ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 26/08/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

رأي الراية … لا للصمت الدولي على مجازر الأسد

الراية

25-8-2012

من المؤسف أن يظلّ الصمت الدولي هو السائد تجاه المجازر اليوميّة التى يرتكبها النظام السوري بحق شعبه وكأن الأمر لا يعني أحدًا، رغم أن جرائم النظام واضحة وموثّقة ولا تحتاج إلى دليل، ولذلك وجد النظام فرصة وواصل حملته العسكرية جوًا وبرًا على مدى ثلاثة أيام متتالية دكًا للمنازل والملاجئ بالقرى والمدن والبلدات بالصواريخ والقاذفات، حتى وصل عدد الضحايا إلى أكثر من 500 قتيل خلال ثلاثة أيام بينهم 163 قتيلاً أمس الجمعة، قُتل أغلبهم بدم بارد خلال مجزرة بشرية، هذا الصمت هو دليل واضح على عجز المجتمع الدولي.

إن المجازر اليومية التي يرتكبها نظام الأسد تحتاج إلى وقفة دولية وعربية صارمة، وهذا لن يتم إلا بفرض مناطق آمنة يحظر فيها الطيران العسكري داخل المدن الرئيسة ومناطق النزوح لحماية السكان الآمنين من المجازر والإبادة الجماعية، فليس من المعقول أن يظلّ الصمت الدولي هو المُسيطر والجميع يتجاهلون هذا الواقع المؤلم الذى يواجه شعبًا أعزل من نظام غاشم رفض كل الدعوات والمناشدات والخطط الإقليمية والدولية لحل الأزمة عبر الحوار. وليس عبر القتل والسحل والتدمير المُنظم للمدن والقرى والبلدات بدواعٍ واهية.

من المهم أن يُدرك المجتمع الدولي أن نظام الأسد لا تنفع معه سياسة اللين والتهاون وأن الوقت حان لاتخاذ قرار دولي وعربي شجاع لحماية الشعب السوري بالتدخل خارج نطاق مجلس الأمن لفرض مناطق آمنة يحظر على النظام القيام بأى عمل عسكري فيها وإجباره على وقف القتل والدمار اليومي، وإنه بغير موقف دولي يتطلب أن يفرض فرضًا اليوم قبل الغد، فإن الأزمة السورية ستتحوّل إلى كارثة إنسانية لا تقل بشاعة عن كارثة البوسنة والهرسك خاصة أن النظام برهن أنه لن يتراجع عن سياساته التعسفية تجاه شعبه إلا بموقف دولي وعربي صارم لا يزال مفقودًا حتى الآن.

من المؤكد أن نظام الأسد يعمل على تفريغ سوريا من شعبها إما بإجبار السكان الآمنين على النزوح قسرًا للدول المجاورة أو قتل ما تبقى حيث ينفذ في كل يوم جرائم الإبادة والمجازر بحقهم وأن النظام بممارساته هذه قد أدخل المجتمع الدولي في امتحان عسير خاصة بعدما ثبت فشل مجلس الأمن في تبني أي قرار شجاع يردعه، ولذلك فإن المرحلة المقبلة تتطلّب موقفًا جماعيًا خاصة بعدما عينت الأمم المتحدة الأخضرالإبراهيمي كمبعوث دولي وعربي جديد لدى سوريا وقد استقبل النظام تعيينه بسلسلة جديدة من المجازر والجرائم في حق شعبه؛ الأمر الذي يُشكّل تحديًا لمهمّة الإبراهيمي المُطالب عربيًا وسوريًا وشعبيًا بأن يبحث فقط في خطط الاتنقال السياسي للسلطة بحيث لا يكون هناك مكان للأسد في سوريا الثورة.

=================

هل تتدخل أمريكا عسكرياً في سوريا؟!

يوسف الكويليت

الرياض

25-8-2012

    ما صرح به الرئيس أوباما عن تدخل عسكري في سوريا في حال استخدمت أو نقلت حكومة الأسد أسلحة كيماوية أو بيولوجية، قد فسر هذا القول بأنه استهلاك محلي غايته الانتخابات، لكن دعونا نفرض احتمال تنفيذ هذا العمل أسوة بما حدث في بلدان أخرى مثل العراق، وليبيا ويوغوسلافيا وغيرها، رغم وقوف روسيا بالجانب المضاد للتدخل، ومع ذلك وقفت على الخط تتفرج فقط..

الوضع في سوريا قد يكون مختلفاً بتواجد عسكري روسي كثيف في السواحل وهناك خبراء وأسلحة تزود فيها قوات الأسد، ووسائل رصد وتجسس تقني متقدم، لكن في هذه الحال لو افترضنا تدخلاً أمريكياً هل تجازف روسيا بإشعال حرب لا يعرف خواتمها قد تصل إلى حرب عالمية ثالثة، وحتى إيران لا يمكن أن تجازف بدخول مثل هذه الشبكة العنكبوتية، وخاصة مع قوى تتفوق عليها بالسلاح والمال؟

أمريكا ليست لديها النوايا بالتدخل السريع بالوضع السوري، لأن التجارب السابقة جعلتها تعاني خسائر فادحة بشرياً ومادياً، وسوريا مسلحة بما فيه الكفاية بأن تواجه التدخل بقوة جيدة، لكن بمقارنة الجيش السوري مع جيش صدام حسين، نجد العراق كان يملك قوة محترفة خاضت حرباً طاحنة مع إيران واحتلت الكويت، واعتبر الجيش واحداً من أكبر الجيوش في تعداده وعدته التقليدية، وبالتالي لم يمنع أمريكا وحلفاءها أن يغزوه ويحتلوه، وقد تصبح سوريا هدفاً إذا ما رجحت المصالح والمكاسب على غيرها..

هناك من يعتبر مجلس الأمن العقبة والحل، وأنه بدون توافق بين الأعضاء لا حل لأي قضية مختلف عليها، وسوريا تدخل هذا المضمار من السباق بين الفرقاء، لكن متى كان المجلس هو المعيار، فروسيا تدخلت بعدة دول ولم تأخذ بصيغ وقرارات المجلس، وكذلك فعلت دول الأطلسي، ولذلك فالمجلس ليس من يحدد العمل بالقوانين الدولية، واحتمال أن ينفذ أوباما تحذيره مع حلفائه قد يراها ليس انقاذاً لشعب سوريا، وإنما لحسابات أخرى تراعي حماية الأمن الإسرائيلي، وهذا بحد ذاته مبرر أقوى من الخلافات والاتفاق على مجريات الأوضاع بسوريا..

هناك قطبية جديدة تتشكل وقد تحمي الشعوب من التدخلات والحروب، وأن الصين وروسيا والهند، والاتحاد الأوروبي، وأمريكا الشمالية قد تصبح هي من تمثل هذه القطبية الجديدة، لكن قبل أن تتساوى بالقوة، سيبقى حلف الأطلسي بقيادة أمريكا اللاعب الأساسي، وقد تمادت بقوتها بعد زوال الاتحاد السوفيتي أن تتحرك لمناطق النزاعات الحساسة بدون أخذ إذن أحد، لا مجلس الأمن ولا الأمم المتحدة، ولا تزال نراها تضغط وتحاصر إيران اقتصادياً وسياسياً، ومثلها من تعتبرها خارجة عن القانون في كوريا الشمالية وكوبا وقد ألحقت سوريا مع تلك الدول، وإذا كانت تمارس هذه الأدوار بحكم قوتها، فقد لا ترى ما يمنعها أن تتدخل بسوريا، ولا أحد سوف ينازعها على هذا التصرف محتمية بأنها لا تزال القطب الواحد المتصرف بهذا الكوكب..

=================

وعود وهمية للشعب السوري

حسين العودات

التاريخ: 25 أغسطس 2012

البيان

لقد أُغرق الشعب السوري والمعارضة السورية السياسية والمسلحة، بالوعود من قبل الأوروبيين والأميركان والعرب والدول الصديقة لسوريا، التي تجاوز عددها مائة دولة، والتي أكدت هذه الوعود في مؤتمراتها الثلاثة السابقة، ويبدو أن مؤتمرها الرابع في المغرب لن يكون مختلفاً.

ومما وعدت به هذه الدول، تقديم المساعدات المالية السخية، والسلاح، والمدربين والخبرات، كما وعدت أيضاً برسم مناطق آمنة في شمال سوريا على الحدود التركية خاصة، وعلى غيرها من الحدود مع الدول المجاورة، تكون صالحة كجزء من الأراضي السورية ليستقر عليها اللاجئون السوريون الهاربون من جحيم السلطة، كما تقيم فيها قيادات وتشكيلات تيارات المعارضة السياسية والمسلحة، وتكون أرضاً صالحة للانطلاق منها للسيطرة على بقية سوريا وترحيل النظام السياسي القائم.

وقد بدأ إطلاق هذه الوعود في الأشهر الأولى لانطلاقة الثورة السورية، دون أن يتحقق منها شيء، رغم أن المعارضة السورية المسلحة استطاعت السيطرة على أراض واسعة مجاورة للحدود التركية، وصالحة لتكون مناطق آمنة إذا توفر السلاح الذي يبعد عنها قصف الطيران، أي أنها استطاعت تحقيق هذا الهدف دون تدخل هذه الدول التي كانت تخشى صعوبات ونتائج التدخل العسكري، وما زالت تتردد في تحقيق ما وعدت به وتراكم الوعود يوماً وراء يوم، دون أن تنفذ ولو جزءاً منها.

وكان آخر هذه الوعود تصريحات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية في مطلع الشهر الحالي، وعلى لسان ممثلة بلادها في مجلس الأمن الدولي، التي أعلنت أن الإدارة الأميركية ستعمل خارج مجلس الأمن لنصرة الشعب السوري، بعد أن مارست السياسة الروسية حق الفيتو بتصويتها ضد مشروع القرار المتعلق بسوريا قبل ذلك.

إن الثورة السورية السياسية والمسلحة هي الآن، وحسب معظم المراقبين والمحللين السياسيين والعسكريين، على أبواب مفترق طرق في غاية الأهمية، فإما أن تتوحد قوى المعارضة المسلحة والسياسية ويقدم لها الدعم بالمال والسلاح والتدريب والدعم السياسي، وتكريس المناطق الآمنة التي تساعدها على الانطلاق منها لتحقيق أهدافها، أو أنها ستبقى تعارك النظام وتقدم التضحيات، وعلى رأسها سيل دماء السوريين التي تستنزف كل يوم، دون تحقيق أي نصر حاسم.

من الواضح تقصير الدول الداعمة للثورة السورية وأنصارها وأصدقائها، وتوجهها إلى إطالة أمد الصراع والمماطلة فيه، لأسباب لم تذكرها، وتستعيض عنها بحكايا ومبررات واستعراضات إعلامية دون أن تفعل شيئاً جدياً، وكأنها تنتظر شيئاً ما لم يتحقق بعد.

وكل منها له أهدافه، حيث تهيئ المناخ الملائم لتحقيقها، ولذلك تتفق آراء جميع هؤلاء بشكل تلقائي على المماطلة والتأجيل، وفي الوقت نفسه إبقاء شعلة الصراع ملتهبة في سوريا بين نظام قمعي يقصف المناطق السكنية والمدنيين ويقتل ويعذب ويسرق ويحرق، ولا يهتم لا بحقوق الإنسان ولا بحقوق المواطن ولا بالمحاكم الدولية أو التهديد بها، وبين شعب مصمم على استرجاع حقوقه المفقودة وإقامة نظام اقتصادي سياسي اجتماعي ديمقراطي تعددي تداولي، يحقق الحرية والكرامة والديمقراطية وتكافؤ الفرص وفصل السلطات.

وبالتالي فإن وعود هذه الدول جميعها لا تختلف عن وعود ذاك الذي زار أخته في العيد لتهنئتها، وكان قد وعدها بجلب مزيد من الهدايا لأطفالها، لكنه لم يفعل، واستعاض عن ذلك بأن قال لها: كنت أود أن أجلب معي عدة صناديق من الهدايا للأطفال، فقالت له مستكثرة حجم الهدايا: ولماذا عدة صناديق؟ فقال: كي يلعبوا كما يريدون..

وهكذا فالوعود المقدمة للسوريين هي مجرد كلام ومبررات وتقصير، حيث يتفرج الرأي العام العالمي ودوله ومجتمعاته وحكوماته على ذبح الشعب السوري، دون أن يتحرك جدياً لمنع هذا الذبح، أو على الأقل للتخفيف منه، ويكتفي بالصراخ والوعود "الخُلبية".

لقد حيرت الشعب السوري سياسات الدول المتنفذة والمهتمة بشأنه، ذلك أنها أوحت، بعد أن كرس النظام تمسكه بالحل الأمني واستخدامه السلاح، أن الحل هو في التدخل العسكري الخارجي، وبأنها على استعداد لمثل هذا التدخل إذا لاقت قبولاً من المعارضة السورية وشروطاً إقليمية ودولية مناسبة. وبالفعل فقد انقسمت المعارضة السورية بين مؤيد للتدخل العسكري الخارجي ومعارض له. كما وتشجع بعض ضباط وجنود الجيش النظامي السوري (على الانشقاق).

وبعد أن أصبحت شروط التدخل مناسبة أخلاقياً وقانونياً وصار مطلباً لقسم كبير من الحراك الشعبي السوري ومن تيارات المعارضة السورية، عادت فأعلنت أن الحل هو حل داخلي، وطالبت المعارضة بتوحيد شعاراتها وأهدافها وبرامجها، وتوضيح بنية النظام السياسي المقبل بعد تغيير السلطة القائمة. وعندما تحقق ذلك لم تنفذ هذه الدول أياً من وعودها، وكل ما عملته أنها ضاعفت تصريحاتها كماً ونوعاً، وزادت "تطميناتها" للسوريين.

ولعل تحقيق "الجيش الحر" وجود مناطق آمنة في شمال سوريا بقواه الذاتية، دون تلقي أية مساعدة خارجية ودون إسراع تلك الدول بتقديم تلك المساعدة المالية والمسلحة، يكشف زيف التصريحات التي تطلقها هذه الدول وخداع سياساتها ومواقفها، ويؤكد أن لهذه الدول أهدافاً أخرى من مواقفها تجاه الأزمة السورية، منها إطالة الصراع السوري المسلح لأقصى مدة ممكنة، بهدف أن يدمر السوريون بلدهم تدميراً ذاتياً، بحيث لا تقوم له قائمة إلا بعد سنوات طويلة، وعندها يتم إسقاط السلطة القائمة.

ولذلك يسمعنا مسؤول أميركي في كل يوم، أن النظام ساقط لا محالة وأن المسألة مسألة وقت، والوقت كما يبدو، لن يأتي إلا بعد تدمير سوريا!

=================

التدخل في سوريا... حكمة أم تهور؟!

تاريخ النشر: السبت 25 أغسطس 2012

الاتحاد

طغت الدعوات إلى تدخل عسكري أميركي في سوريا على النقاشات في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية. وبشكل عام، يتم الدفع بحجتين بسيطتين وفعالتين في هذا الصدد. الأولى، والأكثر قوة وإقناعاً، تقول بأن الكارثة الإنسانية الحالية التي نزلت بالشعب السوري تستوجب تحركاً دولياً. هذا بينما تقوم الثانية على السياسة الواقعية وتقول بأن دعم القضية العادلة للثوار السوريين سيضع الولايات المتحدة في وضع جيد مع النظام الجديد الذي سيصعد بعد نهاية النزاع. غير أن كلا الحجتين خاطئتان للأسف.

والحقيقة أن الأزمة الإنسانية في سوريا تمثل واقعاً لا يمكن إنكاره. فالنظام القاتل الذي يقوده بشار الأسد يبيد آلاف الرجال والنساء والأطفال. وهو يقاتل حالياً من أجل حياته، وليس لديه مكان ليذهب إليه. أما المعارضة، فقد استيقظت بعد أن عانت عقدين من القمع والاضطهاد. لكن الأمر يتعلق بحرب أهلية، وليس بإبادة جماعية. والحروب الأهلية بطبيعتها عنيفة، وبعضها أعنف من بعض (تذكروا الحرب الأهلية الأميركية)، كما أن هناك طرفين على الأقل في الحرب. وبغض النظر عن بشاعة نظام الأسد، فإن جزءاً لا بأس به من السوريين، وإن كانوا يشكلون أقلية، ما زالوا متعلقين به.

وعموماً، يمكن القول إن أي انخراط عسكري أميركي في سوريا سيكون له تأثيران هامان:

فأولا، سيتسبب ذلك الانخراط في إصابات، بما في ذلك الإصابات في صفوف المدنيين. وعلى المرء هنا ألا يقلل من شأن حجم القصف الذي سيتعين القيام به فقط من أجل وقف المنشآت المضادة للطائرات حتى يتسنى للقوات الجوية الأميركية تقديم الدعم للثوار. وعلاوة على ذلك، فإن إيقاف هذه المنشآت ليس عملية تتم مرة واحدة، وإنما يجب أن تظل مستمرة. ثم إن النظام سيعمد على الأرجح إلى إخفاء الكثير من دفاعاته الجوية وسط المناطق السكنية، مما سيتسبب في مزيد من الإصابات المدنية.

وثانياً، يمكن القول إن المشاركة الأميركية في حرب أخرى في بلد مسلم لن تؤدي إلا إلى تعميق التصور المتمثل في أن واشنطن تميل إلى إلقاء القنابل على السكان والأنظمة المسلمة. وبعد عامين على انتهاء أي تدخل أميركي في سوريا، فإن ما سيتذكره الناس هو أن نساءً وأطفالاً ماتوا تحت القصف الأميركي. وبالتالي، فإذا لم يكن الأمر ينطوي على مصلحة وطنية حيوية، فإن الوقت موات لكي تقاوم الولايات المتحدة إغراء قصف بلد مسلم آخر، بغض النظر عن نبل الهدف.

إن الانحياز إلى جانب معين ومد مجموعة ما بالسلاح لا يؤدي دائماً إلى منتصرين موالين وممتنين. ولعل العراق يمثل مثالاً جيداً في هذا الباب. ومن المحزن قول ذلك، لكن الحروب الأهلية يجب أن تخاض من قبل السكان المحليين. وبشكل عام، فإنه فقط بعد عيش فظاعات الحرب يتعلم الفرقاء فن التوافق والتوصل إلى حلول وسط.

لقد كانت سياسة الولايات المتحدة الخارجية دائماً منشغلة بمكانة أميركا ودورها في العالم أكثر من انشغالها بالبلدان التي تنخرط معها. فمسؤولو السياسة الخارجية في بلدنا يهتمون كثيراً ببقية العالم ولكن ذلك كثيراً ما يكون للأسباب الخطأ؛ ذلك أنهم يتصرفون كما لو أنهم لوحدهم يستطيعون إعادة صياغة النتائج وأن يكونوا فاعلي تغيير. وعدم القيام بشيء غير موجود في قاموسهم.

والواقع أنه من التهور دعم الثوار السوريين لأنهم سيفوزون أو لأننا نريد أن نؤثر فيهم في المستقبل. وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأن أي قيادة جديدة تولد من المذبحة والفوضى الواقعتين في سوريا حالياً ستهتم بالضرورة بما تفضله الولايات المتحدة وما لا تفضله. ذلك أن أياً من ثورات "الربيع العربي"، وضمنها تلك التي انخرطنا فيها بشكل مباشر وساهمنا في إنجاحها، لم تنتج أنظمة تعتبر بالضرورة موالية للولايات المتحدة. ثم إن أي نظام جديد في سوريا سيكافح كثيراً في البداية من أجل احتواء واستيعاب كل المجموعات التي تطالب بدور لتلعبه، وعلى غرار أي حكومة، فإنه سيبني سياساته استناداً إلى احتياجاته الفورية، ومن ثم فإن أي دور أميركي سيكون هامشياً.

والحقيقة التي يقوم عليها هذا الوضع هي أنه منذ عقود والعرب يسمعون، حتى في ظل الأنظمة الصديقة، لانتقادات يومية معادية للولايات المتحدة من حكوماتهم ووسائل إعلامهم ومثقفيهم. وهذا لن يتوقف ولن يتغير لأننا قررنا مساعدة المعارضة السورية، بل يمكن القول إن هؤلاء الأشخاص أنفسهم سينسبون دافعاً خبيثاً لأي مشاركة أميركية.

إن إدارة أوباما ترغب في رحيل الأسد، وكلما حدث ذلك مبكراً، كان أفضل بالتأكيد. وهذا أمر معقول ومنطقي تماماً من وجهة نظر أخلاقية وجيوسياسية. وأوباما مستعد للتحرك إذا ما استدعى الأمر ذلك لأننا في سنة انتخابية. غير أن الاختيار المطروح أمام الإدارة ليس بين عدم القيام بأي شيء والقصف.

والواقع أن واشنطن تستطيع لعب دور مهم عبر تزويد الجانب الذي تفضله (الثوار) بمعلومات استخباراتية بالغة الأهمية حول مواقع القوات السورية وبمساعدة خفية تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية. وهذا ينسجم مع المصالح الوطنية الأميركية. لكن إدارة أوباما مازالت تدين للأميركيين بتوضيح أكبر لسياستها تجاه سوريا.

ـــــــــــــ

هنري باركي

أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ليهاي الأميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيورج نيوز سيرفس"

=================

أبعاد دولية للثورة السورية

تاريخ النشر: السبت 25 أغسطس 2012

الاتحاد

كل يوم يمر على الثورة السورية تتعقد فيه الأمور، وتتهتك فيه سوريا من الداخل، وتندفع نحو المزيد من انهيار هذا البلد المنكوب بديكتاتورية بشعة يندر مثيلها في عالم اليوم. اختصار المأساة لا يكون إلا برحيل رأس النظام، واستمراره يعني استمرار حمام الدم ودخول سوريا في عمق المجهول.

تعقد الثورة السورية ودخولها نحو المجهول سببه تباعد مواقف الأطراف الرئيسية الدولية الأهم، ولكل أسبابه:

الصين، ترى في مسألة التدخل في شؤون الدول باباً لو انفتح على سوريا فقد لا يستثنيها يوماً، وهي التي تعاني من أزمات داخلية محتملة مستقبلاً، وبوادر اضطرابات عرقية وشرر ثورات في أقاليمها الإسلامية والتبت البوذية، ولو أقرت بمبدأ التدخل الدولي لحماية شعب من نظامه، فكأنما وضعت رقبتها على المذبح بمحض إرادتها مستقبلاً، لذلك هي تعارض التدخل الدولي لإنقاذ الشعب السوري من نظامه ولو تطلب ذلك فناء الشعب كله.

وروسيا لن تتخلى عن نظام الأسد بأي حال من الأحوال، ليس لأنها ديكتاتورية تدعم ديكتاتوراً أو لأن بسوريا قاعدة بحرية روسية هي الأخيرة من تركة الاتحاد السوفييتي خارج روسيا، ولا لأن حجم التبادل التجاري والعسكري بين سوريا وروسيا مرتفع -وهو ليس كذلك- وحسب، ولكن لأن روسيا تخشى البعد الإسلامي بسقوط النظام السوري.

تشير التقديرات إلى أن المسلمين يشكلون اليوم بروسيا ما نسبته 14 بالمئة من سكان روسيا الاتحادية، وهم الغالبية بجمهوريات ما بين البحرين: الأسود وقزوين، حيث الشيشان والشركس والأنغوش والتتار والداغستان وغيرهم، ومن المتوقع أن يشكل المسلمون أغلبية بروسيا خلال عقود إذا استمرت نسبة زيادتهم 6. بالمئة بينما يتراجع عدد الروس بنفس النسبة السنوية 6. بالمئة بسبب انخفاض عدد مواليد الروس ومعدلات العمر المنخفضة بينهم. وتشكل هذه الزيادات هاجساً مرعباً للروس الذين خبروا نوعاً جديداً من الإسلام السلفي الجهادي المغاير لما عرفته تلك الشعوب من الإسلام الصوفي المهادن الذي وصل إلى روسيا في العصور الوسطى، وتم قمعه مثل أي دين آخر من قبل الشيوعية السوفييتية، وعاد للحياة مرة أخرى بعد زوال السوفييت ولكن بصيغ جديدة تتطلع للانفصال وإقامة الدول الإسلامية، وهنا يكمن الهلع الروسي، ففي مناطق المسلمين تكمن ثروة روسيا من النفط والغاز، ويعيش سكانها حالة من الفقر والقهر في بلد تحكمه المافيات وتجار الأسلحة والحروب والمخدرات وينزلق نحو الشمولية المطلقة في عهد بوتين.

تعتقد القيادة الروسية ومفكروها جازمين أن سقوط بشار الأسد سيفتح منطقة القوقاز على مصراعيها لهجرة السوريين من أصول روسية أو من تلك الأقليات المسلمة، وعلى رأس هؤلاء الشركس الذين يبلغ عددهم ما بين 60-100 ألف، وهم من المقربين لنظام الأسد، الأمر الذي يعني هجرتهم حال سقوطه إلى مناطق البحر الأسود بالقرب من منتجع سوتشي حيث تنظم ألعاب الأولمبياد الشتوية عام 2014، وسوف تحمل تلك الهجرات حتماً معها أفكاراً تتعارض مع المصالح الروسية المحتكرة لخيرات تلك المناطق.

يرى الروس في الربيع العربي شراً مدمراً لهم ولمصالحهم، ومدعاة لتفجير ثورات بمناطق النفط والغاز الإسلامية، ولكن للأميركيين رأياً آخر:

إشعال منطقة الشرق الأوسط ووسط غرب آسيا والقوقاز بحروب طوائف تضمن شيئين: أمن إسرائيل وإشغال روسيا والصين وإضعافهما بهذه الحروب التي سوف يطالهما حتماً لظاها، وبالتالي دخول العالم في حرب شبه كونية دون تدخل غربي-أميركي غير معروف النتائج لعل الغرب يقطف ثمار نتائجه الاقتصادية.

باختلاف مواقف الكبار حول سوريا، وبانعدام تفويض واحد من مجلس الأمن، فإن مآل مهمة المبعوث الدولي الجديد -الأخضر الإبراهيمي- كمصير سابقه: الفشل الذريع.

=================

سوريا بين الأمس واليوم

تاريخ النشر: السبت 25 أغسطس 2012

غازي العريضي

الاتحاد

كانت سوريا خلال العقود الماضية مركز القرار. لا قرار عربياً من دونها. موقعها كبير، وهي في قلب دائرة التأثير في الأحداث. تدخلت في لبنان بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 75 19، حظيت بتفويض عربي ودولي حصري لإدارة الأزمة فيه. كانت تحرك كل شيء وتضبط إيقاع كل شيء والغطاء الدولي والعربي متوافر لها. أحكمت إلى حدود بعيدة القبضة على القرار الفلسطيني من خلال لبنان وخصوصية موقع وتأثير الفلسطيني على أرضه آنذاك. بعد سنوات من الصراع، أقر اتفاق الطائف برعاية سعودية – أميركية – عربية. وفوّضت سوريا تطبيقه بغطاء كامل أيضاً. فأدارت لبنان فعلياً منذ عام 1990. تمرّد في وجهها ميشال عون فرفض الاتفاق، جاء احتلال العراق الكويت. كان قرار دولي عربي بالتحرك لتحرير الكويت. لكن عناصره لم تكتمل إلا بموافقة سوريا"البعثية" بدونها لا يطاح بنظام "البعث" الآخر في العراق حتى لو اجتمع العالم. والذي كان قد حظي بموافقة إيران في إطار اتفاق أميركي – إيراني. وإيران هي حليفة سوريا منذ قيام الثورة، ثمن المشاركة السورية في تلك الحرب كان السماح للقوات السورية باستخدام كل أسلحتها لإطاحة عون وإزالة تمرده والإمساك بالقرار اللبناني..

يومها استخدمت سلاح طيرانها لأول مرة ولم يعترض أحد! والحكم في سوريا كان قد أقام علاقات متوازنة. عربياً كان ثمة مثلث قوي: سوريا – السعودية – مصر. وإسلامياً كان دور سوريا قوياً. والتحالف مع إيران في تلك المرحلة كان مدروساً . جسر حوار مع العرب من جهة وتأكيد على عروبة سوريا من جهة أخرى. وانفتاح على الغرب بل تفاهمات معه. وكذلك مع روسيا والصين. ولا توتر مع إسرائيل باستثناء ما جرى عام 82 في لبنان وكان السبب تجاوز إسرائيل لاتفاقات دولية – عربية حصلت غطت حرب إسرائيل لإخراج "منظمة التحرير" من لبنان. خرجت المنظمة وقواتها. لاحقاً أدارت سوريا حرب مخيمات في البلد لإخراج ما بقي فيها أو من عاد إليها من الفلسطينيين.

عام 2003 سقط صدام حسين. بدأ اجتثاث "البعث" صار حديث عن استهداف سوريا. غطى العرب سوريا ونظامها. رغم انعكاسات الحرب على العراق على التوازنات الإقليمية واندفاع إيران في العراق وشعور السنة بأنهم ضربوا وبأن عملية انتقام منهم تنفذ. ورغم موقف المملكة العربية السعودية من هذا الأمر، فإن العلاقة مع سوريا لم تتأثر. لكن النظام السوري دخل على خط اللعبة الأميركية في العراق. رقص على الحبال . تفاهم مع أميركا، تحالف مع إيران. "واستضافة" لبقايا النظام البعثي في العراق. "واستخدام" للمجاهدين المتطرفين وتحويل الأرض السورية ساحة لهم لتنفيذ عمليات في العراق ضد "القوات الأميركية المحتلة"! ودعم للمقاومة في لبنان ضد إسرائيل. عام 2004. تم التمديد لإميل لحود رئيساً للجمهورية اللبنانية، وصدر القرار 1559 بسببه – ولو نظرياً- وكان قد صدر قانون محاسبة سوريا في أميركا. ثم أغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14فبراير 2005. وخرج الجيش السوري من لبنان متهماً بالاغتيال وذليلاً! بدأت مرحلة جديدة. اعتقد كثيرون أنها بداية نهاية النظام السوري.

الأنظمة العربية لم توافق على تغييره، السعودية استمرت على علاقة طيبة معه، تصرفت بحذر وقلق مما يجري. عينها على ما يجري في العراق، وما جرى في لبنان ولا تريد تدمير سوريا. ومصر مبارك لحسابات عديدة لم توافق على إسقاطه رغم إطلاعها على تفاصيل جريمة اغتيال الرئيس الشهيد الحريري. بقيت سوريا في قلب الجامعة العربية تلعب دوراً فاعلاً. قطر على علاقة ممتازة مع قيادتها. إيران الحليف الإستراتيجي أصبحت في موقع متقدم جداً في هذا الحلف. بل هي الأساس لأن "حزب الله" تحول إلى لعب الدور السوري السابق في لبنان. أصبح القرار في الضاحية الجنوبية، كانت سوريا تحمي الحزب في لبنان، أصبح الحزب يحميها من لبنان وفيه. كانت سوريا الممر للسلاح والمال والخبراء، وكانت القرار الحامي في لبنان. بقيت سوريا هي الممر المتقدم أكثر من السابق لـ"حزب الله"، ولكن أصبح القرار عنده في لبنان! وأصبح هو الحامي. ومع ذلك بقي العرب حاضنين لسوريا ونظامها.

عام 2006 وقعت الحرب الإسرائيلية على لبنان. كان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير المقاومة بالنسبة إلى الأسد و"حزب الله". ما قيل عن قطر لم يقل عن إيران دون أي مبالغة وقفت قطر إلى جانب لبنان. وإلى جانب "حزب الله" وسوريا. قامت بحركة سياسية كبيرة وحمت سوريا.

قطر أزعجت 14 آذار، كان توتر في المواقف وكانت خيبات عند قادة هذا الفريق ومن يدعمهم. السعودية في شبه قطيعة مع سوريا لكنك لم تكن تسمع كلمة رسمية سيئة عن الأسد. أشهد أنني سمعت عشرات المرات كلاماً من خادم الحرمين الشريفين يفاجئ حاضرين ويزعج بعضهم أحياناً. يتحدث عن دور سوريا وموقعها وأهميته وعن الأمانة في الحرص على استقرارها وسلامتها ووحدتها وهو الذي ساهم في حماية نظام حافظ الأسد يوم استهدفه في الـ 84 شقيقه رفعت. وهو أيضاً الذي ثبت حكم بشار يوم تعيينه وريثاً لوالده. وكان يعامله مثل ابنه ويستذكر في كل الجلسات علاقته مع "أخيه" حافظ وحرصه على سوريا وهو كان متألماً مما صدر من "بشار" ضده!

الإمارات وقفت إلى جانب سوريا. الكويت استمرت علاقاتها جيدة جداً مع سوريا. مصر استمر تواصلها وتنسيقها مع سوريا.

سوريا كانت محاصرة ومتهمة. وكانت علاقاتها جيدة مع العراق وممتازة مع إيران وروسيا والصين. جاءت المحكمة الدولية للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه لتزيد الخناق عليها. ومع ذلك قامت قطر بدور كبير لحمايتها. وتطورت العلاقات التركية – السورية لتصل إلى مستوى استراتيجي. وإلى علاقات شخصية عائلية مع القيادة التركية. فتحت قطر الأبواب للنظام بعد انتخاب ساركوزي رئيساً لفرنسا. جاء الأسد إلى فرنسا ضيف شرف في 14 يوليو. وكان الأمر مفاجئاً. فتحت علاقات مجدداً مع ملك إسبانيا. مع بريطانيا. بدأت الزيارات المتبادلة بين القيادة السورية وقيادات غربية تتوالى ووفود غربية في دمشق. وفود عربية واستثمارات في سوريا. وحركة أميركية لافتة في اتجاه دمشق. ومن يحكم يتصرف على أساس أن الجميع "عادوا إلى هنا"!

عام 2009 قام آخر كبار الأمة العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين بمبادرة في قمة الكويت، وبعد دعمه مؤتمر الدوحة للمصالحة بين اللبنانيين وبموافقة وشراكة سورية بالتأكيد، فدعا إلى التضامن العربي وفتح صفحة جديدة مع سوريا رغم كل الجراح. ثم زار سوريا. وجاء مع الأسد إلى بيروت. وعادت المظلة والشراكة الثنائية السورية السعودية فوق لبنان. وبدأت مسيرة جديدة . حتى سعد الحريري أصبح في سوريا. وحديث عن براءة الأسد من دم الحريري الأب. طبعاً إيران كانت متوجسة من ذلك قلقة متسائلة: هل ثمة محاولة لإنتاج اتفاق سعودي – سوري – أميركي غربي جديد!

باختصار: تمت تبرئة النظام السوري سياسياً وإعلامياً من جريمة اغتيال الحريري. واستعيدت العلاقات معه. دون مبالغة كل العالم أصبح محتضناً لسوريا. "الأعداء" عادوا إلى علاقات طيبة. و"الثابتون" ثابتون كما يقولون. من أميركا إلى مصر والسعودية وقطر والإمارات وفرنسا وأوروبا وبريطانيا وإيران وروسيا والصين... كل العالم.

اليوم: عداء مع قطر، عداء مع أميركا. قطيعة مع السعودية. عداء. اتهام. قطيعة مع الغرب. استهداف. وعاد النظام إلى الدائرة الضيقة جداً: حزب الله. إيران. روسيا. الصين. حتى "حماس" لم تعد في دمشق. الموضوع الفلسطيني تراجع. تجروء في سوريا على النظام. تجروء في لبنان . دم يسيل منذ أكثر من سنة ونصف السنة. وسوريا تدمّر.

سوريا خارج الجامعة العربية. سوريا خارج منظمة التعاون الإسلامي بقرار من قمتها الأخيرة في مكة. 133 دولة في الأمم المتحدة تطالب بتنحي الأسد. سوريا خارج دائرة التأثير. جيش سوريا يخوض المعارك التدميرية ضد المدن والقرى السورية، صورته اهتزت، دوره اهتز، متهم بقتل شعبه وهدوء على جبهة الجولان. مذابح في الداخل. "الجهاديون"، "الإرهابيون" الذين استخدمهم النظام في العراق ارتدوا إليه. زاد عددهم، مجتمع يتفكك، وروح مذهبية وطائفية مسيطرة جوع فقر وأمراض، واقتصاد ينهار. كل ما بني في سوريا مهدد بالدمار. فمن المسؤول عن ذلك؟ وهل في ذلك مصلحة لسوريا أم لإيران وروسيا والصين التي تبحث عن مصالحها في مقابل الدول الأخرى الكبرى الباحثة عن مصالحها أيضاً وعلى رأسها إسرائيل المستفيد الأكبر. واللاعب الأكبر، وبعد أن أصبحت سوريا هي الساحة والأرض المستباحة والملعب المفتوح؟ هل كل ذلك لأن ثمة مؤامرة؟ لا، السبب الأساس هو المكابرة والمقامرة، والمغامرة، وسوء الإدارة. والقفز فوق الحقائق والوقائع. والعقل الأمني التدميري. ومنطق القوة الذي هو الضعف الأبرز في شخصية أصحابه، هذا ما أدى إلى ما نحن عليه والحبل على الجرّار، ودخل كثيرون على الخط. وما زال المكابرون يعتبرون أن ما يجري هو مواجهات مع عصابات ومرتزقة وعاطلين عن العمل! حرام سوريا، حرام الشعب السوري الذي يدفع هذا الثمن الكبير مع كل التقدير لصبره وصموده.

غازي العريضي

وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني

=================

الشرق الأوسط مع رحيل الأسد

د. نقولا زيدان

المستقبل - السبت 25 آب 2012 - العدد 4439 - رأي و فكر - صفحة 20

من المنطقي والعقلاني بل من المؤكد القول انه من البديهي بمكان أن بشار الأسد ما عاد بإمكانه على الاطلاق أن يستمر هو ومن تبقى من طاقمه الحاكم في مواقعهم على رأس السلطة في سوريا. بل في السياق نفسه لم يعد بوسعه، أياً كانت الحلول والمخارج والتسويات للأزمة السورية الدامية، أن يكون وزبانيته شريكاً أو طرفاً مشاركاً في مستقبل الحياة السياسية هناك.

لقد أراق من الدماء أكثر بكثير مما تحتمل سوريا وما تقبله وتسوغه أية علاقة بين الحاكم والمحكوم، بين الظالم والمظلوم، بين الطاغية والشعب. فقد تجاوز بدمويته ومجازره وطغيانه كل تلك الأسماء المثيرة للرعب والقشعريرة في تاريخ البشرية الحديث، من فرانكو الى سالازار الى عيدي أمين دادا، الى لون فول الى معمر القذافي... فالهوة الفاصلة بينه وبين كل مكونات وأطياف الشعب السوري قد أصبحت من الاتساع بمكان انه قد بات من المستحيل معها أن يجري ردمها باللجوء الى أي حوار أو تسوية سياسية كما يحلو لوزير خارجية روسيا لافروف أو قادة النظام الايراني أو أصدقاء النظام الأسدي عندنا أن يتخيلوا ويتصوروا.

وعبئاً يحاول حاكم دمشق ارسال موفديه الى موسكو وبكين لاستدراج عروض موهومة بشأن تسوية ما هي نفسها غارقة في بحر من الدماء، قد بلغت بل تجاوزت المستحيل. وكان آخرهم قدري جميل الذي أدلى بتصريحات متناقضة بين إمكانية تنحي الأسد وعدم التنحية كشرط مسبق للحوار بحثاً عن حوار أصبح عبثياً.

من المهم جداً في هذا الاطار أن نناقش مستقبل الشرق الأوسط بعد رحيل الأسد ونظامه كما ينصب الحديث الآن في عواصم القرار وأروقة مجلس الأمن.

أصبح النظام الايراني يدرك جدياً الآن صحة النظرية القائلة باستحالة استمرار الأسد ونظامه وقد بدأ بدرس الموقف عن كثب، فهو ينظر بقلق شديد الى مستقبل سوريا بعد رحيله وبالأخص ما يترتب على مستقبل حزب الله في لبنان على ضوء هذا الاحتمال الوشيك.

تراقب اسرائيل المعركة الدائرة في سوريا عن كثب، تماماً كما تراقب الوضع الأمني والعسكري في سيناء بعد تدفق وحدات الجيش المصري من دبابات وطيران حربي لفرض الأمن هناك ومطاردة الارهابيين ويهمها كثيراً أن يحافظ النظام المصري على بنود معاهدة السلام (كامب دافيد 1979)، كما يهمها أن تظل هضبة الجولان هادئة كما كانت طوال 39 سنة، ذلك أن طبيعة النظام الذي سيحكم دمشق بعد الأسد مسألة من الأهمية بمكان. وبالمقابل فإن تعرض المخيمات الفلسطينية في سوريا لاجتياح الجيش النظامي قد أدخل عنصراً جديداً في أزمة النظام الأسدي حيث اضطرت آلاف العائلات الفلسطينية للنزوح الى لبنان والأردن. وتواجه السلطة الفلسطينية انتقادات لاذعة بسبب تقاعسها عن اتخاذ موقف حازم، كما طاولت الانتقادات حماس نفسها.

ما زالت تركيا حتى اللحظة غير راغبة في أي تورط عسكري في الصراع الدموي الجاري الآن، ذلك لأنها تمثل الواجهة الأمامية لحلف شمالي الأطلسي مع ما يترتب عن ذلك من انجرار الحلف الى مواجهة عسكرية مع روسيا حتى ولو اقتصرت هذه المواجهة على الساحة السورية وحدها تجنباً لمواجهة ونزاع دولي واسع النطاق.

فمقابل التورط الايراني وحزب الله بإرسال خبراء ومقاتلين الى سوريا، ما زالت تركيا ترفض ارسال مقاتلين وتطبيق حظر جوي فوق حلب حيث يدك الطيران الحربي السوري الأبنية والمواقع التي يتحصن فيها الجيش السوري الحر. وتتوالى التصريحات التركية حول تدفق اللاجئين السوريين في الوقت الذي تتطلب فيه المواجهة الميدانية تزويد الجيش السوري الحر بصواريخ أرض جو وصواريخ مضادة للدروع ما زالت مكدسة في عنابر الجيش التركي. ومن غير المجدي في هذا المجال التلطي وراء الحديث عن مناطق سورية آمنة لأن مناطق من هذا القبيل تتطلب غطاء جوياً ودفاعات أرضية رادعة.

يبدو النظام الأسدي عاجزاً عن جرّ الأردن للتورط في المعركة بالرغم من التحرش به من وقت لآخر، خصوصاً وان طبيعة التداخل السكاني في درعا وأريافها تسهل تحركات الجيش السوري الحر بين البلدين، ما يثير قلقاً بالغاً لدى نظام دمشق. وتكتفي عمان بلعب دور المحطة التي تتدفق اليها المساعدات الانسانية السعودية والقطرية والفرنسية.

على صعيد العراق، بالرغم من تعاطف حكومة المالكي السياسي مع نظام الأسد بفعل تعاظم النفوذ الايراني هناك والتسهيلات اللوجستية والاقتصادية عبر الحدود العراقية السورية لفك الحصار الاقتصادي المضروب على النظام السوري، فإن متاعب العراق الأمنية والسياسية تجعله في شغل شاغل عن نجدة الأسد في محنته.

أما على صعيد لبنان، فإن المعركة بين أنصار ومؤيدي الثورة السورية خاصة في عكار والبقاع من جهة وقوى 8 آذار من جهة أخرى قد بلغت حدود المواجهة المسلحة، فالمعركة في طرابلس ما زالت مشتعلة. وقد تركت فضيحة ميشال سماحة آثاراً عميقة على الحياة السياسية عندنا حيث ثبت تورط القيادة السورية في زعزعة الوضع الأمني عندنا وما تعده لنا من متاعب. وتتحدث أوساط قوى 8 آذار جدياً عن مرحلة ما بعد الأسد وقد باتت مطروحة بقوة وواقعية ابتداء من طهران الى موسكو. وتشير المعلومات الى اتجاهين مختلفين في هذه الأوساط: الأول الذي يصغي بعناية للنصائح الايرانية والداعي الى التعاطي مع سقوط الأسد كأمر واقع لا محالة والتعاطي بإيجابية مع قوى 14 آذار. والثاني وهو الاتجاه المتشدد القائل بتكرار تجربة 7 أيار 2008 المشؤومة ومحاولة اجتياح سائر المناطق المتعاطفة مع الثورة السورية، بل يذهب هذا الاتجاه للقول انه في حال نجاح الأسد في سحق المعارضة يتوجب سحق أنصارها من اللبنانيين وفي حال سقوطه يجب اللجوء الى عمل عسكري استباقي دفاعاً عن النفس. والنتيجة واحدة أليس كذلك؟.

إن صيرورة ومآل ونتائج الثورة السورية سوف تحدد حتماً دون أدنى شك الكثير من ملامح الحياة السياسية عندنا بل مستقبل لبنان القريب. فحالة التردي والفساد والعجز والفضائح وسياسة إملاءات النظام الأسدي ووصايته هو وحلفائه على اللبنانيين، لا يمكن أن تستمر طويلاً. إن التغيير قادم لا محالة وساعة الحقيقة تقترب.

=================

في أحوال المسيحيين السوريين

فايز سارة

السفير

25-8-2012

اثيرت في الفترة الاخيرة زوبعة اعلامية حول وضع المسيحيين في سوريا، والجوهري في هذه الزوبعة، اختلاف اساسه الاجابة عن سؤال، عما اذا تعرض المسيحيون السوريون للاضطهاد وللعنف في خلال الاحداث التي تشهدها البلاد منذ آذار (مارس) 2011، وانقسم المشاركون في ما اثارته الزوبعة من معلومات ونقاشات وتعقيبات الى فريقين، اولهما فريق أكد ان المسيحيين كانوا هدفاً لاعمال اضطهاد وعنف، اما الفريق الاخر فرفض تلك المقولة، مؤكداً ان المسيحيين لم يكونوا اهدافاً للاضطهاد والعنف، والامر في الحالتين يتعلق من جهة بالمسيحيين بالمعنى الديني، وبالعنف الذي تمارسه»المعارضة المسلحة» سواء جرى وصفها بـ«العصابات المسلحة والارهابية» وما الى ذلك، وصولاً الى «الجيش السوري الحر».

وقبل الدخول في ما اثارته الزوبعة حول المسيحيين السوريين، لا بد من اشارات تتعلق بالوجود المسيحي في سوريا، وهو وجود اساسي في البنيان السكاني الحضاري والثقافي للبلاد. ورغم ان نسبة المسيحيين لا تتجاوز العشرة بالمئة الا قليلاً بحسب اكثر التقديرات شيوعاً، ما يعني ان عددهم يزيد قليلاً من مليوني نسمة، الا ان المسيحيين حاضرون في طول البلاد وعرضها، ومتغلغلون في النسيج العام للسكان، ولهم حضور ملموس في الحياة العامة بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي الانشطة المختلفة الخدماتية والانتاجية، وهو حضور يؤكد ان المسيحيين السوريين ليسوا اقلية محصورة أو طائفة منعزلة على نحو ما يركز الذين يتناولون الوضع في سورية باعتباره حشداً او مجمعاً من الاقليات والطوائف.

اول الادعاءات حول المسيحية السورية، انها تتعرض للاضطهاد من جانب مواطنيها المسلمين وخاصة المسلحين، الامر الذي يمثل كذبة كبرى في فكرته، وفي تفاصيل التي يقال ان بينها توجيه تهديدات للمسيحيين لاجبارهم على مغادرة مناطق يسكنونها او اماكن يشتغلون فيها، وهو امر عار عن الصحة اليوم كما كان دائماً، ويتماثل مع اكذوبة قتل مسيحيين بما فيهم احد رجال الدين المسيحي، على نحو ما اشيع في حمص قبل اشهر، وكذلك اكذوبة الاعتداء على كنائس وتدميرها من جانب مسلمين، وكلها اتهامات جرى تفنيدها بالواقع وشارك في ذلك مسيحيون وبينهم رجال دين ومؤسسات مسيحية.

كما بين الادعاءات القول بوقوف المسيحيين على الحياد في ما تشهده سورية من تطورات، وهو ادعاء غير صحيح، يسعى الى تقديم المسيحيين كأنهم خارج الحياة بخلاف الواقع الذي يبين ان المسيحيين كغيرهم من السوريين، وقف بعضهم مع النظام وآخرين وقفوا مع المعارضة، وبين الناشطين السوريين في المعارضة السياسية والناشطين الميدانيين عشرات المسيحيين بينهم شباب ورجال ونساء في مختلف المناطق، وهناك العديد من المسيحيين الذين سقطوا في الاحداث في حمص ودمشق واماكن اخرى، بل يمكن القول، ان مشاركة المسيحيين الكثيفة في الحراك الشعبي هي مشاركة ملموسة على نحو ما كان عليه الحال في حمص ويبرود واماكن اخرى.

وثمة مزاعم جرى تداولها على نطاق واسع، تتعلق بخوف المسيحيين الزائد من التغييرات المحتملة في البلاد، والتي يمكن ان تحمل الى السلطة اسلاميين متشددين، يمنعون المسيحيين من اداء شعائرهم الدينية، ويضيقون على حياتهم وخصوصياتهم الثقافية والاجتماعية. ورغم ان احتمال ان يكون الاسلاميين المتشددين هم ورثة السلطة الحالية في النظام المقبل بعيد عن الحقيقة بسبب التغييرات المرتقبة في قواعد بناء السلطة المنتظرة، فان الاسلاميين في سوريا هم الابعد عن التشدد والتطرف، ولا يمكن ان يكون الاسلام السوري اسلاماً متطرفا وخاصة في علاقته مع المسيحيين.

 

=================

ذكريات طازجة: عندما دعاني آصف شوكت

ميشيل كيلو

السفير

25-8-2012

أود أن أروي في هذه المقالة قصة وقعت عقب وفاة الرئيس حافظ الأسد بشهرين اثنين، أي في نهاية شهر آب من عام 2000، تلقي بعض الضوء على خلفيات يجب أن يعرفها الجمهور، وتفسر بعض ما حدث في سوريا، وكيف تنكر النظام لكل ما تعهد به في السر والعلن، ولماذا كانت ثورة الشعب السوري حتمية في ظل ما مارسته القيادة من تضليل وخداع، وكم ضربت هذه القيادة عرض الحائط برغبات شعبها في التغيير والاصلاح.

... وكنت قد كتبت سلسلة مقالات نشرتها جريدة النهار أيام 23 و24 و25 و26 آب من الشهر المذكور، تحت عنوان جامع هو: «سوريا، مشكلات تنتظر حلولا»، شخصت فيها واقع سوريا التي تركها الأسد الأب لابنه، واقترحت حلولا لها، أثارت في حينه ضجة طاولت جميع الأوساط، وقرأت على أوسع نطاق، واعتبرت نوعا من برنامج إصلاح عميق وهيكلي للدولة والمجتمع والسلطة، كما قلت يومها بالحرف الواحد. وقد تحدث آخر عناوين السلسلة عن «حل صيني لأزمة سوفياتية»، وحذر من تحريك الرافعة الاقتصادية للإبقاء على الوضع السياسي القائم، أو لتعزيزه، مثلما هو الحال في الصين. وللعلم، فقد أبلغني زعيم فلسطيني بعد حين أن النظام أرسل خبراء إلى الصين كي يتعلموا كيفية تحريك الاقتصاد من أجل المحافظة على نظام سياسي ينتج الأزمات ويعيش عليها، ومزح معي وهو يسألني: إن كنت قد رأيت المبعوثين قبل أن أرسلهم إلى الصين لطلب العلم!

بعد أيام من نشر المقالات، اتصل بي صديق قديم هو الشاعر والكاتب سهيل ابراهيم، وكان يومها مسؤول مكتب مجلة «الكفاح العربي» في دمشق، التي كنت أكتب مقالة أسبوعية فيها، وقال لي إن اللواء «آصف شوكت» يريد أن يراني. سألته إن كان في الأمر اعتقال ما، فقال: مستحيل، لا أعتقد ذلك. خلال الحديث بيننا، فهمت منه أنه يريد مناقشة الأحوال في البلد معي، لأن المقالات أعجبته، ولأنه يوافق على جزء كبير مما جاء فيها من تشخيص وحلول، ويعتقد أن الرئيس بشار الأسد أعجب بها أيضا، وانه يشاطرني الرأي في 85% مما جاء فيها.

لم أتحمس للذهاب، ووضعت اشتراطات على اللقاء منها أن نجتمع في مكان عام، وأن يكون هناك شهود على ما سيقال. بعد أيام اتصل بي صديق عزيز وقديم آخر هو المناضل الراحل محمود سلامة، وقال لي إن آصف شوكت يريد أن يراني وأن تكون له معي جلسة حوار ودية ومفتوحة وآمنة، وإنه على استعداد للقائي حيث أريد. عندئذ، قررت الذهاب إليه في مكتبه، وحددنا موعدا في اتصال هاتفي أجراه هو معي.

استقبلني الرجل أمام باب المبنى الذي كان يعمل فيه ويدير منه المخابرات العسكرية المرعبة. ثم جعلني أتقدمه إلى غرفة بسيطة لفت نظري كثرة ما فيها من مجسمات وأعمال فنية تحمل وجه الأسد الأب، إلى جانب صور الرئيس الراحل وهو يحمل طفلا صغيرا بين يديه علمت أنه أحد أطفاله من زوجته ابنة الرئيس السيدة بشرى الأسد. جلست على كرسي وجلس هو على كرسي مقابل، بينما ظل كرسيه وراء مكتبه فارغا. عندئذ، بدأ الحديث حول البلاد وأوضاعها، التي كانت صحافة السلطة تشن هجوما لاذعا عليها وتنتقدها وتشهّر بمسببيها من فاسدين وحزبيين كذبة وانتهازيين، بل إن جريدة الثورة نشرت يومذاك على صدر صفحتها الأولى، خلال أسبوع، صوراً بالطول الكامل لبشار الأسد وتحتها صرخة استغاثة من كلمة واحدة هي «وابشاراه». قال اللواء شوكت في بداية الحديث: إن الرئيس قرأ المقالات وأعجب بها كثيرا، لكنه لا يقرني على ما قلته حول دوام 185 مهندسا في غرفة واحدة ضمن وزارة المواصلات، لأنه من غير المعقول أن يجلس كل هؤلاء في غرفة واحدة، فقلت له: إنني ذكرت الرقم لأقول إن تسعة وتسعين بالمئة من موظفي الدولة لا يعملون، لأنه لا عمل لهم ولا مكان لديهم يجلسون فيه، وإن حال الدولة والموظفين صار عبثياً، ولم أذكره كي أحشر قرابة مئتي شخص في غرفة صغيرة أعرف أنها لا تتسع لهم. انتقل الرجل عندئذ إلى الهجوم وقال: أنتم في المعارضة أخطأتم لأنكم لم تفهموا ما أراده الرئيس حافظ الأسد، الذي كان مع الضعيف ضد القوي، والفقير ضد الغني. سألته وأنا أبتسم: هل تعتبرون أنفسكم ضعافا وفقراء؟. أنتم لم تتركوا قوة أو ثروة لأحد، فهل كان الرئيس ضدكم أيضا؟. ابتسم ورد بثقة: هناك فاسدون ومنحطون سياسيا وأخلاقيا أفادوا من الفوضى الحزبية وانشغال القيادة بالمؤامرات الخارجية، لذلك يريد الرئيس بشار إصلاح أحوال البلاد والعباد، ليصير النظام مع الفقير لا الغني، والضعيف لا القوي.

وصلنا إلى الإصلاح المنشود، فقلت: هناك نمطان من الإصلاح: واحد تقني يطاول سطح المشكلات ولا ينفذ إلى أعماقها، وآخر هيكلي يقوم على إعادة نظر جذرية في البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأيديولوجية القائمة، فأي إصلاح تريدون؟ سأل: كيف نقوم بإصلاح وأنتم تطالبون بإسقاط النظام؟. قلت: إن قمتم بإصلاح فلن تكون هناك ضرورة لإسقاط النظام وسيسحب هذا الشعار من التداول، وأضفت: هل تريد أن نتفق على موعد غير بعيد نبدأ فيه كلا الأمرين معا وبالتلازم: أنتم من جانبكم تشرعون بالإصلاح، ونحن من جانبنا نقلع عن الدعوة إلى إسقاط النظام. ما الذي يمنع، إن كنتم تريدون إصلاحا تقبله المعارضة، أن نجلس إلى طاولة واحدة لنشخص سوية مشكلات البلاد، ونقرر سبل معالجتها باعتبارنا طرفين وطنيين يتعاونان في إطار تسوية تاريخية تقوم على اعترافكم بشرعينا كمعارضة واعترافنا بشرعيتكم كنظام، عندئذ سنكون نحن وأنتم وطنيين يتصدون لمشكلات بلادهم الكثيرة والخطيرة، ولن نبقى معارضة وموالاة. وحين يمر وقت كاف على تعاوننا، ونكون قد حللنا بعض المشكلات، وخاصة منها مشكلات الشباب وخاصة منها بطالة الأجيال الجديدة وافتقارها إلى أي دور عام، نتحدث عن مسألة السلطة، التي نوافق على بقائها في أيديكم طيلة فترة تعاوننا على الإصلاح. قال: هذا والله عظيم، ثم نهض إلى هاتف خاطب من خلاله الرئيس بشار الأسد، وأخبره بما تحدثنا به، وعندما أعاد السماعة إلى موضعها، كنت قد سمعت أنا أيضا ما قاله الصوت على جانب الخط الآخر: أمهلونا عاما واحدا فقط، وسترون كم سيكون الإصلاح حقيقيا وجديا وشاملا. قلت له: كي نشجعكم على الشروع في الإصلاح، لن نحتاج إلى عام كامل كي نقلع عن المطالبة بإسقاط النظام، لكننا لن نتوقف إطلاقا وتحت أي ظرف عن المطالبة بالديموقراطية والحرية والعدالة والمساواة وحكم القانون.

طلب لنا كأسا من الشاي، ثم عاد إلى كرسيه وراء مكتبه. فجأة مال على إحدى صور حافظ الأسد وقال وكأنه يناجيه: كم سنفتقد مستقبلا القائد الخالد. تلك كانت المرة الأولى التي أسمع فيها هذا المصطلح، والمرة الأولى التي أسمع فيها مسؤولا كبيرا يتحسر على زعيم غائب، بينما المألوف أن يقتصر الحديث على القائد الحاضر ومآثره وذكائه وفرادته بين خلق الله. عندما أخبرت رياض الترك بما جرى قال: سننتظر سنة ونصف، وفهم مثلي أن آصف شوكت كان ينتقد مؤهلات بشار الأسد ويتخوف منه.

خرجت من اللقاء، ونصحت أصدقائي بالصبر على الرئيس وبتشجيعه، كي لا يتكرر ما سبق أن حدث عام 1979، عندما أصدر النظام خطة إصلاحية من ثلاثة وثلاثين بندا لعبنا يومها دورا كبيرا في إحباطها. كنت أعتقد أننا يجب أن نعطي العهد الجديد فرصة، وأن نسهم في تسهيل أمور الإصلاح عليه، لأن إصلاح النظم الشمولية كان المرحلة الاولى في انهيارها، لذلك كتبت بعد اللقاء بقليل مقالة نشرتها «السفير» جعلت عنوانها «مراحل تفكك النظام الشمولي»، قلت فيها إن هذه تنهار عبر مراحل ثلاث، أولاها استعارة أشكال تنظيم وطرق عمل ومؤسسات من النظم غير الشمولية تحل بمعونتها المشكلات التي أنتجتها أيديولوجيا الشمولية المغلقة بتصورها الذي يترتب عليه واقع محدد، مغلق وركودي، بينما تكون المرحلة الثانية التخلي عن الايديولوجيا كمرجعية واحدية ومعصومة، والثالثة التخلي عن النظام والأيديولوجيا في آن معا، فلا بأس علينا إن نحن شجعنا كثيرا إصلاحا يمكن ان يكون أول خطوة على طريق انهيار نظامنا الشمولي، الذي كنا مؤمنين بأنه يجد نفسه في مأزق لا مخرج منه بالوسائل التي يعتمدها لمعالجته.

لم يحدث أي إصلاح بعد مضي السنة الموعودة، بينما كانت المعارضة قد انتقلت تماما من برنامج إسقاط النظام إلى برنامج يقوم على إعطاء الأولوية لحل مشكلات البلاد، طرفه الآخر النظام القائم، الذي كنا قد بدأنا نضغط عليه وننتقد سياساته التمييزية وفساده والعديد من رموزه، التي كان آصف شوكت قد وعد بالتخلص منها بمساعدة من المعارضة، مع الوعد بأن يكون الإصلاح مشروعا وطنيا وليس تدبيرا سلطويا أو حزبيا، وبأن ينظر بصدق إلى عمق الأزمة وشمولها وما بلغته أوضاع البلاد بسببها.

بعد شهرين من وعد الاسد الشاب بتنفيذ إصلاح يتم في إطار برنامج وطني عام، يبدأ بطي صفحة الاستئثار البعثي بالبلاد والعباد، ويفتح صفحة جديدة تتسع لقوى المعارضة السياسية، التي لم تكن تتطلع إلى المشاركة في السلطة أو دخول «الجبهة الوطنية التقدمية»، بل أرادت دورا قانونيا وحرا في الحياة السياسية، حياة المجتمع الذي كان حراك «لجان إحياء المجتمع المدني» يريد إحياء دوره وحضوره في الشأن العام على أسس جديدة، غير ضيقة أو تقليدية، قال الرئيس الإصلاحي خلال مناورة أجرتها القوات المسلحة أثناء كلمة ألقاها في ختامها: «هؤلاء - يعني نحن - أقزام وسنسحقهم». بعد حين تم إغلاق المنتديات واعتقال نشطاء بارزين فيها وإصدار أحكام ضدهم تراوحت بين خمسة وعشرة أعوام، باستثناء الحكم الذي صدر ضد رياض الترك وبلغ عاما ونصف العام.

تلك كانت علامة على الاتجاه الذي قرر الأسد أخذ نظامه إليه، بعد فرصة حقيقية كان من شأنها أخذه بعيدا عنه، لأنه الاتجاه الذي أنتج أزمات متعاقبة يئس الأسد الاب نفسه من السيطرة عليها. هكذا، فوّت الإصلاحي المزعوم على سوريا فرصة تاريخية متاحة ومؤكدة، ودفع الأمور نحو احتدام متفاقم اجتماعيا وسياسيا، تفجر هنا وهناك بعد إقرار نهج «اقتصاد السوق الاجتماعي»، الذي دمر قاعدة نظامه الريفية، التي ظلت حامله السياسي طيلة قرابة اربعين عاما، وعندما أدار ظهره للعرب وتحالف مع إيران وحمّل سوريا عبء الوقوف معها ضد معظم دول العالم على وجه التقريب، ووضع على كاهلها وزر مشكلاتها الكثيرة التي لا تخص السوريين أو تخدم مصالحهم، ما جعل من التزامه بالوقوف إلى جانبها من جهة، ومن وقوفه ضد القطاعات الشعبية الواسعة من شعبه ومع لصوص وفاسدين ومهربين وتجار مخدرات وباعة آثار... من جهة أخرى، إهانة للشعب وسببا في انقطاع شعرة معاوية مع قطاعات واسعة منه في الريف والمدينة، وفي استعادة وتوسيع النهج الأمني المتشدد ودخول سوريا في أجواء فرز وضعت غالبية شعبها في جانب وأقلية مالكة وحاكمة متناقصة الأعداد متعاظمة الثروات والبطر في جانب آخر. عندئذ، بدا لكل ذي عينين أن الوضع صار متفجرا، وحدثت بالفعل انفجارت غضب تراكمت في أماكن كثيرة خلال وقت واحد، أكدت لمن يريد أن يفهم وجود دلالات على أن المجتمع لن يسكت على ما لحق به من ضيم. وحين جلس الناس أمام التلفاز طيلة شهرين تقريبا وشاهدوا بأم أعينهم كيف قهر التونسيون والمصريون العزل نظامهم الأمني، وما هو مختزن من طاقات وقدرات في نفوس المظلومين، نزلوا إلى الشارع مطالبين بحقوق كان يفترض أن يحققها الإصلاح لهم، لولا استهتار وسوء تقدير ورعونة من وعدهم قبل توليه السلطة بالنزاهة ومكافحة الفساد، وغرق بعد توليها في الفساد والأوساط الفاسدة، وانحط بالسياسة، التي كان والده يتقن فنونها، إلى مجرد ممارسة للعنف، رغم أنها لا تعني شيئا غير إخراجه من المجال العام، من علاقة السلطة بالمجتمع، وإحلال القانون وحكمه مكانه.

واليوم، وقد أدى رفض الإصلاح للمرة الثانية بعد انفجار المجتمع، بذريعة أن التنازل أمام الشعب علامة ضعف لا يجوز إظهارها من خلال قبول مطالبه، وانحدر القتل والدمار المنظم من فوق ليغطي كل مكان في بلادنا، ولم تبق جماعة او فرد خارج متناولهما، تمس الحاجة إلى تذكر اتفاق كان يمكن أن ينقذنا من المصير الأسود الذي نعيشه، كان من السهل تطبيقه وبلوغ شاطئ الآمان، تدريجيا وبصورة مدروسة وتوافقية، لو لم يتوهم بشار الأسد أن بوسعه الضحك على شعب»ه» وقيادته كما يقاد العبيد، ولو أدرك أن الدنيا تغيرت خلال سنوات البعث الاربعين، وأن من الحكمة التفاعل بإيجابية معها بدل الركون إلى حماقة مواجهتها بالعنف والاستهتار.

والآن، وقد وصلنا إلى هنا، حيث تطرح القيادة معادلة: «الأسد أو نحرق البلد، والأسد أو لا أحد». هل يجوز أن يستمر اهل السلطة في إغماض أعينهم عن الواقع المخيف الذي بلغناه بسبب سياسات رجل أثبت أنه لم يتعلم السياسة؟. وهل يجوز أن يكون مصيرهم معرضا لأعظم المخاطر بسبب خياراته، وأن يتولوا الدفاع عن أخطائه، التي نشرت الخراب في كل مكان وقضت على فرص استمرار النظام الحالي كنظام يتمتع بأي قدر من الشرعية والوطنية؟. هل يجوز أن لا يتوقف هؤلاء أمام ضمائرهم ويراجعوا أنفسهم ويستخلصوا النتائج مما يجري، مع ان لهم مكانهم المضمون في دولة الحرية ومجتمعها، ولن يكونوا ضيوفا أو طارئين في وطنهم، وانما سيشاركون في إعادة تأسسيه، فلا مفر من أن يتحملوا قسطهم من المسؤولية عن سلامته وبقائه دولة موحدة ينعم مواطنوها جميعهم بالأمن والحرية والعدالة والاحترام؟.

بقدر ما يبتعد أهل النظام عن الأسد، ويسهموا في وقف نهجه والتصالح مع ضحاياه، بقدر ما ستخرج بلادنا بسرعة وثقة من الموت الذي دفعها إليه، وتكون مؤهلة لتضميد جراحها ورأب الصدوع التي أحدثها العنف فيها، والذهاب من هنا إلى بديل يرضي الجميع لأنه للجميع. إن مصر سوريا يتوقف على خيارات أبنائها، الذين وضعوا دوما الولاء لها فوق الولاء لأي شخص أو مصلحة!.

=================

سوريا إلى أين... لبنان إلى أين؟

معركة حلب تحدد الموقفين الروسي والأميركي

اميل خوري

2012-08-25

النهار

من أين يبدأ المبعوث المشترك الاممي – العربي الجديد الاخضر الابرهيمي لاخراج سوريا من الحرب الداخلية. هل يبدأ من حيث بدأ سلفه كوفي أنان فانتهى باعلان فشله؟

هذا هو السؤال المطروح ولا جواب عنه حتى الآن.

ثمة من يقول إنه لن يبدأ من نقطة طلب تنحي الرئيس بشار الاسد أولاً لأن الخلاف حاد حولها داخلياً وخارجياً، إنما قد يبدأ من نقطة تشكيل حكومة انتقالية حتى اذا تم التوصل الى اتفاق على تشكيلها يصبح موضوع تنحي الرئيس الاسد ونقل صلاحياته الى هذه الحكومة مطروحاً كي تستطيع اتخاذ الاجراءات التي تتطلبها عملية الانتقال بحيث تبدأ بالدعوة الى اجراء انتخابات نيابية على أساس قانون جديد ينبثق منها مجلس نيابي ينتخب رئيساً للجمهورية  وتأليف حكومة جديدة تتولى وضع دستور جديد للبلاد يعتمد التعددية والنظام الديموقراطي الصحيح.

لكن هل في الامكان التوصل الى اتفاق على تشكيل حكومة جديدة بالسرعة المطلوبة كي تنتقل اليها صلاحيات رئيس الجمهورية، واذا لم يتم التوصل الى هذا الاتفاق فما العمل؟

وثمة من يقول ان لا أمل في حل سياسي لما يجري في سوريا، انما بات الحل عسكريا وان طال أمده لان أياً من الطرفين المتقاتلين لن يرضى بصيغة حل سياسي ما دام طرف يصر على مناقشة هذا الحل على طاولة الحوار بوجود الرئيس الاسد، وطرف آخر يرفض ذلك ويصر على عدم مناقشة أي حل بوجود الرئيس الاسد وإنما بعد تنحيه، وفي أقصى حد بعد تشكيل حكومة تنتقل اليها صلاحيات الرئيس.

أما الدول المعنية بوضع سوريا، وتحديداً الولايات المتحدة الاميركية ومن معها، وروسيا ومن معها فتتريث لاتخاذ موقف من هذا الوضع، منتظرة الآتي:

أولا: ما ستسفر عنه مهمة المبعوث الاممي – العربي الجديد الاخضر الابرهيمي.

ثانيا: ما سيقرره مجلس الامن في ضوء ما ستسفر عنه مهمة الابرهيمي سواء كانت نتائجها سلبية أم ايجابية، لمعرفة ما اذا كانت الدول الاعضاء في المجلس ستوحد موقفها في اتخاذ قرار قابل للتنفيذ بدءاً بوقف تام لاطلاق النار.

ثالثا: انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية علَّ الادارة الاميركية الجديدة يكون لها موقف مما يجري في سوريا يختلف عن موقف الادارة الحالية بحيث تلتقي في الرأي مع روسيا في ايجاد حل سياسي أو حتى عسكري في سوريا.

رابعاً: انتظار نتائج المعارك الدائرة بين الطرفين في سوريا، ولا سيما في حلب، كي يبنى على الشيء مقتضاه. فاذا انتصرت المعارضة فان انتصارها يجعل روسيا ومن معها، تراجع موقفها وتعيد النظر في شروطها ومطالبها. واذا لم تنتصر المعارضة فقد تعيد الولايات المتحدة الاميركية ومن معها النظر في موقفها، بحيث تلتقي عندئذ وروسيا على حل مشترك للوضع في سوريا كأن لا يتنحى الاسد الا بعد تشكيل حكومة انتقالية تحول دون حصول فراغ وفوضى. اما اذا ظلت المعارك سجالا بين الطرفين ولم يتمكن أي طرف من التغلب على الطرف الآخر، وتعذر حتى ايجاد مناطق عازلة فان هذا يدخل الوضع في سوريا مرحلة “اللبننة” التي لم تنته الا باتفاق عربي ودولي على تلزيم سوريا وقف الاقتتال في لبنان بقرار صدر عن قمة عربية، فان مثل هذا الاتفاق يصبح مطلوبا لتلزيم وقف الاقتتال في سوريا لدولة او لمجموعة دول.

خامسا: انتظار مدى اتساع دائرة الانشقاقات عن المؤسسات العسكرية والمدنية، حتى اذا ما توسعت يكون انهيار النظام قد تحقق من الداخل فلا تعود ثمة حاجة للبحث عن حل سياسي أو حل عسكري، بل يفرض الواقع نفسه فيتحمل السوريون مسؤولية البحث عن نظام بديل وحكم بديل. فاذا تعذر عليهم ذلك بسبب تجاذبات داخلية وخارجية، فان سوريا تدخل عندئذ في فوضى عارمة كالتي تسود العراق.

يبقى السؤال المهم: الى أين سوريا لكي نعرف الى أين لبنان؟

=================

رأي الدستور إنقـاذ الشـعـب السـوري

الدستور

25-8-2012

كافة المعطيات والمؤشرات تؤكد ان الازمة السورية قد دخلت مرحلة الاستعصاء، وان الحرب الاهلية التي انزلق اليها القطر الشقيق ستطول أكثر مما يتوقع الجميع، في ظل التدخلات والصراعات الدولية، بعد عودة الحرب الباردة، وقد وجدت من الساحة السورية ميداناً لتصفية الحسابات.

وفي هذا الصدد، لا بد من الاشارة الى حقيقة مهمة تعتبر سبباً رئيساً لما يحدث، وسبباً رئيساً في استمرار الكارثة التي حصدت حتى الآن اكثر من 25 الف مواطن، ونعني غياب الموقف العربي الفاعل والقادر على انقاذ الشعب السوري الشقيق من المحرقة، ومن الحرب القذرة التي حولت الشام.. ريحانة الله في ارضه الى أرض محروقة، وحولت مدن الثورة الى مدن منكوبة، يسكنها الموت، ويعمها الخراب، وقد هرب أهلها الى دول الجوار، فراراً من المأساة المروعة، او الى مدن وبلدات اخرى في الداخل ايثاراً للسلامة.

ومن ناحية اخرى، فلقد أثبتت هذه الازمة ان المجتمع الدولي ليس معنياً وبشكل جدي بانقاذ الشعب السوري، وانما معني بمصالحه، وان الخاسر الوحيد هو الشعب الشقيق، الذي فقد عشرات الآلاف من ابنائه بين قتيل وجريح، ودمر اقتصاده وبنيته التحتية، واصبح مهدداً بالتقسيم الى دويلات متناحرة متقاتلة على أسس طائفية ومذهبية.

ان الدرس الاول والاهم من هذه الازمة المستعصية، والتي تحولت الى طاحونة للموت، وهو درس لكل الحكام الطغاة.. يتمثل في فشل الحلول العسكرية والامنية، التي لجأ اليها النظام، رافضاً الاستجابة لمطالب الشعب الشقيق المشروعة في الحرية والكرامة، والديمقراطية والتعددية الحقيقية، والانتخابات النزيهة، وصولاً الى تداول السلطة، احتكاماً لصناديق الاقتراع، لاقامة الدولة المدنية الحديثة، ووضع حد للدولة الشمولية، والحزب القائد، وسياسات التوريث.

ومن هنا، فلو استجاب النظام لهذه المطالب المشروعة، وفتح باب الحوار البناء الهادف مع المعارضة لما وصلت الامور الى ما وصلت اليه، ولما تحولت الشام الى ساحة للصراعات الدولية، وطاحونة لموت يخطف الابرياء، وللحرب الاهلية، التي تشي بحرق الاخضر واليابس، والقضاء على الدولة السورية الموحدة، واقامة دويلات طائفية متناحرة.

لقد أثبتت الاحداث والوقائع صوابية الرؤية الاردنية، حينما دعا جلالة الملك المجتمع الدولي والفرقاء في الداخل لضرورة تبني الحل السياسي، كسبيل وحيد لانقاذ البلاد والعباد من الكارثة التي انزلق اليها الجميع.

مجمل القول: مؤلم جداً ان تصل الازمة السورية الى مرحلة الاستعصاء في ظل الصراعات الدولية والاقليمية التي حولت القطر الشقيق الى ميدان للحرب الباردة، ومؤلم أن يغيب الموقف العربي الموحد، القادر على انتشال القطر الشقيق من الكارثة التي تحيق به، وان لا سبيل أمام الشعب الشقيق لنزع فتيل هذه المحرقة، إلا باعتماد الحل السياسي، بعد فشل الحلول العسكرية والامنية، آملين من الأمة ان تنهض بمسؤولياتها وتعمل على انقاذ الشعب الشقيق من الكارثة التي حصدت اكثر من 25 الف انسان بريء، قبل ان يصل شرر النيران الى الجميع.

والله المنقذ.

=================

الأخضر الإبراهيمي والمهمة الصعبة

د. جورج طريف

الرأي الاردنية

25-8-2012

يشكل اختيار الأخضر الإبراهيمي الديبلوماسي الجزائري واحد ابرز الشخصيات السياسية العالمية المعروفة بقدرتها على المحاورة والذكاء الديبلوماسي مبعوثا للامم المتحدة والجامعة العربية لحل الازمة السورية فرصة ثمينة يجب على جميع الاطراف المتنازعة استثمارها لوقف الاقتتال في المدن والمناطق السورية والخروج  بحل سلمي يضع حدا لسفك الدماء ويضمن وحدة وسلامة اراضي وشعب سوريا ويلبي تطلعات وارادة الشعب السوري.

مهمة الإبراهيمي الديبلوماسي المخضرم الذي  كان مبعوثاً للأمم المتحدة إلى هايتي وجنوب إفريقيا واليمن وزائير في الفترة بين عامي 1994-1996، وفي السنوات الأخيرة كلف من طرف الأمم المتحدة لحل تفاوضي في العديد من بؤر التوتر تكللت في العديد من الحالات بنجاح، وبين عامي 1997 حتى عام 1999 كان مبعوثاً أمميا لأول مرة إلى أفغانستان ، وفي سنة 2004 عين مبعوثا للأمم المتحدة في العراق اقول ان مهمته لن تكون مفروشة بالورود وقد عبر عن ذلك بنفسه حينما اعلن في اول تصريح له انه ليس واثقا من  ايجاد حل للازمة السورية وطلبه المشروع من المجتمع الدولي لدعم جهوده في ضوء المعطيات على الارض واستمرار القتال في العديد من المناطق  والمدن والقرى السورية من جهة والانقسامات في المجتمع الدولي وخصوصا لدى الدول الكبرى في مجلس الامن.

صحيح ان الدبلوماسي الجزائري يتمتع بميزة لم يكن يتمتع فيها كوفي عنان فهو ابن المنطقة العربية ويعرف لغتها و تاريخها و ثقافتها ويعلم جيدا كيف تدار الامور في البلاد العربية وهذا ما يساعد الى حد ما في تحقيق الانجازات بشكل اسرع الا ان نجاح المهة يتطلب اكثر من ذلك بكثير اذ يعتمد بالدرجة الاولى على مدى دعم الاطراف الدولية لمهمته ، ولا شك في ان مهمته ستزداد صعوبة وربما تصبح مستحيلة اذا لم يتلق هذا الدعم وخاصة من الدول الخمس الكبرى في مجلس الامن الدولي ، نحن نعلم ان هذه الدول (فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والولايات المتحدة الاميركية) اعلنت ترحيبها بتعيين الابراهيمي وابدت استعدادها لدعمه لكن هذا الاعلان يجب ان يترجم عمليا بحيث يصل المجتمع الدولي الى توافق للضغط على نظام الاسد للقبول في الحل السلمي او الانتقال السلمي للسلطة والعمل   بشتى الوسائل لاحداث تغيير في الموقفين الروسي والصيني تجاه هذه المسألة.

اما الامر الاخر الذي يساهم الى حد كبير في وقف اطلاق النار ووقف سفك الدماء فيتمثل في تعاون الاطراف المتقاتلة مع المبعوث الدولي والعربي وتعاون اصحاب النفوذ الذين يقدمون الدعم السياسي واللوجستي وربما العسكري للاطراف المتقاتلة وفوق هذا وذاك ضرورة اقناع الرئيس السوري بشار الاسد بأن مسألة الانتقال السلمي للسلطة هي السبيل الوحيد لوقف القتال وانهاء الازمة واذا لم تتوفر هذه العوامل جميعها للمبعوث الدولي والعربي فان مصير مهمته سيكون الفشل وستضع سوريا على ابواب حرب اهلية طائفية لا يمكن التنبوء بنتائجها.

=================

الإبراهيمي..النجاح الصعب!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

25-8-2012

المفترض أن لا جدال في أن قبول الأخضر الإبراهيمي بالمهمة ،التي كان قبل بها كوفي أنان وفشل فيها فشلاً ذريعاً، كان مغامرة انتحارية من الناحية الدبلوماسية والسياسية فالمسألة السورية ما عاد بالإمكان حلها مع الرئيس السوري بشار الاسد وحده بعدما عصفت بها الأهواء الاقليمية والمصالح الدولية وغدت بمثابة عقدة يحتاج حلها الى جمع ألف رأسٍ على وسادة واحدة.

والأخضر الإبراهيمي ،هذا الرجل المخضرم الذي كان عايش الثورة الجزائرية في أدق وأصعب مراحلها إن داخلياً بين إخوة ورفاق السلاح وإن خارجياً في الصراع مع مستعمرٍ احتلالي لا يشبه إحتلاله للجزائر إلاّ إحتلال اسرائيل لفلسطين، يعرف وهو يعرف بالتأكيد أن البدء بإنشاء بناءٍ جديد أسهل كثيراً من ترميم بناء منهارٍ ومهدمٍ فالعقدة التي عجز كوفي أنان في حلها أصبحت بعد فشله واستقالته أكثر تعقيداً وأصعب من ان تحل بتوافق المصالح بين الأطراف ،التي لسذاجة نظام بشار الاسد ولضعفه ولافتقاره للكفاءات السياسية، أصبحت هي صاحبة القرار بالنسبة للأزمة السورية التي يبدو أن حلها الحل الذي يضمن وحدة سوريا ويبعد عنها شبح الحرب الأهلية غدا بعيد المنال.

إن ما يحتاجه الأخضر الإبراهيمي كي يبدأ بداية صحيحة هو أن يحقق الشرط الذي كان قد اعتبر أن قبول الامم المتحدة ومعها الجامعة العربية به يجعله يقبل بهذه المهمة الصعبة التي أُنتدب لحلها وهذا الشرط التعجيزي ،في حقيقة الأمر، هو أن تكون هناك وحدة تصور ووحدة موقف في مجلس الأمن الدولي وهذا ثبت أنه مستبعد ومستحيل وغير ممكن في ضوء الواقع الذي يحكم معادلة هذه الأزمة السورية.

ولهذا فإن خطوة الأخضر الإبراهيمي الأولى هي أن يتأكد أولاً من أن بشار الأسد يتمتع بحرية الإرادة وأنه صاحب القرار في سوريا ،التي أخضعها أبوه حافظ الأسد أربعين عاماً لقرار واحد لاشريك له فيه، وهي أن يضمن تخلي روسيا عن عنادها وتخلي فلاديمير بوتين عن عنجهيته التي بات واضحاً أن سببها هو شعوره بعقدة نقصٍ تجاه بعض من حكموا هذا البلد العريق بالحديد والنار إن في زمن القياصرة وإن في زمن الإتحاد السوفياتي الذي اتخذت صورته صورة ستالين في ذروة استبداده وسيطرته.

ولهذا أيضاً فإن أمام الأخضر الابراهيمي مسيرة ألف ميل ،التي كان بدأها ماوتسي تونغ بخطوة واحدة، كي يقنع إيران والمرشد الأعلى للثورة الايرانية بأن رحيل بشار الاسد وتنحيه بات مسألة وقت فقط وأنه من الأفضل ما دام أن هذا هو واقع الحال أن يكون هذا التنحي سلمياً كي لا يُعرِّضَ الإيرانيون ،إذا بقوا يتمترسون عند هذا الموقف الذي يتمسكون به الآن، مصالح بلادهم ليس في سوريا وإنما في الشرق الاوسط والمنطقة العربية كلها الى مخاطر استراتيجية كثيرة.

إنها مهمة صعبة هذه التي قبل بها الأخضر الإبراهيمي فالنجاح الذي يفكر فيه يتطلب إرضاء روسيا والاستجابة لكل متطلبات عنجهية بوتين وهذا النجاح يتطلب أيضاً نزع كل الأوهام والتطلعات الفارسية المغلفة بأبعاد طائفية تاريخية من رأس علي خامنئي وهو يتطلب أيضاً تفاهماً روسياً-أميركياً يبدو أنه سيبقى متعذراً وموافقة صينية وإجماعاً أوروبياً ووحدة موقف عربية وقراراً سورياً واحداً هو قرار بشار الأسد الذي يجب أن يكون قراره القبول بالتنحي بطريقة سلمية وذلك لأن البديل الذي يجب أن يكون جاهزاً هو القوة العسكرية.

=================

'إعزاز' بلدة سورية تستحق اسمها

عبد الحميد عبود

2012-08-24

القدس العربي

أنا في سوريا ،أنا حقا في سوريا، شلحتُ الشورت ولبستُ السروال، شلحت الشبشب وانتعلتُ البوسطار، أنا هنا في في دائرة الحرب وعليَّ ان أستعد لها شكليا على الأقل، هاهي 'اعزاز' قرية سورية حدودية تشتغل بالتهريب مع تركيا ولكنها الآن تشتغل بالثورة، 'الجيش الحر داعس على رأس الأسد' هذه أول عبارة صادفتني على حيطان الجمارك، الغرف المكيّفة التي كان يسكنها ضباط بعثيون مكرشون الآن يحتلها شبان متحمسون ولا عهد لهم بالبيروقراطية والبقشيش، ثمة حماس عفوي يذكرني ببواكير الثورة الفلسطينية، قلت لمأمور المركز الاعلامي 'أنا انسان حر وواضع نفسي تحت تصرف الجيش الحر' هذه ثورتي وحلم حياتي، أنا سوري رغم فلسطينيتي وأجيد استعمال السلاح كما أجيد استعمال القلم' فنظروا لي باستغراب.

المجاهدون عادة ما يكون لهم ذقون شرعية وليس شكل سياح، جاء شاب ملتح وقال 'إصعد معي في السيارة' فصعدتُ، سرنا في عتمة كالحة، قال لي نضمك إلى الكتائب الاسلامية، الذقون تخيفني كما يخيفني شبيحة النظام، شعرت بالحرج فقلت 'ما عندي مانع ولكني لا أصوم ولا أصلي'، اهتزت السيارة من المفاجأة ،' كيف رايح للجهاد وأنت لا تصوم ولا تصلي، ولماذا تجاهد أساسا؟ قلت 'في سبيل الحرية وفي سبيل سوريا ' فافهمني بنبرة شرعية ان الجهاد لا يكون الا في سبيل الله '، قلت له 'هذا البلد هو بلد السني والعلوي والمسيحي والدرزي والكردي' قال لي غاضباً 'إنزل من السيارة '، فنزلتُ في عز الليل ووجدتني في طريق وعر مهجور، ليس من الكياسة أن تكون وحدك على خط التماس حيث لا يتجرأ إثنان ان يمشيا ،لكني لم أقطع أربع الآف كيلومتر من أجل ان أرجع، أنا عنيد وحيثما ذهبتُ أذهب بكل قلقي، السير على الطريق المهجور كالسير على نصل الموس، العتمة أمامك والعتمة خلفك فعلى أي جانبيك تميل؟ ولا يهم أنك تمشي ببطء، ولكن المهم هو ألا تتوقف .

توقف لي موتورسيكل سألني راكبه عن وجهتي، قلت 'اعزاز '، 'هكذا وحدك'، 'نعم وحدي'، قال لي 'حظك كويس ولو وقعت بيد شبيحة النظام لذبحوك '، أردفني خلفه وقادني إلى بيته، كان ثمة نفر من الأشخاص وضعوا قدامي صحون الفستق الحلبي والبطيخ والسجائر، السوري قلبه فلسطينيي، والشيخ عز الدين القسّام علمنا ان الجرح العربي لا يتجزأ، من النقاش أدركتُ ان شباب اعزاز ناضج وواع ومنفتح وعطشان للحرية، وهم يتكلمون كنت أخالهم في الثلاثين ولكنهم لم يبلغوا العشرين، الثورة أنضجتهم قبل الأوان، من يسمع كلامهم يحسب ان سوريا كابوس كافكاوي يمتد من درعا إلى القامشلي إلى دير الزور ومن حلب الى تل كلخ، النظام تركيبته أمنية في كل محافظة (وأحيانا مدينة) يوجد خمسة أفرع أمنية وهي المخابرات الجوية، الأمن العسكري، أمن الدولة، الأمن الجنائي، الأمن السياسي، بالاضافة إلى المخفر، (وهؤلاء الجلاوزة الأمنيون غالبا ما يتنافسون فيما بينهم للاستحواذ على الفريسة وخاصة اذا كانت دسمة ومن الصنف الذي يدفع اكرامية وحلوان الخروج) النظام يريد ان يكسر عين الشعب ولكن وحشيته تفعل المفعول العكسي، النظام يستشرس وهذا من علامات نهايته، وكان السؤال الذي يتردد دائما 'هل اسرائيل تضرب الفلسطينيين بهذه الوحشية؟ لا يمكن المفاضلة بين السل والطاعون ولكن ظلم ذوي القـــــربى أشد مضاضة، ومن هنا نقمتهم على النظــــام، النـــظام الناقم على اعزاز لأنها بؤرة الثورة في ريف حلب ،كان يحاول إذلالها بقطع الماء والكهرباء والانترنت، ومن خلال الاعتقال التعسفي، الجيش النظامي اقتحمها وأحد الحلونجية كان يعرف ان الجنود سيمارسون نهب المحلات فسمّم حلوياته.

باسل مرعنازي اول شهيد سقط في المظاهرات وأسقط حاجز الخوف والمظاهرات صارت يومية، القناصة والشبيحة فيما بينهم كانوا يتراهنون على علبة دخان لمن يقدر ان يصيب ذلك المواطن العادي الذي يعبر الشارع، معركة الثوار للسيطرة على مقر الأمن العسكري (الباستيل الاعزازي) دامت 21 يوما، بعد قصف البلدة بالطيران قالت قناة الدنيا المؤيدة ان اعزاز أصابها زلزال (حتى غوبلز لا يستطيع ان يجيد أفضل من هذا) في المقبر ة المرتجلة قبور جماعية وقبور فارغة تنتظر شهداء مقبلين وكل الموتى (وعددهم يفوق المئة) ماتوا في يوم واحد 15 آب، هذا لا يحدث الا في سوريا، سوريا الأسد، النظام خسر المواجهة المباشرة فقصفها بالطيران، استأسد عليها من فوق، حولها إلى مدينة أشباح مشرّعة بوجه الموت، حتى عشيرة العجيل المؤيدة للأسد قُتل بعض أفرادها في الغارة الجوية فصارت معارضة، الأهالي يخشون غــــارة جديدة مفاجئة تحوّل العيد إلى مأتم، احدهم من شدة جزعــه صار يرتعد من صوت محرك السيارة، آخر صار ينقـــز من رؤية المئذنة لأن قناصة النظام كانوا يتمترسون بها، البـــلدة تبدو فقيرة، البيوت بائسة باستثناء بعض دور المتنفذين وكبار مهربي المازوت الذين كتبوا على قصورهم 'هذا من فضل ربي'.

على الحيطان تستطيع ان ترى الشعارات الشعبية ' المارد يخرج من القمقم، سوريا بدها (تريد) حرية، حرية وبس، 'يسقط النظام والصفيقة'، الموت ولا المذلة'، ثمة شعارت كتبها الشبيحة 'الأسد او لا أحد '، 'الله للعبادة والأسد للقيادة'، 'شبيحة للأبد لأجل عيون الأسد'، 'الأسد او نحرق البلد'، حيثما توجهنا نجد الدمار، الدمار أيضا وأيضا، الروس كذلك يريدون أن يجربوا سلاحهم الجديد في لحم الشعب السوري، يبدو ان الناس تعودت على منظر الموت فصار روتينا، وجنازات الشهداء تأتي من كل صوب لتصب في المقبرة، مدفعية النظام المتمترسة في مطار 'منَغ' القريب قصفت حتى المشيعين فقتلت منهم ثلاثة، الطحين مفقود والمازوت والمواد التموينية وجرة الغاز تباع بالعملة الصعبة، الوضع كارثي والحرب خلفت جيشا من الأرامل والثكالى، عمال النظافة هجروا اعمالهم فتحولت البلدة إلى مزبلة كبيرة، الاطباء تخاذلوا وغادروا البلدة باستثناء ممرض درعاوي أسمه 'أنس' رقى نفسه من ممرض إلى طبيب وقام بدور خارق لإسعاف الجرحى، الجرحى متروكون لمصيرهم والمصاب برجله قد يموت من شدة النزيف، الأصعبَ لم يأتِ بعد، أحيانا تتكون الحياة من شدة الموت، السوريون يعرفون أن الحرية إعرابها صعب وتتهجى مع الدم، لسان حالهم يقول 'سنموت، سنموت كثيرا قبل ان نتحرر'، يعرفون بغريزتهم الثورية ان المعركة مع النظام شطرنجية، يقولون روسيا ضدنا والصين، ايران ضدنا وحزب الله، ومن هو معنا ليس حقا معنا لأنهم لا يزودنا بالسلاح اللازم، حتى تركيا لا تجيد أكثر من استقبال اللاجئين والجرحى، أما دول الخليج النفطية فمُغرِضة وتسعى دائما لتجيير الثورات لصالحها، يختمون بجبرية شرقية 'الله وحده معنا' لم يعودوا يميزون بين أعور الدجال والمهدي المنتظر، 'الثورة السورية لا يمكنها ان تكون بيضاء بلا إراقة دماء لأن النظام يريد ان يرحل رحيلا يليق بمقامه (على جثث 17 مليون سوري) الجنرال الغضنفر ماهر الاسد قال مهددا 'سنترك سوريا (وعدد سكانها 22 مليون نسمة) كما استلمناها ( خمس ملايين نسمة)، الشعب السوري كله منخرط في المعركة: الكبير والصغير السلفي والوطني والعلماني والتواق للحرية، المعركة غير متكافئة، والجيش النظامي يرد على الكلاشن بالهواوين والطائرات مما يضطر الثوار لأن يطبقوا تكتيك حرب الريف والمدن 'أضرب وأهرب وناوش'، لكن حماس البدايات غالبا ما يتبدد فالثورة جميلة في الكتب والاشعار، حين تطول تصبح محبِطة، خاصة حين يخسر المواطن كل ما يملك وينام تحت شجرة زيتون هو وأطفاله، ويكتفي بالخبز والزعتر .

'الثورة تجارة والانسان سلعة والوطن سوق' تذمر أحد النازحين القرفانين من النزوح المتواصل، 'لكن الحرية مخاض عسير، ثورة صعبة احسن من ثورة سهلة 'جاوبه نازح آخر، 'ان كان الاستمرار في الثورة شهادة فالانسحاب منها انتحار' يعرف السوريون ان الثمن المطلوب غالٍ لأن الحرية التي تنتظرهم غالية وهذا هو ما يميز ثورتهم عن بقية الثورات العربية ،انها دفعت وحدها ضريبة أكثر من الكل مجتمعين ولم تصل بعد.

 

=================

الطوائف معرفيّاً وسياسيّاً في سورية

إيلي عبدو *

السبت ٢٥ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

ليست الطائفة العلوية وحدها من أُهمل على الصعيد المعرفي في سورية الأسد، بل عانت معظم الطوائف والأقليات الدينية من هذا الإهمال. نظام القائد الخالد الذي حرص خلال سنوات حكمه على تبني شعارات عروبية ووحدوية وقومية، منع التداول في قضايا الطوائف معتبراً أن الشعب قد انصهر في وحدة وطنية مثالية ولا بد أن يرفض أبناؤه كل من يعكر صفو هذه الوحدة، ويغدو كل من يتحدث عن الطوائف وحقوقها عميلاً وخائناً هدفه إضعاف النسيج الوطني وإيهان نفسية الأمة.

نظر النظام السوري إلى الشعب عبر أدبيات حزب البعث فاعتبره شرائح اجتماعية، فلاحين وعمالاً وكادحين وصغار كسبة، تسعى إلى بناء الاشتراكية والعدالة والوحدة والقومية العربية في وقت واحد! على رغم ذلك، لم تختف الطوائف بصفتها المكونات الأصلية للمجتمع السوري. كل ما حصل أنه تم إقصاؤها عن اللغة المتداولة، وتأجيل إفصاحاتها إلى وقت آخر.

والحال أن منع الطوائف من التعبير عن ذاتها لم يكن بقصد صهرها في عقد اجتماعي جديد يحوّل أتباعها إلى مواطنين، وإنما كان أسلوباً لتسهيل حكم بلد يتمتع بتنوع طائفي وقومي معقد. الأمر الذي جعله عرضة للاهتزاز السياسي الدائم. وعلى الأرجح فإن إقدام النظام على حجز الطوائف خارج الفعل المجتمعي والسياسي ساهم في تثبيت الهوية المغلقة لكل طائفة على عكس ما روّج من أفكار عن علمانية مفترضة أسسها البعث السوري. فالطوائف المطرودة شكلاً من المجال العام راحت تنسج علاقاتها في الخفاء بمساعدة النظام نفسه.

مقابل قطع ألسنة الطوائف واستبدالها بلغة وحدوية انصهارية كانت رائجة في ذلك الزمن، أدار النظام آلية ضمنية من المحاصصة الطائفية داخل أجهزة الدولة محاولاً إرضاء الطوائف عبر مناصب إدارية وخدماتية، تعتبر منافذ في الدولة للفساد والسرقة لا أكثر.

إذاً، خلف الخطاب الشعاراتي البعثي الذي لم تنفك أجهزة النظام التعبوية عن التذكير به، أرسى نظام الحكم خطاباً خفياً فُرض بالقوة على الجماعات في سورية، لا سيما بعد أحداث الثمانينات. خطاب يرمي إلى إطلاق يد التجار السنّة في دمشق وحلب على صعيد الاقتصاد وتأمين الحماية للأقليات كالمسيحيين والدروز والإسماعيليين، والأهم كان استثمار النظام العلويين في مراكز النفوذ الصانعة القرار السياسي في البلاد عبر دائرتَي القرابة والمنشأ. لعبة النظام لترتيب الطوائف وتحديد مواقعها بما يخدم بقاءه رافقها صمت معرفي تمثل في خشية معظم نخب المعارضة من مقاربة المسألة الطائفية وتحليلها بدقة. صوبت المعارضة سهام انتقاداتها إلى نظام لا يختلف اثنان على ديكتاتوريته، لكنها أغفلت ارتباط هذا النظام بمعادلة طائفية عمل على بنائها خلال سنوات حكمه. لم يدرك المعارضون أن انهيار النظام سيترافق بالضرورة مع انهيار هذه المعادلة وقد تتجاوز المسألة حدود عائلة الأسد لتمس كيانات الطوائف وتغير من جغرافيات انتشارها. هذا تحديداً ما حدث مع اندلاع الثورة السورية.

خلال الانتفاضة، تعاملت المعارضة مع الشعب الثائر بطريقة تشبه تلك التي كان يتبعها النظام. خطاب معلن يعتبره شعباً واحداً تحاول أجهزة الاستخبارات زرع الفتنة بين أبنائه، وخطاب خفي يسعى إلى تمثيل الأقليات في المجالس والهيئات والمنابر الناطقة باسم المعارضة: مسيحي يتحدث باسم المجلس الوطني، علوي مسؤول عن علاقاته الخارجية وكردي رئيس له. إضافة إلى ذلك فإن بعض المعارضين كانوا يخرجون على شاشات الفضائيات ليؤكدوا أن الشعب السوري لن ينجر إلى حرب أهلية في وقت كان هؤلاء أنفسهم يقودون الحرب الأهلية في حمص وغيرها من المدن عبر قوى مسلّحة تتبع لهم.

هذا الخطاب الخفي يكشف حالة الاستعصاء التي ظهرت عند المعارضة السورية وتجلت سماتها في رفض الاعتراف ببنية المجتمع السوري وتركيبته الطائفية الهشة، وذلك عبرالتغني بوحدته ووعيه، مع التواطؤ على هذه البنية وإعادة إنتاجها. غير أن النتيجة الأبرز لهذا الاستعصاء كانت في انعدام القدرة على تطوير معادلة جديدة تعيد رسم العلاقة بين الطوائف في البلاد، لغرض تعطيل صراعاتها.

لم تع النخب السياسية المعارضة في سورية أن الديموقراطية في مجتمع متعدد ومعطل سياسياً بفعل الاستبداد تمر بحرية الجماعات قبل الوصول إلى حرية الفرد التي نطمح إليها جميعاً.

بمعنى آخر، الثورة يجب أن تقطف أولى ثمارها عبر تنظيم العلاقة بين الطوائف تمهيداً للنضال من أجل الدولة المدنية المواطنية التي تنظر إلى الفرد بصفته مواطناً حراً. فقد يكون نظام التعدد الطائفي هو الأنسب، لا سيما أن المجتمع السوري يحتوي على الكثير من الخصوصيات الدينية والحضارية والثقافية.

وليس معيباً أن نعترف بأننا كسوريين عبارة عن مكونات مختلفة لا بد أن نمر بحقب تعايشية قبل أن نصل إلى حالة الانصهار الوطني. وتكتسب الأمور بعداً أكثر وضوحاً حين نفهم أن الدعوة إلى دولة مدنية علمانية ديموقراطية تكفل حرية الفرد وحقوقه، تبدو خارج السياق حين تكون الطوائف في صدد التحضير لكياناتها المستقلة.

فيمكن النخب السياسية ذات الاتجاهات القومية واليسارية أن تصرّ على أفكارها الحالمة عن وحدة الشعب وعلمانية الدولة وطبقية الصراع وهي تتفرج على أنهار الدماء تسيل في شوارع سورية، بعد تثبيت واقع الحرب الأهلية. لكن، يمكنها أيضاً أن تتلمس بواقعية بنية المجتمع السوري وتعقيدات حسابات الجماعات فيه، موفرة علينا الكثير من المجازر. فنقد الطائفية شيء والتعامل معها شيء آخر، واستهجان الثاني لمصلحة الأول يكشف عن بلادة أيديولوجية تحجب حقيقة المجتمع.

وبانتظار ظهور رؤى سياسية جديدة تنظر إلى الواقع السوري بعيداً من سمفونيات الوطنية والوحدة ورفض التدخل الخارجي، لا بد من التشديد على أن العلويين ليسوا وحدهم من يحتاج إلى الدراسة والتحليل من أجل تفكيك ارتباطهم بالنظام، فكذلك السنّة والمسيحيون والدروز والإسماعيليون والأكراد وبقية الطوائف والاثنيات. وارتباط العلويين بنظام الأسد إنما جاء وفق معادلة أنشأها هذا النظام ليكرس استبداده، وقد تورطت فيها بقية الطوائف بمسافات متفاوتة وسياقات مختلفة.

إن الثورة في إحدى صورها هي تفكيك هذه المعادلة وإنشاء أخرى تمهد لبناء وطن يناقش أبناؤه حالة اجتماعهم من دون بنادق ودماء.

 

=================

آخر المهمات المستحيلة للأخضر الإبراهيمي!

سليم نصار *

السبت ٢٥ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

تروي محاضر جلسات مؤتمر بوتسدام (من 17 تموز/ يوليو حتى 2 آب/ أغسطس 1945) بعضَ الوقائع المثيرة التي تذكّر بما يحدث في المنطقة من عنف وإرهاب باسم «الربيع العربي». ومن أطرف المناقشات المسجَّلة في تلك المحاضر، الجدل الذي دار بين وينستون تشرشل وجوزف ستالين، بحضور هاري ترومان، الذي خلف في حينه روزفلت.

كان الثلاثة يتناولون طعام العشاء، وينصتون باهتمام الى مقطوعة كلاسيكية راح يؤديها على البيانو أشهر موسيقار روسي. ويبدو ان ستالين قد تعمد ضم ذلك الموسيقار الى الوفد المرافق لأسباب تتعلق بسمعته الشخصية، لعل تلك البادرة تخفي بشاعة ماضيه الحزبي، لذلك اراد تنظيف تلك السمعة من طريق الإيحاء الى تشرشل وترومان بأنه انسان مثقف، مرهف الحس يستمتع بالموسيقى ويقدر الفنانين والمبدعين.

إلا أن هذه المظاهر المصطنعة لم تخدع تشرشل، الذي عجز أثناء الاجتماعات عن اقناع ستالين بأهمية عقد تسوية تنقذ دول اوروبا الشرقية من الهيمنة السوفياتية، لذلك اطلق العنان لغضبه المكبوت عندما فاجأ زعيم الكرملين بالسؤال التالي: هل صحيح أنك أمرت بتصفية 15 مليون نسمة أثناء حملات التطهير والتصفيات؟

كان ستالين يرشف الحساء من طاسة غرق فيها شاربه، فلم يستطع الإجابة على سؤال تشرشل لفظياً، ولكنه استعاض عن صمت فمه بإيماءات من يده اليسرى، التي بسط اصابعها الخمسة أمام بصر سائله اربع مرات.

وصرخ تشرشل بدهشة: تعني ان عدد ضحاياك وصل الى العشرين مليوناً؟ وعلق ستالين على حركة الاستغراب التي قام بها تشرشل، قائلاً: يا صديقي، إذا أنا قتلت شخصاً واحداً، فإن القضاء يعتبرني مجرماً، أما اذا تجاوزت حدود المألوف وأزهقت أرواح المئات أو الألوف أو الملايين، فإن هذه الارتكابات تدخل في علم الإحصاء (ستاتيستك).

والملفت ان جميع قواميس المختارات المقتبسة لمشاهير العالم، لم تأخذ من كلام جوزف ستالين سوى هذه العبارة المعبّرة!

هذا الاسبوع قدّرت «منظمة حقوق الانسان» العالمية عدد الضحايا في سورية بأكثر من عشرين الف قتيل، علماً أنه من الصعب تحديد الرقم الصحيح لحرب دمرت غالبية المدن والقرى، تماماً مثلما عجزت هذه المنظمة عن تقدير ضحايا المتفجرات في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين حتى اليوم.

ومع ان دمشق لا تعترف بهذه المقارنة، إلا أن المراقبين لا يرون في المعارك الطاحنة داخل حماه وحمص وحلب ودمشق، سوى نسخة مشابهة لحرب لبنان، أي أنهم يتوقعون استمرار الاقتتال والنزف والعنف واتساع رقعة التمزق بين الطوائف، بحيث تتعطل كل مؤسسات النظام الذي بناه الأسدان طول نصف قرن.

ومنعاً للوصول الى هذا المنحدر، فقد عهدت الامم المتحدة والجامعة العربية الى الأخضر الإبراهيمي بمهمة استكمال خطة كوفي انان.

والخطة التي وضعها انان في اذار (مارس) الماضي، كانت تدعو الى وقف اطلاق النار، مع انسحاب القوات الحكومية والأسلحة الثقيلة من المدن الثائرة ووقف المعارك يومياً لمدة ساعتين لأسباب إنسانية، كما تدعو الى الإفراج عن المعتقلين منذ اندلاع حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس بشار الاسد.

بعد مرور خمسة اشهر، استقال كوفي انان من منصبه، معترفاً بفشل جهوده لإرساء السلام، وأعلن في مؤتمر صحافي أنه لم يتلق الدعم الدولي والعربي لخطته، الأمر الذي أدى الى تصاعد حدة النزاع في سورية.

وفي 14 الجاري، وافقت سورية على تعيين الديبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي خلفاً لكوفي أنان. وربما ساعد على ترشيحه سجل النجاح الذي حققه في إنهاء الحرب اللبنانية بعد وصولها الى طريق مسدود. وبسبب قدرته على احتواء كل أفرقاء النزاع، بمن فيهم العماد ميشال عون، تمكن من نقل خلافات المتقاتلين الى مؤتمر الطائف بمشاركة 63 نائباً واعتذار عشرة. وقد افتتح الأمير سعود الفيصل في حينه جلسات المؤتمر بعبارة «الفشل ممنوع». ومن رحم هذا الشعار ولد اتفاق الطائف، الذي كرس الأعراف الدستورية ومهّد للإصلاحات السياسية والاجتماعية.

باشر الاخضر الابراهيمي عمله الديبلوماسي في اندونيسيا سنة 1956 ممثلاً للثورة الجزائرية حتى سنة 1961، ومن بعدها انضم الى الحكومة الجزائرية الموقتة في القاهرة، ثم جرى تعيينه سفيراً للجزائر سنة 1963 حتى سنة 1970، وقبل ان يعين سفيراً في لندن سنة 1971 تزوج من فتاة يوغوسلافية الاصل كان والدها يعمل في الجزائر، وبعد ان امضى ثمانية اعوام في لندن، عاد الى الجزائر ليشغل منصب مستشار، ومن ثم اختارته الجامعة العربية اميناً عاماً مساعداً. وتعرف خلال تلك الفترة على أمناء الأمم المتحدة، خصوصاً بعد اختياره مبعوثاً خاصاً للمنظمة العالمية في افغانستان والعراق. ويعترف زملاؤه القدامى بأنه كان يستخدم اسلوب رياضة «الجيدو» لتطبيقه على عمله الديبلوماسي، أي الانتصار على الخصم باستنزاف قوته، بعكس لعبة المصارعة. وحدث مرة اثناء وجوده في مدينة بيشاور الباكستانية، أن واجهه بعض المتاعب بسبب إصرار الملا عمر على ازالة صورة محمد علي جناح من قاعة الاجتماعات. وانبرى الملا عمر ليدافع عن وجهة نظره بالقول ان الاسلام لا يقبل الصور، وأي عمل آخر فيه تقليد لخلق الخالق. وخشي الابراهيمي ان ينسف هذا الموقف هدف الاجتماع، لذلك اقترح وضع منشفة على الصورة لحجبها عن نظر الملا عمر. وهكذا رضي الزعيم الافغاني بالمشاركة.

وعندما كُلِّف آخرَ الثمانينات بمعالجة الازمة اللبنانية المعقدة، اعترضت سورية على التعيين، بحجة ان عبدالحليم خدام كان مكلفاً تلك المهمة ايضاً. وقد ظهر ذلك الخلاف الى العلن عندما اقترح الأخضر الابراهيمي طرح مسألة السيادة اللبنانية على بساط البحث. واعترض خدام، لأن موضوع سيادة لبنان في رأيه يخص مستقبل العلاقات السورية-اللبنانية. وقال ان طرح مبعوث اللجنة الثلاثية العربية العليا لا ينسجم مع طروحات سورية، من النواحي الاستراتيجية والامنية والاقتصادية والاجتماعية. ولكن الابراهيمي لم يتوقف عند هذا الطرح المريب، واستأنف وساطته كأن شيئاً لم يكن.

ومثل هذه المعالجة الهادئة كانت السلاح السري الذي استعمله المبعوث الجزائري لربح معاركه الديبلوماسية، ذلك انه يؤمن بأن الوصول الى القمة لا يكون من طريق سلوك خط مستقيم، فالمتسلق كثيراً ما يضطر الى النزول، كي يعاود الصعود مرة اخرى، أي مثل نظرية نملة الإسكندر الكبير.

عقب إعلان تعيينه خلفاً لكوفي انان، اتصل الاخضر الابراهيمي بمختلف اصدقائه في دمشق وبيروت وعمان، طالباً منهم المشورة والنصح، وتباينت وجهات النظر في تقويم مسألة شخصية تعود بالاصل الى قرار صاحبها الذي دخل في عمر (78 سنة) لا يساعده على منازلة المتاعب الجسدية والنفسية التي قهرها في السابق. ويبدو انه مصمم على المساعدة في انقاذ بلد عربي لم يجد منه اثناء ازمة لبنان سوى «الخوازيق» والاعتراضات والعراقيل. وربما تتميز خطته عن خطة انان بالاندفاع لمنع سورية من السقوط نهائياً في حرب أهلية قد تؤدي الى تفككها وتقسيمها، كما تريد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي واسرائيل. وهو كجزائري وكقومي عربي، لا يرى مهمة اشرف من مهمة وقف الحرب الاهلية في سورية. وعند هذا الهدف يريد ان يختم اعماله الديبلوماسية، شرط ان يساعده الرئيس الاسد وزعماء المعارضة على تحقيق هذه الامنية، خصوصاً ان سلفه انان كان مقتنعاً بان المجازر المتواصلة لا تتناسب مع اي هدف سياسي او اقتصادي يسعى احد الطرفين الى إحرازه. وكان يقول للمتقاتلين إن الدماء التي سفحت يمكن تبريرها لو انها ستساهم مستقبلا في اقامة نظام اجتماعي يتفوق على النظام الذي يعمل الكل على تدميره.

ومع ان مهمته الجديدة محصورة بمشكلة سورية، الا ان الابراهيمي يعرف جيداً ان ما يجري في طرابلس والبقاع هو جزء من الشظايا السياسية التي تطلقها دمشق بهدف تخفيف الضغوطات عنها، بل هذا ما قرأه المراقبون في خطاب السيد حسن نصرالله الاخير، وفي موجة تصعيد العنف في العراق وتركيا.

يقول المفكر انغلز صديق كارل ماركس في وصف أعمال روبسبيير، إن الارهاب يتألف من افعال غير انسانية يرتكبها اناس مذعورون بقصد تطمين انفسهم.

يوم السبت المقبل، يبدأ الاخضر الابراهيمي مهمته المستحيلة بهدف تطمين النظام واعداء النظام في سورية بأن وظيفته قد تنتهي مثلما انتهت وظيفة انان، اذا لم يجد المتقاتلون ارضية سياسية مشتركة تجمعهم، كما جمع اللبنانيين مؤتمر الطائف!

=================

حظوظ التدخّل تزداد؟...

السبت ٢٥ أغسطس ٢٠١٢

حازم صاغية

الحياة

منذ شهر، أو نحو ذلك، تتجمّع أحداث ووقائع تقول إنّ التدخّل الخارجيّ في الأزمة السوريّة يكتسب مزيداً من اللحم والشحم. سوف ينبري بعض من يقولون: وهل هذا حبّاً بسوريّة؟. والجواب طبعاً لا، إذ الأمر لا صلة له بالحبّ والكراهية أصلاً. لكنْ بالضبط لأنّ الأمور لم تعد سوريّةً حصراً، تغدو قابليّات التدخّل أرفع من ذي قبل. ولا بأس، هنا، بالتذكير بالقابليّات السوريّة الضخمة التي تجعل ما هو سوريٌّ غيرَ سوريّ في وقت واحد: فإذا كانت ليبيا ليبيا وكفى، وتونس تونسَ فحسب، فإنّ سوريّة هي المشرق، وهي حيث يتشكّل أو يتفجّر العالم ما بعد العثمانيّ.

والنظام السوريّ البارع تقليديّاً في استخدام «الأوراق» زاد هذه القابليّات، لكنّه زادها، هذه المرّة، لغير مصلحته.

أول وأهمّ الوقائع الجديدة أمر الترسانة الكيماويّة التي ظنّ النظام أنّه يتذاكى بالكشف عنها، غير مدرك أنّه ينقل النقاش إلى سطح مختلف نوعيّاً، وإلى استعدادات مغايرة أيضاً. أمّا ثانية تلك الوقائع فمسألة «حزب العمّال الكردستانيّ» بنشاطه ونفوذه. وهنا أيضاً ظنّ النظام أنّه يتذاكى باستخدام هذه «الورقة» فإذا بأنقرة تتّهم دمشق بالتورّط في تفجيرات غازي عنتاب. والواقعة الثالثة الجديدة تتعلّق بحركة النزوح: فإذا قفز عدد النازحين السوريّين إلى تركيا إلى مئة ألف، كفّت المشكلة عن أن تكون سوريّة لتغدو تركيّة كذلك.

بمعنى آخر، ترتفع حظوظ التدخّل مع تحوّل الأزمة السوريّة أزمة عابرة للحدود، وهي تتحوّل بتسارع ملحوظ. أمّا التحذيرات الفرنسيّة التي تكاثرت في الأيّام الأخيرة من انتقال الأزمة إلى لبنان و «إحراقه» فلا تصبّ إلاّ في هذه الوجهة.

لا يفوت التقديرَ هذا تطوّراتٌ متناثرة، كأنْ لا يستبعد وزير الدفاع الفرنسيّ لو دريان إقامة منطقة للحظر الجوّيّ، أو أن تنشئ الولايات المتّحدة وتركيا «آليّة تنسيق متكاملة حول سوريّة»، أو أن تدعو إيطاليا إلى اجتماع للحلفاء يُبحث فيه وضع «سوريّة ما بعد الأسد»، أو أن تعود إلى منطقة الخليج حاملة «ستينيس» الأميركيّة للطائرات، أو أن تغدو الحدود السوريّة – الأردنيّة مصدراً لأخبار أمنيّة غامضة التفاصيل!

وهذا كلّه لا يلغي الصعوبات الجدّيّة في طريق التدخّل، ابتداءً بالحساب الروسيّ – الإيرانيّ، مروراً بالمخاوف الغربيّة من «القاعدة»، أو حال الانتخابات الأميركيّة والاقتصادات الغربيّة، أو عقدة العراق وعقدة أفغانستان، وانتهاء بصورة المعارضة السوريّة وقدرة «الجيش السوريّ الحرّ» على استقبال تدخّل خارجيّ. لكنّ أهمّ من هذا كلّه أنّ النظام السوريّ يدفع، باستخدامه لما يظنّه «أوراقه»، نحو مواجهة سوف يغدو من الصعب تجنّبها أو تجاهلها. فإذا أضفنا استخدامه الوحشيّ للعنف، وأنّ عدد القتلى السوريّين بات يقارب الـ25 ألفاً، ناهيك عن الجرحى والمشوّهين والمساجين وعن 3 ملايين نازح ولاجئ، غدا التجنّب والتجاهل أكثر إحراجاً.

لقد آثر حكّام دمشق أن يدفعوا لعبتهم إلى حدّها الأقصى، أكان ذلك سياسيّاً وديبلوماسيّاً (الإقحام الروسيّ – الإيرانيّ) أم عسكريّاً من خلال استعراض فائض القوّة برّاً وجوّاً. وكم يرمز إلى هذا التوجّه الذي يلتقي فيه الحدّان الأقصيان السياسيّ والعسكريّ قيامُ طائرة سوريّة بقصف شعبها من داخل حدود العراق! هذا ما لا يحتمله العالم.

 

=================

لكي يكون الخطف «مجدياً»

بيسان الشيخ *

السبت ٢٥ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

من سخرية الظروف المضحكة أن تصدر الخارجية السورية بياناً تطالب فيه رعاياها بمغادرة الأراضي اللبنانية على وجه السرعة لأن البقاء ما عاد آمناً بالنسبة لهم. ومن سخرية الظروف المبكية أن يكون في ذلك بعض الصحة. فموجات الخطف والأعمال الانتقامية التي تعرض لها عمال ولاجئون سوريون في لبنان وقعوا ضحية سلب وملاحقة وإحراق مساكن، اتخذت منحى ممنهجاً فضّل معه المئات منهم العودة إلى ديارهم على البقاء في لبنان، مع كل ما يعنيه ذلك من أخطار بالقتل والتشريد. والعمال السوريون في لبنان شكلوا منذ عهد الوصاية السورية الحلقة الأضعف في العلاقة بين البلدين، فكانوا وقود موجة أولى من الانتقام عقب خروج الجيش السوري في 2005، تبعتها اليوم موجة ثانية على يد حلفاء الأمس. ففيما لم تفسد السياسة الود بين أثرياء البلدين دفع هؤلاء القابعون عند خط الفقر أو دونه فواتير باهظة من قوت يومهم وكراماتهم وحيواتهم أحياناً. وتناوب على جباية تلك الفواتير مختلف الفرقاء السياسيين في لبنان، إلا أن الإضافة النوعية هذه المرة هي في الخطف على يد مجموعات منظمة ومسلحة تحظى برعاية شبه رسمية.

فمهما تبرأ حزب الله من الأجنحة العسكرية للعشائر، يبقَ أن الأخيرة منضوية إلى حد بعيد تحت لوائه. ومهما توعد زعيم حركة أمل ورئيس مجلس النواب نبيه بري بالاقتصاص ممن يقطع طريق المطار، يبقَ أن اللبنانيين مثل السوريين يعلمون علم اليقين أن قفزة بهلوانية من هذا العيار ما كانت لتكون لولا وجود غطاء ما أو أقله غض طرف. فهذه خطوة تندرج في سياقات سبقتها من «غضب الأهالي»، المبرر هذه المرة بأنه يأتي رداً على ظلم أول.

لكن اللافت أن منطق الخطف والخطف المتبادل منعــدم في النسخة المقدادية لجهة تحقيق إنجاز أو فرض تفاوض. ذاك أن أي خطف يستوجب شروط إفراج أو تقديم تنازلات أو إحراز مكاسب من أي نوع.

وإذا كان خاطفو اللبنانيين الأحد عشر طالبوا باعتذار من أمين عام حزب الله لتأييده نظام بشار الأسد، مقابل الإفراج عنهم، فإن الخاطفين اللبنانيين أخذوا على عاتقهم 40 عاملاً سورياً لن تطالب بهم سلطة أو ثورة.

وفي الوقت الذي عرف أبو إبراهيم كيف يمعن في الابتزاز العاطفي والسياسي معولاً على وسائل إعلام متعطشة إلى سبق، على حساب المهنة وأدبياتها، وعلى خضوع قيادات الحزب لضغط الشارع، فشل آل المقداد في تصوير وبث فيديو مقنع يلحقهم بركب نجومية أبو إبراهيم الإعلامية.

وإذ أخطأ الأخير في تقويم أثر «الأهالي» على قرارات قياداتهم إذ لم يستجب له نصرالله، وبات واضحاً أن المخطوفين الـــلبنانيين متروكون لمصيرهم وكاميرات التلفزة، تبرأ منه الجيش الحر، فإذا به متورط بـ «استضافة» 11 لبنانياً، كما تورط المقداديون برد الضيافة بأحسن منها!

هو الترهيب المجاني المطلق والخطف الذي لا طائل منه سوى إشاحة نظر اللبنانيين عن قضية مهمة كتوقيف ميشال سماحة، ورفع عدد الضحايا السوريين لذنب لم يقترفوه.

=================

سوريا: الحقائق والخطوط الحمراء

عبد الله بن بجاد العتيبي

الشرق الاوسط

25-8-2012

في زحام الأحداث المتخمة بالدماء والأشلاء في الداخل السوري، والدعم اللامحدود الذي يحظى به نظام بشار الأسد من روسيا والصين وإيران، والتجاذبات الدولية الغربية الفاشلة في إيجاد أي سبيل للخلاص وحماية الشعب السوري، فإن ثمة حقائق ينبغي استحضارها والتذكير بها.

أولا: الثورة السورية بدأت سلمية متأثرة بما يسمى بالربيع العربي ولكن لها حالة خاصة؛ فهي تتغذى بتاريخ دامٍ مع نظام باطش لا يكاد يوجد له شبيه في المنطقة والعالم المعاصر، وقد اختار النظام مواجهتها بكل قوة وعنف ودموية أملا في ردعها والقضاء عليها وفق خبرته الخاصة وتاريخه القمعي، مما أدى بها إلى أن تتطور بشكل طبيعي ومنطقي إلى ثورة مسلحة ترد على قوة السلاح بقوة السلاح مع مزيد إصرار على الخلاص، الذي ترى أنه قد حانت ساعته.

ثانيا: بدأ استخدام السلاح فرديا يحدوه الغضب ويقوده الحقد الطبيعي الذي نشره النظام في صفوف المسالمين من عامة الشعب، وكثير منهم لم يشارك حتى في الحراك السلمي، ولكن قصف مدنهم وبيوتهم وقتل أقاربهم وأصدقائهم أجبرهم بشكل إنساني طبيعي على التحول لخصوم أشداء ضد النظام يسعون للانتقام ويعبرون في مجملهم عن ردة فعل متفهمة تجاه عنف نظام شرس.

ثالثا: وفي تطور طبيعي جديد، انتقل هذا الغضب والاحتجاج من مجرد ردة فعل إلى فعل سياسي وعسكري اتجه للتنظيم والتخطيط وبناء الرؤى، سياسيا عبر المجلس الوطني وعسكريا عبر الجيش الحر، وحين تعطل التطور السياسي في صناعة فرق يذكر بحكم تخاذل القوى الدولية الغربية في اتخاذ أي قرار دولي أو عمل خارج المؤسسات الدولية، فإن التطور العسكري واصل مسيره نحو الفعل والتأثير، وإن عبر خط متعرج لأسباب متعددة، فهو قام بعمليات نوعية وسيطر على مساحات كبيرة من البلاد.

رابعا: يمكن عبر الرصد المتوازي التأكيد على أن قوة النظام بشكل عام تتدهور وتتقلص وتفقد السيطرة في كثير من المناطق، وبالمقابل فإن قوة الجيش الحر تتصاعد وتزداد قوة وتأثيرا، مع استحضار أن جيش النظام وقواته يحظون بتسليح غير محدود من روسيا وإيران، أما الجيش الحر فلا يحظى إلا بدعم مستتر لا يمكن مقارنته بأي حال بالتسليح الذي يحظى به نظام الأسد. ومع هذا يزداد اليقين لدى رموز النظام وداعميه (قبل غيرهم) بأنه في طريقه للنهاية.

خامسا: لقد أصبحت نهاية النظام تعبر عنها الانشقاقات الكبرى عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا وثقافيا، فالكل بدأ يفتش عن مخرج آمن يفر به من مركب النظام الذي يغرق؛ فمنهم من نجح ومنهم من فشل فقضى تحت آلة قمع النظام. لقد أصبح الجميع يرى أن النظام آيل للسقوط إن عاجلا أو آجلا، وبقيت بقية تريد الانشقاق ولكنها تخشى بطش النظام وتعلم أنه لا يتورع عن استخدام أعتى الأساليب وأشنعها في مواجهة خصومه والمنشقين عليه، سواء من داخل سوريا أم في لبنان الذي بنى النظام مع كثير من رموزه علاقات طويلة الأمد.

سادسا: لطالما اعتبر نظام الأسد لبنان مزرعة خلفية له، يدعم حلفاءه ويقمع ويقتل ويفجر معارضيه، والتاريخ طويل والشواهد أكثر من أن تحصى، ولكن المشهد داخل لبنان أخذ في الاختلاف الآن، فقد صار لبنان يخاطب سوريا كدولة ند، وأصبح حلفاء النظام السوري بلبنان محبطين تجاه الواقع والمستقبل، وبعد فضيحة ميشال سماحة، تباينت مواقفهم بين من هم خاضعون بالكلية لدعم الأسد عمليا وخطابيا، كحزب الله، بأمر أعلى من إيران، وقد بدا الوهن في خطابهم جليا، ومن أخذ في التعبير عن مواقف أقل حماسة من السابق، كما يفعل الجنرال السابق ميشال عون، ومن يفكر في الانشقاق ولكن تنقصه شجاعة وليد جنبلاط، الذي لم يجد سابقا بدا من الخضوع للأسد وشق صفوف 14 آذار، وتمكين حكومة حزب الله من السيطرة على لبنان، إلا أنه لم يدخر وسعا في رد الجميل لنظام الأسد بمجرد أن وجد متنفسا في الأحداث السورية يسمح له بالعودة لمواقعه السابقة.

سابعا: أصبحت كل القوى الدولية والإقليمية ترسم خطا أحمر لخصومها؛ فالولايات المتحدة ترسم خطا أحمر للنظام السوري (فقط) فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية، وروسيا قابلت ذلك بخط أحمر خاص بها، وذلك حين عبر وزير الخارجية الروسي لافروف سابقا بقوله: «الخط الأحمر واضح». ولم تفتأ الجمهورية الإسلامية بإيران عن التعبير عن أن أمن نظام بشار الأسد خط أحمر بالنسبة لها، وقد كشفت صحيفة «التلغراف» البريطانية، بالاعتماد على مخابرات غربية، عن تقرير إيراني برعاية المرشد الأعلى علي خامنئي يؤكد فيه أنه «يتعين على السلطات الإيرانية أن توضح للغرب أن هناك خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها بأي شكل من الأشكال في التعامل مع ما يجري على الأرض في سوريا» (العربية. نت) وبقي الشعب السوري بلا خط أحمر يحمي حياته ومستقبله ويدافع عنه.

ثامنا: لقد سقطت كل أقنعة النظام السوري حول المقاومة والممانعة شر سقوط، وحار داعموه سياسيا وثقافيا وإعلاميا في التفتيش عن مخرج يبقي لهم شيئا من شخصياتهم ومكانتهم، وقد خابت ظنونهم وانكشف عوارهم وظهرت سوأتهم، فهم اليوم يفتشون عن ملجأ جديد أو شعار محدث أو تحليل مصطنع للاختباء تحته والاستظلال بظله.

تاسعا: لن تكون مهمة الأخضر الإبراهيمي أفضل من مهمة أنان، وهي فاشلة قبل أن تبدأ، وسيكون نجاحها المبهر الوحيد هو منح الأسد مزيدا من الوقت ليقتل مزيدا من أبناء شعبه.

على الدول العربية ومن يدعمها من الدول الإسلامية ودول العالم أن تضع خطوطها الحمراء تجاه إبادة الشعب السوري وخلق نظام الأسد وترسيخه لحرب أهلية بسوريا، وأن تحمي بدورها مصالحها في سوريا والمنطقة لتثبّت نفسها كفاعل قوي ومؤثر في المنطقة، وأن تكون قادرة على رد جميل العراق الجديد وخضوعه الكامل للأجندة الإيرانية.

كما أن توجه سياسات الولايات المتحدة والغرب لأمرين يجب أن يكون حاضرا لدى صانع القرار العربي؛ أولا: انحيازها الكامل لدعم حركات الإسلام السياسي للظفر بالسلطة في كثير من بلدان العالم العربي، ثانيا: منحها الدور الأكبر لتركيا فيما يجري بسوريا وبالتالي في المنطقة.

=================

زيارة طهران.. كلمة أخيرة

جمال سلطان

المصريون 22-08-2012

يذكر الإخوان المسلمون، ويذكر الدكتور محمد مرسى نفسه، فى أجواء الانتخابات الرئاسية أن أخطر تهديد لفرص المرشح الدكتور محمد سليم العوا كان ما نشر عنه من علاقات مع إيران وتنظيم حزب الله والرموز الشيعية بشكل عام، وظل العوا يتهرب من هذه "الاتهامات" فى كل لقاء انتخابى، ويدفع عن نفسه "تهمة" العلاقة مع إيران أو المنظمات الشيعية، ومع ذلك كانت تلك قاصمة الظهر التى حرمته من ملايين الأصوات فلم يحصل سوى على ربع المليون، وفى أعقاب تولى الرئيس مرسى الرئاسة مباشرة حاول الإيرانيون "خوزقته" بإعلان وكالة أنباء "فارس" أن الرئيس المصرى أخبرها أنه سيزور إيران قريبا، وهو ما أفزع الرئاسة وسارع المتحدث الرسمى باسمها إلى نفى الكلام وتكذيبه وادعى أنهم فى سبيلهم لمقاضاة وكالة فارس التى نشرت الحوار، ولكن يبدو أن "القضية" تعثرت فى طريقها لمكتب النائب العام بعد أن نشرت الوكالة النص الصوتى، وثبت بعد ذلك أن الإيرانيين كانوا صادقين وأن الرئيس مرسى قرر زيارة إيران بالفعل، والشاهد أنى لم أضف شيئا عندما أذكر الرئيس محمد مرسى بخطورة قرار زيارته لإيران فى هذا التوقيت، وفى ظل حمامات الدم فى سوريا والتى يشارك فيها بالمال والسلاح والرجال والنفط النظام الإيرانى، وأى جهد بسيط تقوم به مؤسسة الرئاسة لرصد توابع هذا القرار فى الرأى العام المصرى سيأتيها النبأ اليقين، وهو أن مرسى ـ بقراره ـ تسبب فى انقسام الرأى العام وأحدث شرخا كبيرا فى الثقة به لدى التيار الإسلامى بشكل أساس، وهو قاعدته الانتخابية الأساسية، وفى هذا السياق ينبغى الانتباه إلى أن "التعصب" للأشخاص أو الجماعات أو الأحزاب، يعمينا عن الحقائق ويحرمنا من ميزان العدل فى فهم الأمور التى قد ندرك مخاطرها بعد فوات الأوان، ويدخلنا فى مخاطر كبيرة على مستقبل الوطن، كما أن الغلو بالاتهامات والشتائم لكل من ينتقد الرئيس فى قرار أو موقف يعزز من المخاوف بأن مصر مقبلة على خطر حقيقى فيما يتعلق بالحريات العامة، وفى مقدمتها حرية الرأى والتعبير، والحديث الدائم الآن عن أن السياسة أسرار واجتهادات وأن الرئيس يعرف أكثر من غيره والرئيس أحرص على مصلحة الوطن من غيره والرئيس أكثر إخلاصا للوطن من غيره ومن أنتم حتى تخطئون الرئيس أو تنصحوه، هو خطاب "تأليهى" يؤسس لنمط جديد من "الفرعونية" السياسية المختلطة بتلفيقات دينية (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، وهى فى استبداديتها وسحقها للمعارضين أخطر من الفرعونية السياسية المجردة التى كان عليها النظام السابق، وأما مقارنة مصر وعلاقاتها الإقليمية بسلوك بعض إمارات الخليج أو دوله مع إيران فهو تحقير لمصر وهيبتها وقدراتها، وهذا من ميراث خطايا النظام السابق فى حق بلادنا، مصر أكبر من أن تنافق دولة إقليمية ـ أيا كانت ـ أو تهابها أو تتزلف إليها أو تخشى بطشها، ومن العار أن نردد هذا الكلام أو تلك المقارنات، مصر تصنع المواقف وتخيف الآخرين وتردع المتجاوزين، ومصر هى الأخ (الأكبر) لأشقائها العرب ينتظرون دائما ما تفعل وما تتقدم به وعيونهم تتطلع إلى "قرارها" وإلى حضورها وإلى ظلها القوى الحامى لدمائهم ووجودهم، لا أن تنتظر هى سلوك "أشقائها" لكى تقلدهم أو تستظل بهم أو تختبئ خلف مواقفهم، هذا قدر مصر وهذا تاريخها وهذه مكانتها، ومن يفشل فى استعادة هذا الدور عليه أن يغادر، وعندما يزور مرسى طهران ليخطب خطبته العصماء بالعربية الفصحى ويتناول "الكباب الإيرانى" الشهير فى عشائه ليعود إلى القاهرة حاملا حكمة العرب الشهيرة (أوسعتهم شتما وراحوا بالإبل)، فغالبا لن يعقب أحد فى العواصم العربية والخليجية علنا، ولكن توابع "الموقف" ـ فى صمت ـ ستكون فى خلفية أى سلوك أو تعامل أو صلة بالقاهرة خلال المرحلة المقبلة بكل تأكيد، وأما مقارنة العلاقات بإيران بالعلاقات مع أمريكا أو الصين فهى هلاوس سياسية لا تليق، لأن لمصر مع هؤلاء مصالح خطيرة سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية لا يوجد أى منها مع إيران، كما أن المقارنة فى أهمية العلاقة مع دولة عظمى تتقاطع مصالحها وتأثيراتها بقوة وخطورة مع كل خلية فى جسد العالم مع دولة إقليمية منبوذة من غالبية دول العالم لا يصلح لحوار عاقل أو جاد، أما محاولة تبرير زيارة طهران بالتفسيرات "الكهنوتية" بأنه ربما يخفف عن السوريين أو يقنع الإيرانيين بترك بشار أو يجعل إيران تحترم جيرانها وتعيد الجزر الإماراتية، فهى نفس اللغة ـ حرفيا ـ التى استخدمها السادات فى تبرير زيارته المشؤومة إلى تل أبيب فى اليوم الأسود الشهير، والتأسيس لهذا المنطق وتلك اللغة فى الوعى السياسى لدى الإخوان سيفتح الباب مستقبلا على احتمالات وصدمات أكثر خطورة، أعرف أن للإيرانيين وملحقاتهم فى مصر (لوبى قوى) فى الصحافة والإعلام وبعض الأحزاب والنشطاء والمهاويس طائفيا من المتشيعين وأكثر من مرشح سابق لرئاسة الجمهورية، وبعضهم تصله مخصصات مالية منتظمة، كثير منهم سيفرطون فى الثناء على الزيارة حتى يصفوها بالفتح المبين والانتصار التاريخى على الأمريكان!!، وميليشياتهم ستنشط على شبكة الإنترنت، ولكن كل ذلك لن يغنى شيئا عن الرئيس مرسى، لأنه هو ـ شخصيا ـ ومستقبله السياسى الذى سيضار من هذا القرار المحبط لملايين المصريين، ولعل ذاكرتى لا تخطئ بيت الشعر الذى طالما ردده شباب الإخوان وكتابهم فى أدبياتهم: (رب وامعتصماه انطلقت ... من أفواه الصبايا اليتم ـ لامست أسماعهم لكنها .. لم تلامس نخوة المعتصم)، .. هذه نصيحتى التى أخلصت فيها القول لك يا سيادة الرئيس، والتى أمرنى النبى الكريم أن أسديها إليك (الدين النصيحة ....)، لا أملك فيها إلا قلمى، وأسأل الله لك التوفيق والهداية والسداد.

=================

إيران.. بل هي قمة الانحياز!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

25-8-2012

من العبث القول إن المشاركة في مؤتمر قمة حركة عدم الانحياز بإيران مجرد حضور سياسي بروتوكولي، أو من أجل تعزيز المفهوم الذي أنشئت من أجله الحركة عام 1961 وذلك لمواجهة هيمنة القوى الكبرى على الساحة الدولية، وتحديدا من دول المنطقة، والقيادات العربية فيها، بظل الظروف التي تمر بها منطقتنا.

فقمة عدم الانحياز القادمة تعقد بإيران المنحازة أساسا ضد استقرار وأمن منطقتنا، وليس من اليوم، بل منذ عقود، كما أن هذه القمة تأتي وإيران تمارس كل الانحياز ضد الشعب السوري دعما لمجرم دمشق بشار الأسد، وهذا الأمر ليس بالسر، فها هو وزير الخارجية الإيراني صالحي يعلن أن لدى طهران «اقتراحا بخصوص سوريا، وستعرضه خلال قمة دول عدم الانحياز»، مؤكدا أن «الاقتراح» سيكون «عقلانيا ومقبولا» من كل الأطراف وأنه «سيكون من الصعب جدا معارضته»! مما يعني أن إيران تريد استغلال هذا المؤتمر للدفاع عن الأسد، وتحت غطاء حركة عدم الانحياز، في الوقت الذي سقط فيه بسوريا هذا الشهر وحده أكثر من أربعة آلاف قتيل على يد قوات المجرم الأسد، فهل يمكن القول بعد ذلك إن المشاركة في مؤتمر طهران هي مشاركة بقمة عدم الانحياز؟ هراء بالطبع!

فحتى ولي نصر، الأميركي من أصل إيراني، والذي سميته من قبل «ولي واشنطن» يقول إن مؤتمر طهران سيكون «سبيل إيران لكسر الحظر الدبلوماسي»، وهو الحظر المفروض على طهران بسبب سعيها الحثيث لامتلاك السلاح النووي، الذي يهدد أمن المنطقة كلها، ويعرض مصالح الدول العربية للخطر، سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وأكثر من كل ذلك، وهو ما يعزز فرص إيران بالسيطرة، وبسط النفوذ أكثر، على الدول العربية، ومنها العراق، ولبنان، وسوريا! كما أن القول إن المشاركة في مؤتمر حركة عدم الانحياز هي لمواجهة هيمنة القوى الكبرى على الساحة الدولية أمر مثير للشفقة، فما يستحق المواجهة الآن بمنطقتنا هو الانحياز الروسي، والصيني، وقبله الإيراني، بسوريا ضد الشعب السوري الأعزل، وما يحتاج لمواجهة هو النفوذ الإيراني الممتد بمنطقتنا، ومواجهة السلاح النووي الإيراني. فمواجهة هيمنة الدول الكبرى لا يمكن أن يحدث اليوم وكل دول الربيع العربي، دون استثناء، كان مرشحوها للرئاسة يضعون أعينهم على واشنطن لتعترف لهم بالانتصار بالانتخابات، أو يسعون لدى صندوق النقد الدولي ليوفر لهم المعونة لدعم «ربيعهم» فلا يمكن أن تسعى للحصول على الشرعية من أميركا، أو أوروبا، ثم تذهب إلى إيران لمواجهة نفوذ أميركا، والغرب، فهذه كذبة سياسية مثل كذبة «المقاومة»، و«الممانعة»، و«العروبة»، وأن «الإسلام هو الحل»، فالواقع، والحقائق تقول ان ليس في السياسة شيء اسمه عدم الانحياز، بل إن عدم الانحياز هو انحياز بحد ذاته. فالأمن، والاستقرار، والسلم الاجتماعي، وحقن الدماء، أمر واجب، ولا يمكن التعامل معه بعدم الانحياز!

ولذا فإن مجرد المشاركة في قمة طهران القادمة يعتبر انحيازا ضد الشعب السوري الأعزل، ودعما لإيران الشريكة في دماء السوريين، ودعم مجرم دمشق الأسد.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ