ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 09/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

رأى الراية..شهادة الصليب الأحمر

الراية

8-9-2012

شهادة رئيس اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر بيتر مورير- الذي أكّد فيها خلال مؤتمر صحفيّ أمس أنّ الوضع بسوريا يزداد تدهورًا بشكل سريع وأنّ الحرب أحدثت دمارًا هائلاً لحِق بالبنية التحتيّة في دمشق- يجب أن تحفِّز المجتمع الدوليّ لاتخاذ قرار سريع لإنقاذ الشّعب السوريّ الذي يعيش ويلات الحرب من قتل وتشريد ودمار.

ليس من المعقول أن يتفرّج المجتمع الدوليّ على الوضع المروِّع بسوريا ولا يتحرك رُغم أنّ الجميع يدرك أهمية اتخاذ قرارٍ ما خاصّة بعد الموقف العربيّ الموحّد والصّارم من الأزمة والذي يجب أن يُشكّل بداية التحرّك لموقف دوليّ فاعل وواسع للضغط من أجل إنهاء الانقسام وإيجاد توافق دولي يمكّن المنظّمات الدوليّة أو التجمُّعات الدوليّة الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي من التدخُّل بعد فشل مجلس الأمن ولذلك فإن دعوة فرنسا لاجتماع أوروبيّ عاجل لاتخاذ موقف موحد من الأزمة يجب أن تتطوّر إلى إجراء عملي أوروبي على الأرض من أجل حماية النازحين واللاجئين بإقامة مناطق آمنة داخل الأراضي تكون نواة لمناطق مُحرّرة خاضعة للثوّار بدعم دولي.

إن الدعوة التي أطلقها الرئيس الفرنسي بشأن تسريع العمليّة الانتقاليّة السياسيّة في سوريا ومُساعدة المجلس الوطنيّ الانتقاليّ على تشكيل حكومة انتقاليّة يجب أن تتحوّل إلى إجراء حقيقيّ بحيث يكون الهدف الرئيس لمُهمّة المبعوث الخاصّ المشترك الأخضر الإبراهيمي باعتبار أن تشكيل حكومة انتقاليّة موسّعة تضمّ جميع مكونات المعارضة السوريّة وتتمتّع بجميع الصلاحيّات تسهّل من مهمّة المجتمع الدوليّ للتعامل مع الأزمة مثلما تمّ في ليبيا إبان ثورتها على القذافي، كما تضع النظام أمام الأمر الواقع وتجبره على مراجعة حساباته خاصّة في ظلّ تزايد الانشقاقات في صفوفه.

من المهمّ أن يدرك المجتمع الدوليّ بصفة عامّة والعرب وفرنسا وتركيا بصفة خاصّة أنّ استمرار الأزمة السورية وعدم مواجهة نظام الأسد يهدد السلم والأمن في المنطقة والعالم وأنه لا بدّ من التصدّي للنظام بكلّ السُبل والوسائل وأنه من غير المقبول التلكُّؤ في ذلك خاصّة بعد الإجماع العربيّ والإسلاميّ والأوروبيّ بشأن تداعيات الأزمة التي تسبّب فيها النظام بتواطؤ مع المجتمع الدوليّ الذي فشل في اتخاذ موقف شجاع لإنقاذ الشعب السوريّ وإجبار النظام على وقف استخدام الخيار العسكريّ في حربه ضدّ شعبه، فقد حانت ساعة الحسم لمواجهة النظام الذي أوصل سوريا إلى وضع شبيه بكربلاء قبل 1332 عامًا كما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.

=================

حول صراع نظامي سوريا وإيران على ابتلاع لبنان

مصطفى علوش()

المستقبل

8-9-2012

منذ بضع سنوات، وفي لقاء لمجموعة من نواب المستقبل مع أمين عام حزب الله، أثناء فترة المبادرات الطوباوية لهذه الكتلة، ذكّر نصر الله أحد النواب، وهو طبيب معروف، بقضية حقيقية تخصه قائلاً:

"من الواضح أن عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري كانت عملية متقنة ومحضرة بعناية ودقة، وأنا أريد أن أذكر سعادة الدكتور بما قاله لأحد قادة القوات السورية في لبنان الذي أتاك للمعاينة الطبية بعد اغتيال الياس حبيقة عندما قال لك الضابط السوري: معقول يا دكتور أن أتهم أنا شخصياً، وبالتالي سوريا، باغتيال حبيقة وهو حليفنا؟!

فقلت له: لا، هذا افتراء وظلم، فلو كلفت المخابرات السورية باغتياله لكانت دمرت المباني حول موقع الانفجار، ولكان سقط عشرات القتلى والجرحى، ولكان خرج ايلي حبيقة من دون أن يصاب بأذى!؟ واستغرق الأمين العام مع الحضور بالضحك.

ليست القضية في مجال التندر فقط، فالمستغرب هو أن إحدى وسائل دفاع عباقرة حزب الله عن النظام السوري في قضية اغتيال رفيق الحريري هو أن المخابرات السورية أعجز عن أن تنفذ هكذا عملية، وبهذه "المهنية والاحتراف العاليين".

أما الشق الثاني من الدفاع فقد تركز على موضوع واحد تم تكراره لفترة طويلة "من المستفيد من هذه الجريمة؟", والمقصود هنا أن تكون ردة الفعل هي أن "إسرائيل المستفيد من هذه الجريمة" فجسم العدو "لبيس" وقد نسبت اليه بنجاح كل الأعمال القذرة التي مارسها العباقرة المقاومون والممانعون ضد معارضيهم أولاً، وضد بعضهم ثانياً.

أنا لا أسعى إلى تبرئة إسرائيل من مسألة الاستفادة من إلغاء رفيق الحريري من المعادلة السياسية في لبنان والمنطقة، ولكن المؤكد هو أن أطرافاً أخرى استفادت، أو خيل لها أنها ستستفيد من هذه الجريمة، والأهم هو من نفذها على الأرض مستدرجاً معه أطرافاً أخرى إلى ساحة الجريمة.

بين الفوهرر والدوتشي

تذكرني العلاقة القائمة بين نظام الولي الفقيه والوكيل المعصوم في إيران بنظام الزعيم الخالد والباقي إلى الأبد في سوريا، على مدى أكثر من ثلاثين سنة بالعلاقة التي جمعت أدولف هتلر وبنيتو موسوليني في الحلف الذي دمر العالم في الحرب العالمية الثانية. فعلى الرغم من حاجة الطرفين إلى بعضهما، فقد كان للطرف الألماني الباع الأكبر في القوة والصلابة مقارنة مع ايطاليا. أما من ناحية تقييم كل طرف للآخر، فمن المعروف أن الأوساط النازية كانت تنعت حلفاءها الفاشيين بالقصور والتخلف والفشل مقارنة مع "مهنية ودقة وفعالية" الألمان. ولا شك أن نكاتاً مشابهة لما ذكرها أمين عام حزب الله كان يطلقها ضباط "الغستابو" على نظرائهم في أجهزة الأمن في ايطاليا.

والواقع الثاني المعروف هو أن الفوهرر لم يكن يحترم الدوتشي ابداً، لا بل كان يعتبره أدنى منه بدرجات وبأن حلف الضرورة معه هوعبء لا بد منه. في المقابل فإن كل المعلومات تؤكد كره موسوليني لهتلر، وإحساسه الدائم بالدونية تجاهه، ولكن الضرورة كان لها أحكام.

بين المعصوم والخالد

بالعودة إلى منظومة الممانعة التي جمعت نظامي الأسد والخميني في حلف واحد، فلا شيء يجمع الطرفين خارج إطار الاستخدام المتبادل.

فمن الناحية الشخصية كان الخميني يسعى إلى قيادة المسلمين تحت راية الولي الفقيه، في حين أن حافظ الأسد كان يسعى لزعامة تاريخية عربياً وعالمياً تحولت مع ابنه إلى مجرد ديكتاتورية صغيرة تسعى إلى البقاء في الحكم.

ومن الناحية العقائدية المعلنة فلا شيء يجمع عقيدة ولاية الفقيه الدينية مع عقيدة حزب البعث العلمانية.

وعلى الرغم مما أشيع عن التشابه المذهبي، فلا شيء إلا بعض القشور يجمع بين العقيدة الاثني عشرية التي تشكل قاعدة لاجتهاد ولاية الفقيه مع الرؤيا النصيرية المنسوبة خطأ إلى التشيع.

أما ما يجمع الإاثنين فهو الحاجة لإسرائيل لتسويغ مشروعيهما. فولاية الفقيه روجت لمشروعيتها من خلال العداء لإسرائيل، وبالتالي تسللت عقائدياً تحت شعار المقاومة وتحرير القدس وتدمير دولة إسرائيل.

أما نظام الاسد فقد بنى معظم أركان أبديته في الحكم على شعارات المواجهة مع إسرائيل. ولا مجال هنا لشرح كم استفادت إسرائيل من هذا العداء اللفظي والخطابي وحتى من خلال المواجهات العسكرية على المستوى الداخلي والعالمي، فلهذا مقال مستقل.

أما الخلاف الأهم فقد كان دائماً على ملكية لبنان، فعلى الرغم من التحالف الذي نسج بين آية الله الخميني وحافظ الأسد على خلفية العداء المشترك تجاه صدام حسين، خصوصاً بعد انطلاقة الحرب الإيرانية ـ العراقية، فإنه لم يخطر ببال حافظ الأسد بأنه سيشرع أبواب مستعمرته اللبنانية لتسلل الحرس الثوري الإيراني وما أصبح لاحقاً حزب الله. لكن النظام السوري سنة كان في أسوأ حالاته، فقد أصيب بضربة عسكرية قاسمة خلال الاجتياح الإسرائيلي عندما دمر سلاح جوه عملياً (سقوط طيارة في يوم واحد).

كما أن الوضع الداخلي في سوريا كان شديد الخطورة حيث كان النظام في حرب حقيقية مع الإخوان المسلمين.

سمح يومها حافظ الأسد بدخول الحرس الثوري الإيراني الطري العود يومها إلى البقاع والبدء بتأسيس فرعه اللبناني الذي أصبح اسمه حزب الله سنة عندما أعلن بيانه التأسيسي.

في طرابلس، خاض حافظ الأسد حرباً مع حركة التوحيد الإسلامي التي تبين لاحقاً المونة الكبرى لآية الله الخميني على زعيمها.

ابتداءً من العام انطلق الصراع الدموي الإيراني ـ السوري بالوكالة للسيطرة على القرار الشيعي المسلح في حرب دامت بضع سنوات بين حركة أمل وحزب الله كانت الغلبة فيها ميدانياً للطرف الإيراني. بعدها دخل هذا الصراع في مرحلة من التفاهم مبني على الحاجة الحيوية لكل من الطرفين للآخر، مع أن النظام السوري احتفظ عملياً بنوع من التفوق المعنوي بسبب وجوده في لبنان وسيطرته على القرارين الأمني والسياسي فيه. هنا كانت العلاقة مبنية على توازن دقيق فيه مزيج من المصالح والابتزاز المتبادل وحاجة كل طرف من الاثنين إلى الآخر في الكثير من الجزئيات مع العلم أن لكل منهما رؤية فكرية وسياسية واستراتيجية مختلفة وأحياناً متناقضة مع الآخر.

قصة رفيق الحريري

إن اتهام النظام السوري في لبنان بأنه هو من اغتال رفيق الحريري هو من البديهيات المنطقية، وكان بإمكان أي محلل ومتبصر في السياسة أن يتوقعه، وإن لم يكن بالإمكان تقدير حجم ردود الفعل يومها. فالنظام السوري جسمه "لبيس" في قضايا الإرهاب، ومخابراته مشهورة بالعمليات القذرة وله بصمات معروفة في لبنان على مدى عدة عقود.

فهل كان هناك من يسعى إلى استدراج كل ما حصل بعد هذه الجريمة؟

لقد تبين لاحقاً، وبالأدلة الجنائية، بأن عناصر منتمية لحزب الله هي المتهمة على الأرض بتنفيذ عملية الاغتيال، "وبمهنية عالية" أين منها "غباء المخابرات السورية" بحسب تحليل نصر الله. ولكن المؤكد هو أن نظام بشار الأسد كان عالماً ومشاركاً في الجريمة ولكنني أعتقد أيضاً بأنه كان مستدرجاً للوقوع في فخ تداعياتها.

وهنا يمكن التأكد بأن نظام بشار كان متضررا بشكل مباشر لأنه أجبر على الخروج من لبنان بشكل مذل وهو الذي دخله في الأساس بعد انتداب أميركي ومباركة اسرائيلية موثقة ومعروفة. فهل كانت منظومة ولاية الفقيه تخطط لفض الشراكة في لبنان مع النظام السوري والتفرد به ومن هو إذاً المستفيد المباشر من تداعيات الجريمة!؟

هنا بعض تفاصيل القضية. من المؤكد أن دفاع حزب الله عن النظام السوري، حين اتهم سياسياً على الأقل باغتيال رفيق الحريري، كان ركيكاً وغير عدواني، كما أن هذا الحزب لم يتورع عن الدخول في تحالفات وشراكات في الانتخابات وفي الحكم مع من اتهم النظام السوري وحتى من وجه أقذع النعوت إلى رأس هذا النظام.

ومن المنطقي الاستنتاج أن حزب الله، وبالتالي مشروع ولاية الفقيه كان مستفيداً رئيسياً من خروج القوات السورية ليتحكم وحده في عناصر السيطرة وليصبح النظام السوري أكثر تبعية للتوجيهات الإيرانية.

لم يطل الزمن إلى أن شعر بشار الأسد بالخديعة، فما كان منه إلا أن أرسل ميشال سماحة ليسرب المعلومات المشهورة إلى مجلة "در شبيغل" التي اتهمت حزب الله بجريمة اغتيال رفيق الحريري، وفي الوقت نفسه فتحت قنوات مع إسرائيل وفرنسا ومن ثم مع السعودية، وكان بشار الأسد قاب قوسين من إنجاز اتفاق "تاريخي" طبقه الأساسي حزب الله في لبنان والوجود الإيراني في سوريا، لدرجة أن رأس النظام السوري صرح في مجالس ضيقة بأنه بات يخشى على نفسه من مصير يشابه مصير أنور السادات من قبل جماعات إيران المتغلغلين في سوريا على أعلى المستويات الأمنية.

لست أعلم الآن كيف سقط هذا الاتفاق، ولا يمكنني التأكيد على مدى صدقية بشار الأسد في هذا المجال، ولكن المؤكد اليوم هو أن النظام الإيراني لا يدافع اليوم عن بشار الأسد لمحبة أو احترام بل لأنه لن يجد رئيساً في سوريا أضعف منه ولأن منظومة ولاية الفقيه تعتبر سوريا جزءاً من مشروعها المقدس لذلك فقناعتي أن هذا النظام سيدخل في شكل أكبر إلى لب الصراع لأن خسارة سوريا بالنسبة لإيران اليوم قد تكون مشابهة لخسارة إيطاليا بالنسبة لألمانيا في الحرب العالمية الثانية. وبالتالي فإن النظام في إيران سيجد أن المعركة بعدها ستنتقل إلى أراضيه، وبأدوات داخلية صرفة، عندما يدرك الإيرانيون المأخوذون بالأساطير بأن وعد أحمدي نجاد بأن المهدي لن يسمح بسقوط بشار لم يكن صادقاً.

()عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل"

=================

مشكلة المهجرين في دول الجوار السوري

فايز سارة

السفير

8-9-2012

من بين اهم المشكلات المحيطة بموضوع المهجرين السوريين الى دول الجوار، انه لا يمكن الحصول على ارقام حقيقية لاعداد المهجرين، ليس فقط لان بعض مهجري هذه البلدان لا يجري تسجيلهم هناك بصفتهم لدى الجهات المعنية، وانما بسبب ان اعداد المهجرين لا تستقر ابدأ، اذ هي تتزايد على مدار الايام، ويمكن ان تتغير في اليوم الواحد بزيادة عدة آلاف من المهجرين الجدد، ولا سيما في ثلاث من دول الجوار هي الاردن ولبنان وتركيا، وهو امر يمكن ان يحصل بصورة اقل مع العراق جار سوريا الرابع. وبالمحصلة فان اعداد المهجرين يمكن ان تزداد عشرة آلاف مهجر بين صباح ومساء اليوم نفسه، في ظل تواصل تردي الظروف الامنية كما يحصل في الانحاء السورية كلها.

وطبقاً لما هو معلن من ارقام فان عدد المهجرين الى دول الجوار، الذي قارب الاربعمئة الف نسمة، القسم الاكبر والذي يتجاوز نصف العدد موجود في الاردن، ويقترب عدد الموجودين في تركيا من مئة الف، وهناك ما يزيد على اربعين الفاً موجودين في لبنان، وهناك أكثر من عشرين الف مهجر سوري في العراق، القسم الرئيس منهم موجود في الشمال باقليم كردستان. لكن هذه الارقام لا تشمل كل المهجرين، فكثير من السوريين الذين يعبرون الى بلدان الجوار بوثائق سفرهم العادية لا يسجلون باعتبارهم مهجرين، انما زوار او سياح او غير ذلك، رغم ان الاساس في قدومهم الى هذه البلدان هو هربهم من الظروف التي ادت اليها الاوضاع الامنية، من اعمل قتل وتدمير، طالت مناطق واسعة من الاراضي السورية، ودفعت سكانها الى الهرب بحثاً عن امان مفقود او فرصة عيش مأمول خارج الظروف السورية او للسببين معاً، وتميل التقديرات للقول، ان مجموع المهجرين السوريين الى بلدان الجوار من المسجلين وغيرهم قارب ثلاثة ارباع المليون، اي انهم ضعف العدد الشائع، وهم موزعون على دول الجوار الاربع، يعيشون خارج مخيمات المهجرين.

وكما هو واضح، فان اعداد المهجرين الى دول الجوار كبيرة، خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار نسبتهم الى سكان كل من الاردن ولبنان من جهة، واضفنا الى ذلك اعتباراً آخر، وهو ان سيل المهجرين مستمر، وقد يتصاعد على نحو خطير في القريب العاجل نتيجة زيادة العمليات العسكرية الامنية ضد مدن وقرى في الجنوب والوسط السوري، حيث يجري دفع عشرات آلاف الاشخاص لعبور الحدود السورية الى لبنان والاردن يومياً، بالتزامن مع اعداد اخرى تعبر الى تركيا والعراق.

ورغم تفاوت الاوضاع في بلدان الجوار، وتفاوت اعداد المهجرين الى تلك البلدان، فان آثاراً مشتركة، يتركها وجود المهجرين على واقع تلك البلدان، ابرزها الآثار السياسية، وخاصة لجهة دخول قضية المهجرين الى فضاء الصراعات السياسية في هذه البلدان، والامر في هذا شديد الوضوح في لبنان، الذي ينقسم سياسياً بين مؤيدين للنظام السوري، كما هو تحالف «8 آذار» الممسك بالسلطة، ومعارضين له ابرزهم تحالف «14 آذار» وهو الاقرب الى المهجرين، فيما الوضع في تركيا على العكس تماماً، اذ ان سياسات الحكومة التركية تناهض السياسة السورية، وتقف جماعات من المعارضة التركية بالقرب من موقف النظام السوري، وفي الحالتين اللبنانية والتركية، فان موضوع المهجرين السوريين دخل حيز الصراعات السياسية في البلدين.

ويمكن القول ان موضوع المهجرين السوريين، دخل من جانب آخر حيز التأثير في الخارطة السكانية في بعض دول الجوار، وما ينجم على ذلك من آثار سياسية وامنية، وثمة امثلة في ذلك، اولها من تركيا، حيث اغلبية سكان المناطق التي لجأ اليها المهاجرون من المسلمين العلويين الذين يحسبون انفسهم اقرب الى النظام، واغلبية المهجرين من المسلمين السنة المحسوبين في الكتلة الرئيسية لمعارضين نظام دمشق، وهذا التمايز يوفر ظروف تصادم مذهبي بين الطرفين الامر الذي حدا بالسلطات التركية الى عزل المهجرين عن الوسط التركي من جهة، واتخاذ سياسات امنية خاصة في مناطق المهجرين. وفي مثال لبنان فقد دخل المهجرون الشبكة المعقدة للوضع الامني في لبنان، فتعرض بعضهم للملاحقة والمضايقة، فيما جرت عمليات اختطاف بعضهم على خلفية احداث جرت في سوريا، وفي حالات كثيرة، قامت اطراف وشخصيات لبنانية بادخال المهجرين السوريين حيز التشويش الامني، من خلال اتهامهم بتهريب اسلحة وتنظيم جماعات واعمال مسلحة في لبنان، بهدف الحاق الضرر والاذى بهم، على نحو ما كشفت مؤخراً فضيحة الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة.

ولا يقل عن الآثار السابقة اهمية ما تركه حضور المهاجرين على الوضع المعيشي في بلدان الجوار، وهو وضع شديد السوء يعاني مشكلات كثـيرة تشــمل ميادين العمل والخدمات الصحية والتـعليمية، اضافة الى محدودية الاحتياجات الاساسية للعـيش، ما جعل تلك المشكلات تتضخم وتتزايد، وصار الحصول على الاحتياجات بوابة للتنافس بين المهجرين والمواطنين، وسبب مشاكل في بعض الاحيان، ولعل بين الامثلة المعروفة في هذا قيام السلطات التركية بوقف تدفق المهجرين عبر الحدود لتأمين فرص اقامتهـم في مخيمات جديدة بعد ما ظهر من تقصير سابق في تلبــية احتياجات مخيمات للمهجرين من الماء والكهرباء، وهو امــر ظهر ايضاً في مخيم الزعتري شــمال الاردن ما تسبب في تظاهرات للمهجرين هناك، وقيام السلــطات اثر ذلك بابعاد بعضهم خارج البلاد.

ان واقع بلدان الجوار السوري، واقع مأزوم في اغلبه، ويعاني مشكلات بعضها امتداد لمشكلات قائمة ومتفاقمة في سوريا، الامر الذي جعل من موضوع المهجرين، يشكل عامل ضغط على تلك البلدان من جوانب سياسية وسكانية وامنية ومعاشية، الامر الذي جعل حكومات تلك البلدان تتبع سياسات، تقوم في اغلبها على عزل المهجرين في مخيمات، وكلها تقريباً نفذت اجراءات امنية هدفها احكام القبضة على وجود وحركة المهجرين، وهو ما تم تطبيقه في تركيا والاردن وشمال العراق، فيما اتخذ الامر في لبنان سياسة اقل حدة في مجالي عزل المهجرين واحكام القبضة الامنية عليهم لظروف تخص لبنان.

واذا كانت قضية المهجرين السوريين في دول الجوار محتملة في حدوها السابقة، فان الوضع قد لا يستمر على حاله في ضوء ان القضية الى تفاقم من الناحية العددية، اضافة الى عجز الدول والجهات المانحة عن تلبية احتياجات المهجرين، التي تتزايد على ابواب السنة الدراسية وفصل الشتاء، وسيؤدي التقصير عن تلبيتها الى مأس وكوارث انسانية، يمكن ان تؤدي الى انفجارات ليس فقط في صفوف المهجرين، وانما في محيطهم ايضاً خاصة اذا استمرت مسيرة التدهور الامني في سورية، وتصاعدت عمليات القتل والاعتقال والملاحقة وتهجير السكان داخل البلاد والى محيطها.

=================

إنها الديموقراطية الشعبية!

ميشيل كيلو

السفير

8-9-2012

هذه المقالة هي رد على قرار لصوص السلطة السورية إيقاع الحجز الاحتياطي على أموالي المنقولة وغير المنقولة، وكذلك أموال زوجتي وأولادي. وهو قرار يلقي أضواء ساطعة على معنى الإصلاح كما يمارسه النظام، وعلى حدوده والغرض الحقيقي منه، الذي كان دوماً وما زال إكمال آلة القمع بمدوّنة شبه قانونية وتدابير عملية تحافظ على بنية نظام تقادم ولم يعد بالإمكان تسويقه في صورته الشمولية الفظة، لذلك يتم تغليفه بين حين وآخر بغلالة من قرارات وإجراءات ظاهرها قانوني، لكنها ليست في حقيقتها قانونية ولا تمت لأي قانون بصلة، لأنها تستخدم دوما لأغراض تخدم مآرب حكام يكرهون شعبهم، ولا تخدم نظاما قانونيا أو قضائيا مستقلا، منها مثلا إلغاء قانون الطوارئ بعد بداية الثورة واستبداله بقانون لمكافحة الإرهاب، قيل يومها إنه لن يستعمل لأغراض ومقاصد سياسية داخلية تتصل بضبط المجال السياسي السلمي والحزبي السوري، وها هو يستخدم اليوم لحجز أموالي المنقولة وغير المنقولة، أي راتبي التقاعدي الذي يصل إلى مبلغ خرافي، هو مئتان وسبعون دولارا أميركيا في الشهر، بينما حجز على أموال أولادي، الذين يبلغ أصغرهم الثانية والثلاثين من العمر، وهم مستقلون بقوة القانون عني، ولهم شخصياتهم التي يمنع نص الدستور السوري إيقاع عقوبات جماعية عليها، لأن المسؤولية فيه فردية وشخصية ولأنه «لا تزر وازرة وزر أخرى» في أي فقه دستوري، لكن الإصلاحيين في السلطة يطبقون علينا مدونات إسرائيلية لا ترى فينا أشخاصا قانونيين، بل إرهابيين يلدون إرهابيين، فلا بد أن تكون العقوبات التي تقع عليهم جماعية تطاول أولادهم وأزواجهم إلى سابع جد.

كنا بقانون طوارئ لا يبيح اتهام المعارض المسالم بدعم الإرهاب، فصرنا بقانون مكافحة إرهاب يعتبر السلوك الذي كان في قانون الطوارئ جريمة عادية يعاقب عليها بالحبس من عام إلى ثلاثة مثل «إضعاف الشعور القومي» عملا إرهابيا يحكم على مرتكبه بالسجن لمدة عشرين عاما. يعني هذا أنني كمتّهم، بإضعاف الشعور القومي، لن أفقد فقط راتبي التقاعدي، بل سأحكم بعشرين عاما على جرم حكمت عليه العام 2006، قبل الإصلاح القانوني الذي أنجزه بشار الأسد، بالسجن لثلاثة أعوام، وسط اعتذارات من القاضي الذي أصدر الحكم واعتبره ظالما، لأن المخابرات فرضته عليه، على حد قوله لأكثر من صديق وفي أكثر من زمان ومكان.

والآن: ماذا يعني أن يطاول الحكم أولادي؟ يبين هذا السؤال بجلاء ما بعده جلاء طبيعة النظام الاستبدادي الذي يحكم سوريا بقوانين لها فعل المدافع والدبابات والطائرات التي تدمر المدن والقرى السورية منذ أكثر من عام ونصف العام، والتي أكد الاسد في آخر لقاء له أنها أسلحة تابعة للمعارضة وليست للسلطة، عندما نسب تدمير البلاد إلى «عصابات مسلحة»، أي إلى جماعات تابعة للمعارضة، في عملية قلب للحقائق يستحيل أن يصدقها عاقل، أو أن تخطر ببال عاقل.

ما علينا. عندما يعتقل مواطن في سوريا الأسد توجه إليه تهم يتعمد النظام أن تكون مهينة وماسة بكرامته الوطنية، فإن كان من القائلين بضرورة تحرير الجولان اتهم بـ«التخابر مع العدو»، وان كان مطالبا بالعدالة الاجتماعية كانت تهمته «معاداة النظام الاشتراكي»، وان طالب بالحرية اتهم بـ«مناوأة الدولة»، وان كان من جماعة الوحدة العربية اتهم بـ«إثارة النعرات العنصرية والطائفية»، وإذا كان ديموقراطيا اتهم بـ«إضعاف الشعور القومي وإيهان نفسية الأمة»، وإذا كان لا هذا ولا ذاك اتهم بـ«الإرهاب».

ينضوي المواطن في نظر السلطة ضمن واحد من سياقات ثلاثة تحدد مدة الحكم عليه، فإن كان شخصا يصلي في المسجد اعتبر «بيئة إسلامية «، مواطنا قد يتعاطف مع الإسلاميين، فإذا ما اعتقل عومل كإسلامي، وان التقى في المسجد أحدا تبين أنه من الإسلاميين أو المتهمين بالأسلمة اعتبر «صلة»، وكانت عقوبته على العموم أشد من عقوبة «البيئة». أخيرا إذا كان في حزب أو متهما بانتمائه إلى حزب اعتبر «منظما» تلقى العقوبة القصوى، التي تكون دائما انتقامية وثأرية وكيدية.

لنفترض أنه لم يذهب إلى المسجد ولم يلتق أحدا ولم يكن إسلاميا، وإنما تعرف قبل عشرين أو ثلاثين عاما على شاب في مثل عمره تناول معه طعام الغداء في مطعم ما أو بات ليلته عنده، ثم تبين أن هذا الشاب انتسب في ما بعد إلى حزب سياسي معارض، فإن مجرد اعتراف الاخير، الحزبي، بأنه عرفه ذات يوم يكفي لاعتباره بيئة أو صلة، حتى إذا لم يعاود الاتصال به ولم يقابله ولو مرة واحدة، ولزجه في السجن لفترة قد تصل إلى خمسة عشر عاما، كما حدث لشباب عرفوا قبل سنوات كثيرة زملاء جامعيين انتسبوا في ما بعد إلى حزب معارض. لقد أمضى بعض هؤلاء خمسة عشر عاما في السجون بتهمة أنهم «بيئة» أو»صلة». عندما يفر شاب متهم بإحدى هاتين التهمتين من الاعتقال، يتم اعتقال أطفاله أو زوجته أو والده أو أحد إخوته لإجباره على تسليم نفسه، وكم سمع السجناء في فرع التحقيق العسكري أصوات نساء هن بنات أو زوجات أو أخوات أشخاص فروا إلى خارج البلاد، لكنهن أمضين سنوات تصل إلى أكثر من عقد في زنازين هذا الفرع، بحجة إجبار أزواجهن أو آبائهن أو إخوتهن على تسليم أنفسهم، وكم تم الاعتداء عليهن وامتهنت كرامتهن واغتصبن بل أنجبن من أطفال!

والآن، وعندما يأتي ظرف يحتم إطلاق سراح المعتقل، يتم تقديمه إلى المحاكمة، بعد أن يكون قد أمضى سنوات كثيرة في السجن. لنفترض أنه «نام» أربعة عشر عاما وأربعة أشهر دون أن يحاكم، مثلما حدث لجماعات كثيرة، وأن النظام وجد نفسه مرغماً على إطلاق سراحه، فإنه يقدم عندئذ إلى جلسة محاكمة واحدة يصدر عليه خلالها حكماً بالحبس لفترة أربعة عشر عاما ونصف عام، وبعد أيام يصدر عفو رئاسي عنه تحتفي صحافة السلطة به بضجيج صاخب، وهي تمتدح «عظيم الأمة»، الذي عفا عنه رغم ما ارتكبه من جرائم! في هذه الحال، يبدأ رجال الأمن الذي كانوا يتهمونه إلى البارحة بالخيانة ويوجهون إليه الإهانات، بامتداح وطنيته والحديث عن سجنه باعتباره سوء تفاهم بين أبناء الصف الوطني الواحد، ويذكرونه بأن عليه نسيان ما لحق به من ضرر وإهانات، ويطلبون منه إرسال برقية شكر للرئيس الذي أعاده إلى أسرته وسامحه على جرائمه. اخيرا، يعرض عليه التعاون مع الأمن والتحول إلى مخبر، ويحذر بلغة لا لبس فيها، من العودة إلى صفوف حزبه، لأن المرة المقبلة ستكون أشد من الأولى.

هذا النظام الذي يتهم بدعم الإرهاب مواطنين لا ذنب لهم، غير أنهم أولاد معارض سلمي، فيصادر أموالهم وممتلكاتهم ويمكن ان يحكمهم بالسجن لمدة تصل إلى عشرين عاما، والذي قدمت لمحة فقيرة جدا ولا ترقى بأي حال إلى مستوى ممارساته، دون ان أعرّج على طرق التعذيب والتصفية في أقبية مخابراته ومعتقلاته وسجونه، هو الذي جعل الشعب السوري يفضل الموت على مواصلة العيش في ظله، وتسبب في ثورة الحرية، التي لن يجد علاجا لها غير تدمير مدن وقرى سوريا وتقويض مجتمعها ودولتها.

لا يتفق النظام السوري مع أي شيء طبيعي أو قانوني. إنه نظام مخالف للطبيعة وسيزول حتما، لسبب رئيس، هو فشله في طبع شعب سوريا بطابعه المخالف للطبيعة الإنسانية، وإخفاقه في استزراع مفاهيمه المناوئة لهذه الطبيعة في نفوس مواطنين بدأوا يستردون حياتهم الطبيعية من خلال ثورتهم، التي لن تخلصهم فقط من حكمه الشاذ، بل ستردهم كذلك إلى طبيعتهم السمحاء وروحهم السامية، وستحول دون عودتهم الى نظام غير استبدادي كالذي يقضون اليوم عليه، بذلك الثمن الفادح والجسيم، الذي تقشعر له الأبدان!

=================

إيران و"الخطة باء" لسوريا ولبنان

علي حماده

2012-09-08

النهار

نقلنا في مقالنا الاخير هنا كلاما سمعناه من شخصية سياسية لبنانية صديقة لبشار الاسد ويشير بوضوح لا لبس فيه الى خطة بشار الاسد لرسم حدود دويلة علوية ينكفئ اليها ساعة لا يعود في إمكانه الحفاظ على مواقعه في المدن الكبرى كدمشق وحلب. وأشرنا أيضاً من خلال الحديث نفسه الى ان الخطة لا ينفرد بها بشار بل إنها خطة إيرانية تهدف الى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجسر السوري، ومنع محاصرة "حزب الله" في لبنان.

اليوم نكمل مع إيران: فهي تقاتل في سوريا ليس دفاعاً عن نظام بشار الاسد فحسب بل عن أمنها القومي الذي بني منذ ثلاثين عاماً على مبدأ التوسع خارج الحدود، واختراق المشرق العربي تحديداً في سوريا باعتبارها البوابة المثلى للعبور الى لبنان وترسيخ "القلعة اللبنانية المتقدمة". والأهم من ذلك كله إن الجسر السوري يمثل منطلقاً لاقتناص جزء أساسي من الورقة الفلسطينية التي كانت ولا تزال مصدر شرعية عربية وإسلامية استغلتها الانظمة العربية الديكتاتورية مدة طويلة، ونجح الإيرانيون في انتزاع جزء منها مع الحركات الاسلامية "حماس" و"الجهاد الاسلامي" وغيرهما، وبقي الحال هكذا حتى اشتعال الثورة في سوريا التي قلبت كل المعادلات.

إيران تخوض حرباً كبرى في سوريا. وعندما يقول المسؤولون في طهران ان أمن سوريا من أمن إيران يقصدون ان إسقاط النظام في سوريا هو تهديد مباشر للنظام في إيران. فهو يعيد رسم خريطة المنطقة، ويمهد لإعادة التوازن الى المشهد العراقي، ويحشر "حزب الله" المدجج بخمسين ألف صاروخ بين اسرائيل التي تنتظر الفرصة لاقتناصه، وسوريا معادية وحاقدة على تورط الحزب ومرجعيته بسفك دماء عشرات الآلاف من المدنيين والثوار.

في إيران قيادة واقعية، تعرف ان شيعية النظام ستعيده بعد الثورات العربية الى مربع ضيق. ولا يمكن ايران "ولاية الفقيه" ان تكون مرجعية إسلامية في المشرق العربي حيث مئتا مليون مسلم بينهم ثمانون مليون سني. وبالتالي فان مصير نظام الاسد محسوم. وسيسقط كيفما اتفق الامر. أما "حزب الله" فسيكون في المشهد الجديد نمراً من ورق، بمعنى انه محاصر في لبنان ولا يمكنه شن حرب جديدة ضد اسرائيل لأنه سيكون وحده هذه المرة، ولان مرحلة استيلائه على السلطة في لبنان بالقوة شارفت النهاية، ولان صواريخه ستصير مع الوقت مجرد خردة.

بناء على ما تقدم تتفق آراء العديد من الخبراء الدوليين على ان طهران تعمل مع بشار من خلال سير القتال على الارض وسياسة الارض المحروقة والقتل والتهجير الجماعي على الخطة "باء"، اي رسم حدود الدويلة العلوية المتصلة بمناطق سيطرة "حزب الله" في لبنان لتشكيل جسم علوي - شيعي يمتد من حدود الاسكندرون الى الجنوب اللبناني... وهذا ما سيستدعي إزهاق أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء السوريين. فإيران تعتبر وجودها في المشرق العربي أساساً لحماية مشروعها خارجياً وداخلياً أيضاً.

=================

أردوغان في النفق

تسميح صعب

2012-09-08

النهار

فيمَ كان يفكر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عندما قرر الانقلاب على علاقاته مع الرئيس السوري بشار الاسد والمطالبة بتنحيته؟ ربما وجب توجيه هذا السؤال الى وزير خارجيته أحمد داود أوغلو بصفته مهندس السياسة الخارجية لحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002. ذلك انه ثبت ان تطورات الاحداث في سوريا لا تمت الى ما سمي زوراً "الربيع العربي" أو "ثورة" أو حتى "انتفاضة" كما يرد في ادبيات الكثير من السياسيين والمحللين والمثقفين العرب. فماذا يربط ما يقوم به "الجهاديون" القادمون من انحاء مختلفة من العالم عبر تركيا وغيرها من دول الجوار مع سوريا، بعملية الاصلاح في سوريا ونقلها الى بلد تعددي ديموقراطي؟

لعل داود أوغلو هو الذي اقنع أردوغان بأن النظام السوري لن يستطيع الصمود أمام الضغط الداخلي والعربي والاقليمي والدولي وانه سرعان ما سينهار على الطريقة التونسية أو المصرية أو الليبية أو في اسوأ الاحوال على الطريقة اليمنية.

ولم يكن يدور في خلد المسؤولين الاتراك انه بعد سنة ونصف سنة من الازمة السورية، ستكون المناطق الحدودية التركية مرتعاً للمقاتلين القادمين أو المستقدمين من كل انحاء العالم، وان احدا لن يبدي حماسة لفكرة المنطقة العازلة التي قال داود أوغلو إن بلاده ستجد نفسها مضطرة الى اقامتها داخل الاراضي السورية اذا ما وصل عدد اللاجئين السوريين على الاراضي التركية الى 15 الفاً.

وعدد اللاجئين السوريين في تركيا الان يفوق 80 الفاً وثمة استعدادات لاستيعاب 130 الفاً. وهناك تظاهرات للاتراك المقامة على أرضهم مخيمات اللجوء ترفض وجود مسلحين اجانب على اراضيهم. واستطلاعات الرأي تظهر ان شعبية أردوغان وحزبه في تدن مستمر نتيجة السياسة التي انتهجها حيال سوريا. وللتذكير فإن شعبية أردوغان كانت في تصاعد يوم قطع علاقاته مع اسرائيل بعد مهاجمة البحرية الاسرائيلية السفينة التركية "مافي مرمرة" التي كانت تقود "اسطول الحرية" لفك الحصار الاقتصادي عن قطاع غزة.

ولم يكن في وسع أحمد أوغلو في جلسة مجلس الامن على المستوى الوزاري في 30 آب الماضي، ان يقنع حتى فرنسا وبريطانيا بدعمه في المطالبة باقامة المنطقة العازلة داخل سوريا، فوجد نفسه وحيداً في هذا المطلب الذي يعلم ان تركيا وحدها لا تستطيع ان تنفذه وعاد الى بلاده يجر اذيال الخيبة من عدم الاستجابة الغربية له.

واذا اضيفت الى هذا المشهد، الحرب المتجددة مع "حزب العمال الكردستاني"، يصير أردوغان محاصراً بطوق من الازمات التي لا تقل خطورة عن تلك التي تواجه سوريا.

وبعد ذلك لا يفيد عتب أردوغان على الولايات المتحدة لانها لم تطلق أي مبادرة حيال سوريا ربما في انتظار الانتخابات الرئاسية الاميركية.

=================

من صدام السُني إلى الأسد الشيعي

  منار الرشواني

الغد الاردنية

8-9-2012

حتى الإعلان رسمياً عن الفشل الأميركي في العثور على أسلحة دمار شامل، كان ممكناً، بدرجة ما، تصديق الذرائع الأميركية بأن غزو العراق في العام 2003 سببه الخشية من تكرار هجوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وبأسلحة غير تقليدية كتلك التي كان يُظن أن صدام حسين يمتلكها، ما يعني إزهاق أرواح عشرات ولربما مئات آلاف المدنيين الأميركيين وسواهم. لكن سوء النية، والتي يمكن وصفها اليوم بـ"المؤامرة" الفعلية لأجل تدمير العراق البلد ككل، تجلت في رفع إدارة الرئيس جورج دبليو بوش شعار بناء الديمقراطية هناك.

إذ رغم أن الديمقراطية مطلب طبيعي في كل مكان، فكيف بعراق ما بعد عقود استبداد صدام حسين! إلا أن نية تدمير ذاك البلد تجسدت في استناد المشروع الديمقراطي الأميركي المزعوم إلى الترويج لمبدأ إعادة الحق لأصحابه الشيعة الذين يشكلون الأغلبية المطلقة والمضطهدة ككل، بعد عقود من سلب هذا الحق من قبل الأقلية السُنّية التي يمثلها صدام حسين بكاملها.

هكذا، بات سُنّة العراق، جميعاً، رمزاً للاستبداد الذي يجب التخلص منه. ولتكون النتيجة، حرباً أهلية مدمرة، لم تنته إلا إلى حكم طائفي مفسخ يعاني بسببه اليوم الشيعي والسني والكردي والمسيحي وكل مكونات الشعب العراقي، لحساب بعض من أمراء الحرب والطوائف.

الخشية أن بعض ملامح هذه "المؤامرة" يمكن إيجادها في سورية منذ الثورة؛ عبر تصوير هذه الثورة على أنها محاولة الأغلبية السُنية المضطهدة الانعتاق من حكم الأقلية العلوية التي يختزلها بجميع أبنائها الحكم المستبد والفاسد لبشار الأسد، ووالده من قبله! بل ويذهب البعض إلى توصيف المشهد السوري باعتباره حرباً طائفية إقليمية سُنّية-شيعية، كون الطائفة العلوية هي جزء من الطائفة الشيعية الأوسع.

لكن الاختلاف الجذري بين المؤامرة المكتملة على العراق، والمؤامرة الطائفية الآخذة في التشكل على سورية، يبدو في صانعيها ومنفذيها.

فإذا كان ممكناً التغاضي عن استبداد صدام الذي هيأ كل متطلبات الاستغلال الطائفي للصراع في العراق، واتهام الأميركيين تالياً بكل ما لحق بهذا البلد العربي من دمار، فإن مَن يحيك المؤامرة على سورية فعلاً، ويجهد في تنفيذها، ليسوا إلا أعداء أميركا المفترضين، المؤيدين لنظام بشار الأسد في مواجهة الشعب.

فإذا كان حتى الجاهل يعرف وحشية الاضطهاد وفداحة الفساد اللذين عانى منهما المواطن السوري تحت حكم الأسدين، فلماذا تقرر إيران وحزب الله الوقوف إلى جانب بشار الأسد بلا قيد أو شرط، تارة بإنكار وجود ثورة من أساسه، وتارة بتخوين الشعب السوري بملايينه واعتباره مرتزقة وخونة؟ ولماذا يصر قوميون ويساريون مزعومون على تصوير الشعب السوري المسحوق "قاعدة" و"سلفيين" غايتهم لا حياة كريمة وإنما سفك الدماء، حتى مع تواصل حركة انشقاق أركان النظام من الطائفة السنية؟!

المؤامرة الطائفية على سورية ليست أميركية، بل إيرانية وبمشاركة حزب الله وبقايا قوميين ويسار عرب.. لكن من سيحصد نتائجها، إن تواصلت، هم كل أعداء سورية والعرب الذين يدعي أنصار الأسد كذباً الوقوف في وجههم، فيما هم وكلاؤهم.

=================

التدويل والتطييف في سوريا مسؤولية من؟! * ياسر الزعاترة

الدستور

8-9-2012

لا يتوقف شبيحة بشار الأسد المنبثين في طول العالم العربي وعرضه رغم ضآلة من يستمع لهم في الشارع؛ لا يتوقفون عن هجاء التدويل الذي تعاني منه الأزمة السورية، فضلا عن تصعيد الحالة الطائفية المرافقة لها، إلى جانب دخول تيارات إسلامية جهادية على الخط، بما ينطوي عليه خطاب بعضها من إشكالات.

القوم إياهم لا يحبون أن يتذكروا أبدا بدايات الثورة السورية، لكأن ما يجري قد بدأ كما هو عليه الآن أو منذ شهور عديدة، مع أن القاصي والداني يدرك أنها ثورة بدأت سلمية وكجزء لا يتجزأ من الحراك العربي المطالب بالحرية والتعددية، وهو حراك ما لبث أن تحول إلى “مؤامرة إمبريالية صهيونية” عندما وصل الساحة السورية؛ هو الذي كان قبل ذلك موضع المديح من قبل أكثرهم.

لا نريد العودة إلى الجدل التقليدي حول المقاومة والممانعة، وما إلى ذلك من مصطلحات، فنحن لسنا ممن ينكرون وجود هذا المصطلح في الساحة العربية وما مثله (كانت القوى الإسلامية من أهم عناصره) من وقوف ضد الهجمة الأمريكية الصهيونية عليها بصرف النظر عن نوايا كل طرف في الانحياز إليه لأن السياسة تعتمد الأفعال أكثر من النوايا.

لكن الشعب السوري بخروجه إلى الشوارع لم يكن منحازا للمحور العربي الآخر الذي تآكل عمليا بخروج مصر من معادلة “الكنز الإستراتيجي” للدولة العبرية إلى حالة جديدة م زالت تتلمس طريقها، وإن تفنن القوم إياهم في البحث عما يؤكد انحيازها للمعسكر القديم، مع أنها ليست كذلك بحال من الأحوال.

طبعا بوسع أولئك القوم أن يتفهموا موقف نظام بشار الأسد المعترف بالقرارات الدولية التي تمنح 78 في المئة من فلسطين للعدو، والذي يرحب بأي تفاوض معه، والذي يحافظ على جبهة الجولان هادئة منذ 40 عاما، لكنهم يدبون الصوت حين يسمعون النظام المصري الجديد يتحدث عن الحفاظ على المعاهدات الدولية، وهنا يتكشف للجميع ازدواجية المعايير التي يستخدمونها، والتي تفضح دوافع وقفتهم مع النظام السوري مقابل هجومهم اليومي على الأنظمة الجديدة (تتوزع بين حزبية وأيديولوجية وطائفية).

خرج السوريون إلى الشوارع يريدون الحرية والتعددية، ولم يتحدثوا في أي شأن آخر، لكن النظام لم يلبث أن رد عليهم بالرصاص الحي، الأمر الذي تفاقم بمرور الوقت إلى أن حول الثورة المستضعفة من النضال السلمي إلى العسكري في ظل صعوبة الحسم أمام نظام أمني دموي يعتمد على طائفته وأقليات أخرى تمكنه من البقاء في وجه أي حراك شعبي.

بمرور الوقت دخلت على الخط دول ليست منحازة إلى الحرية بسبب حضور إيران في المشهد السوري، فيما دخلت قوىً كبرى أيضا؛ ليس انحيازا للشعب السوري، وإنما انحيازا للهواجس الإسرائيلية التي وجدت ما يجري فرصة لتدمير البلد وإشغاله بنفسه لعقود، وبالطبع بعد أن تأكدت أن النظام لن يتمكن من البقاء.

القوى الدولية التي يتحدثون عنها لا تبدي أبدا انحيازا للشعب السوري، وفيما تقف روسيا والصين بقوة مع النظام، لا تقدم الأخرى للشعب سوى الكلام، في ذات الوقت الذي تلقي بثقلها من أجل الحيلولة دون تسليحه على نحو يمكنه من حسم المعركة.

إقليميا تلقي إيران بثقلها خلف النظام وتمده بكل أسباب القوة، بينما لا تقدم تركيا والعرب غير ما يعين على الصمود وليس الحسم، ومع ذلك فإن دخول قوىً معادية للأمة على الخط لا يبدو ذنب الشعب السوري بحال، بقدر ما هو ذنب النظام المجرم الذي رد على مطالب الحرية بالقتل والتدمير. الشعب السوري ليس أقل مقاومة وممانعة من النظام، ومن الوقاحة أن يقول أحد ذلك، فضلا عن اتهامه بالمشاركة في مؤامرة دولية ضد فلسطين والأمة.

نأتي هنا لقضية “التطييف” أو الخطاب الطائفي، وهذه أيضا ليست مسؤولية الشعب السوري الذي خرج إلى الشوارع بهتاف “واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد”، وإذ بالنظام يجيش طائفته وبعض الأقليات ضد الغالبية المؤيدة للحرية، فيما وقفت إيران وحلفاؤها إلى جانبه على أساس طائفي مفضوح.

هل تلام الغالبية في سوريا إن هي جنحت للخطاب الطائفي في ظل هذه المعادلة البائسة؛ هي التي وقف أبناؤها إلى جانب حزب الله ومهجريه أيام حرب تموز 2006، وهي التي لم تكن طائفية أبدا؛ لا خطابا ولا ممارسة؟! وهل ستقول لشبان جاؤوا يقاتلون إلى جانبها بأن عليكم أن تخرجوا لأننا نتخوف من خطاب بعضكم السياسي أو الديني؟!

إن حملة البعض لتزييف حقيقة المشهد السوري لن تنجح بحال، وهي لم تنجح أبدا رغم أنها تقترب من عامين على إطلاقها، ودليل ذلك هو الانحياز الغالبية الساحقة من الأمة للدم السوري ولعناتهم التي تصب يوميا على رؤوس الطاغية ومن يناصرونه بالفعل أو بالقول.

=================

الخيار الإيراني الصعب: النظام السوري أو مصر

إبراهيم أبو عواد'

2012-09-07

القدس العربي

إن قمة عدم الانحياز التي عُقدت في إيران لا تستمد أهميتها من فكرة ' عدم الانحياز ' التي صارت شعاراً براقاً لا وجود له على أرض الواقع. فكل الدول منخرطة في المحاور السياسية والانحياز إلى الشرق أو الغرب، وإيران جزءٌ من هذه القاعدة ولن تكون استثناءً. ولكن أهمية هذه القمة مستمدة من الأحداث التي تَعصف بالمنطقة. وتعيد رسم خريطة السياسات الداخلية والخارجية. فهذه القمةُ جاءت بعد أحداث الربيع العربي الذي لا يزال مستمراً، كما أن توقيتها متزامن مع الثورة السورية، والتهديدات الغربية لإيران والتلويح بالخيار العسكري بسبب برنامجها النووي. وهذه الأحداث المتأججة كفيلة بمنح الزخم لهذه القمة، وتسليط الأضواء عليها رغم معرفة الجميع مسبقاً أن قراراتها حِبر على ورق، لا تقدِّم شيئاً ولا تؤخِّره.

وبما أن إيران هي الحاضنة لهذه القمة التي تحضرها عشرات الدول، فمن الطبيعي أن تسعى إلى استثمار هذا الحدث الذي لا يأتي كل يوم. وهذا الاستثمار السياسي له عدة جوانب من أبرزها : حصول إيران على الدعم الدولي في مواجهة الغرب بزعامة أمريكا، وكسر طوق العزلة المفروض على إيران. وكأن إيران تقول للغرب إنها رقم صعب لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن تهميش الدور الإيراني أو عزله عن الساحة الإقليمية والدولية.

ولا يخفى الجهد الإيراني الدؤوب الساعي إلى انتشال النظام السوري من عزلته المتفاقمة، وذلك عبر إقحامه في المنظومة الدولية. فالوفدُ السوري الذي حضر القمة كان يطمح إلى إعادة الاعتبار للنظام السوري المعزول دولياً. ففي واقع الأمر لا أحد يستقبل الوفود الرسمية السورية سوى روسيا والصين وإيران !. وقد وجد النظام السوري في هذه القمة فرصةً سانحة لإنهاء حالة الحصار التي يَغرق فيها. ولكن الضربة القاصمة غير المتوقعة قد جاءت من الرئيس المصري محمد مرسي الذي أَفسد الفرحةَ الإيرانيةَ وقضى على آمال النظام السوري الذي وقع تحت مرمى سهام النقد والاتهام، فآثر الوفدُ السوري الانسحاب من الجلسة لكي يَحفظ ما تبقى من ماء وجهه.

وقد كان خطاب الرئيس المصري هو الحدث الأبرز في القمة، وخطف الأضواء من الجميع. وصار حديث الصحف العربية والعالمية. فليس من السهل أن تهاجم النظام السوري وأنتَ في قلب طهران وإلى جانبك الرئيس الإيراني !. فالجميع يَعلم أن إيران تحتضن النظام السوري قَوْلاً وفِعلاً، وتنظر إلى سوريا على أنها جزء من المشروع الإيراني، سواءٌ كان مُقاوِماً أو يتغطى بالمقاومة لأهداف أخرى.

وخطابُ الرئيس المصري له أبعاد رمزية عديدة، فقد دَشَّن عودة مصر كقوة إقليمية تتحدث بكل ثقة، وتخوض في القضايا المصيرية دون خوف أو انتظار موافقة البيت الأبيض أو مراعاة المشاعر الإسرائيلية. فمن الواضح أن السياسة المصرية الجديدة صارت تتحرك ضمن دوائر عربية وإقليمية ودولية، وهذا يُذكِّرنا بعصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وخطاباته الحاسمة التي يَحرص على سماعها الأعداء قبل الأشقاء.

وفي الواقع، إن واضعي السياسة الإيرانية سَقطوا في فخ 'السذاجة السياسية'، فقد اعتقدوا أن مصر الجديدة 'الإخوانية' يمكن جذبها إلى المحور الإيراني بسهولة لقاء مساعدات اقتصادية أو دعم سياسي، ولكنهم اكتشفوا أن القضية أصعب من ذلك بكثير. فالسعي الإيراني الحثيث لإعادة العلاقة مع مصر لن يكون مجانياً، بل له ضريبة باهظة ينبغي على إيران دفعها إذا كانت حريصةً على كسب ود مصر (قلب العروبة والإسلام). ويبدو أن إيران أدركت أن الجمع بين النظام السوري ومصر كالجمع بين النار والماء. وأن أمامَها خياراً بالغ الصعوبة. فإذا اختارت النظامَ السوري فسوف تنتحر معه سياسياً، وتفقد أية فرصة للدخول في المنظومة الإقليمية الجديدة التي تقودها مصر باعتبارها مركز الثقل التاريخي للأمة العربية، كما أنها لن تجد لها موطئ قَدَم في المنظومة السياسية الجديدة التي يقودها الإسلاميون (الإخوان المسلمون). وإذا اختارت تكوين علاقاتٍ متينة مع مصر فلا بد أن تتخلى عن النظام السوري، وهذا يُفقد إيران دورَها الإقليمي وطموحها التوسعي. وهكذا فإن إيران تجد نفسها بين نارَيْن.

لكنَّ عالَم السياسة ليس دائماً أبيض أو أَسْود، فهو يحتوي على مناطق رمادية عديدة ونقاط مشتركة وتقاطعات شديدة التعقيد، وكل الدول تبحث عن مصالحها، وهذا أمر منطقي. فكما أن العرب يَريدون صناعة حاضرهم ومستقبلهم بلا تهديدات، وإحداث نهضتهم الخاصة التي تدخلهم في الحضارة الكَوْنية، فكذلك إيران تريد تثبيت وجودها ونفوذها بما يضمن مصالحها، وإعادة أمجاد الحضارة الفارسية. وهنا تظهر أهمية الالتقاء في منتصف الطريق، والوصول إلى نقاط مشتركة لضمان أمن المنطقة، وإنقاذها من الحروب ذات الصبغة المذهبية أو القَوْمية. فهذه الحروب خسارة للجميع بلا استثناء.

ولا مفر من التقارب المصري الإيراني لتحقيق مصالح شعوب المنطقة. فإيران لم تنزل إلى هذه المنطقة بالبراشوت. وكما أن مصر ذات حضارة عمرها آلاف السنين، فكذلك إيران ذات حضارة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ. أضف إلى هذا أن العرب لا يَقدرون على مسح إيران من الخارطة، وإيران لا تستطيع إلغاء العرب من الوجود. إذن، لا بد من الوصول إلى حَلول وسطية. وعلى العرب أن يؤسسوا مشروعَهم الحضاري ويَسعوا إلى نشره من أجل إحداث توازن مع المشروع الإيراني. أمَّا تبادل الشتائم والاتهامات فلن يؤديَ إلا إلى مزيد من سفك الدماء، وتأسيس مجتمعات الكراهية والحقد، وتعميق جذور الطائفية، والنزعات القومية المتطرفة لدى الجانبَيْن.

وما يثير الاستغراب أن عودة العلاقات بين مصر وإيران يُنظَر إليها على أنها قضية عالمية شائكة تثير اللغط واتهامات الخيانة في حين أن الدول الخليجية المتخوفة من إيران تقيم علاقاتٍ دبلوماسية طبيعية مع إيران دون نكير. فمثلاً نجد أن السعودية التي تقدِّم نفسها على أنها قائدة المشروع السُّني في المنطقة تقيم علاقاتٍ دبلوماسية مع إيران، وتستقبل الحجَّاجَ الإيرانيين، ويتبادل الملك السعودي القُبلات مع الرئيس الإيراني بكل أريحية أمام وسائل الإعلام. ونجد دولةً كالإمارات تتهم إيران باحتلال جزء من أراضيها (الجزرُ الثلاث) تقيم علاقات سياسية واقتصادية مع إيران جهاراً نهاراً. فلماذا حرامٌ على مصر أن تتقارب مع إيران وحلالٌ على دول الخليج أن تقيم علاقات مع إيران ؟! .

وعلى الرغم من كل التناقضات الصارخة بين العرب وإيران، فإن بينهما تاريخاً مشتركاً بِحُكم العقيدة والتاريخ والجغرافيا، وعليهما أن يَجدا حلولاً لمشكلاتهم المتفاقمة، أمَّا سياسة الهروب إلى الأمام وتبادل الشتائم من تحت الطاولة فسوف توصل الجميعَ إلى طريق مسدود.

================

الثورة السوريّة ومسألة التحالفات

حازم صاغيّة *

السبت ٨ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

لنتخيّل للحظة أنّ ليبراليّاً متزمّتاً رفض، إبّان الحرب العالميّة الثانية، تحالف الدول الغربيّة مع ستالين بحجّة أنّه حاكم توتاليتاريّ ومجرم. أو لنتخيّل، في المقابل، أنّ شيوعيّاً متزمّتاً رفض تحالف الاتّحاد السوفياتيّ مع روزفلت وتشرشل بحجّة أنّهما رمزان إمبرياليّان للنهب والهيمنة. هذان التقديران ليسا هرطوقيّين، بل يمكن ببساطة اشتقاقهما من مقدّمات نظريّة أصليّة كامنة في الليبراليّة وفي الشيوعيّة، كلّ بطريقتها. وهما لم يُعدما من يقول بهما وإن ظلّ هؤلاء أقليّة هزيلة في الطرفين. ذاك أنّ الأخذ بهاتين الحجّتين أو بأيّ منهما كان كفيلاً بالإفضاء إلى انتصار هتلريّ هو أسوأ بلا قياس من أيّ «خيانة» للمقدّمات النظريّة العظمى.

لحسن الحظّ أنّ الليبراليّ المتوسّط والشيوعيّ المتوسّط آثرا تأييد التحالف في مواجهة البربريّة النازيّة والابتعاد عن تلك المقدّمات النظريّة المانعة التحالف والعديمة المسؤوليّة. هكذا، اندحرت الفاشيّة الألمانيّة – الإيطاليّة - اليابانيّة وسُوّيت بالأرض. تحملنا الثورة السوريّة وما يؤخذ عليها من صداقات غير ناصعة على مراجعة تلك التجربة الكلاسيكيّة في التحالف. فهي تستند إلى التمييز بين مستويات الخطورة و «الشرّ»، لكنّها، إلى ذلك، تذهب أبعد إذ تميّز بين الأخلاقيّة المطلقة (أخلاقيّة المقدّمات النظريّة في هذه الحال) وبين أخلاقيّة السياسة المسؤولة.

وكان عالم الاجتماع الألمانيّ ماكس فيبر، قبيل وفاته وفي ذروة نضجه الفكريّ، قد ترك لنا نصّاً عن «السياسة كدعوة» (أو كنداء، أو رسالة، أو تكريس vocation)، جادل فيه بأنّ السياسة فنّ خاصّ لا يتحمّل ممارسوه، إلّا نادراً، أن يكونوا صافي الصفاء الذي يُطالَبون به، ولا يتحمّلون أبداً أن يكونوا بسطاء.

وكانت مفارقة فيبر، هنا، هي الآتية: إنّ الرجل الذي تكون السياسة لديه بمثابة رسالة مُجبرٌ أن يفعل ما قد يكون ممنوعاً أخلاقيّاً. فهو قد يجيز الأكاذيب، بل الانتهاك في ظروف قصوى، لكنْ ما دام مسؤولاً عن النتائج العامّة للعمل، أو عن عدم القيام به، فإنّه يتحمّل بالنيابة عنّا أعباء العمل الشرير. فما يرسخ هو المسؤوليّة حيال النتائج، أي حيال تطابقها مع ما هو أخلاقيّ في آخر المطاف وخدمتها له. وهنا يكمن قلب الموقع الفيبريّ الذي يتضمّن أنّ مهنة رجل السياسة هي أن يكنّ التقدير للنتائج العامّة والبعيدة لما يفعل، وأن تقيم دائماً في حساباته.

بلغة أخرى، وضدّاً على الانتهازيّة التي قد تُشتقّ من فهم سطحيّ لمقولة «الغاية تبرّر الوسيلة»، فإنّ معرفة النتائج تبقى موضوعاً مركزيّاً في تقدير فيبر، مع أنّ هذا يتركنا أمام أمر إشكاليّ آخر: كيف نقدّر النتائج سلفاً وعلى أيّ ضوء؟

لقد جادل عالم الاجتماع الألمانيّ بأنّ هناك نزاعاً لا يقبل التسوية بين إملاءات السياسة والإملاءات الأخلاقيّة. لكنّه، كما يقول، على بيّنة من المفارقة الكامنة في أنّ رجل السياسة «ينبغي عليه...»، أي أنّه مُجبر أخلاقيّاً، بفعل التزامه دعوته، أن يشيع أرفع المطالب الأخلاقيّة. ثمّ يمضي فيبر فيستشهد موافقاً بمديح ماكيافيللي للمواطن الذي يفضّل عظمة المدينة وسلامتها على خلاصه الروحيّ: فما دام أنّ جوهر القيادة السياسيّة في الأزمنة الصعبة هو استعداد القائد لأن يعرّض نفسه للخطر من أجل الجماعة، فإنّ أحد أبطال ماكيافيللي الفلورنسيّين امتدح أولئك السكّان الذين اعتبروا «عظمة مدينتهم الأصليّة أعلى من خلاص روحهم». وفي غير موضع يميّز فيبر بين أخلاقيّة الإيمان الراسخ، أو القناعة الراسخة conviction، أي بالأصل الألمانيّ Gesinnungsethik، وبين أخلاقيّة المسؤوليّة Verantwortungsethik لدى السياسيّ. وهو تمييز في تسيير الشأن العامّ، بين أخلاقيّة النهائيّات وأخلاقيّة الراهن المسكون بالنهائيّ. فالذي يتبع الأولى لا يهتمّ فعليّاً بالسلطة السياسيّة ولا يتحمّل المسؤوليّة عن نتائج عمله. إنّه مهجوس بالألفيّات فحسب. أمّا الذين يتبعون الثانية فيجعلون أنفسهم مسؤولين عن نتائج أعمالهم ويُقرّون بأنّ ثمّة حدوداً تحدّ الوجود السياسيّ وتشرطه. ذاك أنّ اهتمامهم ليس بالنبوءات التي تصدر عنهم، ولا بالنبوءات التي قد يصدرون عنها، بل بالمسائل البراغماتيّة التي تطاول الخيار والأولويّة والحاجة إلى المصالحات والتسويات.

أمّا الجهد النظريّ المسؤول والمحترم في وضع مُشكَل كهذا فهو إبقاء الحسّ النقديّ متيقّظاً للحفاظ على تلك المواءمة بين أخلاقيّة الراهن وأخلاقيّة النهائيّات، أي لضمان إسكان النهائيّ في الراهن. وهنا يعمل النقد بلا كلل في مطاردة ما يتبدّى غير أخلاقيّ أو غارقاً في وحول الراهن على حساب النهائيّات. وبالعودة إلى الثورة السوريّة التي يُراد لها التعرّي من كلّ تحالف، بذريعة المقدّمات النظريّة (الدينيّة المعلمنة ظاهراً)، فإنّ بُعداً آخر يُضاف إلى ما تُلمح إليه فكرة فيبر وتجربة التحالف في الحرب العالميّة الثانية. ذاك أنّ الثورة الفلسطينيّة المنزّهة عن النقد كانت هي نفسها حليفة وطيدة لمن يؤخَذ على الثورة السوريّة التحالف معهم. ونعرف أيّ دور لعبته المساعدات الماليّة الخليجيّة لحركات المقاومة الفلسطينيّة منذ نشأتها أواسط الستينات. بل لتقدير هذا الدور وحجمه يكفي القول إنّ توقّف تلك المساعدات، بسبب تأييد المقاومة الفلسطينيّة غزو صدّام حسين الكويت، كان الضربة التي قضت عليها وحملتها على تغيير استراتيجيّتها والانعطاف سلماً. وبدورها فإنّ القوى «الناصعة البياض» في الثورة الفلسطينيّة (كالجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين مثلاً) كان لكلّ منها حصّته من تلك المساعدات، ومَن لم يكن يكتفي بتلك الحصّة كان يجد تعويضه في أموال صدّام حسين ومعمّر القذّافي! وقصارى القول إنّ الذين يرفضون تحكيم المعيار الفلسطينيّ في الثورة السوريّة، يعلنون أمراً بسيطاً هو أنّ النظام السوريّ ليس شرّاً بما يكفي لجعل إسقاطه أولويّة تستدعي إيجاد أحلاف واختراع أخلاقيّة سياسيّة. وهذا أمر خلافيّ عميق لا حلّ له معهم.

 

=================

عن موت ثورة ونظام

غازي دحمان *

السبت ٨ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

بدأت تظهر جملة انتقادات حول أداء الثورة السورية، عبر التركيز على أخطاء بعينها، والهدف محاولة تقويم هذا الأداء وصولاً إلى اكتمال الصورة المثالية للثورة، أو أقلّه من باب الخوف على الثورة ومصيرها لدى أصحاب النيات الحسنة، أو من منطلق الشماتة بالثورة وأنصارها ومحاولة إعادة تعويم النظام الساقط سياسياً وأخلاقياً.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، أين هي الثورة التي لا يزال البعض يخاف عليها ويسعى إلى تقويم مساراتها؟ أين ناسها وفعالياتها؟ وفي المقابل، أين هو النظام؟ وهل بقي فيه عضو يمكن إعادته إلى الحياة، أين مؤسساته وقوانينه ونظمه؟

ثمة حقيقة باتت راسخة اليوم في سورية، وهي أن الثورة والسلطة ماتتا على الأرض السورية ودفنت جثتاهما ولم يعد أحد قادراً على رؤيتهما، وما هو موجود على الأرض ليس سوى كيانات (استطالات) لا علاقة لها بمكونات السلطة ولا الثورة.

ماتت الثورة السورية تحت عسف وقهر وجبروت العصابة الحاكمة وكثافة نيران الجيش الوطني وحقد الشريك في الوطن وجبن الآخرين وتخاذلهم، والتواطؤ الدولي والإقليمي عليها، ونتيجة انتهازية من تصدوا لتمثيلها، في الداخل والخارج، كما دُمرت بيئتها، وشُتّت ناسها. ومات النظام يوم أصر على أن يغتال الثورة بهذه الطريقة الوحشية.

قتلته تقديراته الخاطئة، ونزوعه العنفي، وغباء مسؤوليه. ظن أنه في اليوم الذي يعمم فيه الفوضى يكسب أياماً تالية في السلطة، وتجرد من كل الأردية التي تحجّب بها طيلة أربعة عقود، فانكشف جوهره: نظام كان يخبئ الأسلحة ليقتل بها أبناء سورية، ويدرب الشبيحة والزعران ليبطشوا بالبلد ويحرقوها، ويبني علاقات مع «حزب الله» وملالي إيران، ومافيات الحكم في روسيا، ليستدعيهم لقتل فلاحي سورية وعمالها وفقرائها.

مات النظام، ومعه ماتت الدولة. لم يبق منها إلا اسمها الذي لن يطول به المقام قبل أن يتم تقاسمه بين سورية الشمال وسورية الجنوب، ومثلهما في الغرب والشرق، تماماً كما هو حال علم سورية الذي صار، حتى هذه اللحظة، ثلاثة أعلام، واحداً رسمياً وآخر استقلالياً وثالثاً كردياً. وفي التاريخ السوري أعلام كثيرة ما زالت مخبأة ويجرى العمل على إعادة رسمها. مات النظام، من نسمع أخبارهم اليوم ونشاهد أفعالهم، هم مجموعة من القتلة يعملون لحساب شخصيات قريباً ستطلبهم المحاكم الدولية بوصفهم مجرمي حرب، وهؤلاء أصبح مستقبلهم خلفهم ولا يمكن أن يعودوا ويصنعوا دولة ونظاماً. وماتت الثورة، فمن نسمع أخبارهم ونشاهدهم اليوم جماعات تعمل بدافع غريزة البقاء أو حماية العرض والدم، أو حتى الانتقام من قاتل الولد وحارق المنزل والمتجر والبيدر، وهؤلاء ليس لدبهم ترف اتباع السلوك الثوري ومراعاة النظام القيمي والأخلاقي الذي تشترطه الثورات وتتبناه.

مات الإثنان يوم تخلى عنهما الأكثر حكمة فيهما، يوم قُتل أنصار الثورة المدنية أو غيّبوا وفر الآخرون، ويوم انشق عن النظام الأقل عنفاً فيه والأميل إلى الفهم والتفاهم. عندها احتل الميدان أصحاب المرتبة الثانية، احتياطيو القتل والدفاع، ما جعل البلد يخوض حرباً بالأسلحة البيضاء والحمراء والسوداء، ولا عزاء في سورية ولها.

 

=================

سوريا.. والبطريرك بعد نصر الله!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

8-9-2012

في سبتمبر (أيلول) الماضي قال البطريرك الماروني بشارة الراعي: إنه كان يأمل «لو يعطى الأسد المزيد من الفرص لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي بدأها»، ومضيفا أن الأسد «إنسان منفتح.. تابع دراسته في أوروبا، وتربى على المفاهيم الغربية.. لكن لا يمكنه القيام بمعجزات لوحده».. هذا قبل عام، لكن اليوم اختلف حديث البطريرك عن الأسد كثيرا!

اليوم يقول البطريرك: إن «المسيحيين لا يهمهم النظام، بل يهمهم الاستقرار في سوريا»، معتبرا أن «هذه هي الحالة التي يعيشونها الآن»، والفارق بين تصريحات الراعي قبل عام وتصريحاته الآن أنها تأتي بلا مواربة؛ فالعام الماضي كان البطريرك يقول: نحن لا ندعم النظام، لكن الأسد منفتح، وهو حامي الأقليات في المشرق، بينما اليوم يقول: إن نظام الأسد لا يهمه، وإنما استقرار سوريا، مما يعني أن البطريرك قد اقتنع، مثله مثل حسن نصر الله، باقتراب نهاية طاغية دمشق، وأنه لا جدوى من الدفاع عنه، خصوصا بعد كل هذه الدماء التي سالت، والخراب الذي حل بسوريا على يد الأسد.

ومنذ عام وأكثر، ونحن، وغيرنا، نقول: إن ما يحدث في سوريا ليس ثورة سنية، أو استهدافا للأقليات، وإنما الثورة السورية هي أصدق وأنبل الثورات في منطقتنا؛ ثورة على طاغية، ونظام إجرامي، استهدف كل الديانات والطوائف، مثلما استهدف السوريين، والعراقيين، واللبنانيين.. نظام امتهن الكذب وحوّله إلى إحدى أبرز أدواته السياسية، لكن البطريرك، وحزب الله، ومثلهما روسيا، كانوا يقفون على الجانب الخطأ حيث يدافعون، ويبررون، لنظام قاتل بحجة الخوف على الأقليات، وخشية وصول إسلاميين للحكم في سوريا، فالبطريرك الماروني كان يقول في أحد تصريحاته المدافعة عن النظام الأسدي: إن «سوريا في نظامها أقرب شيء إلى الديمقراطية»، وإن من مزايا نظام الأسد أنه النظام العربي الوحيد الذي لا يقول: إنه دولة إسلامية، لكن تبدلت الأحوال اليوم وأصبح البطريرك يقول: إنه لا يهم النظام في سوريا وإنما الاستقرار!

وبالطبع، فإن المتابع للشأن السوري لا يستنكر مواقف روسيا والبطريرك وحزب الله وحسب، بل وبعض المواقف الغربية غير المعلنة التي ساهمت في التلكؤ تجاه الأزمة السورية بحجة الخوف على الأقليات، الذي لا شك ولا نقاش حول ضرورة حمايتها، وحماية حقوقها في كل المنطقة، لكن المريب أن الحديث عن الأقليات بات لا يرتبط إلا بالحديث عن سوريا، وعندما نقول: «المريب» فلسبب بسيط.. أفليس من اللافت أن المسيحيين قد عاشوا استقرارا في ظل نظام صدام حسين بينما هم يعانون الأمرين اليوم في العراق الأميركي - الإيراني، خصوصا أن البطريرك يقول في مقابلته الأخيرة إنه «عندما أطيح بصدام حسين خسرنا مليون مسيحي»؟ وهذا ليس كل شيء، فهل يعقل أن لا يوجد مسجد للسنة في طهران؟ ولماذا لم تخش واشنطن على مسيحيي مصر بعد مبارك؟

أسئلة كثيرة.. لكن ما يهم الآن أن الأقنعة قد سقطت، وانتهت أكاذيب المقاومة والممانعة، والخوف على الأقليات. وعليه، فما الذي تبقّى لمن يمارسون النفاق تجاه الأزمة السورية، خصوصا بعد أن بدأت الأقليات تنأى بنفسها عن نظام الأسد؟

=================

في نقد السلاح

منذر خدام

الشرق الاوسط

8-9-2012

مرت الثورة السورية منذ انطلاقها بثلاث مراحل رئيسية متمايزة، بدأت في أولها على شكل مظاهرات سلمية مدنية، ركزت راياتها على الوحدة الوطنية، وعبرت شعاراتها عن مطالب الشعب المحقة في الحرية والكرامة والديمقراطية. ولقد استمرت هذه المرحلة ما يقارب الستة أشهر. وفي المرحلة الثانية بدأ تزاوج بين المظاهرات السلمية والدفاع عن النفس وحماية المتظاهرين بقوة السلاح. في أواخر هذه المرحلة التي استمرت ما يقارب التسعة أشهر بدأت تظهر الانشقاقات عن الجيش الرسمي لتشكل ما صار يعرف بالجيش الحر. أما المرحلة الجارية فإن الصراع المسلح بين قوى النظام العسكرية والأمنية والجيش الحر والمقاتلين المحليين والجهاديين هو المسيطر على مشهد الثورة، لتتراجع كثيرا المظاهرات السلمية وما يصاحبها من شعارات وطنية جامعة. خلال هذه المرحلة جرى تحول مهم في دور الجيش الحر والمسلحين المحليين فكثرت كتائبه لتغطي كامل جغرافية سوريا ولينتقل من وضعية الدفاع عن النفس وعن المتظاهرين السلميين إلى الهجوم، شعاره الوحيد تقريبا هو إسقاط النظام بالقوة العسكرية.

إن تصاعد العنف المتبادل بين قوى النظام وقوى الثورة المسلحة على الأرض بات يهدد بصورة لم يسبق لها مثيل خلال المراحل السابقة للثورة وجود الدولة والوطن بل الثورة أيضا.

من الأكيد أن النظام هو المسؤول الأول والرئيسي عن كل ما يعانيه شعبنا من ويلات وكوارث، بسبب لجوئه للعنف المنفلت من أي قيود أخلاقية وسياسية، ضد شعبه الذي طالبه بإصلاحات حقيقية وجذرية تعيد له حريته وكرامته في إطار نظام ديمقراطي تعددي، وإغلاقه بالتالي جميع الأبواب في وجه الحلول السياسية كلها. إذا كان عنف النظام هو المسؤول الرئيسي عن كل ما يحصل في سورية، فهذا لا يعفي قوى الثورة المسلحة من بعض المسؤولية. بداية لا بد من القول إن الذين يحملون السلاح في سوريا اليوم ويستخدمونه تحت رايات الجيش الحر لمحاربة النظام، ليسوا جميعهم من الجيش الحر ولا يستخدمون سلاحهم من أجل ذات الأهداف التي يقاتل من أجلها الجيش الحر.

المقاتلون اليوم في سوريا أربع فئات. الفئة الأولى وتضم الضباط والجنود الذين انشقوا عن جيش النظام، وعلى الرغم من أنهم لا يخضعون لقواعد التنظيم العسكري المعروفة نظرا لظروف عملهم، وليسوا موحدين في بناء هرمي عسكري واحد، فإنهم يتميزون بالحرص عند استخدام السلاح، وبوضوح الخيارات السياسية، وأن أهدافهم واضحة وهي ذاتها أهداف الثورة. تتوسع هذه الفئة من خلال الانشقاقات التي تحصل في أجهزة النظام العسكرية والأمنية. الفئة الثانية وتضم المقاتلين المحليين الذين حملوا السلاح ضد النظام، دفاعا عن أنفسهم وأهلهم وبيوتهم. وتعد هذه الفئة هي الأكبر بين مكونات الجيش الحر، لكنها الأقل تدريبا وانضباطا. عناصر هذه الفئة كانوا - حتى حين - يشكلون القوام الرئيسي للمظاهرات السلمية الداعية للثورة وحاملين راياتها وشعاراتها المعروفة، لكنهم تحت وطأة عنف النظام وهمجيته بدأوا يمزجون بين روح الانتقام من النظام الذي تسبب بوفاة بعض الأبناء والأهل والأقارب وتدمير البيوت والممتلكات، وبين التمسك بأهداف الثورة. الفئة الثالثة وهي فئة قطاع الطرق واللصوص الذين يستغلون الظروف لمزيد من النشاطات الإجرامية من خطف مأجور، أو قتل مأجور لحساب من يدفع، وسرقات ونهب وغيرها. تتكون هذه الفئة في غالبيتها من المجرمين القضائيين الذين أفرج النظام عنهم، ومن بعض ضعاف النفوس الذين يطمحون إلى الثراء السريع، أو حتى الانتقام، ولا يتورعون عن ارتكاب أفظع الجرائم في سبيل تحقيق غاياتهم، وهم لا علاقة لهم بالثورة ولا بأهدافها السياسية، بل يشكلون عبئا ثقيلا عليها. الفئة الرابعة وتضم الجهاديين المحليين أو المقبلين من الدول العربية والإسلامية. تتميز هذه الفئة بتناقض خياراتها السياسية ووضوحها في الوقت ذاته. فالمقاتلون المنظمون ضمن وحدات قتالية تابعة للإخوان المسلمين تعلن تمسكها بأهداف الثورة وهي تنسق في كثير من الحالات مع الوحدات القتالية للفئة الأولى، لكنها تظهر أيضا روحا انتقامية واضحة ضد النظام للكارثة التي تسبب بها لها في بداية الثمانينات من القرن الماضي. أما المقاتلون الوافدون من الخارج فهم إما من تنظيمات «القاعدة» ويرفعون الرايات السوداء فوق تشكيلاتهم، أو ينتمون إلى «جبهة النصرة» أو غيرها من التنظيمات الإرهابية المعروفة. إن نشاط هذه المجموعات ضار بالثورة، ويقدم خدمات سياسية للنظام، خصوصا عندما تقوم بتفجيرات تقتل فيها المدنيين بصورة خاصة.

إن جميع هذه الفئات التي تحمل السلاح تنشط تحت عنوان الجيش الحر بصورة رئيسية، مستغلة اسمه كذراع عسكري للثورة لتنفيذ ما تسعى إليه. وإن أخطر هذه الفئات هي الفئة التي تضم قطاع الطرق، وكذلك فئة المقاتلين المنتمين إلى جماعات إرهابية معروفة وموصوفة. فهم يشكلون عبئا عليها ويخدمون النظام بصورة مباشرة أو موضوعية.

إن انتقال الثورة إلى مرحلة الصراع المسلح ضد النظام جاء في استجابة واضحة لاستراتيجية النظام التي وضعتها أمام خيار صعب ومعقد جدا. ففي لعبة السلاح المزدوجة تم إيجاد كل الظروف الملائمة لحصول تشوهات كثيرة في مسار الثورة سواء نتيجة دخول كثيرين لا علاقة لهم بها ولا بأهدافها، أو تدخل قوى دولية كثيرة دفاعا عن مصالحها الخاصة. ولذلك ومن أجل أن يكون السلاح في خدمة الثورة ينبغي على قيادة الجيش الحر عزل جميع المقاتلين الذين لا علاقة لهم بالثورة وأهدافها، وينبغي دون إبطاء توحيد فصائل الجيش الحر والمسلحين المحليين في هيكل تنظيمي واحد وتحت قيادة عسكرية واحدة، وتحديد العقيدة القتالية له وضبط استخدام السلاح وتحديد مهماته في إطار استراتيجية واضحة تحمي الثورة وأهدافها، وبما يراعي حقوق الإنسان والقانون. وبالتساوق مع ذلك وحتى بغض النظر عنه ينبغي العمل سريعا على عودة المظاهرات إلى الشوارع حتى ولو أخذت الطابع الرمزي وذلك للتأكيد المستمر على أن الثورة هي من حيث الأساس والجوهر ثورة سلمية، ويمكن للجيش الحر في هذه الحالة وحيثما كان ضروريا تأمين حمايتها.

=====================

ثورة لكل السوريين!

وليد جداع

الحركة الدستورية السورية 2012/09/08

في مداخلة لا تخلو من طرافة، إلى جديتها في واقع الأمر، قال السيد سمير جعجع قائد القوات اللبنانية لمحاوره: في بلد مثل تونس ،الناس كلهم مسلمون مالكيون: هل تريد أن يكون أكبر الأحزاب" إخوان مسيحيون"؟ نسوق هذه المداخلة للحديث المتزايد عن مسألة نفوذ الإسلاميين المتعاظم في المعارضة السورية، وعن الدعوة إلى الحد من هذا النفوذ وإشراك باقي فئات الشعب السوري وأطيافه في تشكيلات المعارضة وهيئاتها العاملة ، لأسباب : منها تطمين (الأقليات) العرقية والدينية ، ومنها صورة المعارضة السورية أمام الخارج-الغرب تحديدا- لعدم رغبة الغرب في تملك الإسلاميين زمام المبادرة ، وإعطاء العلمانيين فرصة أكبر في قيادة المعارضة والدولة السورية القادمة على حد سواء.

 

أما أن المعارضة السورية ، يغلب عليها الاتجاه العربي الإسلامي بشكل عام، فليس ذلك لسبب أوضح من أن الشعب السوري في معظمه مسلم محافظ متكلم بالعربية، ومن الطبيعي إذا في ظروف متوترة كالظرف السوري ان يكون الاتجاه الغالب في المعارضة ،مسلم محافظ،متكلم بالعربية، و ليس من باب الإكراه أو المفاضلة أو الاستئثار، بأي حال من الأحوال.

لكن مزيدا من التدقيق في واقع المعارضة السورية اليوم، وقياداتها، وهيئاتها ، وقيمها السائدة وأخلاقياتها ، ومحاور أخرى كثيرة، ينبئ عن صورة مغايرة ، بل متوازنة وواقعية، خلاف تلك الصورة المسوقة والمزعومة ، لأغراض شتى سليمة القصد أو زائغة النوايا والأهداف.

فالتدقيق في الشخصيات البارزة في المعارضة السورية مثلا، ولا سيما خارج سورية، ينبئ بصورة واضحة، أن هذه المعارضة الشعبية وهذه الثورة العظيمة ، هي معارضة الشعب السوري كله وثورة السوريين كلهم! إن عددا لا بأس به من أبرز المتحدثات والمتحدثين باسم المعارضة السورية ، ممن يكن لهم الشعب السوري عامة والمعارضة السورية خاصة احتراما وتقديرا استثنائيا، ليسوا من الإسلاميين بحال. ..إن السيدات سهير الأتاسي ولويز عبد الكريم وفدوى سليمان وريما فليحان ومرح البقاعي وفرح الأتاسي، وقائمة لا ينتهي حصرها من السيدات البارزات في المعارضة، هن من السيدات غير الإسلاميات كما هو معروف للجميع ولم يصدر في يوم من الأيام من المعارضة السورية ومن الشعب السوري عموما ما يغض من قيمة هؤلاء السيدات واحترامهن وحقهن في القيادة والعمل والكفاح! ،وإن السادة ميشيل كيلو وجورج صبرا وبرهان غليون وعبد الباسط سيدا ورياض الترك ووحيد صقر ومنذر ماخوس وقائمة كبيرة جدا من الفاعلين في المعارضة السورية، ليسوا من الإسلاميين، بل ليسوا من الغالبية السائدة في الشعب السوري دينيا أو قوميا. ومع ذلك فإن هؤلاء نجوم لامعة في المعارضة السورية، وبين صفوف الشعب السوري، وحافظوا على الدوام على مكانة ممتازة في قلوب الشعب السوري ، وفي تمثيله سوريا وعربيا ودوليا على حد سواء...إن الشعب السوري هو الذي أفرز هذه القيادات وأبرزها، وما نظر إليهم إلا على أنهم معارضون شرفاء حملوا هم وطنهم في أفئدتهم ، وسيحفظ لهم هذه المكانة الآن، وفي سورية المستقبل، ما حافظوا على حمل هذه الأمانة العظيمة، أمانة النضال من أجل حرية الشعب السوري وكرامته.

وهل ينبغي أيضا الحديث عن المكانة السامية التي أنزلها الشعب السوري لشهدائه كافة دون تمييز بينهم في دين أو مذهب أو قومية أو طائفة؟ هل نذكر هنا باسل شحادة، هذا الشاب العظيم الذي ترك أمريكا والدراسة المجانية فيها، ليبذل روحه من أجل شعبه ومعركة شعبه! فكان عنوانا وغارا و(أيقونة ) للشباب السوري، لا يقل احترامهم له عن أي شهيد آخر من أي مكان وأي دين ومذهب واتجاه سياسي، ما دام بذل روحه من أجل بلده ووطنه!

هل ينبغي أنه نذكر هنا أن الشعب السوري المحافظ في معظمه، لم يعط المشايخ أو العلماء مكانة مميزة بين قياداته وفي تمثيلاته ومجالسه الثورية وتنسيقياته، إلا لمن كان من هؤلاء في طليعة المقاومة والعطاء والمواجهة مع طغاة دمشق، وأغفل الآخرين ممن لم يشاركوا المشاركة الفاعلة في الثورة، أو حرموا طبيعيا، من قدرات العمل الثوري ومتطلباته وكفاءاته، ولم يكن لهم حظ من قيادة أو تأثير؟

بل إن أعظم رد على هذه المزاعم جميعا، هو أن الحراك السوري امتد وما يزال من أقصى سورية شرقا إلى أقصاها غربا، ومن أقصاها حنوبا إلى اقصاها شمالا، دون استثناء مهم يذكر ..إنه ليس من بقعة في سورية، مهما كان دين أبنائها أو مذهبهم أو طائفتهم أو قوميتهم أو انتمائهم ، إلا وثارت في وجه الحكم الكتاتوري ، وقدمت شهداء وجرحى وتضحيات من كل نوع وشكل، وكان لها حظ كبير أو صغير من عسف النظام وإجرامه.

ثورة سورية اليوم لكل السوريين، والحرية القادمة بإذن الله ستكون للسوريين جميعا، والكرامة التي سننالها، كرامة الشعب السوري كله. الثورة السورية أدهشت السوريين والعالم كله بتجلياتها وعطاءاتها، والشعب السوري سيثبت مستقبلا أنه شعب حر كريم أهل للحرية، والعيش المشترك والحب والتآخي . وأن تنوعه بكل صوره وأشكاله، إنما هو تنوع طبيعي ومألوف ، وتنوع صحي وإيجابي ومعطاء كذلك ومصدر غنى وتحضر...

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ