ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 29/07/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

لسان لافروف.. "ترمومتر" عمليات الأسد

2012-07-28 12:00 AM

الوطن السعودية

لا يمكن لأزمة بدأت من الأرض إلا أن تنتهي على الأرض؛ فما حدث في سورية منذ البداية كان يشير إلى أن الكلمة الفصل لـ"العسكرة" دون غيرها من الحلول السلمية مهما حاول المجتمع الدولي الدفع بها قدما عبر اجتماعاته المتلاحقة التي لا يزال نظام الأسد يضرب بنتائجها عرض الحائط.

كان من الملاحظ أن الروس حاولوا فيما مضى من وقت، وتحديدا عقب العملية التي أطاحت بـ4 من أهم القياديين في النظام السوري، الإيحاء للمجتمع الدولي بقبول الأسد لفكرة الحوار بين النظام والمعارضة من أجل الخروج من الأزمة، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك عبر تصريحات سفيرهم في باريس بقبول الأسد التنحي.

غير أن ذلك الهدوء الذي كان يلف المشهد سرعان ما تحول إلى عاصفة هوجاء شن من خلالها الجيش النظامي العديد من الهجمات على المدن السورية وأهمها العاصمة الاقتصادية حلب التي خرج الأميركيون بتحذيرات مما قد يصيبها جراء الحشد العسكري الهائل في محيطها، فيما أسفرت عمليات يوم واحد عن سقوط أكثر من 200 قتيل.

وبعد 17 شهرا من الأزمة، يمكن قياس مستوى العمليات العسكرية لنظام الأسد، تبعا للتصريحات التي يطلقها الروس بشكل عام ووزير خارجيتهم سيرجي لافروف على وجه الخصوص، فأي تصعيد كلامي من موسكو يرافقه تصعيد في عمليات جيش نظام الأسد، والعكس صحيح، والتصعيد الأخير على حلب ـ الذي حذر أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون من تبعاته ـ جاء بعد أن أعلن لافروف رفض بلاده للطريقة التي تدير بها الدول الغربية الأزمة السورية.

المؤكد أن نظام الأسد، ورغم كل القوة التي يستمدها من حلفائه ومنهم طهران التي صرح 3 من كبار مسؤوليها في يوم واحد عن ثبات موقفهم معه، لم يعد يمسك بمفاصل الدولة كما كان في بداية الأزمة، فوزير الخارجية الفرنسي يقول إنه سيسقط عاجلا أم آجلا، والبيت الأبيض يشير إلى أن أيامه معدودة، وإردوغان يتحدث عن أنه سيصبح خارج السلطة، وأخيرا رئيس المراقبين روبرت مود يؤكد أن سقوطه مسألة وقت.

وبغض النظر عن كل التصريحات، يمكن التوصل إلى النتيجة نفسها بالنظر إلى المعطيات على الأرض حيث خرج أكثر من نصف أراضي سورية عن سيطرة الأسد، وهو ما يعني حرب استعادة وحرب سيطرة، مما يستعصي على جيش متصدع من كثرة الانشقاقات.

=================

رأي الراية ... أنقذوا حلب

الراية

28-7-2012

كل الدلائل تشير إلى أن النظام السوري مقبل ومصمم على ارتكاب مجازر بشرية بمدنية حلب التي سيطر الثوار على بعض أحيائها، وأنه استعد لما أسماها بأم المعارك بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها الطائرات والدبابات في مواجهة أسلحة الثوار الخفيفة.

 وهذا يعني أن دك المدينة بمن فيها بصرف النظر عن هويته بات أمرا وشيكا، ولذلك فإن القلق الدولي الذي ظهر أمس تجاه هذا التطور الخطير يجب أن يتطور إلى قرار دولي شجاع بتحرك جماعي لمنع المجزرة البشرية المتوقعة وإنقاذ مدينة حلب وسكانها من براثن النظام الجائر.

وفي ظل هذا التصعيد الخطير الذي ينتهجه النظام السوري فإن القلق الدولي فقط ليس كافيا بدون التدخل السريع وحسم الأمر اليوم قبل فوات الأوان، باعتبار أن التأخير في اتخاذ قرار لإنقاذ سكان حلب سيقود إلى كارثة بشرية لا تقل فظاعة عن المجازر الأخرى التي ارتكبها النظام بحق شعبه، فالقضية واضحة ولا تتحمل التسويف والتأخير، خاصة أن الجميع يدرك أن النظام مصمم على القضاء على الثورة السورية بكل الوسائل وأن حلب التي تشكل منطقة استراتيجية للثوار والنظام أصبحت في فوهة المدفع بعدما اتجه الثوار لجعلها معركة للانطلاق والقضاء على النظام.

وبسبب التراجع عن اتخاذ قرارات دولية جادة ومسؤولة لإنقاذ الشعب السوري، فإن النظام وجد فرصة للتمادي بسبب تراخي المجتمع الدولي الذي ظل يتفرج على المجازر التي ارتكبها والتي خطط لارتكابها مجددا ليس في حلب وحدها وإنما في دمشق وريفها وإدلب، وأنه ليس أمام المجتمع الدولي إلا اتخاذ موقف جماعي صارم ينقذ الشعب السوري من نظام البطش، فالقضية أصبحت واضحة ولا تتحمل أي تسويف أو مماطلة، فالشعب السوري لن يتراجع عن ثورته وأن المطلوب دوليا حمايته حتى ولو تم ذلك من خارج مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة.

فليس من المقبول أن يظل المجتمع الدولي يعرب عن القلق فقط تجاه الأزمة السورية وهو يدرك حقيقة نوايا وتوجهات النظام تجاه شعبه، الشعب السوري لا يطلب الإعراب عن القلق فقط وإنما يطالب بإنقاذه من الإبادة وهذا لن يتم إلا بتدخل دولي سريع، إن حلب أصبحت تحت رحمة نظام لا يرحم وإن أية كارثة تحل بها هي مسؤولية المجتمع الدولي الذي تراخى في مواجهة النظام الذي خطط ودبر المجازر تحت سمع وبصر الجميع، ولذلك فإن إنقاذ حلب مسؤولية دولية وعربية وإسلامية وإن الوقت قد حان للتحرك قبل فوات الأوان بردع نظام الأسد وتخليص الشعب السوري منه، فالسكوت على ما يحدث في حلب يمثل جريمة وعارا في جبين المجتمع الدولي.

=================

هل يجر الأسد دول الجوار إلى حرب معه؟!

يوسف الكويليت

الرياض

28-7-2012

    سوريا بين الهم العربي وعدم الاهتمام الدولي دخلت مرحلة الموت المقنن من قبل قوات الأسد، ولعل شعوره بالنهايات غير السعيدة، أو الهزيمة المقبلة، أن يسعى لتوسيع المعركة وإطالتها..

فقد دخلت القوات السورية العديد من المرات الأراضي اللبنانية، وتحركت الأقلية العلوية في مناصرته والتخفيف عنه، ثم بالأمس الأول جرت مناوشات مع الجيش الأردني، وقد يحدث هذا مع العراق إذا ما قررت القبائل والمناصرين للثورة التحرك باتجاه سوريا ليفتح جيش الأسد معركة أخرى..

تركيا، ورغم وجود علويين مجاورين للحدود السورية ويتعاطفون مع النظام، إلا أن الموقف لا يتعدى المناصرة المعنوية، ولو بقدرة الأسد تحريكهم لصالحه لقام بهذا الدور، ثم إن أي صدام مع تركيا، سيعطي الأخيرة العذر بالقيام بعمليات عسكرية ولو محدودة، ومع فارق القوة، فإن الأسد قد ينجر لحماقة كهذه، لكن النتائج ستبقى معقدة وصعبة على مستقبله..

إسرائيل ظلت صامتة، وبلا حراك، وإن كانت تراقب وتدقق، لكن عندما أثير موضوع الأسلحة الكيماوية، والخشية من تسربها لحزب الله، أخذت الأمور بجدية، إلى حد التهديد بالتدخل العسكري، والحصار الذي يعيشه الأسد وشعوره أن المنافذ بدأت تنغلق، قد يورط سوريا بحرب مع إسرائيل، لكن الأخيرة لها حساباتها، أي أن ذلك يعطي ذرائع أنها دولة معتدية، استغلت الظروف وقامت بفعلها، لكن تجربتها مع احتلال بيروت، ثم حربها مع الجنوب لا بد أن تقلل حافز الدخول مع سوريا بحرب جديدة..

الموقف الدولي متراخ، وهناك من يرسم تقسيم سوريا بتوافق روسي، أمريكي، وإسرائيلي، لكن لو وجد مثل هذا السيناريو، فإن بيئة سوريا ستنقلب إلى بؤر كاملة للتطرف مما يعني التأثير على كل الدول المجاورة، وقد يكون المتضرر الأكبر إسرائيل ذاتها إذا ما تلاصقت مع القاعدة في سوريا، وحزب الله في لبنان وصارت قوى إقليمية تدفع بهذا الاتجاه إلى حدوده القصوى، وقد تصل الأضرار إلى تركيا ولبنان والأردن والعراق، وتصبح ورطة أمنية وسياسية..

الحلول الدولية غير واردة، لأن لعبة مجلس الأمن، وإن أعطت الأسد المساحات القصوى في قتل شعبه، فعملية ترحيل القضية إلى الأمم المتحدة حل جديد، أي أن المجتمع الدولي سيكون صاحب الصوت الأقوى، والذي لا يمكن أن يسمح باللعبة الدولية أن تدوم، إذا ما فرض قرار التدخل العسكري في حسم قضية انقاذ الشعب السوري، وقد تعارض روسيا ومعها بعض الدول، ويبقى موقف أوروبا وأمريكا مكشوفاً، فأما التصويت وكسب الرأي العام العالمي لإظهار روسيا الخصم، أو اتخاذ الحياد بعدم التصويت، وهذا ستراه الدول موقفاً متخاذلاً وغير منطقي، وفي كل الاحوال فسوريا على خط النار، وهي من تحسم كل الأمور..

=================

الأزمة السورية: أبعاد دولية

تاريخ النشر: السبت 28 يوليو 2012

ويليام فاف

الاتحاد

حالة الغموض والضبابية التي تميز الصراع في سوريا، هي كل ما يمكن أن يقال حول الموضوع في ظل غياب المعطيات الدقيقة وتضارب التحليلات واختلافها، فهل بدأت الثورة السورية مثلا كنتيجة حتمية للحركية التي شهدتها المنطقة وكاستمرار بالتالي للربيع العربي؟ أم أن هناك عوامل خارجية دفعت في اتجاه الثورة؟ هذه فقط بعض من الأسئلة الحائرة التي تحيط بالموضوع السوري، يُضاف إليها سؤال آخر عن من أطلق الشرارة الأولى للحراك السوري وكيف بدأ ذلك أول الأمر؟ وهنا تسود الرواية المنتشرة على نطاق واسع، من أن أطفالا ومراهقين كتبوا بعض الخربشات على الحائط في مدينة درعا بالجنوب، فما كان من الأمن إلا أن احتجز الأطفال وعذبهم، وهناك من يقول إن بعضهم قتل في مخافر الشرطة، بل تعرض أهلهم للإهانة والإذلال عندما حاولوا التوسط لإطلاق سراحهم. وبدلا من كتمان الأمر واللجوء إلى الصمت، كما في مرات سابقة، انفجرت مشاعر الاستياء لدى الجمهور العريض، وكان النظام كلما أوغل في إذلال الناس والتنكيل بهم زاد زخم الاحتجاجات التي انتقلت من درعا إلى باقي المناطق السورية، وانتقل الحراك من مرحلة الاحتجاج السلمي إلى عسكرة الثورة.

بيد أن سوريا، ورغم ما تشهده من اضطرابات قد تعصف بالنظام، كانت من أكثر البلدان استقراراً في الشرق الأوسط، رغم مجاورتها للعراق المحاذي لإيران، ووجود لبنان غير المستقر في خاصرتها، ناهيك عن إسرائيل العدوانية... ومع ذلك لا يمكن القول إن مشاكل سوريا خارجية، بل هي بالأساس ذات طبيعة داخلية مرتبطة بأسلوب الحكم والتركيبة الاجتماعية للنظام. وكما قال خبير الشؤون السورية باتريك سيل، فإن التهديدين الأساسيين لاستقرار سوريا يكمنان في الجفاف والديموغرافية. فالجفاف الذي ضرب البلاد بين عامي 2006 و2010 كان الأسوأ منذ قرن من الزمن، بالإضافة إلى التزايد السكاني الذي فاقم مشكلة البطالة.

لكن رغم هذه الإضاءات، تبقى الأسئلة أكثر من الأجوبة في الموضوع السوري، فمن وقف مع الثورة السورية وساعد على انتشارها ومدها بالأسلحة وروج لها إعلامياً؟ ومن عزز الشعور الذي بدأ يتناقله الناس ويهمسون به في آذان بعضهم البعض من أن نظام الأسد قد انتهى؟ لماذا هذا الاستنتاج وما الذي دفع إليه؟ إن الأسد، ورغم الإشاعات، ما زال متمسكاً بالسلطة، يقود الحملة العسكرية، أو على الأقل بعض المقربين منه، ضد المعارضة، كما أنه ما زال يتكئ على جهاز أمني قوي يستمد عناصره الأساسية من المقربين إليه وأبناء طائفته التي تسيطر على مقاليد الأمور في سوريا منذ وصول والده، حافظ الأسد، إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 1970؛ فم الذي يقلقه إذن مع جهاز أمني شرس وموالٍ إلى درجة كبيرة؟ الحقيقة أن ما يجب أن يقلق الأسد هو الاحتضان الدولي للحركة الاحتجاجية والتنظيمات المعارضة المطالبة برأسه، فما عادت الثورة مجرد احتجاجات مدنية يقوم بها الناشطون، بل تحولت إلى معارك ضارية واشتباكات متواصلة بين الثوار والقوات النظامية، والأكثر من ذلك انخراط قوى إقليمية في الصراع.

وفي روايته الشخصية للأحداث، حاول النظام تصوير الصراع الجاري في سوريا على أنه هجوم لعصابات ومرتزقة تحركها دول عربية، وبعض التنظيمات المتشددة مثل "القاعدة"، أو أن البلاد تتعرض لهجمة من "الإخوان المسلمين" الذين قاتلوا الرئيس الراحل حافظ الأسد. ثم ارتدت الرواية بعداً دولياً عندما ادعى النظام أن الاحتجاجات تحركها قوى عالمية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل الساعيتين إلى ضرب الموقف السوري الصامد والمقاوم لإسرائيل، ولإفساح المجال أمام ضرب إيران لاحقاً، والهدف النهائي، حسب النظام دائماً، هو احتلال سوريا وإيران والسيطرة على النفط، كما حصل في العراق، وإن كان ما حصل هناك فعلا هو تراجع أميركا وتسليمها العراق على طبق من فضة لغريمتها إيران.

والحال أن رواية النظام لا تستقيم بل يعوزها المنطق؛ فكل ما يمكن أن يقوم به الغرب هو شن حملة جوية على إيران، وهو غير كاف لاحتلالها، كما أنه لا أحد في دوائر القرار الغربية يفكر في اجتياح بري لسوريا أو إيران. لكن إذا كان الغرب متحفظاً على التدخل العسكري المباشر، فهل يقوم بذلك عن طريق حلفاء له؟ وهل تستطيع قوى عربية، أو حتى إسرائيل، توريط نفسها في صراع طويل يؤجج المشاعر الوطنية والدينية ويوفر المجندين لتنظيم "القاعدة" و"حزب الله"؟ وحتى الفكرة التي تقول بانقسام سوريا على خطوط التماس الطائفية والعرقية وعدم الحاجة إلى قوة خارجية لضبط الأمور ما بعد الأسد، تشبه إلى حد كبير أوهام "المحافظين الجدد" الذين توقعوا قبل غزو العراق أن يستقبلهم شعبه بالزهور كما فعل الفرنسيون خلال الحرب العالمية الثانية!

وأمام هذه التعقيدات التي تسم الوضع السوري، يبقى الحل الأمثل للخروج من الأزمة استمرار الانخراط الدولي من خلال المزيد من جهود الوساطة والدفع في اتجاه المفاوضات مع أطراف الصراع. وهنا لابد من الاهتمام بالجانب الروسي الذي أبدى استعداده للتعاون إذا ما استُوعبت مصالحه الاقتصادية والسياسية الاستراتيجية في سوريا. لكن مع الأسف تتعامل واشنطن مع الوضع باعتباره فرصة لإخراج روسيا من البحر المتوسط، وهي سياسة ستفشل في النهاية وسيندم عليها أوباما.

=================

العرب والثورة السورية

تاريخ النشر: السبت 28 يوليو 2012

د. حسن حنفي

الاتحاد

"يا الله... ما لنا غيرك... يا الله"، هو الشعار الأخير الذي أطلقته الثورة السورية بعد أن تركتها جميع القوى الإقليمية والدولية تقاوم بمفردها. وتتوج شعارات دينية أخرى مثل "حسبنا الله ونعم الوكيل" أو "الله أكبر". فالدين ملاذ للحماية وطلب النصر، والأمل في المستقبل. لم يسمع أحد من الإخوة العرب، وسوريا قلب الأمة العربية، ولا من القوى الغربية التي تتشدق بحقوق الإنسان وبدخول الحرب العالمية الثانية إنقاذاً للعالم من مذابح النازية والفاشية، لم يسمع أحد صراخ الأطفال والنساء والمسنين، وأنات المعذبين المكبلين، يدين وقدمين، والمجلودين على الظهر والأقدام بالسياط. لم يسمع العرب استغاثة الثوار السوريين "صمتكم يقتلنا" أو نساء سوريا "وينكم يا عرب" وفي ذاكرتهم صلاح الدين والظاهر بيبرس القادمين من مصر ومعارك عين جالوت، ومرج دابق، وقيم الشهامة العربية والنخوة العربية وفي آذانهم صرخة المرأة العربية التي أهانها الروم "وامعتصماه" واستجابة المعتصم بالله في بغداد وإرسال الجيوش لتحريرها. وإذا كانت أيدي الحكومات مقيدة بقواعد الدبلوماسية فأين الشعوب التي تنزل إلى الشوارع بالآلاف لتسمع صوتها، وتبين مؤازرتها للشعب السوري. وإذا كانت الشعوب مشغولة بلقمة العيش فأين ثوار الحراك العربي القادرون على حشد الملايين والاعتصام بالميادين لحشد ملايين أخرى والقيام باعتصامات أخرى من أجل الشعب السوري؟ وأين الأمة الإسلامية من المغرب إلى الصين، وحدتها وأخوتها. "والله لو عثرت بغلة في العراق لسئلت عنها يا عمر، لماذا لم تسوِّ لها الطريق؟". وأين رسالة عمر إلى والي مصر عام المجاعة "الغوث، الغوث. النجاة، النجاة" واستجابته بإرسال الأطنان من الحبوب؟ يبدو أن الذاكرة تضعف حين يُراد لها أن تقوى، وتقوى في الحدود حين يُراد لها أن تضعف. والمجتمع الدولي الذي تدخل بالسلاح في ليبيا وفي كوسوفو ما زال يتردد كي يبقى النظام السوري على حاله فهو أكبر ضمان لوجود إسرائيل واستمرار احتلال الجولان. فالغرب بين نارين، نار الدماء التي تسيل من الشعب السوري، ونار الحفاظ على إسرائيل من أي نظم عربية مجاورة تعمل على تحرير فلسطين.

لم يبق للثورة السورية إلا الاعتماد على الذات، والاستمرار في المظاهرات ليل نهار، وسقوط الشهداء يومياً بالمئات تحت أعين مراقبي الأمم المتحدة وباسم خطط مجلس الأمن والجامعة العربية. لم يبق للشعب السوري إلا الجيش السوري الحر المنشق عن جيش النظام الاستبدادي، الذي رفض الخروج عن مهمته في الدفاع عن البلاد وتحرير الجولان والدفاع عن الأمن القومي إلى ضرب الشعب وهدم المنازل وقتل النساء والأطفال والمسنين بقذائف الدبابات وراجمات الصواريخ أو إعداماً للشباب رمياً بالرصاص في الميادين العامة مكبلي الأيدي والأرجل ومعصوبي العينين كخونة مجرمين ودون محاكمة أو الحفاظ على أدنى الحقوق.

ولا يقال إن الثورات العربية لم تستقر بعد، وإن الحراك العربي مشغول بما فيه، تونس، مصر، ليبيا. كل منهما "اللي فيه مكفيه" لأنه لا تعارض بين الانتقال الثوري في الداخل والتأييد الثوري في الخارج. فعلى رغم أن الثورة في تونس لم تستقر بعد، وأنها فيما يبدو في معركة مع السلفيين المتشددين إلا أنها قادرة على حشد الآلاف لتأييد الثورة السورية. وعلى رغم أن الانتقال الثوري في مصر لم يتم بعد بل يتراجع لأن النظام الاستبدادي السابق لم يسقط بعد وإن سقط رأسه، وأن المجلس العسكري مازال استمراراً للنظام السابق مسيطراً على السلطتين التشريعية والتنفيذية وربما يوجه القضائية حرصاً على استقرار البلاد، وأن البدائل الثورية مفككة كل يعمل لصالحه، إلا أن ذلك لا يمنع من أن تكون العين الأخرى على سوريا أو فلسطين. فالثورة لا حدود لها. الثورة روح تسري في جسد المضطهدين. وعلى رغم أن الثورة في ليبيا ما زالت في حالة عدم استقرار. ولم تتحول بعد الجماعات المسلحة إلى دولة إلا أنها قادرة على تجنيد الشعب الليبي لمناصرة الشعب السوري حتى لا يشعر الثوار السوريون بأنهم بمفردهم فيستأسد النظام السوري عليهم.

إن ثورة الشعب السوري أقوى ثورات الحراك العربي صموداً وأكثرها تكلفة: خمسة عشر ألف شهيد، وسبعين ألف جريح وألف معتقل. وأطولها عمراً، عاماً ونصف. وما زالت مستمرة. تقوى يوماً بعد يوم. والنظام يفقد أعصابه يوماً بعد يوم. ويزداد شراسة وتقتيلاً. وأصبح لا يدافع عن نظام بل يدافع عن نفسه، عن فرد ونظام وربما طائفة. إن لم يُسقط الفرد فهو مقتول "الشعب يريد إعدام السفاح". والشعب السوري معروف بأنه صعب المراس في مواجهة العدو الخارجي والآن أيضاً ضد المستبد الداخلي. لم يعد الحل الأمني قادراً على إخضاع الثورة. ولم يعد الحل السياسي مقبولاً من الثوار فلا حوار بين القاتل والمقتول.

وكما امتدت الثورة من تونس إلى مصر إلى ليبيا في امتداد جغرافي واحد فكذلك قد تمتد الثورة من سوريا، قلب الشام إلى لبنان والعراق ثم فلسطين كامتداد جغرافي وتاريخي واحد وكما حلم بذلك أنطون سعادة والحزب القومي السوري الاجتماعي ودفع حياته ثمناً لهذا. ثورة لبنان ضد الطائفية ومن أجل العدالة الاجتماعية وفي سبيل قضية فلسطين. وثورة العراق ضد التفتيت والصراعات الداخلية، ومن أجل العودة إلى وحدة العراق العربي الوطني بكافة طوائفه وأعراقه، عراق ثورة 1958 وإنقاذه مما هو فيه من ضعف وتجزئة وتقتيل وهوان وتدخل أجنبي.

اللجوء إلى الدين كملاذ له مخرجان، الأول الاستمرار في مناجاة الله طلباً للعون ولشد الأزر، والدعوة على الظالمين، والترحم على الشهداء. فالله لا يخذل المظلوم. ويستجيب لدعوته. وقد تتحول المظاهرات النهارية إلى حلقات ذكر ليلية لتقوية العزائم. هكذا نشأ التصوف عندما استشهد أئمة آل البيت في مقاومة طغيان بني أمية. ولم تعد المقاومة على الأرض تجدي فاتجه الأخيار رافعين أيديهم إلى السماء. والثاني الاستمرار في المقاومة "اشتدي يا أزمة تنفرجي". و"الباطل حيله قصير"، والحق ذراعه أطول. تلك شهادة الأنبياء في مقاومة الطغاة، موسى مقاوماً لفرعون. والشهداء ينادون على مزيد من الشهداء "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة". وبعد انتصار الثورة يُعاد بناء الشام، والأحياء القديمة في حمص وحماة وحلب ودمشق التي أراد الطغيان محوها تاريخياً في مقاومة التتار والمغول والفرنجة. لقد بعث الحراك العربي الجسم العربي من رقاده. الرأس في الشام، والقلب في مصر، السواعد في الشام، والأقدام في مصر. وما بينهما الجسد العربي. حينئذ تجد إسرائيل العرب في مواجهتها بعد أربعة وستين عاماً من جديد. فقد كان العرب باستمرار في مواجهتها منذ 1948 وهم غير مستعدين، متفرقون، ضعفاء، غير مدركين لخطورة التوغل الصهيوني. والآن، وبعد "الربيع العربي" بدأ العرب بأنفسهم. وعاد العرب أحراراً ليحرروا شعب فلسطين.

=================

إشكالية الدولة السورية وأهم أسئلتها

عبدالله تركماني()

المستقبل

28-7-2012

إشكالية الدولة وأسئلتها من بين أكثر الإشكاليات تعقيداً والتباساً في الخطاب السياسي السوري، فمنذ سنة 1963 هي دولة القهر والتغلُّب، حيث العلاقة بين الحاكم والشعب علاقة تسلط واستئثار وهيمنة. مما جعل أزمة الدولة السورية تكمن في استمرارية الممارسات السلطوية الاستبدادية وغياب الحكم الرشيد طوال ما يقرب من خمسين سنة، حيث لم تدرك سلطة الدولة التلازم الضروري بين الحرية والعقلانية والتنمية، وأحالتها إلى خلفية اهتماماتها.

وبعدما تماهت الدولة مع السلطة وحزب البعث الحاكم والزعيم الواحد الأحد، منذ انقلاب حافظ الأسد على رفاقه في عام 1970، فإنّ التمييز بين الدولة وسلطتها وغيرها من الأجهزة المندرجة في إطارها أمر في غاية الأهمية لفهم مضمون الدولة وتمثلها من جهة، ولترشيد الفعل السياسي والمدني من جهة أخرى. فحين يصبح هذا التمييز منغرساً في وعينا الجمعي، ومنبثاً في ثقافتنا السياسية، نستطيع ترتيب ولاءاتنا بشكل عقلاني وسليم، حيث تنتصب الدولة، باعتبارها دولة حق وقانون، في المقام الأول، وتتصدر غيرها من الإعاقات، وهي كثيرة في سوريا. ولكنّ هذه الإعاقات قابلة للتجاوز بالتدريج والمراكمة الفعلية، إذا توفرت سلسلة من الشروط المساعدة والميسِّرة لها، وفي مقدمتها حصول مصالحة مزدوجة: مصالحة المجتمع مع الدولة، على أنها بيت للجميع، ومصالحة الدولة مع المجتمع، باعتباره محور الدولة وقطب رحاها.

وفي هذا السياق فإنّ السيادة الوطنية تتحدد بمدى احترام سلطة الدولة لحقوق المواطنين، وضرورة إشعار الفرد بأنّ الدولة هي الحصن لحمايته، وهي بناء مستقبل زاهٍ لأبناء الوطن كلهم من دون استثناء، وما من عوائق تحول دون ترقية الاندماج الوطني، بما يقتضيه من جهود فكرية وسياسية واجتماعية وقانونية كبيرة. وفي سياق الدولة لا تكتمل السيادة الوطنية من دون تمتع كافة المواطنين بالحريات غير منقوصة: حرية الرأي والتعبير، حرية التجارة والتنقل، حرية تشكيل أحزاب وروابط مدنية وسياسية. أي لا بد من أن تتأصل الديموقراطية في مفاصل الحياة السياسية، بحيث لا تبقى مجرد آلية لانتخابات شكلية. كما أنّ ممارسة السيادة الوطنية، من قبل سلطة الدولة الحاكمة، تستدعي وجوب وجود معارضة سلمية منافسة تضبط الحكم، من خلال تطلعها للحكم مستقبلاً، واستعدادها للمنافسة في الانتخابات المقبلة الدورية.

إنّ ترسيخ قيم المواطنة، فكرياً وعملياً، لدى أفراد المجتمع ومؤسسات الدولة، أصبح من واجبات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، هذه القيم التي يأتي في مقدمتها: الوعي بمهام الدستور، وبالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للفرد والمجتمع، وبمهام الفرد، ومدى الحريات الممنوحة له وأنواعها، وبكيفية تشكيل القرارات السياسية، وكيفية تنفيذها، وبنمط الحكم السائد، وبشروط التمثيل النيابي، وبكيفية المشاركة في الانتخابات، وتشكيل المجالس النيابية، وغيرها من قضايا المواطنة التي تساهم في رفع سوية المواطنة ذاتها، وتخليص الفرد والمجتمع والدولة على السواء من عقلية وثقافة الراعي والرعية، وكل ما يعيق تحقيق دولة الحق والقانون. هذه الدولة، إذا ما حققت مشروع المواطنة لأبنائها، ستشكل الرافعة العملية والفكرية لاستمرار الدولة السورية وقوتها بعد التغيير.

وهكذا فإنّ الحل للخروج من مأزق الدولة السورية المستمر هو مغادرة بنيان الإقصاء والعنف إلى رحاب بنية اجتماعية - سياسية - ثقافية تقوم على العمل المنتج واستثمار الموارد الاقتصادية والبشرية وزيادتها، وتحرر إرادة الوطن والمواطن، والإطار الصحيح لقيام هذه البنية هو:

ـ المواطنة كعقد لتنظيم علاقات الأفراد والجماعات.

ـ الديموقراطية كإطار لقيام مشاركة سياسية تضمن فصل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتداولها.

ـ التنمية الشاملة لاستثمار الموارد الاقتصادية والبشرية وتطويرها وتوظيفها لقيام اقتصاد منتج، يرفع مستوى معيشة السكان ويؤمن العدالة الاجتماعية.

() كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

=================

تراجعت بسرعة عن اعتراف «مقدسي»

سوريا وتداعيات التهديد بـ «الكيماوي»

تاريخ النشر: السبت 28 يوليو 2012

الاتحاد

كرر المتمردون السوريون اتهاماتهم لنظام الأسد بأنه ينقل أسلحته الكيماوية إلى الحدود، على رغم التراجع السريع للحكومة السورية عن تهديدها يوم الثلاثاء، بأنها ستستخدم ترسانتها من الأسلحة الكيماوية ضد أي تدخل أجنبي في الحرب الأهلية المستعرة هناك.

وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن "الجيش السوري الحر" حذر يوم الثلاثاء من أن حكومة الأسد تقوم بنقل ترسانتها من الأسلحة الكيماوية إلى مواقع جديدة على امتداد الحدود مع لبنان.

وجاء في البيان الذي أعلنه "الجيش السوري الحر" ما يلي: "إننا، أي القيادة الموحدة للجيش السوري الحر داخل البلاد، نعرف تماماً مواقع ومواضع هذه الأسلحة".

وجاء في ذلك البيان أيضاً: "كما أننا نكشف أيضاً أن الأسد قد قام بنقل بعض تلك الأسلحة، وكذلك المعدات الخاصة بخلط المكونات الكيماوية، إلى مطارات تقع على الحدود".

وكشف البيان عن معلومات أخرى حيث جاء فيه: "ووفقاً لمعلوماتنا، فقد بدأ النظام في تحريك جزء من مخزونه من أسلحة الدمار الشامل منذ عدة شهور... وذلك بهدف تشكيل ضغط على المنطقة، وعلى المجتمع الدولي".

وقد صدر بيان الجيش السوري الحر في نفس الوقت الذي بدت فيه الحكومة السورية وكأنها تتراجع مهرولة عن التحذير الذي كانت قد وجهته يوم الاثنين الماضي، والذي قالت فيه إن النظام يمتلك ترسانة من الأسلحة الكيماوية، وإنه لن يتردد في استخدامها ضد أي عدوان أجنبي.

وفي يوم الاثنين اعترف "جهاد مقدسي" الناطق باسم وزارة الخارجية السورية علناً، وللمرة الأولى، بامتلاك بلاده لترسانة من الأسلحة الكيماوية عندما قال أمام الصحفيين: "هذه الأسلحة سوف تستخدم فقط في حالة وقوع عدوان أجنبي على الأراضي السورية". وكان من ضمن ما قاله "مقدسي" أيضاً: "هذه الأسلحة لن تستخدم ضد المدنيين السوريين، بل ولن تستخدم داخلياً تحت أي ظروف وبصرف النظر عن الطريقة التي ستتطور بها الأزمة".

ولكن صحيفة "الجارديان" البريطانية أوردت تقريراً قالت فيه إن وزارة الخارجية ووزارة الإعلام في سوريا قد تراجعتا سريعاً عن التهديد الذي جاء على لسان "مقدسي" يوم الاثنين، وخمنت الصحيفة أن يكون مقدسي قد تجاوز دوره، وأشارت في معرض التدليل على ذلك، إلى ما قاله وزير الإعلام "عمران الزعبي" وهو: "عندما يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية إن سوريا لن تستخدم أسلحتها الكيماوية ضد الشعب فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن سوريا تمتلك مثل هذه الأسلحة". إلى ذلك زعمت وكالة الأنباء السورية "سانا" يوم الثلاثاء أن تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية، قد أُخرجت عن سياقها، واعتبرت وكأنها "إقرار بامتلاك سوريا لأسلحة غير تقليدية".

وقالت الوزارة إن الهدف من البيان والمؤتمر الصحفي لم يكن الإعلان عن شيء محدد، وإنما كان بغرض الرد على حملة إعلامية ممنهجة موجهة ضد سوريا بهدف إعداد الرأي العام العالمي لاحتمال التدخل العسكري تحت الذريعة الزائفة الخاصة بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل (تماماً مثلما حدث في العراق).

وبيان "سانا" يلمح إلى أن نظام الأسد ربما يخشى من أن يؤدي الاعتراف بوجود ترسانة كيماوية لديه إلى تحريض، بدلاً من ردع، الدول الغربية على التدخل في الأزمة السورية.

وقد قامت الدول الغربية بتوجيه نقد شديد اللهجة للبيان الصادر عن سوريا في هذا الشأن، بحسب صحيفة "يو. إس. توداي"؛ كما حذر أوباما من أن الأسد سوف يعتبر مسؤولاً عن قيام سوريا باستخدام تلك الأسلحة.

وكان مما قاله أوباما في هذا الشأن: "إذا ما أخذنا في اعتبارنا مخزون نظام الأسد من الأسلحة الكيماوية فإننا سنواصل جهودنا كي نوضح للأسد ولمن حوله أن العالم يراقب ما يفعلون، وأنهم سوف يعتبرون مسؤولين من قبل المجتمع الدولي، والولايات المتحدة، إذا ما ارتكبوا الخطأ الاستراتيجي المتعلق باستخدام تلك الأسلحة".

وجاء في تقرير لوكالة "رويترز" للأنباء أن إسرائيل تعتقد أن نظام الأسد ما زال مسيطراً على مخزونه من الأسلحة الكيماوية. وأشارت الوكالة إلى التصريح الذي أدلى به المسؤول الأمني الإسرائيلي "عاموس جلعاد" في هذا الشأن لإذاعة إسرائيل وقال فيه: "إن منبع القلق بالطبع هو أن يفقد النظام توازنه ويفقد سيطرته بالتالي على تلك الأسلحة". وأضاف جلعاد: "حتى هذه اللحظة يمكن القول إن منظومة الأسلحة غير التقليدية بالكامل مازالت تحت السيطرة التامة للنظام".

وفي الوقت الذي تظل فيه ترسانة الأسلحة الكيماوية لنظام الأسد مصدراً للقلق، فإن حرب العصابات التقليدية تتواصل على الأرض في سوريا. ففي تصريح له لـ"واشنطن بوست" قال العقيد "مالك كردي" المتحدث باسم "الجيش السوري الحر" إن الثوار قد أجبروا على الانسحاب من دمشق لأنهم كانوا يفتقرون إلى الأسلحة التي تمكنهم من خوض قتال مطول، على قدم المساواة مع قوات النظام.

وفي غضون ذلك قال "نبيل العربي" الأمين العام للجامعة العربي في تصريح له لصحيفة "الحياة" اللندنية إن نظام الأسد بات على وشك السقوط، وإنه سيسافر عما قريب إلى روسيا والصين لتشجيعهما على التوقف عن تعويق مجلس الأمن الدولي عن اتخاذ إجراء بشأن سوريا. وقال العربي في هذا السياق: "رسالتنا لروسيا ستكون بكل وضوح وصراحة، إن الفيتو الأخير الذي اتخذته نظر إليه على أنه ضد المصالح العربية. وأننا نأمل من الروس مراجعة موقفهم في هذا الشأن، وخصوصاً أنهم يعرفون أن أيام النظام الحالي في سوريا قد باتت معدودة".

آرثر برايت

كاتب ومحلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«كريستيان ساينس مونيتور»

=================

مصير الأسد بيد العلويين

روبرت فيسك

السفير

28-7-2012

فيما صعقت دراما اعتداء الأسبوع الفائت على نظام بشار الأسد في دمشق العالم العربي، فإن الانفجار المفاجئ للعنف في حلب بدا إلى حد بعيد أهم بكثير. ذاك أن حلب تعدّ المدينة الأغنى في سوريا ـ حتى أكثر بكثير من دمشق - وإذا لامست الثورة مركز الثروة هذا، فإن الاتفاق الضمني بين الحكومة المسيطر عليها علوياً والطبقات الوسطى السنية سيتعرض للتصدع فعلاً.

إذ كمركز ولادة الزراعة - نهر الفرات يقع على مبعدة 60 ميلاً فقط إلى الشرق ـ تحتضن حلب أيضاً المركز الرئيس لـ"المركز الدولي للأبحاث الزراعية في المناطق الجافة" أحد أفضل المراكز في هذا المجال في العالم بأسره. فهو يزيد إنتاج الغذاء في آسيا وأفريقيا في منطقة تحوي مليار شخص، حيث 50 في المئة من هؤلاء يكسبون عيشهم من خلال الزراعة. وبين الجهات المانحة للمركز: بريطانيا وكندا والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وهولندا والبنك الدولي. ولا يزال العاملون الـ500 فيه يشتغلون في حلب.

للأسف، تعرضت محطة الأبحاث الرئيسة في تل هاديا، التي تقع على مسافة 20 ميلاً من حلب، لاعتداء من رجال مسلحين سرقوا المركبات لاستعمالها كعربات مزودة برشاشات، بالإضافة إلى آلات زراعية وحواسيب. لكن، لحسن الحظ فإن «بنك الجينات» العائد للمركز، ظل آمناً وجرى استنساخه خارج سوريا. وقد نقلت الحكومة السورية نقطة تفتيش عسكرية إلى جانب عقار المركز في تل هاديا ـ وزارة الزراعة السورية كانت دوماً واحدة من الوزارات الأكثر تقدمية في دمشق ـ وستظهر فائدة هذا الإجراء في الأيام المقبلة كما سنرى.

والحال، أن الثورة انتشرت على امتداد سوريا برمتها. وبصورة مأسوية، يبدو ان الاتجاه البعثي ينحو منحى تدمير القرى السنية المحاذية للمعقل العلوي، على حدود علويستان في السهل الزراعي الممتد في مقاطعة حماه، والتي تقع أسفل الجبال حيث يرسو مسقط رأس الأسد في القرداحة.

خلال الأسبوع الماضي هاجمت الطائرات السورية القرية السنية الصغيرة الحوش، مرغمة سكانها السبعة آلاف على الفرار للنجاة بأرواحهم. ولأسبوعين، تعرضت الحوش وسواها من القرى السنية الصغيرة للقصف؛ وهي قرى تحتضن ثواراً، لكنّ ثمة شكوكاً متنامية، ولو من دون دلائل، تفيد بأنها سياسة متعمدة من قبل البعث لتهيئة سوريا للتقسيم حال سقوط دمشق.

وثمة شكوك متزايدة، أن المجزرة الكبرى الاولى في القرى السنية في الحولة في 25 أيار، جاءت نتيجة انتقام اثر محاولة تسميم صهر بشار الأسد آصف شوكت، الذي قضى عليه الثوار في التفجير الذي وقع في دمشق. على أن البعض يقولون ان محاولة التسميم جاءت في فترة لاحقة، لكن كل ما جرى في سوريا ويجري اليوم يتصل بعضه ببعض.

ومن شأن بعض الإحصاءات النهائية أن تفسر أسباب نشوب الثورة خارج دمشق. فقد أظهرت البيانات أن 58 في المئة من السوريين تحت الـ24 عاماً يعانون من البطالة (نسبة أعلى حتى من مصر)، في حين أن 48 في المئة من المندرجين في فئة 18 ـ 29 عاماً ـ إحصاء لا تقارعه سوى اليمن ـ لا وظيفة لديهم. بالطبع، صار لديهم اليوم واحدة. فقد انضمت غالبيتهم إلى الثورة السورية.

روبرت فيسك

ترجمة: حسن الحاف

=================

البعد الاقتصادي في أزمة سوريا

فايز سارة

السفير

28-7-2012

بعد عـام ونصــف العــام، ما زالت تأثيرات أزمة سوريا المتصاعدة في الجانــب الاقتصادي غير واضحة ولا صادمة بمــا يكفــي. والســبب في ذلك، أن الأطراف السورية مشغولة أكثر بالوضعين الامني والسياسي، خاصة أن الاحتياجات المعاشية الاولية، لا تزال مـتوافرة، سواء بالحــدود المقــبولة أو وسط صعوبات جزئية أو متوسطة، وذلك يعود الى أمــرين أو لواحد منهما: الاول توافر مصادر محلية، وهذا يتعلق أساسا بالمواد الغذائية، والاخــرى المصنعة محلياً، والثاني، وجود احــتياط مستورد لم ينفد بعد، ولوجــود مـسارب للتــهريب ترعاها وتستفيد منها مفاصل في السلطة، تم تنشيطها بحيث توفر بعض احتياجات السوق السورية.

غير انه خارج الضباب الذي يغطي تجليات الازمة في جانبها الاقتصادي، يمكن القول، ان الوضع الاقتصادي في سوريا أوشك على الانهيار بفعل مجموعة من التطورات التي أحاطت به، والمستمرة في التدهور المتسارع، كلما أوغلت الازمة السورية نحو الأبعد، والأهم في هذه التطورات يظهر في ثلاثة مسارات:

الاول خلاصته توقف شبه كلي لحركة القطاعات الاقتصادية، وهو أمر ينطبق بصــورة واضــحة على قطاع السياحة والخدمات، وقد أصيــبا بانهيار شبه كامل مع بدايــات الأزمـة، ليس نتيجة وقف تدفق السياح والوافدين السوريين فقط، بل بسبب ميل أغلب السوريين الى التخــلي عن كل ما هو غير ضروري من خدمــات، ثم تبع ذلك توقف، تزايدت معدلاته تباعاً في القطاع الصناعي والحرفي، نتيجة عوامل كثيرة، منها عدم توافر مستلزمات الإنتاج، ونقص السيولة وصعوبات النقل والتسويق، واستمر النشاط الزراعي بحدود رغم الظروف، وخاصة نتيجة اجتياح المناطق الزراعية وتدميرها من قبل الجيش، وبفعل عمليات التهجير الواسعة في الارياف، ونقص مستلزمات الانتاج وصعوبات النقل والتسويق.

وثاني المسارات، التدمــير الواسع للبــنى التحتية للاقتصاد الــسوري أو تدهــور أداء بعضها، خاصة قطاعات الكهرباء والنقل والاتصالات، إضافة الى التدمــير الواسع الذي لحق بمدن وقرى كثيرة في القسم الأنشــط من البلاد وهي مناطق الوسط والجنوب، التي أصيبت بنيتها السكانية بأضرار كبيرة وخاصــة في المناطق الريفية التي تقــوم على الزراعــة والإنتاج الحيواني، وتتم فيها أنشطة ممهدة للصناعات المحلية ومنها الصناعات الغذائية وصناعة الألبان.

وثالث المسارات يجسده تردي الأحـوال الاقتصادية لقطاعات كبيرة من السوريين. واذا كانت معدلات الفقر قبل بد الثــورة قبل عام ونصف، تشير الى واحد من كل ثلاثة سوريين، يعيش تحت خط الفـقر، فإن هذه المــعدلات تغيرت بصورة جوهرية، ذلك أن تدمير البيوت والممتلكات وأعمال النهب والســرقة وفـقدان مصادر العيش، وفقدان المعيلين، ثم عملـيات تهجير أكثر من مليوني نسمة من بيوتهم في داخل سوريا، ونصف مليون خارجها، إضافة الى أن البطالة والغلاء، عوامل تؤدي الى زيادة الفقر والبؤس.

وباستثناء التطورات الداخلية في مساراتها الثلاثة السابقة، فإن تطــورات خارجية تمثل مساراً رابعاً، أدت الى تزايد التردي في الواقع الاقتصادي لسوريا في ظل الازمة الراهــنة، والاهم في هذه التطورات الخارجيــة أمران، أولهــما توقف معظــم المشاريــع التي كانت تمولها وتنفذها جهات دولية في سوريا، كما هو حال مشاريع الامم المتحدة ومنظماتها ومشــاريع الاتحاد الاوروبي، وبعض هذه المشــاريع كــانت له مساهمة ملموسة في تنشيــط جوانب من الحياة السورية، والامر الثاني، تمثله العقوبات التي فرضتها جهات عدة، وشــملت عقــوبات مالية وتجــارية ومصــرفية، أثرت بصــورة سلبية على أداء قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري.

وبطبيعة الحــال، فــإن أجواء الازمة، والــقلق من احتــمالات تطورها، أديـا الى فقدان ثقة بالنظام القائم، وبالمؤسسات السـورية، وتخوف مما يمكن ان يؤول اليه واقع الاستثــمار في البلاد، وكله أدى الى سحب كثير من الاستثــمارات العربية والاجنبية الموجودة في البلد، وامتناع الراغبين بالاستثمار في سوريا عن تنفـيذ استثماراته وسحب أموالهم منها الى أماكن أكثر أمناً وأماناً.

خلاصة الامر، ان واقع الاقتصاد السوري ببيئته وقطاعاته المختلفة وبمتمماته كلها، يسير في منحدر نحو الانهيار الشامل، والسبب الرئيس لهذا المسار، يمثله توجه النظام نحو حل عسكري ـ أمني لأزمة سوريا السياسية الاقتصادية والاجتماعية، كان ينبغي أن يكون لها حل ومعالجة سياسية. ولا شك بأن أي بداية لمعالجة الوضع الاقتصادي في سوريا، تبدأ من وقـف الاعمال الامنية العسكرية الجاري تنفيذها، والتوجه الى عمل سياسي يفتح الباب أمام معالجة الازمة وإجراء تحول سلمي نحو نظام ديموقراطي يوفر الحرية والكرامة والعدالة والمساواة للسوريين.

كاتب سياسي ـ سوريا

=================

أوهام "الإخوان" ووعودهم الغامضة

المشكلة في النفوس أم في النصوص؟

ميشيل كيلو

السفير

28-7-2012

رغم تجربة مصر مع الاخوان المسلمين، التي بدأت بوعود ليبرالية جدا لم يلبث هؤلاء أن رفضوا الالتزام بأي وعد منها، بعد فوزهم في الانتخابات التشريعية. ورغم ما أثاره تنكرهم لوعودهم من استياء في الشارع الشعبي المصري، يلمسه المرء بمجرد أن يتحدث مع أي مواطن مصري. ورغم الأثر البالغ السلبية الذي تركه سلوكهم على مصداقية الاخوان المسلمين في كل مكان من عالمنا العربي، وخاصة في سوريا، حيث يعتقد قطاع واسع من مواطني ما يسمونها الأقليات ومن المسلمين الليبراليين أن الاخوان لن يلتزموا في بلادنا أيضا بما يقطعونه على أنفسهم من عهود ومواثيق ويغدقونه علينا من وعود سخية، فقد سررت كثيرا بما أسماه الاخوان المسلمون السوريون «عهدا وميثاقا»، وامتدحته في مقالة كتبتها حول التغيير الحاصل في مواقفهم ونظراتهم، الذي رددته إلى تغير أحوال الكون ورغبتهم في مجاراته إسلاميا ووطنيا.

لكنني، وبكل صراحة، بدأت أشك في صحة نظرتي وموقفي بعد ما وقع في «ورشة عمل البحر الميت حول المواطنة والدولة الديموقراطية / المدنية في سوريا»: فبعد ساعة من الاستماع إلى ما قاله المنتدون، لفت أنظارهم إلى أن واقع الحراك في سوريا ليس وردياً، وأن إصلاحه سيقلل عذابات الشعب وسيأخذنا إلى نظام ديموقراطي بديل لن يكون خلواً من المشكلات، لأن أي بناء ديموقراطي سيبدأ من حيث انتهى الاستبداد، وسيحمل بالضرورة بعض عيوبه، ولن ينجح في التخلص منها بل يكون عرضة للانتكاس إن لم يتصدَّ لها بعقلية وممارسة ووسائل ديموقراطية. وأردفت: إلى أن نصل إلى هذه المرحلة ونعالج مشكلاتها، دعونا نفعل شيئا من اثنين: التفكير بجدية في سبل بلوغ الديموقراطية، وبالتالي سبل التخلص من النظام، أو في المشكلات التي سيتركها الاستبداد لنا والحلول الممكنة لها، لأننا في هاتين الحالتين فقط نعالج مشكلات واقعية، وإلا فإن أحاديثنا حول الدولة الديموقراطية / المدنية ستكون من طبيعة محض كلاميـة، ولن تكون ذات قيمة: أولا لأنها تعالج واقعا افتراضــيا لن نصل إليه إذا لم يذهب النظام، وثانيا لأن من غير الجـائز القفز على واقعنا القاسي إلى بديل وردي لا وجــود له في حياتنا، وتضييع جهودنا في الكلام علـيه، بينما تمس حاجتنا إلى التصدي للمشــكلات التي نعاني منها الأمرين اليوم. بعد أن شرحت ما جرى على الأرض خلال عام الثورة الأول، وحللته وفكــكته، اقـترحت إصدار بيان عن اللقاء يتضمن أسسا محددة لتطبيع العلاقات بين أطراف المعارضة، هي ضرب من مدونة أخلاقية تحتوي مضامين سياسية واضحة، إلى جانب إرسال رسالة إلى الأمين العام للجامعة العربية تدعم اقتراحا كان المنبر الديموقراطي السوري قد قدمه إليه في لقاء معه، يقوم على حوار وطني بين أطراف المعارضة مادته ميثاق المجلس الوطني السوري، الذي أقر في اسطنبول، والانطلاق مما يتفق عليه بين هذه الأطراف لتحديد موقف موحد من مهمة كوفي أنان يركز على ضرورة بقاء الموقف الدولي موحدا وراءها، ويرسم صورة تفصيلية للمرحلة الانتقالية، وسبل دعم الحراك الشعبي السلمي.

حظي الاقتراح بحماسة كل من في الورشة، بمن في ذلك الاستاذ علي صدر الدين البيانوني، كبير جماعة الاخوان المسلمين السورية فيها، الذي عبر عن تأييده له بكلمات واضحة وعلنية سمعها كل من كان في القاعة، تم بعدها تكليفي بصياغة نص ما أسماه المنتدون «مبادرتي»، على أن تتم مناقشتها في بداية جلسة اليوم التالي المكرسة لمسألة «الدولة والدين «. في اليوم التالي، جاء من يخبرني أن الأستاذ البيانوني غيّر رأيه بعد مشاروات هاتفية أجراها ليلا مع جهة ما، وأنه لن يوافق على مناقشة الاقتراح، لأنه صار يرى فيه محاولة للالتفاف على ميثاق المجلس الوطني السوري. ذهبت إلى الأستاذ، الذي تجمعني به معرفة قديمة، كي أستطلع موقفه، فقال إن اللقاء لا يجوز أن يكون معنيا بأمر كالذي اقترحه، لأنه ليس بين موضوعاته، وأنه لا مجال لمناقشته أو للموافقة عليه، وإن كان موافقا على تشكيل لجنة يصدر عنها بيان حول موضوعــات الندوة. ذكّرته بأن اللقاء يستطيع إصدار مواقف تتصل بشؤون وشجون لم يتم بحثها فيه، إن وافق الحاضرون على خطوة كهذه، فكرر رفضه، رغم أنني كنت قد صغت نص البيان بعد موافقة المنتدين الإجماعية بالامس، بينما قام المركز بطباعته وتوزيعه وإيصال نسخة منه إلى الاستاذ البيانوني، الذي أخبر من أعطاه إياه أنه قرأه لكنه لن يوافق على إقراره. في هذه الأثناء تبدل موقف الاخوان المسلمين في القاعة وانقلب إلى تحفظ وصمت وشوشرة.

لم يناقش النص في بداية الجلسة الصباحية، كما تقرر بالامس دون أي اعتراض من أي منتد، ونقل النقاش حوله إلى نهايتها. خلال الجلسة، قال الأستاذ البيانوني إن جماعته منفتحة العقل على أي تعديل أو اقتراح يطاول نص «العهدة الوطنية»، الذي كانت قد أصدرته قبل يوم من وصول الدعوة التركية /القطرية إلى توقيع ميثاق المجلس الوطني السوري في مكة العرب والمسلمين الجديدة: اسطنبول. تقدم بعض الحاضرين بتعديلات على النص الاخواني، تركز معظمها على فقرة تقول في وصف الدولة التي يعد الاخوان بإقامتها: «دولة مواطنة ومساواة: يتساوى فيها المواطنون جميعا على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، تقوم على مبدأ المواطنة التي هي مناط الحقوق والواجبات، يحق لأي مواطن فيها الوصول إلى أعلى المناصب، استنادا إلى قاعدتي الانتخاب أو الكفاءة. كما يتساوى فيها الرجال والنساء في الكرامة الإنسانية والأهلية، وتتمتع المرأة فيها بحقوقها الكاملة». اقترحت أن يلي كلمة أي مواطن من النص إضافة أو مواطنة، وأن يحذف من النص الكلام الذي يلي جملة: «يتساوى فيها الرجال والنساء... إلى آخره» بسبب غموضه والتباسه. لم يعلق «الأستاذ» على الاقتراح قبولا أو رفضا، مع أنه تفاعل بإيجابية مع الاقتراحات التي أبداها الآخرون. من جانبي لم أفهم الأمر بصورة شخصية، وفكرت بأن الأستاذ ربما كان يتبنى موقفا لا يرفض مساواة المرأة بالرجل. في جميع الأحوال، لفت نظري أن النص الذي قدم لنا في اللقاء لم يتضمن فقرة تقول إن العهدة الوطنية ترى ما تقوله وتعد به «من منظور إسلامي». حين قرأت هذا الكلام للمرة الأولى، تذكرت دعوة إخوان مصر إلى إقامة دولة مدنية وتنكرهم لها بزعم أن مرجعيتها هي الشريعة الإسلامية، فكان في قولهم هذا نفيا تاما لمدنية الدولة، بل للدولة ذاتها. هذه المرة، تساءلت إن كان حذف الفقرة من النص يعني حذفها من عقول الاخوان ونفوسهم، أم اننا أمام تذاك سياسي يريد الالتفاف على مسألة ينسف إيرادها في العهدة كل ما تضمنته ووعدت به من ديموقراطية ودولة مدنية وحقوق وحريات... الخ. هل حذف الاخوان الكلام من النص وأبقوه في عقولهم ونفوسهم، أم ـ وهذا هو الأهم ـ حذفوه منها ايضا؟ بصراحة: صرت أشك في أنهم فعلوا هذا، والدليل حديث السيد البيانوني عن ميثاق المجلس الوطني السوري، الذي قال إنه ليس عضواً فيه، لكنه منع إصدار نص يقول في مادته الأولى: لن تكون مواقفنا وآراؤنا نقاط فصل ومتاريس تفصل بيننا، ولا بد أن نجعل منها نقاط تواصل وتفاعل وتكامل بيننا»، وتعد مادة أخرى منه: «بالمحافظة على سلمية الثورة والعمل على إخضاع السلاح لمواقف سياسية موحدة بدل إخضاع مصير الحراك للسلاح». وتلزم مادته الأخيرة «بعدم انفراد أحد من المعارضة بحوار أو تفاوض مع النظام... الخ». هذا الكلام رُفض بحجة وجود ميثاق «المجلس»، كأننا وضعنا قرآنا جديدا لا يجوز بعده أي كلام عن أي شيء يتصل بالمعارضة وسلوكها وعلاقاتها. في جلسة الظهر، التي طرحت فيها مسألة «المبادرة»، قال الاستاذ البيانوني إنها لم تصله ولم يقرأها، وإنها لم تطرح للحوار، بينما انتقد شخص من جماعته بندا منها يتعلق بالتدخل العسكري الخارجي قال إنه يتضمن اتهاما مبطنا «للجماعة» و«المجلس». رددت بأن النص سيناقش إن كان هناك موافقة على مناقشته، وسيعدل ويبدل بالقدر الذي يتوافق عليه المنتدون، فهو ليس نصا مقدسا أو نهائيا. لكن «الأستاذ» وجماعته ذكرونا بالحجة الثانية، وهي أن إصدار نص كهذا ليس من موضوعات الندوة ولم يكن مقررا بالأصل، علما أنهم رفضوا إصدار بيان عام عن أعمالها في اللجنة التي شكلت لهذا الغرض، ربما لأن مدير المركز والندوة اقترح التوفيق بين النص وما سيقال حول أعمال الندوة في البيان الختامي الذي سيتم التوافق عليه.

ثمة في النهاية مسألتان لا بد من التعريج عليهما: اولاهما أنه تم باسم نهائية نص «الميثاق» الاعتراض على إصدار بيان يتضمن بعض بنود مدونة أخلاقية ذات مضامين سياسية حول عمل المعارضة وعلاقات أطرافها. فهل صار علينا ان نرى في «الميثاق» نصا مقدسا لا يحق لنا قول أو عمل أي شيء خارجه، أو الاعتراض عليه وانتقاده واقتراح بدائل له أو تعديلات عليه، وهل علينا اعتباره نصا يضم علوم الأولين والآخرين، لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه؟ وثانيتهما أنه عندما كان يتم الحديث في الندوة حول أية قضية كان الأستاذ البيانوني يذكره بنص إخواني ما حولها، كأن نصوص «الإخوان» مقدسة بدورها وتتضمن حلولا لجميع مشكلاتنا النظرية والعملية، فهذا نص صدر عام 2001 وذاك عام 2004، وما لم تتضمنه تلك النصوص موجود اليوم في «العهدة الوطنية». .. الخ. حدث هذا عند مناقشة أية نقطة وأي موضوع، فالإخوان المسلمون السوريون لديهم اليوم إجابات شافية وافية عن أي سؤال طرحه أو قد يطرحه الواقع العملي والنظري اليوم وغدا وإلى أبد الدهر. لقد فكروا عنا إلى الحد الذي يبيح لهم مصادرة حقنا في عقولنا، فإذا ما أضفنا إلى ما تقدم رفض ما اقترحته لأن السيد البيانوني، الذي ليس عضواً في «المجلس الوطني»، وجد من يذكره في محادثة الليل الهاتفية مع عضو ما في «المجلس» بأن الجماعة لا يجوز أن توقع وثيقة يقترحها طرف خارجها، وأن على غير المجلسيين أن يروا في الموافقة على ميثاقه موافقة على الانتساب إليه وليس فقط على الأسس التي يتضمنها، عرفنا أي مصير شمولي السمات والصفات ينتظرنا، إن هم انتصروا في معركتهم على السلطة، التي يبدو بجلاء أنها معركة ضد بقية أطراف المعارضة أيضا. يتوهم «الاخوان» أن لديهم كل ما يلزم سوريا على صعيد المبادئ والسياسات، وأنه لا يوجد حتى في عالم الاحتمالات النظرية والعملية ما يمكنه أن يكون خارج متناول عقلهم النظري والعملي، والدليل عهدتهم الوطنية والميثاق التركي / القطري، الذي يمثل نقطة فصل بين زمنين وتاريخين في العمل السياسي السوري، يحول بينهم وبين قبول أي اقتراح يقدمه غيرهم، بعد أن وضعوا يدهم على أجزاء متفرقة من الحراك الداخلي وبعض المسلحين، وزادوا فرصهم في الانفراد بالساحتين الداخلية والخارجية؟

هل يعتقد الاخوة في «الجماعة» أن بوسعهم تغطية حساباتهم العملية بوعود فضفاضة يتسم كثير منها بالغموض «الخلاق»؟ وهل يظنون أن وعودهم تمنعنا من رؤية مواقفهم العملية، التي كشفت في ندوة البحر الميت كم تتناقض خياراتهم مع نصوصهم، وأفهمتنا أن ما يجب أن يغيروه كامن في النفوس وليس في النصوص، وأن نصوصهم لن تحجبه عن الأعين مهما كان تلفيقها متقنا!

كاتب سياسي ـ سوريا

=================

معركة حلب

علي حماده

2012-07-28

النهار

بين ساعة واخرى ستبدأ معركة حلب. نسميها معركة حلب لانها مفصلية وان لم تكن حاسمة على المدى الاقرب. مفصلية لأنها ستحدد ما اذا كان ممكناً في هذه المرحلة رسم حدود لمنطقة عازلة تمتد بين حدود تركيا شمالا وحدود محافظة حماه جنوبا، محافظة ادلب غربا، وتكون مدينة حلب الاكثر كثافة من بين المدن السورية قلبها تماما كمدينة بنغازي الليبية التي شكلت اول منطقة عازلة في الاسابيع الاولى من الثورة. ومفصلية لأنها ستشكل نطاقا جغرافيا واسعا يقدر بربع مساحة سوريا خالياً من سيطرة نظام بشار الاسد، ويمتلك تواصلا مباشرا مع الخارج الداعم للثورة السورية، الذي يمكن ان يمنح "الجيش السوري الحر" امدادات بيسر اكبر، فضلا عن ان المساعدات الانسانية التي يمكن لها ان تعبر مباشرة الى قلب سوريا. ومفصليتها ثالثا لأن حلب هي ثاني مدن سوريا الكبرى، والعاصمة الاقتصادية وصاحبة تاريخ عريق قد تكون الارض التي عليها ستقف الحكومة الانتقالية المقبلة وبيدها شرعية الارض. ومفصليتها رابعا لأنها ستحصل من دون تدخل خارجي مباشر وبأيد سورية على عكس ما حصل في ليبيا.

نقول ان معركة حلب مفصلية لانها قد تؤسس اذا كسبها الجيش الحر لمرحلة جديدة تقرب النظام من نهايته المحتومة. ولا نقول حاسمة لان حلب تحت سيطرة الجيش الحر لا تعني ان قوات بشار اندحرت في كل مكان، وبالعكس اذا ما استعادت الاخيرة السيطرة على المدينة فإن ذلك لا يعني بالضرورة اندحار الجيش الحر والثورة. فريق حلب تستحيل السيطرة عليه على اعتبار ان النظام ما عاد يمتلك ما يكفي من القوات لنشرها في كل مكان. وهذا ما يفسر اضطراره الى سحب وحدات مقاتلة من ادلب وحماه وغيرهما لحشدها تمهيدا لمعركة حلب. لقد بين استيلاء الجيش على مناطق واسعة من مدينة حلب ان جيش بشار لا يسيطر الا بالقوة النارية وبكثافتها، لكنه غير قادر على السيطرة الميدانية في كل مكان.

لقد استعاد بشار السيطرة على احياء ثائرة في قلب دمشق، ولم تسقط العاصمة كما خيل لبعض المتحمسين. في المقابل يجوز القول ان السيطرة على العاصمة ليس ميسرا، والجيش الحر الذي انسحب سيعود عاجلا ام آجلا لخوض معركة دمشق. فهو راسخ في معظم ريف دمشق، اي انه يشكل حزاما ثوريا حول العاصمة.

لقد سمعت كلاما في باريس مفاده ان الثوار استعجلوا بفتح معركة وبالتالي خسروها. ويقولون ان هذا الامر سيتكرر في حلب ايضا. وردي ان التجربة علمتنا ان ما من معركة فتحها الثوار ضد نظام في منطقة ما إلا وغيرت المشهد السوري في غير صالح النظام. حصل هذا في كل مكان وإلا لما خرجت الثورة من درعا في آذار ٢٠١١ لتنتشر اليوم في كل انحاء سوريا من اقصاها الى اقصاها، ولما وصلنا الى مرحلة صارت فيها "العاصمتان" دمشق وحلب في قلب المعركة لاسقاط النظام.

=================

سوريا والعراق حرب واحدة

سميح صعب

2012-07-28

النهار

هل باتت سوريا والعراق جزءاً من حرب واحدة تستهدف البلدين؟ هكذا توحي على الاقل عودة التفجيرات بقوة الى الساحة العراقية لتتحد أرضا سوريا والعراق بالنار وبالاستهداف، ولتتحول الاحداث السورية تتمة للحرب العراقية أياً يكن من يحكم هذا البلد او ذاك. 

وثمة سؤال ملح  يتلخص بالآتي: هل كانت الحرب ستتجدد في العراق لو ان رئيس الوزراء نوري المالكي ارتضى ان يلعب الدور الذي يلعبه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في توفير بيئة آمنة للمعارضة السورية وتسليحها وتدريبها كي تشن عمليات في الاراضي السورية؟

أم ان العراق كان معرضاً في كل الاحوال لتجدد الهجمات أياً يكن الدور الذي سيؤديه؟ تاريخياً، يشكّل البلدان وحدة جغرافية - سياسية – اقتصادية وكل منهما عمق للآخر، لكن النظامين السياسيين في كل من دمشق وبغداد لم يكونا على الموجة ذاتها حتى في ايام حكم حزب البعث في كلتا الدولتين.

بيد أن الخارج ينظر الى سوريا والعراق بصفتهما وحدة جغرافية وفي موقع جيوسياسي واحد اليوم اكثر من اي وقت مضى. لذا ربما لا يعود مستغرباً ألا يقبل المالكي بأن يلعب دوراً مماثلاً لدور اردوغان، وان يتخذ موقفاً مغايراً لمواقف بقية الدول العربية.

وكثر من المسؤولين الاميركيين استغربوا بعد الاجتياح الاميركي للعراق ألا يسقط النظام في سوريا. واعتبر هؤلاء بعد اشتداد المقاومة للاحتلال الاميركي للعراق ان ذلك كان نتيجة "الخطأ" الذي ارتكبته الولايات المتحدة بعدم مسارعتها الى اطاحة النظام السوري بعد اجتياحها للعراق، باعتبار ان هذا النظام كان سنداً للمقاومة في العراق. فهل استهداف النظام السوري اليوم سياسة اميركية بمفعول رجعي؟

ولئلا يشكل العراق سنداً لسوريا في محنتها، تجددت الحرب على العراقيين، وكان في امكان تنظيم "القاعدة" ان يعلن عودته الى العراق مستفيداً من ارتفاع حرارة التوتر المذهبي بين السنة والشيعة على خلفية الازمة السورية.

واليوم تدور رحى حرب في سوريا لن يكون في وسع أي بلد مجاور ان ينأى بنفسه عن التورط فيها شأنها في ذلك شأن الحرب التي دارت في لبنان. ومن هذا الجوار من ينأى بنفسه كي لا يتورط مثل لبنان والاردن والعراق، ومنهم من يحاول التورط كي ينأى بنفسه عن هذه الحرب ومفاعيلها مثل تركيا واسرائيل. وليس مصادفة ان يكثر الحديث الاسرائيلي عن الحرب واطلاق التهديدات اذا وجدت تل أبيب ان مصالحها الامنية مهددة. وتركيا هي أيضاً تهدد بالتدخل اذا ما رأت ان مصالحها العليا مهددة.

ويبقى لبنان والاردن العراق هي الدول التي تريد أن تنأى بالنفس بدرجات مختلفة، لكن اللافت اكثر بين الحالات الثلاث ان الحرب تلاحق العراق من غير ان يسعى اليها.

=================

"مجزرة حلب" والمباشرة بتقسيم سوريا!

راجح الخوري

2012-07-28

النهار

كل الانظار متجهة الى حلب ولكن على طريقة "يا حصرماً..." أو بالأحرى "يا دماً سورياً يفيض في حلب"، يأتي ذلك مع الغارات الجوية والحشود الآلية التي يستقدمها النظام لاقتحام عاصمة البلاد الاقتصادية في معركة يقول إنها حاسمة وهو وصف يتطابق مع تصريحات "الجيش السوري الحر".

في كلام أوضح تبدو سوريا بعد 17 شهراً من المذابح متروكة لمصيرها المرعب: نظام لا يقدر على استعادة السيطرة فيمضي في سياسة الأرض الدموية المحروقة بحراسة من روسيا والصين وإيران، ومعارضة لم تتمكن من السيطرة فتمضي في القتال المتدحرج، الذي يزداد شراسة مع ارتفاع جنوني في أعداد الضحايا بعدما تجاوز عدد القتلى يومياً المئتين.

كل العالم باستثناء روسيا يتخوف من مجزرة في حلب، لكن أميركا وما يسمى الشرعية الدولية والأمم المتحدة أشبه بتمساح كبير يواصل ذرف الدموع على السوريين ويضحك في عبّه مكرراً نظرية واشنطن: "دعوا الروس يشنقون أنفسهم بحبال بشار الأسد، دعوهم يتحملون مسؤولية تقسيم سوريا". وهكذا لم تعد السيدة هيلاري كلينتون تتراشق بالتصريحات مع سيرغي لافروف وزير خارجية سوريا بالوكالة، بل تركت المهمة للسيدة فيكتوريا نولاند تلك التي لا يطيقها لافروف وقد خصّها بالانتقاد (وأسعدها طبعاً)، عندما قال ان تعليقها على تفجير دمشق "تبرير مباشر للإرهاب وأنه موقف رهيب أعجز عن إيجاد الكلمات لوصفه"، هذا في وقت تسيل أنهر الدم السوري بالأسلحة والقذائف الروسية وتستمر سماجة موسكو في المراهنة السخيفة على مهمة كوفي أنان الميتة.

إن التأمل في التصريحات الدولية عن الخوف من "مذبحة حلب" وقد جاءت تحديداً من نولاند ومن الوجه السعيد بان كي - مون وكذلك من المتأنق لوران فابيوس، يذكّرنا ببيانات الانقلابات العسكرية العربية: "سيروا ونحن من ورائكم، موتوا ونحن نرثيكم"، أوَلم تقل نولاند: "هناك تصعيد خطير، غارات جوية وأرتال من الدبابات تتجه الى حلب، ويقلقنا احتمال حدوث مجزرة جديدة... إن قلوبنا مع أهل حلب وإننا لا نتوقع تدخلاً عسكرياً خارج تفويض مجلس الأمن"؟

بلى قالت هذا ولكن في سياق زكزكة لافروف وتحميل روسيا المسؤولية السياسية والأخلاقية عن المذابح المتنقلة في سوريا.

نقطة التحوّل الآن، أنه من خلال البيانات الأميركية والتركية أول من أمس يمكن الجزم تقريباً بأن معركة حلب أو مجزرة حلب ستفتح الأبواب حتماً على إقامة المنطقة العازلة، عبر تقدّم الجيش التركي للسيطرة على المحافظات السورية الكردية الخمس، التي تعمّد النظام الانسحاب منها وتسليمها الى "حزب العمال الكردستاني" ربما استعجالاً منه لإطلاق شياطين التقسيم، والتي تراهن واشنطن على جعلها "بنغازي سورية" تغيّر دينامية المواجهة وتفضي الى جعل التقسيم مطلباً إجماعياً!

=================

ملاذ الأسد الأخير

منار الرشواني

الغد الاردنية

28-7-2012

لم يكن يوماً سراً امتلاك سورية لأسلحة كيماوية وبيولوجية. لكن، هل يستطيع نظام بشار الأسد استخدام هذه الأسلحة ضد الثوار أو دول الجوار، كما لوح بخفة ملفتة الناطق باسم الخارجية السورية جهاد مقدسي، قبل أيام؟

بالنسبة لنظام يقاتل فقط لأجل بقائه ومكتسباته، يبدو الإقدام على ارتكاب هكذا جريمة، ضد الشعب السوري خصوصاً، خياراً ممكناً بل ومنطقيا بحسابات عقلية إجرامية. لكن الحقيقة أن مثل هذا الخيار يظل بعيد الاحتمال، تحت كل ظروف، بسبب روسيا وإيران تحديداً، اللتين تتحكمان اليوم بمصير الأسد والمحيطين به. ذلك أن استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية من قبل الأسد، سيعني تالياً انعداما تاماً لإمكانية تصديق رواية إيران الرسمية بشأن "الاستخدام السلمي" لقدراتها النووية محل الجدل العالمي، وبما يعرض البرنامج النووي الإيراني، بالنتيجة، إلى انكشاف جديد غير مسبوق. فهل يعقل أن تقبل إيران دفع ثمن "خيار شمشون" الذي قد يلجأ إليه الأسد؟!

ربما يبدو ذلك ممكناً في حال تمكن القناعة من المسؤولين الإيرانيين بأنهم وبرنامجهم النووي ليسوا إلا الهدف الثاني بعد بشار الأسد وبطانته، وأن إطلاق العنان لوحشيته إلى أقصى حدود لن يضير إيران أكثر مما هو قادم حتماً، إن لم ينفعها. لكن في مواجهة هذا السيناريو الذي يبدو بالمنطق شديد البعد عن التحقق أيضا، تبرز مصلحة روسيا المفترضة في رفض تحملها مسؤولية استخدام حليفها أسلحة محرمة دولياً.

بالنسبة لنظام فاقد لزمام أمره وقراره داخلياً وخارجياً، فإنه يعرف صراحة لا ضمناً كل ما سبق. لكنه مع ذلك لم يكن يلوح بالسلاح الكيماوي إلا بوعي تام، وذلك بهدف تأمين ملاذه الأخير، الذي لم يعد سوى التدخل الخارجي؛ سواء أكان أميركياً غربياً أو إسرائيلياً. ورغم أن هذا التدخل لن يكون لأجل الثورة السورية المطالبة بالحرية والكرامة، وإنما لتأمين مخزون الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، ومنع وصولها إلى حزب الله أو حركات إسلامية متطرفة أو إرهابية، إلا أنه تدخل سيخدم دعاوى نظام الأسد ومناصريه بأن ما يجري في سورية منذ عام ونصف العام ليس سببه الاستبداد والفساد والإفقار الذي مارسه بحق الشعب ويعرفه الجميع، بل هو "المؤامرة الكونية"، والمراهنة على اندلاع حرب إقليمية تحفظ له مكاسبه!

منذ إسقاط الطائرة التركية قبالة الشواطئ السورية الشهر الماضي، برز أحد تفسيرات الكفاءة السورية المفاجئة، في مقابل عطالة كاملة في وجه الخروقات الإسرائيلية السابقة في عمق سورية، بأنه الرغبة في جر تركيا إلى حرب مع سورية. ومع تحذير رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، من تمكين حزب العمال الكردستاني من مناطق في شمال سورية، إضافة إلى الاشتباك المحدود على الحدود الأردنية السورية، يكاد يغدو يقيناً أن التدخل الخارجي بات ملاذ نظام بشار ومطلبه، لا مطلب فئات من المعارضة. وأهم من ذلك، أن "الرئيس" لم يعد يكتفي بتدمير سورية، بل يريد إجبار المنطقة كاملة على دفع ثمن خطاياه وخطايا والده بحق الشعب السوري. ومن ثم، يكون صحيحاً تماماً أن نهاية هذا النظام باتت مصلحة للمنطقة وشعوبها كافة، بل وخيارها الوحيد في مواجهة الأزمة السورية.

manar.rachwani@alghad.jo

=================

أين الأسـد؟! * عريب الرنتاوي

الدستور

28-7-2012

ما الذي ينتظره الرئيس السوري بشار الأسد حتى يخرج على شعبه ببيان حقائق ومواقف مما يجري في طول البلاد وعرضها؟...لقد دارت معارك طاحنة في قلب عاصمة “ملكه السعيد” وعلى أطرافها من دون أن ينبس ببنت شفة...فَقَدَ نصف “الكبار” من قادة أجهزته الأمنية والعسكرية في ضربة واحدة وآثر الاختفاء....شهد “أم المعارك” تدور في ثاني أكبر مدن سوريا، بل وعاصمتها الاقتصادية من دون أن نسمع له صوت...معابر البلاد الدولية تكاد تكون مغلقة أو معطلة أو خاضعة لسيطرة “العصابات المسلحة”، ولم نر له صورة...لم يبق لدى “بلاطه” سلك دبلوماسي معتمد، أربعين بالمائة من مساحة البلاد تتحول إلى مناطق آمنة أو شبه آمنة، خارج نطاق قبضته وسيطرته من دون أن ينبئ عن خطوته التالية...ضحايا الأحداث شارفوا على العشرين ألفاً، وأضعاف أضعافهم من الجرحة والمشردين، وثمة ما يقرب من مليوني مهجرين داخل بلدهم أو خارجها وإعلامه يبث التقارير اليومية عن الطعام والغذاء وإفطارات رمضان الصحية وعالم الحقائب النسائية شديدة الغنى والتنوع.

ما الذي ينتظره الأسد بعد كل هذا وذاك وتلك من التطورات، لكي يُطل علينا بـ”خطاب للأمة” يقول فيه ما يشاء وكيفما يشاء...نحن في الحقيقة لا نعرف ما الذي يفعله الأسد وكيف يقضي نهاراته ومساءاته...وهل مخاطبة الرأي العام السوري أمرٌ بالغ التفاهة وقليل الأهمية إلى هذا الحد؟...ماذا لديه أكثر من إنشغالات تمنعه من الشروع في إلقاء خطاب من مطولاته المعهودة.

جميع المراقبين ينتظرون باهتمام بالغ رؤية الأسد بعد كل هذه التطورات...جميع المعنيين يتساءلون عن سر غياب الرجل أو تغييبه...لكنه لا يفعل، بل ويكتفي إعلامه ببث لقطات برتوكولية سريعة، خالية من أية ملامح أو تعبير، خلال استقباله وزير دفاعه ورئيس هيئة أركانه الجديدين.

ثمة من يقول أن الأسد يخضع لإجراءات أمنية مشددة، بالذات منذ تفجيرات الأربعاء الدامي في مكتب الأمن القومي...حسناً، ولكن الرجل لم يُطِل قبل التفجيرات، والتفجيرات على دقتها وأهمية التريبات التي مهدت لها وجعلتها ممكنة ، لا يمكن أن تكون تفسيراً مقنعاً لهذا الغياب....كثير من القادة والزعماء ظهروا في خطابات مباشرة لشعوبهم في ذورة الثورات والحروب والحصارات، فلماذا لا يتعظ الأسد من تجربة هؤلاء العظام.

ويقول قائل، أن معنويات الأسد في الحضيض، وأنه في وضع نفسي لا يمكنه من الظهور على الملأ بمظهر المهزوز والمأزوم، وهو ما سيثير الراحة في نفوس معارضيه وخصومه، الذين سيرون في ذلك مؤشراً دالّلاً على قرب الرحيل...أين الأسد، في دمشق أم في “ملاذه الآمن” بين الساحل والجبل، كما تقول روايات لم تؤكدها مصادر رسمية موثوقة بعد.

ما حاجة الشعب للقائد، إن لم يظهر في صفوفه في لحظات الأزمة والتأزم...لست معجباً بصدام حسين، ولكن من منّا لم يُمس بظهوره المفاجئ في أحد شوارع بغداد بعد أن سقطت في أيدي الأمريكيين، ودعوته لشعبه لمقاومة الاحتلالين الأمريكي والإيراني لبلاده...من يستطيع أن ينسى مؤتمرات ياسر عرفات الصحفية في قلب بيروت الاحتلال والحصار ولاحقاً من تحت أشلاء “المقاطعة” المهدّمة فوق رأسه في رام الله...مَنْ مِن خصوم عرفات وأنصاره من نسي كلماته المدوّية في الآذان: “شهيداً...شهيداً..شهيدا”.

بئس “الدواعي الأمنية” التي تحول بين القائد وشعبه، خصوصاً في لحظات الشدة والتأزم...من ذا الذي سيكون بمقدوره أن يرفع من معنويات الشعب والجيش السوريين، إذا كانت معنويات قائده قد اهتزت تماما....وكيف يمكن ترميم صورة الرئيس وهو الذي لم نعد نرى له “صورة” تبعث على رفع المعنويات وشد الأزر والعصب....المخاطرة والمجازفة، جزء لا يتجزأ من “القيادة”، والقيادة التي لا تخاطر، لا يمكن ان يظل لمواعظها وإرشاداتها، أي تأثير يذكر، سيما من النوع “المدرسي” كتلك التي عوّدنا عليها الرئيس السوري.

نحن في “الهزيع الأخير” من عمر الأزمة السورية...كل يوم يمضي على هذه الأزمة، تزداد ثقة فئات وشخصيات سورية ودولية جديدة باقتراب لحظة التغيير في بلادهم، وينضم ناشطون ومسؤولون وقادة أمنيون ونواب ودبلوماسيون، إلى جانب قطاعات متزايدة من الرأي العام السوري إلى صفوف الثورة والمعارضة.

نحن في أيام الحسم والحسوم، وقبل نهاية شهر الصوم، سوف تنجلي غبار المعارك وتكشف عمّا يجري خلفها وتحت غطائها السميك، وسنعرف ما إذا كان “الرحيل” قد بات وشيكاً، وأن أيامه معدودة، أم أن “أم المعارك” لم تأت بعد، وأن قطار التغيير ما زالت تنتظره محطات عديدة قبل أن يصل إلى محطته الأخيرة.

غريب أمر قادة النظام السوري، فقد لاذوا بصمت القبور، وتركوا الحديث لفوهات المدافع والدبابات وجهاد المقدسي، مع أن الفضاء من فوقهم وتحتهم ومن حولهم، ملبّد بالأخبار والحقائق والأكاذيب والحروب النفسية والضخ الإعلامي والسياسي، وبعشرات (إن لم نقل مئات) الشخصيات السورية والعربية والإقليمية والدولية، التي لا همّ لها سوى الحديث و”الإفتاء” في الشأن السوري والتنبؤ بمآلاته...أين المعلم وليد، وأين الشرع فاروق، وأين إيديولوجيو البعث، أين أركان الدولة وقادة جحافلها الإعلامية...نحن لا نرى أحداً، وأنا أزعم أنني من متابعي الإعلام السوري ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

ولولا نفر قليل من داخل سوريا (بضعة أسماء)، وعشرات المنافحين عن النظام من أصدقائه اللبنانيين، لما عرفنا ما الذي يدور في خلد النظام، وكيف يقرأ سير المعارك وما هي تنبوءاته للمرحلة المقبلة...هذا إن كان هؤلاء ينطقون بأمانه عمّا يدور في خلد النظام وروعه.

أين الأسد؟...سؤال ينتظر الإجابة، التي نبدو بشوق بالغ للاستماع إليها، صورة وصوت، وليس عبر البيانات “المصاغة” و”المرتجلة” والتي غالباً ما توفر “الذخائر المطلوبة” لماكينة الدعاية المضادة للنظام التي تعمل على مدار الساعة، وبكل مكر وخبث المعهودين عن بعض دوائر صنع القرار العربي/ الإقليمي/ والدولي.

التاريخ : 28-07-2012

=================

عندما يحاول عنان' قضم' الثورة السورية!

د. عبدالله تركماني

2012-07-27

القدس العربي 

في الوقت الذي تواصل فيه سلطة الأمر الواقع جرائمها، التي تأنف منها الوحوش، ضد الشعب السوري الثائر من أجل الحرية والكرامة، بطرق لم يعرف لها التاريخ الإنساني مثيلاً من قبل حكومة ضد شعبها، والتي شملت ذبح الأطفال بالسكاكين، وقصف البيوت على ساكنيها وحرقها، وهدم المساجد على المصلين وتدنيسها، وجرائم القتل الجماعي، وجرائم الاغتصاب، وغير ذلك مما وثّقته المنظمات الحقوقية وأكدته بعثة المراقبين الدوليين، لا يزال مجلس الأمن عاجزاً عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات تقضي بتوفير الحماية الدولية للمدنيين السوريين، مختبئاً وراء خطة عنان لتوفير ذرائع التعامي عن حمامات الدم السوري المتزايدة.

وفي المقابل فإنّ مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سورية كوفي عنان يحاول الهروب إلى الأمام، فبدلاً من إعلان فشله في إيقاف المذابح وحمامات الدم الجارية، يضع العربة أمام الحصان باقتراحه، في مؤتمر جنيف، الحوار بين سلطة الاستبداد والفساد لتشكيل حكومة انتقالية من النظام والمعارضة، بينما كانت المدن السورية تحت وابل من قصف مدفعية ومروحيات قوات الأسد.

والأنكى من ذلك أنه أعلن اتفاقه مع القاتل على 'خطة الأسد' التدريجية لـ'وقف إطلاق النار'، إذ قال للصحافيين بعد إجراء محادثات في طهران: إنّ الأسد 'اقترح وضع منهج تدريجي يبدأ من بعض المناطق التي شهدت أسوأ أعمال عنف في محاولة لاحتوائه فيها والبناء خطوة بخطوة على ذلك لإنهاء العنف في كافة أرجاء البلاد'. بما يشكل خرقاً لتفويضه ولخطة النقاط الست التي كان وضعها بنفسه وصادق عليها مجلس الأمن، والتي تنص على وقف فوري وشامل لإطلاق النار وخصوصاً من جانب القوات الحكومية، وسحب الجيش من المدن والمناطق الآهلة وإطلاق المعتقلين السياسيين والسماح بكل أشكال التعبير السلمي. ويصعب التصديق أنّ عنان لم يكتشف الخدعة في اقتراح القاتل وقف إطلاق النار أولاً في الجبهات الأكثر عنفاً، بما يريح قواته ويسمح لها بالقضاء على بؤر الثورة الأقل قوة واحدة تلو الأخرى.

وهكذا فإنّ المقاربة التي يعتمدها كوفي عنان لم تكن موفقة من زوايا متعددة، فالرجل أخطأ في التسليم بمنطق سلطة الأمر الواقع وخطتها لـ'وقف العنف'، في حين أنّ هذه المقاربة كفلت له انعكاساً خطيراً على مهمته: مجزرة 'التريمسة' تظهر أنّ التسليم لرأس هذه السلطة بأية خطة، يضع هذا الأخير عناصرها أو يساهم فيها، يعني أنّ الموفد الدولي تم خداعه، من خلال الموافقة العلنية على خطته ثم نسفها من تحت الطاولة كما جرى سابقاً.

لقد بات واضحاً للجميع أنّ مهمة عنان في سورية وصلت إلى طريق مسدود، وأنّ ما يطرحه من مبادرات ومساعٍ ومحاولات تصب في قنوات إطالة أمد القتل القائم. بل أنّ كل المؤشرات تدل على أنّ مهمته لم تكن أكثر من مرحلة لتقطيع الوقت، إذ لم يكن في الخطة ذاتها ما يشير إلى إمكانية استيلاد واقع جديد أو تطوير حالة أفضل، بل كانت إعلاناً عن أنّ العالم سيذهب باتجاه موازنة خياراته وقدراته، وحين الفراغ من كل ذلك تكون الحالة السورية قد استولدت صورة جديدة ومختلفة تقدم من خلالها نفسها للعالم، الذي ربما سيكون حينها قادراً على التعاطي مع الوضع الجديد، انطلاقاً من ترتيباته وحساباته.

إذ بدا واضحاً أنّ لعبة المراقبين الدوليين كانت غطاء لحاجة الدول الكبرى، بما فيها أصدقاء الشعب السوري، إلى مزيد من الوقت لإيجاد صيغة تخرج الأزمة السورية من النفق، إنها لعبة مددت فرص الصفقة الدولية، لكنها مددت معها معاناة السوريين.

ومن هنا لم يتبقَ على مجموعة دول أصدقاء الشعب السوري، التي تدرك مخاطر الحالة السورية على المنطقة والعالم، والتي تعلن شعورها بآلام الإنسان السوري وتريد وقف المجزرة، أن تعرف أنه لا يوجد سوى حل فاعل واحد، وهو دعم الثوار السوريين وفرض تدخل إنساني لحماية المدنيين السوريين، والتعجيل بإنهاء المأساة. بحيث يجب أن يصار إلى تفعيل غرفة عمليات الحلفاء الراغبين في إنقاذ سورية، سواء عرباً، أو أتراكاً، أو غربيين، للتحرك من أجل فرض أمر واقع على الأرض، وذلك حقناً للدماء السورية.

وما يجب أن يعيه المجتمع الدولي أنّ سلطة آل الأسد تقوم بالتصعيد المستمر، والدفع دائماً إلى حافة الهاوية لتصعّب الحلول على الآخرين. ولذا فلا بد أن يتحرك تحالف أصدقاء الشعب السوري ليرفع السقف أكثر على هذه السلطة، بخطوات عملية وفعلية على الأرض، لأنها لا تفهم إلا لغة القوة.

ولعل مسارعة عنان إلى الإعلان عن صدمته إزاء مجزرة 'التريمسة' وتحميله سلطة الأمر الواقع المسؤولية فيها، ارتكازاً على حركة المروحيات والقصف المدفعي اللذين لا تملكهما قوات الجيش السوري الحر، إضافة إلى إعلان الشعب السوري 'إسقاط عنان .. خادم الأسد وإيران'، يجعلانه يطوي صفحة مبادرته، ويطالب مجلس الأمن الدولي بحماية المدنيين السوريين طبقاً للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

=================

الوطنية السورية والبضاعة الروسية

منير الخطيب *

السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢

الحياة

ولدت الوطنية السورية بعد اتفاقية سايكس - بيكو، وفي حقبة الاستعمار الفرنسي سورية، وطنية جريحة، قلقة ومأزومة. بسبب سياق الانتهاك الخارجي للولادة أولاً، ولأن دمشق التي تتمتع بروح المسؤولية التاريخية عن إقليم بلاد الشام، وجدت نفسها مكسورة الظهر، وعاصمة شبه قارية، بعد أن قطعت عنها الموانئ البحرية، وكان عليها التكيف مع جغرافية «ما تبقى»، ثانياً. ولأن تلك الولادة اصطدمت باكراً بالنكبة الفلسطينية ثالثاً.

هذه الوطنية الجريحة القلقة والمأزومة، وقفت في منتصف القرن الماضي أمام خيارين: الأول، متابعة سيرورة التشكّل في دولة ذات أساس تعاقدي، وهذا الذي بدأ فعلياً في الحقبة الكولونيالية. الثاني، انجراف هذه الوطنية الوليدة في التيار العالمي الذي أطلقته الثورة البلشفية، إذ شكلت المنظومة الستالينية لاحقاً سقفاً عالمياً لغالبية الحركات «الثورية»، ومنها الحركات القومية واليسارية في بلادنا، والتي كانت تقوم جميعها على أطروحة سمة العصر التي تقول: «إن سمة عصرنا هي الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية». لسوء حظ السوريين، جعل التاريخ سورية تمشي في هذا الخيار. لقد كانت السمة الأبرز للخيار «الاشتراكي»، أو «التأخراكي» بتعبير ياسين الحافظ، هي تبديد وتلاشي نوى وبراعم الوطنية السورية، التي كانت آخذة في التكون في حقبة ما قبل الانقلاب «الثوري». لقد تمدد الاستبداد في سورية وانتشى على خطوط الصدع الأميركي - السوفياتي، في مناخ الحرب الباردة، وتعشق هذا الاستبداد مع بضاعة روسيا السوفياتية آنذاك المتمثلة بالمنظومات الأيديولوجية المغلقة، والشعارات الأممية الجوفاء والسلاح السوفياتي، حيث ساهمت هذه البضاعة السوفياتية في عسكرة الحياة السياسية في سورية، وكانت إحدى عوامل التاريخ التي دفعت الوطنية السورية للتبدد في منظومات ما فوق وطنية، وفي تبخير تلك الوطنية في عدمية الشعارات المتورمة.

قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، تفسخت «الاشتراكية البعثية» أو «التأخراكية» في سورية، لمصلحة رأسمالية متأخرة، ذات صبغة مافيوية، قبضت على كل أدوات احتكار السلطة والثروة، مع تشبيك أدوات الاحتكار هذه مع وضعية نقص الاندماج الوطني، وإعادة إنتاج ظاهرة التخلع المجتمعي، بما يخدم عملية التركز المطلق للسلطة والثروة بيد «أوليغارشية» متوحشة.

بعد السقوط المدوي للاتحاد السوفياتي تفسخت «اشتراكيته» أيضاً، فكانت «اليلتسنية» ثم وريثتها «البوتينية» فيما بعد هي مآل سيرورة الانحلال والتفسخ تلك. إن النموذجين المتفسخين «الشيوعي والبعثي» هما نموذجان متشابهان بنيوياً، هذا التشابه البنيوي هو الذي يقبع في خلفية الدعم المطلق، الذي تقدمه روسيا اليوم للنظام السوري، هما يدافعان معاً عن نموذج مشترك، تجاوزته البشرية العاقلة، وأصبح من الضروري أن يدفن هذا النموذج كما دفن نظام العبودية والرق.

هذا الدفاع المتوحش المشترك عن نموذج تجاوزه التاريخ، ما برحت «البعثية المتفسخة» من تقنيعه بقناع ديماغوجيا المقاومة والممانعة، كما تجهد «الشيوعية المتفسخة» بنسختها «البوتينية» تقنيع طابعها المافيوي بمحاولة العودة إلى المسرح العالمي من جديد لبناء عالم متعدد الأقطاب.

إن روسيا – البوتينية اصطدمت مبكراً بالبعد الوطني للثورة السورية، وإن تراكب السياسة الروسية مع النهج الأمني للنظام الممعن في تفتيت البنية المجتـــمعية يجعل هذه الســياسة تقف بمنهجية حاسمة بالتضاد مع مسار تشكل للوطنية السورية، لأن تلك الوطنية هي النقيض التاريخي لنموذجها المافيوي.

كما دفعت روسيا الستالينية، في منتصف القرن الماضي، الوطنية السورية للتبدد في متاهات الحرب الباردة، وفي الشعارات «الثورية» العدمية، فإن روسيا البوتينية تضغط على الوطنية السورية اليوم للتبدد والضياع في سياق مساوماتها الرخيصة مع السياسات الغربية. لقد كانت الوطنية السورية، على الدوام، متعارضة مع البضاعة الروسية، فتلك الوطنية لا تحتاج للمنظومات الأيديولوجية المغلقة، ولا تحتاج للسلاح والعسكرة، ولا للنماذج المافيوية المالية وغيرها، ولا للعاهرات أيضاً، فتلكم هي البضاعة الروسية. الوطنية السورية في حاجة إلى الدفاع الهيغلي عن قدسية الدولة، وأخلاقية كانط، وشك ديكارت، وروح القوانين المونتسكية، ونقدية فولتير، وإلى كل فلاسفة التنوير والإنسانوية.

* كاتب سوري

=================

.. عن نظام الأسد وكلامه على أسلحته الكيماوية

محمد مشموشي *

السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢

الحياة

لم يعد جائزاً للمجتمع الدولي، ولا لروسيا والصين بخاصة، الإبقاء على موقف اللامبالاة الذي ينتهجه إزاء الوضع في سورية بعد حديث النظام فيها عن مخزونه من الأسلحة الكيماوية والجرثومية، وتهديده بإمكان استخدامها في حال تعرضه لعدوان، ولو أنه استدرك لاحقاً بإضافة كلمة «إن وجدت» (يقصد هذه الأسلحة) إلى نص البيان الذي أدلى به الناطق بلسانه جهاد المقدسي حولها. وللاستدراك هنا أكثر من معنى، أحدها إبلاغ من يعنيهم الأمر بأن لا حدود أخلاقية للجريمة التي يرتكبها ضد شعبه منذ أكثر من ستة عشر شهراً، وأن ما يخبئه للأيام المقبلة يتجاوز كل ما يخطر على بال عاقل.

فهذا الحديث العلني، غير المسبوق في الأدبيات السياسية الدولية، والتهديد باستخدام هذه الأسلحة المحرمة دولياً، إنما يترجمان بجلاء لا لبس فيه طبيعة الخطوة التي قد يقدم عليها مستقبلا، والتي طالما تحدث عنها بعبارات مثل «زلزال يهز المنطقة» و «حروب لا تقف عند حد» و «أحداث لا ينجو منها أحد» منذ الأيام الأولى للثورة الشعبية في آذار (مارس) الماضي. وعملياً، فأن يعمد النظام إلى هذا الموقف بعد وصول الثوار إلى عقر داره في دمشق، بل وإلى دائرته الضيقة في مجلس الأمن القومي، ففي ذلك إعلان صريح بأنه لن يتورع عن ارتكاب أي فعل للدفاع عن نفسه ولا حتى عما لا يخطر في ذهن أحد: اللجوء إلى الأسلحة الكيماوية والجرثومية.

قد يتوهم النظام السوري أنه بهذا التصعيد يرد على تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بالتدخل عسكرياً لمنع تسرب هذا النوع من الأسلحة إلى «حزب الله» أو غيره من المنظمات، أو على احتمال لجوء بعض الدول للعمل من خارج مجلس الأمن لإنشاء منطقة حظر دولي في سورية، أو حتى أنه يقدم ذريعة جديدة لحليفه في موسكو في سياق تحذيراته المتكررة من تداعيات سقوط هذا النظام إقليمياً ودولياً وعلى صعيد سورية نفسها، لكن الانعكاسات السلبية لكلا الوهمين أبعد من ذلك وأفدح... وعلى النظام ذاته قبل أي شيء آخر.

هل كان الاستدراك بكلمة «إن وجدت» مؤشراً إلى إدراك النظام المتأخر خطأ قاتلاً ارتكبته ديبلوماسيته في حديثها غير المسبوق عن هذا النوع من الأسلحة، أم إن المسألة كلها دليل جديد على مدى عمق الارتباك الذي يعيشه في أيامه الأخيرة هذه؟ أياً كان الجواب، يمكن القول ببساطة إن النظام السوري، بموقفه هذا، إنما يعترف بما باتت دول وقوى كثيرة في العالم تردده منذ فترة من الزمن، وهو أن أيامه في السلطة باتت معدودة. كيف ذلك؟

لأن المجتمع الدولي، بما فيه روسيا والصين هذه المرة، لم يتوقف لحظة عن التحذير من مغبة حيازة قوى ومنظمات غير مسؤولة أي صنف من هذه الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً، فضلاً عن أن ما يتفق العالم على تسميته «الحرب على الإرهاب» يضع هذه المسألة في رأس سلم أولوياته.

ألا يساهم نظام بشار الأسد بموقفه هذا، وبقرار متعمد أو حتى بسبب ارتباكه، في إدراج نفسه في عداد هذه القوى والمنظمات غير المسؤولة؟

هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن دولاً أخرى شبيهة في العالم (كوريا الشمالية مثلاً) تملك من هذه الأسلحة، وكذلك الأسلحة النووية، أضعاف ما قد يكون يمتلكه النظام في سورية، إلا أنها على رغم اشتباكها الواسع ومنذ سنوات مع العالم لم تصل مرة إلى حد التهديد العلني باستخدام ما في حوزتها من قدرات جرثومية أو كيماوية أو نووية في حال تعرضها للعدوان. ولعل مثال صدام حسين نفسه ينفع في هذا المجال أيضاً، إذ استمر في إنكار واقعة قصف حلبجة بالأسلحة الكيماوية حتى آخر لحظة من حياته وحياة نظامه، على رغم توثيق الكثير من المنظمات الدولية المعنية لهذه الواقعة وشهادات ضحاياها بالصوت والصورة.

ألا يقول نظام بشار الأسد، هنا أيضاً، إن على العالم أن يتوقع منه أكثر مما توقع من صدام قبل أو نتيجة غزو العراق، وحتى أكثر مما ينتظر من كيم جونغ أون على خلفية اشتباكه معه حول ترسانته من الأسلحة النووية؟ وما هي الفائدة التي يتصور نظام بشار الأسد أنه يمكن أن يجنيها من تحديه هذا للعالم في أزمته الحالية مع شعبه؟

أكثر من ذلك، فالواقع أن دول العالم المعنية تعرف أن لدى سورية ترسانة من الأسلحة الكيماوية (يقدرها بعض المصادر بحوالى 500 رأس متعدد الأنواع)، وأنها كانت تخشى، كما قال وزير الدفاع الأميركي، من وصولها إلى أيدي جماعات إرهابية في حال سقوط النظام فجأة، لكنها لم تتصور أبداً أن يتحدث عنها النظام بهذه الطريقة الفجة ولا أن يهدد باستخدامها تحت أي عنوان... بما في ذلك إمكان التعرض لعدوان من الخارج.

ثم ما هو، في حالة الحرب الشاملة القائمة حالياً في سورية، المعيار الذي يعتمده النظام فيها لتحديد ما يصفه بعمل «عصابات مسلحة» وما يمكن أن يسميه عدواناً من الخارج؟ وألا يتهم النظام الثوار ضده من اللحظة الأولى لتحركهم بأنهم ينفذون مؤامرة أجنبية وبأن قرارتهم وأموالهم وأسلحتهم تأتي كلها من الخارج؟ وبعد ذلك كله، هل أعطى النظام على مدى الشهور الـ16 الماضية ما يمكن أن يفهم منه أنه مستعد لإعادة النظر بالخيار الأمني الذي اعتمده منذ لحظة تصديه لأطفال درعا في 15 آذار 2011 بالقمع والاعتقال والذبح بدماء باردة؟

واقع الحال أن النظام الذي بات يدرك جيداً أنه يعيش أيامه الأخيرة إنما يتصرف على هذا الأساس في هذه المرحلة، وليس كلامه العلني على الأسلحة المحرمة دولياً والتهديد باستخدامها إلا في هذا الإطار. والأهم، أن العالم (تحذير موسكو من استخدام هذه الأسلحة، دليل على ذلك) بات يعطي أشارات إلى أنه يرى المسألة من هذا المنظار.

=================

التدخل الدولي يتراجع وسورية تسير إلى التقسيم

غازي دحمان *

السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢

الحياة

لم يبقَ في الوضع السوري ما يستحق التفاوض عليه، فالأكيد أن البلد دخل في إطار ما يسمى بالحرب على الاحتياطي الإستراتيجي الذي يملكه وهو الدولة ومؤسساتها أو الاحتياطي الرمزي من الوحدة الوطنية والتآلف الاجتماعي، أو ما يسمى بالأدبيات المجتمع سياسية، النسيج الوطني، صيغة العيش التي تفاهمت مختلف مكونات المجتمع السوري على اعتمادها منذ مرحلة ما قبل الاستقلال عن الحكم الأجنبي.

لكن رغم ذلك فالواضح أن للدول الكبرى في البيئتين الإقليمية والدولية حساباتها المختلفة، بحيث تعمل على تطوير نطاق خياراتها بما يتناسب ورؤاها الإستراتيجية وممكنات القدرة لديها، وهي خيارات تبدو منفصلة عن الواقع في الميدان السوري، ولا تشكل فكرة تخليص السوريين من الموت الذي يداهمهم أحد مكوناتها.

لقد أثبتت الأزمة السورية مرونة وقدرة كبيرة لدى الإستراتيجيات الدولية على تطوير تكتيكاتها السياسية الهادفة إلى إيجاد مخارج آمنة لها، والقدرة على البناء على الحالة المأسوية السورية، بصرف النظر عن مكونات الخطورة في هذه الأزمة، مستفيدة في ذلك من حالة الانحطاط التي يشهدها العالم، في ظل عدم وجود مشروع كوني واضح لدى القطب الأول (الولايات المتحدة) ومنافسيه الصاعدين (روسيا والصين ومجموعة البريكس).

وإذا كان من نافلة القول أن العالم يعيش في مرحلة انحطاط إستراتيجي نتيجة انكماش القوى الدولية الكبرى على ذاتها جراء ما أصاب عناصر القوة فيها من إضمحلال فرضته جملة من المتغيرات، فإن البديل الإستراتيجي لذلك هو السعي إلى تقليص حجم الخسائر ما أمكن وليس المبادرة إلى ترسيم عوالم منسجمة ومتكيفة مع نماذج سياسية واقتصادية معينة، ولا يتوقف هذا الأمر على القوى القديمة لكنه ينسحب على ما يسمى بالقوى الصاعدة التي ينحصر طموحها بالمشاركة في القرار الدولي وليس بفرض رؤى ومشاريع بذاتها.

في ظل هذا الواقع الإستراتيجي الرخو تتفاعل الأزمة السورية، ويبدو عنصر العجز الدولي أكثر دينامياتها تفاعلاً، ويبدو هذا الأمر أكثر جلاءً ووضوحاً في عدم استعداد أي طرف دولي أو إقليمي إلزام نفسه بإيجاد حل منطقي وجريء للأزمة السورية، والاكتفاء بدل ذلك بطرح الحلول الجزئية أو إتباع سياسة انتظار لما قد تؤول إليه وقائع الصراع الميداني بين أطراف الأزمة. أو إبداء الاستعداد (اللفظي) للتعامل مع ارتداداتها واحتواؤها في الداخل ومنعها من توسيع دائرة العنف وتفتيت الدول المجاورة، أو تصعيد المخاوف من استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية ضد دول الجوار، وهي قضايا باتت أكثر إلحاحاً من تخفيف حدة العنف داخل سورية.

ولعل الخطر الأكبر الذي تنتجه هذه الوضعية الدولية الرخوة هو إمكانية ترجمتها على أرض الواقع السوري، بحيث تتوافق مكونات الصراع والعجز الدولي عن الخروج من المأزق، على القبول بما تولده تفاعلات الأزمة والتكيف معها بوصفها أفضل الممكن، في ظل إغلاق قنوات وطرق التفاوض الدولية، واعتبار الأزمة السورية، وعلى رغم كل ما يقال عن الأهمية الجيوإستراتيجية للبلد، أزمة هامشية لا تستدعي تطوير إستراتيجيات تفاوضية وخلق ممكنات تساومية لحلها.

وفي التطبيق العملي لهذه الإشكالية، ترك الأزمة السورية في إطار تفاعلاتها وإكمال سياق الفوضى الذي بدأت تندرج فيه تفاصيلها العديدة وذلك بأن تطور أقصى سيناريواتها، أي الذهاب إلى التقسيم واعتبار هذا الخيار، المتحول إلى واقع في مرحلة معينة، أفضل الممكن والأكثر سلاماً، بحيث يلجأ كل مكون إلى حماية عناصره والأهم وقف سيولة العنف في إطار حدود إثنية وجغرافية، يمكن أن تجد شرعيتها في حالة الإنهاك التي أصابت المجتمع السوري والرغبة في العيش بسلام وفي إطار أية سورية كانت.

يحمل هذا التخريج العملاني، والذي يبدو أنه لم يعد بعيداً عن تفكير دوائر القرار في العواصم الكبرى، فرصة مناسبة للخروج من عنق زجاجة الأزمة السورية، كما أنه يتوافق بدرجة كبيرة مع حالة الانحطاط العالمية التي تتبنى قاعدة التقليل من المشاكل والأزمات لتخفيف حدة الانشغالات، وبالتالي تقبل روسيا بتحقيق مصالحها العتيقة بالحفاظ على تواجد في البحر المتوسط، وترضى إيران بحصة من سورية، فيما تؤمن واشنطن سلام إسرائيل وأمن منابع الطاقة، وكل ذلك في إطار أفضل الممكن والغنيمة باحتساب أقل الأثمان على اعتبار أنها مكاسب إضافية.

لم يبقَ في سورية بالفعل ما يستحق التفاوض عليه، ولا حتى المجال لبذل جهود استنفد أغلبها في تعريف الأزمة وتعيين الخطأ من الصواب. أهل البلد أنفسهم باتوا، وبعد سبعة عشر شهراً من الصراع الدامي والموهن للكرامة والنفسية، ميالين إلى الخلود بسلام، فمن فقد جزءاً عزيزاً من أسرته في غياهب السجون وفي القبور، ومن صار لاجئاً يتوسل الأمن والإغاثة في الداخل والخارج، لن يهتم كثيراً بحدود سورية القادمة وشكل علمها وحتى عقيدة جيشها. ذلك ترف لا يملكه من بات محروماً حتى من ممارسة آدميته.

* كاتب سوري

=================

سوريا هي العراق

توماس فريدمان

الشرق الاوسط

28-7-2012

الله وحده يعلم أنني أدعو لقوات المعارضة في سوريا بأن تنتصر بمفردها بأسرع وقت ممكن وأن يتضح فيما بعد أن نواياها ديمقراطية كما نأمل جميعا، ولكن فرصة حدوث هذا الأمر تعد قليلة للغاية، وهو ما يرجع بالأساس إلى أوجه التشابه الكبيرة بين سوريا والعراق.

وبالتأكيد تعتبر سوريا هي توأم العراق؛ حيث تتعدد الطوائف الدينية في البلدين كما حكمت الأقلية في البلدين بطريقة ديكتاتورية وبقبضة حديدية بموجب آيديولوجية حزب البعث. وبالنسبة لي، فالدرس المستفاد من العراق هو في غاية البساطة: لا يمكنك الانتقال من نظام صدام حسين إلى النظام السويسري دون أن تعلق في فترة عنف انتقالية - حرب يشنها الجميع ضد الجميع - إلا في حالة واحدة وهي أن يكون لديك «قابلة» مدربة ومسلحة جيدا، «قابلة» يخشاها الجميع ويثقون بها في الوقت نفسه لإدارة المرحلة الانتقالية. وفي الحالة العراقية، كانت الولايات المتحدة هي من قام بدور «القابلة».

أما دور «القابلة» منخفض التكاليف الذي قامت به الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي (الناتو) باستخدام أجهزة التحكم عن بعد لإسقاط القذافي وخلق دولة جديدة في ليبيا، فليس من المحتمل أن يتكرر في سوريا. فالوضع في سوريا أكثر تعقيدا، فسوريا هي العراق.

كانت العراق بمثابة التجربة المريرة بالنسبة للولايات المتحدة والتي نفضل عدم الحديث عنها مرة أخرى، ولكن من الجيد الحديث عن التجربة العراقية في مثل هذا السياق. يعتبر السبب الوحيد الذي مكن العراق من أن يحظى بأي فرصة لإدراك النتائج الرائعة التي تحققت في الوقت الحالي هو وجود الولايات المتحدة الأميركية على الأرض بعشرات الآلاف من الجنود للعب دور «القابلة» هناك، حيث إنها طرف موثوق به، نوعا ما، ويخشاه الجميع، بكل تأكيد، لإدارة المرحلة الانتقالية في العراق حتى يتسنى الوصول إلى المزيد من التوافق السياسي. يخبرني حدسي بأن سوريا ستحتاج لنفس الأمر حتى تستطيع تحقيق نفس النتائج.

وحيث إنني بكل تأكيد لا أنصح الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل العسكري على الأرض في سوريا أو في أي مكان في العالم العربي مرة أخرى، وحيث إن الرأي العام الأميركي لن يدعم مثل هذه الخطوة، فإنني آمل أن يكون تحليلي هذا تحليلا خاطئا وأن يتمكن السوريون من إبهارنا عن طريق العثور على الطريق الخاص بهم نحو مستقبل سياسي أفضل في البلاد فقط باستخدام السلاح المتوافر في أيديهم والدعم الدبلوماسي.

أعلم أنه من المفترض أن يقوم كتاب الأعمدة بقلب الطاولة والإعلان صراحة عما يرونه ضروريا. ولكن عندما تعتقد أن ما تراه ضروريا، والذي يتمثل في «قابلة» أجنبية في سوريا، هو أمر مستحيل، فستكون بحاجة لقول مثل هذا الكلام. أعتقد أن هؤلاء الأشخاص الذين يدافعون عن قيام الولايات المتحدة الأميركية بالمزيد من التدخل النشط في سوريا وينتقدون الرئيس الأميركي باراك أوباما بشدة لعدم قيامه بهذا الأمر لا يتسمون بالواقعية حول ما سيتطلبه الأمر للتوصل إلى نتائج جيدة في سوريا.

والسبب في ذلك يرجع إلى أن البديل للأوضاع السيئة في الشرق الأوسط لا يكون دوما أمرا جيدا، حيث من الممكن أن يكون أكثر سوءا. أنا مفتون بشجاعة هؤلاء الثوار السوريين الذين قاموا بهذه الثورة بصورة سلمية ومن دون استخدام أية أسلحة ضد نظام يتبع ما أسميه «قوانين حماه»، ألا وهو عدم وجود أية قوانين على الإطلاق. قام نظام الأسد بقتل الثوار عن عمد حتى يتسنى له تحويل الثورة إلى صراع طائفي بين الأقلية العلوية الحاكمة، بقيادة عشيرة الأسد، والأغلبية المسلمة السنية في البلاد. ولهذا، فقد يكون البديل لديكتاتورية الأسد هو تفكيك سوريا، حيث سيتراجع العلويون إلى معاقلهم الساحلية بينما ستشتعل حرب أهلية طاحنة في البلاد.

هناك أمران ربما يجنبوننا حدوث مثل هذا السيناريو في سوريا، أولهما هو النموذج العراقي، حيث ذهبت الولايات المتحدة إلى هناك وأطاحت بنظام صدام حسين واحتلت البلاد وغيرتها بالقوة من ديكتاتورية تحكمها الأقلية السنية إلى ديمقراطية يحكمها الأغلبية الشيعية.

وبسبب عجز الولايات المتحدة وطبيعة العراق على حد سواء، أدى هذا التدخل الأميركي إلى إشعال حرب أهلية شارك فيها كافة الأطراف في العراق - السنة والشيعة والأكراد - وهو ما كان بمثابة اختبار توازن جديد للقوى هناك والذي ألحق خسائر هائلة بكافة الأطراف وأدى إلى حدوث عمليات تطهير عرقي مأساوية والتي قامت بدورها بإعادة ترتيب الدولة إلى كتل أكثر تجانسا من السنة والشيعة والأكراد.

ولكن وجود الولايات المتحدة الأميركية في العراق مكنها من احتواء الحرب الأهلية وحملات التطهير العرقي من الانتشار إلى الدول المجاورة. وبمجرد أن خبتت نيران الحرب الأهلية وخارت قوى جميع الأطراف وزادت الانقسامات داخل كل فصيل، نجحت الولايات المتحدة الأميركية في التوسط لعمل دستور جديد واتفاقية لتقاسم السلطة في العراق، وهي الاتفاقية التي تمنح الأغلبية الشيعية الحكم وتخرج الأقلية السنية من الحكم ولكنها لم تتركها عاجزة من دون أي سلطة وتؤمن للأكراد حكما شبه ذاتي. كانت تكلفة هذه العملية الانتقالية هائلة في الأرواح والأموال، وحتى الآن لم تصبح العراق ديمقراطية مستقرة أو صحية بعد، ولكن لا يزال أمامها فرصة للوصول إلى ذلك، والأمر الآن يعود للعراقيين أنفسهم.

وحيث إنه من المستبعد تماما أن تجرؤ «قابلة» مسلحة وموثوق بها ويخشاها كافة الأطراف على الدخول وسط معمعة الحرب الطاحنة الدائرة في سوريا، سيكون على الثوار السوريين القيام بهذا الأمر بأنفسهم. وبالنظر إلى المجتمع السوري الممزق، فلن يكون هذا الأمر سهلا على الإطلاق، إلا إذا حدثت مفاجأة ما.

ربما تتمثل هذه المفاجأة في توحد مجموعات المعارضة السورية المختلفة في جبهة سياسية موحدة، بمساعدة ضباط الاستخبارات الأميركية والتركية والسعودية الموجودين على الأرض هناك. يجب أن تمتد هذه الجبهة الجديدة لتشمل العلويين والمسيحيين المعتدلين الذين أيدوا الأسد بدافع الخوف وأن يتفق كافة الأطراف على بناء نظام جديد سويا لحماية حقوق الأقلية والأغلبية في البلاد على حد سواء. سوف يكون من الرائع أن يتم استبدال المحور الاستبدادي المتمثل في الأسد وروسيا وإيران وحزب الله بسوريا ديمقراطية وليس بسوريا تسودها الفوضى.

ولكن ينتابني بعض الشك حيال هذا الأمر، حيث ستشعر الأقلية العلوية والمسيحية التي دعمت الأسد، والتي تمثل 20 في المائة من السكان في سوريا، بالذعر من حكم الأغلبية السنية، وبداخلها جماعة الإخوان المسلمين، والتي عانت كثيرا من وحشية النظام السابق وسيكون من الصعب بالنسبة لها التسامح في هذه الأمر، ولا سيما مع استمرار إراقة الدماء في كل يوم. ومن دون «قابلة» أجنبية أو وجود شخص مثل نيلسون مانديلا في سوريا، فربما تستمر نيران الصراع لفترة طويلة من الوقت. أتمنى أن تحدث مفاجأة هناك.

* خدمة «نيويورك تايمز»

=================

هل تُسقط حلب الأسد؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

28-7-2012

ها هو العالم يشاهد - بأعصاب باردة، بل قل بتخاذل - تأهب قوات طاغية دمشق لارتكاب مجزرة في حلب لا يعلم نتائجها إلا الله، حيث تستعد قوات الأسد بكل أسلحتها الروسية، وما تتزود به من إيران، لاقتحامها، والقضاء على الثوار فيها، فهل تكون حلب هي المعركة الحاسمة في الثورة السورية؟

المؤكد أن معركة حلب ستكون مصيرية، لكنها لن تحسم انتصار الأسد من عدمه على الثورة، وإنما ستكون حلب الشهباء مؤشرا على سرعة سقوط الأسد الذي اعتبره الجنرال روبرت مود مجرد «مسألة وقت».. فانتصار الثوار السوريين، واستمرار سيطرتهم على حلب، يعني أن أيام الأسد معدودة بالفعل، وعلى أيدي الثوار أنفسهم، الذين يعني انتصارهم انكسار قوات الطاغية، ورسالة للدائرة المؤثرة حوله بأن اللعبة قد انتهت، وعليهم حسم أمرهم، حيث من المستحيل استمرار الأسد بعد الانكسار في حلب التي ستكون أول منطقة سورية آمنة، ومتصلة بتركيا، حيث يسهل التزود بالسلاح، والتدريب، وحماية المنشقين، مما يعني أن جيش الأسد سيصبح قابلا للانكسار، وبأسرع وقت. ولذا، فإن الواضح - حتى كتابة هذا المقال - أن الأسد لن يكترث بكل التحذيرات الدولية من مغبة اقتحام حلب، لأنه يعي أنها النهاية.

كما أن اقتحام قوات الطاغية لحلب، وكسر الثوار فيها، يعني وقوع مجازر مروعة في مدينة يبلغ عدد سكانها قرابة المليونين ونصف المليون نسمة، ومكونة من خليط من العشائر، وكل الفسيفساء السورية، ومنهم الأكراد، مما يعني أن الأسد سيكون عدو حلب، التي من الصعب السيطرة على الفوضى فيها. ووقوع المجازر الأسدية في حلب - وهذا المتوقع للأسف - يعني أن المدينة ستكون أقصر طرق الأسد إلى لاهاي حيث محكمة العدل الدولية ليحاكم كمجرم حرب، بدلا من البحث عن «طريقة خروج حضارية» له كما يروج الروس.. فوقوع المجازر في حلب سيضع الجميع في حرج، سواء من يدعون للانتقال السلمي في سوريا، أو من يقفون ضد التسليح، أو التدخل العسكري الخارجي، كما أنه سيفضح النفاق الروسي، وبالطبع النفاق الإيراني الصارخ، ومعهم نفاق حزب الله، فحلب ستكون القطيعة التامة بين الأمس واليوم، خصوصا بالنسبة للمتذاكين بحديثهم عن الطائفية، أو المحذرين زورا من التشدد الإسلامي.. فحلب ستكون بمثابة الوجبة الدسمة للطائفية، والتشدد، والإرهاب، خصوصا وهي تقع في أيام رمضان الكريم، وهو أمر لن ينسى ليس في قادم الأيام فقط، بل وطوال تاريخ هذه المنطقة، وسيتذكر الجميع مجازر حلب عند الحديث عن إيران وحزب الله وروسيا.

وهكذا، فإن حلب الشهباء تبدو قاصمة الظهر للطاغية الأسد، كما أنها هي التي ستنزع آخر ورقة توت عن المتخاذلين في إيران، وحزب الله، وموسكو، وبالطبع فإنها ستكون بمثابة رصاصة الرحمة على النظام السياسي القائم الآن في العراق.

وعليه، فإن ملخص القول هو أن حلب الشهباء باتت ورطة الطاغية الأسد، فـ«انتصاره» هناك سيكون بطعم الهزيمة المرة، وانكساره هناك أيضا سيكون بمثابة بدء العد التنازلي لنظامه الإجرامي، وكل أعوانه في المنطقة. هذا هو قدر حلب، وقدر السوريين، مع النظام الأسدي الإجرامي، وحلفائه المتآمرين والطائفيين، وأمام مجتمع دولي متخاذل بكل معنى الكلمة.

=================

فكرة دولة الأسد العلوية

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

28-7-2012

لا أستبعد أن بشار الأسد، في ظل ما ارتكبه من جرائم إبادة في معظم أنحاء سوريا، يتخيل أنه يستطيع غدا أن يرمي بمفتاح العاصمة، ويفر إلى اللاذقية، أو أي من مدن الشريط الساحلي المحمي بسلسلة جبلية في غرب البلاد، ويظن أنه يستطيع إقامة دويلته هناك ويستأنف نشاطه.

ليست مثل هذه الأفكار الحمقاء على رأس بشار الذي لم يتخذ قرارا واحدا صائبا في معالجة الثورة عليه. خطته الوحيدة كانت القوة، وبها أراد إخضاع 20 مليون سوري، وأن المدد الخارجي، الإيراني والروسي، سيحمي نظامه. بعد فشله عسكريا لم يتبق له سوى الهرب إما إلى روسيا، وإما إلى إيران، وإما إلى ما قد يعتبره ملاذه العائلي.

وأمام حلمه بالملاذ العائلي المتواضع تحديان: اعتباره شخصا مطاردا سيباعد بينه وبين سكان هذه المناطق، من علويين ومسيحيين، لا يريدون تحمل أوزاره، ولا الدفاع عنه. والثاني، حتى لو كافأوه على أخطائه الشنيعة ومنحوه ملاذا ورأسوه عليهم، فكيف يمكن له أن يحمي هذه المناطق من عشرات الآلاف من الثوار الذين سيقتفون أثره ويطاردونه في أي اتجاه يذهب؟! إن ما تبقى من فلول جيشه - فضلا عن أن حرب عام ونصف العام أرهقتهم وجعلت معنوياتهم مهزومة - سيكون في موقف الضعيف أمام خصومه عددا وعدة. لقد تغيرت معادلة القوة، حتى الروس الذين كانوا يرفضون شجب استخدام القوة قبل ستة أشهر لأنها في صالح حليفهم الأسد، صاروا الآن يطالبون بوقف تسليح الثوار وإلجام نشاطهم.

وهناك إشارات تدل على نياتهم إقامة دولة ساحلية، فقد سعت قواته في الأشهر الماضية إلى تهجير سكان عدد من المدن والقرى المحاذية، نحو نصف حمص، من أجل وضع علامات حدودية تفرض واقعا طائفيا على الأرض، كما حدث في لبنان، إلا أن الفرز الطائفي لن يكتمل بسهولة. حدودها ما وراء حلب وحماه وحمص، وهي نفسها مناطق مختلطة سترث الكثير من المشاكل.

ولا أتصور أن علويي الجبل مستعدون لتبني فكرة بناء دولة في محيط عدائي واسع، وتحت تهديد مستمر، إذا كان الخيار أمامهم دولة تتسع لكل السوريين بنفس الحقوق. وبعيدا عن التنظير الوطني، نعي مخاوف العلويين، وبقية الطوائف، من أن يدفعوا ثمن جرائم الأسد، وهم في معظمهم مواطنون سوريون عاديون. لكن لأن النظام بدأ الحرب قبل عام ونصف العام بالحديث عن سنة متطرفين لاستمالة الأقليات للوقوف معه دفاعا عن أنفسهم، فمن الطبيعي أن هاجس الخوف من الدولة الجديدة موجود، وسيكون الصدام حتميا إذا جرّ الأسد العلويين وراء أفكاره التدميرية.. فهي مناطق متداخلة ومتقاربة؛ حمص تبعد ثمانين كيلومترا فقط عن طرطوس. وحتى مع احتمال وجود قوى داخلية تريد تفكيك سوريا لدويلات، فإن المنطقة لا تحتمل هذا السيناريو ولن تسكت عليه دول مثل تركيا والعراق. والأمر كله معقود بمن يدير تركة نظام الأسد، وكيفية معالجة ما ارتكبته قوات الأسد من شروخ خطيرة في المجتمع السوري.

=================

«اليوم التالي» في سوريا

ديفيد اغناتيوس

الشرق الاوسط

28-7-2012

إنه الوقت المناسب لواشنطن للتأكيد على ما تستطيع أميركا القيام به، بدلا مما لا تستطيع فعله، في سوريا. فسياسة أميركا في سوريا محصورة بين مطرقة حتمية رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن سوريا، وسندان ضرورة وقف عمليات القتل هناك. ولكن في الوقت الذي أصبح فيه سقوط حكومة الأسد أمرا مرجحا للغاية، فمن شبه المؤكد أيضا أن أعمال القتل ستستمر في سوريا، على الرغم من الجهود التي تبذلها أميركا وحلفاؤها للحد من الأضرار التي ستترتب على ذلك. ينبغي على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بذل المزيد من الجهد لمنع انتشار الأزمة الإنسانية السورية إلى بلدان أخرى، في الوقت الذي تقوم فيه بتقديم المساعدات لإعادة إعمار سوريا.

وبادئ ذي بدء، تستطيع أميركا مساعدة تركيا والأردن عن طريق توصيل الإمدادات الغذائية ومواد الإغاثة لعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الموجودين في هاتين الدولتين، فضلا عن دعم دول الجوار، لا سيما العراق ولبنان، حتى تتمكن من احتواء الاقتتال الطائفي. وبمقدور أميركا مساعدة المعارضة السورية على صياغة خطط واقعية لعملية التحول السياسي، وذلك لطمأنة الأقليات الموجودة في سوريا بأنها لن تتعرض للذبح في المستقبل.

وبالإضافة إلى ذلك، أود وبشدة رؤية أميركا وروسيا تقومان بجهود إنسانية مشتركة في وسط سوريا، وذلك باستخدام السفن البحرية الروسية التي ترسو في القاعدة الروسية الموجودة في ميناء طرطوس السوري. يردد الروس دوما أن هدفهم الرئيسي يتمثل في الحيلولة دون انتشار الفوضى في سوريا، مثلما حدث في العراق عقب سقوط صدام حسين وفي ليبيا عقب الإطاحة بمعمر القذافي. وإذا كانت موسكو تشعر بهذه الرغبة القوية في حماية الشعب السوري، فها هي الطريقة التي تمكنها من القيام بذلك.

كان الإعلان عن حدود قوة أميركا الأسبوع الماضي هو ما دفع المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، سوزان رايس، للهجوم على روسيا، ووصفها بـ«المؤسفة» و«الخطيرة» و«التي يرثى لها»، وذلك بعد رفض روسيا تأييد فرض مجلس الأمن لعقوبات قاسية على سوريا. وباستخدامها ذلك الأسلوب المستنكر، كانت رايس تحاكي في ذلك رئيستها، وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، التي وصفت الأفعال الروسية بـ«الحقيرة» التي «لا تطاق». إن توجيه الدبلوماسية الأميركية لهذه الألفاظ المهينة لدولة نسعى بقوة لاتخاذها شريكا لنا هو أمر يأتي بنتائج عكسية. كفى عبثا.

والحقيقة، سواء أحب الروس ذلك أو كرهوه، هي أن المعارضة السورية تتعثر في طريقها نحو بوابات دمشق. تتزايد أعداد الشخصيات السورية المهمة التي تقوم بالانشقاق عن النظام السوري، كما يقال إن كثيرين غيرهم في طريقهم للقيام بمثل هذه الخطوة. وفي الوقت نفسه، تشارك أميركا بعض حلفائها في القيام ببرنامج عمل سري وقوي بصورة متزايدة، حيث يقوم السعوديون والقطريون بتزويد المعارضة السورية بالأموال والسلاح، بينما تقوم أميركا بتزويدهم بوسائل الاتصال والخدمات اللوجيستية (وهو ما يعرف بالقيادة والسيطرة)، في الوقت الذي يقوم فيه الأتراك والأردنيون والإسرائيليون والإماراتيون بتوفير الدعم الاستخباراتي على الأرض في سوريا.

وحتى في الوقت الذي تدفع فيه المعارضة السورية الأسد بقوة للخروج من الحكم، ينبغي على المسؤولين القلق حيال ما سيحدث لاحقا، حيث يرجح بعض المسؤولين الأميركيين أن أكثر من 100 من مقاتلي تنظيم القاعدة في العراق ينشطون في سوريا، وأن أعدادهم تتزايد كلما تزايدت حدة القتال. وسيكون من شأن إعلان الجهاد في سوريا تمكين تنظيم القاعدة من أن يصبح له موطئ قدم في ذلك البلد، وهو ما يمثل كارثة بالنسبة للإقليم بأسره. لذا، فإنه ينبغي على كل اللاعبين الكبار في المنطقة - بما فيهم روسيا وأميركا وإسرائيل وتركيا والأردن ولبنان والعراق وإيران - التوحد للحيلولة دون حدوث مثل هذا السيناريو.

ولا يزال بعض الأميركيين يتحدثون عن تدخل عسكري بقيادة أميركا، لكن هذا الخيار ينحسر في مواجهة الواقع، حيث تمتلك سوريا نظام دفاع جوي أقوى من النظام الدفاعي الباكستاني، علاوة على ترسانة من الأسلحة الكيماوية التي يمكن أن تصل إلى عشرات المواقع بسرعة كبيرة. في الواقع، سيكون إدخال قوات عسكرية إلى سوريا صعبا، لكن الأصعب هو خروج تلك القوات. ولحسن الحظ، يبدو أن المعارضة السورية لا ترغب في أن يقاتل حلف شمال الأطلسي بالنيابة عنها.

وأكد أحد المسؤولين الأميركيين على أن اقتراحات التدخل العسكري لا تستوفي الشرط الأول مما وصفه بـ«الاستراتيجية 101»، بمعنى أنه في الحالات غير المؤكدة ينبغي أن تكون المكاسب المحتملة من التدخل أكبر من التكاليف المحتملة بكثير.

وثمة مؤشر إيجابي يتمثل في بدء التخطيط بجدية لسوريا ما بعد الأسد، ففي مطلع شهر يوليو (تموز) الحالي أقرت المعارضة السورية، بمساعدة من أميركا «ميثاقا وطنيا» للتواصل مع الأقليات في سوريا ووضع خطة انتقالية تهدف إلى «إعادة هيكلة» الجيش السوري والحكومة. وفي تلك الأثناء، يقوم معهد السلام الأميركي برعاية مباحثات مماثلة، وفقا لما أعلن عنه الكاتب بمجلة «فورين بوليسي» غوش روغين. ومع ذلك، لا تعدو هذه الجهود كونها مجرد بداية، أما الشيء المخيف في ما يتعلق بالوضع في سوريا فيكمن في أن الأسابيع الأولى بعد سقوط الأسد ستشهد على الأرجح تزايد موجة العنف. ربما لن تتدخل أميركا عسكريا في سوريا كما فعلت في العراق، لكنها ستساعد على حل الوضع السوري على أي حال.

إن أفضل ما يقال عن السياسة الخارجية للإدارة الأميركية هو أنها صبورة، ويبدو أن المسؤولين الأميركيين واثقون من أن العملية الحالية ستؤدي في النهاية إلى سقوط الأسد. ويذكرني الوضع الحالي بالصيف الماضي في ليبيا، عندما كان النقاد يطالبون بالتصعيد لمنع وصول الوضع إلى حالة الجمود، لكن الإدارة الأميركية كانت على حق في هدوئها حينئذ، كما هي محقة في هدوئها الآن.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ