ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 15/07/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الملحمة السورية

الحياة

14-7-2012

حازم صاغية

كائنةً ما كانت تسمية الحدث السوري الكبير، «انتفاضة» أم «ثورة» أم «حرباً أهلية» أم «أزمة»، وهو خليط من هذا كله، فإن ما يميزه عن أقرانه درجةُ العدوان الذي يُمارَس على المجتمع، ومن ثم مدى الشجاعة التي يُحمل المجتمع على إبدائها رداً على العدوان ذاك.

فالتريمسه ليست سوى عنوان دموي ووحشي آخر يهب في مواجهة دعاة التسويات الملفقة. هي تسويات ملفقة لأن من يُنزل هذا العدوان بشعبه المفترض يكون يعلن أنه ليس من هذا الشعب، وأن هذا الشعب ليس منه.

ذاك أن العنف الذي تُطلقه السلطة السورية لا يمارسه إلا غرباء غير معنيين بتاتاً بأحوال «ناسهم» و «أهلهم»، لا يعيشون بينهم إلا بشرط أن يعيشوا فوقهم. وهذا، ربما باستثناء سلطتي معمر القذافي وصدام حسين، يجعل السلطة السورية في غاية التميز، الذي يضارع سلطات النقاء الدموي والسلالي.

ولا شك في أن أسباباً كثيرة تفسر هذا السلوك، في عدادها حس أقلوي مدفوع إلى سوية الهستيريا التي يدرك أصحابها أن القوة العارية وحدها هي ما يُبقيهم حيث هم. فإذا حُسبت الأمور حسبة علمانية، سقطت المسوِّغات التي تجيز بقاء الحكم في يد أفراد من جماعة بعينها. أما إذا حُسبت طائفياً، كان «المنطقي» انتقال الحكم إلى يد الأكثرية الطائفية. وليس من الصدفة، في هذا المعنى، أن جميع المحطات التي يمكن اعتبارها أصولاً لهذه الجماعة الحاكمة كانت انقلابات ومؤامرات عسكرية تتم في العتم: من 8 آذار (مارس) 1963 إلى 23 شباط (فبراير) 1966 إلى «الحركة التصحيحية» في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، تتويجاً بالتوريث في 2000، حين نجح تراكم التآمر والعتم في تلخيص المجتمع بغرفة قيادته. وليس من الصدفة كذلك، سَوْسُ السوريين بالحكم العسكري الجلف عقداً بعد عقد، وانتهاء «المنشقين» عنه ما بين «منتحرين» ولاجئين إلى الخارج.

وربما كانت العلاقة بالجيش من أكثر ما يدل إلى خارجية هذا النظام: فليس سراً أن المؤسسة العسكرية، وهي افتراضاً مؤسسة النظام الأولى، مسكونة بالخوف من انتقام أصحاب الأيدي الطولى في النظام وارتداد هذا الانتقام على الأقارب. وهذه العلاقة بالجيش (وبسائر المؤسسات «الرسمية» بما فيها السلك الديبلوماسي) تشبه علاقة القبيلة المتمكنة وذات الشوكة بالقبائل المهيضة الجناح التي يكون عملها المكروه، والمُذل، شرطاً للبقاء على قيد الحياة. إنها، تعريفاً، العبودية الحديثة كما أنتجتها أنظمة الاستبداد التوتاليتاري والحزبي، لكن الهستيري حين يكون صاحب امتيازات مسمنة لا يكون هستيرياً تماماً. فهنا ينعقد المرض على إدراك حاد للمصالح المباشرة، فضلاً عن قدرة المريض على إجراء الحسابات «الواقعية» و «المدروسة» لتوازنات القوى ولمواقف إقليمية ودولية تمتد من تقدير الموقفين الروسي والإيراني إلى الارتياح الناجم عن ضعف المواقف الغربية.

هذه العلاقة الخارجية بالمجتمع تجعل الشجاعة الأسطورية للسوريين أمراً محتماً لا مهرب منه، لأنها تخيرهم بين الموت مرة وهم يدافعون عن أنفسهم، والموت مراراً وهم يتحملون طردهم من بلدهم من غير أن يدافعوا.

في هذه المعاني كلها يتجاوز الصراع في سورية ما هو سياسي إلى ما هو أساسي وأصلي في علاقة البشر بعضهم ببعض. وهنا ترتسم عناصر ملحمة من عيار توراتي، ملحمةٍ يبدو حيالها سخيفاً وتافهاً ذاك «التسييس» الذي يجمل النظام، لأنه «ممانع» أو لأي سبب كان.

=================

خيبة انان

الحياة

14-7-2012

مصطفى زين

منذ انطلاقها بدت مهمة كوفي أنان في سورية مستحيلة. لا احد يريد له النجاح، أو لا أحد يتوقع أن يتوصل إلى وقف العنف والبدء بالمسيرة السياسية، لا النظام ولا المعارضة، ولا الدول التي توافقت على البنود الستة. بنود عامة فسرها كل طرف انطلاقاً من موقعه في الصراع. الأميركيون وحلفاؤهم قرأوا فيها دعوة إلى تنحي الأسد وفرصة لزيادة الضغط على النظام وحليفيه الروسي والصيني، طالما أنهم لم يقرروا استخدام القوة العسكرية بعد، فيما وجد فيها الروس مخرجاً موقتاً يجنبهم الحرج في استخدام الفيتو في مجلس الأمن.

الجميع كان في انتظار التطورات الميدانية للانتقال إلى مرحلة جديدة، اي في انتظار المزيد من القتلى والضحايا والدمار، فهؤلاء ثمن بخس في اللعبة، والبكاء عليهم واجب «إنساني» يساعد في تكريس هزيمة سورية الدولة، لا النظام، من هنا كانت المحاولات الجادة لتحويل شمال لبنان إلى منطقة عازلة لاحتضان مسلحي المعارضة، واستفزاز الجيش السوري كي يدخل إلى الأراضي اللبنانية ليصبح دخوله ذريعة أخرى وتبريراً لهجوم عسكري يعد له على المدى الطويل. لكن استحالة هذا الأمر، واستحالة تحويل حمص إلى منطقة «محررة»، حول المدن السورية كلها إلى جبهات مواجهة، المنتصر فيها مهزوم.

ولأن أنان يعرف تماماً ان الصراع على سورية صراع جيو-استراتيجي وقوده الشعب، يخرج المنتصر فيه بأكبر انتصار عرفه المتصارعون منذ الحرب العالمية، يدرك أن اياً من هؤلاء لن يسهل مهمته بالامتناع عن تسليح المعارضة وعسكرتها، أو بالضغط على النظام كي يتنازل عن موقفه. لذا حاول عدم التقيد ببنود المبادرة المحصورة في الداخل السوري، ووسع اتصالاته مع الدول المؤثرة، من بكين إلى بغداد، ومن واشنطن إلى طهران. وكانت رحلته «المحرمة» إلى العاصمة الإيرانية اعترافاً منه بأن مهمته أصبحت في نهايتها، لكنه سجل في تاريخه الديبلوماسي العريق أنه لا يخدع وأنه يعرف لعبة الأمم الدائرة في الشرق الأوسط. هذا ما رآه، أما الولايات المتحدة وحلفاؤها فرأوا أن دخول إيران إلى هذه اللعبة من البوابة السورية يعني أن الغرب عموماً اعترف بدورها في المنطقة وأصبح مضطراً إلى تقاسم النفوذ معها، ويعني أيضاً انه تنازل لروسيا التي تطالب بدور لطهران في التسوية، وفي هذه الحال يكون اعترف بهزيمته الكاملة أمام التحالف الروسي الإيراني، والصيني، في هذا الصراع على نظام عالمي جديد بدأ يتشكل انطلاقاً من سورية. وفي هذا السياق لا يرفض الروس التراجع عن دعم الأسد، فهذا تفصيل، ولا مانع لديهم من رحيله إذا ضمنوا محافظة البديل على موقعهم.

زيارة أنان لطهران كانت رسالة إلى الجميع مفادها أنه يدرك ابعاد اللعبة واستحالة النجاح في ظل شروطها. أو هي لدفع المعنيين إلى إعلان موت المبادرة التي ولدت ميتة.

=================

مجزرة تريمسة وصدمة عنان

رأي القدس

2012-07-13

القدس العربي 

مجزرة تريمسة التي وقعت امس الاول وسقط فيها اكثر من ثلاثمئة قتيل، هي 'وصمة عار' اخرى في جبين النظام السوري تضاف الى مجازر اخرى في الحولة وبابا عمرو وغيرهما.

لا يستطيع النظام السوري تبرير هذه المجزرة بالقاء اللوم على الجماعات المسلحة مجددا مثلما جرت العادة في جميع المجازر السابقة، لان الصور لا تكذب.

كوفي عنان المبعوث الدولي الى سورية، والمتهم من جهات عدة بمحاباة هذا النظام ادان هذه المجزرة باقوى العبارات يوم امس، وقال 'ان القوات السورية استخدمت اسلحة ثقيلة ضد القرية المنكوبة في محافظة حماة'، وعبر عن صدمته من القتال العنيف وسقوط عدد كبير من القتلى والمصابين واكد في الوقت نفسه 'الاستخدام المؤكد للاسلحة الثقيلة مثل المدفعية والدبابات والطائرات العمودية'.

عنان لا يمكن ان يلقي بهذه الاتهامات جزافا، فالرجل يحظى بثقة النظام السوري، وخرج عن المألوف عندما طالب باشراك ايران في مفاوضات او مخططات تتعلق بايجاد حل سياسي للازمة في سورية، والاكثر من ذلك انه زار العراق ويخطط لزيارة موسكو يوم الاثنين المقبل في اطار جهوده لوقف حمام الدماء في سورية، وترتيب انتقال سلمي للسلطة.

لا نفهم الاسباب التي تدفع بالنظام الى ارتكاب هذه المجازر بين الحين والآخر وبمثل هذه القسوة، فالضحايا مواطنون سوريون من المفترض ان يحافظ على ارواحهم، وتوفير كل الرعاية والامان لهم حتى لو اختلفوا مع توجهاته وطروحاته.

الادعاء بوجود عصابات مسلحة في القرية المنكوبة، او بعض عناصر الجيش السوري الحر لا يمكن ان يبرر، حتى لو كان صحيحا، قتل الابرياء بالصورة التي شاهدناها عبر شاشات تلفزة عدة بعضها مقرب من النظام.

فاذا كان النظام يعتقد انه بمثل هذه المجازر يمكن ان يبث الرعب في نفوس الشعب السوري ويدفع الجزء المنتفض منه للتراجع عن انتفاضته فهو مخطئ تماما، لان هذا الشعب لم ترهبه المجازر السابقة، واستطاع ان يواصل ثورته لاكثر من 16 شهرا متواصلة دون ان يتردد في تقديم الضحايا والشهداء.

لا بد ان النظام يسقط في مصيدة الوهم التي تفيد بضرورة تكثيف استخدام حلوله الامنية الدموية لاثبات قوته وتماسكه بعد الانشقاقات الكبرى التي حدثت في الايام الاخيرة، وتمثلت في هروب العميد مناف طلاس وانشقاق السفير السوري في العراق نواف الفارس، وهما من اكثر الشخصيات قربا لدائرة الحكم الضيقة.

قوة النظام، اي نظام، تتجسد في تعاطيه الانساني مع مواطنيه، وعلى اسس المساواة والعدالة، حتى في الاوقات الصعبة، ولكن يبدو ان النظام السوري يتصرف بطريقة مخالفة تماما لهذا المنطق.

كنا نعتقد ان مجزرة الحولة ستكون الاخيرة، رغم بشاعتها، وكم كنا مخطئين، وبتنا على قناعة بان مجازر اخرى ربما اكثر بشاعة في الطريق الى هذا الشعب السوري المنكوب.

=================

الى متى سيصمد الفيتو الروسي الصيني؟

2012-07-13

يزن تيسير سعادة

القدس العربي 

تزداد المعضلة السياسية تفشياً في سورية بعد اكثر من خمسة عشرَ شهراً من الأحتجاجات والأضطرابات المتواصلة من عمليات عسكرية وامنية، وانفجارات ووساطات دبلوماسية اتخذت اشكالاً عديدة من الفشل، ومراقبين عرب ودوليين فشلوا في تقييم الوضع في ظل اختلاط المدن عليهم! كل هذا إن دل على شيء يدلُّ على أن الوضع السوري على كف عفريت!

فالمشهد السياسي الغالب في سورية يدل على الفوضى الداخلية والخارجية، فمن الداخل غياب التنسيق بين المعارضة، وفي الخارج الخلافات التي تؤثر على عملية اتخاذ القرارات، وقد تبدو الخلافات في المجلس الانتقالي السوري قائمة على المصالح والسياسات التي ستتخذ بعد الأستيلاء على السلطه في سورية ودهر الأسد وقواته. وما يعطل الشأن السوري هو تباعد وجهات النظر والأنقسام الواضح في المواقف الدولية، خاصة بين امريكا والغرب من جهة، وروسيا والصين. وهذا يظهر من خلال الفيتو الدبل الذي يتخذ من قِبل روسيا والصين في مجلس الأمن، بظل وجود أي اقتراح أو دعوة من شأنها ازاحة الاسد او التدخل العسكري.

لعلّ المشهد المتوتر بين الصين وروسيا من جهه والولايات المتحدة الأمريكية يظهر لنا تاريخ سابق من الكره والحقد، والتسابق الثقافي والسياسي والعسكري والأقتصادي بين الروس والأمريكان .. بين الشيوعية والرأسمالية.. والتسلح.. وبناء السمعة الجيدة وووالخ!

الأن الوضع مختلف امريكا كسبت كثيراً في السابق، بينما الروس والصينيين خسروا وما زالوا يخسرون الكثير، والقتال والسجال الإعلامي بينهم سيستمر إلى حين وضوح الرؤيا في سورية، فروسيا والصين لم يتبق لهما في المنطقة سوى نظام الأسد وحكومته القومية البعثية، وتسعيان إلى التضحية بكل شيء مقابل بقاء هذا النظام .. لأن خسارته ستعني التخلف في مواجهة امريكا لسنين ضوئية. لذلك نرى المواجهات والتهديدات الإعلامية بين الثلاثي.. وهذا ما ظهر في انتقادات وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون للصين وروسيا في مؤتمر اصدقاء سورية الذي عقد في باريس، عندما وصفت مواقفهم بالـسلبية وهددتهم بدفع ثمن هذه التصرفات التي من شأنها إطالة الأزمة السورية، وعدم الوصول إلى حل ينهي سفك الدماء والحرب الأهلية في سورية.

روسيا والصين حذروا من اساءة كلينتون واعتبرتا أنّ هذه النبرة الأمريكية من شأنها أن تسيء لصورة البلدين الدولية، حيث تم وصف هذه التصريحات بالغير مقبولة بتاتاً طالما أنّ السياسات والمواقف الروسية والصينية تتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة.

وتبقى الأسئلة المبهمة.. إلى متى سيصمد الفيتو الثنائي لكل من روسيا والصين في ظل التهديدات البرجوازية الأمريكية والغربية؟ وما هو الدور المتوقع من ايران وحزب الله حينما تدق ساعة الصفر 'الحرب'؟ وهل ستدخل لبنان بطريقة مفبركة على ساحة الحرب؟ وهل ستبقى سورية قابعة تحت أيدي الأستعمار الداخلي الذي ينتهجه الأسد واعوانه؟! هي اسئلة ستبقى تشتعل في سماء السياسة وستكون الليالي والأيام كفيلة للإجابة عليها.

=================

أنان.. دابي آخر!

الرأي الاردنية

صالح القلاب

14-7-2012

هل تذكرون «الدابي» وتتذكرونه.. لقد أبتلعته الأزمة السورية وطوت صفحته الأحداث فغاب واختفى ولم يُبقِ وراءه إلا السمعة السيئة فهو باع ضميره وأساء لشرفه العسكري.. وها أنَّ كوفي أنان هذا الابانوسي اللون بات يفعل ما فعله شقيقه في «الأفْرقة» وغدا وكأنه مبعوث للرئيس السوري بشار الأسد ولإيران ووليها الفقيه ولـ»الرفيق» فلاديمير بوتين المسؤول السابق لمحطة الـ»كي.جي.بي» في ألمانيا الديموقراطية ،التي أعطت لألمانيا الموحدة أنجيلا ماركيل، وليس مبعوثاً للأمم المتحدة والجامعة العربية.

غريب هذا الرجل ،الذي كان ذات يوم قريب أميناً عاماً للأمم المتحدة وكان قد فشل فشلاً ذريعاً في اكثر قضايا فترته تعقيداً وخطورة ومأساوية، فهو أعلن عن فشل خطته ذات النقاط الست في أعقاب مؤتمر جنيف ,الذي كان إحدى محطات الأزمة السورية, لكنه بدل أن يعود الى الذين كلّفوه بهذه المهمة ،أي الجامعة العربية والأمم المتحدة ،ليتدارس معهم طبيعة الخطوة الجديدة المفترضة بادر الى حزم أمتعته والتوجه الى دمشق ومنها الى طهران ثم الى بغداد ليكحِّل ناظريه بابتسامة نوري المالكي الخلاَّبة وليستمتع بطلته البهية!!.

لم يناقش أنان مع بشار الاسد أي شيء سياسي على الإطلاق حتى بما في ذلك خطته ذات النقاط الست ، التي ولدت ميتة وبات الحديث عنها من قبل النظام السوري و»صفويي» طهران.. وفلول الـ»كي.جي.بي» في موسكو مثيراً للتقزز والاشمئزاز، وقد اقتصر الحديث بينه وبين الرئيس السوري ،بحضور وحش الدبلوماسية الجسور وليد المعلم وفتاة «البعث» التي لا يقعقع لها بشنان بثينة شعبان، على ضرورة القيام ببعض الترتيبات المحلية وعلى مدى ثلاثة شهور على أساس أن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة لضمان التوصل لوقف لإطلاق النار بين الجيش العربي السوري «المقدام»!! والمعارضة المسلحة.

بعد ذلك ذهب هذا الفتى الابانوسي الى طهران وعاد منها مروراً ببغداد بالأعجاب والمزيد من الاعجاب والمزيد من القناعة بأن في يدها مفاتيح الازمة السورية وبأن بإمكانها بالتعاون مع موسكو جمع الأسلحة «التي وصلت الى الأيدي الخطأ»!! وإنهاء العنف وضمان انتقالٍ سلمي للسلطة بعناية وإشراف بشار الاسد.

بقي هذا الأنان يأتي ويعود دون أي يحقق ولا إنجازاً واحداً والغريب أنه باقتراحاته الأخيرة المتعلقة بالتجديد للمراقبين الدوليين لثلاثة شهور وتحويلهم الى وسطاء قد أشعر من يتابعونه أنه بكل ما فعله بعدما نعى خطته وأعلن فشلها بنقاطها الست يؤكد أن كل همه غدا أن يطيل فترة انتدابه من قبل العرب والأمم المتحدة وأنه لم يعد يكترث بكل هذه الأعداد المتزايدة من الشهداء السوريين الذين يسقطون يومياً برصاص «شبيحة» بشار الاسد وقذائف جيشه «الباسل»!!.. وهذا يعني أنه يجب أن يطرد من هذه «الوظيفة» فوراً ليلحق بمصطفى الدابي الذي غير معروف بأي أرضٍ هو الآن؟!!.

=================

سوريا.. إلى أين؟

الرأي الاردنية

14-7-2012

فالح الطويل

في مقابلة كوفي عنان، المبعوث الدولي/العربي لسوريا، مع جريدة لوموند، سئل عن الحلول التي يحملها للأزمة السورية فقال أن « جعبته خاوية من جواب؛ فثمة عوامل كثيرة متداخلة؛ وأعداد كبيرة من اللاعبين. لروسيا طبعاً نفوذ في سورية...» وهكذا!!

 كان الرجل أمينا في جوابه. فهو لا يملك حلا، وما لديه من أفكار لا تملك أرجلا تمشي بها. ولم تساعده مداولات مجلس الأمن أو اجتماعات أصدقاء سوريا في باريس وجنيف والقاهرة وتونس، أو اجتماعاته في طهران وتركيا. فهذه كانت كلها محاولات لترتيب مصالح الدول الكبرى في سوريا بعد انتهاء الصراع فيها.

تذكرنا حالة عنان، هنا، بحالة توني بلير، ممثل الرباعية الدولية، ورحلاته العبثية بين أطراف النزاع في الشرق الأوسط التي لم تكن تستهدف غير بقائه في الصورة وما يجره عليه ذلك من مكاسب شخصية.

فالوضع في سوريا يتحول إلى وضع تستحيل معه المصالحة بين أطرافها. لقد أصاب القتل والدمار كل مدينة وقرية سورية مما يحرم النظام من العودة كليا أو جزئيا إلى ما كان عليه قبل الثورة، اللهم إلا أن يكون ذلك على سبيل جر مجرم لمحاكمة أو تنفيذ حكم.

ما يجري هناك ليس أقل من حرب أهلية بالتعريف والواقع. فقد عرف علماء (جيمس فيرون-جامعة ستانفورد، مثلا،) الحرب الأهلية بأنها ذلك الصراع الذي يسقط فيه 1000 مصاب، سنويا. وسقط في سوريا، خلال السنة والنصف الأخيرة، أكثر من عشرين ضعف هذا العدد من القتلى وحسب، وأكثر من مائتي ضعفه من مصابين آخرين بين معتقل وجريح ونازح ولاجئ وشريد وجد نفسه أمام ركام كان بيته من قبل.

في مثل هذه الحالة، كما حدث من قبل في 136 حربا أهلية نشبت في العالم ما بين سنتي 1955-2004 يجري الصراع باتجاه واحد لا رجعة فيه، وهو انتصار الثوار وتغيير نظام الحكم الذي ثاروا عليه.

كما اتفق علماء آخرون ( موغنثاو وآخرون) أن الصراع بين الدول يسمى حربا إذا بلغ عدد المصابين حوالي 40 مصابا، يوميا. بهذا المعنى يصبح ما يحدث في سوريا أشد من حرب دولية أو إقليمية. وهي، في سوريا، حرب جديدة يشنها نظام مدجج ضد شعب أعزل، هو شعبه، لا سلاح له سوى غضب أبنائه، من هول الجريمة، فينضمون للثوار منهم، فيما صرنا نسميه، بكثير من التمنيات الصادقة بالنجاح السريع، «بجيش سوريا الحر.»

تتسارع الأمور، في البلد الشقيق، على أي حال، باتجاه الحسم واختتامها بالحل الوحيد المتاح وهو خروج الأسد وأهله لروسيا أو الصين، فهما الدولتان الوحيدتان اللتان تقبلان بهم وتضمنان أمنهم.

لا يرى الكثيرون غير ذلك، بمن فيهم، بحسب أخبار غير مؤكدة، ولكن متواترة، عدد متزايد من الوطنيين السوريين من الطائفة العلوية يضغطون باتجاه هذا الحل.

 فهل من المعقول، والحالة هذه، الافتراض أن يكون عنان قد أعاد طرح هذا الأمر في مباحثاته مع قادة النظام في دمشق؟

=================

قادة النظام السوري ليسوا مذعورين!

النهار

سركيس نعوم

14-7-2012

يعرف المسؤولون السوريون أن الحسابات التي أجروها بعد اندلاع الثورة الشعبية على النظام الحاكم بلادهم منذ 42 سنة لم تكن دقيقة. فهي لم تنتهِ بعد أسابيع أو بعد اشهر كما كانوا يقولون. بل توسعت بحيث شملت معظم المحافظات السورية والمدن السورية الكبرى. كما انها تعسكرت، أي تحولت من سلمية الى مسلحة وإن مضطرة، بسبب قرار قادة النظام القضاء عليها تماماً بالقوة العسكرية. ويعرفون أيضاً أن الثورة المذكورة قد لا تنتهي في وقت قريب وخصوصاً بعدما استقطبت تأييد غالبية المجتمع الدولي ومعظم الدول العربية ودولاً اقليمية مهمة مثل تركيا، وبعدما بدأ مدّها بالسلاح والمال ووسائل الاتصال كي تنجح في مواجهة جيش الاسد. لكن ذلك كله على أهميته لا يثير هلع النظام أو على الاقل قادته استناداً الى عدد من الذين زاروا دمشق في الفترة الأخيرة. وانما يحفزهم للمزيد من المواجهة والقتال، وذلك بغية الصمود في مواجهة العاصفة الشعبية التي هبّت عليهم منذ ستة عشر شهراً تقريباً، والعاصفة الاقليمية والأخرى الدولية التي يواجهون منذ ذلك الحين. وما يدفع هؤلاء القادة الى الموقف المشار اليه اعلاه هو استنادهم الى جغرافيا هي لهم اساساً والى ديموغرافيا تمثّلهم تماما، وقدرتهم، في رأيهم طبعاً، على توسيع هذه الجغرافيا بحيث تصبح قادرة على التواصل مع حلفائها الاقليميين، على قلّتهم، وفي مقدمهم الجمهورية الاسلامية في ايران. وما يدفعهم اليه ايضاً هو اطمئنانهم الى وقوف روسيا فلاديمير بوتين معهم، ومعرفتهم في الوقت نفسه أن مصالحها هي التي دفعتها الى تأييدهم، وان تأمينها هذه المصالح ليس بالأمر السهل وخصوصاً على المدى القريب وربما المتوسط. وهذا يعني انها ستبقى "مضطرة" الى تأييد الأسد ونظامه ريثما تُحلّ القضايا الخلافية بينها وبين اميركا على نحو يرضيها. علماً أن تغييرها لموقفها المؤيد للأسد لن يدفعه الى التساهل او الى قبول تسويات على حسابه ومن يمثّل. ذلك ان ايران الاسلامية لن تتركه، ليس حباً به، بل لادراكها ان الغرب بزعامة اميركا لن يسير في اتجاه تسوية المشكلات معها على نحو يرضيها، الأمر الذي لا بد أن يدفعها الى جعل مساعدتها للأسد بلا حدود، وإن رأت أن نظامه صار متصدعاً أو حتى قريباً من الانهيار. وهذا خيار مهم لا تستطيع الا أن تأخذه كي يستمر الغرب منشغلاً بالأزمة السورية وتشعّباتها العربية والاقليمية، وتالياً عاجزاً عن الاستعجال في قرار التصدي لها. والدعم البلا حدود يعني "تغذية" الفوضى في سوريا، والدفاع عن جغرافيا الأسد وديموغرافيته بكل الوسائل المتاحة، وتشغيل المجموعات المتطرّفة السنّية التي تعمل معها بالارهاب داخل سوريا وبالتحرش باسرائيل. ومن شأن ذلك وضع المنطقة كلها على فوهة بركان، ودفع قادة العالم الى العمل ربما على نحو شامل لحل كل أزماتها والمشكلات. والموقف الايراني هذا، يقول زوار العاصمة السورية انفسهم، ربما يدفع المسؤولين الكبار في موسكو الى المزيد من التشدد مع اميركا وحلفائها، والى "إطالة" أمد التحالف مع نظام الاسد بل أمد تأمين الحماية الدولية له. ذلك أن روسيا تحتاج في معركتها المستمرة ضد مسلمي مناطقها القوقازية، وتحديداً الثائرين عليها منهم وغالبيتهم اسلامية الى مساعدة ايران الشيعية، وذلك انطلاقاً من كون هؤلاء بتطرفهم المذهبي خطراً على الدولتين.

هل تلتقي توقعات الاميركيين وخصوصاً في مجتمع مراكز الابحاث مع توقعات المسؤولين السوريين المشار اليهم اعلاه؟

الجواب عن ذلك، كما يقدمه بعض هؤلاء، يشير أولاً الى أن الأوضاع في سوريا تزداد سوءاً. ويشير ثانياً الى أن اعادة رسم لخريطة سوريا أي لجغرافيتها سيحصل انطلاقاً من خطوط اثنية ومذهبية. وهنا يبدو أن أكراد سوريا يتحاورون مع اكراد العراق المتمتعين بحكم ذاتي للاتحاد معاً. ويبدو أن تركيا لا تعارض ذلك اذا كان ينهي ثورة "حزب العمال الكردستاني" الانفصالي عليها. ويشير ثالثاً الى أنه ليس في وسع اميركا وحدها، أو مع حلفائها، القيام بأي شيء لتحسين الأوضاع المذكورة، البالغة التعقيد. ذلك أن التصدي مباشرة للأسد يعني التصدي دفعة واحدة لروسيا وايران وربما الصين. وهذا امر لن يفعله رئيس رشح نفسه لولاية ثانية (أوباما). ويشير الجواب نفسه ربما الى ان "الحال" في مصر تثير الذعر، والى أن احداً لا يستطيع ان يفعل شيئاً لتحسينها. وجل ما يأمل فيه الأميركيون أن ينتهج "اخوان "مصر، اذا تسلموا السلطة ومارسوها، نهج اخوانهم في تركيا. واذا لم يحصل ذلك فان مصر قد تتورط في مشكلات مع اسرائيل وربما مع ايران في سوريا وبسببها.

=================

دم السوريين يلطّخ شرف العالم!

النهار

راجح الخوري

2012-07-14

مهمة المراقبين العرب الذين ارسلتهم الجامعة العربية الى سوريا برئاسة مؤسس الجنجويد الفريق السوداني محمد احمد الدابي، انتهت بفضيحة محاولاتهم تغطية حمامات الدم التي اغرقت المدن السورية. اما مهمة المراقبين الدوليين الذين اوفدهم مجلس الامن برئاسة الوجه الخشبي الجنرال السويدي روبرت مود فقد انتهت بمهزلة أشبه بالرقص على القبور!

ذلك ان هؤلاء الذين يقبعون الآن في فنادقهم في دمشق في ما يشبه الاقامة الجبرية، بعدما تعذر عليهم القيام بمهماتهم المفترضة، اي مراقبة تنفيذ خطة انان ونقاطها الست، اصبحوا الآن موضوع تجاذب دولي يشبه ايضاً مهزلة الرقص على القبور!

روسيا تريد ان تجدد مدة انتدابهم التي تنتهي في 21 تموز الجاري، ثلاثة اشهر اخرى من دون اي تعديل في قواعد عملهم المعطل، بعدما منعهم النظام حتى من امتلاك اجهزة هاتف دولية، في حين كانوا يطالبون بالحصول على مروحيات تساعدهم في الوصول الى امكنة الاشتباكات والمذابح، بينما تريد اميركا تمديد انتدابهم مدة شهر ونصف الشهر على خلفية المادة 41 من الفصل السابع التي تفتح الابواب بالتالي امام المادة 42 التي تسمح لمجلس الامن باستعمال القوة.

والاستغراب في هذا السياق لا يتوقف عند الخلاف على المدة المقترحة للتمديد او على قواعد العمل فحسب، بل يصل الى الاهداف المضمرة من الدعوة الى استمرار هذه المهمة الفاشلة، ففي حين تريدهم موسكو ان يبقوا ولو مجرد شهود دوليين لم ولن يروا شيئاً، لكنهم يوفرون الغطاء لمهمة كوفي انان التي صارت متجددة للقتل، تتحدث انباء مستغربة عن اقتراحات لا تعارضها الدول الغربية، تدعو الى جعلهم بمثابة لجان ارتباط، في محاولة جديدة لتطبيق خطة انان السداسية ستفشل طبعاً كما فشلت الاولى.

 كان واضحاً اول من امس ان المواجهة في مجلس الامن بين القرارين الغربي والروسي ستنتهي بفشل متعادل، ففي وسع "الفيتو" الروسي تعطيل القرار الذي قدمته بريطانيا، بينما في وسع التطورات الميدانية الكارثية في سوريا ان تنسف كل خطط موسكو التي حاولت وتحاول اعطاء النظام مزيداً من الوقت للحسم العسكري المستحيل.

كان من الفاضح دولياً، انه في حين غرق مجلس الامن في عض للاصابع بين الروس والغربيين كانت الانباء تتحدث عن مجزرة جديدة تعرضت لها بلدة التريمسة في حماه.

لقد تمادت المأساة الدموية وستطول اكثر بعدما وصلت الامور الى حائط مسدود، ففي زمن السبات الانتخابي الاميركي والاندفاع الروسي الاستقطابي دولياً والتراجع الاوروبي والعجز العربي المعيب الى درجة القعود عن رفع ولو مجرد إصبع في وجه روسيا، لا شيء يوازي الصراع الدامي بين السوريين إلا الصراع الديبلوماسي بين الدوليين!

=================

يوم في موسكو: ما الذي تغيّر؟

السفير

ميشال كيلو

14-7-2012

حامت زيارة وفد من «المنبر الديموقراطي السوري» الى موسكو طيلة شهرين ضمن أجواء عمله العام . في البداية، تلقينا هاتفا من مستشارين في سفارة روسيا الباريسية تدعونا إلى زيارة روسيا في الوقت الذي نريده. يومذاك، كان ردنا: دعونا نتحاور قبل أن نتخذ قرارا بالزيارة. وهكذا كان: جلسنا وتحاورنا بكل صراحة ووضوح حول السياسة الروسية وموقفنا منها، وما اعتقدنا أنها أخطاء تقترفها. قلنا: إن صداقة روسيا مع سوريا لا ترجع إلى البعث ونظامه، بل هي سابقة لهما، وأنها بدأت بصفقة سلاح عقدتها حكومة خالد العظم عام 1954 مع الاتحاد السوفياتي حول تسليح الجيش السوري، ثم مرت بالاعتراف بالصين الشعبية ممثلا شرعيا للأمة الصينية، وأخيرا باتفاقية اقتصادية كانت الأكبر في تاريخ البلدين حتى هذا الوقت.

بعد عرض الوقائع، أكدنا أن الصداقة مع روسيا هي جزء من تاريخ سوريا الوطني ومن الوطنية السورية، وأن سياسات موسكو الراهنة لا تتجاهل هذا وحسب، بل هي تبدده وتقوّضه، علما أن روسيا ترفض ما تريده أميركا وإسرائيل: تدمير سوريا دولة ومجتمعا، وإخراجها من موازين قوى المنطقة والإقليم، وتبديل دورها وجعلها بلدا غير قابل للحكم أو للإدارة، لكونهما تخافان على إسرائيل والخليج من الديموقراطية السورية، وراغبتين في كبح الحراك الديموقراطي العربي ووقفه عبر القضاء على فرعه السوري. بما أن التدمير يتم الآن بيد النظام، فقد استغربنا أن لا تلاحظ موسكو ذلك، وأن تواصل دعم نظام يقدم خدمة استراتيجية لا مثيل لها ولا تقدر بثمن لخصومها، مع أن دعمه سيؤدي حتما إلى تدمير الموقع الروسي في المشرق العربي، مع ما سيترتب عليه من تلاش في نفوذ موسكو وحضورها داخل الوطن العربي، بل وفي القارة الآسيوية بأكملها.

وقد كان من المنطقي أن نطالب بتغيير سياسات موسكو، وبفتحها على سوريا أخرى: ديموقراطية وصديقة حقا لها، تريد الحفاظ على علاقاتها معها وتوسيعها، لأنها ترى فيها جهة تحمي استقلالها وحريتها، سبق أن وقفت معها خلال المحن والنكبات، وأعانتها على النهوض بعد الهزائم التي أوقعها النظام بها، أو التي سهل إيقاعها بها من خلال سياساته وخياراته.

هذا التناقض المفارق بين طابع العلاقة السورية الروسية وسياسات روسيا الحالية يضعف عمليا فرص روسيا في اتخاذ مواقف منصفة من جهة ومبشرة بالنجاح من جهة اخرى. وبما أن الوقت المتاح لدور روسي فاعل ومطابق لمصالح ومطالب الشعب صار محدودا يقاس بالأسابيع والأشهر، فإن على روسيا التحرك السريع، انطلاقا من أسس جديدة توجه سياساتها ومداخل مغايرة للمداخل الحالية التي تحدد خياراتها وفهمها للأزمة، يملي ذلك عليها طابع المعركة التدميرية التي يشنها النظام ضد الشعب والدولة، ونتائجها التي ستكون في مصلحة الغرب عموما وأميركا واسرائيل خصوصا، وتحتم المبادرة الى عمل سريع يتم بالتوافق مع المعارضة، بعد أن وحدت رؤيتها في مؤتمر القاهرة، وأقرت وثيقتين مهمتين تتعلق أولاهما بالصورة التي ستكون سوريا المستقبل عليها، والثانية بمرحلة الانتقال إليها، فلم يعد هناك أي مسوّغ جدي للحديث عن انقسام المعارضة السورية، علما أن إقامة هيئات مشتركة بين فصائلها غدت مطروحة بقوة عليها، وهي قيد النقاش وإن لم تصبح قيد الحسم بعد. لكن ضمير المعارضة الوطني الجمعي يجب أن يقودها في فترة غير بعيدة إلى إقامة هيئات كهذه، لا تمس بتمثيلية أي فصيل منها، ولا تقيد حركته أو حريته أو تحدّ من خصوصيته، مع أنها تنمي الجوانب التي يتقاطع فيها مع غيره، وتعزز قدرته على التفاعل بإيجابية مع بيئته السياسية.

لا بد إذاً من تحويل الوقت من سيف يقطع أعناقنا إلى سيف بيدنا، بوقف العنف الرسمي الأعمى المنفلت من عقاله الذي يبطش بالبلاد ويفتك بالعباد، ويزيد فرص التطرف والمذهبية والعسكرة، ويفتح أبواب سوريا أكثر فأكثر أمام جميع أنواع التدخلات الأجنبية، وخاصة الشديدة الإيذاء منها، التي تراهن على تدمير دولتنا ومجتمعنا، ما يضعف مواقع روسيا والمعارضة الديموقراطية / الوطنية في آن معا، ويفرض خيارات قاتلة على راهن سوريا ومستقبلها، خاصة إن انتصر النظام واستمر الصراع وتصاعدت الحرب ضد الشعب، أو وقعت صدامات يشرف عليها أهل السلطة بين مكوناته، أو تمزقت البلاد وتقسمت، أو تحول إلى قتال بالواسطة بين جهات دولية متنافسة تخوضه أطراف سورية متنافية... الخ. ولا بد من وقف العنف وحل الأزمة قبل انتخابات الرئاسة الأميركية، التي إن جاءت بالجمهوريين زادت فرص وقوع تدخل عسكري أميركي مباشر، وإن أتت بالديموقراطيين كانت حظوظ التدخل التركي المتعاظم هي أساس الدور الأميركي، الذي يمكن أن يتحول إلى دور مباشر في أي وقت.

هذه النتيجة الصفرية، التي يمكن أن تكون العائد الوحيد للدور الروسي في بلاد يبدو الروس وكأنهم لا يهتمون بتدمير دولتها ومجتمعها على يد نظامها، رغم استمراره منذ نيف وسبعة عشر شهرا بلا توقف، ستترتب على الأرجح على سياسة لا تمسك بالمفاصل الرئيسة للأزمة، وتفوّت على نفسها فرص إدراك ماهيتها الحقيقية، خاصة أن موسكو تساند الجانب الذي ينجز التدمير، سواء من خلال إغلاق أبواب الحل السياسي الداخلي، بيد السوريين ولمصلحتهم، أو عبر الإمعان في حل أمني انقلب إلى حل حربي لا يعرف أحد متى يتوقف، مع أنه صار جليا أنه يعني هلاك سوريا، التي تتحول شيئا فشيئا إلى مقبرة واسعة لشعب تكمن جريمته في مطالبته بحق طبيعي هو الحرية.

هل يراهن الروس على تسوية مع الطرف الأميركي، الذي حددت وزيرة خارجيته السيدة كلينتون خطا أحمر سيكون من الصعب تخطيه، عندما قالت: «إن بشار الأسد واهم إذا كان يعتقد أنه سيهزم المعارضة؟». وهل يتجاهلون معطيات الوضع السوري لأنهم لا يعلقون آمالهم على إنزال هزيمة بالمعارضة جعلها الاميركيون مستحيلة، بل عبر مساومة كبرى مع واشنطن شرطها ما قاله الوزير لافروف في رد غير مباشر على الوزيرة كلينتون: «لن تهزم المعارضة النظام»؟ أخيرا، هل تكون هاتان الاستحالتان بما تضمرانه من توازن للقوى واستمرار للعنف بوابة حل دولي يفرض على أطراف الصراع المحلية؟

هذه الاسئلة تطرح على روسيا سؤالا إضافيا مهماً هو: ما الذي يجبر الطرف الأميركي، الذي يربح من صراع لا يكلفه شيئا، على الانخراط في مساومة مع طرف روسي خاسر تجنبه ضياع حضوره ونفوذه في بلد مهم استراتيجيا وله دور فاعل داخل منطقة هائلة الحساسية والتعقيد، علما ان خروجه منه سيغير المعطيات السياسية والاستراتيجية المحلية وربما الدولية إلى زمن غير قصير، والى درجة ندر أن حدث ما يماثلها؟

هل هناك ما يمكن أن يرغم أميركا على قبول حضور روسيا في سوريا غير قدرتها على إمداد حليفها السوري بمستلزمات إطالة الصراع، مع ما يترتب على ذلك من تطرف وقتال وسلاح ودمار، ويصحبه من أرجحية متزايدة للطرف الأميركي؟

هذه الصورة بما تضمره من احتمالات فردناها بتفاصيلها جميعها أمام أعين محاورينا الروس. لم نطالبهم بقرارات في مجلس الأمن بل بقرار استراتيجي وكبير هو التخلي عن فئة قليلة حاكمة تتحمل مسؤولية أخذ بلادنا إلى كارثة لا قاع لها، وإقامة علاقات وشيجة مع المعارضة، وخاصة منها الديموقراطية، الحريصة على علاقات طيبة مع موسكو، تحمي استقلال سوريا الوطني، وتسهم في إعادة إعمارها وإعادة هيكلة جيشها، والإبقاء على دورها العربي والإقليمي، وتعينها على استرداد أرضها المحتلة، ودعم شعب فلسطين في نضاله من أجل حقوقه الشرعية وفي مقدمها إقامة دولة حرة وسيدة عاصمتها القدس الشريف، وتعيد سوريا إلى وطنها العربي من بوابة علاقات تاريخية لطالما كانت مميزة مع مصر، وتبني صلات متوازنة وآمنة مع جميع الدول... الخ. وقد لفتنا نظر محاورينا الروس إلى جانبين مهمين من المسألة السورية: أولهما أن روسيا وقعت في مؤتمر جنيف وثيقة تقول بمرحلة انتقالية تنقل بلادنا إلى الديموقراطية، وهذا معناه أن الحوار لا يجوز ان يكون إلا مع تلك القوى داخل النظام، التي توافق على هذه المرحلة وهدفها النهائي: الديموقراطية. لذلك، ليس معقولا أو مقبولا مطالبة المعارضة بالحوار مع من يدمرون البلد ويقتلون الشعب، للمحافظة على نظام الاستبداد والحيلولة دون قيام الديموقراطية. وثانيهما: أن وضع سوريا، وليس وضع أي مسؤول فيها، هو الأمر الذي يجب أن نرى الحل من خلاله. إذا رأينا المشكلة السورية بدلالة الرئيس، ولم نر الرئيس بدلالة المشكلة وما تتطلبه من حل، كانت مقاربتنا خاطئة وورطتنا من حيث لا نريد في مأزق قاتل يزداد عمقا ومأساوية منذ عام ونصف العام.

هل غيَّر الروس قناعاتهم بعد الحوار معنا؟ من الصعب قول ذلك، وإن كان واضحا أنهم بدأوا يشكّون في صحة مواقفهم الراهنة، علما أن الدول الكبرى لا تغير قناعاتها لمجرد أنها خاضت نقاشا مع مخالفيها في الرأي، وأن أحد عارفي السياسة الروسية قال لي بثقة: «إن موسكو لن تغير سياستها إلا قبل أيام قليلة من سقوط الأسد!». مهما يكن من أمر، لقد فهم الروس بكل وضوح أنهم يختلفون اليوم مع معارضة قالوا هم أنفسهم خلال اللقاء إنها مستقلة ووطنية وبعيدة عن المال السياسي، وانها لا تحمل السلاح وليست متطرفة أو متأسلمة.

يبقى أخيرا أننا أفهمناهم بلغة لا تحتمل اللبس أننا أتينا للدفاع عن مصالح الشعب السوري وحقوقه، ولم نأت لعقد صفقات مع أي كان أو مع النظام، وأننا نريد لروسيا أن تتصرف بروح الولاء لتاريخ العلاقات بين سوريا وبينها، التي يقوضها موقفها المنحاز الى شخص يقتل شعبه، وينقذها تحالف روسيا مع شعب سوريا، الذي خرج مطالبا بالحرية والدولة المدنية، ويضحى اليوم بحياة بناته وأبنائه في سبيلهما، ولم يخرج كي يقيم دولة دينية، ويعتبر دورها الراهن أساسيا في ما يصيب موقفه من تحول تخشى نتائجه على أمنها القومي الخاص!

========     

رحلة البحث عن الدولة في الثورة السورية

د. حسن جبران

المستقبل

 - السبت 14 تموز 2012

ما أشبه الربيع العربي بمثيل له مرّ على دول كانت اشتراكية. ربيع يحكم بالموت المبكر على مواليد معاقة تضخمت عضلاتها وضمر رأسها، مثل كل الديناصورات في العهود البائدة. تقل حيلتها ويستحيل بقاءها كلما اتجه العالم نحو الرشد والتمدن. فالنظرية البنيوية الوظيفية، تشابه بين المخلوق السياسي والمخلوق البشري، ومن طبيعة خلق البشر أن يكون الرأس في أعلى الجسد بدلالته الرمزية، والقدمان في أسفله. وأن يتوازن العقل مع نمو القوة، وفقدان ذلك التوازن والتركيب البنيوي إعادة مؤلمة تنذر بالموت المبكر لتلك الأجسام غير الطبيعية. في حين يتمتع من يتحكم عقله السياسي بعضلاته العسكرية والأمنية بصحة النمو والتجدد.

لقد كان قدرنا في المنطقة العربية أن نُحكم بديناصورات سياسية ولدت من رحم المؤسسة العسكرية في ظروف تاريخية اقتضت إحضار البزة العسكرية لتغييب المحتل الأجنبي، فعملت بعد أن آل لها مآل السلطة، على تضخيم عضلاته والاهتمام بأقدامها ورهنت عقلها الصغير لقوتها المرعبة، أو لعقول أخرى تسخرها كيفما تشاء. وظنت تلك الديناصورات المعتوهة أن قوتها ضمان لبقائها، فراحت توظف المؤسسة العسكرية في حماية نفسها وضمان بقائها، من خلال وضع الأقرباء وأبناء العصبة المشتركة في مواقع المسؤولية. وخلق مؤسسات عسكرية متميزة في تسليحها وتنظيمها وولاءها لشخص الحاكم، كسرايا الصراع والدفاع والحرس الجمهوري وكتائب الموت.. إلخ. ومن خلال توسيع أجهزة الأمن وعدّ الكلمات والأنفاس. وتزايدت الاحتمالات التي يتم فيها الاعتماد على الجيش في مهمات الأمن الداخلي لدرجة أن طبيعة تدريبه واختيار ثكناته وتمركز تشكيلاته مرهون بالهواجس الأمنية وليس بهواجس المخاطر الخارجية.

كما تفننت تلك الديناصورات المتسلطة في تقزيم العقل السياسي لقوى المجتمع المحلي المختلف، فعملت على عسكرة الحياة الحزبية وحددت لها وظائف أخرى "كالتعبئة الايديولوجية" وجعلتها تدور في فلك الحزب الحاكم بلا حول ولا قوة. وأصبح الجميع مولعاً بالبوط والبذة العسكرية ولغة الأمن الصارمة. وتسلطت الديناصورات السياسية على قرار القوة الناعمة "الثقافة" والعمل السياسي، عبر هيمنة الحزب القائد وتفرد رؤيته في أكبر الأهداف وأصغرها، وأدق تفاصيلها اليومية والقطاعية فتفردت شعارات الحزب وصور أمينه العام المثقل بالنياشين والأوسمة في الشوارع ومناهج الدراسة وفي تنظيم النقابات ومقراته وفي كلمات الأغاني الوطنية والمهرجانات الخطابية.. إلخ. لقد تحولت تلك الأنظمة الى ديناصورات سياسية تحكم بملكية عسكرية جديدة تجمع بين منصبي الرئاسة والقيادة العليا للجيش والقوات المسلحة، وقد التهمت تلك الديناصورات الدولة برمتها، وقضت على حلم الفرح بالمولود الجديد.

ولأنّ السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فكان من المنطقي أن ينتشر الفساد ويتشعب في مؤسسات الدولة والمجتمع، في سياق حياة يومية تحكمها القبضة الأمنية وقوة العسكر، وتنتشر فيها الاتكالية والبيروقراطية وتخشب القوانين وركود العقلية والأداء، والارتكاس الى انتماءات تقليدية غير معلنة، ألغت روح المواطنة والمشاركة والإبداع وجوهر الدولة. وطال الفساد شبكة العلاقات الاجتماعية ووصل الى مؤسسة الأسرة التي بدأت مسارات التنشئة الاجتماعية فيها تتحدد بالمصالح لا بالمبادئ، وبالوصول السريع واقتناص فرص مشبوهة، وبالخوف من الأقارب وتخوينهم وبإعادة إنتاج ثقافة الخوف والروتين.. إلخ.

ظنت تلك الديناصورات أنها ضمنت بقاءها للأبد، من خلال تضخيم عضلاتها وتناسي تنمية عقلها وروحها، ومن خلال تقزيم الآخرين وتدجينهم في قفص رؤية السلطة الوحيدة. ظنت أنها قد امتلكت الساحة من بابها الى محرابها، ونشرت رعبها في كل الأمكنة. بعد أن حولت كل القوى المحلية الى أقزام مرعوبة من ضعفها السياسي والاجتماعي، ومن التوغل الأمني والقوة العملاقة لديناصورات من العهد الحجري.

ولكن المفارقة العجيبة في الربيع العربي المزهر اليوم، أن تلك القوة الرهيبة للديناصورات السياسية العربية المجنحة بجناحي الأمن والعسكر قد تهاوت سريعاً ومن حيث لا تحتسب على يد بائع خضار في زاوية من الحديقة العربية، وعلى يد أطفال صغار في زاوية أخرى. تهاوت كما تهاوى سليمان بفعل أضعف مخلوقات الله، وكأن أقوى العضلات تنهكها أجسام قد لا تُرى بعين النظام، وتتفتت القلاع بقطرات الماء وتذوب المعادن بفعل الصدأ.

في مقابلتي الأولى على شاشة التلفزيون السوري في عام 2005، حول مهارات التواصل والمرونة قلت: لقد انقرضت الديناصورات بكل ضخامتها وقوتها، وأصبحت من العصور القديمة. في حين استمرت باقي المخلوقات "من القرش.. الى وحيدات الخلية" التي تمتعت بالمرونة وتوازن وظائف ومكونات الجسد. وكما انقرضت الديناصورات الطبيعة فإنّ منطق التاريخ يسري على الديناصورات السياسية المرعبة والمغولة والمتضخمة، التي بدأت تتلاشى مع بداية القرن الجديد في الغابة السوفياتية وانتقلت الى الحديقة العربية، وستصل الى الأماكن من كوبا الى إيران وكوريا الشمالية. فلن تكون هناك عروض عسكرية في الساحات الحمراء وبالبذة العسكرية، ولن تكون هناك أجنحة أمنية مثنى وثلاث ورباع، تخفي في غياهب السجون كل من يريد الحرية والكرامة في حديقة الدولة والأحلام، ولن يكون هناك أقفاص لتقزيم الاخوة والأصدقاء والشركاء في ساحات الدولة وحدائقها.

فالبناءات الفكرية والاجتماعية والسياسية التي بلغتها الإنسانية، والتطور الهائل لوسائل الإعلام والاتصال والتواصل والتقنية المذهلة.. إلخ، ومنتجات العقل البشري، لن ولا يمكن أن تسمح لديناصورات السياسة بالعيش بعد الآن. لتؤكد تلك البناءات ومنطق التاريخ، لغة القرآن ومقولة داروين أن البقاء لما ينفع الناس وللأصلح، ولمرونة العقل على قساوة القوة. فالقوة الغليظة تصنع الرعب والدمار والحزن. والقوة الناعمة العاقلة تصنع المدهش والنافع، ومن طبيعة البشر الهروب من الخوف الى الطمأنينة من الدمار الى العمار، ومعيار رقي البلدان تغليب السياسي على العسكري وتناغم تفاعلهم وأدائهم في جسم الدولة، كما هو البناء الهيكلي والوظيفي للجسم البشري.

لقد تلاشت حضارة القوة، وتجددت قوة الحضارات، وفي كل مرة سينهزم منطق القوة ولغة الرصاص والعسكر، أمام منطق العقل ولغة الحوار والقلم، وستنهزم الدبابات والمدافع مهما بلغت أوزان قذائفها ومدها وقدرتها التدميرية، أمام خصائص الجوال والكومبيوتر ومبضع الشفاء.. إلخ وحسن توظيفهم السليم، وقدرة منتجهم العاقل على إعادة الإنتاج بقيم مضافة.

إن الديناصور السوري المرعب بدأ يلفظ أنفاسه منذ أن هيّجته أصابع الأطفال في درعا وهي تكتب نهايته على جدران مدارسهم قفضمها وأجسامهم الغضة، وهو موقن بنبوءة الطفولة". وإلا ما جنّ جنونه أصلاً. وصحوة الموت التي يمر بها دفعته نحو القتل والدمار والتوحش في استخدام كل مخالبه وقوته وجبروته، واستقوائه بما تبقى من ديناصورات العالم والمنطقة، على أمل طول البقاء.. بيد أن عمره الافتراضي قد انتهى وهو في نزيف داخلي خطير وخارجي دائمين، واعتلال واضح وموت بطيء مشاهد. وفي القريب العاجل سيدخل هذا الديناصور الهرم الموت السريري، الى أن يعلن عن تلاشي أنفاسه وتوقف نبضات حياته الأخيرة.

لقد عاد الحلم الى الشام بمولود جديد يعوّضنا عن ولدنا المعاق والعاق، بعد أن هرمنا... وظننا أن شيخوخة أهل الشام والشهباء وابن الوليد... كشيخوخة ابراهيم الخليل... أنى يكون لنا ولدٌ وقد بلغنا من العمر عتياً....، بيد أن أنه ليس حلماً بل رؤية بانت بشائرها تتجلى وتحقق ولا تحبطنا الدماء وشدة الألم، فكلما ازداد الألم اقتربت الولادة. ولما كانت نهاية عصر الديناصور في سوريا مجرد وقت قد يقصر أو يطول قليلاً، تحتاج سوريا اليوم وبكل مكونات صناع ثورتها، أكثر من أي وقت مضى، الى أن تبتكر للعرب والعالم أبجدية سياسية رائعة تتناغم مع قيمة التضحيات التي قدمها الشعب السوري الأسطوري، متفرداً في مقارعة الديناصور المرعب ومستبسلاً في القضاء عليه. والعالم يقف حائراً ومندهشاً وعاجزاً، ويبدو وكأنه ومستمتع بهذه المقارعة العنيدة، ينوس بين موقف إنساني وأخلاقي دافع وبين مصالح ومخاوف محجمة مبنيّة على معرفة تركيبة هذا النظام. أبجدية تكامل منجزات السوريين عبر التاريخ القديم والحديث في مختلف الميادين. وتقوم هذه الأبجدية على التحرر من ثقافة الديناصورات ذات الرأس والقلب والصغير، والأزرع المتطاولة والقوة المرعبة، والتأسيس لجسم سياسي "دولة" يتوازن فيه العقل السياسي مع مفردات القوة: بناءً ووظيفة وتركيباً وعلاقة مع الآخر. جسم ينعم جميع أعضائه بالصحة والعافية والفائدة. ويشترك جميع الأعضاء في سيره نحو الأمام ليلحق بأقرانه في سباق الحياة ورحلة الإنسانية.

وإذ تقوم الثورة السورية الراهنة على مكوّني الهدم والبناء: هدم النظام القديم وتفكيكه، وبناء نظام جديد. نؤكد بإلحاح شديد على ضرورة نقد الدولة الوطنية الحديثة بعد هدمها وإعادة تشكلها داخلياً وذاتياً، لكي تتجسد الأمة من جديد وتعاد لها فاعليتها الضابطة للمجتمع السياسي المتمدد (الدولة). على قاعدة التوازن أو إعادته بين روابط متعددة (علاقة السلطة بالمجتمع علاقة الريف بالمدينة علاقة هوية المجتمع بهوية الدولة علاقة الديني بالسياسي علاقة الرجل بالمرأة الانتقال من ثقافة الرعايا والأقليات الى ثقافة المواطنة..... إلخ)، فتوازن هذه الثنائيات يقود الى بناء الدولة الأمثولة، وهي الخطوة المهمة في أي مسار تنموي لأي أمة أو جماعة.

=================

سوريا: هل حلَّ وقت المساومة الكبرى

بين الروس والأميركان؟!

د. نقولا زيدان

المستقبل 

السبت 14 تموز 2012

لم تنجح قمة جنيف الأخيرة (30 حزيران) الموسعة في الوصول الى موقف موحد للدول الكبرى الخمس لحل الأزمة السورية. فقد كان كوفي عنان وهو منسق أنشطة المؤتمر قد عمد الى استبعاد كل من إيران والسعودية وذلك تجنباً للتوتر والنقاش الحاد وإضفاء جو من الهدوء عليه. فالنظام الأسدي مستمر في سياسة الأرض المحروقة وتدمير المدن وتنفيذ المجازر بحق المدنيين مستخدماً كافة أنواع الأسلحة، والمعارضة الملحة تزاوج بين حرب العصابات والمواجهة الصلبة الشرسة في المواقع التي التحقت بالثورة. والتصريحان الأميركي والروسي حول مستقبل سوريا تحدثا عن "مرحلة ما بعد الأسد" إلا أن تفسير هذه العبارة جاء متناقضاً على لسان لافروف وكلينتون، فتنحية الأسد العاجلة ليست واردة بالنسبة لموسكو الآن وهي تتحدث باستمرار عن الحل السياسي، بينما تعتبر واشنطن تنحية الأسد شرطاً لهذا الحل. وبالرغم من تعليق المراقبين الدوليين عملهم، وهم الذين شاهدوا استخفاف النظام الدموي ببنود عنان بضرورة الكف عن أعمال العنف لا بل كانوا شهود عيان على المجازر البشعة التي ارتكبتها كتائبه وفرق الموت التابعة له، فما زال عنان يعتقد بإمكان الوصول الى حل سياسي للأزمة. وما دام الموفد العربي الدولي ماضيا في تفاؤله هذا فباستطاعته سماع بوتين في خطابه أمام سفرائه التركيز المسهب على الحل السياسي وابلاغ "لافروف"أحد أجنحة المعارضة برئاسة ميشيل كيلو اصرار روسيا عليه. وبالمقابل فإن إيران، ذلك البلد الذي يصر عنان على مشاركته في أية محادثات سلام حول سوريا، فهو دون ضجيج، وبالإناة والصبر، قد أصبح قوة اقليمية لا يجوز الاستهانة بإمكاناتها. لقد أثبتت إيران أنها طرف مؤثر في عملية السلام التي لا يمكن أن تتم وتنجز إلا بمساهمتها، تماماً كما جرى في العراق حيث عقدت اتفاقاً ضمنياً مع الأميركيين كفل لهؤلاء نفوذاً جرى تقاسمه مع طهران. لقد أصبحت قوة اقليمية تنعم بمساندة موسكو المطلقة وتعاطف مكشوف من الصين التي تتصدر قائمة الدول المستوردة للبترول الايراني. يصرح وزير خارجيتها في زيارة خاطفة للخليج وعقب اطلاعه من "عنان"على فحوى محادثات جنيف: " ما من رئيس خالد على وجه الأرض" وذلك بإشارة للرئيس الأسد، إلا أنه يضيف بتعليق لافت "انه على الشعب السوري أن يختار رئيسه عام 2014 "(موعد انتخابات الرئاسة السورية المقبل)... معنى هذا الكلام ان كثيراً من الدم السوري سيسفك وكثيراً من المدن والقرى ستحرق، وان دماراً شاملاً سيحل بسوريا ما دامت المعركة مفتوحة حتى عام 2014 إن لم يكن أبعد من ذلك بكثير.

ويتساءل الرأي العام العربي حيال استمرار النزف وشيوع الدمار بالوتيرة المخيفة القائمة الآن، على ضوء هذه التصريحات والمواقف عما سيتبقى من سوريا والحالة هذه. لكن بعضهم يجيبون بتعليق فيه الكثير من المرارة والواقعية السوداء انه سيبقى الكثير الكثير من الركام والدمار كمادة دسمة لشركات إعادة البناء والاعمار في مرحلة ما بعد الحرب. عندها ستتسابق رؤوس الأموال العالمية العملاقة في مشاريع رفع الأنقاض وبناء ما تهدم وستكون لروسيا بلا شك حصة كبيرة في هذه المشاريع، ما دامت المفاوضات الأميركية الروسية ستؤدي حتماً الى الحفاظ على المصالح الروسية على ارض سوريا.

لقد دلت مفاوضات جنيف ان سلة المطالب الأميركية ونظيرتها الروسية التي يجري التفاوض عليها كسلة كاملة (a Whole package) تمثل فيها الأزمة السورية مفتاحاً لسائر القضايا العالقة. ذلك أن هذه الازمة تشكل المدخل للتفاهم الأميركي الروسي حول جملة المسائل التي يعتبرها الطرفان في غاية الحيوية بالنسبة لمصالح العملاقين ولعل أهمها على الاطلاق الدرع الصاروخي الذي تم نصبه في تركيا في الطرف الجنوبي الشرقي لحلف الناتو. وتدخل في مخاوف موسكو من التوسع المثير للقلق لحلف الناتو النوازع التي بدت جلية في أوكرانيا بعد سقوط كوتشما (2004) ومنازعات "ساكاشنيلي" (جيورجيا) مع موسكو في القفقاس لدرجة أنه استضاف معسكرات تدريب المقاتلين التشيتشان على أرضه، لا بل تورطَ الأميركيون أنفسهم في مساندة الثوار التشيشان.

إن الروس ينتهزون فرصة الأزمة السورية وتداعياتها الاقليمية الخطيرة فيعبّرون عن تشددهم في شروط حل هذه الأزمة ليفهموا الأميركيين من خلال ذلك أنهم لا يسمحون لا للأميركيين ولا لحلفائهم الأطلسيين بزجهم في حرب باردة جديدة. إن حرباً كهذه والتي ظهرت بوادرها في ليبيا أول الأمر حيث تضررت التوظيفات البترولية الروسية كثيراً من النتائج الاقتصادية للربيع العربي هناك، والتي تظهر بوضوح أكثر في سوريا الآن، تذكّر الروس كثيراً بآخر أيام الاتحاد السوفياتي وكم كانت باهظة الأثمان قضية التسابق نحو التسلح الكوني في ما سمّي آنذاك بحرب النجوم. فقد كان ذلك سبباً رئيساً في انهيار النظام السوفياتي.

إن فلاديمير بوتين الساعي بكل قواه لتحويل روسيا الى دولة صناعية كبرى وحيث أن روسيا تمتلك الامكانات الوفيرة من خامات وطاقة بل طاقة بشرية أيضاً، لا يتوانى عن مواجهة الأميركيين وحلفائهم الساعين لقلب النظام السوري.

انه يسعى في سوريا الى تسوية سياسية تكفل لروسيا مصالحها. لكن مصالح روسيا في المنطقة لا تقتصر على سوريا فحسب بل على جملة مسائل رئيسة لا تستطيع روسيا التهاون فيها والتنازل إلا بالقدر الذي ستكشفه المفاوضات التالية وهي ما زالت تتطلب بعض الوقت لتصبح أمراً واقعاً لا مهرب منه. أما أن يبقى الأسد وأسرته وحاشيته أو لا يبقى فذلك الأمر ستظهره حتماً المفاوضات.

=================

موسكو تخطط لإخراج مواطنيها فيما لو استدعى الوضع المتقلب تدخلاً فورياً

سفن روسيا في سوريا... مناورات حربية أم عمليات إخلاء؟!

فريد وير

الاتحاد

تاريخ النشر: السبت 14 يوليو 2012

يتوجه في الوقت الحالي أسطول بحري عسكري روسي صغير نسبياً، يتألف من نحو اثنتي عشرة سفينة حربية تم انتقاؤها من ثلاثة أساطيل بحرية روسية، نحو منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، من أجل إجراء مناورات حربية هناك. ومن المنتظر أن يرسو أسطول السفن الروسية في ميناء طرطوس السوري الذي تدير فيه روسيا قاعدة بحرية خاصة بالإمدادات العسكرية واللوجستية.

المسؤولون الروس يشددون في تصريحاتهم خلال الأيام الأخيرة، على أن المناورات الحربية التي يزمع أن يشارك فيها أسطول السفن المذكور، إنما كانت مبرمجة ومخططاً لها منذ وقت طويل قبل الآن، وأنها مصممة أصلاً من أجل كل الأهداف المعتادة لمثل هذه المناورات، وفي مقدمتها إظهار العلم في مناطق بعيدة من الموكب.

لكن تفصيلاً واحداً لافتاً في هذا الخصوص، يخبرنا بقصة مختلفة تماماً عن كل الرويات الرسمية الروسية. ومفاد ذلك التفصيل أن نصف السفن المتوجهة نحو المتوسط، والتي تم انتقاؤها من الأساطيل البحرية الروسية في القطب الشمالي وبحر البلطيق والبحر الأسود، هي سفن برمائية هجومية عملاقة.

وهذا النوع من السفن يصلح لنقل أعداد كبيرة من الناس (والدبابات)، وإدخالهم وإخراجهم من أماكن ضيقة. ووفقاً لما يقوله الخبراء فإن هذا المعطى يمثل دليلاً دامغاً إلى حد كبير على أن الحكومة الروسية تعمل في الوقت الحالي على الاستعداد للتعامل مع ظروف أو ضرورات طارئة، وربما وشيكة في سوريا، ومن ذلك إجلاء عشرات الآلاف من المواطنين الروس وعائلاتهم من الأراضي السورية في وقت بدأ ينهار فيه نظام الرجل القوي، حليفهم في دمشق بشار الأسد.

وفي هذا السياق، يقول سيرجي ماركوف، نائب رئيس جامعة بليخانوف الاقتصادية في موسكو، والذي يقدم استشارات بين الحين والآخر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "إنني واثق جداً من أن روسيا تفكر حالياً في كيفية التعاطي مع حالة نكون فيها مضطرين إلى إخراج عشرات الآلاف من مواطنينا، وآخرين ربما من دول أخرى، من الوضع الخطير والمتقلب القائم في سوريا حالياً". ويضيف المحلل الروسي قائلاً: "هذه المناورات كانت مبرمجة منذ وقت قبل الآن، وهدفها هو إظهار دعم روسيا للأسد ونظامه، وكذلك التأكيد على دورها المهم في المنطقة، إلا أن خليط السفن المشاركة والموجودة ضمن الأسطول الصغير، ربما جاء على ذلك النحو من أجل هدف أكثر عملية وارتباطاً بتطورات متوقعة أو غير متوقعة".

والجدير بالذكر هنا أن سوريا ما فتئت الشريك السياسي والعسكري الرئيسي لموسكو في المنطقة منذ عام 1971، لذلك نلاحظ الموقف الروسي الرافض بشدة قبول أي عمل دولي من شأنه إعطاء الضوء الأخضر لتدخل عسكري أو عقوبات مشددة ضد نظام الأسد، كما حدث مع نظام القذافي.

غير أنه خلال الأسابيع الأخيرة، بدأت موسكو، التي أخذت تشعر ربما بالنهاية التي لا مفر منها للأسد، تغير مواقفها تدريجياً وتشير إلى أنها لن تتمسك بالأسد حين لا يتمسك به شعبه! فخلال الأسبوع المنقضي، على سبيل المثال، أعلنت روسيا عن اعتزامها إلغاء صفقات أسلحة جديدة مع سوريا. ويوم الثلاثاء الماضي، استضافت موسكو وفداً من قيادة "المجلس الوطني السوري"، الذي يمثل مجموعة المعارضة السورية الرئيسية في المنفى، وذلك في إطار جهود تروم إظهار نوع من المرونة والانفتاح على كل الأطراف.

وضمن هذا الإطار، يقول فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مطبوعة "راشا إن جلوبل أفيرز" (روسيا في الشؤون العالمية)، وهي دورية مرموقة متخصصة في السياسة الخارجية تصدر من موسكو، "هناك نوع من التحول في الموقف الروسي، والذي يمكن رؤيته في الموقف الدبلوماسي الأكثر نشاطاً الذي يتم اتخاذه حالياً"، مضيفاً قوله في هذا الصدد: "إن روسيا تتطلع إلى تنويع خياراتها".

وإلى ذلك، فقد أفادت وسائل الإعلام الروسية بأن الفرقاطة المضادة للغواصات،"الأدميرال شابانينكو"، إضافة إلى ثلاث سفن هجومية ضخمة هي: "ألكسندر أوتراكوفسكي"، و"جورجي بوبيدونوسيتس"، و"كوندوبوجا"، هي في طريقها حالياً إلى البحر الأبيض المتوسط برفقة سفينة إمدادات وزورق سحب من قاعدة الأسطول البحري الشمالي بالقرب من مورمانسك. ومن المرتقب أن تنضم إلى طرادات وسفينة صهريج من أسطول بحر البلطيق ترسو بميناء كالينينجراد. ومن المنتظر أن تلتحق بها في شرق المتوسط خمس سفن أخرى من أسطول البحر الأسود، مثل المدمرة سميتليفي وسفينتين هجوميتين برمائيتين -تسميان حسب بعض التقارير"قيصر كونيكوف" و"نيكولاي فيلشنكوف"- هذا إضافة إلى سفينتين أصغر حجماً.

وفيما يخص المواطنين الروس الذين يقيمون في سوريا، فإن التقديرات بشأن عددهم تصل إلى حوالي 100 ألف نسمة، وإن كان لا أحد على ما يبدو يمتلك رقماً واضحاً حول هذه الجالية الروسية. ويعزى أحد أسباب ذلك إلى حقيقة أن آلاف النساء الروسيات تزوجن من سوريين خلال الأربعين سنة الماضية، أي منذ أن أصبحت سوريا شريكاً رئيسياً للاتحاد السوفييتي، وبدأت أعداد كبيرة من الطلبة السوريين (الذكور في معظمهم) يتدفقون على الجامعات الروسية للدراسة وتلقي العلم.

وفي هذا السياق، يقول جورجي مرسكي، الخبير في"معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية" الرسمي في موسكو، إنه "لا أحد يعرف على نحو دقيق عدد المواطنين الروس في روسيا، لكن يمكن القول إن العدد عموماً ربما يتراوح بين 30 و40 ألف روسي وروسية، معظمهم من النساء الروسيات، زوجات الطلبة السوريين السابقين الذين عادوا للعيش في بلادهم مع زوجاتهم الروسيات خلال العقود الماضية". ثم يضيف مرسكي قائلاً: "إن هناك الأطفال وأقارب آخرين. وهناك أيضاً أعداد أصغر من المسؤولين الروس وعائلاتهم"، إضافة إلى موظفي الشركات الروسية العاملة في سوريا.

ويقول سيرجي ماركوف، الذي أشرنا إليه في بداية هذا المقال، إن روسيا يمكن أن تتكفل أيضاً بمواطني بلدان أعضاء في رابطة الدول المستقلة، إضافة إلى ما يقدر بنحو 30 ألف نسمة من الشركس، والذين ينحدرون من القوقاز وقد فروا من روسيا في القرن التاسع عشر، والذين يقال إن بعضهم تقدم بطلبات للحكومة الروسية من أجل إعادتهم إلى مناطقهم الأصلية في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.

ويرى بعض الخبراء أن روسيا أخذت العبرة والدرس من الصين عندما قامت هذه الأخيرة بإجلاء أكثر من 30 ألفاً من مواطنيها بنجاح من ليبيا أثناء الحرب الأهلية هناك خلال العام الماضي، حيث استعملت سفينة للقوات البحرية الصينية من أجل إنجاز جزء من المهمة

ويقول لوكيانوف في هذا الصدد: "إن الجميع انبهر بالعملية الصينية، التي مثلت حدثاً بارزاً"، مضيفاً القول: "وهذا يعني أننا لا يمكن أن نقوم بأقل من ذلك، إذا ما استدعت الضرورة القيام به فعلاً".

=================

سوريا .. أزمة نظام أم أزمة بديل؟ 2/2

أ. نجيب الخنيزي

عكاظ

14-7-2012

تحدثت في مقالي السابق عن أزمة النظام السوري، بكونها أزمة هيكلية (بنيوية) شاملة في أبعادها ومكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والأخلاقية، وهذا يعني في علم الاجتماع السياسي، أنه ليس نظاما فاقدا للشرعية (وهو ليس النظام العربي الوحيد على الصعيد) فقط، بل أنه نظام أخذ بالتعفن والترهل، إذ لم تعد أساليبه وممارساته القديمة/الجديدة القائمة على تعميم القمع والخوف بين الناس، وتقديم بعض الامتيازات والإغراءات لجماعات محدودة من مناصريه ذات جدوى، حيث تتسارع عملية تفكيك قاعدته الاجتماعية/ الاقتصادية، وماكينته البيروقراطية/ الأمنية على حد سواء، مما سيقلص بشكل جدي قدرته على الصمود والبقاء طال الوقت أم قصر. غير أن الخبرة التاريخية المكتنزة للشعوب تؤكد بأن وجود الأزمة أو حتى استفحالها لدى نظام ما، لا يعني بالضرورة سقوطه الحتمي والتلقائي، كثمرة فاسدة، إذ يتطلب ذلك جملة من الاشتراطات الموضوعية والذاتية في الآن معا، والتي في مقدمتها أولا: تحديد مدى تبلور الإجماع الوطني من خلال تقبل غالبية مكونات الشعب (الاجتماعية والاثنية والدينية والمذهبية والجهوية) والنخب السياسية والاجتماعية والفكرية على اختلافها لفكرة التغيير والثورة. ثانيا: وحدة أطياف المعارضة (على الأرض) على اختلاف مكوناتها السياسية والأيدلوجية، واتفاقها المبدئي على هدف وشعار مركزي للعمل على الأرض و برنامج مشترك للبديل الوطني. هذان العاملان لعبا الدور الحاسم في عملية التغيير التي شهدتها بلدان عربية مثل تونس ومصر وليبيا واليمن. في الحالة السورية لا تزال هناك شكوك لدى قطاعات مهمة من الشارع السوري ونخبه، في توفر ذلك نظرا لحال التشرذم والانقسام والتعارض الحاد بين صفوف المعارضة السورية والذي يصل إلى حد كيل اتهامات واتهامات مضادة للطرف الآخر بالعمالة والتآمر (وهي لعبة النظام المفضلة على الدوام) سواء للخارج (الإقليمي والدولي) أو للداخل المتمثل في النظام الحاكم. تاريخيا فإن عملية الانقسام والتشظي، ليس لأسباب سياسية وأيدلوجية في المقام الأول وإنما لأسباب ذاتية ونفعية هي سمة عميقة للمعارضة السورية بمختلف أطيافها على مدى عقود، وعلى سبيل المثال كان هناك أكثر من 20 فصيلا وحركة ماركسية (ما بين معارضة وموالية للنظام) في سوريا، والأمر ذاته ينسحب على باقي التيارات الأخرى، في حين حافظ التيار الإسلامي وخصوصا حركة الإخوان المسلمين على وحدتها نظرا لشدة القمع الذي طاولها في الداخل وتفرقها وتشتتها في الخارج، وقد كان المستفيد الوحيد من استمرار هذه العملية العبثية هو النظام السوري الحاكم في المقام الأول، ويبدو بأن داء الانقسام المزمن قد انتقل بدوره إلى صفوف المعارضة الحالية، عبر حالات الاصطفاف والصراع بين ما سمي بمعارضة الداخل ومعارضة الخارج، وما بين المجلس الوطني السوري، وبين هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، وما بين قوات الجيش السوري الحر وعشرات التشكيلات المسلحة الأخرى. لقد وصل الأمر إلى تبادل الشتائم والتخوين بل واللكمات ما بين ممثلي المعارضة السورية كما حصل في الاجتماع الأخير للمعارضة السورية الذي رعته الجامعة العربية في القاهرة وهو ما من شأنه الإساءة إلى سمعتها ومصداقيتها في الداخل والخارج ولم تكن مصادفة مطالبة بشار الأسد أثناء لقائه الأخير مع المبعوث الأممي والعربي كوفي أنان لمناقشة البنود الستة واستمرار مهمة المراقبين الدوليين بتسمية شخص مسؤول يمثل المعارضة، ولم يملك أنان سوى الصمت.

=================

رأي الراية ... قطر تدين مجازر الأسد

الراية

14-7-2012

حماة، درعا، القبير، الحولة، جبل الزاوية، دوما، وأخيرًا وليس آخرًا التريمسة في ريف حماة كلها شواهد على وحشية ودموية نظام بشار الأسد. هذه الأسماء الآنفة حُفرت على ذاكرة الدم السوري كضريبة باهظة الثمن، دفعها هذا الشعب الأعزل المطالب بنيل حريته من نظام قمعي واستبدادي جثم على صدور السوريين عشرات السنين بنسختيه المتطابقتين تمام التطابق، نظام حافظ الدموي وبشار الإجرامي.

بلدة التريمسة الحموية، أصبحت فصلاً جديدًا في كتاب مجازر الأسد الدموية، فيبدو أن حماة لم تُسدّد ما عليها من فاتورة الدم كي تنال حريتها، فبعد مجازر نظام الأب حافظ في ثمانينيات القرن المنصرم، ها هي تدفع الفاتورة مجدّدًا ففي فجر أول من أمس حاصرت قوات الأسد الإجرامية البلدة من جهاتها الأربع وأعملت فيها القتل والذبح حتى ساعات المساء، وما غادرتها إلا وقد تركتها أثرًا بعد عين، وكانت حصيلة الضحايا الأوّلية 305 قتيل تنوّعت طرق قتلهم بين القصف والحرق والإعدام الميداني والنحر بالأسلحة البيضاء، ثم قاموا برميهم في الحقول والمزارع واقنية المياه، انتقامًا من مطالبهم بالديمقراطية والعيش بحرية على ارضهم، في ظل نظام عصري يُولد من رحم الشعب أبعد ما يكون عن النظام الحالي المتحجّر.

دولة قطر انحازت منذ البداية للشعب السوري وهي نبّهت في كل مرّة وفي شتى المحافل الدولية على أن النظام السوري ينفذ حرب إبادة على الشعب، وطالبت بمواقف فاعلة وإجراءات لحقن دماء السوريين، وإيقاف جرائم بشار الأسد، وهي إذ تستنكر بأشد وأقسى العبارات مجزة التريمسة الوحشية والتي طالت الأبرياء والمدنيين العزل، فإنها تُطالب بفتح تحقيق فوري وجدي في هذه المجزرة والمجازر التي سبقتها وملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة، من دون تساهل أو تهاون من أجل ردع الأسد من تكرار مثل هذه الجرائم بحق الشعب الأعزل.

يبدو أن آلة الأسد الإجرامية لم تشبع بعد من دماء السوريين، فعلى مدى ستة عشر شهرًا استمرّت في ارتكاب المجازر، التي يبعث عبرها برسائل للسوريين وللعالم إمّا أنا أو الدم والمجازر والفناء، ولكنه لم يُدرك بعد أن من خرج لطلب الحرية لن يعود دون الحصول عليها وإن بذل في سبيلها حياته، فلن تُجدي نفعًا تلك المجازر في إطالة عمر النظام بل هو في الحقيقة يرقص رقصة المذبوح الذي يكاد يظفر بحياته وهي تهرب منه، فالانشقاقات الكثيرة والنوعية في الآونة الأخيرة تُؤكّد أن النظام شارف على النهاية.

=================

الملف السوري: تحرك تركي حَذِر

تاريخ النشر: السبت 14 يوليو 2012

الاتحاد

سيريل تاونسيند

من غير المستبعد أن تؤدي الحرب الأهلية الرهيبة المشتعلة حالياً في سوريا بين قوات النظام والمتمردين إلى جر تركيا، حتى قبل نهاية السنة الجارية، إلى نزاع مسلح مع سوريا، لتجد أنقرة نفسها متورطة في حرب ربما لا تريدها. فقد تنامت حدة التوتر بين الجارتين وتسارعت وتيرته خلال الأسابيع القليلة الماضية. فتركيا وبقيادة حكيمة من أردوجان وحزبه ذي المرجعية الإسلامية، "العدالة والتنمية"، وبعضويتها في حلف شمال الأطلسي، وقوتها العسكرية والديموغرافية (78 مليون نسمة)... استطاعت بواسطة كل ذلك جمع رصيد مهم من القوة والنفوذ في المنطقة أهلها لتكون طرفاً أساسياً في الصراعات المشتعلة، تساعدها في ذلك إنجازاتها الاقتصادية على مدار السنوات الماضية، وتفاديها للديون خلافاً لدول أوروبا الغربية المثقلة بها. وأمام هذه القوة المستجدة التي يوفرها اقتصاد متصاعد وقوة عسكرية كبيرة، بدأت تركيا تبتعد في سياساتها الخارجية عن أوروبا لتقترب من منطقة شرق المتوسط الحافلة بالمشكلات والرهانات، لذا لم يكن غريباً أن تدلي تركيا بموقفها الواضح منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة السورية، إذ سعت في البداية إلى تقديم النصيحة للرئيس الأسد، مستغلة في ذلك قنوات التواصل المباشر بين قادة البلدين والعلاقات الودية التي كانت تجمعهما حتى تلك اللحظة. لكن عندما تفاقمت الأزمة وبدا النظام في دمشق مصراً على الحل الأمني، كان موقف أردوجان واضحاً بمطلبه الداعي إلى تنحي الأسد من السلطة قائلاً: "أومن بأن الشعب السوري سينتصر في مقاومته المجيدة"، مضيفاً في خطابه للأسد: "ليس من البطولة في شيء أن تحارب شعبك، وإذا أردت أن ترى مصير من فعل ذلك انظر إلى ألمانيا النازية وإلى موسوليني وتشاوسيسكو في رومانيا".

والحقيقة أن سوريا كانت صدمة كبيرة لتركيا التي علّقت عليها آمالاً كبيرة في دخول الشرق الأوسط والتقرب من شعوبه، فقد اعتقد الأتراك أن السوريين سيقتدون بنموذجهم الديمقراطي الذي يلقى صدى إيجابياً في بلدان الشرق الأوسط، كما أن تركيا عوّلت على سوريا لتعزيز العلاقات الاقتصادية.

وربما ينسى المراقبون في أوروبا دور الوساطة المهم الذي لعبته أنقرة في مفاوضات السلام بين إسرائيل وسوريا قبل انهيارها والنجاحات التي تحققت في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، بتشجيع أميركي. وبالطبع كان مهندس العلاقات السورية التركية وزير الخارجية اللامع وأستاذ العلوم السياسية أحمد داود أغلو، فهو منظّر سياسة "تصفير المشاكل" مع الجيران، والمدافع عن نسج تركيا لعلاقات مميزة على الصعيدين السياسي والاقتصادي مع الدول المجاورة، وهي سياسة يبدو أنها تبدلت بعد الأزمة السورية لتتحول إلى مناهضة القمع كلما سنحت الفرصة لذلك، وإبداء موقف مناهض للتدخلات العنيفة ضد الحركات الاحتجاجية السلمية.

وتركيا في هذا السياق تنظر إلى نفسها من منظور حركات الإسلام السياسي الصاعدة في تونس ومصر وسوريا. وبالنظر إلى الحدود المشتركة بين تركيا وسوريا (450 ميلاً)، كان لابد من انخراط أنقرة حتى دون رغبتها، فقد جعلها القرب الجغرافي ملاذاً آمناً للنازحين السوريين من جحيم القمع والتنكيل ليصل عددهم في المخيمات التركية إلى حوالي 35 ألف لاجئ، هذا بالإضافة إلى العسكريين السوريين الذين انشقوا عن الجيش.

ومع ذلك فقد قرر أردوجان التحرك بحذر شديد في الملف السوري، مكتفياً في الوقت الحالي بتقديم الدعم للمجلس الوطني السوري المنقسم على نفسه، وللجيش السوري الحر.

وحتى عندما أسقطت النيران السورية طائرة مقاتلة تركية بعدما اخترقت لفترة بسيطة الأجواء السورية، تمسك أردوجان بسياسة ضبط النفس وعدم الانجرار لأية مواجهة. وربما ساعد في ذلك تأسف الأسد على إسقاط الطائرة التركية، مؤكداً أن دفاعات جيشه لم تكن تعرف أن الطائرة تابعة للجيش التركي. لكن إسقاط الطائرة كان كافياً لدفع تركيا بتعزيزات عسكرية إلى المناطق الحدودية والإعلان عن تغيير قواعد الاشتباك مع سوريا، وهو أيضاً ما يفسر إرسال تركيا ست طائرات مقاتلة لدى اقتراب مروحية سورية من الحدود في علامة على جدية الحكومة التركية في مواجهة أي اختراق لحدودها.

ويبقى الانطباع السائد اليوم عدم رغبة تركيا في الانجرار إلى نزاع مسلح ما لم تحظَ بدعم واضح من "الناتو" ومساندة المجتمع الدولي، وهي لن تدفع بجيشها، البالغ قوامه نصف مليون تقريباً و4500 دبابة، إلى إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري إلا بتأييد دولي واضح. وهنا يمكن الرجوع إلى المنطقة الآمنة التي أقامتها تركيا شمال العراق لحماية الأكراد عام 1991 بعد مبادرة بريطانيا وباقي القوى الغربية، لكني لا أعتقد أن تركيا ستحصل على دعم في هذه اللحظة من الناتو أو الاتحاد الأوروبي، أو حتى أميركا التي تجتاز هذه الفترة موسمها الانتخابي. فالناتو الذي قاد العمليات ضد النظام الليبي السابق ليس مستعداً لخوض عملية أخرى بسبب الأعباء المالية من جهة والورطة الأفغانية من جهة أخرى. بيد أن الحرص التركي والغربي معاً على عدم الدخول في حرب مكلفة وصعبة وربما تجر قوى إقليمية أخرى إلى أتونها، لا يعني أن الحرب مستحيلة، لاسيما وأنه لا أحد يعرف ما ستؤول إليه التطورات الميدانية، وما إذا كانت ستخرج عن السيطرة. فلو أسقطت مثلاً طائرة تركية أخرى لن يكون من السهل على القيادة التركية تجنب الرد العسكري بضغط من الرأي العام، كما أن التطورات الميدانية في الساحة السورية بدأت تتجه، وإن ببطء، نحو تغليب كفة الثوار، فالانشقاقات متزايدة في صفوف الجنود السنة، بالإضافة إلى هروب الضباط ووحدات صغيرة من الجيش السوري، هذا بالإضافة إلى اقتراب المعارك من قلب العاصمة دمشق.

=================

جمعة إسقاط "جمعة" عنان

تاريخ النشر: السبت 14 يوليو 2012

د.سعد بن طفلة العجمي

الاتحاد

"مصافحة الشيطان: فشل الإنسانية في رواندا"، عنوان كتاب ألفه الجنرال الكندي "روميو دالير"، والذي كان قائداً لقوة الأمم المتحدة برواندا عام 2003، في الكتاب وفي شهاداته يعبر الجنرال "دالير" عن الغرابة لعدم اكتراث كوفي عنان لتحذيراته من خطورة الوضع. كان عنان حينها رئيس عمليات السلام في الأمم المتحدة في الفترة من 93-96 من القرن الماضي قبل أن يصبح أميناً عاماً للمنظمة الدولية، بل يسجل الجنرال أن عنان تدخل شخصياً لمنع قوات الأمم المتحدة من التدخل لوقف مجازر "التوتسي"، والتي راح ضحيتها ثمانمائة ألف إنسان ذبحاً ونحراً وجزراً. بعد مضي عشر سنوات، اعترف عنان بتقصيره وبأنه لم يأخذ تحذيرات الجنرال "دالير" على محمل الجد!

في عام 1995، ارتكبت مجزرة "سيربرينيتشا" بيوغوسلافيا أمام مرأى ومسمع قوات الأمم المتحدة حين كان عنان-مثلما هو اليوم- مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة بيوغوسلافيا!

بعد فشله الذريع في رواندا ويوغوسلافيا وأثنائها العراق، أصبح "عنان" أميناً عاماً للأم المتحدة، وكوفيء بجائزة نوبل للسلام مشاركة مع الأمم المتحدة عام 2001، وتلا ذلك الفشل فضائح طالت اسم ابنه في برنامج النفط مقابل الغذاء الذي أنشأته الأمم المتحدة للشعب العراقي واستغله صدام حسين لشراء الولاءات الخارجية وإطالة عمر نظامه.

للموضوعية، فقد سجل له الكينيون نجاحه الوحيد كوسيط دولي عام 2008 حين أنهى الخلاف بينهم بعد انتخابات الرئاسة في كينيا. غادر عنان أهم منصب بروتوكولي في العالم- الأمين العام للأمم المتحدة- بسجل أقل ما يقال عنه بأنه فاشل في وقف الفظائع التي ارتكبت بعهده، ولكن جامعة الدول العربية والأمم المتحدة اختارت الرجل الذي شارف على الخامسة والسبعين من العمر ليكون مبعوثاً دولياً خاصاً لسوريا. كان ذلك في فبراير الماضي، أي قبل خمسة أشهر قتل فيها الآلاف وشرد وجرح واعتقل ولجأ عشرات الآلاف وارتكبت مذابح مروعة عرف منها الحولة والحفّة والقبير والتريمسة، ولازال السيد عنان يجوب العواصم متنقلاً بين دمشق وطهران وجنيف وموسكو ليردد كلاماً باهتاً حول مبادرته التي تنص في بندها الأول على "وقف العنف" من كافة الأطراف، وهذا البند بحد ذاته كان أول انتصار للنظام السوري لأنه ساوى بين الضحية والجلاد.

يرى النظام السوري في "عَلْك" مبادرة عنان كسباً للوقت للإمعان بالقتل في محاولة يائسة للقضاء على الثورة، بل يرى في زيارات عنان لدمشق نافذة للإطلال على المجتمع الدولي من خلال مبعوث "دولي" يضفي شرعية على النظام رغم جرائمه، ليخرج عنان بعد لقاء الأسد مصرحاً: كان لقاء إيجابياً! وهو تصريح فسره الشعب السوري الثائر على أنه مباركة للمذابح، ومهلة لمزيد من القتل والبطش، حتى أن المدونين والمغردين السوريين أطلقوا على عنان اسم "وزير خارجية الأسد الجديد"، وخصوصاً مع تراجع دور المعلم عن الأضواء، ومقاطعة معظم المجتمع الدولي لنظام الأسد وسحب سفرائه من دمشق.

جهتان فقط يخدمهما استمرار عنان في مهمته أو مهلته للبطش: نظام الأسد الذي استخدم عنان خير استخدام، وإسرائيل التي ترى أن استمرار الاقتتال هو إرجاء لهمّها وتساؤلها الكبير: ماذا بعد الأسد؟

ولد كوفي عنان يوم الجمعة، ومن عادات أهل غانا –مسقط رأس عنان- أن يسمى الطفل باسم اليوم الذي ولد فيه، مثلما بعض عادات التسمية لدى العرب حيث ينتشر اسم خميس وجمعة. واسم عنان يعني بلغة "أكان" الغانية يوم الجمعة.

يرى السوريون- معارضون وثوار- أن المبعوث "جمعة" (عنان) منحاز دون مواربة لنظام الأسد، لدرجة أنهم سموه وزير خارجية الأسد، فمن يدري؟ قد تأتي جمعة "الشعب يريد إسقاط "جمعة" عنان؟

=================

أنان.. وأستاذه الأسد!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

14-2012

من الواضح أن الثورة السورية قد تورطت في السيد كوفي أنان، ومبادراته، وخططه في الشأن السوري، حيث يبدو أنان اليوم وكأنه يسطو على وظيفة وليد المعلم. فما يفعله أنان لإنقاذ الأسد بات يفوق جدية المعلم في فعل ذلك.

فمبادرة أنان الأخيرة تجاه سوريا لا تعني منح فرصة للأسد، بل إنقاذه. فالحديث عن تهدئة الأوضاع تدريجيا «منطقة منطقة» يعني أن أنان يريد تمكين الأسد على الأرض بعد أن باتت فرصه تتضعضع في السيطرة على كل سوريا. والمخيف، والمستفز، هو قول أنان إنه لا بد من جمع السلاح الذي وقع في الأيادي الخاطئة، فهل أنان يريد أن يقول إن المعارضة السورية هي معارضة مسلحة، وإرهابية، كما يقول الأسد دائما؟ مما يعني أن أنان بات يتبنى مواقف الأسد، وخطاباته!

والأخطر من كل ذلك أن أنان يريد الاستمرار في مبادراته من دون سقف زمني، أو وضع مبادراته تحت الفصل السابع بمجلس الأمن، بما في ذلك استخدام القوة، وإلا فلا معنى لأي مبادرات جديدة.

لكن كثيرا من الشك حول مواقف أنان يزول تماما عندما نقرأ بتأمل ما نشرته صحيفة «الأخبار» اللبنانية هذا الأسبوع، حيث قامت بنشر محضر اللقاء الذي جرى بين الأسد وأنان، ثم عادت الصحيفة لتنفيه ثاني يوم، وهو أمر تعودناه من نظام الأسد، والصحف المحسوبة عليه وعلى حزب الله في لبنان، طوال فترة حكم بشار الأسد، حيث يتم تسريب المعلومات عن لقاءات الأسد بضيوفه، ثم يتم القول بأنها أُخذت خارج السياق، أو أن أطرافا في النظام الأسدي يريدون إجهاض ما يريد الأسد فعله، وهي أكاذيب وألاعيب تعودناها كثيرا من النظام الأسدي، وفعلها الأسد يوم روج كذبة الإصلاح أول فترة حكمه بدمشق، وبعد اغتيال رفيق الحريري، وفي كل أزمات لبنان الأخيرة، والعراق، وفعلها كذلك مع زواره السعوديين، والأتراك، والفرنسيين، وغيرهم.

قصة صحيفة «الأخبار» اللبنانية تظهر أنان مستمعا وكأنه تلميذ أمام أستاذه الأسد الذي كان يطرح عليه الفكرة تلو الأخرى، ويبدو مرتاحا، وواثقا، وأنان فقط يتمتم بالإيجاب والإعجاب. والأدهى من كل ذلك هو ما نقل عن استخفاف أنان بالمعارضة السورية في القاهرة، وتوصيفه للثوار السوريين بأنهم مجرد جماعات مسلحة إرهابية مدعومة من الخارج، وكأن ما يحدث في سوريا ليس بكارثة حقيقية، ومجازر، وجرائم تقع بحق الإنسانية، بل إن التقرير نقل عن لقاء الأسد وأنان تهكم طاغية دمشق على السيدة هيلاري كلينتون، والاستخفاف الواضح بدولة قطر. وقد شارك أنان في ذلك حين أبدى تعليقا مستخفا بدولة قطر، كما يوحي التقرير الذي نشر في صحيفة معروف قربها من النظام الأسدي، وحلفائه في لبنان.

ولذا فإن مواقف أنان تجعل المسألة ملحة الآن لإنقاذ السوريين من أنان أولا، وقبل إنقاذهم من طاغية دمشق، لسبب بسيط وهو أن الأسد يقتل، وأنان يبرر، ويسوّف، وعلينا أن نتذكر المقولة الشهيرة التي تقول: «عندما تقتل شخصا واحدا استعن بمحام، لكن عندما تقتل العشرات فاستعن بلوبي، يقوم لك بحملات دعائية»، وهذا ما يفعله الأسد اليوم من خلال نهج أنان.

=================

رسائل العلاقات العامة السورية

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

14-7-2012

توجد أكوام من الرسائل الإلكترونية، يقول «ويكيليكس» إنها مليونا رسالة، في طريقها للنشر ستكون خير دليل للتعرف على الكيفية التي أدار بها القصر الرئاسي في دمشق أزمته مع العالم. والرسائل الأولى التي ظهرت ربما فضائحية، أو محرجة، مثل أن تصميم حديقة قصر الرئيس بشار الأسد في اللاذقية كلف أكثر من عشرين مليون دولار، لكنها لا تضيف جديدا. إنما الأهم بضع رسائل نشرت قبل أيام بينت سعي النظام السوري لكسب القيادات الأميركية والرأي العام هناك، أيضا من خلال تكليف شركات علاقات عامة للدفاع عن وجهة نظر النظام السوري في الولايات المتحدة.

والحقيقة أن الأسد نجح في النصف الأول من العام الماضي في استمالة كثيرين في الغرب من خلال حملات العلاقات العامة تلك. وانسجاما معها كتب عدد من المعلقين والمحللين معبرين عن تشكيكهم في هوية ومطالب المعارضة السورية، وتلكأت الحكومة الأميركية مكتفية بدعوة الأسد لإجراء إصلاحات سياسية. فقد نجحت، وهذا ما تبينه المراسلات، الحملة في تصوير النظام على أنه معاصر، وراغب في التطوير، وأن الذي يحدث في درعا وحمص ليس إلا من فعل جماعات إسلامية متطرفة، هي امتداد لما حدث في المنطقة، في العراق والسعودية واليمن والجزائر والمغرب.

والأسد ينجح عادة في تضليل من لا يعرفه، وقد سبق أن استمال الأتراك والقطريين، وكذلك الفرنسيين بعد خروج شيراك وتولي نيكولا ساركوزي الرئاسة. لكن هؤلاء جميعا تحولوا إلى خصوم شرسين ضده، لأنه ثبت لهم، مع الوقت، أنه كان يستخدمهم لأغراضه، وأن كل ما وعدهم به مجرد أكاذيب، كما أن دفاعه عن أفعاله عادة لا يصمد طويلا. الأسد الذي استمال العديد من المهتمين بشؤون المنطقة العام الماضي لم يستطع أن يبقيهم إلى جانبه، لسببين: الأول أنه استمر يخسر المعركة على الأرض وهو الذي كان يصف المتظاهرين بأنهم مجرد عصابات محاصرة، وأن معظم ما يقال ضده دعاية تلفزيونية معادية. والسبب الآخر أنه لم يسع إلى تقديم إصلاحات حقيقية، مجرد تمثيلية من فصول. حتى الأتراك الذين صدقوا في البداية أنه مستعد للإصلاح تحملوا تكاليف ترجمة قوانينهم وناولوه باليد كتيبات توضح له التجربة التركية وكيف يمكن تحقيق المشاركة السياسية مع المعارضة والاستمرار في حكم البلاد، وبعد أشهر من المحاولات والوعود تجاهلهم وانقلب الأتراك ضده.

لا قيمة لحملات العلاقات العامة إذا لم تعبر عن الحقيقة، فالرئيس وزوجته وأطفاله يبدون ويتصرفون مع الآخرين في الظاهر كعائلة محترمة، لكن عندما نرى المجازر المروعة التي ترتكبها قواته، وهو نفسه يعترف أنه المسؤول عن قيادتها، ندرك أن المظاهر والصور لا يمكن أن تكذب على الناس طويلا. وعندما تبين الرسائل أنه وزوجته منهمكان في شراء المزيد من الأثاث والأغاني والأفلام، في وقت بلاده في حالة حرب، فلا يمكن للفرد إلا أن يقتنع بأن في القصر حاكما جزارا لا يبالي بنساء وأطفال شعبه.

الكثير من الرسائل المسربة، الصادرة عن القيادات السورية، تبين أن الأسد ركز على الدعاية، واهتم فقط برأي الغرب، وهذا يكشف أنه فشل في إدراك ما يحدث على أرضه. فقد استمرت الحكومة السورية تدعي أن ما يحدث هو مؤامرة خارجية، خليجية - غربية، ضمن صراع إقليمي ودولي. وبدل أن تدرك حقيقة واحدة، وهي أن الشعب السوري فعلا راغب في إسقاطها، استمرت في حملات دبلوماسية وعلاقات عامة تريد من العالم أن يقبل بها ولا تخاطب الشعب في الداخل. السؤال: هل يظن الأسد حقا أنها مؤامرة خارجية ضده؟ وهل يصدق أن الشعب السوري، في غالبيته، يحبه ويريده حاكما؟ لا أدري، لكن يبدو أن الأمر كذلك. كيف لا يدري أن غالبية السوريين لا تريد النظام، خاصة بعد فشله في تنفيذ أي من وعوده التي أعلنها قبل عشر سنوات، واستمرار النظام الأمني العسكري القمعي في ممارساته ضد المواطنين لسنوات سبقت الثورة؟ أجد من الصعوبة أن أصدق أنه لا يدري.

======================

مؤتمر أصدقاء الشعب السوري… الحل بأيدي السوريين

جريدة عنب بلدي – العدد 23

الأحد – 8-7-2012

بعد طول نقاشٍ وجدلٍ تمخضت النسخة الثالثة من مؤتمر أصدقاء الشعب السوري المنعقدة في العاصمة الفرنسية باريس يوم الجمعة 6 تموز والتي انعقدت بحضور ممثلين عن أكثر من 80 دولة تمخضت عن التأكيد على ضرورة رحيل بشار الأسد!!! وتوسيع نطاق العقوبات على نظامه وكذلك توثيق جرائم النظام السوري ورفعها أمام محكمة الجنايات الدولية، كما دعا المؤتمر إلى اتخاذ جملة من التدابير بشأن سوريا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

إلا أن هذه القرارات والنتائج لم تقارب مستوى طموحات الشعب السوري الذي حضر أحدُ رموزه -خالد أبو صلاح- المؤتمر إلى جانب ممثلي المجلس الوطني السوري وسواهم. فالشعب السوري طالب بإجراءاتٍ فعليةٍ توقف القتل وإراقة الدماء الذي يمارسه بشار الأسد ونظامه وليس بإصدار بيانات فحسب، فقد اكتفى الشعب من بيانات التضامن والتعاطف كما اعتادت آذان النظام على بيانات الشجب والتنديد. لقد كانت مطالب السوريين واضحةً ومعلنةً بتسليح الجيش السوري الحر وبإقامة مناطق عازلةٍ وممراتٍ آمنةٍ وضمان وقف القصف على المدن السورية، إلا أن الجميع تحدث عن حلٍ سياسيٍ للأزمة السورية وتعالت الأصوات بدعوة ضباط جيش النظام إلى الإنشقاق والتوقف عن القتل!! الأمر الذي يعكس موقفًا دوليًا أنه ليس ثمة قرارًا بالتدخل في سوريا أو دعم الثورة السورية في وجه الطاغية، وإنما القرار هو ترك الأمور على ما هي عليه حتى يتداعى النظام من الداخل.

ويمكن تسجيل النقاط والمشاهدات التالية حول المؤتمر:

كان من اللافت غياب المبعوث الأممي-العربي كوفي عنان الأمر الذي يثير التساؤلات والريبة حول مدى صداقة عنان وخطته للشعب السوري، إذ لوحظ تصعيد النظام لحملاته القمعية ومجازره الوحشية منذ دخول خطة عنان حيز التنفيذ.

كانت روسيا الحاضر الغائب في هذا المؤتمر. فرغم عدم حضور وفد روسي إلى المؤتمر إلا أن الموقف الروسي كان محط أنظار الجميع، فروسيا بدعمها للأسد وبإمداده بكل أنواع السلاح تدفع بالوضع في سوريا نحو مزيد من التصعيد والتوتر والفوضى، فكان التحذير لروسيا من مغبة استمرار دعم الأسد وبأنها ستدفع الثمن وحدها.

عبّر المؤتمر عن يأس المجتمع الدولي من بشار الأسد ومن إمكانية خضوعه للقوانين الدولية ووقف حمام الدم الذي يشتد يومًا تلو الآخر. فهو يقف على «رجلين من قصب» في مواجهة المجتمع الدولي منفوخًا بالدعم الروسي-الإيراني فهو الزبون الأكبر والأهم والأكثر سذاجة لسوق السلاح الروسي شبه الكاسد، كما أنه الامتداد العقائدي والإيديولوجي لإيران في المنطقة.

وبين ردود الفعل الدولية، يبقى الشعب السوري الأدرى بشعاب بلده وهو الأقدر على قيادة الدفة، فالأمور داخليًا تسارعت بفضل العمل الثوري الذي تركز في الآونة الأخيرة واكتسب نقلة نوعية وصلت إلى قلب العاصمة السياسية دمشق والعاصمة الاقتصادية حلب.

======================

اللاجئون السوريون في العراق

اللاجئون السوريون....قصص مأساوية ولجوء إلى المجهول

قصص إنسانية كتبت سطورها بالدم والخوف واللجوء: شفاء وأخوها عمر وغيرهم من السوريين اضطروا إلى اللجوء إلى دهوك في كردستان العراق هربا من نظام الأسد وشبيحته. بيرغيت سفينسون قامت بزيارة لمخيم للاجئين السوريين في مدينة دهوك وأعدت هذا التقرير.

________

بيرغيت سفينسون

ترجمة: رائد الباش

مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2012

10/7/2012

"شفاء" امرأة سورية حازمة تريد إخبار العالم عن مدى معاناة الشعب السوري، تتحدَّث بصوت مرتفع وثم تصرخ معبِّرة عن إحباطها وتقول: "نحن نعيش في مقبرة. والناس يموتون في كلِّ أنحاء سوريا!". هذه الشابة التي يبلغ عمرها أربعة وثلاثين عامًا جاءت إلى هنا قبل يومين فقط برفقة عائلتها من قرية تقع بالقرب من مدينة حمص، حيث كانت تعمل هي وزوجها في إحدى المزارع. وبعد أن ذهب زوجها إلى المدينة بسبب زيارتها من قبل لجنة المراقبين الدوليين التابعة للامم المتَّحدة وشارك في المظاهرات هناك، لم يعد أفراد الأسرة يأمنون على حياتهم. وقبل هربها أصيبت ابنة أختها بطلقة قتلتها وأصيبت أختها بجروح خطيرة. وأخيرًا أوصلها المزارع الذي تعمل لديه بسيَّارته البيك أب إلى الحدود العراقية.

وكان أخوها عمر يؤدِّي خدمته العسكرية في الجيش السوري وقد تم وضعه في مدينة القامشلي ولكنه عندما سمع أنَّ شقيقته في طريقها باتجاه العراق ترك وحدته العسكرية وذهب مع أخته. وتقول شفاء: "نحن أكراد وكانوا يريدون منه أن يطلق النار على أكراد". وتقع مدينة القامشلي في أقصى شمال شرق سوريا في مثلث الحدود السورية مع تركيا والعراق، حيث يعيش هناك معظم أكراد سوريا الذين يقدَّر عددهم بثلاثة ملايين نسمة. ويقول البعض إنَّ الجنود السوريين يطلقون النار على اللاجئين الذين يريدون الذهاب إلى تركيا. لا يستطيع عمر تأكيد ذلك ولكنه سمع مثل هذه القصص. ومنذ عدة أعوام يقاوم الأكراد في سوريا نظام الأسد مقاومة شديدة وقد وقعت هناك في عامي 1986 و2004 حوادث عنف وهيجان شعبي.

مأساة إنسانية

وعلى بعد بضعة كيلومترات عن الحدود أنزل المزارع أسرة شفاء من سيَّارته البيك أب حيث كان يجب عليهم مواصلة طريقهم سيرًا على الأقدام. وتقول شفاء بحسرة: "لقد تركنا كلَّ شيء خلفنا ولم نأخذ معنا إلاَّ ملابسنا التي كنا نرتديها وما استطعنا حمله". وتضيف إنَّهم دفعوا خمسة وسبعين ألف ليرة سورية (نحو تسعمائة وثلاثين يورو) لمهرِّب ساروا معه ست ساعات في الظلام حتى وصلوا الأراضي العراقية. وفي منطقة ربيعة التي تقع في أقصى شمال غرب العراق أرشدهم حرس الحدود العراقيون الأكراد إلى طريق مخيَّم للاجئين، واضطروا من جديد إلى قطع مسافة مائة وأربعين كيلومترًا حتى مناطق الحكم الذاتي الكردية الآمنة في محافظتي دهوك وأربيل. والآن تجلس شفاء وشقيقها عمر في كونتينر يستخدم لإدارة أحد مخيَّمات اللاجئين خارج مدينة دهوك ويريدان إخبار العالم عن مدى معاناة الشعب السوري وأحواله السيِّئة.

وتقول لي شفاء: "لم يعد يوجد لديّ خوف وبإمكانك أن تلتقطي صورًا لنا". لا يريد البعض الحديث حول قصصهم بسبب معاناتهم من صدمة أصابتهم نتيجة ما عاشوه من صدمات. وكذلك ما يزال يوجد لدى بعض الأشخاص الآخرين بعض من أفراد أسرهم وأقربائهم في سوريا وهم يخافون على حياتهم إذا اكتشف أمر هربهم إلى العراق. وتقول شفاء مفسِّرة سبب رفض بعض اللاجئين الحديث إلى وسائل الإعلام: "ما تزال الحكومة تعتبر هذا خيانة وطنية". وتضيف أنَّ اسم زوجها هو الآخر مدرج الآن على القائمة السوداء باعتباره "فارًا من الخدمة العسكرية" وسيتم إطلاق النار عليه في حال دخوله الأراضي السورية. ومن جانبه يبقى زوج شفاء جالسًا في الخلفية يومئ أحيانًا إيماءات قصيرة ليؤكِّد ما تقوله زوجته. ولكن في الواقع لقد بلغ حتى الآن عدد الهاربين من عنف النظام نسبة كبيرة للغاية بحيث صار من غير المؤكَّد إن كانت هذه القوائم سوف تبقى لفترة طويلة. إذ بلغ عدد اللاجئين في تركيا وحدها حسب الأرقام الرسمية أكثر من ثلاثين ألف لاجئ سوري، وكذلك يوجد في كردستان العراق حيث بدأ تدفّق اللاجئين إلى هناك منذ فترة قصيرة نحو أربعة آلاف لاجئ وفي الأردن إحدى عشر ألف لاجئ، أمَّا في لبنان يرجَّح وجود عدة آلاف من اللاجئين السوريين ولكن لا توجد هناك احصاءات رسمية.

الأكراد في عين العاصفة

وتقول شفاء: "نحن الأكراد وضعنا الأسوأ من بين الجميع، إذ لا توجد لدينا أية حقوق"، وتضيف أنَّ نصف الأكراد السوريين لا يملكون بطاقات هوية وكذلك لا توجد لديها ولدى عائلتها أية أوراق ثبوتية ولذلك لم يتمكَّنوا أيضًا من السفر إلى بلدان أخرى بل كانوا يطمعون في رحمة الرئيس الكردي مسعود البارزاني الذي أصدر قبل فترة غير بعيدة مرسومًا يقضي بأنَّ جميع الأكراد السوريين الذين يهربون من إرهاب نظام الأسد سيتم إيواؤهم في العراق. وقبل ذلك كان حرس الحدود العراقيون يعيدون اللاجئين القادمين من سوريا.

وتعتبر سياسة العراق تجاه سوريا متناقضة للغاية، وفي حين أنَّ الحكومة في بغداد وعلى رأسها رئيس الوزراء نوري المالكي تدعم بشار الأسد وترسل له إلى دمشق النفط والمال والسلاح، وقفت في المقابل حكومة إقليم كردستان في أربيل إلى جانب "أخوتها السوريين" الذين يعارضون نظام الأسد. إذ جاءت محاولة بشار الأسد طمأنة الأكراد متأخرة جدًا عندما وعد في بداية هذا العام منح الجنسية السورية للأشخاص الذين لم يكن لديهم حتى ذلك الحين جواز سفر سوري وبأنَّهم يسيطيعون أيضًا الحصول على بطاقات هوية. وتقول شفاء مشتكية: "لقد كانت هذه مجرَّد كلمات جميلة، مثلما يحدث ذلك في كثير من الأحيان". ولكن لم يعد من الممكن حتى بمثل هذه الوعود إيقاف ثورة الشعب عليه وعلى نظامه.

إنكار النظام

كان نظام الأسد ينكر وبكلِّ بساطة طيلة أعوام عديدة وجود الأكراد الذين يشكِّلون أكبر أقلية في سوريا. وقد كان ينتهي المطاف بالأشخاص الذين كانوا لا يريدون القبول بهذا الواقع إلى السجن أو المنفى. كذلك كانت تقاليد الأكراد ولغتهم محظورة رسميًا وكانت كلّ محاولة للاحتفال بعيد رأس السنة الكردية "النيروز" تقابل من قبل القوَّات الخاصة التابعة لقوى الأمن الداخلي المخيفة بعنف ووحشية. والآن تم انتخاب معارض كردي رئيسًا جديدًا للمجلس الوطني السوري المعارض. وهذا المعارض هو عبد الباسط سيدا المقيم في المنفى في السويد ومن المفترض الآن أن يوحِّد مجموعات المعارضة وأحزابها المنقسمة من أجل وضع إستراتيجية مشتركة لمحاربة الحكومة في دمشق.

وتقول شفاء يائسة: "سوريا هي بلدي ووطني وهويَّتي". ولكن لا توجد لديها أية فرصة للعودة إلاَّ بعدما يتم إسقاط الأسد، مثلما تقول وتضيف أنَّها حتى ذلك الحين سوف تضطر من دون شكّ إلى البقاء في معسكر دهوك الذي وصله حتى الآن ألف وثلاثمائة وستون لاجئًا. وتأتي إلى معسكر اللاجئين سيارة بيك أب تحضر لهم الخبز الطازج والجبن وكذلك يتم تزويدهم بفرشات وبطانيات. ويقول السيِّد زاد الله مدير هذا المعسكر: "نحن ما نزال قادرين على مواجهة الوضع"، ويضيف أنَّه حصل من حكومة إقليم كردستان في أربيل على ما يكفي من المال للأسر الموجودة في معسكره والتي يبلغ عددها مائتين وأربعين أسرة. "ولكن إذا استمر تدهور الأوضاع في سوريا أكثر وازداد عدد اللاجئين القادمين من سوريا فعندئذ سوف تقل الإمكانيات المتوفِّرة لدينا".

ويعترف زاد الله أنَّ الرعاية الطبية متوفِّرة للحالات الحادة ولكن عندما تظهر حالات مرضية خطيرة فعندئذ يجد نفسه عاجزًا ويضيف أنَّ المستشفيات الموجودة في المناطق الكردية في شمال العراق تعتبر هي الأخرى غير مجهزة تجهيزًا جيِّدًا لمعالجة الحالات المرضية المزمنة. فعلى سبيل المثال لا يمكن تقريبًا توفير العلاج لمعالجة مرضى السرطان وإن تم توفيره يكون بكميَّات غير كافية. وسيكون جميلاً لو استطاعت ألمانيا تقديم بعض المساعدات في هذا المجال.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ