ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 08/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الحرب في سورية.. استراتيجية تجفيف خزان الدم المقابل

الوطن السعودية

7-9-2012

حتى لا ينهك الجيش النظامي في هذه الحرب غير التقليدية، ويصبح لقمة سائغة لأي تدخل خارجي؛ فقد استخدم مبدأ الاقتصاد في القوى، إذ يستخدم الآن حوالي أقل من 15% من قوته الفعلية، ولم يستنفر قوته الاحتياطية من المجندين والسلاح حتى الآن

الحرب الشرسة والضروس التي تدور رحاها الآن في سورية، قل أن شهدنا مثيلا لها في تاريخنا الحديث. حيث جمعت بين حرب العصابات وحرب المدن، والحرب النظيفة والحرب القذرة في آن معاً، وقد تضم إليها الحرب التقليدية لاحقاً. العالم أجمع انهمك بدون هوادة في العمل كساحات خلفية، بسرية وعلانية، لإمداد مسرحها الملتهب مادياً وسياسياً ودبلوماسياً وبالمقاتلين والسلاح أحياناً، ومعلوماتياً وإعلامياً وعقائدياً ومعنوياً. وقد أخذت الحرب في سورية منحى خطيرا، حيث يتطاحن فيها عديد من الإرادات المحلية المستعرة المؤمنة بأهدافها والمصرة على تحقيقها، مهما كلف الأمر. وقوى دولية تورطت في تحريك دفتها وإقليمية انغمست في مستنقعها، وكل منها رهن مصداقيته بها وراهن على قبض حصته الثمينة من غنائم ما بعدها، ظاناً بأنها لن تطول، ولن تكلف ما كلفته من نزاع دولي طال أمده، وتلاعب بأعصاب الجميع، وفوق كل هذا وذاك سفك الدم السوري الطاهر، بكل كرم وسخاء، حيث أصبح المزيد منه، ركيزة رهان النصر فيها من عدمه. في تناولي لهذا الموضوع المتداخل والمركب، بنفس الوقت، سأحاول شرح معطيات الصراع العسكري من النواحي النظرية والاستراتيجية والتكتيكية، من وجهة نظر عسكرية بحتة. هذا مع محاولتي لعزل المعطيات السياسية والدبلوماسية المحلية السورية والإقليمية والدولية بقدر الإمكان، من أجل عدم التشويش على فهم القارئ وإيضاح طبيعة ما يجري على الأرض السورية من احتراب عسكري، بقدر ما تسمح لي به الساحة والمساحة والمعلومات المتاحة.

عند دراستي لأي حرب أو تدريسها لطلبتي في الكلية العسكرية، فإني أستخدم ما أسميته بـ"معادلة الحرب"، لفهم معطياتها ومجرياتها والتوصل لأسباب النصر والهزيمة فيها. ومعادلة الحرب تتكون من فهم نقاط قوة (إيجابيات) ونقاط ضعف (سلبيات)، كل طرف فيها؛ حيث النصر يكون فيها للطرف الذي يفهم سلبياته وإيجابياته وإيجابيات خصمه وسلبياته، قبل بدء المعركة، ثم في أثناء المعركة، يحرم خصمه من استخدام إيجابياته ويركز في الضغط على سلبياته، وبنفس الوقت، يستخدم هو إيجابياته بأقصى درجة ممكنة ويحرم خصمه من استغلال سلبياته بقدر المستطاع. وهنالك معادلة أخرى أسميتها بمعادلة "روح الشرق وروح الغرب في الحرب"، فالشرق دوماً ضعيف في إمكانياته المادية والتنظيمية، ولذلك يستعيض عنها بروحه الشرقية التي تستمد قوامها من الدين والوطنية والقومية والأيديولوجية، والغرب يستعيض عن ضعف الروح المعنوية، بالتنظيم الدقيق والتدريب المتواصل والانضباط الصارم، واعتماده على كثافة النيران، والاشتباك عن بعد قدر المستطاع، ويعول على مقدرته على الصمود والتعويض المادي. وهذه المعادلة تصدق كذلك على الحرب في الشرق أو الغرب عندما تكون بين جيش غير نظامي وجيش نظامي. وبالعودة إلى سورية، فلا بد من فهم سبب ارتفاع سعر الرهان عليها، كموقع استراتيجي حساس بالنسبة للشرق وللغرب. فقبل حوالي 2500 سنة، ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوتس، في كتابه الذي يعتبر أول كتاب في التاريخ، بأن من يسيطر على سورية فقد يسيطر على ثلثي العالم. وحسب نظريته التاريخية العسكرية، بأن الأبطال الذين يخوضون الحروب وينتصرون، هم من يصنع التاريخ. وبأن اليونان لا تستطيع السيطرة على فارس والشرق بشكل عام، إلا من خلال بناء قوة عسكرية ضاربة وسيطرتها على سورية. وهذا بالتحديد ما فعله الإسكندر المقدوني، بعد 100 عام من وفاة هيرودوتس. وثبتت صحة مقولة هيرودوت في القديم وتأكدت صحتها الآن، بعد حيازة منطقة الشرق الأوسط على ثلثي احتياطي العالم من الطاقة، النفط والغاز. وهذا ما جعل ويجعل الاحتراب على سورية كموقع، من نوع كسر العظام، وتهشيم الجماجم، وأن ينقسم العالم عليها شرقاً وغرباً، وتتداخل الأوراق لدى محيطها الإقليمي، كما تنبأ بذلك هيرودتس. وهكذا فقد فرض على سورية موقعها الحساس، من القدم حتى الآن، بأن تكون دوماً منخرطة فيما يجري في محيطها من ناحية، ومن ناحية أخرى بأن تتبنى استراتيجية الدفاع من خارج حدودها، وذلك بدعم المقاومات وإنهاك خصومها المحتملين، قبل وصولهم إليها، وهذا ما جعلها شبه متمردة، ومطلوب إخضاعها حية أم ميتة.

لتقييم ما يجري في سورية من اقتتال عسكري، لا بد من فهم كل طرف في الحرب وإمكانياته العسكرية والمعنوية ومن ثم عرضها حسب معادلتي الحرب المادية والمعنوية أعلاه. الجيش العربي السوري يعتبر الآن ثاني أكبر جيش عربي، بعد الجيش المصري، من ناحية العدد والعتاد، حيث يبلغ عدده، 220 ألفا، واحتياطي 280 ألفا، ويعتبر الجيش السوري، الجيش العربي الأول عقائدياً. للجيش السوري، خبرة طويلة في الحروب العربية الإسرائيلية وحرب إسرائيل على لبنان 1982 والحرب الأهلية اللبنانية من 1975 حتى 1991. أي أن الجيش السوري لديه خبرة طويلة وغنية في الحروب التقليدية وغير التقليدية، قاتل جيوشا نظامية وقاتل وطارد ميليشيات غير نظامية، ودعم ودرب وجهز وخطط لجيوش مقاومة غير نظامية. الجيش السوري، هو جيش نظامي من ناحية التنظيم والتسليح والتدريب، بنفس الوقت يقاتل ضمن عقيدة قتالية أيديولوجية شعبية، مستمدة من أيديولوجية ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي السوري.

الطرف الثاني في الحرب هو الجيش السوري الحر، الذي يبلغ تعداده حوالي 60 ألف مقاتل، ومكون من جنود وضباط منشقين من الجيش السوري النظامي ومتطوعين من الشعب السوري وكذلك مقاتلين عرب وأجانب لهم خبرتهم القتالية ضد الجيوش النظامية في أفغانستان والعراق وليبيا والجزائر واليمن، ويتبنى عقيدة الجهاد، كعقيدة قتالية. والجيش السوري الحر مسلح بأسلحة قتالية خفيفة ومتوسطة، ويستخدم تكتيك حرب العصابات وحرب المدن، في قتاله للجيش النظامي. وهدف الجيش الحر من القتال، كما يعلن، هو الدفاع عن الشعب السوري من قمع الجيش النظامي وإسقاط الحكومة السورية، التي فقدت بالنسبة له شرعيتها التي تلطخت بالدم السوري. وهدف الجيش السوري النظامي، كما يعلن، هو حماية أمن سورية من الخونة والعملاء بالداخل والتصدي لأي تدخل خارجي غاشم منتظر.

حتى لا ينهك الجيش النظامي في هذه الحرب غير التقليدية وتتبدد قواه على الجغرافيا السورية، عن طريق حرب العصابات وحرب المدن، ويصبح لقمة سائغة لأي تدخل خارجي؛ فقد استخدم مبدأ الاقتصاد في القوى، وهو عدم استخدام أكثر مما يحتاجه في تصديه للجيش الحر، فهو يستخدم الآن حوالي أقل من 15% من قوته الفعلية، ولم يستنفر قوته الاحتياطية من المجندين والسلاح حتى الآن. وعليه، قرر بألا تكون الجغرافيا الداخلية، هدفا للقتال عليها، كما هو المعروف عن القوات النظامية، ولكن أخذ يقاتل حسب تواجد قوات الجيش الحر، يتخلص منها بالقتل والتدمير ثم ينسحب من المكان، ويعود مرة أخرى وثالثة لنفس المكان أو غيره إذا عادت إليه ويقاتلها، وهكذا، أملاً في القضاء عليهم والتخلص منهم كعدد في نهاية المطاف. وطبعاً الجيش الحر، بدأ يمتلك قواعد دعم ومساندة في تركيا ولبنان والأردن ويزداد عدداً وعدة، مما ينبئ بطول الحرب والمزيد من الدعم والتدخلات الخارجية مع وضد، وفي المحصلة المزيد من الدم السوري الطاهر. وفي الحرب أكثر من قضية، وللمقال بقية..

عبدالرحمن الوابلي        2012-09-07 1:18 A

=================

الشعب السوري وصيد الثعالب...

عبدالله محمد الناصر

الرياض

7-9-2012

    منذ سنوات خرجت مظاهرة حاشدة في بريطانيا تنديد واعتراضاً على صيد الثعالب بالكلاب، لما في ذلك من وحشية تتعارض مع الأخلاق والأعراف الإنسانية.. لأن الإنسان السوي يجب أن يكون رحيماً حتى مع الحيوانات، وإن كانت في درجة الثعالب..!! وقد كانت هناك عادة قديمة في بريطانيا لصيد الثعالب بهذه الطريقة لها ما يشبه الطقوس..!! حيث يجتمع عشرات النبلاء وقد ركبوا خيولهم تحيط بهم الكلاب المدربة، وما أن يصلوا إلى منطقة الصيد حتى يبدأ قائد حملة الكلاب بالنفخ في بوقه. إيذانا بالبداية فتأخذ الكلاب في الانطلاق لإخراج الثعالب، وتنفيرها، وتنفيجها من جحورها، ومكامنها.. فإذا انطلق الثعلب مذعورا لحقته الكلاب الضارية، وأخذت تطارده، وهو يجري، ويراوغ إلى أن يقع فريسة بين يديها فتحوله أشلاء... وبسبب هذه الطريقة البشعة، وغير الأخلاقية، تكاثرت وتوالت الاحتجاجات والمظاهرات الحاشدة، إلى أن تم تجريم طريقة الصيد هذه رغم أنوف النبلاء، واحتجاجاتهم.. هذا العالم الغربي الرقيق الرحيم ذي الضمير الحي، الذي تتمزق قلوب أهله رحمة ورأفة بالثعالب المسكينة، يرى ويسمع ويشاهد المجازر الجماعية وحرب الإبادة ضد الشعب السوري، ويتفرج على الإعدامات الميدانية، وعلى قتل الأطفال الرضع، والشيوخ العجزة، الشبان، والصبايا، الكبار، والصغار، فيواجه ذلك كله بالصمت المريب، وكأن الذين يقتلون، ويبادون، ليسوا بشراً، ولا ينتمون إلى العائلة الإنسانية، إلى درجة أن الإنسان لا يصدق، ما يرى ويشاهد من صمت وصمم في سمع الضمير العالمي، هذا الضمير المتملق الكاذب، هذا الضمير المتحجر، بل الميت أمام سفك، ونزف دماء العرب، والعمل على تمزيق أوصالهم، وتقطيع، وتفخيخ أراضيهم، وتحويل بلدانهم إلى جحور أرانب مذعورة... هذا العالم الديموقراطي المتحضر الذي صنع إسرائيل، وغرسها شجرة خبيثة في قلب الوطن العربي، وراح يسقيها بالمال، والسلاح والفيتو، وكل ما يخطر على البال من أنواع الحماية والتأييد... هاهو يتفرج على شعب يباد بوحشية وإجرام !! كلا. فالوحشية أرحم وأقل شراسة وعنفاً لأن الوحوش لا يمكن أن تمارس هذا الفتك ببعضها... فشعب يباد وبشكل صارخ، وبكل أنواع الإبادة، والعالم الإنساني الرحيم، زارع إسرائيل، ومحتل العراق ومستنزف الخيرات، يرابط بعيونه على أطراف الشام، يراقب المشهد، بإنسانية خاصة، وحرية خاصة، وديموقراطية خاصة، تزغرد للموت وهو ينتزع أرواح هذا الشعب البائس المضطهد الحزين، لسبب ديموقراطي وجيه وهو : عدم تمكين السنة في بلاد الشام من اختيار وتقرير مصيرهم.. أيها السادة كلكم شاهدتم، وتشاهدون مكر العالم المتحضر، وثعلبيته، وغدره في التعامل مع العالم العربي، والشعب السوري اليوم بخاصة... أليس عالماً شاذاً،وعالما ضالاً، وعالماً مجنوناً هذا العالم الذي يحرم صيد الثعالب، ويبيح إبادة شعب كامل بطائرات الميج والسوخوي. وبالمدافع والصواريخ والقنابل الفراغية ويشعل النيران في البيوت والحقول، والغابات بشكل جنوني مفزع...؟! لقد أصبحت كلمات الديموقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان كلمات مزرية وممسوخة وقبيحة. وماجنة مجانة بغي تدعي النسك والطهارة...

=================

سوريا ومتاهة المستقبل

تاريخ النشر: الجمعة 07 سبتمبر 2012

د. رياض نعسان أغا

الاتحاد

مفجع أن يفقد الخبر المأسوي السوري أهميته، وأن يصير عادياً مهما تصاعد عدد الضحايا كل يوم ، فبعد شهور من بدء النزيف، وتحوله إلى شلال دم ، لم يعد كثير من العرب والمسلمين والإنسانيين يهتم لصور الأشلاء الممزقة والأجساد المرمية في الشوارع والأزقة، والرؤوس المقطعة والمذبوحة بالسكاكين، فضلاً عن الذين يدفنون تحت الأنقاض، وربما دفن كثير منهم أحياء، والمفجع أن أكثر الضحايا هم من الناس البسطاء الذين وجدوا أنفسهم فجأة في ساحة حرب، ومن يتأمل صور الضحايا والتعليقات التي ينشرها الناشطون على صفحات الإنترنت يعجب كيف تفجرت سوريا بمشاعر الحقد والكراهية، وكيف تنمو النزعات الطائفية التي صار الانتماء إليها قسرياً في المواجهة ، وهي نزعات يضرمها الجنون العاصف الذي جلبه العنف حين أخفقت أغصان الزيتون في أن تحقق دعوتها إلى التغيير بالطرق السلمية الحضارية.

لقد كان عنوان مقالتي السابقة (من ينقذ سوريا؟)، وأعلم أنه لا أحد سينقذها سوى الله، فالدول الكبرى تبدو غير معنية حقيقة بما يعانيه الشعب السوري، وهي تقيم ندوات ومؤتمرات أحياناً لفض العتب الأخلاقي، وتقدم مبادرات تمد أمد الفجيعة، وتمد وسائل الإعلام بما يصلح للتحليل أو التهليل، حتى بات مكروراً، ولا يأتي بجديد غير المزيد من الفواجع التي فقدت الإثارة أيضاً.

ومع تصاعد الأحداث الدامية يكبر التخوف من أن يطول أمد الصراع الذي صار مسلحاً بين فريقين هما أبناء جسد واحد، هو الجيش العربي السوري الذي خدم كل الشباب السوريين فيه خدمة وطنية إلزامية، وكان الضمانة الكبرى لأمن الوطن وسلامة المجتمع وسيادة الدولة، لكن الانشقاقات المتوالية التي تكون منها الجيش الحر جعلت الجيش السوري ينشطر إلى مكوناته المذهبية، وهو الجيش العقائدي العلماني الذي انكشف عنه الغطاء، فإذا هو يشعل تحت الرماد مشاعر الانتماءات الصغيرة التي باتت تهدد المستقبل.

ولم تنجح الهتافات التي نادت شهوراً في التظاهرات (الشعب السوري واحد ) بإثبات كونها حقيقة، وقد تساءلت في مقالاتي السابقة مرات عما إذا كان وهماً ما كنا نعيشه من زهو بوحدتنا الوطنية وإشادة بالتماسك الاجتماعي، والعيش المشترك، وهي تساؤلات تهدف إلى تذكير الناس بأن الجامع بينهم هو الانتماء إلى الوطن أولاً، وكان الخطر في تحول قضية الشعب من مطالبة بالإصلاح والتغيير إلى صراع طائفي، وهي غلطة تاريخية ستمد ظلالها القاتمة على المستقبل.

وقد تحدث المحللون طويلاً عما سموه سيناريوهات المستقبل في سوريا، بعضهم رأى أن شبح التقسيم يلوح حلاً محتملاً في الأفق ولا بديل عنه، وأن هناك دولاً ستدعم هذا الحل الذي ستهلل له إسرائيل، لأنه سيحقق لها حلماً كان عسير المنال، وهو إضعاف سوريا وإخراجها من ساحة الصراع العربي الإسرائيلي، وهي التي كان تحرير فلسطين هدفها المعلن وحامل الشرعية الوطنية لسياساتها الداخلية والخارجية، وأي اجتراء على التقسيم سيفتح شهية بعض الأقليات والإثنيات للمطالبة بنصيب من الكعكة السورية التي ستكون سامة آنذاك.

وربما يجنح بعض المحللين إلى افتراض اتساع رقعة التقسيم، التي قد تعيد النظر في الحدود التي رسمها سايكس وبيكو قبل نحو مائة عام، وهذا يعني تغيراً في الخريطة السياسية والجغرافية للمنطقة ، وهو احتمال يهدد لبنان والأردن والعراق وتركيا، ويفتح بوابات الجحيم على المنطقة كلها.

وأما السيناريو الثاني، فهو يتوقع أن يتمكن النظام من الانتصار على معارضيه وإجبارهم على الاستسلام، وهذا يستدعي مضاعفة العنف واتساع رقعته، وإراقة شلالات مريعة من الدماء، وهدم كل ما في البلد من عمران وبناء، وعندها سيكون الانتصار على الجثث والأشلاء، وسيواجه العالم مشكلة اللاجئين السوريين، وسيكونون بالملايين ممن لن يجرؤوا على العودة إلى وطنهم حيث تلاحقهم تهم الخيانة والإرهاب.

وأما السيناريو الثالث فهو يفترض استمرار الصراع وتصاعده، مع بقائه غير متكافئ عسكرياً، لكنه سيكون قابلاً أن يتحول إلى حرب داخلية طويلة الأمد، يمكن الاستمرار فيها على الطريقة اللبنانية سنوات يعتاد فيها السوريون على مواجهة الموت اليومي، ويتعايشون فيها مع أصوات الانفجارات والقنابل، وتتحول عبرها سوريا إلى ساحة حرب دولية تشارك فيها قوى عالمية، ولا تتوقف الحرب فيها إلا بالدمار الشامل، وبتحول سوريا إلى أرض يباب.

ويتوقع السوريون أن يتفاعل العالم بجدية مع قضيتهم حين تنهار البنى التحتية تماماً، ويعم الخراب، وتعود سوريا بلداً متخلفاً يحتاج إلى مائة عام من الإعمار، فضلاً عما سيكون قد لحق بالشعب من فواجع لا شفاء لها.

ويبدو أن سيناريو الحوار لم يعد مدرجاً بين الحلول، وكنت أجده الحل الأمثل لكن تطور الأحداث جعله خياراً مشروطاً من المعارضة والسلطة معاً ، لكن الحوار على كل حال سيكون خاتمة المطاف، فلابد من تفاهم تفرضه الضرورة في النهاية.

إن أخطر ما في الموقف اليوم هو ما يشعر به السوريون من حالة الإهمال الدولي، ولئن كانت بعض الدول العربية قد سارعت بقبول التلاميذ السوريين اللاجئين في مدارسها الحكومية لهذا العام الدراسي، فإن استمرار حالة اللجوء في أوضاع معيشية غير إنسانية أمر مفجع لكل سوري، فلابد من تدخل جاد على الأقل لإنهاء حالة التشرد في الداخل والخارج، وفصل الشتاء يقترب، ومعاناة السوريين أكبر من أن تحتمل أو تطاق، وليس معقولاً أن يدخل السوريون في الشتات أو المنفى وبينهم مئات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ.

ويبدو أسوأ ما في الموقف الراهن أن يكون الاحتكام إلى السلاح هو الحل الوحيد المتاح، والعالم يتفرج على السوريين وبعضه يصفق للقاتل، وبعضه يتعاطف مع المقتول، لكن القاتل والمقتول سوريان وأية خسارة على الجبهتين هي خسارة لسوريا وشعبها، وقد بات أمراً فظيعاً توصيف النصر كما يراه المؤيدون في انهيار العمارات ومقتل المئات تحت الأنقاض، أو قصف قرية أو حي من الأحياء بالمدفعية والطائرات، كما هو توصيف مريع للنصر على الضفة الأخرى في قتل جنود بسطاء يؤدون الخدمة العسكرية في الجيش السوري، ما يجعل الصراع مفتوحاً على حافة الجنون.

صحيح أن صوت الحكمة يخفت أو يصمت حين يعلو صوت أزيز الرصاص، ولكن حين تغيب الحكمة ويبقى الجنون وحده يكون خيار شمشون وحده النهاية المريعة المفجعة، وهو كما علمنا التاريخ خيار الخاسرين.

=================

الحرب الأهلية السورية لن تقع!

د. نقولا زيدان

المستقبل

7-9-2012

الاعتقاد السائد في العديد من الأوساط السياسية العربية والدولية، والنظام الأسدي بدوره يروّج له حتى لو كان على الرمق الأخير، ان الأزمة السورية طويلة جداً هو اعتقاد خاطئ، ويدحض هذا الاعتقاد ويطرحه جانباً تطور الأحداث والمعارك الميدانية الضارية المستعرة الآن حيث تواجه المعارضة الثورية بما في ذلك الجيش السوري الحر والجماهير المسلحة نظاماً متداعياً مترنحاً ارفضت من حوله الناس ولم يتبقَ له سوى أداته العسكرية وكتائبها وفرق الإعدام والتصفية أولئك الشبيحة الأوغاد. هذا هو الانقسام الفعلي القائم في سوريا الآن وهو لا يصنع حرباً أهلية. فبالرغم من الطبيعة الفئوية لتركيبة القيادات الآمرة للوحدات العسكرية من كبار الضباط والمسؤولين الأمنيين الممسكين بالقرارات حيث راكم النظام الأسدي على امتداد أربعين سنة آمرين جرى انتقاؤهم وتعيينهم من الأقليات الدينية والمذهبية وهم في غالبيتهم من الموالين له ضمن طائفته، فإن الحرب الأهلية لم تقع. فالمضايقات والتحرشات المشكو منها على الصعيد الوطني، في احياء المدن وشوارعها وأريافها لم تتفاقم لتصبح مذابح جماعية وتنكيلاً بالجملة ولا تهجيراً لفئة دون أخرى وجماعات دينية وأثنيات كما جرى ذلك ببشاعة لا توصف في الهند (1947 وبيافرا (نيجيريا في السبعينات) ولا رواندا وغيرها. إنه لمن الثابت قطعاً أن المجازر التي تم ارتكابها مؤخراً هي من فعل عسكر النظام وفرق الشبّيحة الأنذال. كما ان الانشقاقات الطوعية والانضمام للثورة قد طاولت نخباً وقيادات وشخصيات بل عناصر وافدة في أحيان كثيرة من هذه الأقليات نفسها. وقد أسقط في يد النظام الأسدي وهو يمارس التعبئة المذهبية والتحريض الديني والتهويل والتخويف عندما راح يشاهد ما تبقى له من رصيد يتلاشى أكثر فأكثر. ولم نشهد قط في سوريا تهجيراً جماعياً (exode massive) لهذه الأقليات نحو البلدان المحيطة بل طاولت حركة الهجرة غالبية سورية من كل الفئات اضطرت لمعاودة النزوح تبعاً لسير المعارك. فلا مسيحيو حلب ولا المناطق العلوية ولا وادي النصارى تعرضوا للقتل وللنزوح كما تروّج الدعاية الأسدية.

أمام الإفلاس الداهم والنهائي الذي يواجهه نظام بشار الأسد عمد الأخير للعب ورقة أخيرة هي في غاية الخطورة ألا وهي خطب ود حزب العمال الكردستاني (PKK) حيث جرى اقحامه وزجه في معارك ذات توقيت خاطئ ومشبوه تهدف في حقيقتها إثارة المتاعب بوجه الجيش التركي وزعزعة الأمن على الحدود التركية الجنوبية الشرقية. وما هو مريب هو أن تتناسى قيادات حزب العمال الكردستاني هذه الفضيحة الأسدية المدوّية التي تورط فيها الأسد الأب عندما عقد صفقة مشبوهة مع أنقرة دفع ثمنها قائده عبدالله أوجلان. فقد تم، تحت ضغط الحشود التركية العسكرية، إجلاؤه مع عناصره عن البقاع اللبناني أيام عهد الوصاية السورية علينا الى دمشق ثم الى روما التي رفضت ايواءه فاضطر للسفر الى نيروبي (كينيا) طلباً لتأشيرة يونانية حيث كان بانتظاره كمين منصوب وطائرة عسكرية تركية. فضيحة تركت ظلالاً مشينة بحق نظام الأسد الأب قيل يومها فيها الكثير عن تورط يوناني وإسرائيلي كانت ضربة موجعة للشعب الكردي، تبعتها ضربات أخرى وجهت في غير اتجاه.

ويرتسم في الحال السؤال المحق التالي: كيف تصدق قيادات الـ(PKK) أن النظام الأسدي بمرحلتيه الأولى والثانية هو الصديق للقضية الكردية والمدافع عنها وله تاريخ أسود حافل بتسديد الفواتير لمصلحة الأميركي مقابل السكوت الأميركي عن استمراره في احتلال لبنان واستغلاله وضخ خيراته ومقدراته لينعم بها قادة النظام الفئوي في دمشق. ألم يتعرض أكراد سوريا كإخوتهم في عراق صدام حسين وسائر دول الجوار للاضطهاد والملاحقة والتغييب والتهميش وطمس هويتهم القومية والدينية وتسليط أجهزة المخابرات السورية على نخبهم ووجوههم الوطنية. فلمصلحة من هذه المعارك الدائرة بين حزب العمال والجيش التركي في اللحظة التاريخية الراهنة. ألمصلحة القضية الكردية أن يجعل "حزب العمال" من عناصره القتالية حرساً لحدود نظام فاشي يمعن في اخوتهم الأكراد وسائر الشعب السوري قتلاً وذبحاً وتشريداً؟ ويمتنع بل يتحفظ الجيش التركي عن اجتياح المناطق السورية المتاخمة لحدوده هناك ذلك أن حلف "الناتو" غير راغب الآن في مواجهة عسكرية قد تؤدي الى نزاع اقليمي ودولي. ولم تفلح حتى اللحظة النصائح الكردية التي وجهتها الأحزاب الكردية الأخرى في ثنيه عن مغامرته العسكرية المشبوهة.

إن تجديد رئاسة عبد الباسط سيدا للمجلس الوطني وضم أطياف وأحزاب جديدة سورية الى هذا المجلس يعني في هذا الوقت إيلاء العامل الكردي في الصراع القائم مع النظام أهمية خاصة مع المزيد من رص صفوف المعارضة السورية. ويقف المجلس الوطني السوري حجر عثرة أمام محاولات النظام الأسدي جرّ البلاد الى حرب أهلية شاملة. وتتوقف بنضج ملحوظ علاقة المجلس بالجيش السوري الحر، خاصة أن هذا الأخير هو الذي يقود المعارك البطولية بوجه الجيش النظامي، وهو الذي يعطل تحول حرب التحرير المشرفة الى حرب أهلية مدمرة. ولعله من المحبط بمكان أن نلاحظ أنه في كل مرة تخطو الثورة السورية خطوة الى الأمام، تأتينا من واشنطن تعويذة النصائح الممجوجة الداعية للمعارضة لتوحيد صفوفها الخ...

فأية غضاضة أن تبقى بعض فصائل المعارضة خارج المجلس الوطني؟ فالثورة الفيتنامية كانت جبهة أي عدة فصائل، وكذلك الثورة الجزائرية بل المقاومة الفرنسية التي قاتل فيها الشيوعيون والديغوليون والوطنيون المستقلون جنباً الى جنب الاحتلال النازي لفرنسا. فإن كان الأميركي قد بدأ يعيش معركة الرئاسة، وهو يرجئ اتخاذ قراراته المهمة بانتظار نتائجها، فحريّ به ألا يُنحي باللائمة على المعارضة السورية باستمرار وكأنه يخفي ميلاً دفيناً لعدم رؤية الثورة السورية تحقق إنجاز النصر. ولسنا ندري لماذا يذكرنا هذا التلكؤ الأميركي بالطروحات الفرنسية الطوباوية الداعية لإنشاء مناطق عازلة أو آمنة غير قابلة للحياة ما دامت بحاجة الى غطاء جوي ودفاعات جوية ما يعني مواجهة عسكرية مع سلاح الجو السوري ومن ورائه الإيراني وربما الروسي أيضاً.

إن قادة الثورة السورية يعلمون جيداً ان معركتهم قاسية وطويلة، لكنها ليست صعبة المنال ولا هي طويلة جداً، فقد أنجز الكثير ولم يتبقّ سوى القليل. ولعل الأخضر الإبراهيم قد جاء ليشهد ويمهر بإمضائه الفصل الأخير.

=================

لجانُ طوارئ لسوريا

النهار

7-9-2012

في موازاة الصمت الدولي المريب، ماذا يمكن أن يُقال عن الصمت العربي الذي لا يشكو من قلّة الريبة، ولو مطعّماً وموشّى باجتماعات فاشلة من هنا، وتصريحات لا تغادر خانة رفع العتب من هناك؟

صحيح أن الرئيس المصري محمد مرسي دعا في افتتاح اجتماع وزراء الخارجيّة العرب إلى رحيل القيادة السوريّة، على أساس أن الوقت هو وقت التغيير، إلا أنه لم يطرح أيّة أفكار، أو اقتراحات للشروع في ورشة التغيير.

حتى "المجموعة الرباعيّة" التي اقترحت القاهرة إنشاءها، لم يحدّد لها الرئيس المصري موعداً للقاء والتعارف، أو برنامج عمل لا يختلف في مضمونه عن "المهمّة المستحيلة" التي انتدب لها الأخضر الابرهيمي.

موقفٌ تعاطفيّ يتّسم بالحماسة، لكنه لا يقدّم ولا يؤخّر، ولا يختلف عن تفسير الماء بعد الجهد بالماء...

ليس مطلوباً من الدول العربيّة، مجتمعة ومنفردة، ارتداء الدروع وسرج الخيول وامتشاق الرماح استعداداً للدخول العملي في صلب المأزق السوري، ولو على سبيل الفصل بين جيش النظام والجيوش الحرّة المنتشرة في المدن والأرياف المشتعلة.

كل ما هو مطلوب إزاء هذا الجحيم، الذي يكتسح الناس والأبنية وكل ما هو قائم فوق الأرض، خطوة عملانيّة تترجم الاهتمام العربي بالناس على الأقل. بأولئك الذين لا ناقة لهم ولا جمل، وليس في مقدورهم الاحتماء من القصف الجوّي والبرّي وهمجيّة الشبّيحة.

أما بالنسبة إلى الفارين من فرسان الموت والقتل الجماعي، والمشرّدين في البراري والغابات، والمهجّرين خلف الحدود أو عند تخومها حيث يفترشون التراب ويلتحفون السماء، فكيف يستطيع العرب والعالم بأسره أن يكتفوا بالتفرّج على مأساتهم القاسية، وإبداء الأسف الجماعي للإبادة الجماعيّة؟

أين دعاء الشرق، وأمجاد يا عرب أمجاد، وبلاد العرب أوطاني، أينكم جميعاً ممّا يتعرّض له الشعب السوري منذ 17 شهراً، والمدى الزمني والدموي والتدميري مفتوح على أشهر مقبلة مع المزيد من المذابح المفجعة التي تقشعر لهولها الضمائر والأبدان؟

في انتظار الحلول غير المرئيّة، لا بدّ من الشروع فوراً في تشكيل "لجنة طوارئ عربيّة"، "لجنة انقاذ عربيّة"، لجنة عناية عربيّة"، بل لجان عربيّة متعدّدة تهب حالاً وسريعاً لنجدة الناس بما يفتقرون إليه من مواد غذائيّة، من أدوية، من مستشفيات ميدانيّة، من أطباء وممرّضين، من مسعفين، من خيم وأغطية وما إليها.

هذا الكلام المائي البليد اللزج من شأنه مضاعفة آلام المأساة التي تفتك بمعظم فئات الشعب السوري، وتضع الآلاف والملايين منه أمام سيوف الشبيحة وسيوف الإهمال واليأس في عراء يفترش النار ويلتحف القذائف والصواريخ بكل أنواعها.

حالاً وسريعاً لبّوا نداء سوريا واستغاثتها. وبالأفعال واللجان والمساعدات.

=================

دائرة العنف والدم في سوريا

صالح خريسات

الرأي الاردنية

7-9-2012

استعيد في ذاكرتي الآن، جملة من الخطابات السياسية، التي ظل الرئيس الراحل حافظ الأسد، يرددها في كل مناسبة وطنية أو قومية، وهي أن العنف، والمقاومة، والكفاح المسلح ، هي السبيل الوحيد للقضاء على الاستعمار والاستبداد واستعادة الحقوق المغتصبة.

 ومن بعده جاء الرئيس الحالي بشار الأسد، ليردد العبارة نفسها، ولكن في قالب جديد، وهو أن هذا الاستعمار الذي قام على العنف، لا يمكن الخلاص منه إلا بالعنف. ولذلك رفض كل أشكال التسوية مع إسرائيل، على الرغم من أنه لم يطلق رصاصة واحدة، تجاه العدو  .

وهو يقول أيضا، أن الجماهير المستعبدة، تشعر بهذه الحقيقة، ولكن شعورها هذا لا يصير إلى كفاح مسلح فورا، ذلك أن الأحزاب السياسية، والشخصيات البرجوازية والمنتفعة من النظام، تستبعد فكرة العنف والمقاومة، بل تخشى العنف. ويصفها الرئيس السوري بأنها عنيفة في أقوالها، معتدلة في مواقفها، لا يزيد نشاطها على مقالات وخطب، تتحدث عن حقوق الإنسان وتقرير المصير.

وأنا أعتقد أن السيد الرئيس يصف الرجال من حوله . فهذه الأحزاب التي صنعها النظام لنفسه، لا تدعو إلى العنف، لأنها لا تهدف إلى قلب الأوضاع التي أنشاها النظام رأسا على عقب، ولا تطمح باستلام مقاليد الحكم من يد المستبد الظالم. كل ما تريده هو أن تفاوض النظام، وتنتهي معه إلى تسوية تحتفظ فيها بمصالحها .وهذا ما قامت به بعض الشخصيات في مؤتمرها الساذج الذي عقدته في دمشق، بمباركة من النظام الحاكم، وحراسة رجال الأمن.

والواقع أن الجماهير الوطنية في سورية، كانت تخشى النتائج التي يمكن أن تنجم عن لجوء الشعب إلى العنف، وتخشى النتائج التي قد تنجم عن هذا الإعصار الجبار،كما حدث في ليبيا مثلا،  واليمن.

وقد ظل الوطنيون يخشون فكرة الصدام المسلح مع النظام وأعوانه، واستمر خوفها على الجماهير البريئة، أن تكنسها هذه الريح العاصفة، فما فتئت تقول للنظام ما زلنا قادرين على أن نوقف المذبحة،  اذا أنت تواضعت لله قليلا وأدركت أن الشعب يريد إسقاط النظام.

ومن حسن الحظ، أن الجماهير ما تزال تثق بقوتها، وتثق بالشخصيات الوطنية التي تقودها الآن،  إلى نعيم الحرية والديمقراطية الحق، ولطالما عرضت على النظام  المصالحة من موقع القوة، ونصحته بعدم استخدام العنف، وأخذ العبر مما جرى في تونس وليبيا ومصر واليمن .

لقد دخلت سورية الآن فوضى الحرب الأهلية، وانتهكت فيها كل أشكال حقوق الإنسان، من أجل أن يستمر هذا الرجل الفاشل في الحكم ويحافظ على دولة أبيه.  إن سورية الآن تحترق، والشعب السوري يغرق في بحر الدم، وليس في المنظور القريب ما يفيد بنهاية هذه الحرب، بعد أن وصل الرئيس السوري إلى نقطة ألا عودة .

والحل الآن، إما أن يترك الرئيس البلاد ويرحل إلى دولة تقبل به، أو تستمر الحرب ويتحرك  الشعب كله  لمواجهة النظام بالعنف نفسه، طلقة بطلقة، وصاروخ بصاروخ، ولا ندري كيف يمكن أن ينتهي هذا كله، أو يسارع النظام بإيجاد حل أو تسوية، تقبل بها الجماهير، ولا نحسبها تقبل الآن  بأقل من محاكمة النظام ، بعد أن مارس في حقها كل أشكال القتل والتعذيب.

إن كل الأصوات التي تنادي الآن بالتعاون مع النظام، ومنحه فرصة أطول لإجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة، أصوات غير معتدلة، وهي بالتأكيد منحازة إلى الاستبداد والظلم وقهر الشعوب. لكن وعي الجماهير يكتشف كل يوم، أن هذه الأصوات التي تدعي الوطنية، وتدعي الحفاظ على حياة الشعب من الموت والهلاك، تتواطأ على الشعب مع جلاديه، في مرحلة الانتصار والتخلص من الاستبداد، حتى لكأن مهمتها، هي أن تحول دون انتصار الجماهير، على الرغم من حجم التضحية، وعدد الشهداء الذين سقطوا برصاص جيش النظام وحراسه.

    إن إجهاض الثورة في سورية، بتسوية تحقق مصالح النظام في البقاء في السلطة، على حساب الشعب والسيادة الوطنية والديمقراطية الحقيقية، أمر خطير له ما بعده من تصفيات، وإعدامات، ومحاكمات، جرى مثلها كثير، في النظام السوري السابق واللاحق.

فعلى المجتمع الدولي، أن يكف عن مثل هذه الممارسات التي تطيل أمد الحرب، وتزيد في معاناة الشعب السوري المنهك. لا سيما وان معاناته بدأت تنتشر وتعم دول الجوار، ومن المحتمل إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، أن تشهد المنطقة كلها، فوضى ودمارا، بمباركة من الرئيس السوري ونظامه .

 

=================

مؤتمر وطني لانقاذ سوريا * عبدالمجيد جرادات

الدستور

7-9-2012

تقوم مجموعة من أحزاب المعارضة والفعاليات السياسية السورية بالتحضير لعقد مؤتمر وطني خلال الأسبوع المقبل في العاصمة دمشق بقصد وضع ترتيبات جادة لانقاذ الشعب السوري من محنته، وهنالك من يرى أن هذه الخطوة تأتي في وقتها المناسب، بعد أن أدرك الجميع، بأن التدخلات الخارجية كانت سببا ً مباشرا ًبإذكاء الخلافات الداخلية، وإن الشعب السوري هو المتضرر الوحيد في نهاية المطاف.

في مؤتمر دول عدم الانحياز الذي استضافته الجمهورية الايرانية قبل أيام وشاركت فيه 120 دولة، على مستوى الرؤساء أو وزراء الخارجية، تقرر أن تتشكل لجنة من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية وإيران وتركيا، لمتابعة الملف السوري، وفي تلك الأثناء، قررت هيئة الأمم تكليف الدبلوماسي الجزائري العريق “ الأخضر الابراهيمي” بمهمة متابعة ما يدور في سوريا بعد أن تأكد السيد كوفي عنان أن احتمالات الدخول في حوار داخلي بين السوريين أنفسهم ليست واردة، وبالرغم من تتابع المبادرات التي تنطلق من مبدأ الرأفة بالشعب السوري، إلا ّ أن موقف عواصم الغرب والشرق، يبقى متمركزا ً حول حرص كل جهة على حيوية مصالحها المستقبلية، وهذه هي الحقيقة التي نأمل أن يتنبه لها الحكماء في سوريا.

ما نعرفه أن قناعات رموز النخب السورية الذين يعدون لعقد مؤتمرهم الوطني بقصد الخروج من نفق أزمتهم المظلم، قد تبلورت على ضوء الاعتبارات التالية :

أولا ً: تسببت المواجهات الميدانية بين قوات النظام، والمعارضة المسلحة، بوقوع خسائر بشرية جسيمة من الطرفين، إلى جانب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية ومنجزات الدولة في معظم المدن والبلدات السورية، وهي معادلة مرعبة، لأن تهدئة الخواطر، وإعادة الاصلاح، بعد أن يشعر حملة البنادق بالتعب والارهاق، تحتاج لفترة طويلة من الزمن، وهذا ما كانت تطمح له الجهات التي يعجبها أن تصبح سوريا دولة منهكة اقتصاديا ومفككة اجتماعيا ً، بعد أن عرفت أن الشعب السوري مكتفٍ بانتاجيته، ومصادر دخله القومي.

ثانيا ً: يتسم الخطاب الإعلامي الذي يصدر من العواصم الأوربية، أو الدول الشرقية، حول المشهد السوري، بنزعة التحريض، أكثر من مبدأ الرغبة بتوخي الدقة التي تعين الشعوب على تحقيق أهدافها المنشودة، ولمن كان يتابع حركة الثورات العربية منذ إنطلاقتها في تونس، يجد أن الضخ الإعلامي في الغرب، يبدأ بتسريبات حول تجميد الأموال المودعة خارج الوطن، والعائدة للرئيس ومن هم حوله، وبعد أيام يقولون انه على الرئيس أن يرحل بعد أن فقد شرعتيه، والنتيجة أن الشعوب المستهدفة، هي التي تدفع الثمن، في حين أن تراكم الأحداث، وتداخل الأدوار، يحول دون معرفة أدق التفاصيل بالنسبة إلى الأموال المنهوبة.

لماذا تأخر المبعوث الأممي الجديد ( الأخضر الابراهيمي) بالمجيء إلى سوريا ؟، وهل سيكون بوسع اللجنة الرباعية المشكلة من دول الاقليم أن تبادر بتوجيه نداء لجميع حملة السلاح في سوريا بقبول هدنة لحين الدخول في تفاصيل الحلول ؟ : ما يهمنا التأكيد عليه بمناسبة الحديث عن المؤتمر الوطني هو : رفع شعار كل السوري على السوري حرام.

=================

من «رباعية مرسي» إلى «ترويكا نجاد» * عريب الرنتاوي

الدستور

7-9-2012

مجموعة الاتصال الرباعية التي اقترح تشكيلها الرئيس المصري محمد مرسي، لن توفر لطهران “البضاعة” المطلوبة...سيما بعد المواقف “الحاسمة” التي أطلقها الرئيس “الإخواني” ضد النظام السوري، ودعواته المتكررة لرئيسه بالرحيل والتنحي...هنا سيجتمع ممثلو القوى الإقليمية الأربع والأكثر نفوذاً...هنا لا “هوامش للمناورة” أمام إيران، ثلاث دول من أصل الدول الأربعة، تلتقي حول “التنحي” و”الرحيل”، وترى بخلاف ما ترى إيران، ترى في دمشق رؤوساً قد أينعت وحان قطافها.

ستستجيب إيران لدعوة مرسي إن وجهت إليها، وستجلس على مائدة “الرباعية الإقليمية” الجديدة، فليس من عادة إيران أن تهرب من مواجهة الأصدقاء والخصوم، ودبلوماسيوها باتوا خبراء وأستاذة في فن إدارة الوقت وتقطيعه، وفي “المفاوضات من أجل المفاوضات”، بدلالة المفاوضات الماراثونية حول برنامجها النووي، التي بدأت منذ سنوات، ولم تصل إلى أية نتيجة بعد.

لكن “الدبلوماسي الإيراني” سيكون أكثر ارتياحاً في مكان آخر....على مائدة “الترويكا” التي تشكلت في أعقاب قمة عدم الإنحياز الأخيرة في طهران، من الرئاسات الثلاثة للحركة: السابقة والحالية واللاحقة، أي من مصر وإيران وفنزويلا، سيكون لإيران صوت أعلى و”أوزن”.

“رباعية” مرسي لن تترك لإيران هوامش مناورة واسعة...السعودية تريد تفكيك محور إيران وهلالها، وفي نفوس قادتها شيء من “أنصاف الرجال”...أردوغان يريد أن يدخل المسجد الأموي كما دخله أسلافه أول مرة، وأن يتلو ورفاق حزبه صلاة الشكر لله على رحيل الأسد ونظامه...أما الدكتور مرسي القادم من رحم الإخوان “المقاتلين” في سوريا، فإنه لن يتردد في القاهرة، في قول أضعاف ما قاله في طهران...إذن، هامش المناورة ضيق، ومساحة الإتفاق محدودة.

“ترويكا” نجاد، توفر مجالاً أرحب لممارسة لعبة الذكاء والإرجاء الإيرانية...هنا ستتبدل المواقع...الدبلوماسي المصري سيواجه نظيرين متفقين ومتحالفين في الحرب ضد الإمبريالية والإستكبار...وهي حرب تقترح لسوريا ونظام الأسد مكاناً محورياً على خطوطها الأولى...بخلاف الحال في “رباعية” مرسي، حيث سيكون الدبلوماسي الإيراني كما “اليتيم على مائدة اللئام”، وبصورة ستذكره حتماً باجتماعات زملاءٍ له مع مجموعة (5 + 1).

من سوء طالع الدبلوماسية الإيرانية، أن “رباعية مرسي”، هي الأفعل في معالجة الملف السوري من “ثلاثية نجاد”..بل يمكن القول أنها الإطار الأكثر ملاءمة وقدرة على معالجة الملف السوري...لا قيمة مضافة يمكن لفنزويلا أن تضفيها على حركة الأزمة السورية وحراكها، سلماً أم حرباً...لا قيمة لهذا الإطار خارج الإطار المعنوي والأخلاقي...وستكتشف طهران أن رئاستها لقمة عدم الإنحياز، لن تزيد أو تُنقص من دورها ونفوذها على الأرض، وأن المسألة برمتها تندرج في سياق “حرب الصورة والعلاقات العامة” لا أكثر ولا أقل.

إيران لا شك تدرك ذلك تمام الإدراك...ربما هي الآن في مرحلة إعادة “تقدير الموقف”...ربما هي بصدد التفكير في إنفاذ “الخطة ب”...فالنظام في دمشق، لم يعد مقبولاً من أحد، واستمرار التنطع لحمايته وتعويمه، بات حملاً ثقيلاً على الدبلوماسية الإيرانية، التي لن تمانع أبداً في “التخفف” منه، وإلقائه عن كاهلها، إن توفرت لها بدائل تحفظ لها “حداً أدنى” من مصالحها في المنطقة.

هنا، تكتسب تأكيدات مرسي برفض التدخل الأجنبي في سوريا، أهمية خاصة في طهران...هنا يمكن لإيران مع مصر والسعودية وتركيا، البحث عن صيغة تحفظ “الأسدية من دون الأسد”...أليست هذه هي مضامين المبادرة الخليجية في اليمن التي يُراد إعادة إنتاجها سوريا ؟!

خيار كهذا، في حال تم بناء التوافق الإقليمي عليه وحوله، يمكن أن يسوق دولياً بسهولة ويسر...روسيا ستحذوا حذو إيران في البحث عمن يُبقي لها “حداً أدنى” من مصالحها في سوريا وأكنافها...الصين لن تشذ عن قاعدة التوافق، والغرب القلق من أسلحة سوريا وأصولييها وشرارات حريقها الذي طال واستطال، يمكنه العيش مع صيغة كهذه.

“رباعية” مرسي يمكن أن توفر الحل الذي أخفق مجلس الأمن في توفيره، إن توفرت “النوايا والإرادات” الإقليمية لذلك...لكن مشكلة “الرباعية الإقليمية”، كما “الخُماسية الدولية”، دائمة العضوية في مجلس الأمن، تكمن في اصطدام المصالح وتضاربها..في صراعات الأدوار، المعلنة والمضمرة بين أعضائها، ما يعني أن الوقت ما زال مبكراً للتفاؤل.

=================

ما لا يفهمونه في دمشق

د. عبدالوهاب الأفندي

2012-09-06

القدس العربي 

(1) يعاقب المواطن العربي وكل من يهتم بآلام الشعب السوري- مرتين، الأولى حين يصدم بالوحشية الفاحشة التي يعامل بها السوريون من قبل نظام لم تبق له ذرة من الإنسانية، ومرة ثانية حين يطلع علينا شبيحة النظام الإعلاميون ليكذبوا على الملأ، مستخفين بالعقول في محاولة لتبرير ما لا يمكن تبريره. ولكن يبدو أن هؤلاء الشبيحة، وهم بحمدالله قلة متناقصة، لا يفهمون طبيعة المشكلة وحجم الورطة، كما يظهر من تبريراتهم الأقبح من ذنب سيدهم.

(2)أحد تكتيكات الشبيحة الإعلاميين وللأسف بعض أدعياء الفكر- يتمثل في التشكيك في الثورات والشعوب العربية، فيزعمون أن كل هذه الثورات مؤامرة كونية ضد الثائر الأوحد في العالم، وأن كل الشعوب العربية دمى تحركها القوى الأجنبية. استمعت قبل أيام لعراقي من أحباب الأئمة رامسفيلد ووولفويز، يستدل بصورة للمفكر الفرنسي برنارد هنري ليفي في ميدان التحرير على أن كل الثورات العربية هي من صنع ذلك الرجل الخارق. وعندما سئل عن الغزو الأمريكي للعراق، أجاب على الفور بأن العراق تحرر واستقل. فعند صاحبنا تكون صورة لفرد واحد وسط ملايين (وهو لا يفهم حتى لغتهم) دليل ساطع على أنهم له تابعون، أما وجود مائة ألف جندي ومئات الدبابات والطائرات في العراق فهي مجدر تفاصيل لم تؤثر مثقال ذرة في الوضع!

(3)استمعت إلى شبيح آخر يزعم أن تسعين بالمائة من الدمار الذي نكبت به المدن السورية هو من صنيع 'العصابات المسلحة'. وحتى لو نكن نطلع عبر البث الحي المباشر كل يوم على مشاهد التدمير ومن يقوم بها، وحتى لو لم يكن هناك مراقبون ومراسلون، ولم نكن متأكدين من أن العصابات إياها لا تملك طائرات ولا مدافع ودبابات، فإن سؤالاً يطرح نفسه: لماذا لا يصيب الدمار المناطق التي يسيطر عليها النظام وشبيحته؟ ولماذا لم يطال التدمير قصر بشار إذا كان الثوار بهذه القدرات التدميرية؟

(4)شبيح آخر رد على المطالبة بتنحي بشار بالقول بأن غالبية الشعب السوري تؤيد الرئيس المحترم المحبوب، وأن على الآخرين إعطاء الاعتبار للفئة المؤيدة له، وبالتالي الدخول في حوار وتقاسم السلطة معها. ويبدو أن هذا الشبيح وسيده لا يفهمان طبيعة الأزمة-الورطة وتداعياتها. فالمسألة لا تتعلق بأغلبية وأقلية (رغم أن الأسد وشيعته، ومنهم لافروف، لا يفتأون يخوفون الناس من تولي الأغلبية للسلطة!)، بل بجرائم بشعة ضد الإنسانية، يأثم مرتكبوها ولو كانوا الجنس البشري قاطبة.

(5)فرعون وجنوده كانوا غالبية في مصر زمانهم، وكذلك هتلر وأشياعه، والصرب في كثير من مناطق يوغسلافيا المتنازع عليها، والهوتو في رواندا. ولكن الصرب وقادتهم يحاكمون اليوم بجرائم لا تكاد تذكر بجانب جرائم الأسد وشيعته، وتدفع صربيا بمجملها الثمن. الألمان، حتى من عادى هتلر، بل وأجيال لاحقة لم تشهد جرائمه، كلهم ما يزالون يدفعون ثمن الجرائم ويعتذرون عنها. الهوتو كانوا أغلبية حاكمة في بلدهم بدعم دولي، وكانت هناك 'عصابات مسلحة' من التوتسي مدعومة من يوغندا تهدد حكمهم. ولكن الكارثة لم تأت من تلك العصابات، وإنما من قيادات متطرفة أرعبت الهوتو ودفعتهم لأعمال جنونية في حق الأبرياء. وكانت النتيجة ليست فقط فقدان الحكم، بل فقدان الوطن، حيث أصبح كل الهوتو إما مشردين في الغابات أو أذلاء في وطنهم، خاضعين لحكم الأقلية التي أرادوا إبادتها.

(6)ملخص هذه التجارب هو أن أكبر هزيمة لأي نظام أو فئة هي ارتكاب الكبائر التي تخرج صاحبها من حظيرة الإنسانية، وهو المحظور الذي وقع فيه النظام السوري وأنصاره. ومن هذا المنطلق فإن أي أوهام عند أنصار النظام بأنه سينتصر يوماً هي مهلكة مؤكدة، لأنها تدفعهم، جرياً وراء هذا الانتصار المتوهم، لارتكاب فظائع أكبر من تلك التي أخرجتهم سلفاً من حظيرة الإنسانية ومظلة الحماية المتاحة لها.

(7)لكل هذا فإن أصدقاء النظام السوري الحقيقيين هم من ينصحونه، كما فعل الرئيس المصري محمد مرسي أمس الأول، بقبول الحبل الممدود لإخراجه من المستنقع الذي سقط فيه. ذلك أنه لا مستقبل له سوى المزيد من التورط في الجرائم، ويخرب بيته بيده. يكفي أن معظم 'العصابات المسلحة' هي في نهاية الأمر أفراد من الجيش السوري تبرأت من جرائمه، ومعظم الأسلحة الموجهة للنظام هي أسلحته. فالنظام دمر نفسه أخلاقياً ويدمرها عملياً، وهو محكوم بالإعدام ينتظر التنفيذ.

(8)المطلوب، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أن يقع تمرد حقيقي داخل الطائفة العلوية يجنبها مستقبلاً مظلماً يضاهي حاضر الهوتو أو محنة النازيين. فكما ذكرت سابقاً، توجد الآن في سوريا (وحولها) طائفتان فقط: طائفة المدافعين عن الحق والحرية، وطائفة المجرمين المتورطين في الفظائع ضد الأبرياء، أو المبررين لها الراضين عنها. فليسارع الشرفاء من الإخوة العلويين للتبرؤ من الأسد وفظائعه، ولينبذوا الوهم الباطل بأن الأسد هو الضمانة لهم لأنه، بالعكس، يجر معه الكثير من الأبرياء إلى هلاكه المحتوم، وهو ما لا ينبغي أن يسمح به. تجنب هذا المصير، وتقصير مدى الأزمة ونجاة سوريا من التفكك، رهين بعمل حاسم تقوده فئات مؤثرة في الطائفة العلوية والجيش السوري للإطاحة بالمتطرفين ومعاقبتهم، وإعادة التواصل مع بقية طوائف الشعب السوري من أجل بناء سوريا جديدة تسع الجميع. ولكن الوقت بدأ ينفد بالنسبة لهذا الخيار، ويقترب من الحل العراقي - الليبي، حيث يخسر أنصار النظام كل شيء، ويصبح المحظوظ منهم من يعتقل ويحاكم مثل السنوسي وسيف القذافي.

=================

الاسلحة الكيمياوية السورية مرة اخرى

رأي القدس

2012-09-06

القدس العربي 

يطل علينا موضوع الاسلحة الكيماوية السورية من حين الى آخر، خاصة على لسان المسؤولين الاسرائيليين والامريكيين معا. مما يعكس قلق هؤلاء العميق وخوفهم من امرين اثنين:

' الاول: ان يتم نقل هذه الاسلحة الى حزب الله الحليف الاوثق للنظام السوري في لبنان.

' الثاني: ان تتسرب هذه الاسلحة في حال سقوط النظام الى الجماعات الاسلامية الجهادية التي باتت تتواجد بقوة على الارض السورية خاصة في منطقة حلب وادلب وريف دمشق.

الصحف الاسرائيلية سربت انباء يوم امس مفادها ان الاجهزة العسكرية والامنية الاسرائيلية تراقب على مدار الساعة مخازن هذه الاسلحة، وتتحدث عن احتمالات قيام طائرات حربية اسرائيلية بقصف اي محاولة لنقلها الى حزب الله في لبنان.

كل هذه التهديدات تقوم على افتراض اساسي ان اسرائيل تعرف جيدا مكان وجود مخزون هذه الاسلحة، وهو افتراض قابل للجدل، فمن قال ان جميع هذه الاسلحة موجودة في مكان واحد، او بضعة امكنة معروفة جميعا للاستخبارات الاسرائيلية او الامريكية؟

واذا افترضنا ان هناك نية فعلا لدى القيادة السورية لنقل هذه الاسلحة او جزء منها الى حزب الله في لبنان، فمن المحتمل ان تكون اقدمت على هذه الخطوة قبل عام او عامين او ثلاثة؟

ملف الاسلحة الكيمياوية السورية طفا الى العلن في الاشهر العشرين الماضية:

' المرة الاولى: عندما استضاف الاردن مناورات 'الاسد المتأهب' قرب حدود سورية الشرقية الجنوبية مع الاردن بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ومشاركة 19 دولة من بينها الدولة المضيفة، وكان الهدف من هذه المناورات التدخل للاستيلاء على هذه الاسلحة.

' المرة الثانية: عندما فاجأ الدكتور جهاد مقدسي العالم باسره عندما كشف في مؤتمر صحافي عن امتلاك بلاده هذه الاسلحة وتأكيده بانها لن تستخدمها ضد مواطنيها ولكنها لن تتورع عن استخدامها في حال تعرضها لعدوان خارجي.

الدكتور مقدسي رجل يزن كلماته بعناية ليس باعتباره متحدثا باسم وزارة الخارجية السورية، وانما لانه دبلوماسي منضبط، ينفذ الاوامر التي تعطى له بحذافيرها، وقد لعب دورا نشطا في الدفاع عن حكومته عندما كان يعمل كملحق اعلامي في سفارة سورية لندن.

بمعنى آخر لا بد ان هناك من افراد القيادة، من اوعز له بعقد المؤتمر الصحافي المذكور اولا، وتسريب هذه المعلومات ذات الطابع التهديدي المحسوب بعناية ثانيا.

السيد حسن نصر الله الذي وصفته الصحافة الاسرائيلية بانه بارع جدا في ادارة الحرب النفسية المؤثرة ضد اسرائيل ورأيها العام، اكد ان مقاتلي الحزب لن يستخدموا اسلحة كيماوية في الرد على اي عدوان اسرائيلي لاسباب شرعية.

فتوى السيد نصر الله التي اطلقها في مقابلة مع قناة 'الميادين' الفضائية جاءت مفاجئة، وخارج السياق، وكأنه اراد ان يوصل من خلالها رسالة للقيادة الاسرائيلية لا بد انها تعكف حاليا على محاولة فهم معانيها وفك شفرتها. ولكنها رسالة ملغومة في جميع الاحوال.

القيادة الاسرائيلية قلقة جدا، بل مرعوبة، من هذه الاسلحة، بدليل مناقشتها اكثر من مرة اثناء المجلس الوزاري المصغر الذي يتخذ قرارات الحرب. فهل تقدم على مغامرة عسكرية في سورية في محاولة للاستيلاء على هذه الاسلحة او معظمها في ضربة استباقية؟

السيد نصر الله اجاب على هذا السؤال بشكل مبطن عندما قال ان حزبه، وربما سورية، قادران على امتصاص الضربة الاولى ثم بعد ذلك القيام بالرد الموجع. نأمل ان يكون كلامه دقيقا، مثلما كان الحال في حرب عام 2006 عندما صمد الحزب 34 يوما والحق خسائر كبيرة بالدبابات الاسرائيلية المهاجمة.

=================

مرسي والثورة السورية.. آخر الآمال قبل خراب البصرة

د. طارق أبو غزالة

2012-09-06

القدس العربي

لم تشهد ثورة من ثورات الربيع العربي شدًّا وجذبًا مثلما تشهده الثورة السورية. لم يقتصر هذا الشدّ والجذب على القوى الثورية في مقابل النظام المستبد، لكنه تجاوز حدود ســـوريا إلى جوارها وإقليـــمها ومن ثمّ إلى كافة المحافل الدولية في نسق لم يشهد العــالم له نظيرا منذ عقود.

إن ما تتعرض له سوريا منذ عام ونصف من تدمير وتفتيت وقتل وتهجير لهو كارثة، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد. ولكن هذه الكارثة لم تنته بعد وليس في الأفق ما يدل على قرب انتهائها رغم كل ما يبثه الطرفان، النظام الجلاد، والضحية المقاومة، عن قرب بشائر النصر، كل حسب روايته. فالقتل والتدمير لا زالا ينزلان بالسوريين ليل نهار حتى فقدنا القدرة على تحديد لحظة متى يبدأ عدّ الشهداء في فترة الأربع والعشرين ساعة.

ومن المسلّم به اليوم لدى كثيرين أن ما يحدث في سوريا له هدف واحد ألا هو إضعاف هذا الشعب المقاوم على يد جلاد لا يرحم وبتواطؤ دولي مريب اجتمع فيه الفيتو الرو- صيني مع الصمت الأورو- أمريكي. وتعزز ذلك كله بمحور يعمل مع النظام يستند إلى معادلة طائفية بالية عمرها أكثر من ألف عام تمتد من إيران إلى العراق فحزب الله، ولكلٍّ من هؤلاء أجندته الخاصة به المنفصلة عن أجندة النظام السوري.

فالمؤامرة تتلوها مؤامرة والمهلة تتلوها مهلة وكل ذلك في سبيل القضاء على عنفوان هذا الشعب وحيويته في نضال مستمر منذ قرن كامل من الزمان من يوم قسّم بلاده وبلاد الشام وزير خارجية بريطانيا السير مارك سايكس ووزير خارجية فرنسا جورجيس بيكو في أيار/ مايو 1916 بمعاهدة سايكس-بيكو سيئة الصيت. ثم ما تلا ذلك من إقطاع فلسطين ليهود العالم بوعد بلفور الشهير ومحاولة إبقاء الوضع في بلاد الشام على ما هو عليه بميزان لا تميل كفته الا إلى إسرائيل في كل المحافل، وذلك على حساب كل المكونات البشرية والثقافية والدينية والمذهبية التي تزخر بها بلاد الشام، والتي لم تكن يومًا إلا عامل قوة لجميع سكانها من عرب وكرد وتركمان ومسلمين ومسيحيين ويهود وشيعة وعلويين ودروز وإسماعيلية، وباقي المكونات الأخرى التي هي أكثر من أن تحصى في مقالة قصيرة، ولكنها كانت كلها دومًا عوامل إغناء لباقي المكونات.

إن هذه التركيبة التاريخية والجغرافية والبشرية المعقّدة هي أحد الأسباب الهامة وراء إطالة أمد القتل واستحراره في السوريين خلال ثورتهم الفتية.

مائة سنة تقريبًا انقضت وكل منطقة بلاد الشام لا تكاد تخرج من أزمة حتى تدخل في أخرى، وهو ما أنهك شعوبها وهدَّ من قوتها، ولكن مع ذلك حافظت على حيويتها. بل إن سوريا كانت عام 1952 وبعد ست سنوات على استقلالها عن الاستعمار الفرنسي الدولة الثانية من حيث النمو الاقتصادي في آسيا بعد اليابان، وكانت هي المرشحة أن تصبح ماليزيا الشرق الأوسط لو استمرت بذات وتيرة النمو. ولكن مجيء حزب البعث إلى السلطة عام 1963 وإحكامه لقبضته على مفاصل الدولة، ثم تحول تلك القبضة عام 1970 إلى قبضة حديدية مطلقة تركزت بفعلها كل مقومات الدولة بيد نظام عمل على بث الطائفية في مجتمع لم يعرفها من قبل إلا نادرا في أزمات كانت توأد في مهدها بفعل الوعي الشعبي الذي كان التعايش والتراحم الأهلي أبرز سماته.

وبعد حكم النظام لهذا الشعب أربعة عقود بالحديد والنار ومع انقداح ثورات الحرية في ربيع العرب ثار السوريون ضد الاستبداد مثل إخوانهم في تونس ومصر وليبيا واليمن، لكن مع فارق هو أن هذه الثورات لم تكن لتنتصر على مستبدّيها لولا حبل من الله أولا ثمّ حبل من الناس. فالتونسيون كان لهم في جيشهم أكبر رديف للنصر والمصريون سارعت أمريكا لعونهم في إزاحة مبارك عن صدورهم وذلك عبر إيعازها للجيش المصري بعدم التدخل لصالحه، وليبيا تدخل معها حلف الناتو، وفي اليمن فإن نصف الشعب الثائر كان مسلحًا بذات السلاح لدى صالحٍ ورهطه. أما السوريون فواضح في ثورتهم انقطاع حبل الناس عن دعمهم بشكل يؤدي إلى نصرتهم مثل باقي إخوانهم، بل وجدنا أن من إخوانهم الذين انتصروا على مستبديهم بالأمس القريب من ينصح لهم بالتعقل ومحاورة جلاديهم بينما لا زال هو يطالب برأس جلاده على رؤوس الأشهاد في قمة مكة المكرّمة في ليلة القدر! تلك القمّة التي لم يبق منها بعد أن انفضّ السّامر إلا قرار يقضي بتجميد عضوية سوريا في منظمتها فيما تدين وبأشد لغة، محقة، الجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب بحق مسلمي الروهينغا على يد حكومة ميانمار.

ومع اشتداد حلكة الليل المحيق بالشعب السوري وانقطاع الحبال الخارجية كافة بدأ يلوح في الأفق بصيص نور قد يعينه على تحقيق نصره قريبًا بإذن الله. ولكن وقبل الحديث عن هذا الأمل لابد من الإشارة إلى نقطة شديدة الأهمية، ألا وهي أنّ المعارضة السورية بكل أطيافها الثورية والعسكرية والسياسية قد درجت مؤخّرا على تحميل إيران 'كلّ' قبيحة تجري في سوريا بصيغة أصبحت برأيي مبالغًا فيها. فحسب هذا المنطق، فإن الجرائم المرتكبة يرتكبها إيرانيون، والطائرات التي تقصف المدن والقرى السورية إنما يقودها طيّارون إيرانيون، والذبح يقوم به إيرانيون وهم من يدرب جنود النظام وشبيحته وينظمهم في ميليشيات على غرار جيش المهدي في العراق.

لا شك أنّ إيران داعمة للنظام عسكريًا وماديٍّا لكن ذلك لا يعني أنها هي التي تقاتل الشعب السوري، فمعركة الشعب السوري لا زالت مع جلاده السوري وليست مع إيران التي ليس من مصلحة الشعب السوري أن تدخل فعلا في المعركة ضده لأن ذلك سيؤدي حتمًا إلى تضاعف أعداد الضحايا بشكل كبير جدا، فضلا عن الخراب والدمار الذي لا قبل لنا به في ظل غياب دعم عربي ودولي حقيقي.

إن النظام في سوريا هو الذي يرتكب الجرائم وهو ليس بحاجة إلى تدريب من إيران أو حزب الله كي يقوم بها، بل لعلّ العكس هو الصحيح. فالنظام السوري هو الذي درّب حزب الله وزوده بالسلاح بشهادة حسن نصر الله ذاته، والنظام هو من صدَّر من قبل القتل إلى العراق أيام الانفلات الأمني بشهادة المالكي نفسه، ولعلّ النظام السوري هو الذي نصح الإيرانيين بكيفية التعامل مع الثورة الإيرانية التي تلت انتخابات الرئاسة عام 2009 من خلال خبرته بالتــعامل مع ثورة حماة. إن الكلمة المقيتة 'بدّك حريي' التي ترنّ في أذن كل سوري ليس فيها أي عجمة إيرانية أو لهجة لبنانية أو عراقية بل هي سورية صافية لا تخطئها أذن أصغر طفل سوري.

إنّ إقحام إيران في الثورة السورية هو مطلب النظام السوري وليس مطلب الثورة، بل إن مصلحة الثورة هو في حضِّ إيران دومًا على أن تنأى بنفسها عن النظام وتفك الارتباط به لأنّ في ذلك مصلحتها، فالثورة منتصرة في آخر المطاف رغم فداحة التضحيات. ولا أظن أنّ إيران ستزج بكل إمكانياتها مع النظام السوري، فهي لها مصالح مثل أي دولة، فهي دولة إقليمية كبيرة ولا أظن أن تأثيرها يعتمد على استمرارية نظام الأسد، بل العكس هو الصحيح. إن ما يحافظ على بقاء النظام في سوريا إلى الآن هو ما تمده به إيران وروسيا من مدد سياسي وعسكري لوجستي، ولو انقطع هذا المدد لتهاوى النظام بسواعد السوريين وحدهم ودون الحاجة إلى أي معونة من الغرب أو غيرهم. وعكس ذلك صحيح أيضًا. فلو أن الغرب مدَّ السوريين بما يطلبونه من سلاح نوعي فإن إيران وروسيا ستمدان النظام بسلاح نوعي مقابل، والشعب السوري هو الذي سيدفع الثمن في تلك الحالة بشريًّا واقتصاديًّا من مستقبله الذي سيرُهن بعد الثورة لمصالح وأجندات دولية مختلفة.

إن مخطط إعادة تشكيل محاور القوى وتقاطعاتها في منطقة بلاد الشام والعراق، بل في وتركيا وإيران قد أصبح قاب قوسين أو أدنى بفعل الثورة السورية وحدها. وما يجري اليوم في لبنان هو إرهاصات ذلك وانعكاسه في بلد كان دومًا المرآة السياسية لكل تجاذبات محاور القوة في المنطقة وما خلفها.

لكن إعادة التشكيل هذه لابد فيها من طرف يقف على مسافة واحدة من هذه القوى العربية والتركية والفارسية، ولعل خير من يقوم بذلك اليوم هو مصر الثورة ورئيسها الدكتور محمد مرسي خاصة بعد أن أسفرت التغيرات الأخيرة خلال الأسابيع الماضية عن استقرار ثورتها وانحيازها دون لبس لحقِّ الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

إن مصر الثورة اليوم ليست هي مصر مبارك، فرغم أن الشعب المصري المتعاطف مع السوريين هو نفسه لم يتغير، لكن مفاصل اتخاذ القرار قد أصبحت اليوم بيد هذا الشعب. وواضح أن القيادة المصرية تريد أن تعيد لمصر اعتبارها ودورها الرّيادي رغم وجود قوى مصرية وغير مصرية تحاول معاكسة ذلك، ولكن سنن التاريخ أكدت دوا أنه إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.

الرئيس مرسي في قمة مكّة المكرّمة طرح ما مفاده تعاون مصري سعودي تركي إيراني لحل الأزمة السورية، فقد آن الأوان حسب قوله لأن يرحل النظام السوري.

ان اجتماع هذه القوى الاقليمية الكبرى على طاولة واحدة وتعاونها لنصرة الشعب السوري وترحيل النظام هو مطلب للثورة السورية ووجود مصر والسعودية وتركيا على طاولة واحدة مع ايران للضغط عليها بقطع المدد عن النظام السوري هو ايضا مطلب للثورة السورية.

أعلم أن البعض سيحتج على طرح الرئيس مرسي ولكن على من يحتج أن يقدم البديل مرفقًا بالفاتورة البشرية لهذا البديل. الشهداء في سوريا اليوم تجاوزا الـ25 ألفًا، فهل يستطيع من يعارض الطرح المصري أن يضمن عدم ازدياد هذا العدد بل وتضاعفه؟

إن سوريا موجودة في فضاء جيوسياسي يتعايش فيه العرب والترك والفرس ولن يأتي اليوم الذي تزول فيه أي من هذه القوى حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وسوريا هي ركن من أركان هذا الفضاء وليست هامشًا فيه أو له، ويشهد على ذلك التاريخ.

إن ما ينبغي على المعارضة السورية عمله الآن يتمثل فيما يلي:

1 ـ التنسيق بين أجنحتها الثورية والعسكرية والسياسية للتوافق على حد أدنى من المطالب دون أي شق للصف أو تلاعب بالكلمات والألفاظ التي أخرت نصر الثورة وسمحت للنظام بإحداث الاختراق تلو الآخر.

2 ـ اختيار عدد معقول لا مبالغة فيه من الممثلين الحقيقيين للثورة من كل أجنحتها، اختيارًا يعتمد الكفاءة لأداء المهمة القادمة لا المحاصصة التي أثبتت فشلها في المرحلة السابقة.

3 ـ مسارعة المعارضة بعد ذلك وبشكل 'موَحَّد' للاتصال بالرئاسة المصرية للوقوف على تفاصيل دعوة الرئيس مرسي بل والمساهمة فيها بشكل إيجابي وفعّال لتكون حاضرة في كل التحركات التي ستتمخض عنها هذه الدعوة.

4 ـ التنسيق بين قوى الثورة السورية الإلكترونية لتصبّ جهودها على إنجاح المبادرة المصرية عبر صفحاتها على الشبكة العنكبوتية والتويتر والمواقع الإلكترونية.

5ـ التنسيق بعد ذلك بين قوى الثورة السورية والمصرية الإلكترونية للتواصل مع الشعب المصري والأمة العربية وقواها المدنية الحية بما يتيح تمتين جبهتها التي ستتعرض لمحاولات اختراق من قبل قوى النظام السوري الإلكترونية والإعلامية.

6 ـ تشكيل لجنة متابعة مشتركة بين أجنحة المعارضة السورية مهمتها:

أ- متابعة تطورات المبادرة المصرية.

ب- تشكيل قوى ضاغطة على الأطراف المشاركة في الدعوة من مصر والسعودية وتركيا و إيران.

العودة الدورية للشعب السوري لإعلامه بتطورات المبادرة المصرية وإبقاء قواه موحدة في سبيل إنجاحها.

إن مبادرة الرئيس مرسي قد تكون آخر الآمال المتبقية قبل 'خراب البصرة'، ولا أعني ذلك مثلاً دارجًا، ولكن إن خربت سوريا فليس بعد ذلك إلا خراب البصرة.

 

=================

صور المثقف في مرايا الانتفاضة

موسى برهومة *

الجمعة ٧ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

ما من قضية شطرت الثقافة العربية المعاصرة كالانتفاضة السورية التي طرحت للمرة الأولى، بهذه القوة والاندفاعة، مسألة الضمير الإنساني، وجعلتها في صلب عملية التمييز بين عضوية المثقف وجوهريته، وبين زيفه وبراغماتيته وتعدد أقنعته.

الانتفاضة السورية أضفت غلالات كثيفة على بؤرة شديدة الحساسية في عصب المثقف العربي الذي أضحى يحشد ما تيسر من أدوات التبرير لتظهير موقفه سواء كان مؤازراً للثورة، ومتضامناً مع عذابات البشر الذاهبين إلى حتفهم على مذبح الحرية والكرامة، أو كان مقتنعاً بفكرة «المقاومة والممانعة» وأن ما يجري في سورية إنما هو «مؤامرة كونية»، هدفها «تفكيك دول المنطقة لمصلحة الحلف الأميركي الإسرائيلي الناتوي».

وبعيداً من كون بشار الأسد قد ارتكب بحق شعبه فظائع أين منها ما فعله البرابرة الهمجيون في سالف التاريخ، فإن لمقاربة الحالة السورية الدامية وجوهاً متعددة تنعكس في مرايا المثقف، وتتجلى في اصطفافاته. ولأن صور المثقف، عموماً، تكشف عن ذلك الفرد الريادي المؤثر في محيطه، والخلاق في مضماره، والقائد الموجّه حين يكون منخرطاً في عمل مطلبي، فإن ذلك يقتضي أن ينحاز إلى الفكرة البسيطة التي تتأسس على موضوعة الناس/ البشر/ الجماهير/ المجاميع/ الكائنات الآدمية... ولما كانت هذه المجاميع البشرية هي وقود الحرب الدائرة في سورية، ولما كان ما يجري مع هؤلاء البشر يقذف بهم رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً وجرحى ومعتقلين وضحايا إلى منافي التيه والضياع والتمزق، فإن آلة المثقف يجب أن تستيقظ لتتنبه إلى فظاعة ما يجري، ولترصد آلام المعذبين الذين لم يفعلوا شيئاً ليستحقوا عليه هذا المصير المؤلم. وإذا ما بلغ عدد هؤلاء مئات الآلاف، فإن على الآلة أن تسارع إلى التقاط اللحظة المنكسرة، وترميمها حتى تتضح الصورة، ويكتمل معمار الفكرة؛ فكرة القتل، ونسف البيوت الآمنة، ودكّ المساجد والمشافي بالمدافع، وقصف الأحياء والعمارات والأزقة بالطائرات، واقتلاع حنجرة المغني، وتكسير أصابع الرسام، وقتل التشكيلي، وتفجير رأس المخرج السينمائي، ومطاردة لاعب كرة القدم.

إن من الضروري تجميع قطع الفسيفساء هذه لتتضح الصورة أكثر. أليست هذه إحدى وظائف المثقف وانشغالاته؟

أما من يتلهى عن هذه الوظيفة، ويستعيض عنها بمناكفة الوقائع والاحداثيات ومعاندة اللحظة التاريخية، والتقنّع وراء شعارات بلهاء، فإنه يتخلى عن مسؤوليته الأخلاقية، وعن دوره الطليعي، وعن مهمته النقدية. ليس مثقفاً أبداً ذلك الذي لا تهز ضميره الإنساني الصور المروّعة والحكايات الفظيعة والمآلات الجهنمية لشعب يُقتلع من أرضه وتاريخه وماضيه لمصلحة ديكتاتور يقود عصابات تقتل الأبرياء وتقطّع أوصالهم، وتغتصب الأبكار أمام مرأى أمهاتهن، وتحز أعناق الأطفال بسكاكين صدئة من الوريد إلى الوريد. المثقف بطبيعته منحاز لأنّات المستضعفين، واستغاثات الملهوفين. أما إن تغافل عن ذلك، وانحاز إلى مصالحه مع النظام وتحالفاته وامتداداته وشعاراته، فإنه يخون وعيه، ويجعل كلماته، وأفعاله، وماضيه، ومكابداته مع عسف السلطات، كلها في حيّز الماضي، وفي أسر المتحف.

الذي يحرر المثقف ويعيده إلى صوابه هو انحيازه الى تلك الصرخات التي تمزق قلوب الصخور. وبهذا الانحياز تتحقق كينونته، ويتجذّر مشروعه الأخلاقي.

=================

إنهم لا يصدقون أنفسهم

الجمعة ٧ سبتمبر ٢٠١٢

وليد شقير

الحياة

يُتخَم الخطاب المدافع عن النظام السوري بالحديث عن مواجهة المشروع الأميركي - الإسرائيلي في معرض شرح وقوف أصحابه الى جانب النظام السوري وتبرير تجاهلهم المجازر التي يرتكبها والفظاعات التي يسببها. ويتكاثر في المقابل التذمر والاتهام للإدارة الأميركية بترك الثوار السوريين لمصيرهم في مواجهة النظام وعدم مبادرة واشنطن الى التدخل في سورية لإسقاط بشار الأسد أسوة بما فعلته في ليبيا.

إلا أن الخطابين يناقضان الواقع المعروف الذي لا حاجة الى كبير عناء لاكتشافه. فالسياسة الأميركية الخارجية تمليها حال الغيبوبة التي دخلتها واشنطن بفعل الحملة الانتخابية الرئاسية. هذا بالمعنى الآني. إلا أن هاتين القراءتين تجانبان واقع التغييرات في السياسة الخارجية الأميركية حيال المنطقة التي تقلّص درجة اكتراثها بها، وتحيلها الى مرتبة دنيا من سلم أولوياتها الدولية.

وكل من الخطابين لا يريد أن يصدق أن الولايات المتحدة تنكفئ عن المنطقة لأسباب عدة بينها النقلة الاستراتيجية التي قررتها واشنطن بتوجيه اهتمامها الى المحيط الهادئ بهدف منافسة الصين على النفوذ في الدول المحيطة بها، وتقاسم خيرات هذا النفوذ معها، إضافة الى إخفاقاتها الكبرى في العراق وأفغانستان وفلسطين. وهذا أمر يتعدى موضوع الانتخابات الرئاسية في عمقه واستراتيجيته.

الخطاب الأول، خطاب الممانعة والتصدي الذي ينسب كل شيء الى المخطط الأميركي - الإسرائيلي، لا يصدق أصحابه أنفسهم حتى أنهم هزموا السياسة الأميركية في العراق ولبنان وغزة، ويعتقدون بأن عصراً آخر بدأ. والخطاب الآخر الذي ينسب التلكؤ الأميركي الى التآمر على الشعب السوري بالتعاون مع إسرائيل لأن مصلحة واشنطن تقضي ببقاء نظام الأسد، لا يريد أن يصدق أصحابه أن انتفاضة الشعب السوري، وقبله شعوب تونس ومصر وليبيا واليمن، حصلت على رغم الدعم والتفويض الأميركيين والغربيين لنظام الأسد والأنظمة الأخرى على مدى عقود وأن ثورة الناس للكرامة هي التي غيّرت في الموقف الدولي وفرضت التغيير. كما أن هؤلاء لا يريدون أن يصدقوا أن تراجع الدور الأميركي يفترض أن تحل مكانه معادلة إقليمية جديدة، لشعوب المنطقة دور أساسي فيها، طالما أن هذه الشعوب انقلبت على حكامها الذين كانوا يحظون بالدعم الخارجي، وأن هذه المعادلة هي التي يفترض أن تتحكم بشؤون الإقليم ومشاكله، من نوع عودة مصر الى ممارسة ثقلها التاريخي في إدارة شؤون المنطقة. أصحاب هذا الخطاب أيضاً لا يصدقون أنفسهم وأنهم ثاروا على الاستبداد والطغيان بقواهم الذاتية ومن دون دعم، لا الولايات المتحدة ولا غيرها، وأن هذا يرتب نوعاً جديداً من العلاقة مع الدول الكبرى، ودورها في صوغ مستقبل المنطقة.

وواقع الأمر أن الإدارة الأميركية منكفئة الى أزمة الاقتصاد، الى درجة أن ما يعيبه البعض عليها لعدم تجرؤها على إطاحة الأسد، يعتبره البعض في واشنطن، حكمة عالية، خصوصاً أن بعض العسكريين هناك يعتقدون أن الرئيس الأميركي الذي يقرر الذهاب الى الحرب "وجب عرضه على الطبيب لفحصه".

ينحصر الاهتمام الأميركي بسورية من زاوية إشغال إيران، صاحبة النفوذ الأقوى في بلاد الشام بالأزمة السورية نظراً الى أنها تهتم بإضعاف التأثير الإيراني في المنطقة أكثر من أي شيء آخر، بعد أولوياتها الداخلية ونقلها اهتماماتها الخارجية من الشرق الأوسط الى المحيط الهادئ. وهي لذلك تترك للأزمة أن تأخذ مداها مع حرصها على مجموعة "توصيات" تشكل بالنسبة إليها ضوابط لتطورات الصراع الدائر في سورية: حفظ الأقليتين العلوية والمسيحية لأن هذا يساعد في إعادة تركيب المجتمع السوري بعد التغيير في النظام، عدم تفكيك مؤسسة الجيش السوري تجنباً لتجربة فرط الجيش العراقي التي كلفت الكثير بعد غزو العراق، الحؤول دون تمركز تنظيم "القاعدة" في سورية، وإيجاد الآليات التي تسمح بالتحكم بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي لدى الجيش السوري، بحيث لا تُستخدم ولا تنتقل الى أيدي "حزب الله"، أو متطرفين إسلاميين، وأخيراً دعوة المعارضة الى التوحّد سواء في تشكيلاتها السياسية أم العسكرية. وفي كل ذلك تعتمد واشنطن على الدول النافذة إقليمياً، في انتظار أن تعدّل روسيا موقفها حيال النظام وتلعب دوراً في تغييره.

الدور الأميركي في سورية أقرب الى الاستقالة منه الى الانخراط في الأزمة، حتى إشعار آخر. ولذلك فإن تصوير الأمر على أن ما يحصل هو مواجهة مع المخطط الأميركي فيها، هو تضخيم وتهويل يهدف الى تغطية موقف يتماهى مع النظام السوري ضد شعبه، لأن سقوطه يضعف موقع إيران التفاوضي مع واشنطن.

=================

الثورة السورية: «الخير والشرّ» أم «المع والضد»؟

سامر فرنجية *

الجمعة ٧ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

بين تحرير فرنسا من الاحتلال النازي وصعود محاكم رسمية لمقاضاة عملاء نظام فيشي، مرّت فترة زمنية قصيرة قُتل خلالها آلاف العملاء وتمّ الاعتداء على حوالى عشرين ألف امرأة من جانب مقاومين ومنتقمين. هذا القتل والقمع الشعبي والعشوائي لم يتوقف إلاّ مع بروز محاكم رسمية أخذت على عاتقها عملية التطهير الإداري والسياسي، وشكّل نقطة سوداء في سجلّ المقاومة الفرنسية وأساطيرها. والحال أن تلك الممارسات كانت بربرية وغير أخلاقية، سقط ضحاياها بالآلاف، بعضهم لمجردّ الاشتباه بعمالتهم. غير أنها مع كل قذارتها، لم تُسقط تلك المرحلة السوداء أخلاقية المقاومة الفرنسية. فهذه «الفوضى من الشجاعة» كما سمّاها أندريه مالرو، وهي أحقّية معركة التحرير من النازيين أو شرعية الدولة الجديدة المنبثقة جزئياً من تلك الممارسات والأساطير.

تُظهر التجربة الفرنسية التباس علاقة الأخلاق بالسياسة وتعقيدها. وتلك التجربة ليست معزولة. فوراء كل أمّة أو دولة أو مؤسسة أو هوية، ممارسات تفتقر الى الحد الأدنى من الأخلاق، تجعل ميزان «الخير والشرّ» غير قادر على التقاط دلالات الحدث التاريخي. هذا لا يعني نفياً لأية علاقة بين السياسة والأخلاق، ولكنه يعارض مبدأ استنتاج الواحد من الآخر، وكأن التاريخ مجرّد ثنائيات أخلاقية تتصارع.

الكلام عن علاقة الأخلاق بالسياسة فرضته الحملة «الأخلاقوية» التي أُطلقت منذ فترة ضد الثورة السورية. فمع ازدياد الأخبار عن انتهاكات بعض الثوار وجرائمهم، قامت حملة نقد للحراك السوري، أرادت أن تتحرر من ثنائية «المع والضد» القامعة للنقد، لاستبدالها بثنائيات أخلاقية، كتلك القائمة على «الخير والشرّ». ومفاد تلك الحملة أنه مع كل سقوط أخلاقي للثورة، يتضاءل الفارق بين النظام والمعارضة، ليصبح من المستحيل التمييز بينهما. هكذا بدأ يتحجج بعض المحرجين من الثورة (وبعض فاقدي الشجاعة في موقفهم الداعم لبشار الأسد) بهذا التراجع الأخلاقي لإطلاق شعار الضد، أي ضد النظام والمعارضة سويةً.

لكن تلك المقولة، المريحة سياسياً للمحرَجين، غير دقيقة. فلمن تهمّه الأخلاق، لا بد من اتباع معيار واضح (إن وُجد)، يمكن من خلاله معايرة الواقع. فإذا لم يعد ممكناً إنكار جرائم بعض الثوار، فهذا لا يبرر إطلاقاً معاملتهم كمرادف أخلاقي للنظام الذي يتبع عملية إبادة منهجية لشعبه. كما أن من يريد اتباع هذا المنطق الأخلاقي، لا بد من أن يعيد معاينة أكثرية التجارب التاريخية، لكي يستنتج أن لا فارق بين مقاوم ومحتل، معارض وسلطة، ضحية وجلاد. فمن هذا المنطلق، لن تنجو أية حركة تحرر وطني، أكانت فلسطينية أم عربية أو عالمثالثية، من هذا النقد. والغريب هنا، أن جماعة المحرجين الممانعين، أيتام فرانز فانون ومقدمات سارتر العنفية، لم يطبّقوا معاييرهم الأخلاقية إلاّ على خصومهم، وكأنهم يعترفون بقصورهم الأخلاقي وتفوّق الخصم على هذا الصعيد، أكان إسرائيلياً أم أميركياً أم غربياً.

استثناء الأخلاقويين الجدد من النقاش لن يلغي المعضلة الأخلاقية التي أبرزتها الممارسات الشنيعة لبعض الثوار. غير أن طرح تلك المعضلة يحتاج إلى تحديد هوية الفاعل الذي يمكن تحميله مسؤولية تلك الارتكابات الأخلاقية. فالثورة ليست فاعلا موحَّداً يمكن شجبه أو إدانته، بل هي عنوان فضفاض أعطي لتحرك واسع لا توحِّده إلاّ معارضته للطاغية. ذاك أنه في مقابل كل تجاوز طائفي أو جريمة شنيعة، هناك آلاف صرخات «سلمية» تُطلق ومقاومات سلمية تُمارس وغرائز تُقمع. فاللجوء إلى التحليل الكمّي لن يفيد هنا... فالثورة سلمية وعنفية، شجاعة ومجرمة، طامحة للحرية وللقمع المذهبي. الثورة، كما كتب ياسين الحاج الصالح، «عملية حية»، وما لا يُحتمل هو «نقل أخلاق جاهزة (ووعي جاهز) إلى ثورة يفترض أنها مجردة منهما» أو «الاكتفاء الفكري والأخلاقي للثورة، والموقفان أقرب إلى بعضهما بعضاً مما يبدو». هذا ليس للقول إن حيوية الثورة تعفيها من المحاسبة الأخلاقية، بل العكس تماماً، وهو أن المحاسبة الأخلاقية هي في الانخراط في الثورة والعمل لنحتها وتصحيحها وتجديدها. فإذا لم تكن الثورة فاعلاً تمكن محاسبته بتجرّد، كذلك فإن ما يسمّى «الجيش السوري الحر» فاقد لصفة الفاعل، كما كتب حازم الأمين. فالكلام عن مسؤولية الجيش الحر «نقاش من خارج سورية، يُخترع فيه هذا الجيش وتُرسم صور له وتُحدد وظائف افتراضية لـ «كتائبه». يُقال مثلاً إن «الجيش الحر فعل ذلك»، فيتصور المرء جيشاً وقيادة وقراراً، وهذا ليس حقيقة ما يجري.

والحال ان أول ما أصاب هذا الجيش هو اسمه!». وهذا التوضيح لحقيقة الجيش الحر لا يعني إعفاءه من مسؤولياته تجاه ارتكابات بعض عناصره، بل بالعكس، دفعه لتحمّل عبء أفعاله ولتحوله جيشاً يمكن أن يحاسب أخلاقياً.

من خلال سحب صفة الفاعل عن الثورة أو الجيش السوري الحر، أعاد الكاتبان موضعة النقاش من مجرّد معاينة أخلاقية باردة إلى مسألة سياسية تواجه الثوار قبل خصومهم المحرجين. فبدل السؤال المبتذل عن أخلاق الثورة، وهو سؤال مجرّد لن ينجو من تشكيكه أي عمل سياسي مهما كان نبيلاً، يجب طرح السؤال عن منطلق المعاينة الأخلاقية هذه. فلتلك المحاسبة الأخلاقية منطلقان، يعيدان توكيد أولوية «المع والضد» على «الخير والشر». المنطلق الأول هو حاضر الثورة، وينطلق همّه الأخلاقي من داخل المعترك، ليواجه معضلاته كتحدّيات سياسية تُحلّ بالممارسة وليس من خلال التنظير. بلغة أخرى، ثنائية «الخير والشرّ» ليست بديلة عن تلك القائمة على «المع والضد»، بل مضمونها. فالأخلاق هي في الممارسة السياسية، وليس في المحاكمة المجرّدة من أي انتماء.

أما المنطلق الثاني لمعاينة الثورة، فهو في المستقبل. بهذا المعنى، مستقبل سورية هو ما سيقرر ما إذا كان سقوط هذا الكمّ من الضحايا من جميع الأطراف، مدخلاً الى سورية ديموقراطية ومستقرة أو قتلاً عبثياً لا يولّد إلاّ قتلاً إضافياً. قد يبدو هذا الكلام ماكيافيلياً في برودته، وتلويناً على المقولة المبتذلة من أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. غير أنه عكس ذلك، فهو تراجيدي في اعترافه بالواقع الذي لم تعد توجد أساطير لستره. فالحراك الحالي واقع بين أسطورة الثورة، التي سقطت مع مرور الزمان، وأسطورة الدولة التي تبرّر ماضيها بمستقبلها، والتي لم تولد بعد. الثورة «ما وراء الخير والشر» تنتظر مستقبلها لتحديد أخلاقيتها. فلا معنى للكلام عن أخلاقية الثورة السورية من جانب من لا يشاركها المصير واليوميات والمآسي.

إن أخلاقية الثورة هي نوع المستقبل الذي يُبنى اليوم في المعترك الثوري من جانب مناضلين يضحّون بحياتهم من أجل غد أقلّ بؤساً. ومعاينة الثورة المجردّة كلام فارغ، يشبه من يناطح التاريخ من مكان بعيد، وبدل ثنائية «الخير والشر» الأخلاقية، يجب التمسّك بالثنائية النضالية والنقدية القائمة على «المع والضد». وهذا ليس منعاً للنقد، بل تسييس له لإعطائه بعض المعنى وتحريره من جيوش النقاد الأخلاقويين.

 

=================

لا تنفخوا في دفاعات بشار.. وخذوا الحقائق

وفيق السامرائي

الشرق الاوسط

7-9-2012

قرأنا وسمعنا ما كرره عسكريون أميركيون عن تعقيدات فرض حظر جوي، لمساعدة الثوار في حماية المدنيين من نيران قوات السلطة في دمشق، ولم يثبت ما يدفع إلى القناعة بكلمة واحدة من كل ما تحججوا به من الناحية العسكرية. وقد لا يختلف في الرأي المخالف للادعاءات معظم القادة والمحللين العسكريين. فعن أي دفاع جوي سوري قوي ومتطور يتحدثون؟ وماذا بقي لجيش السلطة مما يمكنه من تهديد إجراءات أممية أو قوات تحالف قوي تريد استعادة السلام الإقليمي؟

الدفاع الجوي في سوريا ليس أكثر قوة وتقدما من الدفاع الجوي العراقي، الذي لم يسقط سوى طائرة هليكوبتر واحدة عام 2003، وليس أكثر تقدما من الدفاع الجوي اليوغوسلافي، الذي لم يسقط طائرة واحدة في حرب وقف المجازر الحكومية. وأين كان الدفاع الجوي السوري عندما دمر الطيران الإسرائيلي مفاعل دير الزور عام 2007؟ وهل نسي العسكريون الأميركيون المعارك الجوية في سماء لبنان قبل ثلاثين عاما، التي خسر فيها الطيران السوري أكثر من ثمانين طائرة مقاتلة ونحو عشرين قاعدة صواريخ أرض - جو؟!

أما ما روج عن إسقاط طائرة الاستطلاع التركية، فالحقيقة التي لم تذكر هي أن هذه الطائرة من جيل الستينات والسبعينات، ولا تعد من الطائرات الحديثة حتى لو أدخلت عليها تحسينات، وموجود مثلها في القوة الجوية الإيرانية منذ بدايات السبعينات. فضلا عن أنها كانت في مهمة تدريب روتينية، ولا اختلاف حتى لو كانت في مهمة استطلاع، ونصب لها كمين في حافات الأراضي السورية. ولم تعد الكمائن الأرضية بصواريخ مضادة للجو ممكنة كما كانت قبل بضعة أشهر، بعد أن تم تحرير مساحات شاسعة من الأراضي السورية.

نعم القوات السورية صرف عليها الكثير من أجل حماية النظام، غير أن المعادلات تغيرت، بعد اشتعال ثورة الشعب، وانشقاق وتمرد عشرات آلاف الجنود، وربما وصل عدد الضباط المنشقين للآلاف. ولو كانت القوات البرية محافظة على قدراتها لما فقدت المبادرة على الأرض، ولما تحولت إلى قصف لا سابق له. ولم يعد أحد في حاجة لتحليل وتوضيح، فإن أحاديث بشار الأخيرة تدل على الهلع والغوص في التدمير، وليس على الثقة والقوة كما تروج أقلام أجيرة ومحللون جهلة. غير أن الموقف مشحون بالمخاطر، في ظل العدوان على الشعب، بإسناد قوى الشر الأحمر والأصفر. وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي والصادقون من أصدقاء سوريا، لتعزيز قدرة الدفاع الشعبي، فإن السوريين سيتعرضون لكارثة أكبر، على الرغم من أنهم يحققون انتصارات مستمرة وسينتصرون في النهاية. فالدلائل كلها تشير إلى حصول قوات السلطة على أسلحة جديدة أكثر فتكا، وليست مصنعة محليا. والتحرك الأممي المطلوب لا يعادل إلا نسبة قليلة مما تطلبته عملية إسقاط القذافي. فأم النزهات ستكون في الأجواء السورية، وليس في غيرها، وسيكون في وسع المحللين الفاشلين الصعود إلى طائرة هليكوبتر لمشاهدة الوقائع على الأرض.

مرة أخرى، لا بد من الإشارة إلى عدم واقعية المبالغة في الخوف من سيطرة القوى المتشددة على الثورة، إلا أن التقاعس في مساندة شعب مصمم على نيل حريته قد يدفع أشخاصا إلى قبول العون من أطراف مرفوضة. كما أن رفع شعارات معينة وإطلاق مسميات دينية على بعض التشكيلات القتالية ليسا بعيدين عن ثقافة الشعوب. ففي المحن والأزمات يلجأ الناس والمستضعفون منهم خصوصا، إلى الجانب الديني. فحتى الملحدون ينسون أنفسهم ويصيحون في حالات الفزع والخوف والصدمة وأحيانا الفرحة «يا الله»، أو «يا الهي»، أو «يا ربي»، وهذا ليس تبسيطا سطحيا للوقائع. فقد تعرفت على ثقافة الشعب السوري وحضارته خلال سنتين عشتهما هناك. وإذا ما انزلق السوريون إلى التطرف لا سمح الله، فسيكون التخاذل والتقاعس والتآمر سببا كبيرا في ذلك.

إن ما يجري ليس حرب تحرير، بل حرب إبادة يشنها نظام دموي، وإذا كانت أميركا خائفة من التورط، فإن الوضع لا يتطلب جنديا أميركيا واحدا. فالمطلوب هو حظر جوي يمكن فرضه تدريجيا في المساحات المحررة، أو تزويد كتائب ثورية محددة بالأسماء - مؤلفة من العسكريين المنشقين حصرا - بقاذفات صواريخ واستعمالها في كمائن أرض - جو متقدمة، وسيرى المحللون بأمهات عيونهم ما سيحدث من إيجابيات سريعة.

=================

تركيا نجم وحيد في سماء سوريا

مصطفى أكيول

الشرق الاوسط

7-9-2012

بينما أكتب هذا المقال تكون أعداد اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى تركيا قد تجاوزت 80 ألفا ويتوقع وصول المزيد يوميا. وتنقل وسائل الإعلام بشكل متكرر الاضطرابات بين هؤلاء الضيوف، الذين يعيش بعضهم في مخيمات اللاجئين منذ أكثر من عام، وبعض السكان المحليين. في هذه الأثناء، يدين النظام السوري، الذي كان صديقا في السابق لأنقرة، الآن ما تفعله تركيا، واصفا إياه بدعم الإرهاب، في الوقت الذي ترسل فيه إيران، خير صديق لذلك النظام الدموي، تهديدات غير مباشرة لتركيا. أضف إلى ذلك ما يقوم به حزب العمال الكردستاني، من الهجوم على أهداف تركية جديدة كل يوم تقريبا، بمساعدة محتملة من الاستخبارات السورية والإيرانية.

خلاصة القول إن الحكومة التركية تواجه معضلة كبرى هذه الأيام في ما يتعلق بسوريا، فنظام بشار الأسد الوحشي، وزبانيته من الشبيحة أثبت أنه قادر على الاحتمال أكثر مما توقعت أنقرة. ومن ثم تبين أن الدعم التركي للمعارضة السورية، بما في ذلك الجيش السوري الحر، كان مكلفا لتركيا إلى حد بعيد.

ربما كان ذلك سببا في الانتقادات الواضحة التي وجهها خبراء السياسة الخارجية للحكومة التركية، وبخاصة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، هذه الأيام، الذي اتهم «بحبه للمغامرة» وتوريط البلاد في مشكلات هي في غنى عنها. أكد البعض منهم أنه ما كان لتركيا أن تزج بنفسها للتدخل في شؤون الدول الأخرى. حتى إنهم عبروا عن سعادتهم عندما لم تجدِ مناشدة داود أوغلو الأخيرة في مجلس الأمن لإنشاء منطقة عازلة محمية جنوب الحدود التركية - السورية.

بيد أنني أختلف مع هذا التوجه كلية، واتفق معهم في نقطة واحدة فقط وهي أن الحكومة التركية تواجه مأزقا بالغ الصعوبة إزاء الوضع السوري الآن. لكني أعتقد أيضا أن تركيا تقوم بالأمر الصائب، الذي هو بالنسبة لي أهم من الحصول على المكاسب.

كانت تركيا تقوم بواجبها تجاه الثورة السورية في إحدى المراحل الرئيسية من الصحوة العربية، التي بدأت في تونس ثم انتقلت إلى مصر وبعدها إلى ليبيا. سقط الديكتاتوريون الذين جثموا على صدور هذه البلاد طويلا واحدا تلو آخر، وبدأت العمليات الديمقراطية في كل منها. كان ذلك أفضل ما حدث للشرق الأوسط خلال ما لا يقل عن قرن، واتخذت الحكومة التركية الجانب الصائب للتاريخ بدعمها الشعوب، لا الحكام الطغاة العرب.

النموذج ذاته تكرر في سوريا، والاختلاف الوحيد هو أن النظام السوري أكثر تعطشا للدماء من الأنظمة الأخرى التي سقطت، ولديه الكثير من الأصدقاء المنافقين (مثل إيران وروسيا) الذين يريدون استمرار هذا النظام، في تجاهل تام لأرواح الأبرياء. علاوة على ذلك، لا يوجد ما قد يدفع الغرب، الذي دعم - على أقصى تقدير - الصحوة العربية بفتور، للتدخل في الصراع كما فعل في ليبيا التي يسهل قيادتها (والغنية بالنفط).

لهذا السبب، تبدو تركيا الآن أشبه بنجم وحيد في سماء المجتمع الدولي في دعمها الثابت للثورة السورية. (هناك بطبيعة الحال المملكة العربية السعودية وقطر، لكنهما تعملان في إطار مختلف). وبوصفي تركيا، أرى هذا سببا لعدم إدانة حكومتي، بل الفخر بدورها في العالم.

وختاما، حتى أولئك الأتراك الذين يهتمون فقط بالفوز في السياسة الخارجية - وإن تناقضت مع القيام بما هو صواب - أحمل لهم خبرا سارا وهو أن نظام الأسد سيسقط آجلا أو عاجلا، وحينئذ ستكون سوريا الناشئة الحرة والديمقراطية صديقا قويا لتركيا، التي على الرغم من كل الضغوط التي تواجهها هذه الأيام، لا تزال تثبت أنها صديق للشعب السوري.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية

=======================

إلى "العالم".. السوريون ملوا "الكلام"

2012-09-06 12:00 AM

الوطن السعودية

منذ اشتداد الأزمة في بلدهم، والسوريون لا تنفك أسماعهم عن سماع التصريحات، التي تعبر عن الاستياء والاستنكار لما يتعرضون له من مذابح ومجازر يومية، أحسنها حالا تلك التي تخرج بحصيلة يومية لا تتجاوز الـ100 قتيل، في وقت يتجاوز فيه عدد القتلى في بعض الأيام حاجز الـ250 قتيلا.

يوم أمس، لم يكن مختلفا عن الأيام التي مضت على السوريين ميدانيا، عدا أنه أسهم في فضح جرائم نظام الأسد، وذلك بعد روايات أهالي حلب عن منع قوات النظام لسيارات الإطفاء من إخماد حريق شب بفعل واحدة من الأفعال الجرمية التي ارتكبها النظام، وكأنه في ذلك يريد إحراق المدينة بمن فيها.

ومع استمرار التطور الميداني للأزمة، يستمر الساسة في إطلاق الخطب والتصريحات "الكلامية"، فالرئيس المصري محمد مرسي، قال من على منبر الجامعة العربية إن "نظام الأسد لن يدوم طويلا"، فيما اتهم رجب طيب إردوغان، في الاجتماع العام لحزب العدالة والتنمية نظام الأسد بأنه تحول لـ"دولة إرهابية"، وقبلهما كان الموفد الجديد للأزمة السورية الأخضر الإبراهيمي ـ الذي يرى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون أن "مهمته شاقة ولكنها غير مستحيلة" ـ قد قال "إن حصيلة الخسائر البشرية في سورية "هائلة" والدمار وصل إلى نسب كارثية، والآلام كبيرة جدا".

مجمل التصريحات السابقة، رغم أهميتها لتقوية الموقف الدولي ضد الأسد، إلا أنها عمليا غير مفيدة للسوريين، الذين يرزحون تحت وطأة القتل والتشريد والتجويع كل يوم، بل كل ساعة، فلا هي التي ستجنبهم مدافع الطائرات ولا طلقات الرشاشات.

الوضع في سورية اليوم، لا يحتاج للأقوال بقدر الأفعال.. فالأزمة أكبر من أن تحتويها أروقة السياسة العالمية في ظل تعنت كل من موسكو وبكين، ومن خلفهما طهران ووكلاء الأخيرة في كل من العراق ولبنان في دعم نظام الأسد، دون اكتراث بما تقوم به قوات هذا الأخير بحق الشعب السوري الأعزل، ولعل الخطوة التي أعلن عنها قائد المجلس العسكري الأعلى في الجيش السوري الحر العميد الركن مصطفى الشيخ، من إعادة هيكلة الجيش لضمان توحيد العمل على الأرض، تكون كافية لأن يقتنع المجتمع الدولي بدعم "المعارضة المسلحة" بعد تصفيتها من الميليشيات التي تسعى لتشويهها، وتقف سببا خلف تردد كثير من الدول العظمى بتقديم المساعدة العسكرية اللازمة للإطاحة بالأسد.

=================

رأي الراية..موقف عربي موحد

الراية

6-9-2012

يستحق الشعب السوري بعد نحو عام ونصف العام من ثورته المطالبة بالحرية والديمقراطية والتغيير والتي واجهها النظام السوري بالقمع والقتل موقفًا عربيًا موحدًا يدعم ثورته ومطالبه العادلة ويؤسس لموقف دولي من خلال مجلس الأمن وبموجب الفصل السابع لوقف العنف والقتل والمجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري بشكل يومي في مختلف المدن والبلدات السورية.

إن الموقف العربي الموحد الذي ظهر خلال اجتماعات مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري بشأن ما يجري في سوريا والقرارات التي اتخذت بهذا الصدد يجب أن تشكل بداية لتحرك عربي فاعل وواسع على المستوى الدولي وعلى مستوى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن للضغط من أجل إنهاء الانقسام الدولي بشأن سوريا وإيجاد توافق دولي يمكن المجلس من اتخاذ قرار ملزم للنظام السوري بوقف العنف والقتل ويسمح للمنظمات الدولية الإنسانية للعمل بدون شروط لإغاثة المدنيين السوريين خاصة النازحين منهم.

إن هدف تحقيق الانتقال السلمي للسلطة في سوريا يجب أن يكون في صلب مهمة المبعوث الخاص المشترك الأخضر الإبراهيمي كما أن الإسراع في تشكيل حكومة انتقالية تتمتع بجميع الصلاحيات وتضم قوى المعارضة داخل وخارج سوريا، والقوى الثورية وعلى رأسها الجيش الحر وسلطة الأمر الواقع الوطنية في سوريا، أصبح قضية ملحة لا يمكن تجاوزها أو تأجيلها.

الواجب الديني والقومي والأخلاقي يحتم على الدول العربية حكومات وشعوبًا ومنظمات مجتمع مدني أن تقوم بواجبها لنجدة وإغاثة الشعب السوري الذي يستحق من أمته كل الدعم والمساعدة في هذه المحنة التي يمر بها.

إن الدول والحكومات العربية مطالبة بسرعة الوفاء بالتزاماتها المالية في الصندوق الخاص بالإغاثة الإنسانية التابع للجامعة العربية والمخصص للسكان السوريين المتضررين داخل سوريا وفي دول الجوار خاصة مع تواصل لجوء المواطنين السوريين إلى دول الجوار وبأعداد كبيرة بسبب المعارك الشرسة واستخدام النظام للطائرات والأسلحة الثقيلة في قصف المدن والبلدات السورية ما أدى إلى تصاعد أعداد الضحايا بشكل كبير خلال الأسابيع القليلة الماضية.

الموقف العربي الموحد والداعم للشعب السوري ومطالبه العادلة يحمل مجلس الأمن الدولي كجهة يقع على عاتقها مسؤولية حفظ الأمن والسلم الدوليين سرعة التحرك لوقف العنف والقتل واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإجبار النظام على وقف استخدام الخيار العسكري في حربه ضد الشعب السوري وتقديم كل المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى العدالة الدولية.

=================

هل يمكن تقسيم سوريا؟

تاريخ النشر: الخميس 06 سبتمبر 2012

د. وحيد عبد المجيد

الاتحاد

أصبح الحديث عن تقسيم سوريا وإقامة دولة علوية، إذا أيقن نظام بشار الأسد باستحالة استعادة سيطرته على البلاد كاملة، رائجاً في أوساط سياسية وإعلامية عربية ودولية كما لو أنه احتمال راجح. وبين هذا الحديث، وكلام آخر يناقضه ويجزم بعدم إمكان التقسيم تحت أي ظرف، يبدو السؤال عن مستقبل سوريا تائهاً بين تصورين مختلفين ومتعارضين يرى أنصار كل منهما أنه الأكثر صواباً.

ويرتبط هذا السؤال، جغرافياً، بوجود تركز نسبي للطائفة العلوية التي يستند عليها النظام في منطقة الساحل والجبال (جبال العلويين الممتدة من عكار جنوباً إلى طوروس شمالاً) حيث مدن اللاذقية وطرطوس والأرياف والجبال المتاخمة لها، فضلاً عن وجود أعداد كبيرة من هذه الطائفة في ريف حمص وحماة.

كما يقترن السؤال، تاريخياً، بالظلم الذي تعرض له العلويون في مرحلة الحكم العثماني ومحاولة فرنسا إقامة كيان لهم في بداية الانتداب على سوريا عندما منحتهم حكماً ذاتياً عام 1923. لكن للتاريخ أوجهاً عدة في هذه الحالة، كما في كثير من الحالات. فالتاريخ يُنظر إليه عادة من أكثر من زاوية، ويُقرأ ومن ثم يُكتب بأكثر من منهج. والحال أن العلويين لم يكونوا استثناء في الظلم الذي أصابهم تحت الحكم العثماني، لكن نصيبهم من ذلك الظلم الذي طال الجميع تقريباً كان أكبرَ، وارتبط بتهميش استثنائي، ربما لأنهم الأقلية الوحيدة التي لم تحظ بحماية خارجية.

غير أنه إذا كان عدم تمتعهم بأية حماية من دولة أجنبية كبرى جعلهم أكثر تعرضاً للظلم، فقد دفعَ تياراً رئيسياً في أوساطهم إلى تفضيل الاندماج في الكيان السوري ورفضِ النزعةِ الاستقلالية التي حاول الانتداب الفرنسي خلقها لديهم عبر إقامة "حكومة اللاذقية" التي عُرفت باسم "دولة العلويين" عام 1923. ويختلف المؤرخون في دلالة تلك التجربة التاريخية، إذ يعتبرها بعضهم مؤشراً على وجود أساس لدولة علوية بينما يرى آخرون أن قصر الفترة التي استغرقتها (من 1923 إلى 1936) يمكن أن يكون دليلاً على فشلها واضطرار فرنسا للتراجع عنها تحت ضغط التيار الوحدوي في هذه المنطقة. وقد لقي ذلك التيار دعماً قوياً من الرأسمالية الوطنية الناشئة حينئذ في دمشق وحلب والتي كان بعض أقطابها من العلويين.

ويعني ذلك أن التاريخ لا يقدم إجابةً حاسمةً على السؤال عن إمكان إقامة دولة علوية. وقل مثل ذلك عن واقع سوريا اليوم، حيث تختلف التقديرات بشأن قابلية هذا البلد للتقسيم وحول مدى توفّر الشروط الأساسية اللازمة لاستقلال المنطقة المرشحة لأن تكون دولة علوية. فهناك اتجاهان مختلفان، لكل منهما أسانيده. ويستند الاتجاه الذي يرجح إمكان إقامة دولة علوية يتمترس فيها أركان نظام الأسد على ثلاث ركائز أساسية، أولاها وجود أغلبية علوية في منطقة الساحل والجبال على نحو يجعلها ملاذاً لأبناء الطائفة الذين سيفرّون من باقي أنحاء سوريا خوفاً من الانتقام في حال سقوط دمشق بيد "الجيش الحر". والمتوقع، من وجهة النظر هذه، أن يتفاقم تأثير "فزاّعة" الانتقام التي يستخدمها النظام السوري منذ بداية الانتفاضة لضمان ولاء العلويين له.

وثمة ركيزة ثانية للاتجاه الذي يتوقع إمكان تقسيم سوريا، وهي أن المنطقة المرشحة لإقامة دولة علوية ليست جدباء اقتصادياً، بل ثرية زراعياً وقابلة للتطور صناعياً ومفتوحة على العالم عبر مرافئ كبيرة، ومن ثم فهي تمثل قاعدةً معقولةً لمشروع الدولة، خصوصاً في ظل امتلاك أركان النظام الحالي أموالاً طائلةً تكفي للصمود إلى أن يتم إكمال مقومات هذا المشروع، فضلاً عن الدعم القوي الذي يمكن أن تلقاه من روسيا وقاعدتها العسكرية التي ستكون ضمن "حدود" الدولة الجديدة.

وترتبط الركيزة الثالثة التي يقوم عليها سيناريو الدولة العلوية بإمكان حدوث توافق دولي عليه، تكون روسيا طرفاً رئيسياً فيه إذا استحال التوصل إلى حل سياسي أو عسكري للأزمة. فيذهب بعض من يرون الدولة العلوية ممكنةً إلى أن تقسيم سوريا قد يصبح هو "أفضل الممكن" أو "أقل الخيارات سوءاً" إذا تُركت الأزمة لتفاعلاتها الداخلية التي لا يمكن أن تنتج حلاً آخر. وعندئذ يصير هذا التقسيم هو السبيل الوحيد لحقن الدماء المتدفقة بغزارة ولوقف سيولة العنف في إطار "حدود طائفية" قد تجد لها شرعية نتيجة الإنهاك الذي سيصيب الجميع ذات يوم.

غير أن الاتجاه الثاني الذي يستبعد احتمال تقسيم سوريا ويؤكد انعدام أساس لقيام دولة علوية، يستند بدوره على ركائز لا تقل قوةً، بل ربما تزيد إذا أخرجنا احتمال التوافق الدولي على تقسيم اضطراري من دائرة التحليل، لأن هذا الاحتمال هو السند الأقوى لسيناريو التقسيم وإقامة دولة علوية.

ولعل أهم ما يستند عليه الاتجاه الذي يستبعد سيناريو التقسيم هو هشاشة الوضع الاقتصادي في المنطقة المرشحة لإقامة دولة علوية فيها، فقد تراجع النشاط الاقتصادي الرئيسي، وهو الزراعة، نتيجة رداءة السياسات الزراعية في العقدين الأخيرين وارتفاع مستوى التلوث الذي أضر بمساحات هائلة من كروم الزيتون ودفع آلاف الزراعيين إلى سوق العمل اليدوي ضعيف المردود في المدن. ولا توجد في الوقت نفسه صناعة يمكن الاعتماد عليها. فباستثناء معمل أسمنت طرطوس ومحطة بانياس الحرارية، ليست هناك مشاريع صناعية كبيرة أو متوسطة.

كما يجادل المعترضون على سيناريو التقسيم بأن الحديث عن تجانس التكوين الطائفي في هذه المنطقة مبالغ فيه، فطرطوس هي المدينة الوحيدة التي توجد فيها أغلبية علوية، لكنها لا تتجاوز 60 في المائة مقابل 30 للسنة و10 في المئة للمسيحيين. كما أن الأغلبية العلوية في الأرياف والجبال تتخللها أقليات متفاوتة من المسيحيين والسُنة والإسماعيليين.

كما يستند استبعاد سيناريو التقسيم على اعتقاد قوي بأن معظم العلويين في مدن الساحل وأريافه وجباله لن يقبلوه رغم "فزاّعة الانتقام". فلا مصلحة لهم في أن يظلوا أسرى حكم أفقرهم إذا اطمأنوا إلى أن تغييره لن يمثل تهديداً لهم. وفضلاً عن تاريخ الاندماج العلوي في الكيان السوري، لم يستفد معظم العلويين شيئاً من نظام الأسد الأب والابن.

وهكذا تفيد المقارنة بين حجج من يرجحون سيناريو التقسيم ومن يستبعدونه بأن العامل الدولي الإقليمي قد يكون هو العامل المُرجح، لأن المقومات الداخلية لهذا السيناريو تبدو ضعيفة ولا تكفي لحمل مشروع إقامة دولة طائفية بدون توافق بين القوى الأساسية في المنطقة والعالم على أنه لا سبيل آخر لوقف مسلسل العنف وحمامات الدم.

=================

ثورة سوريا ومعيد القريتين!

تركي الدخيل

الرياض

6-9-2012

    بعد أن نشبت الحرب الأهلية في لبنان (من 13 أبريل 1975 حتى 13 أكتوبر 1990)، وُصفت بأنها "لوحة سوريالية". لم يعد أحد يميز الذي يجري، ومن يقتل من؟ اختلطت الأمور، بين الفلسطينيين واللبنانيين والتدخل الإسرائيلي، وأصبحت لبنان محطة لأكبر شبكات استخبارات في العالم. كل من أراد أن ينفذ أي عملية يأتي إليها. صارت لبنان، حينذاك، موئلاً لكل العصابات والكوارث المالية والسلوكية. بعد انتهاء الحرب بقي شبح الحرب ماثلاً أمام اللبنانيين. فحتى في العقود التجارية، بات يُنص في عقود البيع والإيجار، على أن حالات الحرب لا تُحمّل المالك أو البائع مسؤولية نشوب حرب!

هذه الحالة من "اللا استقرار"، تسبب النظام السوري في كثير منها، فقد كان حريصاً أن يبقي لبنان ورقةً بيده، لتحسين الشروط في أي صفقة، ليقايض به المجتمع العربي تارة، والمجتمع الغربي تارة أخرى!

وهكذا الحال في الحالة السورية حالياً، فالفلتان الكبير الذي يرعاه النظام السوري بات لوحةً "سوريالية" بين الحروب الداخلية والجزئية بين الطوائف أو بين المختلفين، وبين الحرب الكبيرة بين الثوار وجيش النظام السوري. بين قوات بشار الباغية والطاغية، وبين الجيش الحر الذي هو تشكيل لمجموعة من الفصائل المتوزعة بلا قيادة مركزية مباشرة لها، بل تتخذ من طريقة حرب الشوارع صيغة أساسية لاستنزاف النظام السوري وجيشه الطغياني. المشكلة السورية تجاوزت الحل، فصار الحل مقتصراً على سقوط النظام، وثمن ذلك، دماء الأبرياء من السوريين، وسط فرجة العالم وعدم تدخله الكافي في الأزمة.

الأخضر الإبراهيمي يعرف أنه جاء إلى الحج بعد أن رجع الناس، وهو مثل "معيّد القريتين"، لن ينفق أكثر من المشي وتكاليف الطيران. وقد اعترف بذلك حين قال:" أعلم مدى صعوبة المهمة. وكيف أنها شبه مستحيلة. لا يمكنني القول إنها مستحيلة، بل هي شبه مستحيلة. ونحن لا نفعل الكثير. وهذا في حد ذاته عبء كبير، يقولون فعلاً، الناس يموتون وماذا تفعلون أنتم؟ ونحن لا نفعل الكثير. هذا في حد ذاته عبء كبير، أشعر كأنني أمام جدار من الطوب باحثاً عن شقوق ربما تسفر عن وجود حل. أتولى هذه المهمة وعيناي مفتوحتان مع عدم وجود أي أوهام"!

بآخر السطر، الثورة السورية تجاوزت إرادة الأمم، وأصبحت بيد الثوار، سقوط النظام مقبلٌ لا محالة، لكن المخيف جداً لكل متابع، الثمن الباهض من الدماء لهذا السقوط، والسكوت الدولي عن هذه المجازر الآثمة!

=================

كلمة الرياض

أوهام الحلول لا تسقط دكتاتورية الأسد..

يوسف الكويليت

الرياض

    الذين يسيرون بوهم نهاية سلمية للوضع السوري، مرة بدعوة للحوار بين المعارضة والدولة، يتبعها إيقاف لإطلاق النار، إلى إرسال مبعوثين دوليين مدركين أن الفشل هو النتيجة، والتمنع عن التدخل العسكري، أو إيجاد مناطق عازلة، كل هذه الوصفات فقدت قيمتها، لأن حكومة الأسد، أمام التخاذل الدولي تسير باتجاه تدمير سوريا وقتل أهلها، لأن كابوس رؤية النهايات التي رافقت الدكتاتوريات التي أطاح بها ثوار الربيع هاجس الأسد ومن يتحالف معه في الداخل حيث إن ما ينتظر القتلة نفس الجزاء الذي لحق بمن رعوا تلك الحكومات وكرسوا سلطتها..

المتحالفون من الخارج، ربطوا مستقبل سياساتهم في المنطقة بدعم نظام الأسد، إذ بسقوطه ستنتهي فرضيات وجود محاور تواجه الغرب، وهو ما تدرك تبعاته روسيا التي لا تزال تستولد النظام السوفيتي وعقلية الدولة العظمى التي لديها القدرة على كسب الجولة حتى لا تترك المواقع الحساسة ساحة لعب لدول حلف الأطلسي، ومع أن روسيا تعترف أن الأسد ببقائه في الحكم، أو زواله، فهو منته بقوة الضغط الشعبي الذي مهما كانت قدرة النظام، فعلاقته بالوطن انتهت، والذين لا يزالون يتعامدون معه ويناصرونه، يعرفون أيضاً أن القضية وجود وعدم، وحتى الذين لديهم نوايا التخلي عن النظام بقوا خوفاً من تصفية عائلاتهم، لكن ذلك ليس فرضية أزلية طالما النظام هو من يسجل خسائره كل لحظة..

مجلس الجامعة المنعقد بالقاهرة يسجل دعماً معنوياً للشعب السوري، وهو يمثل الآراء لكل دولة والتي لا تلتقي على اتجاه واحد، فهناك من يمتنع عن توضيح موقفه، وآخر يساند النظام، وثالث داعم للثورة بشكل علني، وقد تعودنا على هذه السياسات العربية منذ ما يزيد على نصف قرن حين توزعوا على الدوائر العالمية بين تقدمي ورجعي، واشتراكي ورأسمالي ثم الآن الخلافات تبنى على التضاد بين نظام وآخر، وليس للمصالح التي تربط بلداً بآخر..

الشعب السوري العظيم، بكل ما تعنيه هذه الكلمة، شهد التهجير والقتل والسجون وكلها معاناة يتفرج عليها العالم ممن يدعي حماية حق الإنسان بالأمن والحرية والعيش الكريم، لكن الرؤية في الداخل تمنح الأمل الكبير رغم جبروت القوة للأسد، فاستدعاء الاحتياطي دلالة أن النظام بدأ يفقد أفراده، بالهروب والعصيان والانشقاق، ورغم وصول الإمدادات العسكرية والبشرية من إيران والعراق، وحزب الله فقد أصبح الجيش الحر، رغم محدودية تسليحه والمساعدات التي تصل إليه، قوة فككت عرى النظام..

التاريخ يعتبر السجل المخيف، وخاصة للدول العربية التي ساندت أو صمتت على جرائم الأسد، وسينصف الداعمين لأنهم انحازوا للشعب كحق طبيعي مدفوعين بعمق الإخاء معه، والقضية هنا لا تتعلق بمذهب أو قومية، أو تحالف تحت مظلة أو دوافع دول خارجية، وإنما الواجب الأخوي، لأنه لا يمكن لمن يعيش المشهد ويرى المناظر المأساوية أن يكون بصف الجلاد، وضد شعبه الذين هم أخوة لحم ودم وتاريخ.

 

وهم إنقاذ سوريا بدون إجبار الأسد التنازل بالقوة، مجرد حلم يسبح في سراب الحلول، لأن الطاغية لا يهزم إلا بقانون ما يوازيه من قوة، وغير ذلك عبث سياسي وتهريج دبلوماسي..

=================

الإبراهيمي .. مهمة الضحية والجلاد

فهيم الحامد

عكاظ

6-9-2012

لا ندري كيف نقرأ اعتراف الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي والعربي الجديد إلى سورية بصعوبة مهمته التي نعتقد أنها «انتحارية» في إنهاء مأساة الشعب السوري.

فالدبلوماسي الجزائري صاحب التجارب المتعددة والمهمات السياسية المعقدة من لبنان وهايتي وجنوب أفريقيا وصولا إلى أفغانستان والعراق عرف بشخصيته الحازمة، إلا أنه هذه المرة دخل في منطقة حقل ألغام وفي مهمة وصفها بنفسه أنها مستحيلة.

ولأن الحياة كلها آمال فهناك بصيص من الأمل أن يستطيع الإبراهيمي تحقيق بعض الاختراقات في الأزمة السورية وتغيير الصورة النمطية التي رسمها سلفه عنان حول سوداوية المشهد.

ولأن الإبراهيمي يدرك تماما عقلية بشار الابن ولأنه تعامل وبشكل لصيق مع حافظ الأسد (الأب) فإنه قد ينجح في بلورة خطة العمل لحل الأزمة، خصوصا أنه يعي تماما ماذا يمثل له الفشل في هذه المهمة الانتحارية.

وسيكتب لمهمة الإبراهيمي الذي تعاملت معه في ملف أفغانستان النجاح إذا تمكن من تحديد من هو الجلاد ومن هو الضحية في هذه الأزمة، لأن العرب والمجتمع الدولي على السواء لم يعودوا يطيقون ما يجري من قتل وتدمير على الأرض السورية، خاصة مع مرور أكثر من عام ونصف العام للأزمة دون وجود أي أفق للحل.

وسيفشل فشلا ذريعا في حالة دخوله في دوامة وقف إطلاق النار والحوار بين المعارضة والحكومة السورية؛ لأن القضية ستعود حينها إلى المربع صفر .

ويتساءل الجميع ماذا يحمل الإبراهيمي في جولته الأولى الأسبوع المقبل للجامعة العربية ودمشق، وهو يدرك أن الجامعة العربية تعلم من هو الجلاد والضحية منذ انطلاق الثورة السورية، ولكنها لا تعلم ماذا سيقول لنظام الأسد في دمشق.

إن ثمة متغيرات دولية تتقاطع مع مهمة الإبراهيمي، خاصة الموقف الروسي والصيني وهما الدولتين اللتان تحملان مطرقة الفيتو بالإضافة للدعم الإيراني للنظام.

وهناك أيضا تغيير في قواعد اللعبة السياسية، إذ أن الإبراهيمي يلعب هذه المرة في ملعب مختلف عن الملاعب التي دخل في دهاليزها وأروقتها، حيث اختلطت الأوراق السياسية والمصالح الاستراتيجية للقوى الكبرى، لذا من الضروري أن يسعى لتحديد أولويات حل الأزمة التي تكمن في رحيل النظام والانخراط في وضع رزنامة التفاوض وهندسة عناصرها والحرص على عدم إعطاء الفرصة للنظام السوري لتعطيل الحل وإعطاء الوعود لإطالة أمد الأزمة .. ربما تكون هذه الرؤية مثالية، لكنها أحد الطرق السليمة للخروج بالحل.

=================

بشار ونصر الله يقاتلان لتقسيم سوريا؟

علي حماده

2012-09-06

النهار

قبل أشهر، وفي اثناء معركة بابا عمرو في حمص، قال احد كبار اصدقاء بشار الاسد في لبنان، ان الاخير يخوض حربه ضد الثورة ليس على قاعدة استعادة سوريا كما كانت في الرابع عشر من آذار ٢٠١١، اي عشية الثورة، وانما على قاعدة الانكفاء الى حدود دويلة علوية مطعمة ببعض الاقليات المسيحية، على ان تمتد حدودها من شمال دمشق لجهة حمص الى حدود لواء الاسكندرون لتشمل شريطا ساحليا جبليا يكون بمثابة طبعة مشابهة لخريطة لبنان جنوبا. اضاف صديق بشار وهو يشرح لمحدثه، ان معركة حمص لا تهدف الى السيطرة عليها بمقدار ما تهدف الى محوها عن الخريطة لفتح معبرين: الاول وهو الاهم نحو البقاع اللبناني من شماله حيث معقل "حزب الله" الذي يعمل بلا كلل على خلق معبر عقاري ديموغرافي وامني منه الى عمق الجنوب عبر البقاعين الاوسط والغربي، حيث عمليات شراء اراض عائدة الى مسيحيين جارية على قدم وساق. اما المعبر الثاني فيمر نحو الشريط الممتد الى الشرق من دمشق وريفها، نزولا الى تخوم محافظة درعا، الامر الذي يوفر مساحة واسعة للتواصل بين الدويلة العلوية ودويلة "حزب الله".

واوضح صديق بشار اللبناني ان النظام في سوريا يعمل على تدمير كل سوريا الواقعة خارج نطاق الدويلة العلوية، ويقوم بتفريغ كل نقاط الوجود الديموغرافي السني الواقعة ضمنها او في محاذاتها لإيجاد منطقة عازلة. اما بالنسبة الى المدن الكبرى، اي دمشق وحلب، فقال الصديق عينه: سيقاتل فيها، ولكنه اذا فقدها سيدمرها ولن تقوم لها قائمة قبل عقود! بالطبع كان الصديق المشار اليه يتحدث الى شخصية سياسية غير مناوئة لبشار، ومن هنا لم يبخل عليه بالشرح المستفيض ليبين له ان ثمة خيارات مفتوحة امام النظام في سوريا مما يؤدي الى اطالة امد الحرب هناك.

في مكان آخر كان احد اركان النظام السابقين في سوريا يقول لاصدقاء لبنانيين التقاهم في اوروبا قبل اشهر عدة، ان بشار ليس صاحب "الخطة باء" وعنوانها الانكفاء الى دويلة علوية متصلة بلبنان الواقع تحت سيطرة ""حزب الله"، بل القيادة الايرانية التي تعمل على خطين الاول: محاولة كسب معركة سوريا باسرها. والثانية: رسم حدود الدويلة العلوية بالدم والنار بحيث تكون جاهزة لاحد احتمالين: إما ضمن صيغة سوريا فيديرالية، وإما مستقلة تماما. وقد حذر الركن السابق في النظام في سوريا محدثيه اللبنانيين مما يحضّر له بشار لمنطقة الشمال اللبناني بالتنسيق الكامل مع "حزب الله" وبعض الاجهزة الامنية اللبنانية العاملة بامرة من "حزب الله"، وهي لا تحتاج الى تعريف. واشار الى ان الساحة التي يعملون على اشعالها لاختراقها وتهجير قسم كبير من سكانها نحو الساحل والجنوب هي عكار انطلاقا من الجهة المحاذية لقضاء الهرمل وصولا الى البحر عبر شريط يمر قرب الحدود الدولية بين لبنان وسوريا! جرى هذا الحديث قبل عامين!

خلاصة الحديثين: بشار الاسد والسيد حسن نصرالله يقاتلان لاقامة الدويلة العلوية. فما مدى صحة هذا الكلام؟

=================

إدارة أميركية - روسية للمذبحة السورية؟

راجح الخوري

2012-09-06

النهار

عندما قال البيت الابيض للوفد الوزاري العربي الذي زار واشنطن بعد اصطدام "مبادرة الجامعة العربية" بالفيتو الروسي ان اميركا لن تتدخل لحل الازمة "فلماذا لا تدعون الروس يشنقون انفسهم بحبال الاسد"، تأكدت النظرية التي طالما اشارت اليها هذه الزاوية، وهي ان لا شيء يوازي التغاضي الاميركي عن المذابح في سوريا إلا الانحياز الروسي الى النظام، وهو ما يجعل من الاثنين شريكين في الازمة الدموية!

الآن بعد مضي تسعة اشهر على هذا الكلام وبعد "الشراكة" الاميركية -الروسية في افشال كوفي انان، بدليل "خلافهما" الشكلي في جنيف على توقيت خروج الأسد من السلطة، بات واضحاً تقريباً ان الحسابات الخلفية الروسية والاميركية تتلاقى ضمناً وربما تتفق على ان ما يجري في سوريا يقع في باب "مصائب قوم عند قوم فوائد"، بمعنى ان استطالة الأزمة سيؤدي الى:

بالنسبة الى اميركا، سينهك النظام وينهار في النهاية وتدمر قاعدة الجسر التي اوصلت نفوذ طهران الى المتوسط، وهذا أمر مفيد يوفر المزيد من الوقت، اولاً لفحص ما ستأتي به رياح "الربيع العربي" وخصوصاً في مصر، وثانياً لأن الادارة الاميركية منغمسة في الانتخابات ولا تستطيع الآن تحمل صورة جندي اميركي او مقاتلة تسقط في سوريا، وثالثاً لأن لا مانع من ان يحصد الروس كراهية العرب والمسلمين من خلال تأييدهم للنظام، ورابعاً لأن في وسع واشنطن بعد الانتخابات ان تدخل على خط الحسم!

 اما بالنسبة الى روسيا فقد كان المطلوب اولاً توفير المزيد من الوقت لحليفها الاساسي في المنطقة ليحسم عسكرياً بعدما اقفل الابواب على اي حل سياسي بما يحفظ لها قاعدتها في طرطوس وراداراتها التي ترصد الاميركيين في تركيا وينهض بدورها الاستقطابي.

كما ان استطالة الازمة قد تجعل من سوريا ارضاً للجهاد ومقصداً لعناصر التطرف والارهاب، فما المانع عند موسكو من اتاحة مزيد من الوقت للنظام لتصفية هؤلاء الذين يقرعون ابوابها الخلفية في الشيشان ودول البلقان، وما المانع ايضاً عند واشنطن من ان يتم ذبح هؤلاء على يد نظام يحفر في المحصلة قبره بيده، بينما يتولى الروس حراسته بالفيتو والتسليح ومنع اي تدخل عسكري يساعد في انهاء المشكلة؟

 نعم اميركا وروسيا شريكان مضاربان في ادارة المذبحة السورية، ويكفي ان نستمع الى سيرغي لافروف يقول عشية لقائه مع هيلاري كلينتون في فلاديفوستوك: "كل منا يريد ان تصبح سوريا ديموقراطية، لكن واشنطن تريد هذا عبر تنحية الاسد ونحن نريد ترك هذا الامر للسوريين". وهذا الترك لا ينفي قبول موسكو حتمية التنحي، لكن بعد أن ترتوي الارض بأنهر الدماء وتترع سوريا بالكارثة!

=================

أيتام بشار في عزلة

ياسر أبو هلالة

الغد الاردنية

6-9-2012

لم نكن بحاجة إلى استطلاع رأي يخبرنا بحجم التأييد للثورة السورية في الأردن والعالم العربي؛ إذ يمكن دراسة ذلك من خلال نتائج الانتخابات. فعندما يفوز محمد مرسي بالرئاسة المصرية، نعرف أن أكثرية الشعب المصري مع الثورة. وفي الأردن، عندما نشاهد الحشود المؤيدة للثورة أمام السفارة، مقابل العشرات من الشبيحة، نعلم حجم التأييد. والمسألة في النهاية أخلاقية، وليست الأكثرية مع من. فأكثرية الرأي العام الغربي تقف مع الصهيونية، وهذا لا يعطيها الشرعية.

في الاستطلاع الذي أجراه المركز العربي في الدوحة، تبين أن من يقفون مع بشار، أي الذين يرون الحل في سحق الثورة السورية، لا يتعدون ثلاثة في المئة من الأردنيين. والنسبة -وهذا مفاجئ- تنزل في فلسطين إلى واحد في المئة؛ أي أن كل تجارة تلفزيون المنار والميادين ودنيا وغيرها لم تقنع الفلسطيني بأن بشار يخدم القضية الفلسطينية. والأهم من الاستطلاع هو الدم الفلسطيني القاني الذي أريق في مخيمات اليرموك، ودرعا، واللاذقية. والحركتان الفلسطينيتان اللتان تحملان السلاح فعلا لا قولا، وهما "حماس" و"الجهاد الإسلامي" انحازتا لصالح الثورة السورية.

ليس غريبا أن يرى الثلث أن ثمة مؤامرة على سورية. ولو أجري الاستطلاع في سورية، لقال مئة في المئة إن ثمة مؤامرة. ففي الوقت الذي احتلت أميركا العراق بشبهة وجود سلاح كيماوي، تتجنب التدخل في سورية بسبب وجود السلاح الكيماوي. وأميركا التي أغرقت الأنظمة القمعية بالسلاح، تمنع دخول السلاح النوعي للثوار السوريين. الهدف واضح؛ دخول السلاح النوعي سيحسم المعركة بسرعة لصالح الثوار، والمؤامرة تقضي بإنهاك الدولة السورية ثوارا وجيشا لتبقى حطاما.

الأكثرية، أي نحو ثمانين في المئة تؤيد الثورة السورية بشكل واضح من خلال رؤيتها للحل. وبحسب الاستطلاع "يُمثّل أكثريّة الرأي العامّ الأردنيّ، وبنسبة تتجاوز 82% من المستجيبين، ويؤكد هذا الاتجاه على أنّ حل الأزمة السوريّة يكون من خلال تغييرات سياسيّة جذريّة في النظام الحاكم، عبر تأكيد المستجيبين لاعتقادهم بأنّ الحل للأزمة السوريّة هو بتنحي الرئيس السوريّ بشار الأسد عن السلطة (66 % من مجمل المستجيبين)، فيما عبّر 7 % من المستجيبين عن تصورهم بأنّ الحل الأمثل للأزمة السوريّة هو إسقاط نظام بشار الأسد بأيّ طريقة كانت. فيما لم يكتف 4 % من المستجيبين باقتراح عزل الرئيس فحسب، بل أصروا على أن تجري محاكمته لمحاسبته على ما أقدم عليه أثناء حكمه أو خلال تعامله مع الثورة".

بالنتيجة لو كان تسعون في المئة من الأمة والشعب السوري يؤيدون تنحي بشار فإنه لن يتنحى، وهو مستعد للقضاء عليهم. ما يجري على الأرض هو المهم، فالصمود الأسطوري للشعب السوري غيّر المعادلة داخليا وإقليميا ودوليا. والأخبار الأهم هي القادمة من طهران، إذ إنها باتت تدرك أنها ستخسر بشار ومعه المنطقة. وقد تلقت لطمة قاسية من مرسي؛ فرغم كل الحفاوة التي قدمها محمود أحمدي نجاد له في طهران، مقابل الجفوة السعودية، إلا أنه أصر على اختصار زيارته إلى طهران إلى خمس ساعات. وفي كلمته كان صارما في الوقوف مع الثورة السورية، وقبله سمع المرشد كلاما قاسيا من رجب طيب أردوغان.

الراجح أن إيران أدركت أن بشار ساقط لا محالة، وهي على الأقل تريد نظاما غير معاد لها، ويضمن مصالحها الاستراتيجية في الصراع العربي الصهيوني، ولا شك أنها فرصتها الأخيرة. ولو تخلت عن بشار، فإنها ستحول خسائرها إلى أرباح، وستختصر كثيرا من الدماء على الشعب السوري. وبتخلي إيران عن السفاح، سيكون أيتام بشار في الأردن والمنطقة أكثر عزلة وتطرفا، ولا بواكي لهم.

=================

فشل في إدارة ملف اللاجئين السوريين

ماجد توبة

الغد الاردنية

6-9-2012

نتفهم موقف الحكومة المحبط من تواضع حجم استجابة المجتمع الدولي والدول الكبرى والغنية لحاجات الأردن الضخمة لاستيعاب العدد الكبير والمتزايد من اللاجئين السوريين، وهو عدد مرشح للتضخم والتضاعف مع انحدار الأزمة السورية إلى مزيد من العنف والقتل والحسم الأمني.

وبالفعل، ثمة محافظة أردنية جديدة ولدت "افتراضيا" مع ارتفاع أعداد اللاجئين السوريين إلى نحو 180 ألف هارب من جحيمي "نظام الممانعة" الدموي، وأجندات أصحاب خيار عسكرة الثورة، ولو على جبل من جماجم السوريين!

المثير في القصة الأردنية هو أن الحكومة تظهر اليوم وكأنها بوغتت بحجم أزمة تدفق اللاجئين السوريين، وبالاستجابة الفاترة والقاصرة للمجتمع الدولي عن تلبية احتياجات الأردن الاقتصادية والمالية، لاستيعاب "سكان" المحافظة الافتراضية الجديدة، في بلد تعجز فيه وزارة المياه أو الصحة عن استكمال بعض المشاريع الحيوية لارتفاع عجز الموازنة وتردي الوضع المالي للدولة.

المشكلة الرئيسة التي تواجه الأردن اليوم، فيما يتعلق بالملف السوري، داخليا، هي في أن العالم ما يزال يتعامل فقط مع أقل من ثلث السوريين اللاجئين إلى الأردن، وهم المسجلون على أنهم لاجئون في سجلات المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين، وهؤلاء عددهم اليوم رسميا نحو 50 ألفا فقط، فيما الثلثان الآخران خارج الحسبة الدولية حتى الآن، رغم أن هذين الثلثين يشكلان ضغطا كبيرا على البنى التحتية والخدمات، وقدرة الأجهزة الرسمية على تأمين الخدمات اللازمة لهم.

بالطبع، ليس مطلوبا من الأردن إغلاق حدوده أمام الأشقاء السوريين، الذين لم يغادروا بلادهم لاجئين إلا بعد أن ضاقت بهم الدنيا في وطنهم، تحت سطوة نظام لا يرحم، وظروف أمنية وإنسانية لا تطاق؛ بل ومطلوب تفهم ورحابة صدر أكبر، شعبيا ورسميا، في التعامل مع مأساة الشعب السوري.

الخلل هو في تقصير الحكومة منذ أشهر في التعامل مع تحدي تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن، وبما يضمن وضع المجتمع الدولي والدول الكبرى والغنية أمام مسؤولياتها بدعم المملكة اقتصاديا وماليا لتمكينها من استضافة اللاجئين، ومراعاة الأوضاع المالية والاقتصادية الصعبة التي يرزح تحت نيرها الأردن، وتجعل الحكومة عاجزة حتى عن تأمين حاجات وخدمات مواطنيها بالصورة اللائقة!

كان على الحكومة قبل أن تبث نداءها الاستغاثي للمجتمع الدولي قبل أيام، لدعم الأردن في استضافة السوريين، أن تتحرك مبكرا وبصورة حقيقية، مع المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين، لتسجيل غالبية من دخلوا واستقروا في الأردن من السوريين كلاجئين رسميا، لا أن يقتصر العدد حتى اليوم على نحو 50 ألفا، فيما بقي أكثر من 120 ألفا بدون تسجيل رسمي كلاجئين، الأمر الذي يمكّن من إلزام العالم والمنظمات الدولية بتحمل مسؤولياتهم مع الأردن.

أما الحملة الدبلوماسية الأردنية التي انطلقت قبل أيام، وبعد إصدار نداء الاستغاثة الذي قدر حاجة الأردن اليوم بنحو 750 مليون دينار هي كلفة تأمين اللاجئين السوريين بمختلف الخدمات، الصحية والاجتماعية والأمنية والتربوية وغيرها، نقول هذه الحملة الدبلوماسية، المدعمة بالتقارير الرسمية والإحصاءات والأرقام، جاءت متأخرة كثيرا، رغم الترحيب بها، من على قاعدة "أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا".

الخشية اليوم، كل الخشية، في هذا الجانب من التعامل الرسمي الأردني مع قضية اللجوء السوري، أن ينسحب ما حصل مع الأردن في قضية استقبال مئات آلاف اللاجئين والوافدين العراقيين بعد احتلال بلدهم العام 2003، على قضية اللاجئين السوريين؛ ففي الأولى تحمل الأردن عبء استقبال أكثر من 750 ألف لاجئ ووافد عراقي، فيما لم تعترف سجلات المفوضية الدولية للاجئين سوى بعشرات آلاف اللاجئين فقط، ما أفقد الأردن العديد من المساعدات والدعم الدولي المفترض.

على الحكومة اليوم أن تبادر سريعا، وبكل السبل، إلى ضمان تسجيل أكبر عدد ممكن من السوريين الذين لجأوا إلى المملكة بعد بدء الثورة السورية، رسميا، واعتبار أحد أولويات سياستها الخارجية تحمل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والعالم مسؤولياتهم تجاه تدفق موجات النزوح السوري إلى الأردن.

=================

أهم خطوة للمعارضة السورية!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

6-9-2012

إذا ثبت فعلاً أن كل المجموعات العسكرية التي إنشقت عن جيش بشار الاسد قد توحدت في إطار واحد هو: «القيادة العامة للجيش الوطني السوري»، التي تضم اللواء الركن محمد حسين الحاج علي قائداً عاماً والعقيد الركن الطيار قاسم سعد الدين من الداخل والعقيد رياض الأسعد واللواء عدنان سلو والعميد الركن مصطفى الشيخ، فإن هذا يعني تطوراً هاماً سيؤدي الى ضبط الأمور في ساحة المواجهة وسيمنع التسربات المتطرفة، التي استغلت حالة «الانفلاش» والفوضى التي أرادها النظام وشجعها وفتح الأبواب أمامها ليثبت صحة إدعائه بأنه يقاتل مجموعات إرهابية، من التأثير على مجريات الأحداث وحرف هذه الثورة العظيمة حقاً عن مسارها.

جاء هذا التطور الهام جداً، الذي يجب الحفاظ عليه وحمايته من اختراقات النظام الاستخبارية، بمباركة عربية وبدعم أميركي وبتوافق فرنسي- تركي كما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية التي قالت أن 400 ضابط من مختلف الرتب قد اجتمعوا في «أنطلوس» التركية لمدة ثلاثة أيام وأنجزوا هذه الخطوة التي إن هي صمدت فإنها ستصبح محطة رئيسية على صعيد تقريب لحظة الحسم ووضع سوريا على بداية مرحلة واعدة جديدة.

لقد بدأت سوريا، التي بقيت أحداثها إن في التاريخ القديم وإن في التاريخ الجديد تحدد توجهات هذه المنطقة، بالإنزلاق نحو الحرب الأهلية الشاملة كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس الأول وحقيقة أن تبعثر قوى المعارضة وبخاصة الخارجية قد ساعد النظام في دفع الأمور في هذا الإتجاه وبحيث أنه بات من غير الممكن إنكار أن أبشع المجازر التي ارتكبت وبخاصة في مناطق ريف دمشق وفي بعض مناطق حمص وحماة واللاذقية وإدلب أيضاً قد اتخذت طابعاً طائفياً كان لحزب الله اللبناني ولفيلق القدس التابع لحراس الثورة الإيرانية دوراً رئيسياً فيه.

إنه من الطبيعي أن يكون هناك كل هذا التشرذم في البدايات فالثورة السورية تشكلت في الميدان خلال كل هذه الشهور منذ إنطلاق الشرارة الأولى من مدينة درعا الحورانية الباسلة ثم وأن أكثر من أربعين عاماً سحق خلالها هذا النظام المستبد الشعب السوري ودمَّر إرادته السياسية جعل هذه الثورة الفريدة تبدأ وتستمر بدون تنظيم مخطط وموجه وقائد وجعل التشكيلات الوطنية التي يجري الحديث عنها الآن بما في ذلك العسكرية منها، وهي الأساس، تنشأ على أرض المواجهة وأفسح المجال لكل هذه المجموعات الحقيقية والوهمية التي تشكلت واتخذت إسم المعارضة الخارجية.

لكن ومع ذلك فإنه ما كان من المفترض أن يتأخر توحيد التشكيلات والتنظيمات العسكرية، التي ولحسن الحظ كلها كانت تعتبر نفسها «الجيش السوري الحر»، كل هذا الوقت الذي استغله النظام بارتكاب كل هذه المجازر التي بدأت متنقلة وأصبحت شاملة لدفع الأمور نحو الحرب الأهلية بطابع طائفي والذي استخدم كمبرر، إن من قبل بعض العرب وإن من قبل بعض الدول الغربية، لعدم اتخاذ موقف مبكر حاسم كان بالإمكان أن يحول دون وصول الأوضاع الى ما وصلت إليه وكان بالإمكان أن يعجل في إنهيار هذا النظام وتخلي حلفائه عنه وفي مقدمتهم روسيا وجمهورية إيران الخمينية.

والآن وبعد هذه الخطوة الهامة جداً فإن المنتظر أن تأتي خطوة تشكيل الحكومة الانتقالية، التي أصبح تشكيلها ضرورة وطنية ملحة ومطلباً دولياً ضاغطاً، من قبل «الجيش الوطني السوري» الذي تم الإعلان عن تشكيله قبل يومين والذي هو المتواجد فعلاً على الأرض في الداخل وفي كل المناطق والذي من المفترض أن القرار الأول بالنسبة لهذه المسألة ذات الأهمية القصوى هو قراره وبالطبع بالإستعانة بكل الرموز الذين تخلوا عن مواقع قيادية رئيسية واختاروا الانشقاق والتخلي عن بشار الاسد ونظامه والإلتحاق بشعبهم والإلتزام بقضيته العادلة وبالتنسيق مع المجلس الوطني الذي أثبت حضوره دولياً وعربياً وأصبح يضم معظم التشكيلات والقوى الخارجية.

===============

تحدّيان للمعارضة: حكومة انتقالية وقيادة عسكرية موحّدة

الخميس ٦ سبتمبر ٢٠١٢

عبدالوهاب بدرخان

الحياة

ليس مستغرباً أن يغدو تنظيم صفوف المعارضة السورية أولوية الأولويات لمختلف العواصم المعنية بالأزمة والمهتمة بنصرة الشعب الســــوري في كفاحه من أجل حريّته، وفي إسقاط النظام، وبالأخص في «اليوم التالي» للسقوط. وعلى رغم أن وتيرة التحركات الراهنة للدول الغربية تسارعت، وتوحي بأنها جدية وتبحث في تفاصيل التفاصيل، إلا أن التلكؤ والتأخير اللذين هيمنا عليها طوال عاــم كامل ألحقا بالمعارضتين المدنية والعسكرية أضراراً كارثية. يمكن استحضار أسبابٍ وتبــــريراتٍ شتــــى لتفسير هذا التباطؤ الدولي، إلا أنــــه بلغ عملياً، أو يوشك أن يبلغ، الاستنتاجات والعــــواقـــب التي كانت معروفة وكان يخشاها ويحذر منها. فالوقت المضاع زاد في إيهام النظام بأنه باق طالما أن المعارضة لم تستطع أن تطرح بديلاً منه.

كان مطلع آب (أغسطس) 2011 شكل بداية الانتقال من الانتفاضة المحض سلمية الى المواجهة المسلحة مع طلائع المنشقّين الذين رفضوا المشاركة في قتل أهلهم، ولم يكونوا قد خططوا حينذاك للانتظام في قتال ضد «رفاق السلاح». في الأثناء كانت تركيا بلغت اليأس من النظام وخياراته، اذ عملت على بلورة اطار تنظيمي للمعارضة بغية تفعيل حوار بينها وبين النظام. وبعد شهر، أي قبل عام تقريباً، أُعلنت في اسطنبول ولادة «المجلس الوطني السوري». في اليوم نفسه، بل قبله وبعده، اشتعل السجال بين المعارضين، وكان مبرراً ومفهوماً لأنهم تيارات وأشياع، لكن استمراره على المنوال نفسه أدّى عملياً الى تعطيل المعارضات بعضها بعضاً، لدوافع لم تكن دائماً مفهومة قياساً الى الهدف المنشود.

في ذلك الوقت، كانت التظاهرات السلمية، أيام الجمعة، اخترقت كل السقوف، وحسمت خياراتها: «إسقاط النظام»، «حماية المدنيين»، «المجلس الوطني يمثلنا»، «نعم للتدخل الخارجي»... كان تمثيل «المجلس» والمراهنة عليه مرتبطين حصرياً بما يمكن أن يحققه، اذ لا يمكن التعويل على المعارضات الداخلية حتى الوطنية منها، لأن سقف مطالبها ظلّ دون ما رفعه شباب الثورة وتنسيقياتها. فـ «هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديموقراطي» سُجنت في مواقف حددتها منذ الشهر الثالث للأزمة وتأخرت في تنقيحها (خصوصاً بالنسبة الى وجود «الجيش السوري الحرّ» ودوره). أما الموقف الأخير الذي تنأى فيه «الهيئة» بنفسها عن «الطرفين» فيبدو كأنه تموضع لإحراز موقع خاص في مهمة الأخضر الابراهيمي، إلا أنه وشى ببعد عن الواقع وتسبب بـ «تشققات» في صفوفها.

لكن «المجلس الوطني» نفسه تعرّض أيضاً لمصاعب، اذ أُلقيت عليه مسؤولية لم يكن مهيأً لها ولا قادراً عليها، ثم إن تركيبته أظهرت قصوراً: 1) في استيعاب العدد الأكبر من القوى والشخصيات، و 2) في ايجاد تصور عملي للائتلاف والتكافل والتواؤم بين الداخل والخارج، و 3) في تبديد سمعة الهيمنة علـــــــيه من الجماعات الاسلامية أو «الاخوانية» الكفيلة بـ «تطفيش» الكثير من الطاقات المستعدة للمساهمة في جهود الثورة، والأهم 4) في بناء خطة «مركزية» وتوزيعٍ للأدوار تنخرط معه القوى الفاعلة الأساسية كافة في العمل للهدف الجامع المحدد: الانعتاق من هذا النظام... وعلى رغم أن الانشقاقات المتعددة هزّت صورة «المجلس» وأفقدته أشخاصاً، بعض منهم ذوو صدقيـــــــة، إلا أنه استطاع أن يصمـــــد بفعل الحاجـــــة الدولية اليه، اذ دعمتــــــه «مجموعة أصدقاء سورية» وذهبـــــت الى حـــد اعتباره «ممثلاً» للشعب السوري، لكن «شرعية» تمثيله ما لبثت أن اهتزّت تحديداً حين قال «الداخل» إنه خيّب آماله، إلا أنه لم يُسقطه بل صار يعتبره كياناً مساعداً، وأبقاه تحت الاخــــتبار. فإذا برهن فاعليته في اتصالاته الخارجية تزداد صدقيته، وإلا فإن البديل هو «الداخل» نفسه.

كانت القوى الدولية تتطلع الى أن يتمكن «المجلس» من استنساخٍ ولو جزئي لتجربة «المجلس الوطــــني الانتقالي» الليبي، لتتمكّن من العمل معه ومن خلاله، إلا أنها اصطدمت بوقائع عدة: ان «المـــجلس» السوري محدود الاتصالات بالداخل، ولا وجــــود له في «ملاذ آمن» (بنغازي مثلاً) في الأراضي السورية، ولا ارتباط محكماً بينه وبين «الجيش الحـــرّ» على رغم محاولات في هـــذا السبيل، ثم إن قوى المعارضــــة الأخرى لم تظهر التضــــامن المذهـــل الذي التزمته فصائل المعارضة الليبية على رغم تبايناتها التي انكشفت لاحقاً بعد تحقيق الهدف.

غير أن العاهات والعيوب التي تُنسب الى «المجلس» السوري لم تكن سرّاً ولعله أكثر من يعرفها، فهو أول كيان معارض تفرزه الثورة ولم يكن ممكناً اطلاقاً أن يولد في الداخل وإلا تعرّض أفراده للتصفية الجسدية. وعلى رغم إدراكه تنوّع الساحة السورية وتعقيداتها، اعتقد «المجلس» ومن ساهموا في انبثاقه أنهم يقدمون «أفضل الممكن» في ذلك الوقت لمساعدة الشعب السوري على تفعيل ثورته، ولعلهم توقعوا الاعتراضات والمآخذ التي أثيرت، إلا أن عاماً دموياً كاملاً لم يبدُ كافياً لإنهاء تمترس المعارضات كلٌ في موقعها. والأسوأ أن المعنيين عجزوا عن اطلاق الحوارات الحرّة لمد الجسور بين مختلف التيارات على رغم أنهم أكدوا مراراً ضرورتها. لذا انزلق السجال أحياناً الى اتهامات بـ «خيانة الثورة» أو «العمالة للنظام» على رغم فوات الأوان على مثل هذه التفاهات... فمن تعامل وخان أصبح تحت الضوء، ولم يعد النظام يثق إلا بالعملاء المستوردين، من ايران وأذنابها طبعاً، وحتى من اوكرانيا على ما يقال.

بديهي أن «المجلس» راهن على المساندة الخارجية لإعانته على تجاوز مصاعبه، الذاتية منها والموضوعية، فاصطدم هو الآخر بوقائع عدة: ان القوى الدولية دخلت في انقسام حاد واستعادت مناخ الحرب الباردة وتقاليدها، وأنها استهلكت وقتاً طويلاً قبل أن تقتنع بوجوب تغيير النظام ووقتاً أطول لتقتنع بأن هذا التغيير لن يتم سلمياً أو بحل سياسي، وأنها تعاني من «اللعنة العراقية»، بل غرقت في التداعيات الروسية والصينية للحدث الليبي، وأنها عانت أيضاً وخصوصاً من جهل عميق بالوضع السوري وسطحية صلاتها بعناصره وخريطته الاجتماعية.

وهكذا أقبل «المجلس الوطني السوري» على القوى الدولية ناشداً أن تعينه، فإذا بها تنشد معـــونته، وبعدما تعرفت اليه اقتنعت بأن أي تفكير فـــــي التدخل، بغضّ النظر عن حجمه وشكله، يستلزم كياناً أكبر من هذا «المجلس» وأكثر تنظيماً وفاعليةً على الأرض. هنا، أي قبل بضعة شهور، زاد التفاتها الى الجانب العسكري للمعارضة، وعوّلت على «المجلس» ليكون صلة الوصل مع «الجيش الحرّ»، فلاقى «المجلس» الصعوبات نفسها سواء في تحقيق تفـــاهمات مع العسكر أو بالأخص في كون العسكر أنفسهم مجموعات غير موحدة ولا يعرف بعضها الآخر.

وبدوره راهن «الجيش الحرّ» على القوى الدولية لتعينه، فإذا مدّته بالسلاح والعتاد يمكنه أن يوحّد أكبر عدد من المجموعات العسكرية تحت لوائه، وإلا فإنه سيبقى مجمداً في ملاذه التركي. وكما فعلت العواصم مع «المجلس» ومكوّناته، أرادت أيضاً أن تعرف مع أي عسكريين تتعامل، والى من سيؤول السلاح متى توافر، وما هي احتمالات وقوعه في أيدي جماعات يمكن أن تكرر التجربة الأفغانية فتنشئ ما يعادل «القاعدة» وفروعها. وبعد الاتصالات الأولية مع القادة المعروفين لـ «الجيش الحرّ» وتحليل ما أنجزوه، توصلت القوى الدولية، ولا سيما الولايات المتحدة، الى أن هذا «الجيش» يحتاج الى قيادة وتراتبية واضحتين، فهناك منشقّون ذوو رتب عالية لا يستطيعون العمل تحت إمرة من هم أدنى رتبة حتى لو كانوا يتمتعون بميزة أنهم مؤسسو هذا الجيش.

خلال اجتمــــاعات عمل طويلة عقدت أخيراً، أتيــــــح لمعارضين عسكريين ومدنيين أن يلمسوا مدى التحوّل الحاصل في المقاربة الاميركية، واستــــطراداً الغربية، لقضيتهم. كانت هناك مصارحة مفتوحــــة عــــن خريطة الطريق والأهداف، لكن أيضاً عن الواجبات العاجلة والملحّة: حكومة انتقالية تستعين بكبار المنشقّين السياسيين، وقيادة عسكرية موحدة يديرها كبار العسكريين المنشقّين. تحدّيان جدّيان يضعان المعارضة أمام لحظة الحقيقة وعلى الطريق لتنحية بشار الأسد.

 

* كاتب وصحافي لبناني

=================

المعارضون التقليديون والدور المرتقب سوريّاً

أكرم البني *

الخميس ٦ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

كشفت حمّى الدعوات لتشكيل حكومة انتقالية حجم الأمراض والسلبيات التي لا تزال تعتمل في المشهد السوري المعارض... ولوهلة بدا الأمر وللأسف كأن ثمة تسابقاً للحصول على منصب وأن هناك كعكة يراد تقسيمها ومراكز وامتيازات يتم توزيعها.

وهنا لم يعد يجدي نفعاً لتبرير بشاعة هذا المشهد التذكير بما عانته الأحزاب المعارضة طيلة عقود من جور السلطة وظلمها، أو بتصحر الحياة السياسية ونجاح القمع في تفتيت المجتمع وقتل روح الايثار فيه، كما لا يشفع لها القول إن الثورة أخذتها على حين غرة ووضعتها أمام امتحان مفاجئ في قيادة حراك شعبي واسع يطالب بالتغيير الجذري، كما لا يخفف عنها القول بأن ليس لديها ما تفعله سياسياً في مواجهة سيادة منطق العنف، وأن خياراتها في الشروط القائمة محدودة جداً، حيث يسد النظام كل طرق المعالجة السياسية، ويستمر تواطؤ المجتمع الدولي مخيباً آمال المراهنين على دور حاسم له.

لقد استبشر الناس خيراً حين أقرت غالبية قوى المعارضة السورية وبرعاية الجامعة العربية وثيقتي «العهد الوطني» و «خطة الطريق للمرحلة الانتقالية»، وكان الرهان أن يشكل ذلك منعطفاً وحافزاً لرص صفوف المعارضة وتوحيد خطابها، وتمكينها من دورها التاريخي في سد الفراغ السياسي، والتفاعل مع الثورة الشعبية المطالبة بالحرية ومدّها بكل أسباب الاستمرار والدعم، لكن لم يمر زمن طويل حتى عادت حليمة الى سيرتها القديمة وبدأنا نسمع إعلانات من هنا ومبادرات من هناك، للالتفاف على هاتين الوثيقتين والتحرر منهما، لتؤكد هذه الممارسات، حقيقة ان المعارضة التقليدية وبكل اطيافها لم ترق إلى مستوى التحديات والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، وأنها لا تزال تدور في حلقة مفرغة، عاجزة عن معالجة مواطن الخلل في تشتتها وتبعثر جهودها، في إشارة الى حالات التنافس المرضي والمؤذي بين أهم أطرافها، والى من تحكم سلوكه المصالح الحزبية الضيقة، أو من لا يزال يدّعي ملكيته للحق التاريخي في الزعامة، فيحاول مرة التلويح بسيف تضحيات الشارع والاستقواء بها لفرض رأيه، ولا يخجل مرة من استخدام وسائل متخلفة يعيبها على غيره في السيطرة ومحاصرة الآخر المختلف.

وإذ نعترف بأن الحراك الثوري خلق في تفجره شروطاً للعمل السياسي لم تكن المعارضة التقليدية لتحلم بها، وكان وراء نقلها من خانة اليأس والإحباط إلى حيوية المشهد السياسي والإعلامي، فذلك لم يمكّنها من مواكبة ثورة الناس، بل بدت على طول الخط كأنها خلفهم مكتفية بملاحقة مبادراتهم والتغني بشجاعتهم وباستعدادهم الفريد لتقديم التضحيات، عاجزة عن إيجاد طرائق للتواصل والتفاعل معهم، أو على الأقل كسب ثقتهم، ومخفقة في أن تكون تكثيفاً سياسياً وأخلاقياً لما في هذه الثورة من حيوية، ومنها التعامل الشفاف والجريء مع ما يظهر من سلبيات وتجاوزات، ووضع آليات تصحيح وحماية لها.

وطبعاً لا يمكن المعارضة أن تعالج هذه الثغرة وتنجح في نيل ثقة الناس ودعمهم ما لم تنجح في إظهار نفسها طرفاً متميزاً، يشكل قدوة ومثلاً يحتذى في الحضور في ساحات الصراع وتقديم المبادرات بوتيرة سريعة لتلبية مطالب الحراك الشعبي وتغذيته بالتوجهات والخبرات السياسية والمعرفية، والأهم تقديم إجابات شافية عن أسئلة ملحّة تشغل بال الناس حول سياق عملية التغيير وشروطها وما يكتنفها من منزلقات ضمن خصوصية المجتمع السوري بتعدديته وحساسية موقعه الاقليمي والعالمي.

وبلا شك، لا نستطيع القول إن العمل المعارض لم يحرز تقدماً ملموساً على صعيد إثارة قضايا الثورة السورية ومعاناتها في المحافل العربية والدولية، أو لم ينجح في جهوده الاعلامية المساندة للثورة، بخاصة احتلال بعض المعارضين حيزاً كبيراً من المشهد الاعلامي لدعم التغيير وإدانة العنف المفرط وتفنيد أكاذيب الاعلام الرسمي وادعاءاته عن مؤامرة خارجية وعصابات مسلحة، لكن مثل هذه الجهود لا تكفي أمام تصاعد الفتك والتنكيل والأثمان الباهظة التي يتكبدها الناس يومياً، بل إن حالة العجز عن الحسم العسكري والصعوبة في تسجيل نتائج سياسية على الأرض تضعان الثورة أمام تحدٍ قديم وجديد، هو كسب الرأي العام الصامت، كشرط لحسم الصراع، والأمر لن يتحقق إلا عبر فضح أوهام النظام بشأن قدرته على الاستمرار بالعنف، وطمأنة المجتمع السوري وقطاعاته المترددة إلى المستقبل.

والحال، لـــن تنمو الثــــقة بالتغيير في الخصوصية السورية، ويشتد عود الثــــورة وترسخ أقدامها في الأرض وتُصان من الانزلاق إلى مزيد من العنف وإلى صراعات متخلفة تحرفها عن أهدافها، إذا لم تتوسع دائرة انتشــــارها وتزداد نسبة المشاركين فيها وتكسب المزيد من فئات المجتمع، وما يعزز هذا الكسب تطلع المعارضة كي تثبت للجميع، أنها على اختلاف فئاتها ومذاهبها وطوائفها وقومياتها ومشاربها الإيديولوجية قادرة على التوافق وعلى احترام تنوعها والاحتكام الى قواعد العملية الديموقراطية السلمية، وأنه يمكن الوثوق بها لتجنيب البلاد احتمالات الفوضى والصراع الأهلي.تستحق المرحلة الحساسة التي تمر الثورة بها ليس مخاطبة الوعي فقط وإنما أيضاً التشديد على المناشدة الأخلاقية، مناشدة المعارضة على اختلاف فصائلها بمراجعة سياساتها ومراقبة أفعالها بصورة حازمة، وبأن تبدي أعلى درجات الايثار والاستعداد للتسامح والتعاون والتكافل، وتجالد للظهور بصورة تنسجم مع شعارات التغيير والحرية والمساواة التي ترفعها، واضعة في الحسبان أن الشارع يراقبها بدقة وانتباه، ويُخضع مواقفها وسلوكها لمحاكمة وتقويم فوريين!

لا يضير المعارضة السورية ما فعله بها الماضي القمعي أو أن تكوّن أحزاباً وتجمعات لها وجهات نظر متعددة وبرامج متنوعة، لكن يضيرها ويعيبها ألا تستطيع معالجة أمراضها وبخاصة عجزها المزمن عن الاتفاق، بعد عام ونصف عام من عمر الثورة، على الأهداف العامة المتعلقة بتغيير النظام وسمات المرحلة الانتقالية لإرساء الديموقراطية، وألا تصب كل جهودها في مهمة بسيطة لا تقبل التأجيل هي تمكين الثورة وتصويب مسارها.

 

* كاتب سوري

 

=================

سوريا.. عنوان فشل دبلوماسي

طارق الحميد

الشرق الاوسط

6-9-2012

من يتأمل المواقف والتصريحات الرسمية الصادرة عن المجتمع الدولي والعربي، تجاه الأزمة السورية، ويقارنها بما تقوم به قوات الأسد على الأرض من قتل وتنكيل، ومواقف كل من روسيا والصين، تحديدا، الداعمتين لطاغية دمشق، فإنه سيلمس مدى الفشل الدبلوماسي في معالجة الأزمة السورية.

وأبرز مثال هنا هو الموقف الصيني المعطل لأي جهد في مجلس الأمن، وصحيح أن الصينيين لا يقدمون للأسد دعما موازيا لما يقدمه الروس، لكن موقف الصين يعزز الموقف الروسي، ويشكل غطاء لموسكو وهي تتصرف بتعنت من أجل حماية مجرم دمشق، رغم كل ما يرتكبه من جرائم بحق السوريين. فمن المفهوم أن لا تصدر عن لقاء وزيرة الخارجية الأميركية ونظيرها الصيني أي انفراجة تجاه الموقف في سوريا، وذلك نتيجة تعقيد العلاقات الأميركية الصينية نفسها. بل إن البعض يرى أن الصين تقف خلف روسيا في مجلس الأمن فقط من أجل مناكفة الأميركيين، وإنه في حال غيرت موسكو موقفها فإن بكين لن تتعنت. وهذا حديث كان من الممكن قبوله قبل عام من الآن، لكن من غير المفهوم أن لا يكون هناك جهد عربي لثني الصين عن موقفها هذا في مجلس الأمن، خصوصا مع ما يفعله الأسد اليوم في سوريا من كوارث.

ولذا، فإن الغريب هو الموقف العربي العاجز عن إقناع الصين بضرورة أن تنأى بنفسها عن دعم الأسد، وذلك حماية لمصالحها في المنطقة ككل، خصوصا أن لبكين مصالح كبيرة مع المنطقة تفوق مصالحها مع النظام الأسدي. وبالطبع فإنه ليس مطلوبا من الصين تأييد قرار أممي ضد الأسد، أو تسليح وتمويل المعارضة، بل إن كل المطلوب هو أن تمتنع بكين عن اتخاذ أي قرار في مجلس الأمن من شأنه تعطيل اتخاذ مواقف دولية حاسمة ضد الأسد. المطلوب اليوم إقناع الصين بضرورة عدم دعم الأسد، وإن لم يغير الروس موقفهم، فالأهم عربيا، وبالطبع دوليا، فضح الموقف الروسي، وجعل موسكو تقف وحيدة مع الأسد، لا أن تكون الصين شريكة لروسيا مما يخفف الضغوط على موسكو وهي تدعم الأسد وهو يقوم بارتكاب جرائمه ضد السوريين.

إقناع الصين ليس بالأمر الصعب، خصوصا أن وزير خارجيتها يقول - وبعد محادثاته مع السيدة كلينتون - إن بلاده تؤيد التحول السياسي في سوريا، مما يشير إلى أن الموقف الصيني ليس بالمتشدد كالموقف الروسي المبني على دوافع دينية طائفية، وليس مصالح عسكرية، أو اقتصادية كما يقال. ولا أعتقد أن القضية أيضا هي قضية منع أميركا من التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا، وإلا فكيف نفهم أن الرئيس الأميركي أوباما كان من أوائل المهنئين للرئيس بوتين بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، ونسمع السيدة هيلاري وهي تقول لنظيرها الصيني إنها «فخورة بقوة وصمود ما بنيناه معا في علاقتنا»!

وعليه، فإن المطلوب اليوم - ومن العرب تحديدا - هو إيصال رسالة واضحة للصينيين مفادها أنه لا مبرر للإطالة بالمتاجرة السياسية بدماء السوريين، وأن على بكين أن تقف مع الشعب السوري، وحفاظا على مصالحها في سوريا والمنطقة. على العرب فعل ذلك وعدم الاكتفاء بما يمكن أن تفعله واشنطن لنا.

=================

هل خذلت إيران وحزب الله الأسد؟

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

6-9-2012

هكذا يظن الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد. صحيح، رغم ما فيه من تناقض، أن نقول إن إيران تدعم الأسد بالمال والنفط والمقاتلين والسلاح، وفي نفس الوقت ندعي أن إيران، ومخلبها حزب الله، تخليا عن نظام بشار الأسد في محنته العظمى!

رغم الدعم الضخم الذي لم ينقطع من طهران إلى دمشق، لا بد أن الأسد ليس قانعا ولا راضيا عن أداء حلفائه. لا بد أنه يشعر بالغضب منهم؛ فهو يتوقع منهم ما هو أكبر من الدعم. فمنذ عام وهو يلوح بأحداث كبرى في المنطقة، وانهيارات لا تخطر على بال، وخطوط حمراء ستسقط، قامت في زمن الهدنة الماضية، لكن لا شيء من هذا حدث، فالحريق ظل محصورا في بيته!

الأسد كان يتوقع من الإيرانيين الاشتباك مع دول الخليج والضغط عليها لوقف دعم الثوار السوريين، وكان يتصور أن حزب الله سيهرع لقتال إسرائيل في حرب تشابه حرب عام 2006 تشغل المنطقة، وتجبر الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على الكف عن تأييد الثورة السورية لأنها وراء الفوضى الشاملة.

خيبته كبيرة؛ لم يهاجم الإيرانيون الخليج، واكتفى حزب الله بمظاهرة على العشب الأخضر المقابل لشبك الحدود مع إسرائيل، غنى ورقص المتظاهرون فيها فقط ولم يطلق ملتحو أفراد الحزب الرصاص على أحد.

ولم يبق للأسد سوى عميل صغير، أحمد جبريل، مسؤول ما يسمى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القيادة العامة، عله يفتح جبهة ضد إسرائيل، لكنه فشل، حيث قاتله الفلسطينيون في مخيماتهم، داخل سوريا، وانضموا صراحة إلى الثورة.

وعبر جبريل عن تمنيات الأسد في مقابلة تلفزيونية قائلا، إن القيادة الإيرانية أبلغته بأنها لن تترك سوريا تتعرض لعدوان، وأنها قالت: «نحن أبلغنا الأتراك أكثر من مرة وحذرناهم ألا يلعبوا بالنار، وأي تدخل هو خط أحمر في هذا الشأن».

واضطرت وسائل الإعلام السورية الرسمية إلى ترويج الشائعات، علها تجبر حلفاءه وخصومه على الاصطدام، حيث روجت تصريحا، نسبته إلى رئيس مجلـس الشورى الإيراني علي لاريجاني، بأن «سقوط نظام الأسد في سوريا هو سقوط الكويت وافهموها كما شئتم». لكن، لم يثبت أن لاريجاني نطق بهذا التهديد. كما نسبت كلاما مماثلا لمسؤولين روس عن حرب تحرق الأخضر واليابس، وأن روسيا تهدد الدول المعادية لنظام الأسد؛ أيضا لم نجد لهذه التصريحات أثرا. ثم روجت حديثا مزعوما مع هنري كيسنجر يقول فيه إن سقوط نظام الأسد سيفيد إسرائيل التي ستحتل المزيد من الدول العربية، طبعا المقابلة المكذوبة ظهرت في مطبوعة ساخرة، وسارعت دمشق لتسويقه!

ما الذي كان يتوقعه الأسد من حلفائه ولم يفعلوه؟ كان يظن أن الإيرانيين والروس سيتعاونون على فتح جبهة قتال مع تركيا لتخويف حكومة أردوغان وإجبارها على إبعاد التنظيمات السورية التي تمثل الخطر الأكبر عليه، لكنهم لم يفعلوا.

كان يطمع في حرب في الخليج حول البحرين والسعودية والكويت، وتهديد أنظمتها السياسية تحت مبررات طائفية، لكن شيئا من هذا لم يحدث.

وكان يرجو أن يستيقظ صباحا ليجد الأردن أو مصر تطلب نجدته ضد عدوان إسرائيلي بسبب عمليات مدبرة، لكن مضت الأشهر والعالم مشغول بحدث واحد وهو سقوط نظام الأسد، حتى بات سقوطه محتوما. وكنت كتبت من قبل أن حسن نصر الله أذكى من أن يدمر قدراته من أجل إنقاذ نظام ساقط، وهو وإن كان قد أرسل رجاله ليقاتلوا إلى جانب قوات الأسد وشبيحته، فإنه تجاهل تمنيات الأسد بفتح معارك داخل لبنان أو مع إسرائيل. وهذا ما حاول هو تنبيه الجميع إليه عندما تبرأ من اختطاف السوريين والتركي في لبنان، وقال: افهموها كما تشاءون، لا سلطة لنا على الخاطفين الشيعة. الروس والإيرانيون وحزب الله يعرفون أن نظام الأسد ساقط منذ نحو عام، وكل ما يريدونه تخفيف الأضرار التي قد تلحق بهم ومصالحهم لاحقا، أو دعم وضع جديد لسوريا بعد رحيل الأسد، مثل تفكيك سوريا إلى دويلات يتحالفون مع بعضها، أو إذكاء الحرب الأهلية لينشغل السوريون بأنفسهم لسنوات لاحقة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ