ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 12/08/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

تعاون تركي - إسرائيلي بعد سقوط الأسد

د.مطلق سعود المطيري

الرياض

11-8-2012

    تسببت أعمال القتل الجماعية بالوصول في الوضع بسوريا الى نقطة لا يمكن الرجوع منها الى الوراء، واصبح الكل داخل سوريا وخارجها يتساءل كيف ومتى ستنتهي الثورة؟

إن كان الرئيس السوري في السابق ينكر ما يحدث، عرف اليوم ان بقاءه في السلطة بات شبه المنتهي، وليس أمامه إلا اختيار طريقة خروجه لإنقاذ نفسه، وهذا كان بقوة صمود الجيش الحر، وليس بسبب حلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الذي وقف عاجزا عن القيام بعمليات عسكرية، وغاب تماما عن المشهد السوري إلا من خلال تبريرات لعجزه عن التدخل، وكان أبرزها، إن العملية الجوية في سوريا غير كافية، وتحتاج إلى عملية برية لحماية الشعب السوري من ضربات النظام على الأرض، إلا ان هذه التبريرات باتت غير مقنعة بعد انقسام الدعم الدولي إلى عدة مستويات تنسجم مع الاعتبارات السياسية للمعارضة السورية بالخارج، وجميعها جهود تعمل على إضعاف النظام وليس رحيله، حتى تتمكن من فرض نظام لا يخرج عن دائرة النظام السابق.

معهد دراسات الامن القومي الإسرائيلي قدم سيناريوهات قبل اسبوع للوضع في سوريا:

سقوط نظام الأسد، وتفكك مؤسسات الحكم والبنية الأساسية للدولة، واندلاع حرب أهلية وسوف يرافقها عمليات تطهير طائفي مما يؤدي لنزوح السكان الى المناطق الواقعة تحت تأثير طائفي معين.

في حال نجح نظام الرئيس السوري في البقاء، سواء كان الأسد او زعيما آخر من الطائفة العلوية، سيكون نظاما ضعيفا وسيفقد شرعيته وسيحاول السيطرة بالقوة على المحور الأساسي الذي يربط دمشق بحمص وحلب والمنطقة الساحلية، وفي المقابل سيخسر سيطرته الفعلية على المناطق الواقعة بالأطراف..

قيام حكم سياسي مختلف يتشكل من داخل سوريا وصعود نظام جديد يستند الى اتحاد المعارضة..

حصول تدخل خارجي بقيادة المجتمع الدولي وهو التدخل الذي سيعمل في البداية على اسقاط الأسد ثم يقيم حكما جديدا يسعى الى تحقيق المصالحة الداخلية والاصلاحات الديمقراطية..

جميع هذه السيناريوهات تنطوي على مخاطر وتهديدات جديدة على امن اسرائيل فهي تتخوف من تحول هضبة الجولان الى منطقة لا يوجد بها سيطرة فعلية، بعد نزوح اعداد كبيرة اليها، ونشوء أزمة إنسانية كبيرة.

القراءة الاسرائيلية ستجعلها أمام خيارين، اولا: اتباع سياسة أمنية يجري التركيز فيها على تقليص التهديدات الأمنية، وخوض معركة سرية لمنع تهريب السلاح الكيماوي وانتقاله الى جهات متشددة.. ثانيا: الوقوف على الحياد بسبب الرؤية التي ترى أن بقاء الأسد ضعيفا هو الأفضل لأمن اسرائيل.

ومن الواضح أن اسرائيل سوف تعمل انطلاقا من افتراض أن نظام الأسد لن يصمد بصورته الحالية، مما يفرض عليها العمل على زيادة التعاون مع تركيا التي تملك قوة تأثير كبيرة على المعارضة السورية، لكبح انتقال الاضطرابات لكلا البلدين، وكل عمل دولي في المستقبل سوف يراعي شروط هذا التعاون الذي ربما سوف نشهد له بدايات في الأيام القليلة القادمة.

=================

مجازفة الأخضر الإبراهيمي.. تكرار لفشل عنان!!

يوسف الكويليت

الرياض

11-8-2012

    ما الذي سيضيفه الأخضر الإبراهيمي لمهمته في سوريا بعد فشل عنان وتخليه عنها، المسألة لا تتحدد بشخص وفريق طالما أساس الفشل جاء من داخل مجلس الأمن، فلا روسيا والصين على استعداد للضغط على الأسد، وتنحيه، ولا الأعضاء الآخرون لديهم الرؤية الموضوعية والضاغطة بحيث تنهي المشكلة بتوافق دولي؟!

فروسيا في أفضل الأحوال لن تستطيع أن تكسب أرضية جديدة في الوطن العربي، فصداقاتها انحسرت وفرزتها كدولة استعمارية، ولا يقتصر الأمر على هذا المحيط وحده، فالعالم الإسلامي بكليته بدأ يجد في روسيا دولة نفاق، وهستيريا على ما فقدته من هيبة بعد انحسار الاتحاد السوفياتي وتلاشيه، ومع سوريا تحاول أن تكون الند للغرب، وإعادة قوالب الحرب الباردة بأسلوب أقرب للعنترية، وإلا بمقارنة هذه الدولة النووية، لا توازي اقتصاد كوريا الجنوبية، وبالتالي لم يبق لها من تأثير إلا بقايا سلاحها التي تروج له في السوق العالمي، وتحديداً في العالم الثالث!!

الأسد لن يستسلم إلا بقوة متساوية، لكن عمر المعارك سوف يجعله مجبراً على التقهقر، لأن الجيش الحر بدأ يخلق تكتيكات جديدة تشتت أفكار القيادة للدولة والجيش النظامي، ثم على اعتبار أن الأسد استطاع تجميد عمل المقاومة، فسوريا ومدنها وقراها أصبحت خارج الزمن، حيث أعادها الأسد لمائة عام للخلف، وهذه فقط سوف تولد جيوشاً من الفقراء ليس لديهم ما يخسرونه عندما يواجهون السلطة بأعمال انتحارية وانتقامية، وهنا ماذا ستعمل له روسيا والصين، طالما خسر الأصدقاء في تركيا ودول الخليج العربي وأوروبا، التي هي المصدر الأساسي في تحريك العملية الاقتصادية، سواء جانب الاستثمارات، أو العاملين بدول الخلية والذين يساهمون بتحويلاتهم في التنمية الاقتصادية، وعملية قطع المعونات والقروض ستستمر طالما الأسد على كرسيه ويكفي أن عائد السياحة فقط يعد أحد الروافد للاقتصاد ومحرك العمل التجاري في مختلف القطاعات..

من يحكم سوريا، سواء النظام القائم، أو غيره، سيجد بلداً مدمراً في بنيته الأساسية، لكن من يخلف الأسد ربما يكون أكثر قابلية، لأن يطرح مشروع إعمار سوريا ويجد الاستجابة من الدول الداعمة، وهذا ما يجعل روسيا تصر على مزيد من التدمير، لأنها في حال لو طلب منها دعم مادي، فهي أصلاً لا تملك إلا موارد محدودة، وتعودت أن تمنح الأصدقاء أسلحة أو فائض قمحها، وعدا ذلك فلن تقوم بأي دور حتى لو بقي حليفها في السلطة..

الأخضر الإبراهيمي، رغم كفاءته، وتجاربه، فهو عجز عن حل أزمة العراق عندما كلف بمهمة مماثلة، والآن سيواجه ثلاث قوائم تتصارع، سياسياً على جعل سوريا ميدان حرب دبلوماسية..

فالنظام يدار من قبل روسيا، وهي مع الصين لا يرغبان حل عقدة القضية السياسية، والمعارضة والجيش الحر، رغم تخلي الغرب عنهما فمنطلقاتهما ثابتة، لا مزايدة على إنهاء النظام، وهذه الأجواء لا توفر للمندوب الجديد أي إضافة أخرى طالما كل النفق مظلم..

=================

الدول العظمى والمأساة السورية

المصدر: صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» الروسية

التاريخ: 11 أغسطس 2012

البيان

الدول العظمى تستغل المأساة السورية لتحقيق مصالحها، والصراع الدبلوماسي الدائر في مجلس الأمن، لا يمت بصلة إلى ما تدعيه أطراف ذلك الصراع من حرص على الشعب السوري بل هو وسيلة لإثبات الذات على الساحة الدولية. وكان أمرا متوقعا أن يعترف المبعوث الدولي والعربي الخاص كوفي أنان بأن آماله لم تتحقق، وأن التفجيرات الإرهابية الأخيرة في سوريا لم تسهم في تشكيل رأي موحد في الأمم المتحدة.

فروسيا والصين، أحبطتا وبشكل متوقع مشروع القرار الغربي حول سوريا، أما الأمر الوحيد، الذي كان من المؤمل أن يحصل على إجماع في مجلس الأمن فكان مشروع القرار الذي تقدمت به باكستان.

علما بأن مشروع القرار الباكستاني يحمل طابعا تقنيا بحتا ويقترح تمديد نشاط بعثة المراقبين الدوليين التابعة للأمم المتحدة في سوريا لمدة 45 يوما، وهذا ما يناسب الغرب، على الرغم من أن روسيا طالبت بضعف هذه المدة.

لكن ما ترحب به روسيا في هذا المشروع هو غياب النقطة التي تتضمن استخدام العقوبات ضد النظام السوري، التي أصر عليها الغربيون. وعبرت بريطانيا بدورها، بشكل واضح عن عدم رضاها من وصول الأوضاع إلى هذا المستوى، فقدمت مشروعها الخاص.

ووفقا لمندوب بريطانيا الدائم في الأمم المتحدة، مارك لايال غرانت، فإن مشروع القرار الجديد ينطوي على تمديد مهمة البعثة للمرة الأخيرة، وتكون لمدة 30 يوما فقط. لكن موسكو، مباشرة أعطت إشارة لا تقبل التأويل، حول الطرف الذي تؤيده.

لقد أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، "أن النص الباكستاني جيد جدا، وهو بصدد تقديم الدعم له". ولكن الصراع الدائر في مجلس الأمن، خرج عن إطار كونه حرصا على حياة الشعب السوري، وما يدعيه الغرب حول الموقف الروسي مع الرئيس الأسد ما هو إلا لعبة شد الحبل، بهدف تعزيز المواقع على الساحة الدولية.

والمناكفات التي تجري في أروقة مجلس الأمن، من شأنها أن تهين مشاعر السوريين، بنفس القدر الذي يثيره ذكر أعداد القتلى من أي طرف من الأطراف.

ذلك أن أعضاء مجلس الأمن، يتجاهلون تماما المأساة التي يعيشها السوريون، وازدياد أعداد الضحايا، ويركزون اهتمامهم على تمديد الفترة الزمنية التي يجب أن تقضيها بعثة المراقبين الدوليين في سوريا، (على الرغم من عدم جدوى هذه البعثة بشكلها الحالي).

وفي ظل هذه الحالة، ليس من العدل إلقاء اللوم على روسيا والصين فقط، وليس من الإنصاف كذلك تحميل الجيش النظامي، المسؤولية كاملة عن كل الأرواح التي تزهق في سوريا، في الوقت نفسه دعونا نراقب التفجيرات الانتحارية في دمشق.

لقد حان الوقت لأن يعرف الجميع، من مؤيدي الموقف الروسي أو الغربي في مجلس الأمن، بأن ما يجري في سوريا، لا علاقة له بما يجري في مجلس الأمن، فالشعب السوري ورئيسهُ، أصبحا ورقة مساومة، لتصفية حسابات بين أعداء جيوسياسيين قدماء.

=================

المبادرة أنان والحسم العسكري

حسين العودات

التاريخ: 11 أغسطس 2012

البيان

رحبت جميع الأطراف ذات العلاقة (وتلك التي لاعلاقة لها) بمبادرة أنان، منطلقة من مبدأ معلن أن هذه المبادرة ستشكل خارطة طريق لحل الأزمة السورية. وقد أيدتها بحماس السياسة الروسية والصينية والإيرانية، كما فعلت الأمر نفسه سياسة الإدارة الأميركية والسياسة الأوروبية والجامعة العربية والدول العربية، وفي الداخل رحبت بها السلطة السورية وفصائل المعارضة (كلها أو جلها).

وهكذا لم تلق مبادرة أو اقتراح منذ بدء الثورة السورية، مثل هذا التأييد الشامل من جميع الأطراف، حتى أن المتتبع صار يعتقد أن الحل على الأبواب مادام الجميع موافقين ولو شكلياً حتى لو كان بعضهم مضطراً للموافقة، ولكن الذي حصل بعد ذلك أن المبادرة لم تحقق شيئاً، وكانت بدون جدوى، وصولاً إلى اعتذار أنان نفسه عن الاستمرار بمتابعة مقتضياتها ومحاولة تنفيذها.

لأن تنفيذها متعذر في الواقع بسبب تناقضات آراء الأطراف المعنية حول حل الأزمة السورية وحول مضمون المبادرة نفسها، من خلال تعدد تفاسيرها، وهكذا تبين أن كل هذا الترحيب ما هو إلا ذر للرماد في العيون، وكل طرف يرغب أن تكون المبادرة مهلة له لإيجاد شروط جديدة لحل الأزمة توافق موقفه.

يلاحظ المدقق أو المراقب أو المتابع أن أسباب فشل المبادرة متعددة، وكل من ذوي الشأن يراها بشكل مختلف، فالمعارضة السورية والدول الغربية وبعض الدول العربية ترى أن الفشل يعود لموقف السلطة السورية الرافض لها واقعياً والموافق عليها شكلياً، فمن المعلوم أن المبادرة تطالب السلطة السورية (حسب اتفاق أنان معها) بإيقاف العنف وسحب القوات العسكرية من المدن وإعادتها لثكناتها وإطلاق سراح المعتقلين، ثم إجراء حوار سياسي لإقامة نظام ديمقراطي تعددي تداولي.

وتعرف السلطات السورية قبل غيرها، أن تطبيق بنود المبادرة هذه سوف يؤدي لخروج ملايين السوريين للتظاهر بما يتعذر على السلطة الاستمرار في الحكم، وبالتالي فقد وافقت السلطة السورية شكلياً بانتظار أخذ مهلة، والعمل لإيجاد صيغ جديدة ، ولم تنفذ أي بند من بنود المبادرة.

أما السياسة الروسية والإيرانية والصينية ومعها السلطة السورية، فترى أن سبب فشل المبادرة هو رفض المعارضة المسلحة وقف استخدام السلاح الذي تطالبها بتسليمه، وإلزام الدول التي تساعد هذه المعارضة وقف مساعداتها. وترى هذه السياسات أن استمرار المعارضة بحمل السلاح هو الذي منع السلطة من سحب الجيش والأسلحة الثقيلة من داخل المدن.

لقد تجاهل كثيرون مسؤولية أنان نفسه عن فشل مبادرته، لأن أنان تبنى التواصل وإجراء المحادثات مع الأطراف الحليفة للسلطة السورية دون غيرها، فقد تباحث مع الروس في موسكو والإيرانيين في طهران بل وحتى العراقيين في بغداد، وتجاهل التواصل مع الطرف الآخر، أي المعارضة السورية والبلدان العربية المؤيدة لها بل والبلدان الأوروبية وغيرها.

وراهن على أنه يستطيع إقناع الدول المؤيدة للسلطة السورية بالضغط عليها لتنفيذ المبادرة وكان خطأ جسيماً أعطى عكس النتائج المرجوة، إذ ازداد موقف الروس والإيرانيين والصينيين تصلباً بل و(صلفاً) وكذلك موقف السلطة السورية، وأخذ الجميع يماطلون ويشغلون أنان ومبادرته بقضايا ثانوية.

وفي الوقت نفسه كان أنان يساير السلطة السورية، ولم يطلب منها مرة واحدة طلباً صريحاً وحازماً ومحدداً بأن تبدأ بتنفيذ بنود المبادرة، وقد شجعت مجاملاته هذه السلطة على مزيد من المماطلة والتسويف والاستخفاف بالمبادرة وصاحبها وبمن قررها.

إن المفارقة والأمر المثير للاهتمام هو أن جميع الأطراف المعنية، والتي شاركت بنسب متعددة في إفشال المبادرة، عبرت عن أسفها لاعتذار أنان مع تأكيدها على ضرورة استمرار المبادرة وتعيين بديل عنه، وهي تعرف جميعها أن رأيها الحقيقي غير ذلك، وأنها تعمل لتطبيق خارطة طريق أخرى مختلفة، أي في الخلاصة أن معظم مواقف هذه الجهات هي (نفاق بنفاق).

لقد أدت التطورات في سوريا، والظروف الموضوعية التي توجد الآن، إلى تحول الواقع السياسي إلى صراع عسكري، وأصبح حل الأزمة وحسمها يتعلق بنتائج هذا الصراع بالدرجة الأولى، حيث نحيت المبادرات السياسية جانباً، ويبدو أن جميع الأطراف اعترفت ضمناً أن الحل السياسي متعذر.

وأن شروطه غير متوفرة، ذلك أن النظام وحلفاءه يراهنون على أن قواته العسكرية سوف تحسم الأمر لصالحه، وسوف تهزم المعارضة المسلحة خلال بضعة أسابيع، وفي أسوأ الأحوال خلال بضعة أشهر، فيما ترى الأطراف الأخرى المعادية للنظام أن المعارضة المسلحة إذا ما زودت بالسلاح والمال، قادرة على حسم الموقف لصالحها وإسقاط النظام، وبالتالي فإن الطرفين يعتقدان بأن الصراع المسلح هو صاحب الكلمة الفصل والوحيد الذي يوصل للحسم.

وليس الحوار السياسي أو المفاوضات أو غيرها، وبالتالي فإن الجميع يركزون جهودهم على الحل العسكري، وبالتالي فلا معنى لا لمبادرة أنان ولا لتعيين رئيس لها، ولا لأي حديث بالحوار بين السلطة والدول الأخرى أو بينها وبين المنظمات الدولية، أو حتى مع المعارضة السورية.

ويبقى أن الجهة الخاسرة والمظلومة والتي تدفع ثمناً غالياً نتيجة هذه الصراعات هي الشعب السوري، الذي يقدم التضحيات المتمثلة بعشرات آلاف القتلى (تقول الجهات المختصة أن العدد بلغ 20 الف قتيل في صفوف المعارضة وحدها)، وتهديم بيوته وحرقها وسلبها واضطراره لترك بلداته ومدنه واللجوء لبلدات ومدن أخرى (يقدر عدد اللاجئين السوريين خارج مناطقهم وداخل سوريا بأكثر من مليوني لاجئ).

وتوقف الحياة العامة من اقتصاد ونشاط وإنتاج وتجارة وسياحة ومختلف ضروب النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، حتى أن سوريا عادت قروناً إلى الوراء. ومازال الجميع يقدم المبادرات ويملأ التلفزيونات بتصريحاته وتهديداته، واستعراضاته الإعلامية، والكل ينتظر الفرج الذي لم يأت بعد، ويبدو أنه لن يأتي إلا بعد تدمير سوريا.

=================

ســوريا تدمــّـر

تاريخ النشر: السبت 11 أغسطس 2012

غازي العريضي

الاتحاد

استقال كوفي عنان من مهمته في سوريا. المراقبون سيغادرون سوريا في التاسع عشر من الشهر الجاري. ما قبل عنان شيء. وما بعده شيء آخر. وبين الحالين، حالٌ من الدمار والخراب والقتل والتهجير والتصعيد. وسباق دولي دون أفق للحل.

وزير الخارجية السوري وليد المعلم في طهران، يطلب دعماً سياسياً بعد الموقف التركي المتشدد إزاء تسليم النظام السوري مناطق على الحدود التركية لحزب العمال الكردستاني والخوف من تدخل تركي أشار إليه المسؤولون الأتراك بقولهم: "من حق تركيا أن تتدخل لملاحقة المتمردين الأكراد في سوريا".

ائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية قدري جميل في موسكو يطلب دعماً وقرضاً مالياً ويبحث في التوقيع على اتفاقات نفطية واقتصادية كبيرة لحماية النظام وتوفير القدرة على "الصمود" والاستمرار. سبقه إلى طهران وزير الاقتصاد على رأس وفد كبير طالباً الدعم أيضاً وقد تم توقيع اتفاقات هنا وهناك في الاتجاه المذكور.

بعد ذلك زيارة رسمية معلنة لرئيس مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي إلى دمشق وبيروت وإعلانه موقفاً معبراً عن التشدد الإيراني: "لن نسمح للعدو بالتقدم في سوريا". المشكلة ليست داخلية. هي حرب بين الأعداء ومحور المقاومة ولن نسمح بسقوط سوريا! ورسائل إيرانية إلى تركيا والعراق ومؤتمر حول سوريا في طهران.

التهديدات الإيرانية كبيرة. قوية. جدية. لكن إرباكات رافقتها. فبعد خطف 48 إيرانياً في قلب دمشق وبعد أن أكد النظام أنه حرر أحياء دمشقية وأمسك بالقرار في العاصمة، وبعد إعلان وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي أن الأجواء في سوريا هادئة، رغم كل ما يجري... بعد ذلك اتهمت أوساط إيرانية تركيا والسعودية وقطر بالمسؤولية. ثم مع جولة جليلي واتصالات صالحي بتركيا والزيارات المتبادلة التي قام بها مسؤولون أتراك وإيرانيون إلى طهران وإسطنبول، تراجعت إيران عن هذه الاتهامات.

في هذا الوقت أعلنت الحرب الكبرى على حلب، العاصمة الاقتصادية والمدينة الكبرى التي لطالما تغنّى النظام بأنها تسانده. حصلت اختراقات كبيرة في أجهزة الأمن في حلب. انقلب كثيرون على النظام. ساعدوا الثوار. دخل هؤلاء إلى مواقع أساسية في المدينة وحولها. صحيح أنهم لا يملكون سلاحاً متطوراً، لكنهم سيطروا على بعض سلاح الجيش. ومع ذلك قام الجيش باستخدام كل أسلحة ترسانته، الطائرات، والطائرات المروحية والمدافع الثقيلة والدبابات الحديثة لدك المدينة وأحيائها. إنها معركة مصير ووجود كما قال الأسد نفسه. وتحت هذا العنوان تدّمر حلب، بآثارها، وكنوزها، وأحيائها، ومناطقها المختلفة. يتقدم الجيش السوري ويصمد النظام حسب البيانات الرسمية على انقاض حلب. في وجه مسلحين سوريين معارضين أو داعمين لهم من هنا أو هناك لا يملكون شيئاً من السلاح النوعي ويتحدثون عن "حرب كونية" ضد سوريا! حلب تدمّر. تسقط كل كنوز التاريخ في الجغرافيا الحلبية. ويساء إلى التاريخ والحاضر والمستقبل. آثار حلب وإرثها وتراثها ليس ملك جيل معين. كل ما بنــي دمّر ويدمّر في حلب وغيرها والحبل على الجرار. وهذا ملك للإنسانية وللأجيال المقبلة. والأمور ذاهبة نحو مزيد من التصعيد والتدمير. ولا نسمع كلمة لا من اليونسكو المنظمة العالمية للحفاظ على التراث والمخزون الإنساني ولا من الدول المعنية. بل الكل يتحدث عن المعركة، يشاهدها، يصفها، يصورها، يتابعها، ويعلن مواقف معينة بشأنها تتلاءم مع حساباته. وكل الحسابات في النهاية تؤدي إلى هذا التدمير المبرمج لسوريا.

وعلى الأرض السورية إمساك المعارضة بمفاصل أساسية. معابر رئيسية على الحدود مع تركيا والعراق. يتدفق من خلالها كل شيء إلى سوريا وهذا سـمح بدخول "مجاهدين" ليعلنوا أرض سوريا أرض جهاد. وهذا ما يحاول النظام السوري والدول الداعمة له استغلاله للحديث عن الإرهابيين والتذكير بالعراق وغيره. وتحت هذا العنوان يمكن لأي طرف أن يقوم بما يشاء وتضيع الحقائق، إلا حقيقة واحدة وهي أن سوريا تدمّر.

إيران دعت إلى مؤتمر حول سوريا حضره ممثلو عدد من الدول. لم يحمل شيئاً ولم يكن نوعياً. إيران متمسكة بموقفها، فهي بين سقوط النظام الحالي واستمرار الحرب تختار الخيار الثاني. سقوط النظام خسارة لها. استمرار الحرب ضمان دور لها وموطئ قدم وساحة. هذا هو منطق اللعبة السياسية في سياق مصالح الدول. روسيا التي قلل المسؤولون فيها الكلام في الأيام الأخيرة بشكل لافت، لا تزال أسيرة موقفها وإن كانت بعض المعلومات تتحدث عن محاولة لفتح نافذة جدية للحوار مع أميركا والانفتاح على حل ما. لكن ثمة من يقول إن أميركا ليست مستعجلة وليس ثمة ما يناقض هذا القول. في النهاية روسيا على موقفها إن أكثرت من الكلام أو خففت من حدته. يعني الحرب مستمرة. وإذا كانت حلب "أم المعارك" كما أسموها فإن هذا لا يعني أن دمشق ستظل هادئة وكذلك غيرها من المناطق في ظل كثرة الحديث عن احتمال التقسيم وهذا ما ألمح إليه أكثر من مسؤول روسي وكان آخر كلام في هذا الاتجاه لملك الأردن الذي حذر من قيام كيان علوي، والمعلومات التي تسربت عن موافقة تركية على حكم ذاتي كردي في شمال سوريا إذا تم الاتفاق على ذلك.

وإذا كان هذا صحيحاً فإن تطوراً كبيراً جاء بعد ظهور دور الأكراد في شكل لافت في شمال سوريا وكذلك في حركة البشمركة على الحدود السورية العراقية، وفي الزيارات التركية لكردستان العراق والخلاف الكردي مع السلطة العراقية...

في قمة الاندفاعة السورية الإيرانية. انشّق رئيس الحكومة السورية رياض حجاب. وزاد عدد المنشقين الدبلوماسيين والأمنيين. هذه ضربة سياسية معنوية للنظام. واعتقل الوزير والنائب السابق ميشال سماحة في لبنان. وهذه ضربة سياسية ومعنوية أخرى للنظام ذاته وعلى قاعدة الاتهام بالتخطيط لعمليات إرهابية خطيرة في الشمال لو حصلت لكانت ستغيّر مجرى الأحداث على الحدود السورية اللبنانية وفي الداخل اللبناني نظراً لخصوصية المنطقة المستهدفة والاعترافات التي تم الإعلان عنها!

باختصار، هي حرب مفتوحة إذا صح أنها كونية فليست ضد النظام في سوريا بل هي ضد سوريا كلها. والمستفيد اليوم هي إسرائيل. والنظام شريك ومسؤول أساسي ومن يقف معه شريك ومسؤول والذي يتردد في دعم المعارضين عملياً شريك ومسؤول والحديث عن الحوار اليوم الذي دعت إليه طهران لن يؤدي إلى نتيجة ولا تنفع معه كلمة "لو". حتى لو قيل: "لو فعلت طهران ذلك منذ البداية لكان الوضع مختلفاً". كذلك التحذير الإيراني من عسكرة المواجهة لم يعد ينفع. لأنه لو أقنعوا النظام من الأساس بذلك لكان الوضع مختلفاً...

=================

مدينة مهمة للنظام ولا حاجة بالثوار للسيطرة عليها

هجوم حلب: أسلحة غير متكافئة

تاريخ النشر: السبت 11 أغسطس 2012

باتريك ماكدونيل

شن الجيش السوري يوم الأربعاء الماضي هجوماً على معقل الثوار الاستراتيجي والحيوي بمدينة حلب الشمالية، في دلالة على جهد حكومي متواصل لاستعادة السيطرة على المركز التجاري الأول في سوريا.

لكن الأنباء الواردة من حلب تظل متضاربة في مجملها بين الأطراف المتصارعة، حيث نقل التلفزيون السوري الرسمي أخباراً عن سيطرة تامة للقوات الحكومية على المدينة الثائرة، لاسيما حي صلاح الدين الذي تعرض لقصف متواصل طيلة الأسابيع الماضية. وأضاف المصدر الرسمي أن عدداً من "الإرهابيين" سقطوا في الهجوم الذي شنه النظام، وهو المسمى الذي تطلقه الحكومة السورية على الثوار الذين انتفضوا ضد حكم الأسد. غير أن قادة الثوار والمتحدثين باسم المعارضة قالوا إن المعارك ما زالت مستمرة ونفوا أن يكون المتمردون قد انسحبوا من حي صلاح الدين، وإن كانت تقارير لاحقة أكدت الانسحاب التكتيكي للثوار من الحي، حسب ما نقلته مصادر من المعارضة نفسها.

وفي هذا السياق يقول محمد الشيح الزور، أحد قادة الثوار الذي تم التواصل معه من تركيا عبر الهاتف: "مازال أبناؤنا في الحي، وما تقوله الحكومة غير صحيح". وفي شريط فيديو نُشر على الإنترنت تعهد قائد لواء التوحيد التابع للثوار قائلا: "لن نترك المكان حتى نقتل".

ويُعد حي صلاح الدين أحد المداخل الاستراتيجية لحلب، المدينة الأكبر من حيث السكان، فلشهور طويلة عندما كانت سوريا تغلي تحت وقع الثورة ظلت حلب هادئة إلى حد كبير عدا حي صلاح الدين الذي شهد خروج مظاهرات مناوئة للنظام. ومنذ اندلاع المعارك غادر معظم سكان الحي منازلهم متجهين في أغلبهم إلى تركيا المجاورة لينضموا بذلك إلى موجة النزوح الجماعي التي ارتفعت وتيرتها في الأيام الأخيرة.

ومن غير المؤكد ما إذا كان الهجوم الحكومي على حلب يوم الأربعاء الماضي هو جزء من حملة شاملة تستهدف المدينة، أم أنه مجرد مناوشات تركز تحديداً على حي صلاح الدين. ونظرياً تبدو المعركة بين الطرفين غير متوازنة، فالحكومة تتوفر على جيش محترف ومسلح بالدبابات والطائرات الحربية، وفي المقابل يعتمد الثوار على البنادق الآلية وبعض قذائف الآر بي جي، وبالطبع فهم يفتقرون للسلاح الثقيل كما يشتكون من نقص الذخائر.

ويرى العديد من الخبراء أن معركة حلب أساسية بالنسبة للنظام الذي لا يستطيع خسارة المدينة المهمة، وهو ما يؤكده "أندرو إكزوم" من "مركز الأمن الأميركي الجديد" قائلا: "تكتسي حلب أهمية بالنسبة للحكومة أكثر مما تكتسيها بالنسبة للثوار، ففيما يشن الثوار حرب عصابات طويلة على النظام في المدينة دون حاجتهم للسيطرة عليها، يبقى من واجب الحكومة السيطرة التامة على المدينة". كما أن سيطرة الثوار على حلب ستفتح مجمل الشمال السوري أمامهم مع وجود خط إمدادات قوي من تركيا.

وفي ردود الفعل الدولية فقد صرح مستشار الرئيس أوباما في مكافحة الإرهاب، ولأول مرة يوم الأربعاء الماضي، بأن الإدارة تدرس إمكانية إقامة منطقة حظر طيران فوق سوريا لمنع استخدام الطائرات لقصف المدنيين، هذا بالإضافة إلى احتمال اتخاذ إجراءات أميركية أخرى لتسليح المعارضة. فخلال حضوره أمام مجلس العلاقات الخارجية، قال "جون برينان" إن هناك خيارات عديدة مطروحة على الطاولة يتعين النظر فيها بتأن. وعندما سُئل مباشرة عما إذا كانت مسألة إقامة منطقة لحظر الطيران فوق سوريا مطروحة، رد قائلا: "كل الخيارات تتم دراستها".

بيد أن فرض حظر جوي على سوريا سيواجه العديد من الصعوبات، سواء على الجانب العسكري أم السياسي، فروسيا التي تنصب نفسها أحد المدافعين عن النظام في دمشق لن تقبل قراراً أممياً بفرض حظر جوي على دمشق. هذا فيما تظل الدفاعات الجوية السورية قوية، وسيتطلب الأمر بعض الوقت قبل ضرب تلك الدفاعات وتحييدها.

لكن، وفيما تشتد المواجهات في حلب، تحذر جماعات حقوق الإنسان من كارثة إنسانية محتملة. فحسب الأمم المتحدة، فرّ من سوريا حتى اليوم أكثر من 200 ألف شخص، كما أن الأحياء الأمامية في حلب باتت مهجورة من سكانها.

هذا فيما أفادت السلطات التركية عن ارتفاع كبير في وتيرة العابرين لحدودها، وأضافت أن أكثر من ألفي سوري دخلوا الأراضي التركية يوم الأربعاء فقط، وحتى الذين فضلوا البقاء في حلب فقد نزحوا من بيوتهم ابتعاداً عن أماكن الاشتباكات ليحتموا بالمدارس والمساجد والحدائق العامة.

ويقول شهود عيان إن صفوفاً طويلة تقف أمام الأفران والمحلات لشراء الخبز وباقي المواد الأساسية، فيما تواصل الأسعار ارتفاعها.

لكن حلب مدينة مترامية الأطراف تحيط بها العديد من الضواحي، لهذا -ورغم القصف الذي طال أحياء الواجهة في المدينة مثل صلاح الدين- تظل أحياء أخرى بعيدة، حتى هذه اللحظة على الأقل، عن العنف والاشتباكات اليومية. والخشية الآن هي من أن تزحف المعارك بين الثوار والجيش النظامي لتصل الأحياء الآمنة في حلب وتغرق المدينة في دوامة من العنف.

وعلى صعيد آخر نقلت وكالة "الأسيوشياتد بريس" عن مسؤولين أردنيين وصول رئيس الوزراء المنشق، رياض فريد حجاب، إلى الأردن ومعه 35 فرداً من عائلته الممتدة، حيث كان طيلة الأيام السابقة مختبئاً في سوريا، ولم تكن الأخبار المسربة عن خروجه منها سوى حيلة للتمويه ودفع قوات النظام لوقف بحثها عنه ليكون بذلك قد استكمل المسؤول المدني الأبرز في سوريا انشقاقه بالكامل عن النظام، فيما اعتبره المراقبون ضربة قوية يتلقاها النظام تُظهر مدى الاستياء الكبير في صفوف بعض المسؤولين من الأسلوب الذي تتعامل به الحكومة مع الأحداث الجارية في البلاد.

نشر بترتيب خاص مع خدمة

«إم. سي. تي. إنترناشونال»

=================

النظام السوري بنية مغلقة عصيّة على التغيير السلمي

محمد عمر البستاني

المستقبل

11-8-2012

طوال أكثر من أربعة عقود زمنية طويلة، مرت على المجتمع السوري وكأنها دهور بأكملها، عانى فيها أبناؤه أشد أنواع القمع والبطش والقهر والاضطهاد والاحتكار للسلطة والثروة والقرار، وتحكم بهم أسوأ أنواع الاستبداد السياسي والعسكري والأمني المسلح بكم هائل من مبادئ ايديولوجيا العنف الرمزي والمادي البعثية القائمة على الانقلاب والاستئصال وأعراف العصبية السياسية والطائفية.. أقول: طيلة تلك العقود والحقبة السوداء التي لم يقدر فيها للشعب السوري أن يعيش فترات الراحة والسعادة ولو لفترة زمنية قصيرة، لم يكن من الممكن لأي كان أن يتصور أن بنية سياسية وعسكرية - أمنية مصمتة ومغلقة على ذاتها ومتكورة على مصالحها ومكتسباتها الفئوية، ولها مراكز قواها وحلقاتها المتراكبة والمعقدة، مثل بنية هذا النظام الديكتاتوري، ستبدأ بالتفكك والانهيار والذوبان ككثبان الرمل تحت ضربات سواعد أبناء هذا الشعب المظلوم، ومن دون أية تدخلات خارجية (بعد هذا الصمت الدولي المطبق والعاجز)، نتيجة حادثة بسيطة، تعامل معها رؤوس وعتاولة النظام باستخفاف واستهانة وتكابر وعناد مفضوح على جري أمثال هؤلاء الطغم الحاكمة..

ولكن -كما يقولون- هي روح التاريخ ومكره، فقد تسقط دولة قوية جبارة، أو أمة قوية عملاقة نتيجة فعل اجتماعي عادي غير محسوب وغير منتظر أو متوقع، أو نتيجة سوء تقدير وعدم نضج وعدم خبرة قادتها ونخبتها الحاكمة مما يجعلها غير قادرة على وعي وإدراك لطبيعة معادلات حكمها الداخلية والخارجية، فتسقط الدول والأمم والحضارات هكذا بلا مقدمات مميزة أو غير عادية في براثن الاسترخاء والجمود السياسي والمجتمعي، ولاحقاً في مهاوي التفتت والضياع، وتبديد الثروات والموارد والمكانة والدور.. بعد أن يكون حكامها قد ارتاحوا لحالة من الرغبوية والذاتية والغرور والعنجهية والتسلط التي تجتاحهم بعد طول إقامتهم المديدة في هيكل السلطة المغلقة، بما يجعلهم يعتقدون خطأ أنهم أغلقوا تماماً حركة وسنة التغيير التاريخية بمفاتيح القوة الفارغة الباطشة والساحقة التي يدعون حيازتها، متناسين أن الشعوب المقهورة تصابر ولا تسامح، تنتظر ولا تنسى، وتتفجر لاحقاً غضباً وكرامة وحرية كالبراكين الثائرة من بواطن الجبال الشاهقة أو من أعماق البحار الهادئة أو الوديان السحيقة أو السهول الممتدة الواسعة..

وهكذا فقد كانت سوريا الوطن والإنسان والجغرافية والدور والمكانة - مغيبة عقوداً طويلة عن ذاتها وتاريخها وهويتها الوطنية الحقيقية، هوية الحضارات العظيمة التي صنعها أبناؤها على مدى التاريخ كله.. وكانت مستبعدة كذلك عن دورها ومكانتها الحيوية المعروفة والطبيعية التي وفرتها لها جغرافيتها وغناها البشري والطبيعي، بسبب ما فعله بها نظام البعث الانقلابي الذي دخل جسد هذا البلد في غفلة من الزمن، كداء الطاعون الذي لا يترك جسداً إلا بعد أن يصيبه بعاهات وأمراض مستديمة شبه قاتلة.. وهكذا لم تستفد سوريا كدولة ومؤسسات وشعب ومجتمع من ثروات وموارد وطاقات البلد إطلاقاً، بل بقيت حكراً على نخبة متريفة خاصة وطبقة وفئة قليلة من أهل السلطة ومن لف لفهم من الأعوان والمحازبين والمنتفعين والحواشي من أهل المدن المحدثي النعمة من هنا وهناك ممن كانوا يطبلون للنظام، ويزينون له وجهه القبيح وأعماله الرديئة وأفاعيله السيئة بحق المواطن والمجتمع والدولة السورية حتى وصل شره إلى كثير من دول المنطقة العربية (العراق- الأردن -لبنان- فلسطين..).. كما أن الشعب لم ينتفع أبداً من هذا الوجود الجغرافي الحيوي المهم لسوريا على مفترق وتقاطع طرق برية وبحرية وجوية حيوية ومميزة لم تتوفر لغيره كان يكفي حاكمها أن يجلس بكل هدوء وأريحية، ويجبي الأموال التي يمكن أن تأتيه فقط كضرائب من حركة النقل وعبور الترانزيت (بكل أنواعه) عبر بلده.. ولكن للأسف تحول هذا الموقع الاستراتيجي المهم والنوعي من نعمة إلى نقمة، ومن خير إلى شر في ظل وجود هكذا سلطة ديكتاتورية انعدمت عندها حتى أدنى درجة من درجات قيم الضمير الوطني، وكل منافذ التفكير بمصالح الناس والمجموع العام، وتركز تفكيرها وهاجسها الجنوني الأوحد في بقائها بالحكم رابضةً بالقوة والقهر وبحماية الأمن والعسكر على صدر هذا الشعب الأبي، بقطع النظر عن الأثمان والتكاليف الباهظة لمثل هذا الحكم اللا شرعي.. والذي لم يكن أصلاً له أية شرعية قانونية أو شعبية أو أخلاقية.

ونتيجة لهذا النمط البدائي المتخلف والما قبل دولتي من التفكير الأناني النفعي الذي هيمن ولا يزال يهيمن- على معظم طاقم الحكم السوري طيلة فترة حكم البعث منذ حوالى خمسة عقود، وبالذات على هذا الطاقم العائلي الأسري الأخير المتحكم بدفة الحكم وآليات سير القيادة في بلد عظيم وموفور الغنى مثل سوريا، وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من حالة الدمار والقتل والصراع الأهلي والحرب اليومية المنتشرة على كامل رقعة مساحة هذا البلد، وما يكلفه من خسائر معنوية ومادية سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، مع تهديد يومي متصاعد باندلاع حرب أهلية واقتتال طائفي وعرقي ناتج عن اجتياح آلة القمع النظامية العنيفة فائضة القوة غير المستخدمة ضد إسرائيل - بمختلف أدواتها ورمزها الطائفية البغيضة - لكافة المدن والبلدات السورية منذ حوالى خمسة عشر شهراً..

وقد عطل هذا الواقع القسري المفروض على البلد حالياً نتيجة انعدام حس القيادة الواعية، وعدم وجود أدنى وازع أخلاقي مسؤول لدى الحاكم السوري، كافة مواقع التنمية والعمل والفاعلية والإنتاج لدى المواطن السوري، وضاقت به سبل الحياة والعيش حتى بأدنى مقوماته، وبدأ الجميع بالبحث عن ملاذات آمنة من هول البطش المفروض عليهم، يراه بعضهم في الدين والآخر في الطائفة.. في انعدام العيش مع هذه الطائفة أو تلك... الخ..

وهكذا انطلق النظام ليستثمر في كل شيء بغض النظر عن أخلاقيته وشرعيته وإنسانيته - يحقق له وجوده اللا شرعي في الحكم منذ سنوات طويلة رغماً على إرادة الناس وأفراد المجتمع السوري.. وهاهو يستخدم الغول الطائفي والطائفية المقيتة كأسلوب سياسي للاستمرار في السلطة والتسلط على رقاب البشر.. وبالذات هو يستخدم الطائفة طائفته - كرهينة وكمطية لتحقيق مآربه السلطوية المتمثلة في ديمومة بقائه.. بعد أن ضربها وأمضى سيفه فيها ليجعلها مجرد أقلية ضائعة ومشتتة ومتشظية وبلا مرجعية بعيدة عن روح المشاركة الوطنية الفاعلة مع باقي الفاعلين الوطنيين لبناء وإنتاج سوريا الجديدة، مبقياً هذه الطائفة كالطير المذبوح، رهن سيطرته في مواجهة أغلبية ساحقة تريد تغييره بأي شكل كان..

وها قد مرت عقود طويلة على هذا النمط من التفكير البدائي المكلف للدولة والناس والمجتمع.

نعم.. أكثر من أربعين عاماً لم يتمكن النظام من كسب ثقة مجتمعه إلا بالخوف والقمع واللعب على التناقضات والتوترات والخلافات بين الناس.. مثله مثل الاستعمار الذي حكمنا بسياسة فرق تسد..

أربعون عاماً والنظام المغلق يشتغل ويستثمر في فكرة نظرية المؤامرة وعقلية الصراع ضد آخر لم ننتصر عليه ولو مرة واحدة بالرغم من كل ما قدمناه ودفعناه من أثمان باهظة من الدماء والأموال والدموع..

أربعون عاماً لم ينفك النظام يلوك مقولات المؤامرة والاستعمار الخارجي والامبريالية والصهيونية والتدخل الخارجي، المكشوفة من قبل هذا الشعب الذي قام لاحقاً بفضحها لا بل وهو نفسه ثار عليها، وقال لهم تلك اللغة باتت قديمة وعفنة، وهي عدة معطوبة وبضاعة فاسدة غير نافعة، بعد أن فقدت مصداقيتها على الفهم والتشخيص، بقدر ما أصبحت أداة للحجب والتضليل والتحريف وتزييف الوعي..

ولهذا فقد قادت تلك العقلية الاتكالية التبريرية - المركوزة في جوهر وعي النظام وأعوانه وداعميه في المنطقة- إلى الوقوع في براثن الفوضى والتخبط والتورط والتواطؤ مع من يدعي معاداتهم ومحاربتهم، بقدر ما قادت إلى استدعاء التدخل الخارجي كما حدث في العراق ويحدث الآن في سوريا التي أصبحت الموضوع الأوحد على موائد كل القوى والدول والسياسات في المنطقة والإقليم والعالم..

والقيادة العاجزة عن إدارة شؤون بلدها وغير القادرة على إصلاح أحوالها والاستجابة لمجتمعاتها، تفتح المجال والباب الواسع لتدخل الآخرين في شؤونها من الخارج، خصوصاً وأننا دخلنا منذ أكثر من عقد في عالم شبه متداخل ومترابط ومتداخل مع بعضه مصالح ومصائر وغايات.. عالم يعتبر أن لا وجود بعد الآن للحاكم الفرد المؤله المتفرد بكل شيء، عالم يعتبر القيادة حالة مؤسساتية لا فردية، عالم يعتبر أن الحاكم العاجز عن خدمة أبناء بلده هو العدو الأساسي والرئيسي لهم ولأمتهم وربما للإنسانية جمعاء..

وهكذا ما كان من أنظمة حكمنا في العراق وسوريا، حيث رأينا كيف أن النظام السوري عجز عن إدارة أزمته الوجودية بصورة يحفظ فيها أمن وحرية شعبه، وطالما أنه بات عاجزاً عن تأمين مبادرات حلول ناجعة منذ بداية الأحداث كان لابد من محاسبته ومساءلته.

فتحت ظل حكم البعث خسر كل من العراق وسوريا عشرات بل مئات المليارات من الدولارات على حروب وصراعات ذاتية داخلية وخارجية بعضها مفروض بحكم المؤامرات التي فتحها باب سوء استخدام السلطة والحكم والثروة.. ومعظمها كان مقصوداً لجهة إشغال الناس بصراعات الخارج عن هموم ومعيشة الداخل وقضايا التغيير المنشود.. ولكنه صراع بمجمله بلا طائل ولا جدوى، ولا معنى له سوى البقاء السرمدي للنخبة السياسية ومن معها من ناهبي المال العام في الحكم ومراكز القيادة... كما إن إيران تحت ظل ولاية الفقيه الدينية الشيعية الخاصة التي رفضها كثير من فقهاء وعلماء الشيعة وعلى رأسهم السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين وغيرهما من علماء النجف وقم- خسرت مئات المليارات من الدولارات على شؤون النوويات وعسكرة المجتمع، وقضايا التبشير الديني والتدخل في شؤون الآخرين، في وقت هي بحاجة ماسة لتطوير وتنمية مجتمعها الذي يعاني الأمرين في تأمين حياته ومعيشته.. لاحظوا أن إيران قبل الثورة كانت أيضاً شيعية المذهب والعقيدة، وناسها كان شيعة أيضاً، ولكنهم كانوا مهتمين فقط بواقعهم وشؤونهم الداخلية..

من هنا نؤكد بأن عسكرة المجتمعات والاستبداد الديني والسياسي والتفرد الأرعن بالسلطة هي مسائل تقود حتماً إلى مهاوي الصراعات والحروب الداخلية الطويلة، وتحول المجتمعات والدول حتى لو كانت غنية بالطاقات والأموال- إلى أشباه دول أو دول فاشلة كما هي حالتنا الآن في سوريا.. وعندها لا ينفع البكاء، ولا يجدي القول والشكوى بأن نقول كما تقول آلة الإعلام السوري والإيراني الغبية بأنها مؤامرات كونية متكاملة الأركان..

من هنا لب الموضوع وجوهر الأزمة الوجودية التي تعيشها تلك النظم هي هوس حكامها الجنوني بالسلطة، وكراسي الحكم، والسيطرة المطلقة - المنفلتة بلا ضوابط - على مقدرات المجتمعات ورقاب الناس الذين يعاملهم النظام كالعبيد والأقنان.. أو كالهمج الرعاع حيث يوجه إليهم الآن البنادق والرشاشات والمدافع والطائرات الحربية لقتلهم وحصدهم عسى ولعل تدوم له الحال ولو لوقت آخر..

ولابد لنا من أن نلاحظ هنا أن ما يساعد النظام جزئياً في حربه الدموية على المجتمع والدولة السورية ككل هو كما سلف القول - تستره الفاضح وراء شعارات كبرى واستراتيجيات فكرية ومقاصد وغايات سياسية عظمى أكبر بكثير من إمكاناته وموارده، والتمويه الكامل من خلالها (خلال تلك الشعارات البراقة) على طبيعة حكمه العصبوي الأسروي العائلي الضيق من خلال تلك المقاصد الكبرى التي ليس بمقدور دولة كسوريا تحقيق ولو 5 في المئة منها، فما بالك في نظام رأسه قليل الخبرة، شبه أمي سياسياً، شديد الغرور، وافر الحقد الأعمى، والفساد ضارب أطنابه في كل حدب وصوب من نظامه العصبوي المستبد..

طبعاً قد يسأل سائل هنا عن أسباب قدرة النظام على إقناع الناس بتلك الشعارات التي دفع ثمنها من مستقبله ومستقبل الدولة السورية كما يقول النظام نفسه.. في الواقع الناس في سوريا ليست مقتنعة بصورة عامة بنظرية المقاومة والممانعة كما يفسرها ويدعو إليها النظام، ويغطي من خلالها على فساده واستبداده وسوء إدارته للبلد بصورة عامة.. أما عن المال والثروة السورية، فهو أي النظام- استثمرها فقط في تحسين صورته القبيحة أمام باقي البلدان والقوى الكبرى، وبنى شبكات علاقات عامة معهم، ومارس أدواراً وظيفية أرهقت مجتمعنا السوري مادياً، وكبلته ومنعته من التطور العلمي والسياسي والاقتصادي والمعرفي.. وكانت تلك الأدوار تتمحور حول أن كل شيء مباح ومحلل في سبيل البقاء في الحكم والاستمرارية على رأس السلطة.. وكل ذلك كان يأتي تحت قشرة المقاومة والممانعة التي تبين للناس أنها لم تكن أكثر من غشاء رقيق فضحته الثورة السورية على الملأ.. بعد أن استخدم الحل الأمني الواسع والكثيف والهائل ضد الشعب السوري..

ولكن ما يبدو للجميع هو أن الحل الأمني العسكري الحربي البدائي لن ينفع نظاماً أرعن دخل في معركة وجودية مع شعبه الأعزل الذي أعطاه فرصاً هائلة لم تتوافر من شعب لحاكم كما توافرت لهذا النظام كي يصلح ويعمل وينمي ويخدم شعبه ومجتمعه.. ولكنه لم يفعل ولن يفعل ليس فقط لانتفاء مصلحته في الإصلاح والبناء، بل بسبب عدم وجود نية أصلاً ولا إرادة لفعل الإصلاح والبناء.. وهذا تاريخه أكبر شاهد عليه خاصة تاريخه الحديث منذ عام الـ2000 في كل أخطائه الإستراتيجية التي ارتكبها في تحالفاته وسياساته وعلاقاته مع دول المنطقة، وأخطائه في لبنان والعراق، وحقده على كل ما هو إنساني أو كل ما يشتم منه رائحة الإصلاح في بلده أو في جوار بلده..

إذاً لا بدّ من الاعتراف بأن حلول النظام الأمنية الدموية، وتاريخها الحافل في سحق كرامة الشعب وإذلاله على مدى سنوات طويلة واستفحال الفساد، والتعاطي بفوقية ودموية مع الانتفاضة الشعبية في بداياتها السلمية، في انعكاس واضح لسوء إدارة الأزمة، بالإضافة إلى تخلف وسائل الإعلام المحلي، وانعدام مهنيتها وحشوها بالموظفين عديمي الكفاءات ومن لون واحد مع وجود استثناءات قليلة بالطبع، كلها عوامل سهّلت مهمة إشعال وامتداد وتجذر الثورة على هذا النظام.. وستسهل أيضاً انتصار هذا الشعب العظيم، وتحقيقه للدولة المدنية القادرة والقوية، دولة العدالة والحرية والمؤسسات..

=================

سوريا التي نريدها.. لن تكون دولة أمنية (1)

ميشيل كيلو

السفير

11-8-2012

أولا، وقبل كل شيء، ومن دون اي خلاف بين مواطني سوريا أو أغلبيتهم الساحقة، لن تكون سوريا التي نريدها دولة استبدادية، فالشعب لم ينتفض ضد الاستبداد السياسي كي ينتج استبدادا مغايرا له، سياسيا كان أم مذهبيا متجلببا بعباءة الدين. لن تكون سوريا التي نريدها دولة استبداد، بل ستكون دولة حرية، وبالأحرى إنها ستكون دولة حرية كي لا تكون أو تصير دولة استبداد. لكن، بما أن الاستبداد كثيرا ما ينبثق من أوضاع حرة أو تقوم على الحرية، فإننا نريد لسوريا الحرة، القادمة بإرادة أغلبية شعبها، أن تكون حصينة ضد العوامل والابنية التي تسهل الانزلاق نحو وضع استبدادي، سواء حدث ذلك عبر الثغرات الملازمة لأي وضع يقوم على الحرية، أو من خلال استغلالها واستغفالها، والترويج لبرامج ورؤى كلية وشمولية تعيد إنتاج الواقع خارج النظام الحر، سواء تم ذلك باسم تلافي عيوبه ونقاط ضعفه، كما يقال دائما في مثل هذه الحالات، وقيل قبل نيف وخمسين عاما، عندما برز وعد شمولي قومي /بعثي/ اشتراكي، تسلسلت مفرداته إلى وعي وعواطف المواطنين باسم العدالة الاجتماعية والحرية الأصلية في مواجهة حرية الزيف القائمة، الناقصة وأحادية الطابع.

كي لا يتكرر هذا باسم أي وعد شمولي، مذهبيا كان أم سياسيا أم اجتماعيا، ولا تكون حرية سوريا ناقصة أو وحيدة الجانب، لا بد لنا من إرسائها على قاعدة وطيدة هي المواطن باعتباره ذاتا إنسانية حرة وجديرة بالحرية، مهما تفاوتت تعييناتها الموضوعية واختلفت، فالإنسان / المواطن يجب ان يعرف في سوريا القادمة بحريته وليس بأي شيء آخر: عقيدة كان أو ثورة أو منبتا طبقيا أو انتماء قوميا أو دينيا أو عرقيا، انه سيعرف بحريته المتساوية بالنسبة لجميع المواطنين بما هم ذوات إنسانية ،والمساواة في الحرية ليست فقط مساواة أمام القانون وفي نصوصه وتطبيقاته، بل هي كذلك مساواة في العدالة، وفي واقع البشر مهما كانت التعبيرات التي يتخذها. بهذا التحديد، يتحتم ان يكون المجتمع السوري مجتمعا مدنيا تقوم ركائزه وخياراته على حرية المواطن باعتباره اسم نوع لإنسان سياسي يمتلك قدرة طليقة على المشاركة في صنع عالمه ووجوده بنفسه، دون إنابة أو توكيل من أحد أو لأحد، ما دامت حريته إما أن تكون من صنعه أو أنها لا تكون.

لا حرية لمن يكل حريته: أي قدرته على المشاركة في تقرير شؤونه الخاص والشأن العام، إلى حزب أو نقابة أو سلطة أو دولة، ولا حرية لمن يفصل شأنه الخاص عن الشأن العام والشأن العام عن شأنه الخاص، ويرى فيهما عالمين متناحرين وحسب، ويعتقد أنه يجب أن يكون في مجاله الخاص غيره في المجال العام : فهو في الاول دجاجة في قن، وفي الثاني، اي في المجال العام، عبد لدى السلطة أو المال او الزعيم أو الحزب او رجال الدين ... الخ.

انه متحرر عن وعي وبتصميم إرادي لا تهاون فيه من أي نظام يقوم على هذا الفصل ويغذي تناحر المجالين، فالمجال العام ليس ملك السلطة مهما كان طابعها أو اسمها، ولا يجوز أن يتحول، بسبب عمومية الفصل والتناحر والاستيلاء على مجال الفرد الخاص، إلى مجال شمولي، تحت اي مسمى كان .بوحدة المجالين الخاص والعام كشأنين يتعينان بحرية المواطن، وبوحدة الخاص والعام المتوضعه بفضل الحرية على صعيد المجتمع المدني، يصير الإنسان مواطنا مدنيا في دولة، يتعين بحريته التي تنهض عليها وتحميها، وتصير الدولة التعبير العام والمجرد والشامل، عن تصالح الشأنين الخاص والعام : شأن المواطن الفرد وشأنها كمؤسسات، وتنقلب فعلا على تعبيرعلى مستوى السياسة عن إرادة الفرد الحر ومصالحه، وتنتفي التناقضات والتناحرات بين المواطن والمجتمع وبينها، وتتكامل هذه الاطراف الثلاثة على المواطن الحر بما هو قاعدتها المشتركة والموحدة، التي تنهض عليها كل حياة خاصة أو عامة. يوصلنا هذا إلى نتيجة مهمة أولى، هي أن الدولة لا تستحق اسمها ولا تكون أصلا دولة، إلا حيث تنهض على مجتمع مدني وتكون تعبيرا سياسيا عنه. إلى ذلك، لا تكون السلطة سلطة دولة إلا في مجتمع المواطنين الأحرار، حامل الدولة الذي يتعين من خلاله طابعها. حيث ينتفي المجتمع المدني تنتفي الدولة أو تتقزم وتتلاشى وتتحول السلطة إلى عصابة منظمة في مستوى السياسة، معادية لها وللمجتمع وللمواطن،لا عمل لها غير الاستيلاء على الشأن العام بما هو شأن المواطنين الأحرار ودولتهم، وعلى الشأن الخاص الذي يتكون في ضوء حرية المواطن ويتعرف من خلالها، ونكون في تجربة مدمرة كما تبين تجربتنا التاريخية والحالية مع السلطة السورية القائمة. في سوريا الحرة، سيكون هناك وحدة بين المواطن الحر والمجتمع المدني والدولة، سيتكفل وجودها بتطهير الحياة العامة من كثير من تناقضاتها وتناحراتها العدائية، وسيضع هذه المكونات الثلاثة على خط واحد، وسيجعل الإرادة العامة إرادة مواطنين أحرار هم حملة حريتهم، وتاليا مجتمعهم ودولتهم .

يتعين المواطن بحريته، لا يعود يتعين بأي شيء سواها، مهما كانت انتماءاته الشخصية .هذا يعني أن الحرية التي نريدها لسوريا ستكون شأنا خاصا / عاما يجعلنا نرى كل شيء بدلالة الإنسان، ولا نرى الإنسان بدلالة أي شيء عداه أو خارجه، فالإنسان هو مقياس كل ما في الوجود ومعيار جميع الأشياء (بروتاغوراس، فيلسوف اليونان. يقول المسيح في جملة مشابهة: خلق السبت من أجل الإنسان ولم يخلق الإنسان من أجل السبت) .ليس المواطن في مجتمع الحرية القادم غير اسم نوع للإنسان، لذلك سيتساوى المواطنون باعتبارهم بشرأ أمام القانون ويجب أن يتساووا في الواقع، وسيكرس كل أمر في الدولة لخدمته كفرد - مواطن دولة - وكاسم نوع - إنسان مجتمع -، وستعمل مؤسسات الدولة بدلالة حريته، التي يجب أن تكون تنميتها هي هدفها الرئيس. بهذا المعنى، لن تنفصل الحرية إلى حريتين، كثيرا ما تكونان متناقضتين: واحدة للمجموع وأخرى للفرد. واحدة تسمى اجتماعية وأخرى تعتبر سياسية، ولن تلغي إرادة المجموع حرية الفرد بل ستكون محصلة لحرية الأفراد الذين يكونون المجموع.

يوصلنا هذا إلى نقطة مهمة ثانية، هي أن الديموقراطية - النظام الذي ينبثق عن الحرية - لن تكون حرية الجماعة في مواجهة الفرد أو ضده، بل ستعبر عن حرية كل فرد من الأفراد الذين ينضوون فيها كمواطنين، وإلا وصلت إلى السلطة جماعات كتلية ترى في اختيار الأفراد لها مصدر شرعيتها، مع ان هؤلاء يمنحونها ثقتهم في ضوء معايير مجافيةللحرية او خارجة عنها، مثل المعيار المذهبي أو الطائفي أو الطبقي ... الخ. تكون الشرعية ديموقراطية إن كانت خيار مواطنين أحرارا هم جزء من المجتمع المدني، ولا تكون كذلك إن كانت خيار مواطنين فقدوا حريتهم، أو عبروا عنها بطريقة يتناقض فيها شأنهم الخاص مع الشأن العام، أو الشأن العام مع شأنهم الخاص. إذا اختار مواطنون غيبت أيديولوجية أو مذهبية ما حريتهم، وبلبلت رؤيتهم لشأنهم الخاص وللشأن العام، حزبا أو جماعة مذهبية أو أيديولوجية، فإن اختيارها لا يكون تعبيرا عن حرية هؤلاء بل عن انعدامها، وكثيرا ما يكون مدخلا إلى إقامة نظام استبدادي. من هنا، سيكون هناك في سوريا الحرة مؤسسة قضائية لا عمل لها غير حماية حرية المواطنين وقياس مجريات الحياة العامة بها، وإبطال ما يتعارض معها أو يلغيها أو يحد منها، أو ما قد يفضي إلى إخضاع جماعة لإرادة جماعة أخرى أو مواطن لإرادة مواطن أخر، إن كان ذلك ينتهك الحرية والمساواة او يمهد لبروز استبداد جديد تحت اية صفة كانت .

لن تكون سوريا حرة إن لم يضمن القانون كسيد وحيد في الدولة لا سيد سواه، حرية المواطن. ستكون سوريا دولة قانون: يخضع كل من فيها وما فيها لحكم قانون لا يحق لأحد وضعه في خدمته - يعرف فرويد عالم النفس الأشهر الاستبداد بالعبارة الرائعة التالية: هو وضع القانون في خدمة مصالح خاصة -. سيكون القانون السيد الوحيد في الدولة، كي لا تسود إلى جانبه أية إرادة من خارجه أو ضده، بعد أن كان الاستبداد عندنا قائما على وضع إرادة الحاكم الفرد فوق القانون، وجعلها القانون الوحيد الساري المفعول، علما بأن القانون في سوريا التي نريدها لن يصنع لفرد ولن يصنعه فرد، بل سيكون تعبيرا عن إرادة المواطنين الأحرار ينظم علاقاتهم بعضهم ببعض ومع الدولة، على قاعدة الحرية فضاء عام ومشترك.

لا داعي للقول إن سوريا ستكون دولة ديموقراطية يختار المواطن فيها ما يريد من معتقدات وأفكار دون قيود أو كوابح، ولا يساءل عما يختار ما دام لا يخالف القانون. هل هناك من حاجة إلى القول إن نظام سوريا السياسي سيكون تمثيليا يعبر عن إرادة المواطنين من جهة، ومحكوما بتدابير قانونية مرنة وقابلة للتطبيق تمنع جنوح النظام التمثيلي إلى إلغاء التكليف السياسي الذي يمنحه الأفراد لمن ينتخبونه أو يختارونه ممثلا لهم من جهة أخرى. ستكون حكومة السوريين للحزب أو لتجمع الأحزاب الذي يفوز بثقة ناخبين يمارسون حقهم في الاختيار دون ضغط أو إكره مادي أو معنوي.

طبيعي أن النظام الرئاسي في شكله الراهن سيقوض تماما، ليحل محله نظام تنسيق وتعاون بين حكومة مسؤولة أمام البرلمان، ورئيس دولة محدد ومحدود الصلاحيات وخاضع للقانون، ليس من حقه الاعتراض على القوانين كمشاريع أم بعد إقرارها، وعلى مشاريع الموازنة، إلا إذا اعطي حق مناقشة موازنة الرئاسة، بعد موافقة خطية من المحكمة الدستورية العليا، التي ستخضعه للمساءلة والمحاسبة باعتباره موظفا عاما، شأن أي موظف عام آخر في الدولة. إلى هذا، فإن سيكون الفصل بين السلطات امرا لا عودة عنه، فلا تتدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطتين التشريعية والقضائية بغير قرار قضائي، ويخضع العاملون فيها بصفتهم موظفين عامين لمساءلات الأولى ومحاكمات الثانية ،بينما ستحتل السلطة القضائية المحل الأول في الدولة، لكونها السلطة الأقرب إلى القانون وتطبيقه والأكثر تعاملا مع المواطنين، وبالتالي الأكثر حرصا على حقوقهم وحريتهم والأكثر سهرا على مصالحهم، وعلى وضع الدولة في خدمتهم وحمايتهم من شطط السلطة وتغولها. هذه السلطة ستلاحق من يرتكب جريمة التمييز بين المواطنين لأي سبب كان، وخاصة جريمة التمييز الطائفي والاتني، وستحمي حق السوريين في الاختلاف، في أن يكونوا كما يقررون هم أنفسهم أن يكونوا، إن كان قرارهم لا يخالف القانون أو ينتهك حرية غيرهم وكرامته .

ستكون الإدراة في سوريا الحرة لامركزية، تمكن مواطنيها من الإسهام بأكبر فاعلية ممكنة في الأنشطة العامة، وتمنحهم القدرة على مراقبة أعمال السلطات التنفيذية والمشاركة فيها، وتفرض العودة إليهم في جميع الشؤون، التي يجب أن يقرروها هم، بالتصويت أو الاستفتاء أو عقد الجمعيات العمومية واللقاءات المفتوحة، أخيرا، كي تتيح لهم معلوماتهم وخبراتهم سحب ثقتهم بالموظفين العامين الذين يقصرون في عملهم، أو يمدون أيديهم إلى جيب الدولة أو جيوب الناس، أو يقبلون الرشى ... الخ ،علما بأنه سيكون من الضروري انتخاب رؤساء بعض الدوائر الخدمية والتنفيذية مباشرة من قبل المواطنين، على أن يقدموا كشوفا سنوية حول ما قاموا به، وعن ممتلكاتهم الشخصية والأسرية، ويتقدموا بإقرارات إلى القضاء تنشر في الصحافة، خاصة بهذه الجوانب من حياتهم وعملهم .

لن تتربص سوريا بمواطنيها وتنتهك خصوصياتهم وتزج بهم في السجون لأسباب تتعلق بحقهم في الحرية أو بممارستها، ولن تمنعهم من السفر أو تسحب جنسيتهم ،أو تحول دون وصولهم إلى المعرفة وحقهم في التعبير عن رأيهم بجميع الوسائل المكتوبة والمنطوقة والمطبوعة والإلكترونية، ولن تراقب هواتفهم أو بيوتهم من دون إذن قضائي وبعد إبلاغهم بذلك، ولن تفعل ما من شأنه انتهاك حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أو حرمانهم منها، كما أنها لن تصادر كليا أم جزئيا ممتلكاتهم إلا بقرار قضائي يتصل عموما بجوانب اقتصادية وليس بالسياسة وتجاذباتها، وستمنع أي موظف عام من دخول منازلهم أو مداهمتها من دون أمر قضائي معلل وفي حضورهم وإشراف قضاة وممثلي هيئات محلية منتخبة، ولن يتم اعتقال أي شخص دون امر رسمي تبلغه به الشرطة المدنية وفي حضور ممثل هيئات محلية منتخبة، ولن يوضع أحد عرفيا أو بصورة مفتوحة قيد التوقيف أو الاعتقال، وسيكون التحقيق معه قضائيا صرفا، فلا تعذيب ولا زنزانات ولا مهانة، ولا احتجاز لدقيقة واحدة في اي سجن من دون أمر من القضاء المختص، ولن يبقى الأمن موزعا على اجهزة كثيرة بل سيحصر بجهازين خارجي وداخلي، يتولى إدارتهما شخصان مدنيان معينان من قبل البرلمان، وخاضعان وجهازيهما لرقابة برلمانية دائمة، بينما تتولى السلطة القضائية مساءلتهما عما قد يقومان به من اعمال تنتهك القانون. لن تكون سوريا دولة أمنية بعد الآن، ولن تسمح للأمن بلعب أي دور مقرر في حياتها الداخلية، إلا إذا حدث ذلك في الاطار المرسوم له ديموقراطيا وتحت رقابة حكومية وقضائية تامة، على أن يقتصر عمله على حماية البلاد من العدو الخارجي، والمواطن من أي انتهاك يمس بحقوقه وكرامته.

للبحث صلة

=================

إرهاب بشار الأسد في لبنان

علي حماده

2012-08-11

النهار

ليس غريباً ان يقدم بشار الاسد في زمن سقوطه على تكليف رجاله في لبنان القيام بتفجيرات ارهابية من شأنها ان تقتل لبنانيين أبرياء خدمة لمصالح نظام قتل حتى اليوم ما يزيد على العشرين ألفاً من السوريين. وليس غريباً على عقل بشار والبطانة استسهال الأمور في لبنان على نحو يذكرنا جيداً باغتيال رفيق الحريري ورفاقه وسائر الشهداء. وليس غريبا على أيتام بشار في لبنان الاستخفاف بحياة مواطنيهم، وقتلهم اذا لزم الأمر حماية لمصالح سيدهم المتهالك. وأخيراً وليس آخراً، ليس غريباً ان نسمع كلاماً صادراً عن الأيتام إياهم يهدّد بحرق لبنان كله من أجل السيد ميشال سماحة الذي يواجه تهمة في غاية الخطورة اذا ما تأكدت.

لا نريد ان نستعجل الأحكام. فالملف، وعلى رغم التسريبات التي وصلتنا، لا يزال في عهدة المحققين، ثم ان القضاء هو المخول بت أمر كهذا وليس الإعلام. لكن لا بد لنا من كلام في السياسة.

يتبين من خلال قضية سماحة ان النظام في سوريا لا يتورّع عن استخدام شخصيات يسوّقها في السياسة والإعلام، للقيام بأعمال إرهابية مخيفة كتفجير إفطارات، أو حتى الاعتداء على البطريرك بشارة الراعي خلال زيارته لمنطقة عكار. مع ان الراعي ليس عدواً ولا حتى خصماً لنظام بشار الأسد، بل بالعكس إنه من المتعاطفين معه مهما قال أو برر أو أوضح أو حتى اتهم. إنما اللافت في قضية سماحة هو التفاف بشار الأسد على حليفه المحلي في العمل الأمني والعسكري "حزب الله"، باللجوء الى شخص "مدني" عُرف عنه الكثير في فن الاغتيال والإرهاب المعنوي والسياسي والإعلامي، لكن لم يُعرف عنه (أقله الى الآن) ضلوعه في أعمال أمنية إرهابية يمكن ان تتسبب بقتل العشرات وربما المئات ليس من السياسيين المصنفين أعداء، وإنما من المواطنين العاديين. هذا أمر محيّر. فهل أراد بشار تفجير الوضع في لبنان خلافاً للقرار الإيراني الراهن القاضي بالحفاظ على استقرار لبنان وحماية الحكومة الحالية باعتبار ان طهران لا يمكنها المجازفة بفتح ساحة مواجهة ساخنة في لبنان، فيما تشهد انهيار "جسرها" السوري الاستراتيجي الذي استثمرت فيه لأكثر من أربعة عقود بلا انقطاع؟ هل ثمة افتراق، ولو جزئياً، في مقاربة الملف اللبناني بين إيران التي ورثت بشار في لبنان، والأخير الذي بلغ سوء وضعه مرحلة يعتقد فيها ان كل الأوراق التي في حوزته ينبغي البدء باستخدامها؟ وهل لبنان في ذهن بشار الذي توقفت عقارب الزمن عنده عام ٢٠٠٥ هو ملف يتوهم ان عناصره كلها بيده؟ سؤال لا يرمي الى تبرئة "حزب الله" من سلوكه الدموي في لبنان، بل يأتي من خلال غرابة استخدام أشخاص مثل ميشال سماحة في أعمال، يمكن آخرين سبق لهم ان تورطوا في القتل الميداني ان يقوموا بها.

في مطلق الأحوال، نتمنى أن تسود العدالة للجميع في لبنان، بمن فيهم سماحة، فإن لم يُثبت تورطه فليطلق، وإن ثبت فليذهب الى حيث يستحق: أي الى السجن كأي مجرم.

=================

الثورة السورية ستستمر... اين خُطَّتها؟

سركيس نعوم

2012-08-11

النهار

تعتمد الادارة الاميركية الحالية، كما سابقاتها، على مجموعات بحثية متنوعة بعضها موضوعي بغية تقويم الأزمات الكبيرة التي تواجهها في العالم، وتحليل اسبابها واستشراف نهاياتها وربما اقتراح بعض الاجراءات لانهائها. إحدى هذه المجموعات البعيدة من الأضواء قامت بمتابعة الأزمة السورية التي تطورت من ثورة شعبية سلمية على نظام قمعي الى ثورة مسلحة، وهي قيد التحوّل الآن حرباً أهلية فعلية بل حرباً مذهبية بين الغالبية السنّية والاقلية العلوية، وتوصلت في النهاية الى استنتاجات من المفيد عرضها على الرأي العام اللبناني والعربي ولاسيما في ظل انقسامه بين مؤيد للنظام السوري وداعم لمعارضيه. وبين رافض للتدخل الاميركي في الأزمة ومطالب به. وذلك كله كي يعرف الرأي العام كيف يفكر الاميركيون فعلاً، وماذا يتوقع منهم، بل ماذا يطلب منهم.

الاستنتاجات المشار اليها ثلاثة هي الآتية:

1- من الناحية العسكرية اصبح واضحاً اليوم ان حصيلة الصراع في سوريا ستكون أكثر فوضوية خلافاً لما تأمَّله المشاركون فيه. فالنظام لن ينجح في القضاء على المجموعات المسلَّحة. وإذا كان هناك شيء يقال فهو ان الممارسات القاسية التي لا ترحم للنظام ضمنت النجاح لاعدائه في عملية تجنيد الناس المستعدين للقتال مع المعارضة اياً تكن اخطار ذلك وكلفته. وبذلك يبدو ان النظام وبتصميم منه، ومعارضيه وبإهمال منهم نجحوا في جعل قسم كبير من الطائفة العلوية تشعر أن لا خيار عندها إلا ان تَقتُل أو تُقتل.

2- ليست هناك امور كثيرة يمكن توقعها من النظام السوري، وخصوصاً تجاوبه إما مع الضغوط التي تمارس عليه أو الاغراءات التي تقدم اليه، وذلك من اجل التوصل الى حل للأزمة الخطيرة قابلٍ للحياة. ويعود ذلك الى طبيعته والى غياب الدولة المؤسساتية في سوريا والى انتهاء الكينونة السياسية للدولة (Entity)، الامر الذي جعل النظام عاجزاً عن الانخراط في البحث عن تسوية او عن التوصل اليها. وهذا يعني ان ازمة التحركات او المواقف الدولية التقليدية من الذي يجري في سوريا، مثل الادانة او التأييد لهذا الفريق او ذاك ومثل التهديد بالعقوبات، لم تعد قادرة على تحقيق المطلوب منها. وعلى رغم ان الانسان يبقى متأملاً في التوصل الى مخرج مقبول للأزمة السورية فإنه لا يستطيع إلا ان يحبس انفاسه، ولاسيما عندما يبدو له وبوضوح ان النظام ينهار او يستسلم أو صار قريباً من مرحلة كهذه.

3- على المعارضة السورية ان تعيد التفكير في طريقة تعاملها مع المكونات المؤيدة للنظام وفي مقدمها العلويون، كما في طريقة تصرفها وكلامها وتخطيطها سواء بالنسبة الى هؤلاء او الى سوريا. طبعاً ليست هناك حتى الآن مجزرة مُوثَّقة لعلويين (ربما المستقبل يوثق بعضاً منها إذا جرت). لكن وبالنظر الى الأحداث وتسارعها وتطورها وديناميتها فان مجزرة كهذه تقف دائماً خلف الكوع (الزاوية). طبعاً تحاول المعارضة السورية التقليل من أهمية ميزاتها السلبية. فهي مثلاً تُحمِّل النظام مسؤولية تصاعد المذهبية بسبب تكتيكاته المثيرة للخلافات والشقاقات. وهي تعتبر تصاعد اللغة او اللهجة الدينية والاصولية عوامل جانبية قابلة للعودة عنها. وهي تعزو العمليات الجرمية لبعض المجموعات الى عدم الانضباط، ولا تبالي أو ربما لا تخشى تصاعد الوجود المرئي للجهاديين والمقاتلين الاجانب على الساحة السورية. وأي اخفاق في معالجة كل ذلك سيتحول هاجساً يطارد كل السوريين لاحقاً. ذلك ان خطر انتشار الانتقام المذهبي والقتل من دون تمييز، والتهجير على نطاق واسع هو حقيقي ومخيف.

في اختصار تعتقد المجموعة الاميركية نفسها ان المواقف مهمة ولكن الخطط الانتقالية مهمة ايضاً. إذ عندما تقول المعارضة انها ستُسقِط النظام فإن ما يفهمه العلويون او يسمعونه هو ان مصادر دخلهم وأعمالهم وحمايتهم الجسدية ستُزال كلها. وعندما تتحدث عن ”فكِّ” النظام بكل مؤسساته فإنهم يسمعون انهم سيعودون مواطنين من الدرجة الثانية. وعندما تتكلم عن العدالة والمحاسبة فإنهم يسمعون تهديداً بممارسة عقاب جماعي. لذلك على المعارضة ان تبذل جهوداً كثيفة لتوضيح مقاصدها ولطمأنة الاقليات، ولإعادة تحديد التغييرات التي ستنفذها وسرعتها ومداها. طبعاً قد يعتقد السوريون الذين عانوا 17 شهراً من قمع النظام البلا رحمة، والذين استيقظت عندهم غرائز الانتقام، فان طرح الموضوعات  اعلاه قد يكون مُسيئاً لهم. لكن ورغم ذلك، ترى المجموعة اياها، فإن إثارتها ضرورية لكي يكون الوضع الانتقالي الذي يريدون جديراً بتضحياتهم.

=================

إيران تكتشف الحل السياسي في سورية!

 منار الرشواني

الغد الاردنية

11-8-2012

لم تمض سوى بضعة أيام بين تصريح وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، خلال استقباله نظيره السوري وليد المعلم نهاية الشهر الماضي، بأن الثورة السورية محض "مؤامرة وحشية تنفذها عدة دول على رأسها النظام الصهيوني"، وبين دعوة صالحي نفسه، في المؤتمر التشاوري الذي عقد في طهران أول من أمس، إلى "حوار بين النظام السوري ومجموعات المعارضة" يركز على تطبيق الإصلاحات التي وعد بها الأسد، و"تحقيق مطالب الشعب السوري"!

وغرابة المواقف الإيرانية لا تبدو في تناقضها السريع فحسب، بل وفي توقيتها أيضاً. فعلى الأرض، وفيما جيش بشار الأسد يصل إلى مستوى غير مسبوق من العنف والتدمير والقتل على امتداد سورية، يشكو الثوار السوريون من نقص الذخيرة الذي أجبرهم، بشكل رئيس، على الانسحاب من حي صلاح الدين في حلب.

وإذا كان هذا السبب (نقص الذخيرة) يبدو غريباً بالنظر إلى المعرفة التامة المسبقة باستعدادات جيش الأسد، ويطرح سؤالاً مهماً عن أسباب تخلي الدول الداعمة عن مساندة الثوار في معركة فاصلة، فإن السؤال المقابل هو: لماذا تقرر إيران، مع استعادة نظام الأسد زمام التدمير وضعف إمكانات الثوار العسكرية، طرح الحل السياسي للأزمة السورية، من خلال الحوار مع من كانوا حتى أيام قليلة "إرهابيين" و"عملاء للصهاينة"، أو "متمردين" في أحسن الأحوال؟

ربما تبدو الدموية المتجددة لنظام الأسد مبرراً للعودة، من موقع قوة، إلى تقديم الحوار حلاً وحيداً. لكن الحقيقة أن موقع القوة المفترض هذا لا يمكن إلا أن يكون طارئاً، كما تشهد على ذلك بلدات ومدن ما تزال خاضعة للقصف العنيف العشوائي رغم زعم النظام السوري "تطهيرها من الإرهابيين" منذ أشهر!

وأضعف من تلك الحجة القول بمحاولة إيران شراء مزيد من الوقت لنظام الأسد أملاً في نجاحه في إخضاع سورية مرة أخرى بالحل العسكري-الأمني. فمثل هذه المحاولة لم تعد ممكنة أبداً من قبل أي طرف، فكيف إذا كان من يسعى إلى تسويقها وتنفيذها هو إيران التي لا تتمتع بأي مصداقية أو تأثير عند أغلب دول العالم، وقبلها أغلب أطراف المعارضة السورية، في الداخل والخارج؟!

هكذا، قد يبدو الأقرب إلى المنطق من بين التخمينات المحتملة لدوافع التحول الإيراني السريع والمفاجئ بشأن الثورة السورية، هو الخشية من اقتراب الوضع، بشكل متسارع، من حافة تحقق التدخل الخارجي في سورية نتيجة تصاعد عنف نظام الأسد، وكذلك ازدياد تصريحات المسؤولين الأتراك المحذرة والمهددة من دعم لحزب العمال الكردستاني في حرب وكالة عن ذاك النظام ضد تركيا.

وإذا كان "التدخل الخارجي" قد بقي قائما منذ اندلاع الثورة السورية، وإن بدا أقرب إلى الفزاعة التي لا تخيف نظام الأسد وطهران، إلا أن الجديد اليوم هو تصاعد التهديدات الإسرائيلية والأميركية لإيران بشكل يمكن القول إنه مفاجئ وغير مسبوق، على خلفية برنامجها النووي الذي يروج الآن -صدقاً أو كذباً- أنه يحقق قفزات متسارعة قد تخرجه عن السيطرة.

وبالتالي، قد تكون الخشية الإيرانية من أن يكون التدخل الخارجي في سورية غطاء أو وسيلة لاستدراج إيران إلى حرب باتت ضرورية لكل من إسرائيل وأميركا للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني الذي لا يبدو أن ثمة أفق للمفاوضات السلمية بشأنه.

=================

إيران في متاهتها السورية * ياسر الزعاترة

الدستور

11-8-2012

لم تكد أنباء انشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب تتداعى في وكالات الأنباء، حتى أصيبت الدبلوماسية السورية بنوبة سعار غير مسبوق؛ إذ حط أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي في بيروت ثم دمشق ثم بغداد (مثلت الدعم لنظام الأسد)، بينما أعلنت الدبلوماسية الإيرانية عقد لقاء للأصدقاء “الحقيقيين” للشعب السوري في طهران. أما وزير الخارجية فسافر إلى أنقرة وسط تصعيد في اللهجة بين الجانبين التركي والإيراني.

هذا هو الجانب المعلن من الدبلوماسية الإيرانية التي تحركت على سائر المستويات من أجل تقديم معنوي؛ ليس لبشار الأسد وحده، وإنما للطائفة التي تقف إلى جواره بشكل شبه حاسم، لاسيما أن عددا محدودا من ضباطها قد انشقوا أو قفزوا من السفينة الغارقة بتعبير أدق، ما يعني إمكانية تخليها عنه بمرور الوقت واتساع دائرة اليأس.

والحال أن معظم التقارير الصحفية والإعلامية لم تعد تتردد في القول إن الغالبية السنية قد حسمت موقفها من الأسد ونظامه، وأن من يقفون إلى جواره من أبنائها ليسوا سوى جحافل من المعتقلين المراقبين الخائفين على عائلاتهم وزوجاتهم وأطفالهم (من العسكر والمسؤولين المدنيين)، بينما ينتظرون الفرصة لكي ينشقوا، الأمر الذي لا يبدو سهلا على الإطلاق في ظل اتساع دائرة الشك بكل سنّي في المؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية.

وحين تصل الحال بزوجة وزير الدفاع داوود راجحة الذي منحه السيد نصر الله “مشكورا” وسام الشهادة، ومعه الذين قتلوا في تفجير مبنى الأمن القومي، حين تصل الحال بها حد القول: إن زوجها لم يعد لبيته منذ عام تقريبا، وأنه كان لا يتصل بهم إلا نادرا، ما يعني أنه كان مثل بقية المسؤولين أشبه بالمعتقل؛ عندما تقول ذلك وهي تتحدث عن زوجها المسيحي وليس السني، فهذا يؤكد أن أحدا لم يعد يقف بحسم إلى جانب النظام سوى طائفته، أو غالبيتها إذا شئنا الدقة.

قي هذه الأجواء كان على طهران أن تتحرك سريعا وبقوة في المشهد لكي تقول للأسد وطائفته بأننا معكم، وأن “الإرهابيين” لن يتمكنوا من هزيمتكم، بصرف النظر عن ماهية الخطاب ومحاولة تزيينه بحكاية المقاومة والممانعة التي لا يؤمن بها أولئك إلا في سياق “الأونطة”، بينما هم يقاتلون من أجل مكاسب طائفية وخوفا من البديل القادم.

كان على طهران والحال هذه أن تقدم أقصى درجات الدعم المعنوي للأسد، بينما تضع في الجانب غير المعلن كل ما تملكه من إمكانات تحت خدمة النظام ونخبته “الصامدة”، أكان على صعيد السلاح أم المال أم التخطيط، بل ربما التنفيذ المباشر فيما خصّ محاولات الإطباق على مدينة حلب التي خرجت من دائرة الولاء للنظام بصرف النظر عن نتيجة المعركة الدائرة فيها وحولها.

هي إذن محاولة محمومة لإسناد نظام يتداعى بسرعة، وينفضُّ عنه سائر المقربون باستثناء نخبته الطائفية، وهو إسناد لم يعد مقبولا أن يجري تخريجه بحكاية المقاومة والممانعة، وإنما بخوف إيران من نهاية مشروعها في المنطقة في حال سقط ركنه الإستراتيجي في دمشق.

والحال أن إيران بسلوكها الأرعن هذا، إنما تغامر أكثر فأكثر بما تبقى لها من رصيد يقترب حثيثا من الصفر في الأوساط الإسلامية السنية، الأمر الذي ينطبق بشكل واضح على حليفها نصر الله وسائر عناصر التحالف الذي يدور في ذات الفلك؛ بخاصة في العراق. وهي إلى ذلك تصب مزيدا من الزيت على نار الحشد المذهبي الذي يجتاح المنطقة كما لم يحدث منذ قرون طويلة.

إن قليلا من العقل لا يمكن أن يدفع طهران نحو الموقف الذي تتبناه، والذي لا يكتفي بالمراهنة على حصان خاسر، بل يضيف إلى ذلك حشد الجهد في معركة ستكون تداعيات ربحها أسوأ من خسارتها. وإذا اعتقدت طهران أن بوسعها أن تذل أمة بكاملها ثم تخرج منتصرة، فهي واهمة أشد الوهم، لأن أمة هزمت أكبر مشروع غزو للمنطقة منذ قرون ممثلا في الغزو الأمريكي للعراق لن تعجز عن هزيمة مشروع بات كثيرون يرونه أكثر خطرا من المشروع الصهيوأمريكي.

=================

متى يصبح «الطائف» خياراً ممكناً لحل الأزمة السورية؟ * عريب الرنتاوي

الدستور

11-8-2012

لا المنتصر في الحروب الأهلية المعاصرة قادرٌ على توظيف انتصاره والاستئثار بقطف ثماره، ولا المهزوم سينتهي إلى “قارعة الجغرافيا والتاريخ”... ما يعني أن لا منتصر ومهزوم في هذه الحروب... وأحياناً قد لا تقل “هزيمة المنتصر” قسوة عن “هزيمة المهزوم”.... حدث هذا في البلقان وأفريقيا وبعض أطراف آسيا.

سوريا في حرب أهلية، بعض المنظمات الدولية أعلنت “رسمياً” عن ذلك (طبعاً من دون احتفال أو قص شريط)... والحرب الأهلية بهذا المعنى، لا تنتهي بسقوط حاكم فرد، هي شيء آخر غير الانتفاضة/ الثورة ضد طاغوت أو ديكتاتور... هي حرب الجميع ضد الجميع، تبدأ باشتباكات متقطعة تحت وابل من “القصف السياسي” وتمر بترسيم حدود الطوائف بعد عمليات الترانسفير المدفوعة بتأثير “القتل على الهوية”.

الأقليات لا تنتصر في الحروب الأهلية، وكذا الأغلبية التي وإن بدت في “لبوس المنتصر” الذي لا يشق له غبار، لن تستطيع أن تحكم وحدها أو تستأثر لنفسها بكعكة الثروة السلطة.... الكوسوفيون كانوا في وضع المهزوم وانتهوا إلى دولة مستقلة، أكراد العراق لم يظفروا بكيان شبه مستقل إلا كواحدة من نتائج حرب أهلية فيما الغالبية الشيعية تواجه مشكلة حقيقة في ابتلاع كعكعة العراق وسلطته، وكذا الحال في مناطق عديدة من العالم.

لبنان ينهض شاهداً حياً على استحالة الظفر بانتصار غير ملتبس في الحرب الأهلية... كم مرة تبادلت طوائفه المختلفة مواقع المهزوم والمنتصر؟... كم مرة تبدلت التحالفات الإقليمية والدولية لكل منها؟... لا غالب ولا مغلوب، عبارة أطلقها صائب سلام قبل عشرات السنين، ما زالت صالحة لوصف مآلات الحروب الأهلية في الأزمنة الراهنة ونتائجها... وهي العبارة التي تلخص جوهر خطاب حسن نصرالله قبل أيام في لبنان والذي قال فيه أننا لا نستطيع أن نحكم لبنان حتى وإن امتلكنا القدرة العسكرية لتحقيق ذلك، مستطرداً: نحن أيضا لا نريد ذلك ولا نرغب فيه.

في سوريا قد يحتفي النظام بانتصاره في المعارك المحتدمة في حلب ودمشق وحمص ودير الزور وحماة وغيرها... لكنه مهزوم لا محالة.... هو لن يبقى في مكانه، وإن بقيت أجنحة منه، فلن تحكم وحدها، ستجد نفسها مضطرة للخضوع لقواعد اللعبة المتغيرة... هذه حقيقة حتمية أدركها النظام وحلفاؤه، حتى أن بعضهم بدأ يعد نفسه لتلك اللحظة، كما لو أنها واقعة غداً، مع أنها ليست كذلك، فحرب سوريا الأهلية طويلة الأمد على ما يُرجّح.

في المقابل، تبدو المعارضة في وضع أصعب وأبعد من إطلاق صيحات النصر... فالنظام ما زال يقاتل، بل ويلحق بها خسائر فادحة، برغم تشققاته وانشقاقاته الأخيرة... وثمة خط دفاع ثانٍ تحدث عنه الملك، قد تلجأ إليه السلطة في سوريا: دويلة الساحل والجبل، وإن حصل ذلك فإن الأزمة ستدخل في طورٍ جديد من الصراعات والحروب، وهذه بدورها ستأخذ أشكالاً جديدة، وستتغير التحالفات والحلفاء، وستتوالى التداعيات والإنعكاسات على دول الجوار.

ماذا يعني أن يرحل الأسد عن السلطة ويظل القتال “السنّي- العلوي” محتدماً، وتظل عمليات القتل والقتل المضاد، وتتصاعد عمليات التطهير والترانسفير؟... ماذا يعني أن يبقى الأسد على رأس السلطة، فيما غالبية السوريين السنّة على أقل تقدير، تفصلهم عنه، أنهار من الدماء المهدورة في مدن الثورة التي لم تبق مدينة لم تلتحق بها؟... هذا لا يعني شيئاً أبداً، سوى أن الحرب ستبقى مستمرة، بأشكال وصور ووتائر وتحالفات متغيرة.

وحين تصل الأطراف المقتتلة محلياً وداعموها الإقليميون إلى قناعة بأن ليس في الإمكان أبدع مما كان، عندها ستلوح في الأفق إرهاصات تسوية... اللبنانيون احتاجوا 15 سنة من الحرب الأهلية و150 ألف قتيل، حتى اقتنعوا بأنه لا بد من “الطائف” وإن طال السفر.... حروب البلقان قدمت نماذج أخرى على الإنهاك المفضي للتسوية... عندما تصبح تصبح كلفة إدامة الحرب أعلى من كلفة الإستئثار بـ”السلطة” تصبح التسوية ممكنة، بل وضرورية، وتتهاوى الشروط والشروط المضادة تباعاً، الواحد تلو الآخر، ويصبح ممكناً اليوم، ما كان مستحيلاً بالأمس، وتبدأ من تلك اللحظى “المساعي الحميدة” والمصارحات والمصالحات والتسويات في شتى الاتجاهات.

حتى الآن لم تصل سوريا إلى ضفاف وضع كهذا... النظام ما زال على “غيّه”، يحسب أن المزيد من القوة كفيل بإنجاز ما لم ينجر بالقليل منها... والمعارضة تتغذى بأوهام بعض داعميها وأجنداتهم التي تحث على الحسم وتستعجله، لكأه قاب قوسين أو أدنى... ألم يمض على حكاية “أيامه معدودة” التركية/ الأمريكية/ الخليجية، عامٌ ونصف العام... لقد مضى 18 شهراً والنظام ما زال يعد أيامه الأخيرة، فيما عدّاد الخسائر يسجل يومياً مائة قتيل أو يزيد.

لا نعرف حتى الآن، متى سيقتنع النظام بأنه لن ينتصر، ومتى ستتوصل المعارضة إلى قناعة بأن الحوار أيضاً هو جزء من عملية التغيير، وأن قوة المعارضة وبأسها كفيلان بضمان عدم عودة عقارب الساعة للوراء، وأن سقوط عشرين ألف ضحية، لن يكون سوى “دفعة أولى” في حسابٍ دامٍ وثقيل، إن قُدّر لهذه الحرب أن تتواصل بلا نهاية.

ربما تفتح معركة حلب الباب لسيناريو إنهاك الأطراف وتهالكها.... ربما يقنع النظام أن “أمنه” بات خرقة بالية، لا يستطيع التدثّر بها... ربما تقنع المعارضة، بأن “إنسحاباتها التكتيكية المتكررة” من المدن والأحياء التي تضطر لإخلائها، ستستمر وتتوالى... ربما يصل الفريقان إلى القناعة بأن كلفة الحرب أعلى من عوائد السلطة ... عندها نأمل أن تكون الأطراف الإقليمية والدولية قد نضجت كفاية لإنجاز اتفاق “طائف” سوري، يخرس المدافع ويعيد الاعتبار لصوت العقل والحوار والمنطق والحكمة.

التاريخ : 11-08-2012

=================

ملك شعب يتحدث عن زعيم طائفة * ماهر ابو طير

الدستور

11-8-2012

لا تقرأ منذ ان دبت الفوضى في سورية، رؤية عميقة جدا، لما يجري في الشام، مثل تلك الرؤية التحليلية القائمة على الاستبصار السياسي في مقابلة الملك الاخيرة، وهي رؤية تقرأ المشهد من عدة زوايا، وتتسم ايضا بالجرأة.

بصراحة شديدة، دون تبريرات لمنسوب الصراحة، يقول ان بشار الاسد رهينة للنظام الحاكم، ولمليوني علوي، وانه من معرفته بشخصية الاسد، فلا مانع عنده من مواصلة هذه الحرب في سورية لاعوام اضافية.

يُحذر الملك بشدة من اربعة سيناريوهات في سورية، الاول التقسيم، واقامة دولة علوية مصغرة، والثاني انفلات مخزون السلاح الكيماوي ووقوعه في يد آخرين، والثالث استمرار الاسد في هذه الحرب، والرابع اخذ سورية الى حرب اهلية شاملة.

الملك كان صريحاً جداً، اذ لم يتأثر بالانطباعات، فقد اقر ان النظام السوري اقوى بكثير من المعارضة، وهذا يعني ان المعركة متواصلة، خصوصاً، ان الاسد لا مشكلة لديه في استمرار القتل والقصف.

اذ تسمع هذا الكلام، تتذكر من زاوية ثانية، إرث الدولة الاردنية في التعامل مع الناس هنا، فالدولة الاردنية ليست دموية، ولم يُسجَّل في تاريخها مذابح قتلت عشرات الالاف، ولا هتك لحرمات البيوت ولا تشريد مئات الاف البشر.

قد لا تصح المطابقة، ولا المقارنة، لكننا نتطلع ايضا الى كل تجارب الربيع العربي في ليبيا ومصر واليمن وتونس وسورية وغيرها من دول، ونرى ان مئات الالاف من العرب قتلوا من انظمتهم الحاكمة، فتتمنى لهذا البلد الاستقرار امام رؤية ما يحدث عند الاخرين.

الذي يقوله الملك عن نظام الاسد المستعد لقتل عشرات الالاف من شعبه، لان القرار ليس قراره، والامر ليس امره، لانه رهينة للنظام العلوي الحاكم، تشخيص دقيق جداً، وكل السيناريوهات التي يطرحها الملك حول سورية اخطر من بعضها البعض.

يسأل الملك في مقابلته عمَّا اذا كان بشار الاسد يشعر انه رئيس فقط لطائفة، اي مليونين ونصف مليون علوي ويقاتل لاجل طائفته، التي قد تضطر للتحوصل في جيب جغرافي.

ما وراء الكلام، يقول ان زعماء الدول حين يصبحون زعماء لطائفة واحدة، او يدافعون عن مصالح مذهب او فئة او عرق، يخسرون مواقعهم ضمنيا، ومقابل هذه الصيغة التي تأخذ سورية نحو الانهيار، فان التماسك يكون بتمثيل الاسد لكل السوريين، لا لطائفة محددة.

كل السيناريوهات التي يطرحها الملك، مرعبة، ولا تجد الا اقل الشرور، وهكذا فإن ذات الملك لا يرى في فكرة «جرائم الحرب» المطروحة ضد الاسد عنواناً حالياً ملائماً، بقدر مغادرته ووقف هذه المذبحة، ومنع تفكك سورية وتقسيمها.

=================

نصيحتنا للابراهيمي: لا تقع في المصيدة

عبد الباري عطوان

2012-08-10

القدس العربي 

تشير الأنباء القادمة من الامم المتحدة ان السيد الأخضر الإبراهيمي وزير الخارجية الجزائري الاسبق، اختير كمبعوث عربي ودولي للتعاطي مع الملف السوري، خلفا لكوفي عنان الذي استقال قرفا وإحباطا، وقال شهادته للتاريخ.

التكليف الرسمي سيصدر يوم الخميس المقبل، والامين العام للمنظمة الدولية، بان كي مون، متحمس للسيد الابراهيمي، وكذلك السيدة سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة الامريكية، وبات الأمر متعلقا بقبول صاحب الشأن، اي السيد الابراهيمي، لهذا التكليف.

اتمنى شخصيا ان يرفض السيد الابراهيمي هذه المهمة الخطيرة، وان يعتذر عن قبولها حرصا على ما تبقى لديه من مصداقية، واحتراما لسنه، وتجنبا للوقوع في مصيدة جرى إعدادها له بإحكام، لتفتيت سورية كمقدمة لتفتيت المنطقة بأسرها.

قبل ان نخوض في التفاصيل، نجد لزاما علينا التذكير بأن كوفي عنان لم يفشل، وانما تعمدت الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية الاخرى إفشاله، لأنه وضع اصبعه على الجرح، عندما اراد حوارا يحافظ على وحدة التراب السوري، ويحقن دماء الشعب الواحد، ويمنع الحرب الأهلية الطائفية، وتدخلات القوى العظمى وصراعاتها على الارض السورية.

كوفي عنان كان يريد إشراك جميع القوى الاقليمية في حل سياسي، لقناعته بأن الحلّ العسكري سيكون مدمرا، ولهذا ذهب الى طهران وبغداد واسطنبول والرياض وموسكو، ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة لا يريدون الحل السياسي، ويفضلون بل ويعملون على تدمير سورية، مثلما دمروا العراق والمقاومة الفلسطينية، وادخلوا المنطقة في دوامة سلام كاذب، اوصلها الى ما وصلت اليه من ضعف وهزال، وبما يخدم في نهاية المطاف مصلحة اسرائيل.

اختيار مبعوثين عرب للقيام بمهمات دولية تحت ذريعة تسوية النزاعات والحروب في المنطقة، يجعلني اضع يدي على قلبي خوفا، فقد تعرضنا للدغ من الجحر نفسه، اي الامم المتحدة، اكثر من مرة في السابق وتحت واجهات عربية اختيرت بعناية، ووفق أجندات مريبة.

لا يمكن ان ننسى ان غزو العراق وتدميره وتجريده من اسلحة الدمار الشامل التي هي اسلحة للأمة بأسرها، ثم عندما كان السيد بطرس غالي امينا عاما للامم المتحدة. فقد كان الأكثر حماسا لوضع العراق تحت البند السابع لميثاق الامم المتحدة، وبما يشرّع استخدام القوة، وارسال نصف مليون جندي امريكي الى الجزيرة العربية، وعندما اكتشف حقيقة المخطط، واعترض على الحصار الظالم، جرى القذف به من موقعه بطريقة مهينة ما زال يعاني من آثارها اكتئابا.

' ' '

السيد الابراهيمي نفسه، جرى توريطه بطريقة اجرامية، عندما قبل بتكليفه مبعوثا امميا للعراق، لترتيب اوضاعه تحت مظلة الاحتلال الامريكي، وصياغة مستقبله، وبالتنسيق مع الجنرال بريمر. فارتكب الخطيئة الكبرى، وهي المحاصصة الطائفية اثناء خروجه بفكرة مجلس الحكم في العراق، وتوزيع مقاعد المجلس على اسس عرقية ومذهبية بين الشخصيات العراقية المعارضة التي كانت تتصدر مؤتمر لندن، واختارها السفير الامريكي ريتشاردوني. وهو المؤتمر الذي مهّد لغزو العراق واحتلاله، واضفى مشروعية عراقية عليهما.

الغالبية الساحقة من مآسي العراق وكوارثه السياسية في مرحلة الغزو، وما بعدها، جاءت بسبب مجلس الحكم وتقسيماته الطائفية، بما في ذلك حلّ الجيش العراقي وتفكيك مؤسسات الدولة تحت مسميات اجتثاث البعثيين، والسيد الابراهيمي احد المسؤولين عن هذه الاخطاء، او بالاحرى الكوارث، سواء كان ذلك بحسن نية او عن قصد.

أعترف بأن السيد الابراهيمي كان شجاعا عندما فاجأ الجميع، وفي جلسة حوار عقدت في افتتاح مؤتمر الديمقراطية في دبي عام 2006 على ما اظن، وكنت مشاركا فيه، عندما اعتذر عن خطأ المحاصصة الطائفية الذي وقع فيه اثناء تشكيل مجلس الحكم العراقي، ولذلك لا نريده ان يتورط في مهمة ربما تكون اكثر خطورة عليه والأمة بأسرها، لأن لا مجال لاعتذار جديد، بعد ان اقترب الرجل من الثمانين من عمره.

سورية تعيش حاليا حربا اهلية، او بالأحرى صراعا على السلطة، او حربا بالوكالة بين دول عظمى تتقاتل على ارضها، سمها كما شئت. فالثورة الشعبية التي بدأت سلمية، تحمل مطالب مشروعة في التغيير الديمقراطي تحولت الى ثورة مسلحة تحتل مدنا وقرى ونجوعا، وساهمت في هذه العسكرة دول عديدة عربية واجنبية، تحت عنوان حماية المحتجين وانطلاقا من حقهم في الدفاع عن انفسهم، وعلى امل التسريع في اسقاط النظام، وهو امر لم يحدث، ولا يوجد اي مؤشر ان النظام سيسقط في المستقبل المنظور، لأسباب ليس هذا مكان شرحها.

لا نريد ان يكرر السيد الابراهيمي خطأه والدكتور غالي في العراق، ويجري توظيفه في اطار خطة لتفتيت سورية وتقسيمها الى دول، او جيوب طائفية متصارعة، تمتد،اي الخطة، الى المنطقة بأسرها، وربما بلده الجزائر نفسها في مرحلة لاحقة. فهذه المهمة القذرة يجب ان تحارب، واذا كان لا يريد محاربتها فعليه ان يتركها للآخرين، وما اكثرهم، لان التاريخ لم يرحم ولن يرحم.

من الصعب علينا، وفي ظل تعقـــيدات الملف السوري، والتدخــــلات الخارجية والاقليمية فيه، ان نرى اي نجاح للسيد الابراهيمي اذا ما تولى هذه المهمة، مع كل احترامنا له ولخبرته الدبلوماسية، سواء تلك التي اكتسبها عندما عمل كمساعد للامين العام لجامعة الدول العربية، عندما كانت جامعة، او كوزير لخارجية الجزائر. فهو ليس اكثر خبرة من سلفه السيد عنان، اللهم الا اذا كان مفهوم النجاح عنده يتطابق مع مفهوم النجاح عند السيدتين هيلاري كلينتون وسوزان رايس. ويكفي التذكير انهما استبعدتا كوفي عنان من آخر مؤتمر لأصدقاء سورية انعقد في باريس، لانه رفض ان يتحول الى أداة لهما.

' ' '

هذا ليس هو الوقت الذي يجب ان يتبادل فيه العرب توجيه اللوم الى هذا الطرف او ذاك، وان كنا نؤمن بأن النظام السوري يتحمل المسؤولية الأكبر لادارته الكارثية للأزمة، لان هذا النهج لن يفيد ابدا، ولن يوقف المجازر التي تتواصل حاليا ويدفع ثمنها من دمه وارواح ابنائه واستقراره. الشعب السوري بأسره في طرفي المواجهة.. هذا وقت البحث عن حلول ومخارج والتصرف بعقلانية مسؤولة تؤدي الى حقن الدماء، فلن يكون هناك منتصر في نهاية المطاف، وستكون سورية الوطن هي الخاسر الأكبر.

ربما لا يعجب هذا الكلام الكثيرين في الحكومة والمعارضة، وبعض العواصم العربية التي تؤجج الصراع، ولكن ألم يندم الكثيرون على النهاية التي انتهى اليها العراق، ونقصد بالكثيرين اولئك الذين تدثروا بقرارات الامم المتحدة ومبعوثيها لتدمير هذا البلد، وتقطيع اوصاله، وقتل مليون من ابنائه، وانتهائه ممزقا عرقيا ومذهبيا بلا هوية، ومحكوما بديكتاتورية طائفية اكثر قمعا وفسادا من الديكتاتورية السابقة التي جاء الغرب للإطاحة بها.

كوفي عنان تحرك ضميره، بعد ان اكتشف المأساة في العراق ودوره فيها صغيرا كان ام كبيرا، واراد ان يكفر عن ذنبه في سورية بالتصرف بعقلانية ومسؤولية، فانهالت عليه السهام والاتهامات من كل جانب، فقرر الانسحاب بهدوء.

السيد الابراهيمي يجب ان يفعل الشيء نفسه، لأنه عانى كثيرا من لعنة العراق التي طاردته طوال السنوات السابقة، ولا يحتاج الى لعنة سورية اخرى، ربما تطارده طوال ما تبقى من سنوات في حياته.

رجاؤنا للسيد الابراهيمي ان لا يقع في المصيدة، ويكون احد عوامل تفتيت سورية، فهو اكبر من هذه المهمة التي لن تضيف اليه جديدا، فممنوع عليه ان ينجح اذا تصرف من منطلق عربي، وانحاز الى ضميره ورفض ان يكون أداة.

=================

إيران: خفّي حنين

علي العبدالله *

السبت ١١ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

تواترت التصريحات الإيرانية الداعمة للنظام السوري، مع رفع النبرة والحدة. فقد وصف خامنئي ما يجرى في سورية بمواجهة مع «الكفر»، وقال: «إن إيران ستحمي النظام السوري بجيوشها». وتحدث نجاد عن المتمردين السوريين الذين يشكلون «ضمانة لهيمنة إسرائيل في المنطقة»، بينما اعتبر صالحي الحديث عن حكومة انتقالية في سورية «وهماً»، وجدد الدعوة إلى حوار بين النظام والمعارضة ترعاه طهران. وذهب وزير الدفاع والجنرال جزائري إلى التهديد بضرب الأعداء ضربات ساحقة، مع تلميحات إيرانية إلى تفعيل اتفاق الدفاع المشترك بين إيران وسورية.

لمَ هذا التصعيد الإيراني، ولمَ الآن؟

على رغم الحدة والنبرة التصعيدية الهجومية فإن حقيقة الموقف الإيراني دفاعية، فإيران التي نجحت في استثمار الظروف الإقليمية والدولية، وحققت مكاسب إقليمية من أفغانستان إلى البحر المتوسط، خصوصاً على حساب الأمن العربي، وقد تبجح عدد من قادتها بسيطرتها من بحر قزوين إلى المتوسط، تواجه الآن أخطار تراجع يعيدها إلى حجمها الطبيعي، مع احتمال أن يكون وضعها المتوقع في ضوء المعركة السياسية والاقتصادية والعلمية الدائرة، حتى مع استبعاد مواجهة عسكرية، كوضع دولة في أسفل السلم الدولي وعلى كل الأصعدة.

بدأ التراجع الإيراني منذ بعض الوقت، وقد ظهرت بوادره بهزيمة حزب الله في الانتخابات البرلمانية في عام 2009، وانطلاق المعارضة الإيرانية، التي عرفت بالموجة الخضراء، ما دفع النظام الإيراني إلى استخدام خطوطه الخلفية وقدراته الأمنية في مواجهة عناصر الضعف التي برزت على السطح فحركت بيادقها في دمشق لاحتواء هزيمة حزب الله بإسقاط حكومة الحريري، وانقضت على المعارضة الإيرانية: قتل بإطلاق الرصاص الحي على تظاهرات المعارضة، والاعتداء على قادتها وإهانتهم، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، وختمت بتزوير الانتخابات الرئاسية لتضمن نجاح ممثل المشروع الإمبراطوري الإيراني.

كنت خلال هذه المواجهة في سجن دمشق المركزي أتابع المواجهة بين النظام الإيراني والموجة الخضراء من خلال الصحافة المتاحة وقد هرّبت إلى خارج السجن تصريحاً نشرته وكالة الأنباء الإيطالية آكي (18/6/2009) قلت فيه: «لقد شكلت التظاهرات الحاشدة التي خرجت في مدن إيران الرئيسة رداً شعبياً على التلاعب بالانتخابات الرئاسية الإيرانية التي قام به النظام الإيراني في محاولة منه لتثبيت التوازن الاستراتيجي الإقليمي القائم، والذي عمل على إقامته في العقدين الأخيرين، بعد أن اهتزت أركانه بهزيمة حزب الله اللبناني في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، والذي كان سينهار بهزيمة التيار المحافظ في الانتخابات الرئاسية الإيرانية». حُكمت فيما بعد عاماً ونصف العام بسبب نشر هذا التصريح، وقد ازدادت مؤشرات الضعف الإيرانية مع العقوبات الاقتصادية والعمليات الاستخبارية (قتل العلماء، واختراق حواسب البرنامج النووي) في ضوء تعقيدات المشروع النووي وتمسك إيران بالبرنامج، والإبقاء على أجزاء منه خارج رقابة وكالة الطاقة الذرية، ورفعها التخصيب إلى 20 في المئة. وقد شكل انفجار الثورة السورية وتداعياتها المحتملة سورياً وإقليمياً ودولياً، تهديداً جدياً بإطلاق رصاصة الرحمة على المشروع الإيراني، لأن انتصار الثورة وسقوط النظام سيعني، ليس فقط خسارة تابع في منطقة مهمة وحيوية، بل فرصة كبيرة لإطلاق حركة دومينو تطاول بقية مواقع النفوذ في الإقليم. وقد بدأت بوادره بخسارة حركة حماس، تقود إلى طي المشروع الإيراني والعودة إلى الوضع الطبيعي بعد عقود من المغامرات، لكنها لن تعود إلى وضع طبيعي بل إلى حالة أسوأ مما لو أن النظام عمل على إبقاء إيران كما تسلمها من الشاه المخلوع.

كان أمام إيران، لو بقيت داخل حدودها وعملت على تنمية بلدها وتعزيز قدراتها الصناعية والزراعية والعلمية، وحلت مشكلات البطالة والصحة والتعليم التي تعاني منها فئات اجتماعية واسعة، وطورت البنية التحتية، وعملت على تنمية مواردها الطبيعية والبشرية، فرصة كبيرة لتحقيق إنجازات عظيمة، ولحسنت موقعها على الخريطتين الإقليمية والدولية، وعززت استقلالها الوطني وسيادتها في ضوء التطور الذي حصل في مقومات السيادة الوطنية: تقاس قوة السيادة بمقدار احتياج الآخر لما لديك، وبمقدار احتياجك لما لدى الآخر.

لقد استثمر النظام أموالاً ضخمة وطاقات بشرية كبيرة، واستغرق عقوداً، للتأسيس لمشروع سياسي كان يمكن توقع فرصه المتواضعة في تحقيق انتصار على الأعداء المفترضين قياساً على الفروق في القدرات. فالفجوة التقنية بين إيران وبينهم تقاس بعشرات السنين، ناهيك عن القدرات التنموية والاقتصادية والبشرية والعلمية، وها هو ذا يتأهب للعودة بخفَّي حنين.

=================

المعارضة السورية ترسم صورة النظام البديل

سليم نصار *

السبت ١١ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

< تباينت معلومات المراقبين حول الدور الذي اضطلع به امين عام المجلس الاعلى للامن القومي الايراني سعيد جليلي، اثناء زيارته بيروت ودمشق.

ومع ان العاصمة السورية كانت تمثل الهدف الاساسي لزيارة رجل ايران القوي... الا ان حرصه على الاجتماع اولاً بأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، كان بمثابة عملية استكشاف لقدرة الحزب على المشاركة في انقاذ نظام الاسد، او بالاحرى لاستكشاف حقيقة الوضع الداخلي في سورية، وما اذا كان حكم آل الاسد قد أذن على الافول، ام انه قادر على الصمود ومواصلة التحدي.

من جهة اخرى، وصل الى انقره وزير خارجية طهران علي اكبر صالحي، في زيارة مفاجئة تتعلق بوضع الرهائن الايرانيين الـ 48 المحتجزين لدى المعارضة في دمشق. واستخدم الوزير لدى وصوله اسلوباً مرضياً اراد من خلاله استمالة حكومة اردوغان وحثَّها على التعاون مع بلاده لحل ازمة سورية. واعترف للمرة الاولى، بأن تحقيق السلام والاستقرار سيكون صعباً من دون طهران وانقرة.

ويستدل من طبيعة اللهجة الديبلوماسية التي استعملها الوزير صالحي، انه كان راغباً في تخفيف اثر التصريح الاستفزازي الذي ادلى به رئيس الاركان فيروز ابادي، عندما اتهم تركيا بالمسؤولية المباشرة عن اراقة الدماء في سورية.

في ضوء الخيارات المتاحة، يتردد في انقرة ان الوزير علي صالحي عرض على نظيره احمد داود اوغلو، مشروع مشاركة سياسية لرسم معالم المرحلة المقبلة في سورية، يطمئن اليه الرئيس الاسد وخصومه. وبما ان استقالة كوفي انان لم تترك المجال لأي حل سياسي آخر، ان كان بواسطة الامم المتحدة ام بواسطة الجامعة العربية، فإن ملء الفراغ يبقى من مسؤولية الدولتين المعنيتين تركيا وايران.

ويرى الوزير صالحي ان اقتراحه يبدأ من الاتفاق على ضرورة وقف الاقتتال في حلب، بحيث لا تتعرض المدينة الاقتصادية للدمار الشامل على نحو يقضي نهائياً على كل ظروف المصالحة الوطنية. لانه في حال انتصرت القوات النظامية، فإن اغراءات النصر تشجع الاسد على مواصلة استخدام الحل العسكري. اما في حال انتصرت المعارضة، وانطلقت قواتها باتجاه دمشق، فان الرئيس الاسد قد يضطر للجوء الى معقل طائفته العلوية، مثلما حذر العاهل الاردني في مقابلة تلفزيونية.

يقول بعض المسؤولين في عمان، إن اشاعة انتقال الرئيس الاسد الى جبال العلويين، انتشرت اثر التفجير الذي أدى الى مقتل وزير الدفاع العماد داود راجحة ونائبه العماد آصف شوكت ورئيس مكتبه اللواء هشام اختيار ومعاون الرئيس العماد حسن توركماني. وذكرت في حينه الصحف الاوروبية، ان الرئيس انتقل الى مدينة اللاذقية الساحلية بعد الهجوم الذي قتل اربعة من كبار مسؤوليه.

وادعى ديبلوماسي غربي في بيروت، ان بلاده تلقت معلومات تشير الى تسليح ايراني لجبال العلويين. والسبب في رأيه، ان سحق المعارضين في مدينة حمص ربما كان جزءاً من خطة الدفاع عن المنطقة العلوية. خصوصاً ان المدينة الثالثة، بعد دمشق وحلب، تقع في وسط اكبر محافظة سورية، لأن حدودها تمتد من حدود العراق الى حدود لبنان.

خبير الشؤون السورية في معهد واشنطن، أندرو تابلر، قال حول هذا الموضوع: «أنا لا اتوقع ان ينتهي نظام آل الاسد الذي استمر خمسين سنة، بالطريقة التي انتهت بها الانظمة الاخرى في تونس ومصر وليبيا واليمن. والسبب انه بعد سقوط حلب سيتقلص حجم النظام وتصبح المعارك داخل العاصمة دمشق. عندئذ لا بد ان ينتقل الاسد مع جماعته الى الملاذ الاخير الآمن... أي الى طرطوس او اللاذقية».

ويتصور تابلر، انه من الصعب اقتطاع دولة في تلك المنطقة تتمتع بمقومات البقاء، علماً بأنها تضم أعداداً كبيرة من السنّة. ذلك ان احتياطات النفط المتواضعة موجودة في شرق البلاد. وستلقى معارضة قوية من تركيا التي تضم جالية كبيرة من العلويين (عشرة ملايين) الذين يغريهم الانفصال في حال انشئت الدولة.

الاستنتاج الذي طرحه الملك عبدالله الثاني حول احتمال نقل مركز الحكم من دمشق الى معقل الطائفة العلوية... مستند الى تزايد اعداد المنشقين واللاجئين السوريين في مخيمات بلاده.

هذا، وكانت مؤسسات الاغاثة قد اعلنت قبل شهر، ان عدد اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان والاردن قد تجاوز الـ 400 الف، بينهم 250 ألفا في مخيمات الاردن. اضافة الى وصول 9500 لاجئ الى اقليم كردستان، عقب اعتذار الحكومة العراقية عن استقبالهم بحجة الوضع الامني.

ويبدو ان العاهل الاردني قد اعرب عن قلقه من امكان انهيار نظام بشار الاسد، كونه تخلى عن اعمدة الحكم من السنّة والاكراد معاً. او انه على الاقل لم يبادر الى احتوائهم والاصغاء الى نصائحهم. وهذا ما اعلنه رئيس الحكومة المنشق رياض حجاب، والعميد مناف طلاس والعقيد عبدالجبار العكيدي، والعقيد الركن يعرب الشرع والملازم اول كنان الشرع والعقيد ياسر الحاج علي... اضافة الى 79 ضابط و 800 عسكري.

وأكد وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال سميح المعايطة، ان الاردن جمع اللاجئين السوريين في مخيم واحد، حرصاً على سلامتهم وحفاظاً على امنهم. كل هذا في سبيل تأمين الخدمات ووصول المساعدات والمعونات كالتي ارسلها العاهل المغربي على متن سبع طائرات. وقد نقلت ستين طناً من المواد الغذائية زائد مستشفى ميداني يصلح لإجراء مختلف العمليات الجراحية.

المخاوف التي تنشرها الحرب الاهلية في سورية، تتعلق بصورة النظام البديل الذي سينشأ بعد نظام استمر خمسين سنة. وهو يمثل في نظر المؤرخين، مرحلة طويلة جداً لم تتجاوزها سوى مرحلة حكم الامويين التي استمرت 94 سنة.

حدث مرة في اجتماعات مؤتمر المعارضة، ان عرض احد الاعضاء فكرة إحياء الاحزاب السابقة بهدف ملء الفراغ الذي سيحدثه غياب الحزب الواحد الذي حكم سورية على امتداد نصف قرن. وذكر على سبيل المثال، منجزات «الكتلة الوطنية» و «حزب الشعب» خلال مرحلة تحرير البلاد من الانتداب الفرنسي، او اثناء صوغ دستور عادل ومتوازن يرضي شرائح كل المجتمع.

وكان من المستغرب ان يقابل هذا الاقتراح بالرفض، لان «حزب البعث» استطاع خلال سنوات حكمه ان يقتلع من الاذهان مآثر الاحزاب السابقة ويضع على رف النسيان كل الانجازات السياسية والوطنية التي تحققت في عهد رشدي الكيخيا ومعروف الدواليبي وسعدالله الجابري وابراهيم هنانو وناظم القدسي ورشاد برمدا ونعيم انطاكي وادمون رباط... وغيرهم وغيرهم.

لذلك اتفق الحاضرون على البدء من الصفر، مع اعتماد معايير جديدة تتناسب والنظام الجديد، تماماً مثلما وأد غورباتشيف الحقبة الشيوعية، واستبدلها بحقبة اكثر انفتاحاً واقل استبداداً.

من اكثر المشاكل تعقيداً بالنسبة للادارة الاميركية، كيفية السيطرة على مخازن الاسلحة الكيماوية والبيولوجية في سورية، في حال سقط النظام وتعرضت ترسانته للنهب من قبل المسلحين. ويبدو ان الحكومة في دمشق قد تنبهت الى هذا الامر بدليل انها قامت بتوزيع كميات ضخمة من الصواريخ على مناطق مختلفة يجعل من الصعب الاستيلاء عليها.

وترى ادارة اوباما انه في حال تفككت السلطة المركزية في دمشق، فإن سورية قد تتحول الى افغانستان اخرى، او يمن اخرى. وربما تسارع «القاعدة» للاستيلاء على الثكنات حيث الاسلحة التقليدية وغير التقليدية.

والمعروف ان سورية تملك اكبر كمية من الصواريخ المصنعة محلياً. وقد حرصت على مواصلة الانتاج منذ سنة 2005 بفضل خبراء من كوريا الشمالية والاموال المؤمنة من ايران. وقد تسلم «حزب الله» قبل حرب 2006 كميات ضخمة من تلك الصواريخ قدرت باكثر من 30 الف صاروخ. ثم استأنفت سورية تزويده بعد الحرب بكميات مضاعفة.

وتؤكد قيادة حلف الاطلسي، انها نقلت هذه المعلومات الى تركيا، التي أبدت اهتماماً بهذا الامر، ووضعت خطة متكاملة للسيطرة على مخازن الاسلحة. كما ان الاردن اعرب عن اهتمامه بالمشاركة في الجهود المبذولة لعدم وصول الاسلحة الكيماوية والبيولوجية الى تنظيمات ارهابية مثل «القاعدة».

وتشمل الاسلحة السورية غير التقليدية غاز الاعصاب المسمى (سارين) وكميات ضخمة من غاز الاعصاب أيضاً المسمى «في–اكس». وهو من انتاج محلي. كذلك تملك القوات السورية صواريخ قادرة على حمل رؤوس كيماوية وبيولوجية.

قيادة الاركان الاسرائيلية ارسلت رسالة تحذير الى سورية بواسطة دولة ثالثة (ربما المانيا) تقول فيها انه في حال تعرضت لهجوم صاروخي، فان ردها سيكون باسلحة غير تقليدية.

على كل حال، وضعت القيادة الاسرائيلية خطة دفاع سمتها «فندق النزلاء» تقضي بإجلاء مئات آلاف الاسرائيليين باتجاه النقب وإيلات في حال تعرض شمال اسرائيل ووسطها لهجوم صاروخي من قبل «حزب الله» او سورية.

وقد صادق نتانياهو ووزير الدفاع باراك على خطة الطوارئ لإخلاء سكان مناطق الشمال.

ولكن هذه الخطة لن تكسر حاجز الخوف الذي يرتفع يوماً بعد يوم كلما اقترب «الإخوان المسلمون» من مراكز الحكم في دمشق. ويرى استاذ التاريخ الذي فاوض الوفد السوري سنة 1993 ايتامار رابينوفيتش، ان من مصلحة بشار الاسد واحمدي نجاد تسخين الحدود مع اسرائيل في هذه المرحلة بالذات. والسبب ان الاسد يريد حسم معركة حلب بأقصى سرعة ممكنة ولو ادى ذلك الى تدمير شوارعها وتهجير كل سكانها، بحيث يمنع تركيا من استخدامها منطقة عازلة صالحة لاستقطاب المتطوعين واستقبال أسلحة المتبرعين.

كما يريد احمدي نجاد استغلال فترة لا تزيد على ثمانية اشهر، يستطيع بعدها التباهي بأنه يملك اول قنبلة ذرية في دولة شيعية. وفي تصور طهران ان القنبلة ستردع دول الخليج العربي عن دعم المعارضة السورية، الامر الذي يطيل عمر النظام في دمشق، ويقوي نفوذ «حزب الله» في لبنان.

===================

لا تكونوا شركاء حزب الله!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

11-8-2012

أخيرا، وبعد مرور قرابة الثمانية عشر شهرا من عمر الثورة السورية، أقرت واشنطن رسميا بأن حزب الله الإيراني في لبنان متورط بشكل كامل بدعم النظام الأسدي تدريبا، ومشورة، كما أن الحزب يقوم وبمساعدة الحرس الثوري الإيراني بتقديم النقل والمؤن للأسد.

نقول أخيرا، لأن الإدارة الأميركية أشغلت الإعلام الغربي كله بالحديث عن وجود تنظيم القاعدة في سوريا، ودعما للثوار السوريين، وهو ما يوافق الرواية الأسدية المضللة، وأخذ الحديث عن «القاعدة» في سوريا حيزا كبيرا بين من يحاول الدفاع عن الأسد، ويقوم بترويج تلك القصص، وبين من يحاول النفي، وتسليط الضوء على معاناة السوريين، خصوصا أن «القاعدة» حليف قوي للنظام الأسدي، وتجلى ذلك باستخدام الأسد لـ«القاعدة في العراق»، بعد الغزو الأميركي مباشرة، بل وإلى فترة قريبة جدا.

اليوم تقر واشنطن بتدخلات حزب الله المعروفة أصلا بالنسبة للسوريين، وأبناء المنطقة، فتصريحات حسن نصر الله لا تخفي ذلك أساسا، ففي كل خطاب كان نصر الله يعلن تأييده للأسد، بل إن نصر الله وصف مقتل القيادات الأربع الأمنية الأسدية، ومنهم آصف شوكت، ووزير الدفاع السابق، بالشهداء، رغم كل ما فعلوه بالسوريين!

لكن القصة هنا ليست قصة دعم حزب الله وحده للأسد، بل وتورط الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وآخرهم الضباط الإيرانيون المعتقلون لدى الجيش السوري الحر في سوريا، وبالطبع هناك التصريحات الإيرانية الرسمية التي تقول إن طهران لن تقبل بكسر محور الممانعة الذي يشكل نظام الأسد ضلعا رئيسيا فيه، والأدلة أكثر من ذلك بكل تأكيد. ولكن رغم كل تلك الأدلة الدامغة كان الغرب، ومن ضمنه واشنطن، يتحدثون عن الطائفية، والحرب بالوكالة، و«القاعدة» وغيره من الأعذار الواهية، بينما كان الأسد - ولا يزال - يواصل قتل السوريين العزل، وحتى قبل حمل الثوار السوريين للسلاح الذي لا يكافئ حتى قوة سلاح الأسد الذي يتزود به من قبل إيران وحزب الله وموسكو، هذا عدا عن المقاتلين، والخبراء!

وما دامت واشنطن أقرت أخيرا بتدخلات حزب الله، وبالشراكة مع إيران، في سوريا لدعم نظام الأسد الإجرامي من أجل قمع الثورة السورية، فإن السؤال هنا هو: من الذي سيتولى الدفاع عن السوريين العزل؟ ومن الذي سيقف معهم بعد أن بات مجلس الأمن عاجزا عن إيقاف آلة القتل الأسدية؟ فهل على السوريين تحمل المزيد من القتل، والجرائم، حتى يفرغ السيد أوباما من الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ أمر لا يصدق، ولا يمكن تخيله، فالقصة ليست البعد الإنساني فقط، علما بأنه أهم من كل شيء، إلا أن تأخر مساعدة الثوار السوريين سيقود إلى تدمير سوريا بالكامل، وتهديد أمن المنطقة برمته.

فما يجب إدراكه الآن هو أن الأسد ساقط لا محالة، لكن تأخر سقوطه يعني أن الثمن سيكون أكثر تكلفة، ولذا فلا بد من تسليح الثوار، وفرض المناطق الآمنة، وحظر الطيران، وعدا عن ذلك فإنه يعتبر شراكة مع إيران وحزب الله في قمع السوريين، وتعريض أمن المنطقة كله لخطر أكبر من الخطر الذي يتهددها الآن.

===================

إيران وحقبة ما بعد الأسد

طه أوزهان

الشرق الاوسط

11-8-2012

منذ نحو عام، طرحنا سؤالا هو: ماذا كان سيحدث إذا لم تدعم إيران النظام البعثي في سوريا؟ أشارت الإجابات عن هذا السؤال آنذاك إلى أن رياح التغيير الإيجابية كانت ستهب على منطقتنا من الاتجاهات السياسية والثقافية والجيوسياسية. نعم لو لم تدعم إيران الأسد، لكانت النتائج مختلفة عن كل ما حدث من إراقة للدماء والطائفية في سوريا ومواقف الدول من إسرائيل إلى المملكة العربية السعودية، ومن «الربيع العربي» إلى المواقف الأميركية تجاه المنطقة، وكانت ستصبح إيجابية على شعوب المنطقة. مع الآسف لم يحدث هذا، حيث رفضت إيران أن تصبح طرفا مؤثرا أو فاعلا في المنطقة لتدعم النظام البعثي القريب منها آيديولوجيا والذي دخلت ضده أطول حرب في القرن العشرين. أدى هذا التنازل إلى موقف من الصعب إيجاد حل له، بالنسبة لكل من إيران والمنطقة.

 

وتواجه إيران، مثلها في ذلك مثل روسيا، مشكلة أكبر من استمرار حكم الأسد في سوريا، ألا وهي: ما الذي سيفعلانه بدون الأسد؟ فلن تغير نوعية الإجابة التي تقدمها روسيا عن هذا السؤال الوضع الجيوسياسي المبالغ فيه لروسيا أثناء حكم الأسد لسوريا. وأوضح آخر التحليلات أن روسيا سوف تكون طرفا فاعلا في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط من الناحية الجيوسياسية في السيناريو الذي يغيب عنه الأسد كما كانت خلال الأعوام الأربعين الماضية، فغيابه ليس بالأمر المهم بالنسبة لروسيا.

 

الموقف مختلف بالنسبة لإيران، فقد فقدت الجمهورية الإيرانية الإسلامية، التي وصلت إلى سدة الحكم عن طريق ثورة شعبية، الكثير من شعبيتها بسبب موقفها تجاه الحراك الذي يحدث في سوريا. وحان الآن وقت طرح سؤال جديد، وهو: ما الذي يمكن أن تفعله إيران لتضميد جراحها بعد رحيل الأسد؟

 

للأسف لا توجد إجابة شافية يمكن أن تقدمها إيران عن هذا السؤال على المدى القريب. مع ذلك لا تزال أمام إيران فرصة لتغيير توجهها تماما والتراجع عن موقفها خلال حقبة ما بعد الأسد وتصبح بذلك طرفا قويا فاعلا في المنطقة.

 

منذ أربعة أيام فقط، زار مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى، نظام البعث، الذي ترددت روسيا في زيارته خلال المرحلة الراهنة من اللعبة. ومن الواضح أن الأطراف السياسية الإيرانية لا تستطيع قراءة ما تشهده المنطقة من تطورات لأنها لم تتردد في التقاط الصور مع أفراد في نظام البعث، الذي لم يتبق له أي أصدقاء سوى روسيا، نتيجة ما اقترفه من قتل عشرات الآلاف من السوريين. على إيران تغيير نظرتها إلى المنطقة إذا كانت تريد حقا أن تصبح طرفا فاعلا فيها خلال حقبة ما بعد الأسد. ولن يكفي أن تتخذ موقفا ضد النظام البعثي في سوريا وهو عدو إسرائيل الذي لا يسبب لها مشاكل كثيرة. وعلى إيران أن تدرك الفرصة العظيمة السانحة لها حتى وإن شاركت في وقت متأخر. وعلى الحكومة الإيرانية إحداث تغيير في العلاقات التي باتت صعبة أو مستحيلة بسبب سوريا فورا. وتمثل سوريا من دون الأسد مخرجا لإيران، التي تريد إقامة علاقات سليمة مع مصر وتونس وليبيا، والاضطلاع بدور حاسم في المشهد السياسي اللبناني والعراقي، وإقامة علاقة استراتيجية مع تركيا والتخلص من الوصف الساخر لها بأنها جهة داعمة طائفية لحزب البعث. ولن يفيد الابتعاد ولو قليلا عن هذا الوصف إيران وحدها، بل المنطقة بأكملها، حيث حينها فقط لن يتم التشكيك في شرعية وشعبية الجمهورية الإيرانية الإسلامية.

 

لا ينبغي أن تضيع الثورة الإسلامية الإيرانية، التي كانت أكبر ثورة في القرن العشرين ضد الشاه، بتأثير من الولايات المتحدة وإسرائيل، بسبب المجازر التي يرتكبها النظام البعثي السوري.

 

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية

===================

ما يتعين على الولايات المتحدة القيام به في سوريا

زلماي خليلزاد

الشرق الاوسط

11-8-2012

ثمة فرصة كبيرة أمام الولايات المتحدة لتسهيل التوصل إلى عملية انتقالية منظمة في سوريا من دون اللجوء إلى القوة العسكرية، ولكن هذه الفرصة تتضاءل بمرور الوقت، بينما ستحتاج إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لتعديل استراتيجياتها السياسية لتحقيق النجاح المنشود.

ومن الناحية الدبلوماسية، ركزت الإدارة الأميركية جهودها على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجموعة «أصدقاء سوريا»، وهي المجموعة التي أنشأتها فرنسا، وتتكون من 88 دولة مشاركة و7 منظمات دولية، ودولة واحدة تتمتع بصفة مراقب وهي الفاتيكان. ولكن لا يزال مجلس الأمن يواجه طريقا مسدودا، بسبب استخدام روسيا والصين لـ«الفيتو» بصورة مستمرة، بينما تعد مجموعة «أصدقاء سوريا» مجموعة غير متجانسة لدرجة يصعب معها التوصل إلى أي اتفاق بشأن التدابير التنفيذية التي يمكنها تغيير الأوضاع على الأرض هناك.

ومن الناحية العسكرية، فإن قرار الإدارة الأميركية بتزويد المعارضة السورية بمساعدات «غير فتاكة» يؤدي إلى إطالة أمد المجازر وإراقة الدماء في ساحة المعركة. وعلى الرغم من المكاسب التي حققتها المعارضة السورية، والتي حالت دون تحقيق بشار الأسد لانتصار في هذه المعركة، لا تزال المعارضة ضعيفة للغاية بصورة لا تمكنها من إنهاء الصراع لصالحها. وبخلاف تفاقم الخسائر البشرية، تزيد الحرب الأهلية طويلة الأمد من احتمالات تفتت مؤسسات الدولة واستخدام أسلحة الدمار الشامل أو حتى وقوعها في الأيدي الخطأ، فضلا عن تمكين المتطرفين - مثل السلفيين المتشددين أو أفراد تنظيم القاعدة - من تحقيق مزيد من المكاسب وتفاقم أعمال العنف العرقية والطائفية عقب سقوط نظام الأسد.

ولكي تتمكن من تسهيل التوصل لعملية انتقالية منظمة من دون اللجوء لاستخدام القوة العسكرية، ينبغي على الولايات المتحدة الأميركية القيام بخمسة أشياء:

أولا: إقامة «تحالف للدول ذات الصلة»، وهي مجموعة من البلدان ذات التفكير المتماثل، التي تتمتع بنفوذ وتأثير هائلين في سوريا. وبينما ستستمر في العمل داخل الأمم المتحدة ومجموعة «أصدقاء سوريا» وحلف شمال الأطلنطي (الناتو)، يجب على واشنطن التركيز على تكامل الجهود مع تركيا والمملكة العربية السعودية والأردن وقطر والدول الخليجية الأخرى، فضلا عن بريطانيا وفرنسا.

ثانيا: يجب على الرئيس أوباما تعيين مبعوث خاص له للعمل مع التحالف على تنظيم المعارضة السورية في شكل جبهة ذات قاعدة عريضة، كي تكون بمثابة الوسيلة لتحقيق الاستقرار في المرحلة الانتقالية في سوريا واجتذاب دعم السوريين الخائفين من تغيير النظام وانتقاء العناصر المناسبة من نظام الأسد.

من المحتمل حدوث حالة من الفوضى وإراقة الدماء في سوريا على غرار ما حدث في العراق، بحيث تقوم الأقلية العلوية بإعلان التمرد نظرا لشعورها بالمرارة من فقدان امتيازاتها السابقة، بينما تسعى الأغلبية السنية إلى الأخذ بالثأر بعد وصولهم إلى السلطة عقب عقود طويلة من القمع.

فشلت القوى الإقليمية في توحيد صفوف المعارضة السورية، أو حتى تحديد أسماء القيادات الذين يتمتعون بمصداقية ودعم وطني واسع. يتألف المجلس الوطني السوري، على نحو غير ملائم، من الأشخاص الموجودين في المنفى وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الذين لم يتسن بعد التأكد من عدد أتباعها ومناصريها داخل سوريا، أو حتى من صدق التزاماتها المعلنة حول سوريا موحدة. على الرغم من أن الجيش السوري الحر يعتبر أكثر تناغما مع الواقع على الأرض، إلا أنه يظل من غير الواضح مدى وحدة هذه الجماعة، وما إن كان باستطاعة هذه القوة شبة العسكرية حكم البلاد بصورة مسؤولة بمجرد انتهاء القتال أم لا. وبينما يظل ولاء الأكراد للدولة السورية محل شك، ظل الجيش السوري، الذي تسيطر عليه الطائفة العلوية، مواليا لأسرة الأسد طيلة الأعوام الطويلة الماضية.

وبينما ينبغي أن يكون موضوع تعزيز الديمقراطية هو الهدف الأهم، ربما تواجه واشنطن بعض الخيارات البغيضة الأخرى على المدى القصير، مثل اندلاع حرب عرقية أو طائفية أو انقلاب يقوم به بعض ضباط الجيش الراغبين في التعامل مع المعارضة وخوض غمار عملية الإصلاح في البلاد.

وحتى يتسنى لها تقليل مخاطر اندلاع حرب أهلية في سوريا، ينبغي على الإدارة الأميركية العمل مع عناصر المعارضة المعتدلة على طمأنة العلويين والمسيحيين والأكراد وغيرها من الأقليات الموجودة في سوريا، وهو الأمر الذي من شأنه إحداث المزيد من التصدع في أوساط المؤيدين للنظام السوري.

ينبغي على واشنطن أيضا السعي لحشد كل تلك القوى حول مبادئ الديمقراطية والتعددية ولامركزية الحكم واحترام حقوق الجميع. ومن خلال العمل مع المعارضة، يجب على الولايات المتحدة تشجيع انقلاب عسكري يكون بمثابة المحطة على الطريق نحو الوصول إلى الديمقراطية الكاملة مع الحفاظ على مؤسسات الدولة الرئيسية. وبمجرد وقوع هذا الانقلاب، يتعين على واشنطن الإصرار على التزام هؤلاء المنشقين بإصلاح الوزارات الرئيسية وتسهيل عملية التحول نحو الديمقراطية.

ثالثا: يجب على واشنطن وضع نهاية لحالة الانقسام الواضحة في الجهود الرامية لحل الأزمة السورية، وهو الأمر الذي يعطي القوى الإقليمية زمام المبادرة في تسليح المعارضة السورية. يجب أن تضطلع الولايات المتحدة بدور أكبر في موضوع تسليح المعارضة، حيث إن هذا الدعم العسكري سيوفر القوة اللازمة لتشكيل جبهة سياسية موحدة. سوف تؤدي المشاركة المباشرة للولايات المتحدة في تسليح المعارضة إلى تحسين عملية توزيع هذه الأسلحة على السوريين الذين يتبنون منهجا معتدلا وشاملا، وهو الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى ترجيح ميزان القوة بعيدا عن الجماعات الإسلامية والطائفية.

رابعا: ومع تغير الظروف، يجب على واشنطن السعي للوصول إلى تفاهم مع موسكو، حيث إن الدعم الروسي والإيراني الصريح لبشار الأسد قد أدى إلى استعداء أعداد كبيرة من السوريين ضدهما، مما يهدد مصالحهما في سوريا على المدى البعيد. وعلى الرغم من ذلك، لن توافق روسيا وإيران على مرحلة انتقالية منظمة في سوريا إلا إذا تأكدت هاتان الدولتان أن سقوط الأسد أصبح وشيكا، وأن دعمهما غير المشروط للأسد قد أصبح استراتيجية خاسرة.

يجب على هذا التحالف تسهيل حدوث تحول في سياسات روسيا تجاه الأزمة السورية من خلال طمأنة موسكو بأن مصالحها الاستراتيجية والتجارية الرئيسية في سوريا يمكن حمايتها في ظل نظام جديد في البلاد. وفي المقابل، ينبغي على روسيا الامتناع عن استخدام الـ«فيتو» ضد قرارات مجلس الأمن المدعومة من قبل الولايات المتحدة وأن تتوقف عن تقديم كافة أشكال الدعم لنظام الأسد، بل وأن تمارس الضغط على نظام بشار الأسد في دمشق.

أما إيران، الداعم الرئيسي للأسد، فإن استمالتها سيكون أمرا صعبا للغاية، فبالنظر إلى مخاطر حدوث رد فعل عنيف ضد الحلفاء والأشقاء الطائفيين في النظام، يمكن أن تتحول طهران إلى تبني سياسة ذات مسارين؛ التخلي عن الأسد والمشاركة في المعارضة ودعم عملية التحول السياسي، مع تقديم الدعم لفلول نظام الأسد في الوقت نفسه. وتقوم إيران بلعبة مماثلة في شتى أنحاء الإقليم، لذا فإن تعزيز عملية التحول السياسي التي تحظى بدعم واسع النطاق في سوريا من شأنه أن يترك طهران أمام القليل من الخيارات، فإما أن تقوم باستيعاب النظام الجديد، أو سوف تتأثر علاقاتها بشدة مع الحكومة الجديدة في سوريا، التي تشعر بالفعل بالغضب من الدعم الإيراني لنظام الأسد.

خامسا: يتعين على واشنطن أن تظل منفتحة أمام دور نشط تقوم به الأمم المتحدة في وضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الخاصة بالمرحلة الانتقالية بمجرد أن تتهيأ الظروف المواتية لإقامة نظام جديد في سوريا. قامت الأمم المتحدة بلعب دور مماثل في أفغانستان فيما بعد مرحلة «طالبان»، وغيرها من الأماكن الأخرى، حيث قام مبعوثو الأمم المتحدة بتحفيز عملية وضع نظام مؤقت وصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات.

لقد حان الوقت لمشاركة أكثر فعالية بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا. وعن طريق إنشاء «تحالف للدول ذات الصلة»، يمكن لواشنطن أن تسهل عملية الانتقال السياسي التي من شأنها أن تنهي إراقة الدماء والحيلولة دون وقوع كثير من الأزمات - بداية من الإرهاب إلى انتشار أسلحة الدمار الشامل - فضلا عن وضع حجر الأساس لسوريا ديمقراطية ومستقرة.

* الممثل الدائم السابق للولايات المتحدة في الأمم المتحدة بين 2007 و2009 في عهد إدارة جورج بوش

* خدمة «واشنطن بوست»

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ