ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 13/08/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

موقف مختلف ضد دمشق.. المنتظر في اجتماع جدة

2012-08-12 12:00 AM

الوطن السعودية

ينعقد اليوم في جدة اجتماع لوزراء الخارجية العرب حول سورية، وهو الاجتماع الذي يسبق القمة الإسلامية بمكة، ويأتي هذا الاجتماع المهم غداة تطورات كبيرة تشهدها سورية وأهمها التطورات الميدانية للقتال في حلب ودمشق وعدة مدن أخرى، وما أعلنته إيران من دعمها للنظام بوضوح وقوة ثم استقالة المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان من عمله، وهو ما يعني نهاية المسار الدبلوماسي وكذلك خطة عنان التي مثلته.

ورغم صدور تكهنات بتعيين الأخضر الإبراهيمي مبعوثا بدلا من عنان، وأن صدور بعض التصريحات التي تؤكد أن استقالة عنان لا تعني نهاية الخطة، فإنه سيكون من المستغرب جدا أن يستمر مبعوث في دعم خطة استقال صاحبها احتجاجا على عدم التزام الأطراف وخاصة النظام في تنفيذها.

ما تحتاجه سورية اليوم هو موقف قوي ومن نوع آخر، موقف لا يجتر المحاولات السابقة التي ترمي لإدارة الأزمة فقط لا إلى حلها، ولعل هذا ما دفع المملكة ودول الخليج لدعوة كل من وزيري خارجية تركيا ومصر لحضور اجتماع وزراء مجلس التعاون الخليجي، فمن المهم أن يبدأ الحل الإقليمي من دول الإقليم واجتماعهم على المواقف، فلا يمكن انتظار مواقف دولية أثبتت أنها تتاجر بالقضايا والأزمات في المنطقة لصالحها، فموقف خليجي تركي مصري موحد لهو قادر على تغيير كل معادلات المنطقة وفرض رؤيته وإدراته للأمور، وأولها معالجة الوضع السوري.

اجتماع جدة اليوم سيكون فاصلا بشأن سورية، ذلك أنه يأتي بعد فترة طويلة انقطعت فيها اجتماعات الجامعة العربية حول سورية، وبالتالي فإن خروج هذا الاجتماع بنتائج ضعيفة سيعني فشلا واضحا لمنظومة العمل العربي المشترك وقدرتها على التعامل مع الأزمات، فالجامعة العربية آن لها أن ترتقي لمستوى الحدث وأن يكون موقفها الوزاري موحدا وقويا وواضحا، ذلك أن هذا الموقف سينعكس على موقف القمة الإسلامية التي ستنعقد الثلاثاء التي بلا شك سيكون الملف السوري مطروحا على جدول أعمالها، وسيكون التعامل معه صعبا في ظل التواجد الإيراني، فالموقف العربي القوي سيكون عامل حسم هنا لموقف إسلامي قوي أيضا بخصوص ما يحدث في سورية.

=================

ماذا يُخيفنا من حسم المعركة السورية؟!

بينة الملحم

الرياض

12-8-2012

    يحاول النظام السوري بكل جهده أن يأخذ البلد كله نحو الكارثة، وأن يصنع مجازر كبيرة من أجل أن يبقى للرئيس وزمرته ولو الفتات. والتفاصيل التي نراها يومياً عن سوريا هي جزء من المشهد وليست كل المشهد، وإلا فلو كانت الحرية الإعلامية موجودة لتألمنا أضعاف ما نتألم اليوم على المجتمع السوري الذي يقتل فيه كل يوم مئة أو مئتين أو أكثر بيد النظام السوري الغاشم. ويومياً نستنتج أن الذي يجري في سوريا أمده طويل، حتى وإن سقط النظام قريباً وذلك لعدة أسباب أخصص لها هذا المقال، لأن الثورة السورية أصبحت محل خوف الكثيرين، هذا فضلاً عن وصف هيئات أممية كثيرة للذي يجري في سوريا بأن جزءاً منه على الأقل يشكل نمطاً من أنماط الحرب الأهلية.

النظام السوري سقط تنظيمياً وهيكلياً لأنه لا يدير البلد الآن بل يدير آلات قتل، الشيء الوحيد الذي يستطيع الرئيس السوري فعله الآن أن يقتل كثيراً، لكي يستطيع ضبط نظامه. والانشقاقات التي تجري الآن في النظام كبيرة وشلّت النظام من عمقه، وهذا إن دل فإنما يدل على أن النظام اختفى وسقط عملياً. ولهذا فإن سقوطه الميداني حين يبدأ فإن التحدي أمام السوريين كبير. سيكون هناك مجيء استثنائي لتنظيم القاعدة للأراضي السورية، وستستغل كل المنظمات الأصولية أو غير الأصولية من المنظمات الإجرامية الثورة السورية، وهذا ما يريده النظام. وستعمل بعض القوى سواء كانت إيرانية أو بعض الميليشيات في العراق أو لبنان على زعزعة سوريا وعلى النفوذ فيها، ولهذا فإن إعادة الأمن بعد سقوط النظام ستكون معركة حامية وقوية، وخاصة أن الذي يجري الآن شبه حرب أهلية بعد أن أشعل النظام فتيلها.

الثورة السورية أمام التحدي الدولي الآن، ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق يدعو إلى تدخل دولي من دون إذن الأمم المتحدة. الثورة السورية وضعت أمام جدار وحصن مغلق، واستطاع النظام السوري أن يفتح أشرعة البلد أمام الإيرانيين والروس حتى يفعلوا ما شاؤوا ويعطونه ماشاء من السلاح والمال والعدة والعتاد. علماً أننا نتحدث عمّن لديه أكثر من ستة عشر نظاماً أمنياً هذا غير الأجهزة الأمنية الكبرى وغير أذرعته في لبنان وغيرها. ولهذا فإنه يقتل ويغتال ويراقب الجنود الذين لا يقتلون عدداً كافياً فيجهز عليهم. وهذا النظام شرس ويعاند واختار الانتحار بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، انتحر فعلياً وسيحرق معه الكثيرين.

أمام الثورة السورية خياران اثنان لأن تحسم المعركة. الأول؛ أن تزداد الانشقاقات بين الضباط بشكل أكبر، وكذلك بين السفراء والوزراء، وهذا يسهل على الآخرين من الجنود الأقل مرتبة من الانضمام إلى الثوار، وحالة الانشقاقات حين تكثر وتصبح ظاهرة يشعر النظام بالهلع، علماً أن العشرات ينشقون يومياً، لكنني أتحدث بشكل خاص عن الضباط الكبار يكونون بمستوى طلاس أو غيره، وهذا هو الذي يسهل على الثورة السورية الخروج من الجحيم الذي يعده النظام.

الخيار الآخر؛ التدخل الدولي من دون إذن الأمم المتحدة، ومقترح رئيس فرنسا السابق ساركوزي إن أخذ صداه العالمي والدولي فسيكون حاسماً، ذلك أن التدخل ضرورة لحسم وضع إنساني مأساوي في سوريا، وإيران لن تخوض حرباً للدفاع عن نظام متهالك بل سترتدع، وكذلك روسيا التي ستفاوض كعادتها وتأخذ حصتها على الطريقة المافيوية التقليدية. هذه هي الخيارات الوحيدة تقريباً أمام الثورة السورية، ونتمنى أن تخرج هذه الثورة بإسقاط النظام المؤذي وأن تتجه نحو الحرية وأن تأخذ بسوريا إلى بلد تسوده الطمأنينة والأمن، بدلاً من الرعب والهلع والخوف.

=================

هل ستدخل أمريكا خط النار مع سوريا؟!

يوسف الكويليت

الرياض

12-8-2012

    بماذا يوصي اجتماع وزير خارجية تركيا، والوزيرة الأمريكية هيلاري كلينتون عندما تركز موضوع المباحثات على سوريا ما بعد الأسد، وهل سيحرك اللقاء عملاً حقيقياً في دعم المعارضة وتوحيدها، وكذلك الجيش الحر؟

حجة أمريكا بعدم دعم الثورة السورية انصبت على مخاوف ليست صحيحة بتضخيم إشاعة قام بها النظام بأن من يخلفه حرب أهلية تتسلل من خلالها القاعدة وقوى إسلامية متطرفة، قد قيل مثل ذلك في تونس وليبيا، ومصر، وقد رأينا الإسلاميين يحكمون بعض تلك البلدان بدون أن نرى أي وجه لمتطرفين يأخذون بنهج القاعدة، بل كان الهجوم على معبر رفح من قبل متطرفين إسلاميين شعوراً مصرياً وعربياً حاداً في مواجهة الإرهابيين، وسوريا، حتى لو ظهرت معالم إسلاميين يقاتلون الأسد، أو أن ثارات ستجري على خلفية مجزرة حماة، ثم الحرب الدائرة بين الجيش الحر والنظامي، فإن ميثاق شرف وقع أن لا تتعرض الأقليات الأخرى للعزل أو القتل إلا من كان ضالعاً بحالة الإبادة، وهذا أمر مشروع يطال أي طائفة.

الحجة الأخرى اتخاذ الروس والصينيين حق (الفيتو) وهي ليست حجة منعت أمريكا الدخول في حرب ضد القذافي، وحاصرت كوريا الشمالية اقتصادياً، وقبلها كوسوفو، وطالما البلدان ضالعان بالتسليح والامدادات الأخرى، فما الذي يمنع أمريكا أن لا تساعد بقوات غير ثقيلة لحماية المواطنين السوريين، أسوة بما كانت تفعله مع أفغانستان في حربها مع السوفييت، والسوريون يطمحون فقط لبعض الصواريخ والذخيرة، وأجهزة اتصال متطورة لا يخترقها النظام.

أما تركيا فعليها أكثر من واجب، لأن الاتكال على الدبلوماسية حل مرفوض من طرفي العلاقة، وعملية أن يلعب نظام الأسد بقضية الأكراد بتسليحهم للقيام بالانفصال عن سوريا وتشكيل دولتهم، لم تكن وليدة اليوم، بل لم يعترف الأسد بمواطنتهم عندما لم يمنحوا أي هوية سورية، ولو بادرت تركيا بدعم الجيش الحر، لما حدث هذا الاختراق، وعملياً فالغريق لا يخشى البلل، ونظام الأسد يعمل بشكل واضح على تفكيك سوريا، لكن هذا الفعل لن يكون له قيمة فعلية لو وجد جيش مواز يستطيع ضبط الأمن ما بعد مرحلة الأسد.

إذن بماذا تفسر الزيارة لكلينتون وما صاحبها من صخب إعلامي، هل نحن أمام تحرك جدي وحاسم برفع حالة الدعم من الشفهي للفعلي، والانتقال من مجلس الأمن إلى تعاون ثنائي أمريكي، تركي، ثم لاحقاً أوروبي، أم أنها إشارات ضغط على روسيا، والصين بأن لدينا أوراقنا التي نستطيع تحريكها؟

الجيش الحر فرض نفسه، وأصبح يخوض المعارك بتكتيكات جديدة، وصار الدعم يأتي من داخل سوريا، سواء من خلال الانشقاقات عن الجيش النظامي، أو الاستيلاء على مخازن ومستودعات الأسلحة، إلى جانب ما يصل من مصادر خارجية، وهذه ليست كافية بوجود آليات ثقيلة وطائرات وصواريخ، وتعويض عن أي نقص بالبديل الذي توفره الترسانة الروسية وأساطيلها القابعة في الشواطئ السورية للجيش النظامي.

وحتى لا تنزلق سوريا إلى مخاطر أخرى، وكسب الداخل السوري الذي يتحمل العبء الأكبر والضغط المباشر، أن تكون أمريكا على رأس جبهة الإنقاذ لهذا الشعب حتى تكون بالفعل أداة تحرير للشعوب من طغاتها، بدلاً من الوقوف على خط التماس للمراقبة والرصد فقط مما أثار غضب كل من يتعاطف مع الشعب السوري عليها وعلى حلفائها.

=================

الثورة السورية بين الخذلان الخارجي والخيانة الداخلية

ثمة درجةٌ من النفاق الدولي فيما يخصُّ الثورة السورية لاتتجاوز فقط حدود العقل والمنطق، بل إنها باتت تدخل في خانة (الاستغباء) للسوريين

د. وائل مرزا

الأحد 12/08/2012

على مرأىً من العالم (المتحضّر)، تقصف طائرات النظام السوري الحربية مدن البلاد بشكلٍ عشوائي، وتهدم المباني والأحياء على رؤوس ساكنيها، في مشهدٍ سوريالي لم يرَ التاريخ له مثالاً.

وفي نفس الوقت، يصدر تصريحٌ من سوزان رايس سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة تُعلّق فيه على إمكانية إعلان منطقة حظر جوي في سوريا على غرار ما حصل في ليبيا معتبرةً «إن هذا الأمر قد يؤدي إلى تدخل عسكري بري».ولاتقف المسؤولة الأمريكية عند ذلك، بل تتابع لافتةً إلى أن نظام الدفاع الجوي السوري «يعتبر من الأكثر تطوراً في العالم»!..

بعد ساعات من هذا التصريح، يؤكد وزير الخارجية البريطاني أن بلاده ستُقدم مساعدة بمقدار 5 ملايين جنيه استرليني للمعارضة (السياسية) السورية! مبيناً بما لايدع مجالاً للشك أن أي جزءٍ من هذا المبلغ لن يذهب في اتجاه دعم الجيش السوري الحرّ أو المقاومة المسلحة.

يلفت النظر في هذا المجال ماحصل عندما أثيرت مسألة الأسلحة الكيميائية السورية قبل قرابة أسبوعين. إذ سرعان ما استنفرت القوى الغربية للتأكيد على وجود (فيتو) على استخدام تلك الأسلحة، وسرعان ماتجاوب النظام السوري معها مؤكداً أنها لن تُستخدم داخلياً في (الأحداث)، مع الإشارة إلى إمكانية استخدامها في حال تعرضه لـ (خطرٍ خارجي).

تلفت الانتباه أيضاً طريقة التعامل مع الوضع في حلب. فمن ناحية، تصدر تحذيراتٌ لاأول لها ولا آخر عن عشرات الجهات الغربية من دول ومنظمات وهيئات بخصوص إمكانية حصول مذابح في المدينة. ومن ناحيةٍ ثانية، تتصرف نفس الهيئات والمنظمات والدول وكأنها عاجزةٌ تماماً عن فعل أي شيء بخصوص هذه المذابح!

ماهي الرسائل التي يريد النظام الدولي(المؤيد) للثورة السورية أن تصل إلى الجهات ذات العلاقة من وراء تلك التصريحات والمواقف؟ وهل توجد للنظام السوري أي حاجةٍ للموقف الروسي أو الصيني في ظلّ الإشارات الواضحة الكامنة فيها؟

من الواضح طبعاً، مع رصد الأحداث، أن الرسالة وصلت إلى النظام، وأنه أدرك لون الإشارة (الخضراء) التي أعطيت له، حيث بدأ يعمل بموجبها في حلب تحديداً بعد أن أخّر حملته أكثر من أسبوع في انتظار أن يتأكد من طبيعة تلك الإشارة. وكان هذا سبب تأخير الحملة في رأينا أكثرَ من أي سببٍ آخر.

ثمة درجةٌ من النفاق الدولي فيما يخصُّ الثورة السورية لاتتجاوز فقط حدود العقل والمنطق، بل إنها باتت تدخل في خانة (الاستغباء) للسوريين، بشكلٍ لا يجوز أن يبقى مقبولاً من جميع شرائحهم على جميع المستويات وفي جميع المجالات.

فمن يقرأ التصريحات عن نظام الدفاع الجوي السوري (المُخيف)، يُخيّلُ إليه أن الحديث يجري عن قوةٍ عُظمى، وليس عن نظامٍ سياسيٍ مهترىءٍ ومنخورٍ بالفساد أفقدته الشرعيةَ صدورٌ عارية وصرخات حناجر تُطالب بالحرية، وفقدَ سيطرته على كثيرٍ من أنحاء البلاد بأسلحةٍ خفيفة تحملها أيادٍ تؤمن بقضيتها العادلة.

أكثرَ من هذا، يعتقد من يسمع التصريح أنه يصدر عن جمهورية موز لاحول لها ولاقوة، ولاتملك من القدرات العسكرية المتطورة مايُمكّنها من جعل النظام السوري يتردد ألف مرةٍ في القيام بما يقوم به بمجرد التلويح باستخدام تلك القدرات، ولو من خلال تحرّكات بسيطة على الحدود البرية والبحرية.

ومن يقرأ تحذيرات الدول الغربية عن إمكانية حصول مذابح في حلب يظنّ أيضاً أنها تصدر عن قوىً هامشية ليس لها وزنٌ ولاتأثير، ولاتملك عملياً أن تقوم بأي شيءٍ يمنع حصول مثل تلك المذابح، وأن أقصى مايمكن أن تفعله هو المناشدة والمُطالبة والتحذير!؟..

هزُلت.

هذه هي الكلمة الوحيدة التي يمكن أن تصف باختصارٍ الموقف الدولي الراهن. لانتحدث هنا عن روسيا وإيران وأمثالها من الدول التي تتدخل بشكلٍ سافرٍ وقذر وعلني في المسألة السورية، وإنما عن نظامٍ دولي يرفع تاريخياً شعارات حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، ويتغنّى اليوم ليل نهار بتأييده للثورة السورية.

نفهم أن يتخوّف هذا النظام من ظاهرة عسكرة الثورة، لكننا نعرف جميعاً أن تقصيره في القيام بواجبه القانوني والأخلاقي والسياسي كان سبباً رئيساً من أسباب اضطرار الثورة للعسكرة. وبنفس الطريقة، نفهم خوفه من ازدياد ظاهرة التطرف ومن وصول السلاح إلى أيدي جماعاتٍ متطرفة، لكننا نؤكد أن تقصيره مرةً أخرى في القيام بما يمكن القيام به سيكون بمثابة العامل الأكبر في وصولنا إلى ذلك الواقع الذي لانريد كسوريين الوصول إليه.

من هنا، ورغم التقدير للمشاعر التي دفعت لتسمية الجمعة الماضية باسم (سلّحونا بمضادات الطائرات)، يبدو مطلوباً الآن تجاوز أي توقعاتٍ بالاستجابة لمثل هذه الطلبات من قبل المجتمع الدولي (الصديق)..

من هنا أيضاً، تبدو الحاجة ماسةً لنقلةٍ حقيقيةٍ في تفكير وعمل الشرائح المختلفة المنخرطة في الثورة السورية مباشرةً أو بدعمها في مختلف المجالات.

فقد أظهرت الوقائع قدرة الشعب السوري على إشعال الثورة، ثم على إيجاد ظروف استمرارها ذاتياً، حتى وصلت إلى هذه المرحلة التي تخالف كل ماكان لدى الآخرين من توقعات. وفي حين كان يُعتقد أن الوصول إلى هذه المرحلة سيدفع النظام الدولي لاتخاذ موقفٍ أكثر حزماً، تبدو مراجعةُ هذا الاعتقاد أمراً مطلوباً.

لهذا، يُصبح اتفاق أطراف المعارضة السياسية على طبيعة العمل في المرحلة القادمة واجباً، وتُضحي أي ممارسةٍ تصبُّ في خانة التشرذم نوعاً من الخيانة الداخلية للثورة.

ويُصبح التنسيق المتزايد بين الكتائب في الجيش الحر وفصائل المقاومة المسلّحة على صعيد التخطيط والتسليح والتمويل واجباً، وتغدو أي ممارسة تصب في خانة التنافس والانقسام نوعاً من الخيانة الداخلية للثورة.

ويُصبح الدعم المالي والاقتصادي من القادرين عليه واجباً ومطلوباً بدرجاتٍ مضاعفة عما هو عليه الآن. فحين تُقدّم شرائح كبيرة من الشعب السوري كل مالديها فداءً للثورة،من الأنفس والأرواح والأبناء والممتلكات، يُصبح من العار أن يُقصّر القادرون في الدعم المالي عن تقديم أموالٍ وضعها الله بين أيديهم على سبيل الأمانة، وملّكهم إياها مُلكية انتفاع واختبار ومسؤولية. فاليوم يومُ أداء الأمانة والقيام بالمسؤولية، وبينما يختار البعض الارتقاء الكامل إلى مستوى التكليف المطلوب فينالوا خير الدنيا والآخرة، سيختار آخرون الاستنكاف والتهرّب من الواجب، فيُلبسوا أنفسهم أثواب الخيانة لله والشعب والثورة والوطن.

=================

بعد عام على مطالبة أوباما للأسد بالتنحي

تردد السياسة الأميركية... تجاه الأزمة السورية!

تاريخ النشر: الأحد 12 أغسطس 2012

حنا علام

الاتحاد

في الثامن عشر من أغسطس من العام الماضي، أصدر أوباما بياناً طالب فيه لأول مرة بشار الأسد بالتنحي عن الحكم. وفي نفس اليوم تقريباً صدرت بيانات تحمل عبارات مشابهة من قبل كل من كندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي.

وبعد مرور عام تقريباً على ذلك التاريخ، وسقوط عشرات آلاف القتلى والمصابين، ما زالت سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا تمثل لغزاً، في نظر بعض المنتقدين.

فالمسؤولون الأميركيون يرفضون الاعتراف علناً بأنهم يدعمون الثوار، ولكنهم في الحقيقة يزودونهم بمساعدات "غير مميتة،" ويتطلعون في نفس الوقت إلى الجهة الأخرى حيث يقوم بعض حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج بدعم هؤلاء الثوار بشكل ملموس.

وتدعم واشنطن علناً "توجه" زعماء المعارضة نحو تنظيم أنفسهم، غير أنها لم تعترف حتى الآن بأي كتلة من كتل المعارضة كبديل لنظام الأسد، لأن المنشقين الذين تكتنفهم النزاعات والضغائن الداخلية أخفقوا حتى الآن في تشكيل حكومة انتقالية محتملة.

وما زال صناع القرار في الولايات المتحدة يتحدثون عن الحل السلمي، على رغم أن هذه الفكرة قد باتت متجاوزَة، بعد أن أعد طرفا الأزمة نفسيهما لخوض حرب طويلة، وهو ما قد يكون اجتذب بعض المتشددين الإسلاميين من كافة أنحاء المنطقة، وساعد على ارتفاع عدد الخسائر البشرية لتصل الآن إلى عشرين ألفاً أو ما يزيد عن ذلك.

واختيارات واشنطن غير الموفقة، ودعمها الفاتر للثوار، يبدو بعيداً كل البعد عن تشجيع إدارة أوباما العلني للانتفاضة التي بدأت منذ 17 شهراً كتحدٍّ لنظام حكم عائلة الأسد المستمر منذ ما يزيد عن 40 سنة.

وبعد أن نفدت الاختيارات المتاحة أمامها كما هو ظاهر، فإن أفضل ما يمكن أن تأمل فيه إدارة أوباما، كما يرى المراقبون المنخرطون في متابعة الأزمة السورية عن كثب، هو أن تتمكن قوات الثوار غير المنظمة من إنهاء المهمة بيدها بدلاً من إجبار الولايات المتحدة على التدخل -وهو ما تكره الإدارة القيام به خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.

وقال محمد عبدالله المتحدث السابق باسم المعارضة السورية، الذي يترأس في الوقت الراهن ما يعرف بـ"مركز العدالة والمحاسبة لسوريا" وهو مركز ممول جزئياً من قبل الولايات المتحدة يتخذ من واشنطن مقراً له ويعمل في مجال توثيق الانتهاكات والفظائع الوحشية التي يتم ارتكابها في سياق الأزمة السورية: "ليست هناك استراتيجية أميركية بخصوص سوريا.

كانت لدى أميركا في البداية استراتيجية تمزج الدبلوماسية بالاقتصاد، ولكن عندما فشلت، لم يعمل المسؤولون فيها على صياغة سياسة بديلة... وعندما بدأ موعد الانتخابات يقترب، علقوا كل شيء".

ووصف عبدالله الموقف الأميركي الحالي تجاه الأزمة السورية بأنه عبارة عن حال تبدو الولايات المتحدة فيه كمن يقول: "قلوبنا معكم، ولكننا في الحقيقة نرغب في الذهاب للنوم ثم نستيقظ فنجد نظام الأسد وقد اختفى". ونظراً لعدم توقع حدوث اختراق على الجبهة الدبلوماسية، فإن كل ما تقوم به الإدارة الأميركية في الوقت الراهن هو الاستمرار في فرض عقوبات، تلو عقوبات، على نظام الأسد وحلفائه. حيث أعلنت جولة جديدة من العقوبات يوم الجمعة الماضي ضد شركة "سايترول"، وهي شركة البترول السورية المملوكة للدولة، بدعوى أنها قامت بتزويد إيران بالبنزين. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على "حزب الله" اللبناني لاتهامه بتوفير التدريب والدعم اللوجستي لنظام الأسد.

يشار إلى أن النظام السوري، و"حزب الله"، المدرج على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية قد باتا معزولين بالفعل على المستوى الدولي، بحيث أصبح من غير الواضح ما هو التأثير العقابي -إذا كان هناك مثل هذا التأثير في الأساس- الذي ستحمله الإجراءات الأخيرة ضدهما في طياتها.

وفي معرض تعليقه على تطورات الوضع في سوريا قال "جاي كراني" السكرتير الصحفي للبيت الأبيض: "إن الولايات المتحدة لم تستبعد أي خيار من على الطاولة فيما يتعلق بالوضع في سوريا".

أما "باتريك فينترل" المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية فقد لجأ عندما سئُل بشكل مباشر هذا الأسبوع عما إذا كانت الولايات المتحدة تقوم بالفعل بدعم حركة التمرد إلى الدخول في عموميات وكرر كليشيهات متداولة أشار فيها أربع مرات إلى "الانتقال السلمي". وخلال رده تجنب المتحدث الرد بنعم أو لا على السؤال الذي كان قد وجه إليه في الأساس -المتعلق بدعم أميركا للثوار من عدمه.

ولكن لاحقاً، أجاب مسؤول آخر في الخارجية الأميركية، على السؤال بدرجة أكبر من الوضوح -وإن كان قد اشترط عدم ذكر اسمه، تماشياً مع البروتوكول الدبلوماسي- حيث قال: "هل الولايات المتحدة تقوم بدعم حركة الثوار؟ في الحقيقة أننا حريصون للغاية وندقق في دعم المعارضة السورية وذلك لإدراكنا أن دخول العناصر المتشددة إلى الصراع يمثل عاملاً متغيراً مثيراً للقلق، وهو قلق حقيقي ينتاب الولايات المتحدة. ولذلك فإننا عندما ندعم تطلعات الشعب السوري فإننا يجب أن نكون حذرين غاية الحذر ونحن نقوم بذلك".

وقالت "ليلى هلال" الأميركية من أصول سورية، التي ترأس "مهمة الواجب للشرق الأوسط التابعة لنيو أميركا فاونديشين" وهي مؤسسة بحوث ودراسات، إن إدارة أوباما ليس أمامها، في الوقت الراهن، من فرصة تذكر سوى الأمل في نجاح الثورة المسلحة، ذلك لأن المعارضة غير العنيفة التي تتخذ من تركيا قاعدة لها ليس لها سوى نفوذ ضئيل على الأوضاع. وقالت "هلال": "الجميع الآن يعتمدون على الثورة وسياسة الولايات المتحدة كلها مهيئة لتمكين تلك الثورة من تحقيق أهدافها".

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«إم. سي. تي إنترناشيونال»

=================

أميركا والتهديدات الثلاثة في سوريا

المصدر: صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركية

التاريخ: 12 أغسطس 2012

البيان

لطالما كان الأميركيون مترددين بشأن تخليهم عن الزعامة العالمية للأمم المتحدة. إذ لم يحصل الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون على موافقة الأمم المتحدة لمهاجمة صربيا في عام 1999، تماماً كما لم يفعل خلفه جورج بوش قبل غزوه العراق عام 2003.

ومع ذلك، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي تولى السلطة متعهداً باحترام الأمم المتحدة، انتظر موافقة مجلس الأمن الدولي في حرب ليبيا عام 2011.

والآن، يتوقع لأوباما أيضاً أن يدير ظهره للأمم المتحدة في الوقت الذي تشكل الحرب الأهلية في سوريا ثلاثة تهديدات مشؤومة: احتمال ذبح مزيد من المدنيين، وبروز تنظيم القاعدة في سوريا، والاستخدام المحتمل للأسلحة الكيميائية.

وبرزت قطيعة الإدارة الأميركية للأمم المتحدة منذ أيام قليلة، مباشرة بعد أن استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد قرار آخر في مجلس الأمن الدولي كان يهدف إلى تشديد العقوبات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس إن المجلس "خذل" سوريا بشدة. ثم أشارت إلى أن واشنطن ستعمل مع "تشكيلة متنوعة من الشركاء من خارج مجلس الأمن" على اتخاذ إجراءات ضد حكومة الأسد.

وحتى الآن، لا ترتقي تلك الإجراءات الأميركية إلى مستوى التدخل العسكري المباشر. ولكنها يمكن أن تحدث تأثيراً مماثلاً. وتراقب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تدفق الأسلحة إلى الثوار المناهضين للأسد.

كما تزود الثوار بما يحتاجونه من تدريب ومعدات للاتصال، فضلاً عن الدعم الاستخباري. وتحاول الولايات المتحدة عرقلة الطائرات والسفن التي يعتقد أنها تحمل الوقود أو السلاح إلى سوريا.

وحذرت إدارة أوباما الرئيس السوري بشار الأسد من أنه "سيتجاوز خطاً أحمر خطيراً" لو استخدم مخزوناته الهائلة من الأسلحة الكيميائية. ومنذ أيام قليلة، لم تكتف سوريا بالكشف للمرة الأولى عن أنها تملك ذلك النوع من الأسلحة، ولكنها هددت أيضاً بأنها ستستخدمها في حال "تعرضت سوريا لعدوان خارجي".

ودفعت المخاوف المتعلقة بهذه الأسلحة الفتاكة كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا إلى اتخاذ الاستعدادات اللازمة للتدخل في سوريا في أي لحظة، لا سيما إذا ما انهار نظام الأسد. وقال الأميرال وليام مكريفن، وهو قائد العمليات الخاصة في الجيش الأميركي: "عندما يسقط الأسد، وهو ما سيحدث حتماً، سيحتاج الأمر إلى جهد دولي لتأمين هذه الأسلحة".

ومن جهة أخرى، فقد فر نحو 125 ألف سوري من البلاد، وهم بحاجة إلى مساعدة دولية، ويتسببون في معاناة الدول المجاورة مثل تركيا، ولبنان، والأردن. وفشلت المحاولات التي بذلها مجلس الأمن على مدى الأشهر القليلة الماضية لفرض وقف لإطلاق النار وإجلاس الأسد والثوار إلى طاولة المفاوضات. وتواصل الدبابات السورية قصف المناطق المدنية.

وقد قتل ما يقرب من 15000 شخص منذ اندلاع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في مارس من عام 2011. قد تشكل العباءة الأخلاقية أمراً يصعب تحمله بالنسبة لروسيا والصين، اللتين تواظبان على استخدام حق النقض. ولكنهما إذا رفضتا ارتداء تلك العباءة، فإن أوباما سيواصل ارتداءها.

=================

توافق دولي

رأي البيان

التاريخ: 12 أغسطس 2012

البيان

يبدو مبكراً الحكم على مهمة المبعوث الدولي الذي ستعينه الأمم المتحدة لمتابعة الأزمة السورية، ولكن تجربة سلفه المبعوث السابق كوفي أنان تجعل من تكرار التجربة مضيعة للوقت.

فأي مبعوث دولي، ومهما كانت قدراته الدبلوماسية والسياسية، لا يستطيع أن يفعل شيئاً في ظل غياب الإرادة الدولية لإيجاد حل سياسي معقول لما يجري في سوريا، ففي غياب التوافق الدولي في مجلس الأمن، وخارج مجلس الأمن، حول خطة محددة ذات جدول زمني للخروج بسوريا من أزمتها التي عصفت بها وباتت تهدد وحدتها، لا يمكن لمبعوث دولي أن يفعل شيئاً.

ومن مشكلات أي بعثة دولية غياب الدعم الدولي، وإلا تحولت إلى أفكار تتبناها هذه البعثة بمعزل عما يجري على أرض الواقع، وبدون قوة دافعة من شأنها أن تحول الأفكار إلى خطط عملياتية تساهم في وضع الحل على السكة.

فالدعم الدولي هو الذي يعطي لأي مبادرة قيمتها، وقد أثبتت التجارب السابقة في أكثر من ملف دولي ملتهب، أن النجاح حصل بفعل التوافق الدولي، والفشل وقع في ظل غياب هذا التوافق، ولذلك فإن الحديث عن تعيين خلف لأنان في ظل الانقسام القائم حالياً في مجلس الأمن الدولي، من شأنه أن يساهم في إطالة أمد الأزمة وليس إيجاد حل لها، أو كما يقال المزيد من إضاعة الوقت وإزهاق المزيد من الأرواح البريئة.

ولذلك يبدو مفهوماً حديث الدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، المرشح المحتمل لخلافة أنان، عن ضرورة وجود توافق دولي قبل البدء بأي مهمة دبلوماسية لحل الأزمة السورية.

إن الدول التي تعطل مثل هذا الحل ينبغي أن تعيد حساباتها، لأن الأوضاع الميدانية السورية تسير بتسارع كبير لا يمكن تجاهله، والتطورات هناك تنذر بمزيد من الخسائر لسوريا كدولة وككيان، وللشعب السوري من النواحي الإنسانية والمعيشية، والتي باتت كارثية في أكثر من مكان، حيث لا تتوفر الأغذية والوقود اللازم لتأمين سبل العيش، ناهيك عن نفاد الأدوية والمواد الإسعافية اللازمة لإنقاذ المصابين.

دمشق على شفير الهاوية، وهي بحاجة إلى موقف دولي مسؤول، يدعم خطة أي مبعوث دولي.

=================

أعيدوا عنان إلى سوريا!

تاريخ النشر: الأحد 12 أغسطس 2012

جيمس زغبي

الاتحاد

في أعقاب الاستقالة التي أعلن عنها المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، كوفي عنان، بدأت الصقور تحوم في الأجواء وطبول الحرب تُقرع من جديد في الولايات المتحدة. فالمنابر الإعلامية الرئيسة في أميركا، ومعها كبار المسؤولين السابقين، والمعلقين السياسيين... كلهم يحرضون إدارة أوباما على "الكف عن التفرج" على ما يجري في سوريا والانخراط من خلال التدخل العسكري.

لكن، وقبل أن تُغرق الأصوات الزاعقة المنادية بالحرب صوتَ العقل، لابد أولا من لفت الأنظار إلى بعض الأمور؛ فهناك أسئلة جوهرية يتعين طرحها من قبل هؤلاء الذين يطالبون بالتدخل في سوريا من قبيل: أي نوع من التدخل يريدون؟ ولصالح من سيتدخلون؟ ثم ما هي التداعيات والعواقب التي ستترتب على هذا التدخل؟ فسوريا كما هو معروف ليست ليبيا، ورغم ميل السيناتور جون ماكين للمقارنة بين البلدين والبحث عن أوجه الشبه، يتعين تجنب المقارنات السطحية، فأميركا يمكنها قصف سوريا إن هي أرادت ذلك، وهي قادرة على إقامة منطقة لحظر الطيران فوق الأجواء السورية، إلا أنه -وكما أشار إلى ذلك كوفي عنان في مقال وداعي نشره في صحيفة "فاينانشل تايمز" خلال اليوم الذي أعلن فيه استقالته- لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية. فمزيد من العنف لن يولد سوى عنفاً آخر ليهدد "بانفجار كبير في المنطقة يمكن أن يؤثر على العالم بأسره".

ولا ننسَ أيضاً أن الجيش السوري هو أكثر تقدماً من الجيش الليبي، وحتى في ظل بعض الانشقاقات، ما زال الجيش السوري يتألف في صلبه من ضباط شديدي الولاء، وليس من مرتزقة، وهؤلاء إذا ما جوبهوا بخيار القتال من أجل البقاء فإنهم لن يترددوا في مواصلة المعارك. وكما رأينا، فإن ذلك سيؤدي قطعاً إلى ارتفاع منسوب العنف وإراقة المزيد من الدماء.

وخلافاً لليبيا، يملك النظام السوري حلفاء يرون مصالحهم مرتبطة ارتباطاً وثيقاً به ومهددة في حال سقوطه، فالروس والإيرانيون و"حزب الله" اللبناني كلهم يراهنون على بقاء النظام، أو على الأقل ترتيب وضع جديد تصان فيه مصالحهم. هذا لا يعني بالطبع الاستسلام لخططهم الإقليمية، لكن يتعين على من ينادون بالتدخل إدراج تلك الأطراف ومصالحها، أو احتمال مواجهتها في الحسبان، وهو الأمر الذي لا يفعله من يدافعون عن التدخل في سوريا.

وفيما ظلت أحداث ليبيا حبيسة حدودها إلى حد بعيد، فإن ما يحصل في سوريا بدأت تداعياته بالفعل تمتد إلى الجوار ويتردد صداها في الإقليم، وهي التداعيات التي ستزيد كلما تصاعد العنف وعمت الفوضى، فعلى سبيل المثال يشعر لبنان اليوم بالعواقب الوخيمة على نسيجه الطائفي الهش، وقد بدأ يخاف على استقراره، كما أن أكراد سوريا الذين عانوا طويلا تحت النظام استغلوا ضعفه وانشغاله في الوقت الحالي بما هو فيه للسيطرة على المناطق الشمالية وتأمين نوع من الحكم الذاتي. وبالطبع لن يمر ذلك بسهولة على تركيا وإيران اللتين تتوجسان من الحركات الكردية الانفصالية على أراضيهما. أما الأردن فما زال يعاني من آثار تدفق اللاجئين العراقيين على أراضيه، وهو اليوم يستعد لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين الذين يفرون من العنف ويعبرون الحدود. كل هذه الأوضاع يجب دراستها وأخذها في الاعتبار قبل التفكير في أي تدخل في سوريا.

ويضاف إلى ذلك الوضع المتشظي للمعارضة السورية، فلا أحد ممن يراقب الوضع السوري يؤمن بأن المعارضة قادرة على الحكم، أو إدارة البلد في حال انهيار النظام ومعه مؤسسات الدولة. فعلى عاتق من سيقع عبء بناء ما دُمر؟ ومن سيقوم بنزع سلاح المليشيات المنتشرة، أو استئصال المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا؟ ومن سيقوم بإعادة تنظيم الجيش المنقسم ومداواة الجروح الطائفية الغائرة؟ ومن سيفرض النظام ويحارب الجريمة، ويوقف الصراعات المندلعة بسبب تصاعد العنف الطائفي؟

وفي حال سقوط النظام، من سيتولى عملية احتواء التداعيات، كما حصل في العراق، عندما نزح آلاف العراقيين خارج الوطن؟ في هذا السياق أجدني أحد المتمسكين بـ"عقيدة باول"، وإن كان هو نفسه تنكر لها وأدار لها ظهره، تلك العقيدة التي تقول إن الانخراط في تدخل عسكري في مكان يفوق ما لا تعرفه عنه ما تعرفه هي مهمة خرقاء، فبعد عشر سنوات من العبث في أفغانستان والعراق يجب أن نكون مهيأين اليوم لاستخلاص الدروس والاستفادة من العبر؛ ومن الحجج الأخرى التي يسوقها المدافعون عن التدخل في سوريا، تحذيرهم لإدارة أوباما من خسارة صداقة الشعب السوري ومعه المصالح الأميركية بعد سقوط الأسد، خاصة الاستفادة من حليف جديد في المنطقة. لكن ألم نسمع نفس الحجج في العراق وأفغانستان؟ وهل نسينا تلك الألاعيب التي حاكها أحمد جلبي وأمثاله في العراق، وتَحوُّلَ المجاهدين في أفغانستان إلى "طالبان"؟ وبالطبع لا تعني هذه المحاذير أنه يجب ألا نقوم بشيء، فالنظام الدموي في سوريا فقد شرعيته بالكامل، وهو مسؤول عن المأساة التي يعيشها ومعه سوريا، كما أن شعارات العروبة والمقاومة ظهر زيفها جلياً وبانت كمجرد قناع للبقاء في السلطة.

والخلاصة أن النظام يجب أن يرحل بالفعل، لكن عنان كان على حق عندما قال: "فقط من خلال انتقال سياسي جدي ومتفاوض حوله يمكن إنهاء حكم الماضي القمعي، وتجنب الانزلاق نحو الحرب الطائفية". غير أن عنان أخفق في مهمته بسبب القوى الدولية التي ادعت دعمها لخطته، بينما هي في الواقع كانت تنتهج سياسات تؤدي إلى تأجيج الصراع. وبرحيل عنان نجد أنفسنا اليوم نحدق في فراغ مظلم وأمامنا خيار واضح: إما العمل المشترك كمجتمع دولي لحل الصراع، أو مواصلة السير نحو الجحيم والعيش مع تداعيات ذلك لسنوات قادمة. لذا، وبدلا من نسف الحل السياسي بالدعوة إلى تدخل ما في سوريا، يتعين على كل من الولايات المتحدة وحلفائها، وعلى روسيا وحلفائها، الاتفاق على إعادة عنان وإلتزام أنفسهم بعملية الانتقال السلمي للسلطة. هذه المقاربة قد لا تنتهي بنتيجة ترضي الجميع، لكن -وكما علمتنا تجارب الماضي- يبقى البديل أسوأ بكثير.

=================

أرشيف افتراضي للثورة السورية

شاكر الأنباري

المستقبل

12-8-2012

الثورة السورية ستنتصر في النهاية، وهذا أكيد. سيزول نظام بشار الأسد، وقد لا تكتمل دورة السنتين على الثورة حتى نرى نهاية النزيف. وستقع المهمة، بعد ذلك، على المؤرخين، والمفكرين، والمثقفين، للتأمل في ما حصل، واستعادة تاريخ هذه الثورة وتفاصيلها. سيكون تاريخاً غنياً، مثيراً، ومتعدد الوجوه، وسيكون أرشيفا حقيقيا للعالم كله. الثورة السورية من الثورات النادرة في تاريخ البشرية، من جانب اعتمادها على الذات، وانطلاقها كثورة سلمية، وتطورها لاحقا كي تكون مواجهة شاملة مع أعتى نظام آيديولوجي، قمعي، ذرائعي، خال من الثوابت الإنسانية. الثورة لها خصوصيتها، وفرادتها، خصوصاً وأن هناك شعباً يذبح تحت نظر العالم المتحضر وسمعه. شعب يذبح علناً، وتفاصيل هذا الذبح تنقله التكنولوجيا الحديثة بأدق التفاصيل.

ان المآسي التي يتعرض لها الشعب السوري لا تكشف بربرية النظام السوري فقط، بل بربرية كامنة، متخفية، في ضمير العالم كله. بربرية تتلذذ بمشاهدة القتل، والدمار، ولا تفعل شيئاً. إنها تكتفي بالثرثرة، والبيانات، والإدانات الكلامية لإقناع ضميرها (الحضاري) بالدرجة الأساس. ولتكفّر عن عجز حضارة كاملة في إيقاف المذبحة التكنولوجية المعاصرة.

لكن ما الذي سيُؤرشف طوال هاتين السنتين تقريبا من عمر الثورة؟ وما الذي سيُحتفظ بمعنى معرفي وفكري وثقافي؟ وما هو حجم ذلك الأرشيف الافتراضي القابل للحفظ في مدونات القرن الحادي والعشرين من الألفية الثالثة؟

البداية لا بد أن تكون علامة فارقة في ذلك التدوين، هي تلك الصيحة الانسانية الجريحة في منطقة "الحريقة" الدمشقية، لذلك الرجل الثلاثيني الذي صاح أمام الكاميرا "أنا انسان ماني حيوان". من هو الرجل، وأين يعمل، ولِمَ واجه شرطة النظام المتجبرة بتلك المقولة التي لامست قلوب الملايين؟ حكاية تظاهرة الحريقة كانت الشرارة، وكانت عيوننا لا تصدق أن هذا يجري في وسط العاصمة. فمن يجرؤ على الوقوف بوجه أجهزة الأمن السورية، التي كانت تعامل المواطنين باحتقار وعنجهية، كما لو كانوا "جراثيم"، وبهائم، وعبيدا خلقوا كذلك، وسيظلون إلى الأبد كذلك. أيام بعدها وشاهد الناس تجمعاً جماهيرياً أمام وزارة الداخلية الواقعة في المرجة، مطالبين باطلاق معتقلين سابقين. ورغم ان الأعداد قليلة، لكن الطريق إلى الثورة بدأت تتضح معالمه، أي أن ثمة فيضاناً قادماً سيجتاح ربوع الشام، وكانت تلك نذره وإرهاصاته. من هم المعتقلون؟ ومن خرج إلى الشارع أمام وزارة الداخلية للمطالبة بهم، وكم كان عدد المحتجين، ومن أي الشرائح، وأي انتماءات فكرية وإثنية ودينية؟ تلك أسئلة تحتاج إلى بحث، وتنقيب، وتدوين، لتوضع الجمل الأولى في ذلك الأرشيف الافتراضي.

كانت الصرخة العالية التي بدأت من تونس، مرورا بليبيا ومصر واليمن، تلف فضاءات مترامية: الشعب يريد إسقاط النظام. الصرخة التي تلقفها أطفال درعا في مدارسهم الإبتدائية والمتوسطة، ولم يكونوا، ربما، يدركون ثقلها وعنفها على السلطة. تلك كانت صيحة حرب، وصرخة جموع نامت عشرات السنين، ولكنها استيقظت بدفق سحري خلاّب لتواجه جلاديها. أطفال درعا اختصروا بحمزة الخطيب، ومواطنو درعا لم يعد سكوتهم ممكناً. سارت التظاهرة تدعو إلى محاسبة قتلة حمزة الخطيب، والآن حسب الارشيف من هو حمزة الخطيب؟ كيف عذب، ومن عذبه، وما هي الجروح الغائرة في جسده، ومن قطّع أوصاله بهذه الهمجية؟ أين دفن، ومن دفنه، ومن صلى عليه، وأي من مناطق درعا هبّت للإحتجاج على الظلم والمذبحة؟ الدبابات التي ضربت مباني درعا إلى أي كتيبة تنتمي، ومن هم الضباط المشرفون على ضرب التظاهرات السلمية؟ كيف وصلت أخبار درعا إلى دمشق، وحمص، وحماة، وعن أي طريق؟ بعد أيام من مقتلة درعا خرج سميح شقير الدرزي، بأغنيته التي تلوّح للجموع "يا حيف يا درعا"، بكلماتها المختزنة لمعاناة الشعب السوري طوال عقود البعث البائسة. "ظهرك للعادي وشاهر عليّ السيف"، تلك كانت حقيقة هذا النظام الذي أزاحت تظاهرات درعا عنه كل ستائر التضليل، والمراوغة، والعنف، والأدلجة. كم فنانا وقف إلى جانب الثورة الوليدة، وكم شاعرا سهر ليلته على هدير الجموع الثائرة؟ وكانت الثورة تتسع وتتصاعد، وتغيّر الشعار من الشعب يريد الإصلاح إلى الشعب يريد اسقاط النظام، كما لو كان ذلك استلهاما لشعار أحمد سامي أبازيد الذي خطه هو ورفاقه على جدران مدرسته في مدينة درعا.

وكان الذهول لا يوصف ونحن ننظر إلى مئات الآلاف في حماة وهي تنصت إلى حنجرة ابراهيم القاشوش الذي كان يردد "يللا إرحل يا بشار". مشهد لا يُصدّق يجري في بلاد الشام، تتجاوب معه مئات آلاف الحناجر في انتفاضة جماهيرية دخلت التاريخ قبل أن يكتب. قلنا في وقتها هذا مغن يرشّ كلماته بالدماء، كان يعرف أنه لن يعيش أكثر من يوم أو يومين. هناك مئات الكتّاب والفنانين والمفكرين بدأوا يفضحون ما يجري في المدن. والأنظمة الديكتاتورية أكثر ما تخشاه هو فضح ما يجري، فهي معتادة على تغطية الجرائم بكل وسيلة ومنها القتل. أي كتم الصوت قبل أن يسمع، قبل أن يتناقله الصخر والحجر والشجر، وهذا ما فعلته بحنجرة ابراهيم القاشوش، الذي ألقي في نهر العاصي مضرجاً بدمائه. سيل الهجرة بدأ، صحافيون، شعراء، روائيون، تركوا البلد خوفاً من الملاحقة والقتل. كُسِرت أصابع علي فرزات بعد اختطافه من ساحة الأمويين، وراحت الكتابات تظهر في الصحف العربية والعالمية تروي أيام الثورة في معظم المدن، اللاذقية، دمشق، درعا، حمص، حماة، القامشلي، نزولا إلى الريف الدمشقي الذي هبّ عن بكرة أبيه رفضاً للنظام.

الفرز بين المثقفين صار واضحاً. من يقف مع الثورة ومن يقف ضدها. والقطيع الصامت ما زال في صمته، تحت هذه الذريعة أو تلك. أدباء كبار، وفنانون مشهورون، ورجال دين، اصطفوا مع آلة القتل، وصاروا ينظّرون لهذا الاصطفاف. والحجج والذرائع موجودة. لعل مصطلحات السلفية، والوهابية، والارهاب، والقاعدة، كانت الأبرز في تلك الذرائع. يرى لحية كثة واحدة لسلفي، لكنه لا يرى مئات الآلاف الهاتفة للثورة. يرى مئات يخرجون من جامع بعد صلاة الجمعة لكنه لا يرى الملايين في شوارع الشام وهي تحلم بغد أجمل، وأكثر عدلا. يرى الشعار الكاذب ولا يرى المدن المدمرة فوق الرؤوس. وما كتب عن الثورة السورية في الصحف والمجلات خلال السنتين الماضيتين يبلغ أطنانا من الورق، في التنظير السياسي، والفكري، والنصوص الإبداعية، ومقالات الرأي، والمذكّرات. هذا في العربية فقط، أما في اللغات الأخرى كالانكليزية، والاسبانية، والالمانية، والروسية، فربما أضعاف أضعاف. كيف يمكن ترجمة كل ذلك السيل من البيانات إلى اللغة العربية وتمحيصها وتبويبها؟ من هم الكتّاب العالميون الذين رأوا بموضوعية إلى ما يجري في بلاد الشام، ومن أي الزوايا كتبوا عن الثورة؟ ومن هم مرتزقة الأنظمة، وطلاب المنافع، ومافيا السلاح، ومرابو النفوذ العالمي الذين كرسوا حروفهم لتشويه مناقب تلك الثورة، وهتافاتها، وشعاراتها، وآمالها في الخلاص من الاستبداد؟

الشعوب لا تنسى، وذاكرة الشعب السوري حادة جداً وغير مروضة، لذلك فهي تتذكر القتلة جيداً، ومن ساندهم، حتى قبل أن تدوّن الأحداث في أرشيف التاريخ. انهم، الملايين، يدوّنون فواجعهم على مآذن حمص، ونواعير حماة، وأزقة حلب، وضفاف بردى، وبيوت الرستن، ووجوه صبايا القصير، وحناجر دوما، وأشجار تلبيسة، وسنديان جبل الزاوية المحترق، وقلاع وادي النصارى، وأحجار اللجاة السود في وادي حوران. يدوّنون أسماء الدبابات، والمدافع، وأنواع الطائرات، والقادة، والشبيحة وجنسياتهم، وراجمات الصواريخ، وأجهزة التعذيب في الأقبية المظلمة. أسماء المحللين الكذبة، والقادة المراؤون، وممثلو الدول الخانعة، والممثلات العاهرات، والصحافيون المزورون للأحداث، وتجار الموت في بورصات المدن الكبرى، كلهم في الأرشيف. وما كنا نراه على قصاصات الورق والكارتون بين أيدي المتظاهرين لن يمّحي بسهولة. الجمل الذكية، الشعارات الحالمة، النقد المكثف بكلمات صغيرة، اللافتات، الأغاني، البوسترات المرتجلة، كل يوم، كل يوم تعبر عن ضمير ذلك الشعب، جريدة متنقلة، فضائية تبث في الحارات والأزقة والشوارع، في الجامعات والمدن، على الجسور وفي الغابات. كل ذلك نتاج زاخر لثورة الملايين، وهو نتاج لن يضيع بسهولة. رأيناه في التلفزيون، قرأناه في الصحف والمجلات، ذهبت به الريح كونه ورقاً مقوى، لكنه أبداً لن يبارح قلوب الملايين التي تابعت ثورة هذا الشعب، وأحبتها، وبكت معها. آلاف من الذين رفعوا تلك القصاصات، يوما بعد آخر، شهراً بعد شهر، وعلى مدار سنتين إلا قليلاً يرقدون اليوم في مقابر جماعية، أو في حفر مرتجلة بين البيوت.

أسماؤهم في الأرشيف، قصصهم، عشقهم، حكاياتهم، عناوينهم، كل ذلك تفاصيل من ذهب، سيرويها الأحبة والأصدقاء شفاهاً، أو عن طريق افلام وثائقية، وروايات، وقصائد، وأغان ومونولوجات، في زمن ما قادم، حين تخرج سورية من قمقم العساكر وشبيحتهم. حين تستعيد سورية حنجرة القاشوش، وأصابع علي فرزات، وعود سميح شقير، وعدسة أحمد حمادة، وحوارات علي العبدالله في مقهى الروضة، ومحاضرات ميشيل كيلو في كنيسة باب توما.

=================

حوادث الثورة السورية بين الإنكار والتزوير

ماجد كيالي

المستقبل

12-8-2012

يتّسم موقف البعض من الثورة السورية بقدر كبير من اللامعقولية، واللامنطقية،َ لاسيما أنه موقف يبطن القبول بشرعية سلطة مستبدّة، صادرت الدولة وهيمنت على المجتمع، بحيث بات البلد في ظلها، ولأزيد من أربعة عقود، بمثابة مزرعة خاصة لعائلة؛ يتوارثها الأبناء من الآباء!

لكن هذه اللامعقولية تبدو غاية في الفجاجة والركاكة والابتذال، لاسيما في مظهرين إثنين، ومتناقضين، أولاهما، ويتمثل بإنكار الواقع، واعتبار أن ما يجري مجرّد تمثيليات تلفزيونية، بمجّسمات وديكورات وكومبارس وماكياجات، لكأن 21 ألفا من الضحايا، الموثّقة أسماؤهم وأماكن قتلهم، مجرّد حالات آتية من عالم افتراضي، أو مجرد أرقام لا معنى لها!

وثانيهما، ويتمثل بتزوير الواقع، وتخيّل واقع آخر، يفيد بوجود مؤامرة دولية (يقولون كونية أيضاً!)، قوامها التدخل العسكري الخارجي، على الأقل من قبل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وتركيا، وبعض دول عربية، في مجريات الأحوال في سوريا، لإسقاط نظام "الممانعة والمقاومة"، النبيل والمسكين!

المشكلة أن حال الإنكار والتزوير هاتين بات لهما من العمر 17 شهراً، بأيامها ولياليها، من دون أن يدخل عليهما أي تغيير أو تعديل، ولو حتى على سبيل مجاراة الوقائع. هكذا، مثلاً، فقد استمرت حالة الإنكار على ذات المنوال، على الرغم من كل هذا النزيف في الدماء، والدمار لأحياء كاملة في عديد من مدن سوريا، وتشريد مئات الألوف من السكان من منازلهم وممتلكاتهم، واعتقال عشرات الألوف والتنكيل بهم.

بالمثل، فقد ظلت، أيضاً، عملية تزوير الوقائع والحقائق تجري رغم انتفائها، إذ لم يحصل أي تدخّل عسكري أجنبي، ولا على أي مستوى، ولو حتى على شكل فرض مناطق آمنة، أو حظر طيران عسكري، أو تحديد مناطق حظر جوي، خلال 17 شهراً. فالتدخل العسكري، كما هو معروف، لايمكن تحديده بمجرد تقديم العون للناشطين أو للجيش الحر، بوسائل اتصال حديثة وكاميرات فيديو ومعلومات استخبارية وتصريحات سياسية، ولا حتى بالموافقة على تسليح "الجيش الحر" بشحنات محددة مقتصرة على الأسلحة الفردية.

فكما هو معلوم فإن التدخل العسكري، هو تدخل عسكري، وهذا يعني بالضبط المساهمة في العمليات الحربية، ضد طرف معين، وهذه عرفت عبر طريقتين، إما مباشرة وعلى الطريقة العراقية (1991 و2003) أو بالطريقة غير المباشرة كما حصل في ليبيا (2011)؛ وهاتان الطريقتان لم تحصلا في سوريا ولا بأي شكل، رغم هول ما يجري؛ وها نحن نشهد بأن الجيش الحر في كل عملياته لم يقم بعمليات قصف صاروخي، ولم يظهر أبداً أن بحوزته مضادات للطائرات.

ربما ثمة بين البعيدين ما يزال يعتقد بأن بعض الفضائيات تبالغ في عرض مايحصل في سوريا، لكن الأمر على العكس تماما، إذ أن الأخبار المصورة عن ما يجري على الأرض جد نادرة، ذلك أن تصوير أي شيء، مما يجري، هو بمثابة عملية انتحارية؛ ما يفسر ندرة الصورة، والأفلام المصورة. والمعنى من ذلك أن الشباب الذين اخذوا على عاتقهم هكذا عمل هم أبطال حقا، وشجعان حقا، فهؤلاء هم الأبطال المجهولون في الثورة السورية، وقد تعرض كثير منهم للسجن، والتعذيب، وثمة عديد منهم قتلوا، من دون رحمة وبطريقة بشعة.

وفي هذا الإطار يمكننا أن نرى، أيضاً، الجهد الاحترافي الذي يتمثل بوجود هيئات أخذت على عاتقها القيام بمهمة كبيرة وضرورية وشاقة، وهي التوثيق اليومي لمجريات الثورة السورية، ولاسيما ما يتعلق منها بتنظيم سجل بكل شهدائها، وفق معايير قانونية ودولية. لذا فمن المهم لكل من لا يعرف، ويريد أن يعرف، أن يطّلع على ماتقوم به هذه المراكز من جهد دؤوب، وهو ما يمكن تبينه في الإحصاءات التي يشتغل عليها كل من "مركز توثيق الانتهاكات في سوريا" (http://www.vdc-sy.org/) و"قاعدة بيانات شهداء الثورة السورية" (http://syrianshuhada.com/) و"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" (http://www.syrianhr.org/Attach/July_2012.pdf).

طبعا ليست المشكلة في البعيدين، من الذين لا يعرفون حقيقة ما يحدث في سوريا، فهؤلاء ربما لديهم بعض الحق في عدم تصديق ما يجري، لأنه لايصدّق حقا، ويفوق الخيال، وإنما المشلكة تكمن في هؤلاء الذين يعيشون في سوريا، أو في جوارها، من الذين يجري كل شيء تحت ناظرهم، ولكنهم يفضلون إنكاره، والأنكى تزويره، لأغراض هوياتية أو أيديولوجية أو مصلحية.

وفي الحقيقة فأنت لاتحتاج في سوريا إلى محاكمات عقلية لمعرفة كنه العلاقة بين الاستبداد والفساد، وكل هذه الاستباحة اللامعقولة للبلاد والعباد. كذلك فإن معرفة ما جرى في حمص والقصير وتلبيسة ودرعا وفي دوما والزبداني والرستن وبانياس وادلب وحماه، وفي القابون والحجر الأسود والتضامن وبرزه في دمشق، وصلاح الدين وبستان القصر في حلب، لايحتاج إلى كثير تفكير بقدر ما تحتاج إلى صحوة ضمير.

أيضا، فإن محدودية تسلّح "الجيش الحر"، لا تحتاج إلى كثير تفكير، ولا إلى حضور ضمير، فقط تحتاج إلى الإحساس، والرؤية بالعين المجردة، حيث لم يشاهد أحد ما قصفاً صاروخياً من الجيش الحر، على هدف معين، ولم يسمع احد عن إسقاط هذا الجيش لطائرة حربية، أو حتى حوامة، بمضادات الطائرات، التي يجري الحديث عنها. ولو كان هناك تسليح أميركي فهل يكون على هذا المستوى المتدني؟ وإذا كان هناك تدخل عسكري حقا بهذه الدرجة أو تلك، فهل كان حصل كل هذا القتل والدمار والتشريد على امتداد المدن السورية؟

على أي حال، فمع الإصرار على حالتي الإنكار والتزوير هاتين وصل عدد الشهداء السوريين في شر تموز(يوليو) الماضي إلى 3634 شهيداً وهو أعلى معدل لعدد الشهداء في شهر واحد منذ بداية الحراك السوري، وهذا أكبر دليل على مدى التهتك الأخلاقي والقيمي والعقلي الذي بلغه أصحاب هاتين الحالتين.

اللافت أن ثمة بالمقابل حالة صحو موازية، إذ كشفت الثورة السورية نظام "المقاومة والممانعة" وبينته على حقيقته، كنظام معاد للشعب وللحرية، وعن ذلك كتب الصديق Jamal YaneS: "قصفوا شارع فلسطين ومدرسة القنيطرة... قصفوا مخيم اليرموك وحي صلاح الدين... قصفوا حي التضامن.. وشارع الصمود... وساحة العروبة... قصفوا كل بضائعهم التي باعونا إياها لخمسين عام".

=================

عن الرحمة المطلوبة بين الثأر والتشبيح

عمر قدور

المستقبل

12-8-2012

مع مطلع شهر آب الحالي ثارت ضجة كبيرة في أوساط الناشطين السوريين حول إعدام مجموعة من الشبيحة على أيدي الجيش الحر في مدينة حلب، من دون أن يقلل من مسؤولية الأخير إعلانه عن تسليم الشبيحة للأهالي المتضررين الذين بادروا إلى قتلهم. لقد ذهبت حساسية بعض النشطاء إلى تشبيه عملية القتل بالمجازر التي ارتكبها الشبيحة أنفسهم، ولم يفت مَن يريدون قول حق يراد به باطل أن يتباكوا على مآل الثورة باختزالها إلى عملية انتقام بشعة كهذه. هذا طبعاً بخلاف إعلام النظام الذي سيستغل الحادثة لتبرير مئات المجازر السابقة التي لم يتوانَ شبيحته عن ارتكابها، ولا ينتظرون مبرراً أو حجة لارتكابها أمثالها من جديد.

بدايةً، سيكون من الإنصاف النظر بإيجابية إلى مختلف ردود الأفعال الرافضة لإعدام الشبيحة على هذا النحو، فهذه دلالة وعي تحصّل عليه السوريون، أو حافظوا عليه، رغماً عن كل أصناف التنكيل الكفيلة بدفعهم إلى عتبات أخرى من الحساسية أو الوعي. غير أن إطلاق الأحكام الذي رافق الإدانة كان مستعجلاً حيناً، وينم عن خفّة فكرية حيناً آخر، ذلك إذا استثنينا التسييس الذي لا بد أن يتحكم بالأهواء جنباً إلى جنب مع الاعتبارات الأخلاقية، أو حتى أن يتغلب على تلك الاعتبارات. ولئلا نقع في التعميم، الذي قد لا يكون مدخلاً فكرياً جيداً، يجدر بنا مناقشة الأمر على طرفيه، أي كتائب الجيش الحر من جهة، والشبيحة المعنيين بالحادثة المذكورة من جهة أخرى.

تذهب كثير من التصريحات والأقوال أخيراً إلى مطالبة الجيش الحر باحترام الاتفاقيات الدولية المتعلقة خصوصاً بالأسرى، وتوحي المطالبات بوجودٍ ممأسس ومنتظم للجيش الحر، وحتى بوجود قواعد ثابتة يسيطر عليها، وبالتالي يستطيع إقامة مراكز احتجاز دائمة. لكن الوقائع على الأرض تشير إلى أن تسمية "الجيش الحر" هي تسمية فضفاضة يندرج تحتها عدد غير معروف من الكتائب والهيئات التي يملك كلّ منها استقلالية واسعة في اتخاذ القرار، وتكررت أخيراً المناسبات التي تضاربت فيها تصريحات قادة من هذا الجيش حول الأوضاع السياسية المستجدة في البلاد، ولا يخفى وجود تذمر لدى بعض القيادات الميدانية في الداخل من القيادات العليا في الخارج. في الواقع لا توجد هيئة عالية التنظيم تحتكر السلاح وتعمل بروح عسكرية منسجمة، على رغم بوادر التنسيق التي ظهرت أخيراً في الحملة التي قادها الجيش الحر للسيطرة على دمشق وحلب، فكتائب الجيش الحر تشكلَ جزء كبير منها بمبادرة ذاتية، وإذا كانت نواتها الأولى عناصر منشقة عن قوات النظام فإن تشكيلاتها لم تستقر أبداً حتى الآن، سواء على صعيد العدد أو على صعيد التركيبة التي تزايدت فيها نسبة الثوار المدنيين باطراد.

من جهة أخرى، يصعب وصف سيطرة الجيش الحر على بعض المناطق، مهما طالت، بأنها مستقرة ونهائية، فالمناطق التي يسيطر عليها تخضع بشكل متواصل لقصف عنيف من قوات النظام، ومهدّدة دائماً بوقوع دمار كبير وخسائر بشرية تُضطره إلى الانسحاب منها. في مثل هذه الظروف يصعب الحديث عن معاملة نموذجية للأسرى، ويبدو أن ذلك يخضع لاجتهادات ظرفية، فضلاً عن عدم وجود ضوابط واقعية تحكم معاملتهم في حرب العصابات. الأقرب إلى الموضوعية أن وجود الأسرى يرتّب عبئاً واقعياً وأخلاقياً على كتائب الجيش الحر، والإعلان عن وجودهم لديه لا يتعدى الكسب المعنوي العابر مقابلَ العبء المتواصل للحفاظ عليهم. ومن المعلوم أن غالبية هؤلاء الأسرى استسلموا في المعارك، وحافظوا على ولائهم للنظام بخلاف زملاء لهم استغلوا الاشتباكات لتنفيذ انشقاقهم، وتوجد نسبة ضئيلة ونوعية من الضباط أو العناصر الذين اختُطفوا لدورهم البارز في معارك النظام أو في التنكيل بالمدنيين.

اللافت والمؤثر على هذا الصعيد أن النظام يتجاهل أسراه تماماً، ولا يقيم أدنى وزن لحيواتهم، بل يفضّل استثمارهم المريح كقتلى على إضفاء أي نوع من الشرعية بمفاوضة آسريهم. هذا الوضع الشاذ يرتّب عبئاً إضافياً على الجيش الحر، إذ ليس منتَظراً في أي وقت الاستفادة من أولئك الأسرى، ووجودهم في حوزته يضعه تحت مجهر المسؤولية الأخلاقية عنهم في وقت يتناسى فيه الجميع مسؤولية نظامهم الذي لا يبادر إلى استردادهم وفق القواعد المتعارف عليها، وهو إلى ذلك لا يستطيع إلا أسرهم بحكم استسلامهم في المعركة. لقد اضطر الجيش الحر في بعض الحالات إلى الانسحاب تحت القصف الشديد، ولم يقم لحظتها بتصفية الأسرى، فكانت النتيجة أن ظهر هؤلاء على منابر النظام ليمعنوا في تشويه صورته، وليعاودوا خدمة النظام من دون حتى التفكر في أن قصف النظام لم يكن ليميز بينهم وبين أعدائهم.

لقد أعلن النظام بشكل رسمي أنه في حالة حرب، لكنه لا يلتزم واقعياً بأي من القواعد المعمول بها في الحروب، وهذا ينطبق على لامبالاته التامة وتجاهله لمَن يؤسر أو يُختَطف من قواته أو شبيحته بالقدر الذي ينطبق فيه على إبادته للمدنيين ومعاملته الوحشية للمعتقلين لديه، ذلك فضلاً عن عدم وجود جهة قانونية دولية تشرف على أوضاع الأسرى لدى طرفي النزاع. يتحلل النظام من كافة مسؤولياته الأخلاقية والقانونية، فتُرمى المسؤولية المضاعفة على عاتق خصومه، وإذا كان هؤلاء، بمَن فيهم الجيش الحر، يتنطعون أصلاً للمسؤولية الوطنية الشاملة فإنهم في حالة فريدة من نوعها بدؤوا بتحملها معنوياً، قبل انتصارهم وتحصلهم على الأدوات المادية اللازمة لممارستها. الثوار هم سلطة محتملة، أو سلطة مع وقف التنفيذ، وفي حالة المختطفين والأسرى مثلاً لا يملكون الصفة القانونية التي تشرّع لهم إقامة محاكم معترف بها وبأحكامها، ومن ثم كأن المطلوب منهم الاحتفاظ بأسراهم إلى أجل غير مسمى يتمكنون فيه من استلام السلطة، ونظراً للصعوبات التي تحول دون ذلك فقد تؤدي هذه الوضعية الشاذة إلى نهج يُقتل بموجبه الخصم فوراً بدلاً من تنكب المسؤولية الفادحة لاستسلامه. لم تقع حوادث من هذا القبيل حتى الآن، واقتصرت عمليات التصفية المعدودة على مُختطفين عُرفوا بمثابرتهم على قتل المدنيين والتنكيل بهم، وهي عمليات ثأرية بكل تأكيد، ولن تتغير هذه الصفة حتى لو تم إعدامهم بموجب محاكم ثورية ميدانية، لأن الأخيرة لا تحظى بدورها باعتراف قانوني. على العموم، إن تأخر الاعتراف الدولي بشرعية المعارضة، كشرعية بديلة عن النظام، يضعها في وضعية قانونية قلقة ما يمنع عنها امتيازات السلطة، وفي الوقت نفسه يرتب عليها مسؤوليات تفوق إمكانياتها الموضوعية.

ضمن المعطيات السابقة أتى إعدام شبيحة آل بري في حلب ليضيء على مخاوف جدية من نزوع ثأري ربما راح يتسلل إلى صفوف الثوار، وكان من اللافت تدني نسبة التعاطف لدى الناشطين العارفين بسيرة أولئك الشبيحة، الأمر الذي سيكون من الإنصاف أيضاً توضيحه، من دون أن يعني هذا تبريراً لعملية الإعدام. وسيكون التنويه واجباً بأن المقصود دائماً ليست عائلة بأكملها، إذ من المعلوم أن هناك ضابطاً من عائلة بري انشق عن قوات النظام لصالح الجيش الحر، ولا شك في وجود الكثير من المغلوبين على أمرهم في هذه العشيرة، وحتى في وجود الموالين الذين ينبغي أن تُصان حقوقهم السياسية. المسألة هنا تتعلق حصراً بالشبيحة وأفعالهم، قديمها وحديثها، ومن المتوقع في جانب منها أنها تتخطى الحدود إلى بعض دول الجوار ما يضعها في مرتبة الجنايات الدولية.

لم تبدأ ظاهرة شبيحة آل بري مع الثورة السورية، هذه قمة جبل الجليد وحسب، فسيرة هؤلاء الشبيحة تضيء على جانب من نهج الإفساد الذي اتبعه النظام منذ أربعة عقود، ولعل المفارقة الأولى تكمن في الاعتراف الصريح من قبل النظام بحضورهم وتكريسه بوصفهم عشيرة، أي أن النظام الذي يدعي الحداثة والتضاد مع العصبيات التقليدية لا يتورع عن استنفار العصبية العشائرية وتعزيزها بالسلاح خدمة لمآربه. مرة أخرى، لم يبدأ نهج النظام هذا مع الثورة، فعلاقة النظام بشبيحة آل بري تعود إلى عقود خلت، غض فيها الطرف عن أفعالهم الإجرامية، بل كان في موقع المتواطئ والمحرض عليها، ما أدى إلى وضعهم بمرتبة سلطة أعلى من القانون، وفشلت أغلب الدعاوى المقامة ضدهم في المحاكم، وحتى في الحالات التي صدرت فيها بعض الأحكام لم يُقيّض لها التنفيذ، فبقيت مجرد شاهد إضافي على سطوة تعلو على القانون، بل أصبحت هذه الأحكام التي لا يتم تنفيذها مصدر فخر لأولئك الشبيحة، الذين يستعرضون علناً قدرتهم على الإفلات من العقاب.

لسنا هنا أمام حالة عشائرية كما قد يُظن، فنحن أمام حالة تتكنى بها من دون أن تأخذ من صفاتها سوى العصبية مع تحلل من مجمل المنظومة الأخلاقية للعشائرية. في الواقع لا توجد عشائرية سورية مضادة للقانون على هذا النحو الحاد إلا بداعي الفساد، ولأن النظام نفسه هو الذي شجع هذا النمط من الخروج على القانون، ليؤسس لوجوده كسلطة خارجة على كل القوانين. إن أولى المفارقة تكمن في الحديث عن حالة من العشائرية في العاصمة الاقتصادية للبلاد "حلب"، حيث أمكن لهؤلاء الشبيحة بدعم مستمر من النظام أن يؤسسوا سيطرة مطلقة على بعض أحيائها، وأن يتحكموا بسكان تلك الأحياء دون أي رادع، ومن المعلوم للجميع أن ذلك لم يكن ليتحقق لهم في ظل نظام أمني شديد الصرامة لولا تواطؤه معهم.

على ذلك لم تبدأ مشكلة أهالي حلب أيضاً مع الشبيحة ببدء الثورة، فهم عانوا طويلاً من تجاوزاتهم بما فيها التجاوز على أملاك الغير، وبما فيها الهيمنة غير القانونية على بعض أوجه النشاط الاقتصادي. إلا أن الحقل الأكثر ربحية ودماراً، وهو الحقل المفضّل للشبيحة، كان في النشاطات غير القانونية أصلاً، والتي تركزت على مختلف أنواع التهريب وفي مقدمتها تجارة المخدرات. يعلم الأهالي جيداً أن هؤلاء الشبيحة هم المسؤولون الحصريون عن تجارة المخدرات في المدينة، ويتخذون منها مركزاً للتوزيع والعبور، فجزء من المخدرات القادمة من لبنان بالتعاون مع المافيات الشقيقة يتم توزيعها في المدينة، مع ما يعنيه هذا من دمار للمدمنين والموزعين الصغار، والجزء الآخر يتم تهريبه إلى دول الخليج، تحت واجهة تصدير الأغنام، لذا كان احتكار تصدير الأغنام واحداً من النشاطات التي يتمسك بها الشبيحة بقوة.

لقد جعل الشبيحة من الأحياء التي يتحكمون بها مرتعاً لكافة الموبقات، فكانوا الشركاء المحليين لأنشطة مدمرة على المستوى المحلي والإقليمي، وأثروا على نحو فاحش من تجارتي المخدرات وتزييف الدولارات، وبوسع الكثيرين تخمين الامتدادات الإقليمية لهاتين التجارتين والجهات المتورطة والفاعلة بهما، وبوسع الأخوة اللبنانيين خصوصاً أن يخمنوا طبيعة هذه الشبكة وامتداداتها في السلطة لما عانوه على هذا الصعيد. إن واحداً من أوجه الصفاقة والانحطاط الأخلاقي للنظام يتجلى في إشهار هذه الشراكة، إذ رعى حضور ممثل عن أولئك الشبيحة تحت القبة البرلمانية، وعندما تنافس اثنان منهم على المقعد في إحدى السنوات استرضاهم النظام بفوز الاثنين بعضوية البرلمان، وكان مفهوماً على نطاق واسع أن سعي الشبيحة للعضوية يتعلق أساساً بالمكاسب المحتملة للحصانة البرلمانية لا أكثر.

ثمة فساد وانحطاط أخلاقي شامل تم التأسيس له بشكل حثيث، لذا أتى دفاع الشبيحة عن النظام دفاعاً ضارياً عن مكتسبات سيتم فقدانها بسقوطه، أي بسقوط الشركاء والمتواطئين، فالمسألة هنا ليست في إطار الانحياز السياسي بقدر ما تذهب إلى التشارك الحقيقي مع البنية الجوهرية للنظام؛ بنية المافيا إن صحّ لهم شرف هذا التشبيه!. الشبيح ليس مجرد شخص يقتل دفاعاً عن النظام، هذه هي المحصلة فقط لتاريخ ممتد من الجريمة، ولا يخرج عن هذا السياق ما بات معهوداً من أعمال السلب والنهب التي يمارسها الشبيحة بإشراف النظام، بعد قيام قواته بتدمير المناطق الثائرة وتهجير أهاليها، فالسلب والنهب لا يخرجان عن المنظومة المؤسِّسة للتشبيح، كل ما في الأمر أن ما كان يُمارس تحت ستار من الفساد الاقتصادي أصبح يُمارس بوقاحة للتعويض عن عائدات الأنشطة التي تضررت، والمهددة بالفقدان التام، بفعل الثورة.

يستحق الشبيحة محاكمة، لا تكون غايتها العدالة أو القصاص فقط، إذ من المتوقع من هكذا محاكمة أن تكشف عن الفظائع التاريخية التي ارتكبوها بإشراف النظام، ومن المتوقع أيضاً أن تكشف محاكمة الكبار منهم عن الامتدادات الإقليمية وعن شركائهم خارج الحدود. لذا قد يكون قتلهم على نحو ما جرى فعلاً مرفوضاً من الناحية السياسية أيضاً، لكن الثأر منهم لا يقع أبداً في خانة ما ارتكبوه هم، لأن التشبيح كما أسلفنا لا ينصرف إلى القتل وحسب، وقد يكون مفهوماً من الناحية الإنسانية أن أي قتيل يأخذ تلقائياً موقع المستضعف فيحظى بالتعاطف؛ هذا لا ينبغي أن يحوّل الجلاد إلى موقع الضحية، ولا أن يغيّب مظالم الضحايا الحقيقيين، وبالتأكيد ينبغي لمثل هذا الفعل ألا يتكرر فيؤسس لمشروعية الثأر.

الرحمة أيضاً ينبغي ألا تتوقف عند حد الانفعال بحدث ما، فالمطلوب في الحالة السورية أن تتسع الرحمة أحياناً لتشمل القاتل والقتيل، ولا بأس هنا في أن يطال جزء منها أولئك الذين نفذوا عملية قتل الشبيحة. هذا ضروري جداً من أجل سوريا المستقبل، وليس من أجل تبرير فعلتهم، فبعد سقوط النظام سنضطر للنظر بعين الرحمة نفسها إلى الأفعال التي قام بها صغار الشبيحة، وهؤلاء يُعدون بآلاف ليست قليلة، وقد يكون من لوازم السلم الأهلي التسامح مع عدد كبير منهم. الرحمة أعلى من العدل؛ هذا ما يقوله بعض الحقوقيين، ولعله يكون مدعاة لخلخلة الكثير من أحكامنا الصارمة.

=================

ليست حرباً أهلية بل تجهيز لها

دمشق ـ غازي دحمان

المستقبل

12-8-2012

يبدو أن ثمة فارقاً واضحاً بين التعريف الأممي للحرب الأهلية، وبين التعريف السوري لها (النظامي والمعارض)، إذ بينما يشمل التعريف الأممي، كما تم التعبير عنه من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها ومسؤوليها، طيفاً واسعاً من أشكال النزاعات، يمتد من الثورات المسلحة (حالة إسبانيا أيام فرانكو) إلى التمرد المحدود كما حصل في بعض دول أميركا اللاتينية، وصولاً إلى حالات التقاتل العرقي والطائفي كما شهدته يوغسلافيا وراواندا، وقبلهما لبنان. يحصر التعريف السوري حصول هذا الامر، ليس بتمظهراته على الأرض وإنما بالإعلان الصريح من قبل أطرافه، وما لم يعلنون ذلك فلا حرب أهلية حقيقية، أي بما يشبه الحال العراقية، حيث قامت الحرب الأهلية وتشكلت بيئتها الحاضنة، وإستغرقت داخل مكونات المجتمع، وعملت بأريحية كبيرة في إخراج كل العفن الطائفي إلى سطح المجتمع، ومع ذلك لم يتم الإعتراف بها إلاّ مؤخراً وبشكل خجول.

لا شك بأن الأمم المتحدة في إقرارها بوجود حالة حرب أهلية في سورية تستند إلى جملة معطيات عملانية، لا تستطيع، بالنظر لخبرتها في أنواع النزاعات ومعرفتها بطبيعتها، أن تتجاهلها، وبخاصة بعد إكتسابها صفتي الديمومة والمنهجية، من نوع الإنشقاقات العسكرية والمسلحين الذين ينتمون إلى مكون معين، وإستهدافهم لأجهزة الأمن التي يغلب على تركيبتها مكون معين أيضاً، كذلك حالة المجازر والتهجير لمناطق بعينها، وما يحمله ذلك من إشارات معينة لأهداف مستقبلية تستبطنها هذه العمليات، إضافة إلى إسلوب الذبح بالسكين الذي برز أخيراً، بوصفه ختماً ورمزاً طائفياً يؤشرعلى الخلفية المذهبية للقاتل، ويحيل القضية السورية إلى تاريخ معقد.

في الجانب السوري فإن الإنكار يؤدي أغراضاً وظيفية مهمة، فعدا الجانب الرمزي االذي قد يفقد طرفي الصراع أحقية إدعائهما تمثيل الشعب، كل الشعب وليس شعباً بعينه، فإنه بالنسبة للنظام، المحسوب في التوصيف طرفاً أهلياً، سيحرمه من إمكانيات إستخدام مقدرات الدولة السورية من قوة بشرية من مختلف المكونات في الجيش، الذي يشكل النطاق الإستراتيجي الأهم لحماية النظام، وكذا المعدات العسكرية بكل صنوفها، فضلاً عن الموارد المالية للدولة التي يسخرها لخدمة معركته، وكذلك المؤسسة الإعلامية التي تبرر عملياته وتسندها، فوق هذا وذاك، شرعيته في إحتكار القوة التي تتيح له قتل معارضيه في ساحات الصراع وإحتجاز الآخرين في غياهب السجون ورهن أوضاعهم يإنتظار جلاء الأمور.

بناء على ذلك، وحسب كل المعطيات، فإن النظام يستثمر كل ما تتيحه الظروف، من وقت وإمكانيات للعمل على إستراتجيتين، إحداهما مولدة للأخرى، يمكن تسميتهما مجازاً بـ"الخطة (أ) والخطة (ب)" بحيث يعمل في إطار الأولى على خطين متوازيين يتم بمقتضاهما تثبيت الحكم والقضاء على الخصوم قضاءً مبرماً، ومن ثم إنهاك البيئات التي أنتجت هذا النمط الصراعي لسنوات عديدة بحيث يتطلب خروجها من حالتها المدمرة جهوداً ووقتاً طويلاً يضمن نزع قدرتها الهجومية، ويتم بناء هذا التصور على أساس ضمان عدم حصول متغيرات ما في البيئة الدولية وإستمرار المظلة الروسية، التي يبدو أنها تتاسسق مع هذا التصور، أما في حالة حدوث متغيرات دولية لا تستطيع روسيا التأثير بها أو حتى دخول الطرف الروسي في إطار ترتيباتها، فإنه يصار إلى الإنتقال إلى الخطة "ب" والتي يكون قد تم التجهيز لها مقدماً، أي الإنتقال إلى كيان حاضن يملك صفات الدولة البديلة من إمكانيات وإشتراطات.

بالنسبة للمعارضة، فإن توصيف الحرب الأهلية لسلوكها يفقدها صفة الثورة، ويبرر قمعها بدرجة أكبر من قبل النظام، وربما يؤثر ذلك بشكل مباشر على قوى الحراك المدنية التي تشكل حاضنتها الشعبية، إضافة إلى حقيقة أن قوى المعارضة، بكل تشكيلاتها، لم تتعاطَ، حتى اللحظة مع الحدث بوصفه حرباً أهلية، بقدر ما تعتبر نضالها نوعاً من حق الشعب في إختيار شكل نظامه، وحقه في المشاركة والعيش بحرية وكرامة.

لا شك أنه إستقر في وعي النظام، بعد أكثر من خمسة عشر شهراً من الإرتكابات الفظيعة، بات من المستحيل ضمان إستمراره أو إفلاته من العقاب، وأي عقاب، وبالتالي فإن سلوكه الحالي يؤشر بما لا يدع مجالاً للشك إلى إستعداده لكل الخيارات السيئة، وهو يعمل على تجهيز مسارحها على الأرض السورية.

=================

مذكرة توقيف في حق علي مملوك

علي حماده

2012-08-12

النهار

ليست قضية ميشال سماحة مهمة بمعنى انها سابقة او غريبة او مفاجئة، فالنظام في سوريا متورط بالدم اللبناني حتى عنقه، وذلك منذ زمن بعيد، انما اهمية القضية انها للمرة الاولى تنكشف بهذا الوضوح وبملف تحقيق كامل متكامل، مشفوع باعترافات احد اقرب المقربين الى بشار الاسد، مستشاره في مهمات الاغتيال المعنوي والاعلامي. والاهمية ايضا نابعة من خلال تجرؤ القضاء اللبناني للمرة الاولى منذ ١٩٧٥ على الادعاء على شخصية امنية هي الارفع في سوريا، رئيس مكتب الامن القومي اللواء علي مملوك، وهو اليد اليمنى لبشار الاسد امنيا. هذا تطور كبير في الواقع اللبناني.

لقد ختم التحقيق مع ميشال سماحة وبنهايته صدر ادعاء على عليه، مع علي مملوك وضابط سوري آخر، ثم مذكرة توقيف بحق الاول. التهمة تشكيل جمعية او عصابة لتنفيذ تفجيرات بهدف القتل. بالنسبة الى سماحة، جيّد أن يكون القضاء تحمل مسؤولياته فقام بأقل واجباته. ولكن ماذا عن مملوك ومعاونه؟ اين مذكرة الجلب ليتم التحقيق معهما؟ واين الموقف السياسي من نظام بشار الاسد؟ هل تبقى الحكومة هذه على موقفها المعلن لجهة النأي بالنفس؟ ام انها ستضطلع بمسؤولياتها السياسية. والوطنية وتقوم باجراء ما ضد نظام بشار؟

انا اقترح بداية منع دخول كل المسؤولين في النظام السوري الى لبنان، حتى عائلاتهم ينبغي منعها من المجيء. وعلى سبيل المثال، فإن زوجة ماهر الاسد امضت منذ مدة قريبة اسبوعا كاملا في بيروت تتنقل بين المحال تجارية ومحال التزيين اللبنانية والجراحة التجميلية. ففي الوقت الذي كان زوجها والبطانة حول بشار يخططون لقتل مزيد من اللبنانيين، شوهدت هي في لبنان كأنها سائحة أجنبية في موناكو!

على مستوى آخر، ثمة سؤال ملحّ: هل يقترن الادعاء على مملوك ومعاونه باصدار مذكرة توقيف؟ هذا أمر في غاية الاهمية. فمملوك تآمر لقتل لبنانيين ويستحق الملاحقة القضائية حتى النهاية.

سياسيا، كيف ستتصرف الحكومة  يرئسها رجل بشار  الاسد في لبنان الرئيس نجيب ميقاتي؟ هل يصدر ميقاتي بيانا بالموضوع؟ ام يوجه وزير الخارجية لكي يستدعي سفير النظام ويبلغه مذكرة احتجاجية شديدة اللهجة، وهذا أضعف الايمان؟

 لقد أثبتت قضية ميشال سماحة: ان الثورة السورية بتطورها الكبير وبتحريرها الشعب السوري من أغلال الخوف وتحريرها الارض من سيطرة النظام، انما بدأت بتحرير لبنان مما تبقى من احتلال النظام السوري في النفوس والعقول. فمع سقوط سماحة سقط جدار الخوف في الادارة اللبنانية من بشار الاسد، وحتى ان نفوذ "حزب الله" وتسلطه على الدولة ما استطاعا أن يغيّرا في الامر شيئا. ويوم يسقط بشار نهائيا - وسيسقط قريبا - يكون لبنان على موعد مع الانعتاق من مرحلة سوداء بدأت مع حافظ الاسد وانتهت مع ابنائه ليتطلع الى مستقبل واعد... فهل يكون بعض اللبنانيين، لا كلّهم، على موعد مع الفجر الجديد الموعود؟

=================

 مذكرة توقيف الاسد

احمد عياش

2012-08-12

النهار

احد الاصدقاء السياسيين الشجعان يقول انه بعد متابعة التفاصيل المذهلة لقضية النائب والوزير السابق ميشال سماحة شعر بالخوف مما قد يقدم عليه نظام الرئيس السوري بشار الاسد ضد لبنان. واذا كانت الكفاءة العالية لفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي تمكنت من انقاذ هذا البلد مما كان سيصيبه فيما لو نجحت خطة تفجير العبوات الـ24 في الشمال "فلا يزال هناك 70 ميشال سماحة او اكثر" لا يتورعون عن الاقدام على اعمال مماثلة. ويسأل: "هل سينجو لبنان قبل سقوط الاسد؟".

من يقرأ وقائع من التحقيق يرسم اطاراً كاملاً لما كاد ان يرتكبه الاسد. وليس تفصيلاً بسيطاً ما قاله سماحة لرئيس فرع المعلومات العميد وسام الحسن انه "ذهب الى سوريا قبل ايام قليلة وتوجه مباشرة بسيارته التي كان يقودها بنفسه الى المبنى الامني حيث يقع مكتب اللواء علي مملوك وهناك أخذت منه سيارته وتم وضع العبوات الناسفة في صندوقها الخلفي ومن هناك قاد سماحة السيارة من دمشق الى بيروت".

اذا، من ملأ صندوق سيارة سماحة بعبوات كفيلة ان تقتل المئات او اكثر وتفجّر لبنان هو الشخصية الامنية الارفع في نظام الاسد خصوصا بعد مقتل اللواء آصف شوكت.

في عز انغماسه في مواجهة ازمة تكاد ان تقتلع نظامه الى الأبد وجد الاسد الوقت الكافي ليحمل سماعة الهاتف من حيث هو موجود ليتصل بكبار المسؤولين اللبنانيين ويضغط عليهم للافراج عن سماحة. مرة اخرى، هذا النبأ ليس تفصيلاً صغيراً. ويتذكر احد الوزراء ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان وبعد انتخابه رئيساً عام 2008 تلقى اتصالا من نظيره السوري يطلب منه ان يعتمد سماحة وسيطا في العلاقات بينهما. لكن الرئيس اللبناني رفض هذا الطلب. ولعل سليمان تذكر هذه الواقعة عندما انبأه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي بمعطيات المؤامرة التي كان سماحة وسيطها. بالتأكيد، يشكر ربه انه رفض اقتراح الاسد في ذلك الوقت.

من صفات نظام الاسد الوقاحة، الى ابعد الحدود. ومن الامثلة التي لا تنسى سلوكه حيال باخرة الاسلحة التي ضبطها الجيش اللبناني بعد معلومات من قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) التي يخفر اسطولها البحري الشواطئ اللبنانية. لم يبادر النظام الى توجيه الشكر الى لبنان و(اليونيفيل) على ما انجزاه بل سارع بمذكرة احتجاج الى مجلس الامن الدولي امتلأت بتلفيقات كذبها الرئيس سليمان نفسه. اليوم، وبعد نجاة لبنان من قطوع متفجرات المملوك وضغوط الاسد هل تتجه حكومة الرئيس ميقاتي وبكل تهذيب الى نيويورك لتضع مجلس الامن الدولي امام مسؤولياته لحماية لبنان؟

قبل ان يتراجع سماحة عن قوله: "اشكر ربي انكم كشفتم القضية" المطلوب ان يتحلى المسؤولون بشيء من الكرامة فيطالبون بتوقيف الاسد. هل سيفعلون؟

=================

ميشال سماحة بيننا !

ياسر أبو هلالة

الغد الاردنية

12-8-2012

من مفارقات الدولة اللبنانية التي تقف إلى جوار نظام السفاح بشار سياسيا وأمنيا، فتناصره في المحافل الدولية سياسيا، وتخالف أبسط القواعد الأخلاقية والقانونية وتسلم معارضين إلى حتفهم في سورية، وتمارس التضييق على اللاجئين السوريين، أنها تعتقل وزيرا سابقا هو ميشال سماحة، وبتهمة مخيفة، فالوزير متهم بنقل متفجرات بسيارته المحصنة والعمل على إشعال فتنة مذهبية في الشمال لصالح النظام السوري!

 لا يستغرب من ميشال سماحة الذي انتقل من حضن إسرائيل إلى حضن النظام السوري أن يفعل ذلك. ولا يستغرب من النظام السوري الذي تورط في دماء قائد الحركة الوطنية كمال جنبلاط، وسليم اللوزي والقائد الفلسطيني سعد صايل وارتكب مجازر تل الزعتر، وليس بعيدا عن اغتيال الحريري وصحبه أيام الاستقرار أن يكرر ذلك في أيام الانهيار.

 لبنان بسماحة وبدونه ساحة مباحة للنظام السوري، ما يهمنا هنا في الأردن، أن نتيقظ في هذه المرحلة. فتاريخيا ثمة أشباه لميشال سماحة في الأردن. وقد نجحت الأجهزة السورية في اغتيال هزاع المجالي وحاولت اغتيال الملك حسين ومضر بدران ونشطاء سوريين من بينهم البكري. وكان للسفارة السورية دور أساسي في تلك المحاولات. وقد ظل نظام الأسرة الأسدية مصدر قلق للدولة الأردنية، وهذه الأيام تزداد خطورته، فليس لديه ما يخسره. وكما فتح ترسانته في مواجهة الشعب السوري فتح خزائنه وخزائن حلفائه لشراء الذمم وتجنيد العملاء.

ومع أن الشارع الأردني بأكثريته الساحقة مع الثورة، كما تظهر استطلاعات الرأي والمسيرات والاعتصامات، إلا أن الدولة ظلت تمسك العصا من المنتصف. لا تستفز النظام الوحشي، ولا تخذل الشعب المنكوب. فوق ذلك أخذت مسافة عن التحالف الاستراتيجي مع دول الخليح وأميركا، وللمرة الأولى نقرأ نقدا في الصحافة السعودية للموقف الأردني.

 لا تحتاج الدولة الأردنية من يدافع عنها، فلو سمحت بدخول السلاح والمتطوعين كما تسمح تركيا لسقطت دمشق بيد الثوار كما سقطت حلب. وأي صحفي يلاحظ الفرق في تسلح الجيش الحر في محافظة درعا ودمشق وريفها مقارنة بتسلحه في المناطق المحاذية للحدود التركية والعراقية وحتى اللبنانية. النظام السوري مطمئن أن آمن حدود هي الأردنية.

 في المقابل، الأردن دولة وجيشا وشعبا، لديهم من القيم والالتزامات الدولية ما يمنعهم من رد لاجئ سوري، سواء كان رئيس وزراء أم طفلا جريحا أم مسؤولا عسكريا أم أمنيا. في هذه الأجواء يخرج علينا بيان "ليس باسمنا"، وكأن طائرات الإف 16 الأردنية تدك القصر الجمهوري، وكأن دبابات الجيش العربي تجوس شوارع دمشق. "وهم يزجون بالمؤسسة العسكرية الأردنية التي يدّخرها شعبنا للدفاع عن أرضه وعرضه وكيانه الوطني، في أتون مغامرة خطيرة من شأنها تفكيك المؤسسة الوحيدة التي بقيت فاعلة في الدولة الأردنية"،

 ويبدو أن عملية انشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب أفقدت نظام السفاح عقله، ومع أنه لم يتهم الأردن بالوقوف وراء هذه العملية الخالصة لكتائب الجيش الحر إلا أن بيانه يتطوع باتهام الأردن. و"بالإعلان عن العملية الأمنية الإعلامية المشتركة مع ما يسمى "الجيش الحر" لتهريب رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، أصبح النظام الأردني متورّطا بصورة علنية في العدوان الغربي الأميركي التركي الخليجي ضد الجمهورية العربية السورية. وهو تورّط لم يعد، على كل حال، خافياً". 

 كاتبو البيان وموقعوه لو كلفوا أنفسهم بالدخول على مواقع الثورة السورية، لشاهدوا حجاب يتنقل من كتيبة لكتيبة في الجيش الحر، وسط أحرار جلهم مكشوف الوجه. ولو كلفوا أنفسهم وزاروا الرمثا والمفرق ومستشفيات الرمثا والملك عبدالله والإسلامي والتخصصي لشاهدوا بأعينهم جرائم النظام بحق العزل من النساء والأطفال. هم يعرفون ويحرفون.

 بيان كهذا لا يدعو للقلق بقدر ما يكشف من وقعه. ما يدعو للقلق هو وجود ميشال سماحة بينهم!

yaser.hilila@alghad.jo

=================

الأزمة السورية والاتحاد المغاربي

محمد الأشهب

الأحد ١٢ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

توافد مسؤولين من الجزائر وتونس وموريتانيا إلى طهران للمشاركة في لقاء «الأصدقاء الآخرين» لسورية برعاية إيران حليفها المحوري يعكس مظهراً آخر للخلافات التي تنخر جسد الاتحاد المغاربي العليل. فمن لا يقدر على الاتفاق على حد أدنى من التوافق في السياسة الخارجية، إذ يتعلق الأمر بنصرة انتفاضة الشعب السوري ضد نظامه المستبد، يصعب عليه أن ينهج خيارات وفاقية إزاء القضايا الإقليمية التي تشكل جوهر الرهان المغاربي الكبير.

لم تغب الرباط عن لقاء طهران الذي لا يزيد عن رعشة ما قبل الاحتضار، لمجرد أنها قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع إيران منذ فترة، ولكن أساساً لأنها اصطفت في الضفة الأخرى التي تدعم عربياً ودولياً خيار الحل السياسي الذي ينقذ الشعب السوري من حرب الإبادة. ولم تغب ليبيا لأنها كانت على موعد مع نقل السلطات إلى البرلمان المنتخب. ففي غضون الترتيبات الجارية حل وفد ليبي رفيع المستوى يقوده رئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب بالمغرب لإجراء محادثات سياسية لم يغب عنها هاجس البناء المغاربي.

ما من شك في أن باقي الشركاء المغاربيين لهم مبرراتهم التي حتمت عدم الإذعان لسياسة المقعد الشاغر وأقربها التمهيد لقمة دول عدم الانحياز. وإذا كانت العقدة في الاتحاد المغاربي مثل أي تنظيم إقليمي أنه يترك لأي دولة اتخاذ قراراتها السيادية، فإن هذا التأويل قد لا يكون مقنعاً وكافياً في التعاطي مع الأزمة السورية استناداً إلى قرارات الجامعة العربية والمجتمع الدولي التي التزمتها المنظومة المغاربية. غير أن في الإمكان اعتبار الحدث أقل مدعاة للقلق بالنظر إلى تباين الاستقراءات حيال الترتيبات التي تنتظر المنطقة العربية برمتها.

كان بديهياً بالنسبة إلى دول اجتازت لحاق الربيع العربي الذي ألقى بظلاله على مجمل الأوضاع أن تندفع تونس وليبيا في اتجاه دعم الانتفاضة الباسلة للشعب السوري، تماماً كما كان يفترض في باقي العواصم المغاربية أن تسارع إلى استخلاص الدروس ومعاودة وضع عقارب الساعة على نبض الشارع الذي لم يخمد، من دون إغفال مسار التوجهات الدولية التي لم تعد تقبل التقاعس في ممارسة الإصلاحات المنشودة.

بهذا المعنى قد لا يكون لمشاركة عواصم مغاربية في لقاء طهران ما هو أبعد من تسجيل الحضور والإلمام بتفاصيل ما ينسج من خطط وأجندات، ترغب في إحياء بعض مظاهر الانقسام العربي حيال أزمة الخليج الأولى، بخاصة وقد بدأ الآن يلوح أن الاصطفاف إلى جانب إيران كانت تحركه خلفيات شبه طائفية مع افتراض أن الأمر لا يتجاوز النطاق الضيق لتحركات خارج الزمن الطبيعي للمبادرات الإيجابية التي قوبلت بالالتفاف والتعنت والرفض. يبقى الأهم أن مساهمة الاتحاد المغاربي كإطار سياسي إقليمي يضم تكتلاً بشرياً وجغرافياً وسياسياً وازناً في الساحة العربية، يكون أجدى من أي مبادرة انفرادية. بل إنه حين يلتحم بضرورات عربية ذات أهمية إستراتيجية يصبح مفعوله أكثر أثراً.

حدث هذا من خلال المساعي التي كانت بذلتها لجنة الحكماء الثلاثية التي ضمت المغرب والجزائر والسعودية لحل الأزمة اللبنانية في ضوء قرارات القمة العربية الطارئة التي استضافها المغرب، كذلك انبرت دول الشمال الأفريقي في التعاطي وأزمة الخليج الثانية بهدف تجنيب العراق كوارث الحرب لولا أن نظام صدام حسين قابل المبادرة بعدم الاكتراث وسوء التقدير.

بيد أن إقدام دول مجلس التعاون الخليجي على الانفتاح أكثر على المنطقة المغاربية وتحديداً من خلال روزنامة الشراكة الواسعة النطاق التي ستجذب المغرب إلى الفضاء الخليجي، لم يكن منفصلاً عن الرهان الاستراتيجي لإقامة محور أكبر يطاول مجالات التنسيق والتعاون بين الاتحاد المغاربي والمنظومة الخليجية.

لا يجب التوقف عند أي حساسية صغيرة قد يتركها هذا التطور الذي يراد في جوهره لتأسيس علاقات تعاون جديدة بين شركاء المشرق والمغرب بل يتعين على الدول المغاربية أن تقدم المزيد من الأمثلة حيال انضباطها مع المعاهدة المغاربية بخاصة في شقها الذي يركز على الانتساب العربي والامتداد الأفريقي وما يفرضه من التزامات قومية.

خلافات الدول المغاربية ليست حقائق مستورة كونها تشمل سياسات ومواقف حان الوقت لاستبدالها بما يصب في خانة المصالح المشتركة. ولعل السؤال الذي تبدو إجابته يسيرة يكمن في كيفية الاهتداء إلى بناء سياسات خارجية متضامنة ومنسجمة وإن كان يصعب تحقيق هكذا أهداف في وقت ما زالت فيه الأسبقيات الإقليمية موضع خلاف. وسيكون أجدى أن تتوازى مساعي تنقية الأجواء وتكريس الانفراج مع جهود عربية تعاود للاتحاد المغاربي بعضاً من بريقه المفقود.

 

=================

وماذا عن اليوم الأول؟

الأحد ١٢ أغسطس ٢٠١٢

عبدالله اسكندر

الحياة

وزيرة الخارجية الأميركية في أنقرة للبحث في «اليوم التالي» لسقوط الرئيس بشار الأسد. الأمم المتحدة تبحث عن موفد من اجل الإعداد لهذا اليوم. اجتماعات ومؤتمرات في إسطنبول وباريس وجنيف ونيويورك والدوحة كلها تبحث في هذا اليوم التالي. وبالتأكيد تتعدد التصورات وتتضارب في ما بينها وبين الواقع على الأرض في سورية حيث يبدو أن الوضع الراهن، السابق على اليوم التالي، سيطول كثيراً مع ما يحمله من قتل ودمار على المستويات المادية والبشرية والمجتمعية.

ففي انتظار هذا اليوم التالي الموعود، يكاد يفوق كل وصف حجم العنف الذي يصاحب المواجهات بين النظام والمعارضة. وهو عنف لا يدمر الحجر ويقتل البشر فحسب، وإنما يفتت ما تبقى من صلة بين السوريين انفسهم، على نحو قد لا يشهد معه اليوم التالي دولة سورية موحدة، وشعباً موحداً. وقد يكون هذا العنف مقصوداً، بالضبط، من اجل استبعاد عودة سورية الدولة إلى وحدتها السابقة.

ويبدو أن النظام في دمشق، رغم اتساع المواجهات المسلحة ورغم التقدم الذي تحرزه المعارضة على الأرض بفعل حصولها على أسلحة جديدة، ما زال يملك من القوة العسكرية بما يتيح له أن يطيل إلى أمد غير منظور الوضع الراهن، وبالتالي تأخير اليوم التالي.

ويستفيد النظام من الدعم السياسي غير المحدود من روسيا، ومعها الصين، لتعطيل أي إجراء دولي يرغمه على تغيير سلوكه على الأرض بما يتيح تقصير مدة انتظار اليوم التالي. ويستفيد أيضاً من الدعم العسكري والتسليحي من حلفائه، خصوصاً إيران، على نحو يتيح له أن يجدد آلة القتل. ويستفيد كذلك من خبرات تدريبية وقتالية وربما بشرية لتعويض الخسائر في صفوف قواته جراء المواجهات.

وإلى كل ذلك، لديه ميزة القصف والغارات الجوية، بما يمكنه من تحقيق أهداف على الأرض لا يمكنه تحقيقها باستخدام القوات البرية. وهذا ما حصل في حمص وبعدها في دمشق واليوم في حلب وإدلب.

هذا على الصعيد المادي، أما على الصعيد السياسي فإن النظام الذي يعاني نزفاً، عبر الانشقاقات، لا يزال قادراً على استغلال التشرذم في المعارضة وعدم وضوح رؤيتها في ما يتعلق بالوضع الراهن وباليوم التالي.

وكما شكلت هذه العوامل عنصراً سلبياً في البعثتين السابقتين للجامعة العربية والأمم المتحدة، استغله النظام من اجل التملص من التنفيذ والاستمرار في نهجه، لا شيء يؤكد اليوم أن المعارضة انتقلت، مجتمعة، إلى مرحلة تجاوزت فيها هذه السلبيات وباتت قادرة على الفعل السياسي الحقيقي، حالياً وفي اليوم التالي.

كل ذلك للقول إن الوضع الراهن قد يستمر طويلاً، مشكلاً عنصر استنزاف ليس للنظام وحده وإنما للمعارضة أيضاً. وهذا بذاته يدخل البلاد في حلقة مفرغة، تدور داخلها عمليات القتل والتدمير والفرز السكاني وتزداد الأحقاد وأعمال الثأر وتتسع مجالات الأفكار المتطرفة لدى الجانبين.

والأكثر خطورة في الحلقة المفرغة أنها لن تقتصر على سورية وحدها. إذ بدأت تظهر مؤشرات إلى انتقالها إلى الإقليم، خصوصاً في العراق ولبنان. وبغض النظر عن صحة الاتهامات الأميركية لـ «حزب الله» وإيران، فإن وقعها يعمق الانقسام المذهبي ويجعله عابراً للدول، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تعميم للحرب.

كل هذه المخاطر تفرض الاهتمام بالوضع الحالي أولاً، أي في اليوم السابق على اليوم التالي. ربما أمكن تقليص حجم العنف والخسائر والتفتت السياسي والمجتمعي. أي أن الإعداد ليوم تال تبقى فيه سورية موحدة، دولة وشعباً، وتأمل بنظام ديموقراطي وتعددي، يمر حكماً بمعالجة الوضع الراهن بما يجبر النظام على التخلي عن الحل الأمني، وإنقاذ ما تبقى من لحمة بين السوريين وعمران في المدن السورية.

 

=================

فضيحة دمشق في بيروت

الأحد ١٢ أغسطس ٢٠١٢

خالد الدخيل

الحياة

ما حصل في لبنان الخميس الماضي كان كبيراً ومفاجئاً في حجمه وتوقيته. ستكون له تبعات وتداعيات سياسية أكبر من الحادثة نفسها. في صباح ذلك اليوم دهمت قوى الأمن اللبنانية منزل وزير سابق، ونائب سابق، هو ميشال سماحة، وتم اعتقاله بناء على معلومات موثقة بالصوت والصورة، وفق قوى الأمن، بتورطه في مخطط لتنفيذ تفجيرات في منطقة عكار الشمالية، واغتيال شخصيات سياسية، وغير سياسية. وهذه بحد ذاتها تهمة كبيرة في حق رجل كان يوماً ما وزيراً، ونائباً في البرلمان. الأخطر من ذلك أن المتهم سماحة، كما تقول معلومات قوى الأمن، كان بتورطه في المخطط ينفذ تعليمات من المخابرات السورية. وقد اعترف الوزير السابق بالتهم الموجهة إليه، وفق المصادر الأمنية. وتقول الرواية الأمنية في صحيفتي «الحياة» و «السفير» اللبنانيتين إن شخصاً رمز إليه بـ (م. ك.) جاء إلى فرع المعلومات في قوى الأمن، وكشف أن سماحة طلب منه تأمين مجموعة من الشبان الموثوقين لنقل عبوات ناسفة إلى منطقة الشمال، وتفجيرها هناك مقابل مبلغ مالي. وقد طلب (م. ك.) من قوى الأمن ضمانات على نفسه وعائلته للاستمرار في كشف المخطط. وقد حصل على هذه الضمانات بعد الترتيب مع النيابة العامة التمييزية. وبعد الاتفاق على كل شيء، كما يبدو، زود فرع المعلومات (م. ك.) بقلم صغير مجهز بكاميرا. وقام (م. ك.) بتصوير وقائع اللقاء بسماحة، ونقل المتفجرات، وتسليم المبلغ المالي، وهو 170 ألف دولار أميركي. وكل ذلك، وفق الرواية، بالصوت والصورة. وقد اعترف الوزير السابق، وفق المعلومات، بالتهم الموجهة إليه بعدما تمت مواجهته بالأدلة. وتنقل صحيفة «السفير» اللبنانية أن سماحة قال بالنص: «أشكر ربي أنكم كشفتم القضية قبل أن تحصل التفجيرات لكي لا أحمل وزر الدم والضحايا التي ستسقط». وقد ذهبت إحدى الفضائيات اللبنانية إلى حد القول بأن سماحة عندما ووجه بالأدلة أثناء التحقيق قال «بشار بدو هيك». هل هذا صحيح؟

يبدو أن التهم الموجهة الى ميشال سماحة صحيحة، ودقيقة، ما يفرض التساؤل عن السبب الذي دفع الوزير والنائب السابق إلى التورط في مخطط إرهابي بمثل هذه البشاعة، وضد مواطني البلد الذي ينتمي إليه، ومثّل جزءاً من شعبه تحت قبة البرلمان؟ كيف سمح لنفسه، وبموقعه السياسي والاجتماعي، أن يكون في موضع الشبهة، والمغامرة؟ المستهدفون بالمخطط الذي تم كشفه هم إما من «عناصر الجيس السوري الحر» الموجودين في لبنان، أو من المعارضين للنظام السوري، إلى جانب إثارة فتنة طائفية بين السنّة والعلويين، أو السنّة والمسيحيين. والمتهم حليف لقوى 8 آذار، وبخاصة «حزب الله»، وهي قوى حليفة بدورها للنظام السوري. الأهم من ذلك أن سماحة نفسه مقرب من القيادة السورية، إلى حد أن بعض الصحف اللبنانية القريبة من 8 آذار تقول إنه مستشار للرئيس السوري بشار الأسد. ترى، هل أرغمت السلطات السورية حليفها سماحة على تولي الإشراف على تنفيذ المخطط؟ وإذا كان هذا ما حصل بالفعل، فما هي عناصر ووسائل الضغط التي استخدمتها معه؟ هل يسمح موقع سماحة لدى القيادة السورية بأن يكون هدفاً للضغط عليه لتنفيذ عملية مثل هذه؟ أم أن سماحة نفسه رأى أن من واجبه فعل شيء داخل بلده من أجل تخفيف الضغط الذي يتعرض له النظام السوري بفعل الثورة الشعبية؟

والحقيقة أن كشف المخطط، وأنه تحت إشراف أحد حلفاء النظام السوري، سابقة كبيرة كان ينتظرها كثيرون من اللبنانيين وغير اللبنانيين لعقود من الزمن، بدا معها أن كشف مثل هذه المخططات من المستحيلات. تميّز لبنان من بين كل الدول العربية تقريباً بأنه ساحة مفتوحة ليس فقط لأجهزة الاستخبارات من كل حدب وصوب، بل لظاهرة الاغتيالات السياسية التي لم يسلم منها رؤساء الجمهورية، والنواب، ورجال الدين، والصحافيون، والمفكرون، ورؤساء حكومات. وكان آخر موجات هذه الظاهرة تلك التي انفجرت عام 2005 باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وتطلبت إنشاء محكمة دولية للنظر فيها. كانت التهمة دائماً من جانب كثير من اللبنانيين، رسميين وغير رسميين، بأن النظام السوري هو الذي يقف على الأقل خلف أغلب هذه الاغتيالات. كان المطلوب إزاحة هذا الصوت، أو ذلك الزعيم لأهداف سياسية تخص النظام السوري دون غيره، خصوصاً أثناء وجود القوات السورية في لبنان بين 1976 و 2005. وكانت القناعة بالتورط السوري قوية، لكن من دون دليل جنائي تستند إليه. تنتشر بين اللبنانيين، مثلاً، قناعة بأن سورية هي التي اغتالت الزعيم الدرزي الشهير كمال جنبلاط عام 1978. بل إن ابنه ووريثه، وليد جنبلاط، عبّر عن هذه القناعة أكثر من مرة، وكان آخرها بعد عملية دمشق التي قتل فيها أربعة من أركان النظام السوري. وكان من بينهم، هشام بختيار، رئيس الأمن القومي. ويقول جنبلاط إن هذا الشخص هو المسؤول عن اغتيال والده. لكن كل هذه القناعات كانت من دون أدلة، أو ربما أن الظرف السياسي لم يسمح بالكشف عن هذه الأدلة.

من هنا تبرز أهمية توقيف الوزير السابق سماحة، لأن ما كشفه هذا التوقيف، إذا كان صحيحاً ودقيقاً، يمثل سابقة سياسية وقضائية تؤكد بالدليل القاطع ما كان يقال عن طبيعة الدور السوري في لبنان، وطبيعة شبكة العلاقات التي كانت تربط النظام السوري بحلفائه في هذا البلد الصغير، والدور المنتظر منهم في هذا التحالف. إذا لم يتم الالتفاف عليه، ووضعه رهن الأدراج السياسية والقضائية المغلقة، ستكون لهذا التوقيف تبعات وتداعيات أكبر من الحادثة نفسها. وذلك لأن الدور السوري في لبنان كان يتقاطع مع أدوار دول أخرى إقليمية ودولية. بالنسبة إلى وضع لبنان وسورية يحمل التوقيف دلالات مهمة، منها أن التوقيف يعني أن الظرف السياسي الذي كان يحول دونه في السابق تلاشى مع الثورة السورية. وهذا يلتقي مع أن لجوء النظام السوري الى هذا المخطط، والى سماحة تحديداً، يشير إلى أن وضعه الداخلي يزداد صعوبة بأكثر مما يبدو. كما يتضافر المخطط مع حادثة أخرى، في مكان آخر، وهي الاشتباكات بين القوات الأردنية والسورية على الحدود بين البلدين، ما يؤكد فرضية أن النظام السوري يعمل على تصدير أزمته للخارج.

واللافت هو لجوء النظام السوري إلى ميشال سماحة، وليس الى «حزب الله» مثلاً، بحجمه السياسي، وقدراته الأمنية واللوجستية. ماذا يعني هذا؟ هل طلب النظام السوري من «حزب الله» أن يفعل شيئاً في لبنان؟ وماذا كان موقف الحزب من هذا الطلب؟ اللجوء إلى شخص مثل سماحة لا ينتمي إلى تنظيم يوفّر له غطاء سياسياً يترك الانطباع بأن النظام السوري اضطر لهذا الخيار، لأن الخيارات الأخرى كانت تقريباً مغلقة. هل هذا صحيح؟ إذا كان هذا صحيحاً، فهو يعني أن الوضع السياسي لحلفاء النظام السوري، في ظروف الثورة، يجعل من الصعب عليهم التورط في مخططات مثل هذه، وفي مثل هذه الظروف السياسية في سورية، والمنطقة. هناك مؤشرات قوية على أن «حزب الله» منخرط مع النظام السوري في قمع الثورة السورية. ولذلك ربما ترى قيادة الحزب أن هدفها الاستراتيجي حالياً في سورية، وليس في لبنان. محاولة الإبقاء على النظام في دمشق، أو إيجاد مخارج له من الأزمة الحادة التي يواجهها، هي التي يجب أن تكون لها الأولوية، لأنه إذا سقط النظام السوري، سيكون على الحزب وحده مواجهة تداعيات ما طلب منه تنفيذه في الداخل اللبناني. ولذلك فإن الحزب غير مستعد للتورط في عمليات داخل لبنان في مثل هذه الظروف. ماذا عن الحلفاء الآخرين، غير «حزب الله»؟ هل بدأ الشعور بقرب سقوط النظام السوري يفعل فعله السياسي داخل النظام اللبناني؟ هل باتت القيادات اللبنانية مقتنعة بأن النظام السوري صار ينتمي إلى ماضي المنطقة، وليس إلى مستقبلها؟ يمثل توقيف سماحة أول مؤشر لبناني على تراجع سطوة سورية في لبنان.

=================

منمنمات دمشقية!

أكرم البني

الشرق الاوسط

12-8-2012

يوما بعد يوم، تتشكل لوحة الثورة السورية وتتفاغر تفاصيلها ومنمنماتها، ولكن ثمة خطوطا نشازا، وبقعا لا تزال مظلمة ينبغي تسليط الضوء عليها ومعالجتها كي يتعافى المشهد ويغدو أكثر وضوحا وتكاملا.

أولا: التهويل والتعويل على معركة حلب وانجرار أطراف من المعارضة نحو دعاية النظام، وتوصيفه لها بأم المعارك أو الحدث الحاسم، أو المنعطف التاريخي، وغير ذلك، وإذا كان هدف النظام في المبالغة باعتبار معركة حلب تقرر مصير سوريا، هو تسويغ استخدام كل أنواع الأسلحة وأكثرها فتكا ضد هذه المدينة المحاصرة، وتاليا تعزيز الروح المعنوية لأنصاره وإيهامهم بأن ساعة الخلاص قد اقتربت وعليهم بذل كل الجهود من أجل الحسم والانتصار، فضلا عن إبعاد الأضواء عن شدة العنف والتنكيل الذي تتعرض له الأحياء الشامية، فكان يفترض بالمعارضة أن لا تقع في الفخ وتنساق وراء دعايات النظام وتختصر الثورة السورية في معركة واحدة، على أهمية ما يجري في حلب وتأثيره النوعي، والقصد إعادة الاعتبار للرؤية الموضوعية للثورة السورية بصفتها ثورة عمومية وشاملة، وبأن كل معركة تحصل في أي مدينة أو منطقة هي جزء لا يتجزأ من المسار العام، وما كان لحلب أن تصل إلى ما وصلت إليه وتحظى بهذه الأهمية لولا استمرار الصمود والتضحيات في حمص وحماه ودرعا ودير الزور ودمشق!

ثانيا: عودة فكرة تقسيم سوريا إلى الواجهة ليس فقط بسبب الوقائع المؤلمة التي بدأت تترسخ بإصرار النظام على التعبئة والتجييش الطائفيين، أو بسبب طابع الأماكن المختارة التي تعرضت للقصف العشوائي الشديد وللمجازر في حمص وحماه وما تبعها من تهجير، وفسرها الكثيرون بأنها محاولة لخلق خط متجانس يرسم حدود التقسيم وخطوط التماس المفترضة، أو لأن الكتلة الكردية المعارضة فرضت وجودها السياسي والعسكري المستقل في مناطق وجود الأكراد، وإنما أيضا لتنامي ميول محلية وخارجية تدعم هذا الخيار في حال عجز النظام عن الحسم في المناطق الساخنة، فمن جهة يشكل الاحتفاظ بشريط ساحلي منسجم اجتماعيا خيارا أقل سوءا لبقايا النظام، ويوفر لهم ملاذا يسهل الدفاع عنه كما ورقة مهمة للتفاوض، ومن جهة ثانية هو خيار أخير للمصالح الروسية والإيرانية، وكلاهما لا يريد التفريط، أيا تكن النتائج والآثار، بالموقع السوري من مقومات نفوذه المشرقي، ولو تقلص إلى منطقة ساحلية، مع ما يتطلب ذلك من توظيف جهود وإمكانيات خاصة لمدها بأسباب الحياة، الأمر الذي سيعقد مسار الثورة ويضعها أمام خيارات مؤلمة يفترض التعاطي معها بأرفع القيم الوطنية.

ثالثا: تنامي حركة الانشقاقات في صفوف النظام التي لم تعد تقتصر على أفراد كانوا على الهامش أو في دوائر بعيدة، بل شملت شخصيات عاشت جل تاريخها كجزء من تركيبة النظام، وهو أمر إذ يكشف عمق الأزمة التي تعاني منها النخبة الحاكمة ويدل على تراجع ملموس في قدرتها على استمالة أنصارها ونيل ثقتهم، فهو يكشف مدى الإصرار على الحل الأمني والعنفي، بدليل تزايد أعداد رجال الدولة الذين صاروا يأنفون تحمل وزر النتائج المأساوية التي تخلفها آلة القمع والتنكيل، لكن للآسف لا يزال ينظر إلى هذه الانشقاقات من القناة الطائفية ربطا بطابع ونوعية المنشقين وخلفياتهم الدينية، وهو أمر يضعف بلا شك مردودها ودورها في تفكيك النواة السياسية والأمنية المقررة، وبهذا الصدد ينبغي عدم التسرع في تقويم هذه الانشقاقات ووضعها تحت سيف المحاسبة عن ماضيها، فالأهم هو تفهم خيارها الجديد وتوظيفه لتشجيع الآخرين من مختلف الطوائف على رفض سياسة العنف وإعلان انحيازهم للثورة وعملية التغيير.

رابعا: تبدو غالبية السوريين متحمسة للتغيير وتقف مع الثورة وتريد التخلص من الاستبداد أيا تكن الآلام، وتحاول التكيف مع الصعوبات وشح الموارد في المناطق التي خرجت عن سيطرة السلطة، حيث يتقصد النظام ترك هذه المناطق بلا كهرباء ولا ماء، ويحرمها من أبسط الحاجات الحيوية للعيش، الأمر الذي يضع على عاتق الإدارة المؤقتة لهذه المناطق مسؤوليات مضاعفة، في خلق نمط من التعاون والتعايش الصحي والتوزيع العادل للاحتياجات المعيشية، والأهم الحد الحازم من التجاوزات والخروقات التي يمكن أن تنشأ في ظل غياب دور الدولة، والغرض إظهار صورة إيجابية لثورة تنسجم مع شعارات الحرية والكرامة التي تتبناها، وقطع الطريق على المتصيدين في المياه العكرة، والمشككين بقدرة الحراك الثوري على إدارة البلاد وتنظيم حياة الناس، الذين لا دور لهم سوى التهكم والامتعاض مثلا، من أكوام القمامة وهي تتراكم أحيانا في زوايا الشوارع.

خامسا: لا يغيب عن اللوحة واقع المعارضة السياسية وتخلفها المزمن عن اللحاق بإيقاع الحراك الشعبي وحاجاته، فما نشهده من استمرار تشتتها وتعدد المشاريع مؤخرا حول تشكيل حكومة انتقالية، ينعكس سلبا ويزيد من حجم الإرباكات والصعوبات التي تعانيها الثورة، ويعيد إحياء الأمراض الذاتية التي لا تزال تفتك بالفكر المعارض من حضور الحسابات الأنانية والمصالح الحزبية، ومن الادعاء بالحق التاريخي في الزعامة، ومن حضور فعاليات تدعي المعارضة، غالبا من دوافع وصولية أو انتهازية، تحاول ركوب موجة التغيير القائمة وتوظيف أشد العبارات المتطرفة والاتهامات كي تفرض نفسها في المشهد السياسي.

لا يطالب الشارع السوري بمعارضة موحدة ومنسجمة، والأمر الطبيعي هو تنوع الاجتهادات والرؤى والقوى، خاصة لمعارضة عانت الأمرين من ظلم النظام وتنكيله، لكن المطلوب هو توحيد خطابها وإيقاع ممارساتها حول هدف إزالة الاستبداد وأساسا لمد التحركات الشعبية بأسباب الدعم، فالثورة تحتاج للأفعال الملموسة أكثر مما تحتاج للهياكل القيادية، والنجاح في مواجهة الاستبداد يتطلب أيضا مواجهة مع الذات وأمراضها.

================

إيرانيون في سوريا!

فايز سارة

الشرق الاوسط

12-8-2012

آخر الأخبار المتعلقة بالإيرانيين في سوريا، كان خبر اختطاف ثمانية وأربعين إيرانيا، كانوا في حافلة تسير على طريق مطار دمشق الدولي في رحلة باتجاه مقام السيدة زينب، أحد المقامات الدينية بالقرب من العاصمة السورية، وقيل في حينها، إن المختطفين الإيرانيين، كانوا في إطار زيارة دينية، وهو تقليد إيراني تكرس وانتظم في العقود الأخيرة من العلاقات الإيرانية - السوريالتي أعيد في إطارها إحياء وتجديد كثير من الأماكن الدينية للطائفة الشيعية، التي تنتمي إليها أكثرية الإيرانيين.

أهمية الحدث الإيراني في سوريا، تنبع من ظروفه وتفاصيله. فمنذ عقود ثلاثة، كانت تتواصل أفواج الزيارات الدينية الإيرانية إلى دمشق، بمعدل أسبوعي يتراوح ما بين خمسة وعشرة آلاف زائر، يقيم فيها المشاركون في فنادق بوسط العاصمة السورية، ومنها ينتقلون لزيارة أماكن دينية في قلب دمشق وفي محيطها، وقد تطورت الزيارات في فترة من الفترات إلى محافظات سورية بينها الرقة حيث مقام أويس القرني.

طوال تلك العقود، لم يكن يحيط بالوجود الإيراني في سوريا أي إشكالات، بل إن السوريين، كانوا يحتفون بالإيرانيين بسبب ما يجمعهم من روابط تاريخية وثقافية وتقارب سياسي أكثر مما يحتفون بالغرباء الذي هو سلوك سوري تقليدي. غير أن قاعدة الاحتفاء بالإيرانيين أخذت تتغير بعد بدء الثورة السورية في مارس (آذار) 2011، إذ ظهرت تصريحات لمسؤولين إيرانيين أدانت التحركات الشعبية، وأعلنت تأييد النظام والوقوف إلى جانبه، ثم زاد على ذلك قيام السلطات الإيرانية بتقديم دعم سياسي وإعلامي واقتصادي للنظام، وسط تقارير تحدثت عن دعم عسكري وأمني وتكنولوجي عززت الحل الأمني - العسكري ومجرياته، بل إن بعض التقارير أشارت إلى مشاركة عناصر إيرانية في عمليات قمع حركة الاحتجاجات، وكان أبرز ردود الفعل على ما سبق اختطاف سبعة عناصر من الإيرانيين في حمص العام الماضي اتهموا بأنهم عناصر عسكرية بخلاف التأكيدات الإيرانية والسورية الرسمية بأنهم خبراء في مجال الطاقة ليس إلا.

لقد أفسد الموقف الرسمي الإيراني البيئة التي كانت تحيط بوجود الإيرانيين في سوريا وعلاقاتهم، وكان من ثمرة ذلك، أن توقفت قوافل الزوار الإيرانيين إلى الأماكن الدينية، والتي يتم رعايتها رسميا، وبالتأكيد فإن الإيرانيين من ركاب الحافلة الذين تم اختطافهم كانوا خارج قوافل الرعاية الرسمية، على الرغم من تأكيدات المصادر الإيرانية أنهم زوار للأماكن الدينية بخلاف ما أشاعه المعارضون من الجيش الحر السوري، من أن هؤلاء ليسوا أكثر من عناصر عسكرية، تلعب دورا في الدعم الإيراني للسلطات السورية.

ولعل الأهم في موضوع المختطفين الإيرانيين، أن اختطافهم جاء بعد عملية اغتيال علي حسين زاده المستشار العسكري الإيراني في السفارة الإيرانية بدمشق، إضافة إلى ما يحيط بعملية الاختطاف في الظرفين الزماني والمكاني، فقد بدا وجودهم في دمشق ملتبسا من الناحية الزمنية، إذ ترافق ذلك الوجود مع أضخم عمليات عسكرية أمنية تقوم بها السلطات في العاصمة السورية منذ اندلاع الأحداث، الأمر الذي جعل من الخطر الشديد، أن يقوم أي أشخاص بالتنقل في أي جزء من العاصمة، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بحافلة تضم ثمانية وأربعين شخصا، والأمر الثاني يتعلق بوجودهم في المكان الذي كانت تسير فيه الحافلة، وهو طريق مطار دمشق الدولي الذي يعتبر في عداد المناطق الأمنية المقيدة العبور للمارين عليها، ويدعم واقع الظرفين الزماني والمكاني الخصوصية، التي تحوز عليها حافلة المخطوفين، وتجعلها أقرب إلى ما تقوله عناصر الجيش الحر من أن المخطوفين ليسوا من زوار الأماكن الدينية، ومما يزيد أرجحية هذا التقدير، أمران، أولهما أن كل ركاب الحافلة من الرجال، وقد درجت العادة على وجود نساء ورجال في حالات الزوار، والأمر الثاني، أن ركاب الحافلة في أعمار ما بين الشباب وأوسط العمر، وغالبا ما يكون بين الزوار بعض الرجال المسنين.

وبغض النظر عن حقيقة الأمر في صفة المخطوفين سواء كانوا من الزوار أو من العناصر العسكرية، فإن عملية الاختطاف، تؤشر بصورة عملية إلى تردي وضع الإيرانيين في سوريا، وهي تؤشر إلى تدهور مقبل في العلاقات السورية - الإيرانية خاصة في حالة تغيير النظام الراهن، وغالبا فإن السوريين والإيرانيين سوف يحتاجون لكثير من الجهد والوقت لاستعادة السياق الأفضل لعلاقة البلدين والشعبين في المستقبل.

================

فرار الرئيس!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

12-8-2012

انتشرت في سوريا نكتة تقول إن الرئيس بشار الأسد انشق عن نظامه. ونشرت الصحافة رسما كاريكاتيريا يظهر الرئيس وهو ينشطر إلى نصفين، مع تعليق يقول: «الرئيس ينشق».

كانت النكتة تعليقا على انشقاق رئيس وزراء سوريا الدكتور رياض حجاب، الذي أوحى لمن «نكتوا» أنه لم يبق هناك إلا انشقاق الرئيس، كي تستكمل سلسلة الانشقاقات التي بدأت بعد نشوب الانتفاضة الشعبية مباشرة، واستمرت عبر انسلاخ ملايين المواطنين عن النظام، وصولا إلى كبار الضباط والساسة المقربين من الرئاسة، الذين يعتبرون جزءا من نواة النظام الصلبة: الجهة التي تعيد إنتاج النظام، وتضمن انسجامه، وتنسق عمل أطرافه وأجهزته وتكفل توزيع الأرزاق على منتسبيها، كل حسب مكانته ودوره.

بانشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب، تصدّع ركنان رئيسيان من أركان النظام الشمولي السوري هما: نظام الموالاة ونظام السيطرة.

1) أما نظام الموالاة، فهو يستند إلى وجود قائد يجلس على قمة هرم السلطة لا يجوز لأحد منها الخروج على قراراته أو مخالفته الرأي تحت أي ظرف، بما أن قوة السلطة والنظام تقوم على وقوفهما متحدين وراءه في السراء والضراء، مع ما يتطلبه الولاء له كرمز للنظام من تعظيم شخصه وتأليهه. يلزم نظام الولاء أهل السلطة أينما كان موقعهم منها، من الحاجب إلى نائب الرئيس، فلا تسامح مع أي شخص أو أي جهة لا يلتزم أي منهما بمبدأ الولاء، الذي هو إسمنت للنظام يربط أجزاءه بعضها ببعض، ويساعده على خوض معارك واجتياز أزمات يمكن أن يتصدع إن واجهها منقسما على نفسه أو متساهلا مع الاختلاف بين مكوناته. لا عجب أن عايش السوريون واقعا سياسيا كان الحاجب يتحدث فيه لغة الوزير، وكان هذا يتصرف كالحاجب حيال كل كبيرة وصغيرة، فمبدأ الولاء يتطلب الامتثال الأعمى لما يصدر عن فوق ويحتم تنفيذه دون نقاش أو اعتراض، لذلك كان أهل السلطة يبدون لمن يتابع مواقفهم ككتلة متراصة لا سبيل للنفاذ إليها.

2) نظام السيطرة، وهو الوجه الآخر لنظام الموالاة، الذي يقوم على الضبط والرقابة الصارمة والدائمة، استكمالا لنظام الموالاة الذي يقوم على الخضوع الطوعي والرضوخ الاختياري. لئن كانت الموالاة تعيد إنتاج ما تريده قمة الهرم في جسدية النظام السياسية والتنظيمية، فإن نظام السيطرة يتكفل ببقائها ناظما أي سلوك وموقف لدى من ينتمون إلى هذه الجسدية، باستخدام وسائل رادعة تنقلب إلى وسائل ملموسة عند الضرورة، تتراوح مفرداتها بين التمليح والتنبيه والتحذير وبين الاعتقال والتغييب والتعذيب والقتل. يتكفل نظام السيطرة بفاعلية نظام الموالاة، وبجعل أي موقف يقع داخلهما كنظامين يضمنان دوام النظام العام، يؤمن تفوقهما الغلبة على أي معارضة أو اعتراض يواجهانه، فالموالاة تعني الاقتناع، والسيطرة تعني الإكراه والفرض، والموالاة حالة معنوية تنتجها مؤسسات السلطة، تتكفل وسائل زجرية وقهرية باستمرارها وبتكامل فعلها مع وظيفة الموالاة بالنسبة إلى وحدة النظام.

ما الذي حدث كي يحدث انشقاق رئيس وزراء؟ وكيف نقرأ هذا الانشقاق؟ بغض النظر عن أن النظام يستطيع دوما إيجاد بدائل لمن ينشقون، بسبب ضخامة أجهزة السلطة، فإن انشقاقا على هذا المستوى يشير إلى تصدع نظامي الموالاة والسيطرة، وبالتالي إلى عطل أصاب قدرة رأس السلطة على إعادة إنتاجها عبر ضمان فاعلية هذين النظامين وقبولهما من مكونات السلطة دون قيد أو شرط، علما بأن استمرارها يتوقف عليهما. وبما أن الانشقاقات لم تعد تقتصر على مراتب دنيا في النظام لها تماس مباشر مع قطاعات شعبية واسعة تمارس عليها تأثيرا يدفع بها إلى الانشقاق، الصامت أو المعلن، عن نظام الموالاة، فإن وقوعها بحد ذاته يعد خطيرا بكل المعاني، بعد أن طالت أشخاصا من دائرة القيادة العليا، في ظاهرة تحدث لأول مرة في سوريا، منذ انشق حافظ الأسد عن حزبه وانقلب عليه عام 1970.

ما هي دلالات الانشقاقات كظاهرة؟ وأين تكمن خطورتها؟ هذا السؤال مهم لأن الجواب عليه يفسر حدثا غير مسبوق، تأخر وقوعه سياسيا وعسكريا، مما جعل خبراء في الشأن السوري يتوقعون بقاء السلطة متماسكة، ويصرون على مقارنة ما يحدث في سوريا بما حدث في تونس ومصر، حيث أسهم العسكر في انتصار الثورة هناك، بينما هم يخمدونها هنا، ويستنتجون أن السلطة ستبقى موحدة على الرغم من فرار قرابة مائة ألف جندي وصف ضابط وضابط من أجهزتها العسكرية والأمنية، وتشكيلهم جيشا مقابلا لجيش النظام هو الجيش السوري الحر، الذي يعتبر دليلا على وجود طريق سوري خاص إلى الحرية يختلف عن طريق تونس ومصر، لا يصح تطبيق معاييرهما عليه لأن له معايير خاصة أنتجتها حرب النظام السوري ضد شعبه.

لماذا ينشق الناس اليوم ولم يكونوا ينشقون من قبل على الرغم من دور النظام في لبنان وقتاله ضد منظمة التحرير ومساعدته إيران ضد العراق وتخليه عن الجولان؟ أعتقد أن السبب يرجع إلى أن سياسات النظام، القائمة على تدمير سوريا وقتل شعبها، تضع لأول مرة مسؤوليه أمام حالة ترغمهم على الاختيار بين الولاء له والولاء للوطن، بما أن سياساته تحدث خارج أي وطنية. في الماضي، كانت سياسات السلطة تعادل الوطنية السورية، أما اليوم، فهي تعني القضاء على سوريا وطنا ودولة ومجتمعا. لذلك، لم يعد هناك أي مسوغ يبرر استمرار نظام الموالاة لقيادة تدمر بلادها، وصار أي حزبي مخيرا بين الولاء للنظام والقبول بتدمير الوطن، أو الولاء للوطن والخروج من النظام. بما أن أغلبية شعبية وحزبية رأت بالأمس في النظام تعبيرا عن الوطنية وترى فيه اليوم نقيضها، فإنها تنشق عنه وتخرج على نظام الموالاة، يشجعها على ذلك تهالك نظام السيطرة تحت ضربات الشعب، الذي يبدع وطنية جديدة يقبلها السوريون، ركيزتها الحرية والعدالة والمساواة: تلك القيم التي أدى قضاء النظام عليها إلى جعله عدوا لوطنه، وجعل مناصرين سابقين له لا يجدون لهم مكانا داخله، وأجبرهم على القفز من سفينته مع ما يؤدي إليه ذلك من تسريع انهياره، وهو الذي بدأ يتفكك من تحت، وشرع يتصدع بوتيرة متصاعدة من فوق، في سيرورة تؤكد لكل من له عينان يرى بهما أن سوريا الحرة آتية، وأن فيها مكانا لجميع بناتها وأبنائها، بمن فيهم من ينشقون عن نظام ثار عليه الشعب ولم يعد لديه من حماية غير الدبابات والطائرات، لكنه يتهاوى تحت ضربات يتلقاها من داخله أيضا، يسددها إليه رؤساء وزرائه وجنرالاته وجنوده وضباطه وقطاعات واسعة من مواطنيه، الصامدون منذ عام ونصف العام في وجه آلته الحربية، دون أن يصيبهم كلل أو ملل، حتى صار نضالهم أسطوريا، بما قدموه من شهداء وتعرضوا له من عنف وقتل!

================

غياب دور أوباما في سوريا

نيكولاس كريستوف

الشرق الاوسط

12-8-2012

نتجت أفضل لحظات الرئيس أوباما في مجال السياسة الخارجية، وأبرزها الغارة على مجمع بن لادن السكني أو التدخل في ليبيا، عن المشاركة الوثيقة والتقدير الجيد للمخاطر.

وتأتي هفواته عندما يكون سلبيا أو غائبا، كما هو الحال في سوريا. إنني بشكل عام أحد المعجبين بسياسة أوباما الخارجية، لكن فيما يتعلق بالشأن السوري، ثمة حيرة متنامية حول العالم مفادها أنه يبدو عالقا في حالة من التباطؤ والتقاعس عن اتخاذ أي إجراء ملموس.

إن الولايات المتحدة يجب ألا تغزو سوريا. لكننا يجب أن نعمل مع حلفائنا من أجل إمداد الثوار، الذين يجتازون عمليات التدقيق التي نجريها، بالأسلحة والتدريب والمعلومات الاستخباراتية.

إنني في أسبين لحضور الاجتماع السنوي لمجموعة «أسبن» الاستراتيجية، وهي مجموعة تضم أعضاء من الحزبين تتطلع إلى الشؤون الدولية، وأنا في حالة من الدهشة من العدد الكبير من الخبراء الاستراتيجيين الذين أكن لهم الاحترام ممن يرون أنه قد حان الوقت لاتخاذ إجراء عنيف.

أخبرني ويليام بيري، وزير الدفاع في عهد بيل كلينتون، بأنه لو كان في البنتاغون اليوم، لاقترح التدخل العسكري في سوريا، شريطة مشاركة تركيا ومن دون قوات على الأرض. على وجه التحديد، قال إنه سيفضل فرض منطقة حظر جوي وحظر بري في شمالي سوريا.

قال بيري: «هذه ليست استراتيجية كاملة، لكنها يمكن أن تسهل عملية الإطاحة بالأسد، كما أن لها فائدة إنسانية حقيقية». وأضاف: «وفي حالة نجاحها، يمكن أن تساعدنا في التأثير على نظام ما بعد الأسد. لكن، إذا ما تقاعسنا، لن نكون في موضع يسمح لنا بالتأثير على هذا النظام».

حدثتني مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في حقبة كلينتون، قائلة: «إنني أؤيد التدخل، لكنه ليس بالضرورة أن يكون تدخلا عسكريا على الأرض. علينا أن نشارك بصورة أكبر فيما يحدث».

قالت أولبرايت إن التدخل الأميركي يجب أن يكون متعدد الأطراف، مع ضرورة أن لا تعرقل عدم القدرة على تنفيذ مشروع قرار صادر عن الأمم المتحدة اتخاذ أي إجراء مجددا، مثلما حدث في كوسوفو في عام 1999. قالت: «لا يمكننا تحمل أن نكون في طريق مسدود، بينما يقتل الناس هناك».

مثلما أرى، ثمة ثلاثة أسباب رئيسية تدعو للتدخل في سوريا.

أولا: كلما استمر القتال لفترة أطول، تزعزع استقرار المنطقة بدرجة أكبر. إن سوريا الآن في حرب أهلية مرتبطة بالانقسام بين السنة والشيعة في المنطقة. وكلما زاد عدد القتلى واللاجئين وعمليات القتل الانتقامية، صعبت محاولة العودة بالأوضاع إلى المسار الصحيح. وكلما طالت مدة الحرب، زاد خطر اتساع نطاق التأثير ليشمل لبنان والعراق والأردن.

ثانيا: يعتقد أن الأسد لديه الكثير من أطنان السارين وغازات الأعصاب «في إكس». وهذه الأسلحة الكيميائية يمكن أن تقع في أيدي الجهاديين أو تنتشر في السوق السوداء العالمية، ويجب أن نعمل مع الثوار السوريين من أجل المساعدة في تأمينها إذا لزم الأمر.

ثالثا: هناك مبادرة إنسانية. يبدو أنه قد قتل عدد من الأفراد في سوريا يفوق عدد من قتلوا في ليبيا عندما بدأ ذلك التدخل، ويزداد عدد القتلى بشكل مفزع.

بدأ المتظاهرون ثورتهم سلميا، لكنهم تعرضوا لقمع وحشي لا يوصف. ومن ضحايا الثورة الذين باتوا بمثابة أيقونة لها فتى يدعى حمزة الخطيب، تم اعتقاله في مظاهرة مناوئة للأسد، والاعتداء عليه جنسيا، ثم تعذيبه حتى الموت في سن الثالثة عشرة.

ما الذي يمكننا فعله؟ قد تتمثل إحدى الخطوات بالنسبة للولايات المتحدة في أن تبعد قواتها البحرية عن الساحل السوري، فيما وجهت تركيا وإسرائيل المزيد من القوات بالقرب من حدودها مع سوريا. ومن شأن هذا أن يفرض قيودا على القوات السورية، بحيث يقل عدد القوات المتاحة للأسد لقتل شعبه.

لقد قدمت آن ماري سلوتر، طالبة من برينستون عملت من قبل كواحدة من كبار المسؤولين في إدارة أوباما، اقتراحات مهمة لاتخاذ إجراء بشأن سوريا. فهي تقترح أن تقوم الولايات المتحدة ودول أخرى بتزويد القادة الذين يضطلعون بمهمة حماية المدنيين ويحاولون تفادي عمليات القتل الطائفية أو الانتقامية بمدافع مضادات للدبابات وأسلحة مضادة للطائرات، وربما طائرات. وقد صدق بعض قادة الجيش السوري الحر على قواعد السلوك هذه.

وبالتعاون مع حلفائنا، يمكننا أيضا أن ننصح القادة السوريين بأنهم إذا ما تخلوا عن الأسد، فربما يلعبون دورا في مستقبل سوريا. أما إذا ما أكملوا معه الطريق، فقد لا يكون لهم مثل هذا الدور.

دائما ما يمكن أن ينحرف أي تدخل عن مساره، وهناك مخاوف مشروعة تتعلق بسلوك الثوار السوريين. ومن المؤكد أيضا أن عام انتخابات رئاسية ليس بوقت مثالي للتدخل، على الرغم من أنه في هذا الصدد، يمكن أن يتعاون أوباما مع الجمهوريين من أجل كسب دعم من الحزبين. إنني لست من الصقور. كنت معارضا بشدة لحرب العراق والصعود الأفغاني. وأنا معارض بشدة للتحول اليوم باتجاه الحرب مع إيران. لكن سوريا، على غرار ليبيا، حالة نادرة يمكننا أن نتخذ فيها خطوات بسيطة توفر فرصة جيدة للإسراع بإسقاط ديكتاتور. وبعد 17 شهرا، هناك إجماع متزايد على أن أوباما يجب أن لا يظل واقفا موقف المتفرج.

قال نيكولاس بيرنز، وهو مساعد وزيرة الخارجية السابق للشؤون السياسية، والذي يعمل الآن أستاذا بجامعة هارفارد: «إنني مؤيد لأسلوب تعامل الرئيس مع الشرق الأوسط بشكل عام، غير أن إدارته كانت لها ردود أفعال ملموسة بشأن سوريا. إنك تسمع سؤالا من جميع العرب هو: «أين الولايات المتحدة؟»

سيدي الرئيس أوباما، هل من إجابة؟

* خدمة «نيويورك تايمز»

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ