمر ليس كمَن يتفرّج عن بُعد، ومَن يفقد يومياً مئات وعشرات من الأهل ليس كمَن يكتفي بعدّ الجثث. يبدو أن الثقة «المتبادلة» تتطلب مزيداً من الوقت، وبالطبع كثيراً من العمل. لذلك بقيت وتيرة المساعدة غير متناسبة مع سرعة الوعود وصلابتها الظاهرة.

مرحلة الصمود البادئة حالياً قاسية ومريرة، فُرز فيها الشعب بين مَن رحل ومَن يستعد، ومَن يفكّر في الرحيل أو يتمناه، ومَن لا يستطيع الرحيل ولا يعتزمه. هذه المرارة هي التي تدفع بسوريات وسوريين الى الاعتصام والإضراب عن الطعام في الخارج لعل ألمهم يستنهض ضميراً عالمياً لا ينفك يتماوَت. انهم من هذا الشعب الذي ثار ولم يعد يرضخ لما أو لمَن يستصغر آدميته. يستفزهم أن تصبح المجازر روتيناً، يشعرون بأن ثمة خطراً كابوسياً قادم، ويستقرئون في الآتي كلفةً دمويةً لا سقف لها. انهم لا يخشون على الثورة واستمرارها، فالشعب تجاوز الارتهاب من النظام وحتى من الموت، لكن سكوت العالم على المذبحة المتمادية هو ما يروّعهم.

كان «الأصدقاء»، قبل أن يصبح إسمهم «أصدقاء»، عجزوا عن تأمين أي حماية للمدنيين فساهموا مع النظام في القضاء على سلمية الثورة، كانوا ينهون عن عسكرتها تجنباً لـ «حرب أهلية» لم يملّوا التحذير منها، وكانوا يمانعون تسليحها والآن يراهنون على العسكريين لكنهم يتلكأون في تمكينهم على رغم أنهم يرحّبون بالانشقاقات بل يشجعون عليها. فهل إن التفسير الوحيد لتخبّط «الأصدقاء» وبلبلتهم أنهم ينتظرون جميعاً انقضاء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لتصبح الوعود ممكنة التحقيق؟ وهل إن هذا الانتظار يسوّغ ترك النظام يواصل تدمير حلب من دون أن يحسم المعركة، وهل هو ما يفرض تقنين الدعم لـ «الجيش الحرّ» فيها ومنعه أيضاً من الحسم على رغم الفرص المتاحة له؟... لكن ماذا يعني كل ذلك طالما أن دول «الأصدقاء» لا تعتزم التدخل المباشر ولا حتى نصف المباشر في نهاية المطاف: لا بد من أنه يعني استمرار البحث سرّاً بين الاميركيين والروس عن صيغةٍ ما لـ «حل سياسي» ما. ألم يقل السيئ الذكر سيرغي لافروف إن الطرفين «متفقان على الأهداف» في سورية، وطالما أن الجانب الاميركي لم ينفِ هذا الاتفاق، فالأسوأ أنهما متفقان على عدم الإفصاح عن تلك الأهداف. ولا داعي للتكهن، فاتفاقات الكبار لم تشذّ تاريخياً عن طبيعتها، فهي عادةً مخيبة للآمال، ويندر أن تكترث بطموحات الشعوب.

من الواضح أن «الاتفاق على الأهداف» هذا لم يكتمل بعد بالاتفاق على آلية تنفيذها، وقبل ذلك بتلبية المطالب الروسية، وبالتفاهم على تقاسم المصالح والأدوار. وفي الانتظار، ستستمر التمثيلية السقيمة في مجلس الأمن. روسيا قالت إنها «ستدفع» هذا المجلس الى المصادقة على «اتفاق جنيف». لا تريد الاعتراف بأنه اتفاق طُوي مع مهمة كوفي انان. نسيت أن تعديلاتها عليه قتلته، وأنها دعت الى اجتماع لإحيائه ولم تلبَّ دعوتها، وأن محاولتها الجديدة ستُواجه بتعديلات مضادة سواء لجعله اتفاقاً ملزِماً خصوصاً للنظام ومتوعداً بعقوبات. لكن روسيا تواصل التحسّب، مثلها مثل النظام السوري، لمهمة الأخضر الإبراهيمي. هي تلعب ورقة «اتفاق جنيف»، وهو يلعب «وقف تمويل المعارضة وتسليحها» و «تطهير سورية من الجماعات الارهابية»، وفقاً لوزير خارجية النظام، وإيران تلعب التوتير الاقليمي. في المقابل، تلعب الدول الاخرى ورقتي «نقل السلطة» و «التنحي» كثمن حدٍ أدنى لافتتاح أي حوار والبدء بالمرحلة الانتقالية. وبديهي أن المزاج الشعبي والوضع على الأرض تخطّيا عملياً كل هذه الأوراق، وتواصل قسوة العنف تجذيرهما في الطموح الأكبر، وهو إسقاط النظام.

وإذ يوشك الابراهيمي على أن يستهلّ مهمته، ولا أحد يعرف عنها سوى أنها لن تتّبع منهجية انان التي اخترقها النظام السوري وما لبث الروس أن احتووها حتى أهلكوها... لكن استقراء تصريحاته يعكس قناعاته الأولية، وهي لافتة. ذاك أنه معني بـ «حل سياسي» سيحاول بلورته، ثم تفعيله بدعم «كامل» من مجلس الأمن، ومن دون «تدخل عسكري» لا بدّ من أن يعطّله. هذا العنوان الكبير مريح للنظام ولروسيا وإيران، وغير مقلق واقعياً للدول الاخرى، لكنه يشحذ شكوك المعارضة. أما كيفية التوصل الى صيغة لهذا الحل، فالإبراهيمي مدرك أن ثمة صحراء على جميع الأطراف اجتيازها معه. وإذا كان لنقطة انطلاقه أن تبدأ من دمشق، فإنها استُبقت مجدداً بأمرين يرفضهما النظام، أولهما مشاركة الجامعة العربية في انتداب الابراهيمي، والثاني اعادة تعيين الوزير الفلسطيني السابق ناصر القدوة نائباً له. الى ذلك، سجّل النظام مجموعة «رسائل» ذات مغزى أطلقها المبعوث الدولي - العربي كمقدمات لمهمته، ومنها: 1- هناك حاجة الى اطار سياسي جديد...، 2- الى وضع جديد في سورية، 3- التاريخ لا يعود الى الوراء، 4- دور الحكومة ومسؤوليتها أكبر في وقف العنف، 5- عملية سياسية تمكّن الشعب من تلبية طموحاته، 6- على الحكومة «أن تدرك» مدى المعاناة التي نزلت على شعب سورية، 7- وأن التغيير ضروري وعاجل، 8- لا بد من ارضاء الشعب السوري واستجابة تطلعاته المشروعة... وهكذا، ففي أقل التقديرات سيتعامل الابراهيمي بهذه المقاربة التي تقول للنظام انه اذا كان يريد حقاً الحل السياسي فعليه أن يقنع العالم بأنه مستعد لتحمّل المسؤولية، وأن يحدد كيف سيفعل ذلك وبأي ثمن. وعندئذ فقط يمكن التحدث الى المعارضة. أما اذا لم يكن لدى النظام ما يتنازل عنه، فليس له أن يتوقع تنازل الشعب عن الدم والتضحيات.

=================

نظام انتهازي لا هو ضمانة للمسيحيين ولا حتى للطائفة العلوية!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

13-9-2012

ليست هي المرة الأولى، منذ أن نقل بندقيته من كتف إلى كتف آخر وتحالف مع النظام السوري وبالتالي مع إيران وحزب الله وأصبح «مقاوما وممانعا»!!، التي يطلق فيها الجنرال ميشال عون مثل هذا التصريح الذي أطلقه قبل أيام وحذّر فيه من أن إسقاط نظام بشار الأسد قد يقضي على لبنان وعلى المسيحيين فيه «لأن الأنظمة التي ستأتي يرجع تفكيرها إلى ما قبل القرن الرابع عشر»!! أي الى بداية إقامة الدولة الإسلامية وعهد الخلفاء الراشدين.

إن ميشال عون مثله مثل ميشال سماحة، دأب على إطلاق مثل هذه التصريحات التي استهدف فيها الأكثرية السنية في المنطقة العربية بعد أن اختار التحالف مع نظام بشار الأسد، الذي هو نظام طائفي وليس نظام الطائفة، ومع إيران وبالتالي مع حزب الله.

وحقيقة أن موقف ميشال عون مع المسلمين السنة سببه الأساسي أنه شعر، وهو لا يزال يشعر، أن هؤلاء كانوا في ثمانينات القرن الماضي قد حالوا بينه وبين الوصول إلى قصر بعبدا ورئاسة الجمهورية وأنه لولاهم لكان قد احتل هذا الموقع بعد انتهاء ولاية الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل وأنه كان بإمكانه أن يضمن التجديد لنفسه أكثر من مرة.

وهنا فإن الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن النظام السوري، الذي يحتل رئيسه بشار الأسد موقع الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي وموقع الأمين القطري لهذا الحزب الذي من المفترض أنه حزب قومي وحزب علماني يرفض الطوائف والطائفية وبخاصة الطائفية السياسية، قد حقق نجاحا، ما لبث أن اعتراه الفتور بعد اتضاح الكثير من الحقائق، في إشعار مسيحيي سوريا بل وكل الأقليات الدينية والطائفية والإثنية أيضا مثل الدروز والعلويين والإسماعيليين وبعض الأكراد بأن وجودهم من وجوده وأن انهياره سيعرضهم لما تعرضت له الأقليات القبلية والمذهبية في رواندا وفي الكثير من الدول الأفريقية.

لا شك في أن هذه المناورة التي لجأ إليها نظام بشار الأسد قد حققت وبخاصة في البدايات نجاحا لا يمكن إنكاره أدى إلى استنكاف المسيحيين السوريين، الذين يقدر عددهم بنحو 750 ألفا، بأكثريتهم عن الالتحاق بثورة شعبهم وإلى تأخر الدروز، الذين يبلغ عددهم نحو ربع مليون نسمة معظمهم في منطقة السويداء في حوران وبعضهم في عدد من قرى هضبة الجولان السورية، عن المشاركة في هذه الثورة وذلك على الرغم من مناشدات الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بأن عليهم أن يبتعدوا عن هذا النظام الذي لا يهمه سوى الاستمرار في الحكم الذي كان بدأه في عام 1970 واستمر حتى الآن.

ولعل ما لا يمكن إنكاره ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة الهامة جدّا أن تصرفات بعض الذين حسبوا أنفسهم على الثورة السورية، وبخاصة المجموعات والتنظيمات الهامشية الصغيرة قد ساعدت النظام فيما أراده وسعى إليه من خلال إطلاق تصريحات التحريض الطائفي وتأليب الناس سوريين وغير سوريين أولا على الطائفة العلوية ثم على الأقليات الدينية الأخرى وبخاصة المسيحيين الذين ما كانوا شعروا في أي يوم من الأيام أنهم أقلية مستهدفة، إن في سوريا وإن في لبنان وأيضا إن في الأردن وفلسطين، وأنهم ليسوا شركاء أساسيين في هذه الأوطان التي هي أوطانهم وعلى قدم المساواة مع أشقائهم المسلمين.

وحقيقة أنه إذا كانت هناك مخاوف قد ساورت البطريرك الماروني بشارة الراعي تجاه احتمال أن تصبح بعض الأحزاب والتنظيمات والجماعات الإسلامية التي توصف بأنها متطرفة بديلا لنظام بشار الأسد ولبعض أنظمة دول المنطقة فإن هناك مخاوف أكثر من هذه المخاوف لدى شيخ الأزهر أحمد الطيب ولدى الكثير من كبار رجال الدين المسلمين سنة وشيعة وكذلك أيضا فإن مثل هذه المخاوف تصل إلى حد «الرعب» لدى كل الذين يتطلعون إلى أن يكون البديل - ليس في سوريا وحدها وإنما في كل دول المنطقة - أنظمة مدنية وديمقراطية وعلمانية وليبرالية.. وأن الدين لله والوطن للجميع وهذا هو الحال حتى في مصر التي انتقل فيها الحكم من حسني مبارك وحزبه إلى الإخوان المسلمين الذين تواجه مساعي ومحاولات بعضهم «أخونة» هذا البلد الذي من غير الممكن «أخونته» سياسيا بالرفض والمقاومة لأنه بلد تعددي ويرفض أهله الشمولية.

لا يمكن أن يكون بديل نظام بشار الأسد، الذي اخترع لعبة الطوائف ليس حرصا على المسيحيين ولا على العلويين ولا على غيرهم وإنما حماية لنفسه وتعزيزا لسيطرته، إلا نظاما تعدديا وديمقراطيا ومدنيا وأيضا علمانيا؛ فالشعب السوري بعد كل هذه المعاناة الطويلة، منذ بداية ستينات القرن الماضي وقبل ذلك، لا يمكن أن يقبل بنظام شمولي وبحكم حزب واحد ولا يمكن إلا أن يخرج من هذه الدائرة الشيطانية نهائيا لتكون دولته الجديدة دولة ديمقراطية ولكل أهلها وليكون الوصول فيها إلى سدة الحكم على أساس الكفاءة وليس على أساس الولاء العشائري ولا الانتماء المذهبي ولا الطائفية المقيتة.

وفي هذا المجال فإنه لا بد من التذكير بأن الإخوان المسلمين في سوريا كانوا قد أصدروا وثيقة في غاية الأهمية أكدوا فيها على أن حق المواطنة في دولة المستقبل وفي النظام البديل هو لكل مواطن وأن من حق المسيحي أن يكون رئيسا للجمهورية وكذلك المرأة وأن الاحتكام في كل شيء وبالنسبة إلى أي شيء سيكون صناديق الاقتراع وأن الشمولية مرفوضة وأنه لا عودة إطلاقا لتجربة الحزب الواحد والقائد الأوحد «مبعوث العناية الإلهية».

وهكذا وعودة إلى البداية، فإنه لا بد من إسماع ميشال عون ما كان سمعه كثيرا وهو أن ضمانة المسيحيين في هذا الشرق، الذي هو شرقهم كما هو شرق الآخرين وليس شرق السنة ولا الشيعة فقط، هو «التعايش» والابتعاد عن التقوقع وهو عدم التطلع لا إلى الغرب الكاثوليكي ولا إلى الشرق الأرثوذوكسي. فالدين لله والوطن للجميع سواء أكان هذا الوطن سوريا أم لبنان أم الأردن أم مصر أم فلسطين أم العراق. ثم أنه لا بد من تذكير هذا الرجل، الذي مثله مثل ميشال سماحة لم يجد ما يحتمي به إلا الالتحاق بما كان يعتبره عدوا لدودا ومحتلا لبلده، أن نصارى الشرق العربي كله كانوا وما زالوا حملة لواء الدعوة القومية العربية وأنهم كانوا وما زالوا ينظرون إلى الإسلام على أساس أنه بيئتهم الثقافية.

عندما جاء هذا النظام في منتصف سبعينات القرن الماضي بقمعه واستبداده إلى لبنان فإن أيّا من طوائف هذا البلد ومكوناته الاجتماعية لم تسلم من شره ومن تجاوزاته وقمعه؛ فمدافعه قصفت الأشرفية وجونية كما قصفت صيدا وعالية وبيروت الغربية، وكذلك فإن الاغتيالات التي نفذتها أجهزته استهدفت رينيه معوض وجبران تويني وسامي الجميل وبشير الجميِّل أيضا كما استهدفت الشيخ حسن خالد والشيخ صبحي الصالح ورفيق الحريري وكما استهدفت موسى شعيب وكمال جنبلاط ورياض طه، وكذلك فإن اعتقالاته قد شملت كل الملل والنِّحل من دون أي تمييز بين أي مذهب ومذهب آخر وبين أي طائفة وطائفة أخرى.

=========================

الدلالات الثقافية العميقة لفضيحة الإعلام الإيراني

د. محمد عياش الكبيسي

2012-09-11

العرب القطرية

صدم العالم بالفضيحة الإعلامية للنظام الإيراني في قمة عدم الانحياز والتي انعقدت مؤخرا في طهران؛ حيث تم تزوير كلمة الرئيس المصري محمد مرسي بشكل فاقع لا يحتمل التأويل أو التبرير، فالثورة السورية على النظام الأسدي الظالم تحولت في الترجمة الفارسية إلى الثورة البحرينية! وتم حذف أو تحريف كل كلمة تمس النظام الأسدي، وهناك كلام عن حذف العبارة التي استهل بها مرسي كلمته «ورضي الله عن ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي»!.

النظام الإيراني لم يستطع أن يتلافى الكارثة إلا بإلقاء اللوم على الشخص المترجم؛ حيث التبست عليه بعض الكلمات أو العبارات!

وأيا ما كانت طريقة النظام في احتواء هذه الفضيحة فإنها قدمت دلالات وتصورات جديدة عن طبيعة هذا النظام وأسلوبه في التعبير عن ذاته وسياساته الداخلية والخارجية.

بديهيا إن المترجم لم يكن على علم بما سيقوله محمد مرسي أو غيره من المتحدثين، وبديهيا أيضا إن المترجم لا يمكن أن يتخذ قرارا آنيا على هذا المستوى من الخطورة، فلم يبق أمام الباحث المنصف والمحايد إلا أن يصل إلى نتيجة أن قرار التحريف قد اتخذ كاستراتيجية احتياطية لتلافي ما يمكن أن يقوله مرسي مما لا يرغب النظام بوصوله إلى الشعب الإيراني، خاصة أن مرسي هو أول رئيس مصري يزور طهران منذ عقدين أو أكثر وأنه بكل تأكيد يمتلك ثقافة ورؤية تختلف عن حسني مبارك وكل الرؤساء المصريين السابقين.

هذه الاستراتيجية الاحتياطية انطوت على دلالات خطيرة في السياسة الإيرانية بل وفي الثقافة العميقة للنظام الحاكم.

كان المشهد غريبا وربما متناقضا فكلمة المرشد الأعلى بعمامته ولحيته وعباراته الدينية والهالة التقديسية من حوله كل هذا يعطي انطباعا أن الأداء الإداري للقمة وخدمة الضيوف المشاركين سيكون بمستوى مختلف أو متميز عن القمم الأخرى التي تعقد في دول لا تتسم بهذا البعد الديني، لكن الذي حصل هو انتهاك لمنظومة القيم الدينية والعلائقية وحتى لأدبيات الضيافة والتواصل المجتمعي، وهذا في الحقيقة لا يمكن أن يكون زلة طارئة بل هو قرار سياسي منسجم مع أرضية ثقافية ما زال العالم يجهلها أو على الأقل لم يضعها في إطارها التشخيصي الموضوعي، ذلك أن التدين قد يكون دافعا لتحسين العلاقات الإنسانية ، وقد يمارس دورا معكوسا كما قال القرآن الكريم معللا السلوك المنحرف لنمط من التدين: {ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} آل عمران-75؛ حيث تمتزج المعتقدات الغيبية بموروث شعبي متراكم يستبطن في داخله عُقَدا مستعصية من ثقافة الكراهية والثأر والانتقام، وهذا النوع من السلوك الديني يشكل خطرا على المجتمعات الإنسانية أكثر بكثير من نزعات الأنانية التي تدفع إلى سلوك سياسي براجماتي وهو ما يمثل اليوم العنوان الأبرز للتدافع السياسي على مستوى العلاقات الدولية وعلى مستوى العلاقات الحزبية الحزبية داخل الدولة الواحدة.

في السياسة البراجماتية يكون الدافع هو الاستئثار بمزيد من الثروات والمكاسب المادية والمعنوية، وهذه السياسة قد تنتج حراكا تنافسيا لتطوير المجتمعات وقد تنتج صراعا مؤذيا وذلك بحسب طبيعة المجتمع وثقافته والنظام السائد فيه، أما السياسة الدينية التي تستند إلى مقولات ثأرية وانتقامية فإنها لا يمكن أن تكون إلا أداة تدميرية ولجميع الأطراف، ومن يتابع حملات البوذيين في حرق أطفال المسلمين في بورما وتهديم منازلهم والتلذذ بشق بطون الحوامل يدرك أي صورة يمكن أن يصل إليها المجتمع البشري في ظل هذه الثقافات، وهؤلاء البوذيون المتعصبون على استعداد للتضحية حتى بمصالحهم في سبيل الوصول إلى شهوة السكر الثأري والانتقامي، وهذا ما يفسر المستوى المعيشي المتدني للبوذيين أنفسهم وسكوتهم أو قبولهم بهذا المستوى.

في التجربة العراقية مثال آخر، فالطائفة الشيعية اليوم مسكت بزمام الأمور في البلاد، وهي تتربع على منجم من الثروات المتنوعة لا مثيل له في العالم، ومع هذا يعيش الشيعة قبل غيرهم حالة من البؤس والشقاء تجعلهم في مصاف الشعوب الأكثر فقرا في العالم، شعب يعيش بلا كهرباء ولا خدمات صحية ولا بنية تحتية، شعب لا يدري أين تذهب ثرواته وكيف توزع، ومع كل هذا فإن المسيرات المليونية لا تسمع منها صوتا واحدا يطالب بمعالجة هذا الوضع المزري، فالملايين مشدودة إلى ثقافات تاريخية مشحونة بأدبيات الثأر والانتقام ولا مجال فيها للنزول أو الصعود إلى مستوى الاهتمامات الإنسانية العادية في الخدمات والوظائف ومتطلبات الحياة المعاصرة.

الشعب الإيراني الذي مارس الإعلام الرسمي بحقه كل هذا التزوير أو التضليل لم تظهر منه أية ردة فعل وكأن الأمر لا يعنيه ولا يتعلق به، ولو حصل هذا في المجتمعات الغربية لكان له تداعيات قد لا تقف عند حد التحقيق والمحاكمة.

هذه الصورة التي قدمها الشعب الإيراني عن نفسه لا يمكن تفسيرها إلا بنمط السلوك الديني المزدوج والذي يغذي نزعة الكراهية تجاه الآخر وبالقدر ذاته يغذي السلوك التبريري لقياداته الدينية في كل ما تقوله وتفعله. إيران لا تختلف عن العراق من حيث الموارد الاقتصادية الضخمة والمتنوعة، وقد كان من الممكن أن تكون الدولة الاقتصادية الأولى في المنطقة وأن ينعكس هذا في مستوى دخل الفرد والخدمات المقدمة له خاصة أنها دولة دينية تركز في أدبياتها على معاني العدل والنزاهة وتجعل نموذجها الأعلى في ذلك سيرة علي بن أبي طالب والذي عرف عنه شدة الورع في التعامل مع المال العام وتوزيعه، لكن صورة الخليفة الراشد أو «الإمام المعصوم» لا تستدعى لتأسيس نظرية عادلة في توزيع الثروات بقدر ما تستدعى للانتقاص من رموز الأمة والذين كانوا شركاء لعلي بن أبي طالب على الأقل في إيصال الإسلام إلى هذه البلاد، كما تستدعى سيرة الحسين وقصة استشهاده لترسيخ ثقافة الانتقام و «القصاص» من خصوم وهميين لم يحضروا واقعة الطف ولم يرضوا بها.

وإذا كانت الجزيرة قد تمكنت اليوم بفضل مهنيتها العالية وإمكاناتها المتطورة أن تكشف هذا التزوير الفاقع فمن الذي سيتمكن من كشف الروايات التزويرية التي انبثقت من هذه الثقافات المعقدة لتشويه صورة التاريخ الإسلامي وإنجازات الفاتحين الأوائل وبناة الحضارة المتميزة في هذا العالم؟

لقد كنت أسمع لواحد من الأساتذة الشيعة العراقيين وهو يتغنى بحضارة العراق وما قدمته بغداد من علم وأدب وفن، فقلت له: إنك اليوم تتحدث كعراقي وليس كشيعي، فقال: إنني شيعي وعراقي، قلت هذا غير ممكن، فالرواية الشيعية لتاريخ العراق من الفتح الإسلامي وحتى سقوط بغداد على يد الجيش الأميركي رواية سوداء لم تستثن واحدا من بناة التاريخ العراقي من عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص حتى المنصور وهارون الرشيد والمعتصم، فضلا عن «الحكم العارفي» و «الصدامي» ففي أي عهد سياسي بنيت هذه الحضارة؟

إن الرواية الشيعية التي وصلت إلى حد تسمية الفتوحات الإسلامية بالفتوحات الجنكيزخانية! لم تستثن يوما واحدا في هذا التاريخ ولا شبرا واحدا في تلك الجغرافيا، ولذلك نحن اليوم مدعوون بشكل جاد للتحقيق في كل ما كتبه الشيعة عن تاريخنا من يوم السقيفة وكربلاء إلى كلمة محمد مرسي ومحاكمة طارق الهاشمي.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ