ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 09/07/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

من القاهرة إلى باريس

8-7-2012

عبدالله اسكندر

الحياة

الوضع السوري ما زال في مسار طويل من التأزم والمواجهات والقتل. وقد يلحق آلاف الضحايا وعشرات آلاف المشردين بمن دفعوا أثمان المعارضة للنظام الحالي، منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية. وقد تلحق بلايين الدولارات بالخسائر الاقتصادية والدمار العمراني في سورية الغنية بأرضها ومهارات صناعييها.

لكن الأكيد أن النظام لن يبقى قائماً في نهاية المواجهة، وبغض النظر عن مآلها الذي قد يكون غداً مشرقاً من الحرية والديموقراطية أو حروباً أهلية متناسلة وحتى دويلات ضعيفة وهشة.

لقد وقع النظام بدباباته وراجمات صواريخه وشبيحته بالأحرف الأولى لوثيقة نهايته أولاً. وجاءت المقاومة الشعبية والمسلحة لاحقاً لتدفعه إلى حتفه الأكيد.

قد يطيل دعم روسيا والصين، دولياً، ودعم إيران وحلفائها، إقليمياً، والخُواف الطائفي، داخلياً، عمر الأزمة السورية وزيادة خسائرها البشرية والمادية. لكنه لن يتمكن من تغيير نتيجتها، وهي سقوط النظام.

وجاء اجتماع القاهرة حيث تمثلت أطياف كثيرة من المعارضة، ومن ثم مؤتمر باريس لـ «أصدقاء الشعب السوري»، متسقين مع هذا الاستنتاج. لتصبح المهمة ذات الأولوية المطلقة للمعارضة هي تقصير مهلة سقوط النظام وتوفير المعاناة الإنسانية غير المسبوقة للسكان المحاصرين بالنار والمحرومين من كل أولويات الحياة.

وفي هذا المعنى تقع اليوم، وأكثر من أي وقت مضى من عمر الأزمة، على المعارضة السورية مسؤولية دفع النظام إلى السقوط. وهو لا يحتاج إلا إلى دفعة قوية تلقيه أرضاً، بعدما فقد كل مبررات وذرائع استمراره، سياسية كانت أو طائفية.

وفي مقدار ما تتمكن المعارضة من تفعيل عملها لتصبح القوة القادرة على أن تكون البديل في مقدار ما تزداد سرعة انهيار النظام.

سمعنا نقداً من معارضين سوريين لهم وزنهم، لمناسبة اجتماع القاهرة ومؤتمر باريس، يركز على تعارض بين القوى المسلحة في الداخل، خصوصاً «الجيش الحر» وبين القوى السياسية التي تتحرك في الخارج. وبدا وكأن ثمة سباقاً بين «العسكري» و «السياسي»، أو أن «العسكري» يريد أن يستأثر بـ «السياسي» أو أن الأخير يريد أن يستثمر العمل الميداني للأول. بما يعيد إلى الأذهان ذلك الصراع الطويل الذي شهدته سورية بين العسكر والمدنيين في حزب البعث منذ استيلائه على السلطة وقبل أن يحسمه الرئيس الراحل حافظ الأسد لمصلحته ويركز دعائم النظام الحالي.

وأي غرق للمعارضة السورية، سواء الذين يحملون السلاح في الداخل أو الذين يتحركون سياسياً في الخارج، يقع خارج سياق الهدف الذي انطلقت من أجله الحركة الاحتجاجية ويجعل الغد أقل اطمئناناً من الصورة الوردية التي تُعطى للنظام البديل.

وسمعنا أيضاً من معارضين سوريين، لمناسبة انعقاد مؤتمر باريس، نقداً لانعدام صدور قرارات تطالب بالممرات الآمنة والحظر الجوي الخ... بما يعيد ذلك النقد الذي وجه إلى اجتماع القاهرة.

وبغض النظر عن أهمية مثل هذه الخطوات في تسريع سقوط النظام، فان اعتمادها يبقى من مسؤولية المعارضة نفسها وليس من مسؤولية التدخل الخارجي. أي أن على المعارضة أن تهيء الظروف التي تدفع بالمجتمع الدولي إلى اتخاذ مثل هذه الخطوات التي لن تكون في أي حال من الأحوال إجراء إنسانياً بحتاً.

ففي مقدار ما تكون المعارضة مستعدة لتكون البديل القادر على تحمل المسؤولية السياسية والأمنية في مقدار ما تستطيع إقناع من يلزم في العالم، خصوصاً روسيا والصين، بضرورة تسريع إنهاء النظام.

وفي كل حركتها باتت المعارضة تملك الورقة الأساسية، وهي أن الحل لم يعد ممكناً في ظل بقاء النظام، كما قررت في اجتماع القاهرة وكما قرر «أصدقاء الشعب السوري» في باريس.

=================

بشار الأسد... كيف يخسر الوريث التركة؟

8-7-2012

خالد الدخيل

الحياة

هناك ما يشبه الإجماع على أن النظام السوري يخوض معركته الأخيرة، والمفارقة أنه يخوض هذه المعركة مع الشعب الذي يفترض أنه يحكم باسمه. الأرقام، اجتماعية واقتصادية وسياسية، تقول ذلك، لكن لندع هذه جانباً على أهميتها، ولنستمع للرئيس نفسه، ولما صار يقوله أخيراً، وما كان ينكره أو يتجاهله قبلاً. في حديثه إلى الحكومة قبل أسبوعين تقريباً قال الرئيس: «نحن في حالة حرب حقيقية. وعندما نكون كذلك فيجب أن تتوجه كل جهودنا ومصادرنا للانتصار في هذه الحرب». قبل ذلك كان الرئيس يصف ما يحدث بأنه مجرد ممارسات مندسين خارجين على القانون، لكن الجيش بمدرعاته ودباباته وطائراته وقناصته وشبيحته نزل إلى المعركة. أرقام القتلى وصلت إلى خانة عشرات الآلاف. لم يعد من الممكن إنكار ما يحصل. اعترف الرئيس أخيراً، لكن جاء اعترافه ناقصاً ومعكوساً. ما يحصل هو ثورة شعبية، والحرب التي يتحدث عنها الرئيس هي حرب النظام على هذا الشعب.

في حديثه لصحيفة «جمهورييت» التركية قال الرئيس أشياء كان يتهرب منها. سئل عن إسقاط الطائرة التركية فقال: «نحن دولة في حالة حرب. وعندما لا تعرف هوية هذه الطائرة فأنت تفترضها طائرة معادية ..». ثم سئل عن إن كانت سورية مستعدة لمساعدة تركيا في الحد من عمليات حزب العمال الكردستاني. فأجاب: «لو أردنا اليوم أن نساعدكم في موضوع حزب العمال... لما كنا قادرين على ذلك... لكي أحميك أو أساعدك، لابد أن أحمي نفسي أولاً. هل من المعقول أن أحميك، وأنا لم أحمي نفسي تماماً بعد؟!». الرئيس إذن مع نظامه في حاجة للحماية. مِمن؟ من الشعب. إذا حالة الحرب التي يتحدث عنها الرئيس هي حرب مع الشعب. الأرقام تقول ذلك. عدد القتلى فقط وصل لأكثر من 16 ألفاً، عدا المصابين والمعتقلين والنازحين والمهجرين والمختفين. لم يهبط هؤلاء على سورية من السماء. هم سوريون وراءهم عائلات وأقارب وأصدقاء وأنصار ومتعاطفون. أضف إلى ذلك شريحة كبيرة صامتة لا تقر بدموية النظام، لكنها مغلوبة على أمرها. ثم انشقاقات عسكرية، ليست كبيرة، لكنها لا تتوقف. هل يدرك الرئيس أنه في حالة حرب مع الشعب، وأنه لذلك في حالة حرب مع التاريخ، ومن يحارب التاريخ يخسر!

الرئيس السوري ليس في حالة إنكار. أبداً، وإنما في حالة مكابرة مهزومة في العمق، فقَد غطاءه الأمني في الداخل، وأصبح وجهاً لوجه أمام الناس، وفقد غطاءه الإقليمي والدولي. الكل يطالب برحيله، لا يقف معه إلا بوتن، وأحمدي نجاد، وحسن نصرالله. صار الناس قبل السياسيين يتحدثون داخل سورية وخارجها عن مرحلة ما بعد الأسد، الحكم الذي بناه والد الرئيس عام 1970، وورثه هو عنه عام 2000 وصل إلى حدوده النهائية. لا يريد الرئيس أن يعترف بذلك، وربما أنه لا يدرك ذلك مهما يكن. تحولت سورية بسبب مواقف الرئيس وسياساته من لاعب إقليمي إلى ساحة يلعب فيها الآخرون، أصدقاء وخصوماً، وهذه نتيجة لم تتحقق فجأة، وإنما تراكمت مع الزمن لتنفجر كما نشاهدها الآن. كيف حصل ذلك؟ حقيقة الأمر أن الرئيس بشار ومعه سورية والمنطقة، يدفعون ثمن التوريث الذي حصل له، تم توريثه في نظام جمهوري، جذوره الأولى (قبل البعث) شعبية، وشيء من الديموقراطية، يقوم على عصبة تحيط نفسها بأجهزة أمنية كثيرة ومتجهمة، ويعتمدُ في علاقته مع الناس على نشر الخوف بينهم من النظام، ومن بعضهم البعض. مثل هذا النظام لا يستطيع البقاء إلا بأمرين: سيطرة كاملة على الداخل مهما كان ثمن هذه السيطرة، وغطاء إقليمي ودولي يساعد في دفع ثمن السيطرة، ويغطي ما يمكن أن تؤدي إليه من تجاوزات وجرائم. الآيديولوجيا التي يستخدمها النظام ليست من صنعه، ولا من صلبه، وإنما آيديولوجيا مستوردة من خارج النظام: قضية فلسطين، وهي آيديولوجيا فقدت بريقها ومصداقيتها. اكتشف الناس أن هذه الأنظمة لم يتحقق على يديها إلا الفقر والفساد والقمع والمزيد من ضياع فلسطين. شعار فلسطين والمقاومة ماهو إلا لتبرير هذا الفساد والقمع للاستئثار بالحكم، ولذلك خرج الداخل عن السيطرة، وفقد الخارج شهيته وحاجته لدفع ثمن، أو لتغطية جرائم ضبط الداخل. كيف وصلت الأمور إلى هذه النقطة؟

لا نعرف إن كان الرئيس حافظ الأسد في سنواته الأخيرة، وهو يعد ابنه بشار لوراثة الحكم من بعده، أسدى له نصيحة من أمضى أكثر من نصف عمره في العمل السياسي، وفي بناء حكم سيئول أخيراً لأكبر أبنائه الأحياء. كان بشار حينها شاباً في الثلاثينات من عمره، ويفتقد لأية خبرة سياسية، وتركة الحكم بطبيعتها ثقيلة، فكيف عندما تكون من نوع التركة التي ورثها عن أبيه حافظ؟ من عادة العرب توجيه النصح لأبنائهم في مثل تلك المنعطفات، ومهما يكن، فمن الواضح الآن أن الرئيس السوري الشاب ارتكب أربعة أخطاء كان والده يعتبرها خطايا قاتلة. على امتداد 30 سنة كان حافظ حريصاً كل الحرص على تفادي كل ما يمكن أن يودي به للانزلاق إلى واحدة من هذه الخطايا، دع عنك الانزلاق إليها كلها دفعة واحدة. كان يفعل ذلك حتى في أحلك اللحظات التي مرَّ بها: زيارة السادات للقدس، وتوقيع مصر اتفاقاً منفرداً مع إسرائيل، وانفجار الخلاف المزمن بين بغداد ودمشق إلى قطيعة نهائية بعد تسلم الرئيس الراحل صدام حسين للحكم عام 1979، والحرب العراقية الإيرانية التي امتدت لثمان سنوات، والاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف 1982، ثم الغزو العراقي للكويت صيف 1990. كانت هذه الأحداث من أضخم التطورات وأكثرها قابلية لتفجير الخلافات العربية في حينها.

يقال إن الرئيس الراحل الأسد كان يتميز بحس استراتيجي سمح له بتفادي المنزلقات الخطرة لتلك التطورات، وهذا صحيح. لكن من الواضح أن هذا الحس الاستراتيجي كان محصوراً في شؤون العلاقات الخارجية، ولم يمتد لشؤون الداخل وتوازناته. من هنا ارتكب الرئيس الأب خطأً، أو خطيئة التوريث في نظام لا يستطيع استيعاب تداعيات هذه الآلية ونتائجها. تشير الأحداث إلى أن فكرة التوريث ظهرت عند الأسد الأب بعد صدام عنيف مع شقيقه رفعت الأسد عام 1983، وهو صدام كاد أن يؤدي إلى حرب أهلية مدمرة، وقد كتب عن هذا الموضوع الصحفي البريطاني باتريك سيل، في كتاب ألفه كما يبدو من مصادره بالتعاون مع رموز النظام في تلك المرحلة، بمن فيهم الرئيس نفسه. ولذلك فهو كتاب قُصد منه تلميع صورة حافظ الأسد كرئيس واجه أعداءه في الداخل والخارج بنجاح باهر. المهم كانت خلفية الصدام قناعة الرئيس حافظ بأن أخاه رفعت الذي كان على رأس «سرايا الدفاع» أكبر فرق الجيش السوري ينوي وراثته وهو على قيد الحياة، ومع أن سيل يؤكد بأنه ليس هناك ما يشير إلى أن رفعت كان يفكر بوراثة أخيه، إلا أن قناعة الرئيس تشير إلى أن فكرة التوريث كانت قديمة داخل النظام، وأن هناك تفكيراً بأن يتحول النظام إلى حكم للعائلة. والغريب كان حصول الصدام بين الأخوين حول موضوع لم ينضج، ولم تتضح مرتكزاته السياسية بعد. يعرف الجميع أن فكرة التوريث هذه، وفي حالة النظام السوري غير قابلة للتطبيق؛ لأنه لا يمكن تبريرها إلا بحصول انقلاب سياسي كبير ينطلق من الفكرة ذاتها. وهو ما لم يحصل. من هنا بقيت الفكرة سرية، ولم تخرج للعلن قط، ولم تنفذ إلا بعد وفاة الأب، وبطريقة مموهة، بل لا يزال موضوع التوريث من المحرمات في سورية.

المهم أنه بقرار التوريث يكون الأسد الأب قد وضع العائلة عملياً مكان الحزب، وقضى بذلك على ما تبقى لهذا الحزب من صدقية، كما أن هذا القرار يؤكد الجانب الطائفي للنظام، وأن الثقة هي المعيار. والثقة في المنصب الحساس، وبخاصة في صناعة القرار، لا تكون إلا على أساس من قرابة أو نسب أو انتماء طائفي أو كل ذلك مجتمعاً. ليس غريباً، والحالة هذه، أن التوريث فجّر صراعات بين أجنحة النظام، بخاصة وأن الأب أبعد بالتوريث كل شركائه الذين وقفوا معه للانقلاب على صلاح جديد، وفي بناء النظام، وفرضه على الجميع. من هنا لم يتوقف الحديث حينها عن موقف الحرس القديم من عملية التوريث، والقناعة داخل النظام بشكل خاص أن بشار لم يحكم فعلاً، ولم يطمئن إلى أنه صار يمسك بزمام الأمور إلا عام 2005. وهذه سنة مفصلية في حياته كرئيس لسورية: سنة شهدت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، واتهامه شخصياً بأنه وراء الاغتيال. وشهدت انسحاب الجيش السوري من لبنان، وسبقها التمديد السوري القسري عام 2004 للرئيس اللبناني السابق إيميل لحود. ليس لهذه الأحداث من علاقة بالثورة السورية، لكن لابد أن لها صلة بالتداعيات الإقليمية لهذه الثورة. ما هي هذه العلاقة؟ أخيراً: إن قرار التوريث جعل حكم سورية بكل تاريخها وامتداداتها في منطقة الشام محصوراً في عائلة صغيرة تنتمي لأقلية صغيرة، ما يعني أنه في إطار نظام مستبد، ويعتمد على القمع الأمني، يكون القرار مؤسساً لصدام اجتماعي كبير على أسس وخلفيات طائفية. هل كان للتوريث علاقة بانفجار الثورة؟ وما هي الأخطاء التي ارتكبها بشار وذات صلة بهذه الثورة؟

* كاتب وأكاديمي سعودي.

================= 

أصدقاء الشعب السوري وأصدقاء بشار

8-7-2012

ياسر الزعاترة

الدستور

الذي لا شك فيه هو أن الشعب السوري قد حصل في باريس على فيض من الخطب الكبيرة المدججة بالعواطف، لكن خريطة المواقف لم تتغير كثيرا عما كانت عليه قبل شهور، فالولايات المتحدة والغرب عموما لا يبخلون بالعواطف على الشعب السوري، ولا يتوقفون عن التنديد بالقتل الذي يمارسه، بينما لا يكف الآخرون من المتحالفين معه عن كيل الدعم العملي والمباشر من تكنولوجي وعسكري ومالي، وسياسي أيضا.

الذي لا شك فيه هو أن إيران لم تغير موقفها، أقله إلى الآن، وإن باتت أكثر تشككا في قدرة النظام على هزيمة الثورة، الأمر الذي ينطبق على حلفائها في لبنان والعراق. أما روسيا فهي التي يحتاج موقفها إلى قدر من التوقف، لاسيما أن تصريحات قادتها لا ترسو على بر واضح، إذ تشي بإمكانية قبول رحيل الأسد مع بقاء النظام، لكنها تعاود التشدد اعتقادا منها بأن ذلك سيضمن مصالحها في سوريا الجديدة، في ذات الوقت الذي يحول دون انتهاء المعركة بهزيمة واضحة لها تشبه هزيمتها في الملف الليبي.

الذي لا شك فيه هو أن الجنرال بوتين، ضابط “الكي جي بي” السابق يكره كل ما يمت إلى الثورات بصلة، وهو يشعر بحساسية مفرطة حيال حديث الولايات المتحدة والغرب عن دكتاتوريته المتلفعة بثياب ديمقراطية، في ذات الوقت الذي يكن فيه عداءً مفرطا للقوى الإسلامية التي تتصدر الثورات العربية (قضية الشيشان حاضرة في ذاكرته على الدوام)، من دون أن ينفي ذلك البعد المتعلق بالمصالح الروسية في المنطقة، وفي سوريا على وجه التحديد.

لكن التطورات التي تتحرك على الأرض في الساحة السورية لم تعد تمنحه الحد الأدنى من اليقين بقدرة الأسد على البقاء، لاسيما أن ما يقرب من 40 في المئة من مساحة البلاد لم تعد تحت سيطرته، وبات يتعامل معها على أنها أرض محتلة؛ يقصفها بالدبابات والصواريخ والطائرات، وليست مدنا تحت سيطرته يواجه فيها احتجاجات الشعبية.

وجاء انشقاق عدد كبير من كبار الضباط (آخرهم العميد مناف طلاس) الذي يُعد من الدائرة المقربة جدا من بشار الأسد، بل من “شلته” الخاصة حسب تعبير دوائر غربية، جاء ليؤكد أن المؤسسة الأمنية والعسكرية تكاد تتخلص من ضباطها السنّة ليغدو الصراع أكثر وضوحا بين الغالبية السنية والأقلية العلوية، الأمر الذي يعني تطورا بالغ الخطورة، بل إن التقارير الغربية لم تعد تتردد في الحديث عن “دومينو” الانشقاقات الذي يعصف بالنظام ويضعف مؤسسته الأمنية والعسكرية.

من هنا، يمكن القول: إن روسيا اليوم تجاهد للخروج من المأزق بأقل الخسائر، وهي لا تمانع أبدا (حتى لو نفت ذلك بلسان المقال) في خروج الرئيس مقابل بقاء النظام، الأمر الذي ينطبق على إيران أيضا، والتي أخذت تدرك إضافة إلى ذلك حجم عزلتها الإسلامية بسبب موقفها من سوريا، ولم تتخذ موقفا إيجابيا يقلل من هامش الحشد المذهبي الذي يجتاح المنطقة.

الولايات المتحدة ليس لديها في الملف السوري غير الأجندة الإسرائيلية، الأمر الذي ينطبق بهذا القدر أو ذاك على الدول الغربية، والأجندة المذكورة لا يعنيها غير تأمين نهاية للأزمة تحول دون انهيار النظام ووقوع البلد في يد قوىً تصعب السيطرة عليها، وهي لذلك تميل إلى السيناريو اليمني، بل تتبناه بشكل واضح.

ينطبق ذلك على بعض الدول العربية التي تبدي تعاطفا لافتا مع الثورة السورية نكاية في إيران، لكنها تميل أيضا إلى السيناريو اليمني خوفا من استمرار مد الربيع العربي، فضلا عن خضوع بعضها للإملاءات الغربية في معظم الملفات الخارجية. أما البعد المصري دخل المعادلة حديثا، فهو مهم أيضا، لأنه سيشكل عنصر دعم مهمًا للثورة السورية، وإن انشغل مؤقتا بالهموم المحلية.

تبقى تركيا التي نقلتها قضية الطائرة من مربع الدعم الجيد للثورة السورية، إلى مربع التدخل المباشر بعيدا عن الضجيج الإعلامي، ولا يشك عاقل في أن أنقرة ليس لديها غير خيار إسقاط النظام بالكامل، لأن أي صيغة أخرى لن تؤمن لها مصلحة معتبرة.

الدعم التركي المشار إليه، معطوفا على دعم بعض الدول العربية، هو الذي منح الثورة فرصة التمدد وفرض معطيات جديدة على الأرض، وأكد لكل المتشككين بانتصارها أن سقوط النظام هو مسألة وقت لا أكثر.

هنا تنهض خلافات المعارضة، وهي خلافات تلقي بظلالها على المستقبل أكثر من مصير الثورة، اعني لجهة اليوم التالي لسقوط النظام، وهنا لا يبدو أن تركيا تأبه لهذا البعد، تماما كما هو حال الثائرين على الأرض الذين يباشرون عملهم دون النظر إلى ما يجري في الخارج، لاسيما أن خيارا آخر غير الانتصار لا يبدو قابلا للتفكير بالنسبة إليهم.

خلاصة القول هي أن عمر النظام قد أخذ يقصر بشكل متسارع، ولن يطول الوقت حتى ينهار، مع بقاء الشك قائما حول ما إذا كان الحل السياسي سيُفرض على الشعب، أم يسبقه المسار الثوري الكامل؟!

=================

إحذروا من يُنبئكم بسقوط النظام!

8-7-2012

عمر قدور/ المستقبل

تتداول أوساط الموالين للنظام السوري مخططات المؤامرة الكونية العظمى، بعد أن باتت تفاصيلها مكشوفة للقاصي والداني منهم، بخاصة إثر ما نسبته إحدى الصحف الرسمية السورية للصحافي الفرنسي تيري ميسان عن نية أقطاب المؤامرة إعلان سقوط النظام من المجسمات، (الديكورات) التي بنيت لهذا الغرض في الدوحة ومن ثم في الرياض. فحوى الخطة أن تسيطر المخابرات الغربية على المجال الذي تبث منه المحطات التلفزيونية الموالية، فتبث مكانها محطات عميلة مدّعية أن حشود السوريين ملأت ساحة الأمويين في دمشق، وداعمة ادّعاءها بصور مفبركة للحشود، ثم يُبث بيان تم تصويره في القصر الجمهوري يعلن عن انتصار الثورة وفرار الرئيس، وكي تكون الأخبار المفبركة مقنعة، فإن تصويرها جرى مسبقاً في المجسمات التي بُنيت على صورة الساحات الرئيسية في المدن السورية، وعلى صورة القصر الرئاسي.

لا تقول الخطة شيئاً عن كيفية تجهيز الحشود الضخمة في المجسمات، ومن المرجح قياساً إلى تأويلات مماثلة لأنصار النظام أن تتم فبركة الحشود عبر برنامج "الفوتوشوب". فكما بات معلوماً يشكك الموالون في أي صورة أو يوتيوب يبثه الثوار بالقول إنه مفبرك على الفوتوشوب، وصار بوسع من لا يعرف هذا البرنامج تخيّل مزايا هائلة له، فهو القادر على خلق فيديوهات وحشية عن جلادين يرقصون فوق ظهور المعتقلين، وهو القادر على تدمير أحياء بأكملها من دون إطلاق أي قذيفة من الطائرات أو راجمات الصواريخ، وفي النهاية لا بد أن يكون قادراً على إسقاط نظام من دون وجود ثورة شعبية ضده! بوسع الشركة المنتجة للبرنامج أن تهنأ بالدعاية المجانية له، وأن تقدّم للموالين براءات اختراع في علم التسويق.

"لا شيء يحدث في سوريا". وسبق لمسؤولين في النظام أن أعلنوا انتهاء "الأزمة السورية" قبل نحو عام، وبما أنهم قالوا ذلك فلا بد أنهم صادقون، ما استدعى من الموالين ترديد النبأ واختصاره بكلمة واحدة: خلصت. هذه الكلمة راحت تتردد في مجالس الموالين ومنابرهم، وصارت تُكتب على زجاج سياراتهم المختالة فرحاً، ولم يكن الأمر من باب الكذب لدى الجميع. فأغلب الظن أنهم مقتنعون تماماً بأن النظام قد تمكن من القضاء على الانتفاضة الشعبية، ولم يتبقَّ سوى بعض الجيوب الإرهابية التي تتكفل بها قوات الأمن. فضلاً عن ذلك يعلم جميع الموالين أن هذه البقايا ليست سوى مجموعات من العملاء، يحركها المال الخليجي الذي يدفع للمتظاهر نحو ثلاثين دولاراً في التظاهرة الواحدة، ولا يخلو الإمداد من مزايا إضافية كحبوب الهلوسة أو المخدرات. وقبل هذا وذاك، يتحرك المتظاهر بغرائز طائفية أصولية يترفع عنها الموالون طبعاً.

خلافاً لما قد يُظن، الموالي شخص منسجم تماماً مع قناعاته، ولا يعاني قلقاً أخلاقياً جراء ما يحدث، لأنه ببساطة لا يعتقد بحدوث ما هو خارج عن المألوف. المؤامرة الكونية الكبرى التي تُحاك اليوم هي من وجهة نظره المؤامرة نفسها التي لم تتوقف أبداً منذ ابتدأ عهد هذا النظام. ولأن النظام أثبت براعته دائماً في التصدي للمؤامرة، فمن المحتم أن نصيبها سيكون الفشل الذريع. لا يتوقف الموالي عند الآلاف من القتلى أو عشرات الآلاف من المعتقلين، فهم جميعاً يستحقون مصيرهم، وقد يغالي بعض الموالاة فيستهين بعدد الضحايا، ويرى تقصيراً من الأجهزة المسؤولة في سحق المزيد من أولئك الخونة، وإن كانت الغالبية لا تشكك أبداً في حكمة القيادة، التي تدرك جيداً المصلحة العامة العليا، وتحتفظ لنفسها بأسرار لا يجوز التساؤل عنها.

يتمتع الموالي بصلابة عالية، فهو محصن ضد الاختراق الفكري، وقد أخبره النظام سابقاً عن محاولات الغزو الثقافي، الذي يرقى بخطورته إلى مستوى الاحتلال المباشر، أو يفوقه أذى على المستوى البعيد. لذا لا تلين قناعاته أمام الحوار، وهو عموماً يمتلك الحجج التاريخية الكثيرة التي تمكنه من البرهنة على الوجود الأزلي لمؤامرة تستهدفه، وعلى استعداد ليدعم رأيه بحالات مماثلة من القمع "العادي" في بلدان أخرى لم تتعرض أنظمتها للضغط الدولي الذي يتعرض له نظامه الآن. ولأنه حريص أشد الحرص على انسجامه الفكري، تجده يتابع إعلامه الرسمي أو شبه الرسمي فقط، وتجده يثق به أشد الثقة، وإذا شاءت المصادفة أن يطلّع على غيره سيكتشف فوراً مقدار الكذب الذي يروجه الإعلام المعادي، ليغرر بعقول السذّج من السوريين.

في الطرف الآخر من المؤامرة الكونية، يؤمن الموالي بوجود إنجازات كبرى للنظام تتم التعمية عليها من الجهات المعادية، فثمة عمليات استخباراتية واسعة النطاق بلغت دس رسائل في المكتب البيضاوي للرئيس الأميركي، ما جعل الأخير يتيقن من قدرة المخابرات السورية على الوصول إلى ما تشاء. ودفعه الاختراق المذهل إلى التراجع عن مخططات التدخل العسكري المباشر في سوريا. تزامن ذلك مع عملية أمنية اقتصادية مركبة، أودت حينها بقوى الحكومة التركية؛ ذلك قبل إسقاط الطائرة التركية بأشهر. ولكي نفهم سهولة إسقاط الطائرة علينا العودة إلى العملية التقنية الأكثر تعقيداً التي تداولتها مواقع الموالين، والتي نجحت قوات النظام من خلالها بإيقاف عمل أجهزة الرادار في جميع الدول المجاورة، وحلق في أثنائها الطيران السوري فوق الأجواء الإسرائيلية لمدة ست ساعات متواصلة. هذه القدرات الذاتية المدهشة، كفيلة بالتأكيد بردع أطماع المعتدين، فكيف إذا تآزرت مع مقدرات وإنجازات للحلفاء الإقليميين والدوليين، الذين يقفون كالبنيان المرصوص خلف رأس الحربة في حلفهم؟

سيكون من السخف إذاً محاولة إقناع الموالين بقابلية النظام للسقوط، ولو على سبيل الاحتمال لا التأكيد، فكل منهم يمتلك من الحجج ما يدحض أدنى احتمال من هذا القبيل. ولو أجمعت كافة وسائل الإعلام العالمية على أن النظام قد سقط فعلاً، فذلك كما رأينا لا يعد كونه فبركة إعلامية محضة. ولأن المحطات التي تفبرك التظاهرات يومياً على الفوتوشوب، تخطط لملء الساحات بالمتظاهرين الافتراضيين فقد اتُخذت الجاهزية القصوى لعدم تصديقها، وهكذا قد يسقط النظام افتراضياً من دون أن يتمكن الأعداء من إسقاطه فعلياً، الأمر الذي لن ينطلي أبداً على أنصاره. وإذا أجمعت كل محطات التلفزة يوماً على أن النظام قد سقط فهذا لن يغير شيئاً، وحتى إن أعلنت المحطات المحلية الرسمية النبأ فهذا يعني اختراقاً تقنياً مؤقتاً من أجهزة الاستخبارات العالمية، ولا شك في أن استخبارات النظام ستعود لترد الصاع صاعين أو أكثر.

هؤلاء هم أشقاؤنا في الوطن نفسه، وهم مقتنعون تماماً بأننا على الجانب الآخر نعيش عالماً من الوهم تغذيه المؤامرة الكونية، أي أننا نحن المصابون حقاً بالانفصال عن الواقع، إذ نصدق الأوهام عن وجود ثورة شعبية، أو نصدق ما لا يقبل التصديق من إمكانية سقوط النظام، وهو احتمال ليس بوسعنا إثباته حتى إن تحقق فعلاً! لكننا، نحن المصابين بالوهم، قد نسوق الاحتمالات إلى أقصاها، فنتخيل أن النظام قد سقط من دون تصديق منهم، وأنهم سيواصلون عيشهم على المنوال ذاته، وقد تقع انتخابات ديموقراطية وتأتي بحكم جديد فيما هم متشبثون بنظامهم الذي لم يسقط بعد، وتُستنفذ حيل كثيرة لإقناعهم بالواقع المستجد بلا جدوى، وربما يستقر الرأي أخيراً على تركهم لقناعاتهم، ورأفة بهم تُخصص لهم محطات تعيد بث البرامج التي اعتادوا عليها خلال أربعة عقود، على نحو ما فعل ابن بار من أجل أمه الشيوعية في فيلم "وداعاً لينين". سيكون لنا أكبر محمية في التاريخ لأناس يعيشون زمنهم الخاص؛ ذلك طبعاً إن لم يكن كاتب هذه السطور يعيش وهماً بوهم!

=================

"الطبيب" بشار الأسد ومجزرة الأطبّاء الثانية في مدينة حلب

8-7-2012

بكر صدقي

 المستقبل

يذكر مصطفى خليفة في روايته "القوقعة" قصة مجزرة الأطباء الأولى، وهي من القصص الكثيرة المستمدة من أحداث حقيقية جرت في سجن تدمر الصحراوي الذي تدور وقائع الرواية فيه. والقصة باختصار هي أن ضابطاً في الشرطة العسكرية المكلفة بإدارة السجن العسكري الرهيب قام بقتل عدد من الأطباء على التوالي من بين المعتقلين السياسيين المحبوسين هناك. لماذا الأطباء بالذات؟ لغز محير حقاً سرعان ما سينكشف عن حقيقة رهيبة لا يتصورها عقل إنسان مهما بلغ به الإجرام.

الضابط القاتل هو طبيب أيضاً، درس في كلية الطب في جامعة حلب قادماً من إحدى القرى الجبلية في الساحل السوري. وقع في غرام زميلة له من مدينة حلب، ابنة عائلة مدينية ميسورة. تقدم إلى أهلها يطلبها للزواج، فرفضوه رفضاً قاطعاً. وانكفأ الطبيب الشاب على جرحه العاطفي الغائر إلى أن واتته الفرصة للانتقام، حين التحق بعد انتهاء دراسته الجامعية بالخدمة العسكرية، وتم فرزه في الشرطة العسكرية وفي سجن تدمر.

هناك التقى ببعض زملائه في الكلية من معتقلي تمرد العام 1980، فاستعاد ذكريات خيبته العاطفية المرة. بقتله لزملائه الأطباء أراد أن يخفي عاره بإعدام كل الشهود، والانتقام من المدينة التي أذلت ابن الريف وأصابت كرامته في مقتل.

لعل قصة هذا الطبيب الشاب تلخص، بصورة مجازية، كل العقد الدفينة التي شاء القدر أن تقلب مصير سوريا والسوريين منذ الستينات إلى اليوم. الانقلاب العسكري في 8 آذار 1963 الذي قلب الموازين الاجتماعية لصالح الريف المهمش، سيتحول إلى استبدال طبقي ذي آثار كارثية على مستقبل الكيان السوري، في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة جميعاً. ومنذ الانقلاب التالي في شباط 1966، سيبرز المكون العلوي في الريف السوري بوصفه منبت حكام سوريا الجدد. ثم يأتي انقلاب حافظ الأسد على رفاقه في تشرين الثاني 1970، الذي سيحول البلاد إلى مملكة سلالية لعائلته.

عقدة النقص الريفية المألوفة تجاه المدينة، ستخلي الساحة لعقدة التهميش العلوية المحضة بسردياته المذهبية عن اضطهاد يمتد عميقاً في التاريخ الإسلامي إزاء دين الدولة الإسلامية السني.

حافظ الأسد المتحدر من عائلة علوية متواضعة، سيمسك بزمام سلطةٍ لم يؤمن يوماً بأنه يستحقها. فهو الذي اختار السلك العسكري مهنةً له، في مرحلة تاريخية مؤاتية وفي بلد كانت الانقلابات العسكرية هي الطريقة الوحيدة لتداول السلطة فيه، أدرك أن القوة والمكر وحدهما وسيلتا الصعود الطبقي والسؤدد. أمسك بزمام الأمور بعدما زج برفاقه البعثيين في السجن، وطهر الجيش من أي طموحات مستقبلية. وحين كاد يشعر، بعد سنوات عشر في الرئاسة، بأن الأمور استتبت له تماماً، فاجأته موجة اضطرابات غير متوقعة. قامت مجموعات إسلامية مسلحة في إطار "الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين" بتمرد مسلح على حكمه، مدعوم بإضراب التجار في حلب وحماة وأدلب، وبحركة احتجاجات طلابية في جامعة حلب، وبمظاهرات شعبية في بعض أحيائها، وبحركة نقابية نشطة مناهضة لحكمه، خصوصاً نقابات الأطباء والمحامين والمهندسين. يمكن القول إن حافظ الأسد واجه ثورة محدودة، فيها مزيج من السلمية والسلاح، والإسلام السياسي والمجتمع المدني. وتمكن من سحق التمرد بعنف شديد بلغت تكاليفه عشرات آلاف القتلى ومثلهم من المعتقلين والمفقودين والفارين خارج البلاد.

لم يقض الأسد فقط على المجموعات الإسلامية المسلحة، بل كذلك على كل الحركة السياسية المعارضة من إسلاميين وإشتراكيين وقوميين. كما قضى على الحركة النقابية وعلى المجتمع المدني بصورة عامة.

أفاقت مدينة حلب في صباح يوم الأحد 24 حزيران 2012 على مجزرة رهيبة ضحيتها أطباء ومسعفون كانوا قد كرسوا نشاطهم، منذ بداية الثورة السورية، لإسعاف الجرحى في التظاهرات السلمية. سبع جثث متفحمة في سيارة إحدى الضحايا، أربع أطباء وطالبا طب وطالب أدب إنكليزي تفرغ لإسعاف الجرحى مع صديقيه.

هي مجزرة الأطباء الثانية، وبطلها طبيب أيضاً يحمل من العقد النفسية ما يتجاوز هذه المرة دونية ابن الريف إزاء أهل المدينة. نشأ بشار الأسد في رعاية أب قاسٍ متكتم متشكك في كل ما حوله. لم يكن حافظ ديكتاتوراً في الحكم فقط، بل كذلك داخل عائلته، فلم يرحم شقيقه الأصغر رفعت حين حلم بوراثة الحكم منه إبان مرضه في العام 1984، فطرده خارج البلاد ولم يسمح له بالعودة بعد ذلك برغم جميع الوساطات. أضف إلى ذلك حضور أخ بشار الأكبر باسل الذي طغى على حضوره تماماً. يروي زملاء لبشار في مدرسة اللاييك بدمشق أنه كان منطوياً على نفسه، يبتعد عن زملائه لأنه غير قادر على مجاراتهم في المرح واللعب، مقابل الشخصية القوية لأخيه الأكبر باسل الذي تمتع بكل مزايا الابن البكر ذي الحظوة عند الأب.

من المحتمل أن حافظ الأسد لم يكن يخالط أولاده كثيراً بسبب انشغاله بعمله طوال الوقت. لم يملك الدكتاتور ترف الاعتماد على المستشارين والمساعدين والحاشية. كان عليه أن يتابع جميع الملفات بنفسه، فهو الوحيد الذي يملك اتخاذ القرارات في جميع الأمور، ولا ثقة له بأحد. فإذا حظى بلحظات من الراحة فمن المحتمل أنه كان يخص بها ابنه البكر الذي حلم بتوريثه، تاركاً أولاده الآخرين لرعاية أمهم. هناك شهادات متواترة عن سطوة الأم على بشار إلى اليوم.

بشار الذي اضطرالى قطع دراسته في لندن لطب العيون بقرار من أبيه، ونشأ في رعاية أمه وفي الظل الساحق لأخيه الأكبر باسل، سيجد نفسه فجأةً في الموقع الأول في السلطة، يستطيع نظرياً أن يفعل أي شيء بلا رقابة أو محاسبة. تماماً كما الطبيب الضابط في الشرطة العسكرية الذي وجد نفسه في سجن تدمر الرهيب، يملك كامل الصلاحيات لقتل أي سجين سياسي، فقتل بدم بارد وبخِسَّة جميع زملائه في كلية الطب بجامعة حلب، ممن كانوا شهوداً على عاره العاطفي والطبقي.

أليس السوريون جميعاً شهوداً على وراثة ما لا يورَّث لمن ليس أهلاً لشيء؟

=================

نجاح الثورة... فشل المعارضة

8-7-2012

يوسف بزي

 المستقبل

في بلدة حاس السورية، حمل أهلها لافتة تقول "أيها العالم: لسنا معارضة، نحن شعب يريد الحرية والكرامة". بدت تلك اللافتة، التي تتناقل صفحات الفيسبوك صورتها، بياناً بليغاً في الفارق بين الثورة السورية والملتحقين بها، ورسماً فاصلاً بين الانتفاضة الشعبية، التي اندلعت في آذار 2011 وما زالت مستمرة، والقوى والشخصيات السياسية المنتظمة تقليدياً كمعارضة للنظام، متفاوتة الأهداف والخلفيات العقائدية، ومتباينة البرامج والأساليب.

رسالة أهل تلك البلدة إلى العالم تتضمن درساً أولياً في السياسة، مفاده أن الحدث السوري لا يقوم على نزاع بين "معارضة" و"موالاة" تحاولان الاستحواذ على السلطة، كما يكون الحال في أي بلد طبيعي، إنما هو نزاع شامل بين سلطة عنيدة في تسلّطها وشعب عنيد في رفضها. وهذا النزاع هو من الشمول والعمق بحيث تستحيل معه "التسوية" أو أي شكل من أشكال "التفاوض". ولذا فإن مصطلح المعارضة لا ينطبق على الحال السورية، إذ لا يمكننا القول "الشعب المعارض"، فعندما تنتفض أغلبية السكان يتحول الاعتراض إلى ثورة. هذا الخلط بين الثورة والمعارضة، تعمّداً أو جهلاً، من قبل الكثيرين من سياسيي العالم وصحافته، تبدده تلك اليافطة ببلاغة مدهشة وحاسمة.

وفي هذا الشعار الذي رفعه أهل بلدة حاس، يتمظهر التمايز ما بين الحركات والأحزاب السياسية السابقة للثورة من جهة، وعموم المواطنين المنخرطين في الصراع اليومي، الدموي أغلب الأحيان، ضد النظام من جهة ثانية. وعلى الرغم من بداهة هذا التمايز، إلا أن المفاجئ في فحوى اللافتة هو ان "مواطني الثورة" أنفسهم أعلنوا تباعدهم المطرد عن الهيئات والأجسام السياسية التي تنطق باسم الثورة أو تحاول تمثيلها. هذا الجمهور بالتحديد يؤكد هنا، سمة التباعد ويطلبها ويكتب أسبابها. فهو يقول بما معناه: ثمة "معارضة" وثمة "شعب". فلا يختزل أحد أحداً، ولا يضمر هذا ذاك. ويتحدد على هذا الاختلاف المسار الذي يذهب فيه شعب الثورة إلى طلب الحرية، فيما المعارضة تذهب في مسار طلب السلطة. وهذان المساران قد يلتقيان عند طموح "إسقاط النظام" فقط. عدا ذلك، فإن أهل بلدة حاس يعلنون لسان حال أهل أغلب البلدات والقرى والمدن، أن تلك المعارضة قد تكون جزءاً من الثورة، أو مجرد حليفة ملتحقة بها، أو شريكة أساسية وضرورية، لكنها في الحال السورية ليست "ممثلة" حصرية للثورة، أو هي فشلت في ذلك حتى الآن.

نحن هنا، مع تلك اللافتة، أمام إعلان سياسي بامتياز، لا شك في أنه يصيب بالخجل أولئك الذين اجتمعوا مرات لا تحصى ما بين اسطنبول وباريس والقاهرة وتونس، من دون الوصول إلى "مسوّدة" تعادل في وضوحها وقوتها وبساطتها عبارة أهل حاس، أو توازي في عفويتها وذكائها وثقافتها شعاراً واحداً يرفعه أهل كفرنبل مثلاً. مع العلم أن الصفة المميزة لـ"المعارضة" السورية هي غلبة المثقفين والكتاب والمفكرين عليها. فكيف تعجز هكذا معارضة، خيالاً وقولاً وعملاً، ما يستطيعه فلاحون وعمال وعاطلون عن العمل وموظفون صغار وأميّون وطلبة مدارس...

على الأرجح... وكما في كل الثورات، ثمة عمل تفكيكي هائل تقوم به يوميات الثورة السورية، عمل إبداعي متواصل لهدم البنى والشبكات التي كانت تحكم المجتمع والسياسة والسلطة. وهذا ليس بمستطاع الأجسام القديمة (أحزاباً وتيارات..) مجاراته أو المشاركة فيه، بل هي تغدو عبر التحاقها بالثورة عبئاً أو حتى منتجة للتناقض وعائقاً أمام ديناميكية العمل الثوري، الذي لا بد وأن يطيح حتى تلك المعارضات التي تنتمي إلى زمن ما قبل الثورة (عمراً وعقلية).

ما فعله أهل حاس هو إعلانهم معارضتهم لـ"المعارضة". وقد ينبئ ذلك أن الثورة السورية، وبعد عام ونصف على اندلاعها، ومن الداخل، بدأت تنتج جديدها السياسي، من خبرتها الخاصة وتجربتها الميدانية، ودروسها اليومية، حيث تُمتحن الأفكار والتكتيكات والمعاني. فالصراع مع النظام، في الشوارع وفي الجبال والسهول وعلى تخوم القرى وفي ساحات المدن، مع كل العمل المباشر في القتال وتشغيل المخابز وتوزيع المؤن وإعالة المحاصرين وإسعاف المصابين وشبكات التضامن الاجتماعي وتسيير أمور الناس ومصالحهم وتنظيم التظاهرات وإقامة لجان إعلامية ولوجستية وخدماتية على نطاق واسع... كل هذا يشترك فيه عدد هائل من الناشطين الذين وجدوا أنفسهم، في خضم الثورة، ساسة (أي دبّر القوم وتولى أمرهم). وهؤلاء هم الذين يحملون شعار "الشعب يريد الحرية والكرامة".

بهذا المعنى، في سوريا، ليس مصير الثورة مناطاً بمصير "المعارضة"، بل ربما يكون فشل هذه الأخيرة، معبراً لولادة الجسم التمثيلي السياسي للثورة.

=================

كم يجب أن يموت في سوريا؟

8-7-2012

د.سعيد حارب

الاتحاد

"كم يجب أن يموت في سوريا حتى نغير استراتيجيتنا؟ لقد تم وضع أقصى العقوبات على النظام السوري، وأي عقوبات أخرى لن تضيف شيئاً.

أين السيد كوفي عنان؟ هل هناك أفضل من هذا الاجتماع ليبدي فيه اهتمامه بالشعب السوري، إنني أتكلم بألم وبكثير من الإحباط.

فإلى متى سنعطي هذا النظام الحجة حتى يستطيع أن يضحك على المجتمع الدولي؟ الشعب السوري يموت، فهل هناك لحظة سنصل إليها لنقول له كفى قتلاً... كفى تعذيباً، كفى مجازر ، وكفى علينا المشاهدة والحديث؟!”... كانت هذه بعض كلمات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية في "مؤتمر أصدقاء سوريا"، الذي عقد اجتماعه في باريس يوم الجمعة الماضي.

وقد جاءت كلماته معبرة عن شعور ملايين العرب الذين يرون إخوتهم السوريين يقتلون على يد النظام في أبشع صور الإبادة التي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثالاً عندما يُقتل شعب أعزل على يد نظامه.

فقد شهد العصر الحديث مجازر مشابهة لكنها تمت على يد الأعداء، كما حدث في فلسطين حيث قُتل الفلسطينيون في مذابح دير ياسين ومذبحة بلدة الشيخ ومذبحة الطنطورة ومذبحة كفر قاسم ومذبحة مخيم جنين وغيرها من المذابح، وكما حدث أيضاً في البوسنة حين شن الصرب حرب إبادة على المسلمين في مذبحة سربرنيتسا وغيرها من المدن البوسنية.

لكن الذي لا يتصور أحد أن يقوم أي نظام بقتل شعبه وهو الذي أتُمن على حياته، ويجب أن يتولى حمايته، وهذا ما يحدث في سوريا منذ سنة ونصف السنة تقريباً، إذ لا تتوقف آلة القتل عن حصد أرواح السوريين كل يوم.

ولم يسلم من ذلك النساء والأطفال والشيوخ، بل حتى الحيوانات والمزارع أصابها طغيان هذا النظام.

ولذا حين يرتفع صوت سمو الشيخ عبدالله بن زايد مطالباً العالم بإنقاذ الشعب السوري من الإبادة، فإنه لا يتحدث بموقف الإمارات الرسمي والشعبي فقط، وإنما يتحدث بضمير العالم الذي هاله ما يرى من سيل الدماء كل يوم في سوريا، بينما يوغل نظامه في إبادته معتمداً على ضعف الموقف العربي وتخلخل الموقف الدولي من خلال مصالح ضيقة لبعض الدول أو بحث عن تعزيز لمكانة إقليمية أو دولية على حساب هذا الشعب.

لقد هب العالم لمساعدة الشعب الليبي حين ثار على نظامه الذي سامه سوء العذاب، فقتل من قتل وشرد من شرد وعذب من عذب، وحين حانت ساعة المواجهة وجد الشعب الليبي من المجتمع الدولي موقفاً صامداً في بحثه عن الحرية.

فلماذا يقف العالم عاجزاً عن اتخاذ موقف مما يحدث في سوريا؟، لعل من أسباب ذلك موقف بعض الدول حيث تربط وجودها في منطقة الشرق الأوسط ببقاء النظام السوري، وهذا ما يعبر عنه الموقف الروسي الذي يعتبر سوريا حليفاً وحيداً في المنطقة العربية كما يراها ميداناً لبيع سلاحه الذي بارت أسواقه، وبقي السوق السوري مشترياً وحيداً له.

كما أن روسيا تستخدم الورقة السورية للحصول على امتيازات من الغرب لتغيير مساندتها لسوريا، ومقابل هذا فإن الموقف الغربي مازال متردداً ولا يتجاوز الدعم السياسي، أو فرض بعض العقوبات التي لم يكن لها تأثير كبير على النظام السوري، وربما لأن سوريا ليس لديها نفط ليبيا حتى تستطيع أن تقدمه للغرب مقابل مساندة ثورة شعبها!، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي تمر به معظم الدول الغربية، أو لحسابات انتخابية وسياسية كما عليه الحال في الموقف الأميركي.

وقد فهم النظام السوري هذا الموقف فاستمر في طغيانه، ولم يتوقف عن قتل شعبه وتدمير مدنه التي أصبحت أجزاء كبيرة منها خراباً بسبب القصف والتدمير الذي تشنه قوات النظام ومن ساندها من الشبيحة وغيرهم.

لقد استفاد النظام السوري من تشتت الموقف الدولي لكن الشعب السوري لم يعد يعلق آمالًا على المساندة الخارجية، بل شق طريقه في رسم مستقبله مستثمراً صمود أبنائه ومواجهتهم للطغيان ومستعيناً بمساندة المخلصين من أبناء أمته شعوباً وحكومات.

فهذا الشعب لا يعلم مسارب السياسة الدولية ولا صراعاتها أو مصالحها، لكنه يعلم أنه لم يعد بإمكانه الالتفات إلى الخلف فقد جرب الصمت أكثر من أربعين سنة، ولم يجن سوى القتل والترهيب أو العزلة والتخلف، بينما يرى شعوب العالم ترتقي في مراقي التقدم العلمي والتقني وتحظى بحقها في الحرية والعيش الكريم.

لقد وضع سمو الشيخ عبدالله بن زايد في كلمته المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والإنسانية بصورة مباشرة متجاوزاً في ذلك عبارات المجاملة والاختباء خلف العبارات العامة والمبهمة، وهو يحدد بذلك موقف دولة الإمارات التي ليس لها مصلحة في ذلك سوى حقن دماء الشعب السوري وحفظ حياته وأعراضه وأمواله.

وإذا كان المجتمع الدولي قد تخاذل عن نصرة الشعب السوري، فإن حقوق الدين والدم والإنسانية تفرض على العرب والمسلمين وشعوب العالم التي تحرص على حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي حريتها أن تساند الشعب السوري، لقد رفعت الإمارات صوتها عالياً... فهل من مجيب؟!

drhareb@gmail.com

=================

مؤتمر «أصدقاء سوريا»... فرصة للضغط على روسيا والصين

8-7-2012

الاتحاد

انتقدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون روسيا والصين بشدة يوم الجمعة الماضي بسبب "عرقلتهما" الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة السورية، في وقت وصل فيه إلى اجتماع أصدقاء سوريا هنا بالعاصمة الفرنسية تأكيد حول انشقاق ضابط كبير في الجيش السوري عن حكومة الرئيس بشار الأسد، حيث قال وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيس" لممثلين رفيعي المستوى إن العميد مناف طلاس، الذي كان لوقت طويل عضواً في الدائرة الداخلية للأسد، قد فر من دمشق.

وفي مؤتمر صحفي عقد في وقت لاحق من يوم الجمعة، اغتنمت كلينتون هذه المناسبة لتشجيع آخرين مقربين من الأسد على القيام بالشيء نفسه حيث قالت: "إن الشعب السوري سيتذكر الاختيارات التي ستقومون بها خلال الأيام المقبلة، وكذلك العالم"، مضيفة "لقد آن الأوان لتتخلوا عن الديكتاتور، وتحتضنوا مواطنيكم، وتقفوا إلى الجانب الصحيح من التاريخ". الأخبار حول انشقاق شخصية رفيعة المستوى مثّل خبراً ساراً بالنسبة لأكثر من 80 دولة ومنظمة دولية تحاول إنقاذ جهد لمبعوث الأمم المتحدة كوفي عنان يروم إنهاء الانتفاضة التي بدأت قبل 16 شهراً في سوريا، حيث الوضع مستمر في التدهور بشكل مطرد.

كلينتون تحاول حشد الدعم الدولي لخطة عنان التي اقتُرحت الأسبوع الماضي في جنيف وتدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية قائمة على "القبول المتبادل" لمجموعات المعارضة وأعضاء الحكومة السورية. وهذه اللغة هي التي أكسبت الخطة دعم روسيا، التي تعتبر المزود الوحيد للحكومة السورية بالأسلحة، والتي أولتها على أنها تعني أن الأسد يستطيع البقاء في السلطة ضمن حكومة جديدة.

غير أن المسؤولين الأميركيين يشددون على أن "القبول المتبادل" يعني أن مجموعات المعارضة تستطيع الاعتراض على مشاركة الأسد وآخرين "ممن يلطخ الدم أيديهم"- وهي نقطة شددت عليها كلينتون يوم الجمعة الماضي حيث قالت: "اليوم بعث المجتمع الدولي برسالة واضحة وموحدة مفادها أن العنف في سوريا يجب أن يتوقف، وأن تحولاً ديمقراطياً يجب أن يبدأ، وأن الأسد يجب أن يرحل"، مضيفة أن الدعم لخطة عنان "أزال أي شك بشأن دور الأسد في فترة انتقالية: فهو لا دور له".

والجدير بالذكر هنا أن فصائل المعارضة تقول إن رحيل الأسد يجب أن يكون شرطاً مسبقاً لأي اتفاق. كلينتون قالت للمؤتمر إن روسيا والصين، اللتين رفضتا دعوتين للحضور، "تعرقلان التقدم -وتعيقانه- وهذا أمر لم يعد من الممكن احتماله". وفي هذا الإطار، قالت رئيسة الدبلوماسية الأميركية إن موسكو وبكين "لا تدفعان أي ثمن مطلقاً -لا شيء على الإطلاق- عن دعمهما لنظام الأسد"، داعيةً العضوين المتمتعين بحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي إلى دعم قرار أممي بناء على خطة عنان التي دعماها في جنيف.

كما انضمت الولايات المتحدة إلى حكومات أخرى هنا في الدعوة إلى قرار جديد لمجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يمكن أن يرخص في بعض الظروف لتدخل عسكري في سوريا. قرار قد يفرض عقوبات شاملة ضد سوريا، تشمل حظراً على الأسلحة ترفضه روسيا، ومطالبة الأسد بالتعاون مع خطة عنان. تعليقات كلينتون عكست ازدياد مشاعر الإحباط تجاه حكومة الرئيس فلاديمير بوتين، التي ترفض التخلي عن الأسد، أو حتى قطع علاقاتها معه، رغم انضمامها إلى خطة عنان، هذا في وقت مازالت فيه الولايات المتحدة وبلدان أخرى تضغط من أجل تنحي الأسد مترددةً في التدخل بشكل مباشر في سوريا، ولاسيما في غياب تفويض قانوني دولي، تعرقله روسيا في الأمم المتحدة.

ذلك أنه سبق لروسيا أن استعملت حق "الفيتو" ضد قرارين سابقين لمجلس الأمن الدولي، إلى جانب الصين. كما رفضت موسكو أي حظر على الأسلحة لا يشمل قوات المتمردين التي تحصل على الأسلحة جزئياً بفضل أموال تتلقاها من دول خليجية. غير أن الطريق إلى الأمام يزداد تعقيداً في وقت يستمر فيه الوضع في سوريا في التدهور ومجموعات المعارضة تكافح من أجل تشكيل جبهة موحدة. وفي هذا الإطار، تحدثت منظمة "هيومان رايتس ووتش" مؤخراً عن "أرخبيل" من مراكز التعذيب عبر البلاد، كما قال رئيس مجموعة من المراقبين الأمميين إن العنف بلغ مستويات "غير مسبوقة".

وكان اجتماع عقد في وقت سابق من هذا الأسبوع ضم أكثر من 30 مجموعة معارضة ومنفيين سوريين آخرين في القاهرة، بهدف توحيد صفوف المعارضة قبيل مؤتمر الجمعة، قد تحول إلى فوضى واشتباكات بالأيدي قبل أن تتفق معظم مجموعات المعارضة المختلفة أخيراً على مخطط يطالب بإزالة الأسد ويحدد الخطوط العريضة لحكومة انتقالية وانتخابات واستفتاء دستوري.

ولكن بعض المجموعات المعارضة للحكومة تضغط من أجل إقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا، على اعتبار أن القوات العسكرية للأسد تستعمل المدفعية والهجمات بواسطة طائرات هيلكوبتر لقصف المناطق المدنية.

وفي هذا الإطار، قال زعيم إحدى مجموعات المعارضة للمؤتمر يوم الجمعة إنه إذا كان المتمردون السوريون لديهم "الكثير من الأصدقاء" الذين يحضرون العديد من المؤتمرات على ما يبدو، فإن الأسد مازال في السلطة ومستمر في قمعه الوحشي. وأضاف الزعيم المعارض، الذي لم يوزع اسمه على الصحفيين الذي يغطون الحدث من مركز قريب للصحافة، يقول: "إننا نرغب في أن تكون صداقتكم فعالة ومؤثرة - أن تساعدونا على وضع حد لهذه المذبحة". وتقاوم الولايات المتحدة والقوى الأوروبية دعوات للتدخل في سوريا، مؤثرة بدلاً من ذلك زيادة الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على حكومة الأسد. وتعتقد أن جهودها تقوض جراء فشل المعارضة في تشكيل جبهة موحدة ضد الأسد.

إلى ذلك، اعتبر تأكيد نبأ انشقاق طلاس يوم الجمعة أول مؤشر على تصدع في الدائرة الداخلية للأسد. وكان خبر الانشقاق قد انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تديرها مجموعات المعارضة، التي نشرت بتشف صوراً للأسد وطلاس يقفان جنباً إلى جنب أمام الكاميرا في تذكير بمدى قوة علاقة الرجلين في الماضي. ومن غير الواضح ما إن كان طلاس، الذي كان يقود الحرس الجمهوري السوري، سينضم إلى المتمردين الذين يقاتلون قوات الأسد أم لا. غير أنه في جميع الأحوال، فإن انشقاقه يبدو أنه هو الأهم من نوعه منذ بدء الانتفاضة.

ستيفاني ماكرومان - باريس

ليز سلاي - اسطنبول

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

=================

مأزق المعارضة السورية

8-7-2012

البيان

منذ أيام قليلة اختتمت في القاهرة أعمال مؤتمر المعارضة السورية الذي استمر يومين. كان الهدف الرئيس لهذا المؤتمر إعداد تصور دقيق وواقعي للمرحلة المقبلة.

ولكن أجواء المؤتمر عكرها الشجار الذي شهدته إحدى الجلسات، والتي تبادل فيها الأطراف الاتهامات التي وصلت إلى حد الاتهام بالعمالة لحساب نظام الأسد، غير أن عضو المجلس الوطني السوري محمود الحمزة يقلل من أهمية ذلك ويعتبره أمراً تافهاً لا قيمة له.

ويضيف موضحا أن سوريا تشهد أحداثاً فظيعة، ولذلك وجد من بين الذين حضروا لمناقشة الأوضاع في سورية بعض "الرؤوس الحامية". ومن الطبيعي أن تغلب أحيانا الانفعالات على سواها، وهذا شيء بسيط جدا مقارنة بما تم تحقيقه في المجال السياسي.

وعن المؤتمر نفسه يقول الدكتور الحمزة بلغة متفائلة أكثر من اللازم، إنه أكثر مؤتمرات المعارضة السورية تمثيلا، وكان مثمرا جدا، فقد تم إقرار وثيقتين هامتين للغاية، هما وثيقة حول المرحلة الانتقالية، ووثيقة العهد الوطني، وتتصف هاتان الوثيقتان بأهمية سياسية كبيرة لمستقبل سوريا.

وبالإضافة إلى ذلك تم التأكيد على أن اي تغيير في سوريا يجب أن يبدأ بتغيير النظام السياسي. لا بد من حوار وطني بين كافة ممثلي الشعب السوري، ولكن بدون بشار الأسد وفريقه. ويجب أن تتأسس سوريا الجديدة على القانون والمواطنة. وهذا ما اتفق عليه الجميع.

اما عدم تجانس المعارضة فهو ظاهرة طبيعية تماما. "نحن نسعى إلى بناء الديمقراطية، فكيف يمكننا أن نكون جميعا مثل بعضنا؟". المهم أن كافة القوى السياسية موحدة في رؤيتها للوضع في البلاد، وتطالب برحيل الأسد وبناء دولة ديمقراطية.

ما يقوله المعارض السوري لا يتفق معه كثيرون يرون أن المعارضة السورية تواجه مأزقاً حقيقياً ومهددة ليست فقط بالفرقة بل بالتنازع والصدام، ويرى مدير معهد الشرق الأوسط يفغيني ساتانوفسكي، الذي ليس على هذا القدر من التفاؤل بما جرى في مؤتمر القاهرة، أن جميع مؤتمرات المعارضة ترمي إلى عدة أهداف خاصة بعيدة عن جوهر الأزمة.

فالمعارضة، أولا، تذكر الممولين بوجودها، وتريد، ثانيا، معرفة من هو الطرف الأهم ضمن هذه المجموعة المتنافرة. والهدف الثالث يتلخص بتنسيق التحركات، وهذا أمر يصعب تحقيقه لأن هذه المعارضة متعددة الرؤوس والأصوات، ولا تعتزم طرح أي شيء بناء، وتقتصر على مطلب إسقاط الأسد، وما من أحد يريد الالتزام بمتطلبات مؤتمر جنيف.

أما الأخبار التي تزعم أن الأسد قد يحصل على حق اللجوء في روسيا فليست إلا جزءا من حرب إعلامية بكل معنى الكلمة، فعندما يعجز طرف ما عن إطاحة خصمه يطلق بحقه أكبر كمية من الشائعات، ويتساءل ساتانوفسكي: "من قال إن الأسد يعتزم الرحيل؟"، إنه حتى الآن رئيس سوريا، والجيش لا يزال متماسكا من حوله، وجزء كبير من الشعب لا ينوي التخلي عنه، إذ يدرك أن لا بدائل كثيرة عن رئيسه.

المصدر: صحيفة "كمسمولسكايا برافدا" الروسية

=================

تدمير سوريا

8-7-2012

يوسف بن أحمد البلوشي

البيان

حالة الحرب التي تعيشها سوريا والدمار الذي يلحق بالأرض، وقتل الناس الأبرياء، لابد أنه يشكل أزمة حقيقية داخل سوريا والمنطقة العربية، في ظل صراع القوى العظمى على الكعكة السورية.

تغيير النظام في سوريا، قد تكون إرادة شعبية بين عدد كبير، ولكن هؤلاء لا يشكلون أغلبية السوريين. وما نشهده من حالة تدمير للبنى التحتية وتشريد السكان من مقارهم وبلداتهم، يشكل فوضى كبيرة تجتاح هذه الأرض العزيزة من وطننا العربي.

كلنا يتفق أن ضعف وتخلف الخطط التنموية في سوريا وحالة الفقر التي يعيشها السكان من حيث عدم وجود وظائف للشباب عبر مشاريع استثمارية جديدة على أرض سوريا، شكل دفعاً للثورة السورية، لتغيير النظام، بجانب دوافع أخرى وصراعات دول سياسية كانت أو اقتصادية.

فما نراه من الدمار والقتل المستمرين بشكل يومي للأطفال والنساء، سواء من قبل النظام والشبيحة أو من قبل الثوار السوريين المدعومين من دول جوار سوريا، يهدف إلى زعزعة استقرار هذا البلد من جغرافيا، ووطننا العربي غير مستقر منذ الربيع الشبابي.

اليوم ومن خلال المبعوث العربي والأممي كوفي أنان يتم تسويق "الحرب الاهلية" داخل سوريا، وهي خطة يبدو أنها ممنهجة دولياً بمساعدة أطراف عربية وأجنبية لخلخلة النظام في سوريا حتى ينهار في وضح النهار.

ولا شك أننا كلنا يتابع الاصرار الصيني والروسي على عدم السماح للغرب بالسيطرة بالقرار حول سوريا كما كان في العراق، وليبيا، مع محاولة الغرب إشراك ايران في الخطة السورية، من أجل جعلها شريكا في أزمة سوريا.

ولا شك ان ابناء الثورة السورية باتوا مختلفين حول أشياء كثيرة، وغير قادرين على توحيد الصفوف مما ينم عن فراغ سياسي داخل فريق الثورة. وهذا ما يجعل الأزمة تطول، مع تراجع بعض الأنظمة المجاورة والدولية في دعم عناصر الثورة بالشكل الذي يحقق الأهداف.

ومن جانب يبدو ان هناك خطة لجعل الأزمة تسير بهكذا منهج، لكن وهذا هو الأهم ان ما يجري في سوريا تدمير كبير للبنية الموجودة في هذا البلد، وهناك كثيرون يرون في الأسد رئيسا، فلا يريدون تغييراً، وهي قد تكون نسبة كبيرة من شرائح السوريين، بينما هناك فئة قليلة هي من لا تريد للنظام الاستمرارية في حكم البلاد، وهم معارضون منذ زمن طويل.

لكن وفي ظل ما شهده عدد من بلدان العالم العربي منذ أكثر من عام، ساهم في جر سوريا، كغيرها إلى الربيع العربي، في ظل دعم غربي، رغم ان سوريا، حافظت على أمن عدد من دول الجوار وخاصة إسرائيل، لكن يبدو أن المخطط القادم للجغرافية، وصلابة الأسد في وجه عملية السلام التي تقودها بعض الدول في المنطقة، جر سوريا إلى ما تشهده في الوقت الراهن.

سوريا اليوم تشهد مسرحية جيوسياسية أبطالها روسيا والصين والغرب وعدد من دول جوار سوريا، بينما المشاهدون السوريون مع بقية العرب يتابعون أجزاء المسرحية، ولكن ما نأمله أن تنتهي قبل أن تكون سوريا أرضاً مستوية عن بكرة أبيها؟

=================

هل شعر الروس بتورطهم في سوريا؟!

8-7-2012

يوسف الكويليت

 الرياض

    الأسد، روسيا، إيران محاور العداء للشعب السوري، ومع أن روسيا لديها مفاتيح الضغط والارتخاء في هذه المسألة، فهي من جازف بتأييد القذافي وسقط لصالح الأطلسي، والأسد، باعتراف الروس أنفسهم ليس لديه غطاء القوة ليحكم سوريا حتى لو قهر الثورة، فهو يعيش في منفاه الوطني، إذ انتهى عقلياً ووجودياً من الذهنية الوطنية بحكم تجاوزه العمل السياسي للإجرامي.

إيران، وتحت ضغط المقاطعات المتتالية، وهبوط إنتاجها النفطي ٥٠٪ والذي يعد عماد دخلها القومي، وجدت أنها في حالة استنفار مع شعبها الذي قد يتحرك بعودة إلى المظاهرات والاضرابات نتيجة تدني المداخيل والسلع، واتساع البطالة وارتفاع الأسعار، وهنا بدأت تجد الاستمرار بدفع تكاليف جنون الأسد على حساب خبز المواطن، مواجهة لا تقوى عليها السلطة، ونجد ما قاله وزير الخارجية العراقي، ونقده السلطة السورية، ليس نطقاً أحادي الجانب، بل هو تطابق مع وجهة النظر الايرانية، ورؤية تقدر أن أوراق الأسد احترقت تماماً.

جميع اللقاءات والمؤتمرات التي انعقدت بالشأن السوري، تلامس الوجه السياسي، دون فعل يتوافق وما يجري من ذبح على الأرض، ووجهة النظر الأمريكية - الأوروبية، أن لا تدخل عسكرياً، أو دعماً للجيش الحر، والتقدير هنا، ينصب أنه لا ضرورة في مواجهة عسكرية مع روسيا في الداخل السوري، وأن استمرار تأييد الكرملين لحكومة الأسد استنزاف سياسي لهم، لأن احتمالات سقوط النظام، توفرها جملة تحولات في تنامي الانشقاقات العسكرية، والتماسك الشعبي في الاستمرار بالثورة، ثم الأهم ضعف المداخيل للسلطة التي تدنت إلى الوضع الحرج.

فحتى لو قيل إن الحكم ما زال قوياً ويملك الذراع العسكرية الأقوى في المواجهة، فإدامة الحرب الطويلة تفرز يأساً، ولا مبالاة، يؤديان إلى الخوف من المصير القادم لكل من ساهم بدعم السلطة واستعمال سلاحها وقوتها، وحتى مسائل التنفيس في محاولة إغراق لبنان بالأزمة السورية، قد تحوله واجهة ضدها، ورصيداً للثوار، واللعبة مهما كانت خططها، فهي تدفع إلى واقع مجهول، لأن لبنان ليس كل تياراته على وفاق مع سوريا، وحزب الله، لو توفرت له عوامل دعم سوريا، فهو يعتمد على إيران التي تمر بحالة وضع اقتصادي سيئ، وهناك من يتمنى تورط الحزب بالأزمة السورية ليخسر سياسياً ومادياً قاعدته التي بناها بعد حربه مع إسرائيل ونجاحه بمقاومتها.

التوقعات حول سوريا، تراوحت بين الدعم للجيش الحر، وتعزيز صفوف المعارضة، واستعمال الضغط السياسي على روسيا كحليف يؤدي دوراً قد يخسر معه دول المنطقة كلها، ولعل خروج تصريحات جديدة من مسؤولين روس أنهم لا يدعمون الأسد، وإنما يرفضون أن يتحول الصراع إلى حرب أهلية متغيَّرٌ، وإن ظل نسبياً، فهو تطور بدأ يقرأ الحقائق على الأرض، وأن مسار النظام هناك، بدأ يخسر، وربما يفقد مؤيديه والمتعاونين معه.

روسيا ليست من الغباء أن تضع نفسها وترهن مستقبلها مع المنطقة العربية، بالرهان على شخص ونظامه، وقد تملك الضغط على الحكومة، لكن ليس بمقدورها تغييرها، والغرب عندما يطالبها بترحيل الأسد لمنفاه في روسيا، تعلم أنها لا تستطيع القيام بهذا الدور، لشخص وضع نفسه في معادلة معقدة، بوجوده أو فناء الشعب، وعموماً لا يزال في ملف الاحتمالات العديد من المفاجآت، وربما غير السارة للمتحالفين ضد المواطن السوري.

=================

سورية واللعبة الجيوسياسية التي تتغير

8-7-2012

سعود كابلي 

الوطن أون لاين

ما يحدث اليوم في سورية حرب إقليمية، وللحرب قواعدها ومقتضياتها، ولكن هذه المقتضيات لم تتحقق بعد كون الخطاب الذي لا يزال ساريا هو محاولة لاصطناع عقلانية محايدة تخرج بحل سياسي

الكتابة عن الوضع في سورية اليوم معقدة بتعقيد السياسة السورية نفسها، التي منذ عهد رئيسها السابق حافظ الأسد جعلت من سورية مركزا يجمع المتناقضات في ذات الوقت، فسورية التي روجت لنفسها على أنها رأس المقاومة ضد إسرائيل في المنطقة هي نفسها التي لم تطلق رصاصة واحدة على الجولان منذ احتلاله، وسورية التي مدت جسور التعاون الاستراتيجي مع إيران هي نفسها التي شاركت قوات التحالف في حرب الخليج وحافظت على علاقتها مع الخليج، وهي نفسها سورية التي مدت جسور التعاون الاستراتيجي مع تركيا على حساب إيران. الجغرافيا السياسية للدولة السورية هي نعمتها ونقمتها في ذات الوقت، موقعها الاستراتيجي هو ما خلق مركزيتها الإقليمية وأهميتها العالمية كلاعب تتقاطع عندها الكثير من المصالح والسياسات، والنظام السوري بلا شك يدرك ذلك ويستثمر ذلك، وهو بقدر ما أبرز من وحشية ودموية ضد شعبه الذي يثور ضده، بقدر ما هو نظام يدرك تماما أبعاد اللعبة الجيوسياسية، إنه نظام لا يجب أن نستهين بذكائه، وفي المقابل هو نظام يجب أيضا ألا يستهين بذكائنا.

الكتابة عن سورية وما يجري فيها اليوم ليس سهلا، إلا إذا كانت جزءا من كتابة تندرج تحت باب الرومانسية السياسية أو استدرار العواطف الجياشة تجاه ما يعانيه أشقاؤنا في سورية، وهو حق لمن يشاهد القتل اليومي والأفعال الدموية للنظام السوري بحق شعبه. عندما تدخل السياسة من الباب تهرب الأخلاق من النافذة، هذه قاعدة أساسية في السياسة، فكيف يمكن تشخيص ما يحدث في سورية بعيدا عن الأخلاق؟ وكيف يمكن القول إن هذه الثورة السورية لم تعد كما كانت مجرد ثورة شعب ضد نظام دون أن يكون هذا القول تجريحا في شعب قدم صورة رائعة من صور البسالة ودون أن يكون في هذا القول استهانة بدماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل وطنهم وكرامته وكرامتهم وحريتهم؟

اليوم تمثل العوامل الإقليمية اللاعب الأهم على الساحة السورية، سقوط نظام الأسد ليس مجرد سقوط لنظام مستبد أذاق شعبه صنوف العذاب وامتهان الكرامة، سقوط نظام الأسد له عدة انعكاسات في غاية الأهمية: خسارة إيران لحليف مهم، دخول تركيا للمنطقة أكثر من بوابة سورية، تغير في الحزام الكردي، نشوء قوة سنية في شمال لبنان موازنة لحزب الله، تغير في ديناميكية العلاقة السورية مع إسرائيل، خروج سمسار مهم للملف الفلسطيني، نشوء موازن إقليمي سني جديد للعراق، إضافة للأضرار بورقة مهمة لروسيا في المنطقة. هذه العوامل تحدث عنها عدد من المحللين المتابعين للوضع في سورية، ومجموع هذه العوامل وتناقضاتها يظهر من جهة حجم اللعبة الجيوسياسية المرتبطة بسورية اليوم، وهي لعبة يصعب النظر لها من منطلق أخلاقي سواء لمن يقف مع الثورة السورية أو تلك القوى التي تقف مع النظام انطلاقا من اعتبارات رفض التدخل الخارجي، ما تقوله روسيا على سبيل المثال من أن الشأن السوري هو أمر يخص السوريين فقط هو تعمية لحقيقة أن ما يحدث في سورية بات بلا شك لعبة سياسية إقليمية من الطرفين.

إن التشخيص السليم للتعامل مع سورية يجب أن ينحي الجانب الأخلاقي لفكرة الثورة، وأن يتعامل مع الوضع هناك من منطلق واضح للمكسب والخسارة بين الأطراف، ونحن إذ نختار جانبا أو طرفا في هذا الصراع علينا أن نعي ما يترتب على الاختيار وأن نلتزم به. فكرة الحل السياسي سواء على غرار النموذج اليمني أو العراقي ضرب من ضروب التمويه والتعمية السياسية على حقيقة ما يقتضيه الشأن السوري من حساب واضح للمكسب والخسارة بين الأطراف الإقليمية التي باتت جزءا وطرفا فيما يحدث في سورية.

لا يمكن نزع المحاولات السياسية التي تجري اليوم من أجل سورية من سياقاتها الممتدة، إيران تفاوض الولايات المتحدة على أرض سورية، والولايات المتحدة تفاوض روسيا علي أرض سورية، وهكذا دواليك في لعبة جيوسياسية ممتدة أبعد نقطة فيها هي مصلحة سورية نفسها، بغض النظر عن كل المواقف الإعلامية التي تتستر تحت غطاء الشرعية الدولية وعدم التدخل الخارجي فيما يجري في سورية، لا روسيا ولا الصين ترفضان التدخل من أجل مصلحة سورية الذاتية، ولا الولايات المتحدة ولا أوروبا ستتدخلان لأجل مصلحة سورية الذاتية، وهذا ما يجعل الأسئلة التي تطرحها علينا سورية صعبة، وإجاباتها أصعب.

الحديث عن إنهاء العنف هو حديث عن محاولة إنهاء وضع بات لا يقبل سوى المكسب أو الخسارة، وبالتالي هل التدخل الخارجي على المدى الطويل سيزيد العنف أم يهدئه؟ وما هو المعيار الأخلاقي "المحايد" حقيقة الذي يمكن النظر منه لما يجري في سورية اليوم؟ إيقاف دعم الثوار يعني خسارتهم ورفع الدعم عن النظام يعني خسارته، بما يترتب على كلا الأمرين من انعكاسات. أي محاولة لعقلنة ما يجري في سورية سواء على الأرض أو بالكتابة هي في النهاية انحياز لطرف دون الآخر، ومحاولة لاصطناع حياد في قضية لم تعد تقبل القسمة. قد يقال الكثير حول الخلاف بين المعارضة السورية وخاصة الداخلية والخارجية ومدى تمثيلها للشعب السوري، وكذلك قد يقال الكثير عن الشعارات المرفوعة عن حق الشعب السوري في الديموقراطية والحرية وربط هذه المفاهيم بالتدخل الخارجي أو مقارنة الوضع السوري بالوضع الليبي وقياس التدخل الخارجي عليه وآثاره رغم انتفاء وجه المقارنة هنا إلا من وجه دموية كلا النظامين.

لأن سورية هي التي ظلت على مدى عقود دولة عربية مركزية بحكم موقعها وشبكة المصالح والتوازنات الإقليمية التي خلقتها سواء بسبب وضعها الجيوسياسي أو بسبب مناورات نظامها الحاكم؛ فإنه لا مناص من تشخيص واقع ما يحدث فيها اليوم من كونه حربا إقليمية، وللحرب قواعدها ومقتضياتها، ولكن هذه المقتضيات لم تتحقق بعد كون الخطاب الذي لا يزال ساريا هو محاولة لاصطناع عقلانية محايدة تخرج بحل سياسي.

سورية اليوم أشبه بمن يقف على الأعراف، لا هي دخلت جنة الحل السياسي ولا نار الحرب التي تنتهي بوضوح في حساب المكسب والخسارة. كل ما يقدم لسورية اليوم ليس سوى إدارة للصراع وليس حلا له (conflict management not conflict resolution) وكل الجهود الدولية ليست سوى عملية احتواء للموقف، تتقدم خطوة وتتراجع خطوة. نزع الخيار العسكري من على الطاولة يعني تحييد الوضع وإبقاءه على ما هو عليه، وهو أمر رغم ما يوحي به من عقلنة تريح من يسعى للقول بالحياد وعدم الانحياز لطرف إقليمي دون الآخر في هذا الصراع، إلا أنه أمر ينافي واقعية أن هذا وضع يجب أن يتمخض بخروج رابح وخاسر منه. واقع رغم لا أخلاقيته ربما يجب أن نتجرعه كالسم ونقبل به، وليست هذه محاولة للإجابة بقدر ما هي محاولة لطرح سؤال صعب.

=================

هل انشقاق طلاس غير مهم؟

8-7-2012

طارق الحميد

 الشرق الأوسط

سارع أحد المسؤولين المحسوبين على طاغية دمشق للقول بأن انشقاق العميد مناف طلاس لا معنى له، وإنه إذا كانت المخابرات الأسدية تريد اعتقاله لفعلت، فهل يمكن تصديق مثل هذا الكلام؟ وهل يمكن أن يكون انشقاق طلاس غير مهم لنظام الأسد الذي يعتقل، ويقتل، حتى الأطفال المنتقدين له، ناهيك عن أن مناف هو صديق طفولة الأسد؟ الإجابة البسيطة هي: هراء!

فانشقاق مناف طلاس يعد بمثابة زلزال، وضربة، في قلب النظام. فالأنظمة القمعية، مثل الأسد، لا تقبل المساس بهيبتها المصطنعة بالحديد والنار، فكيف يكون انشقاق صديق طفولة الأسد غير ذي معنى؟ ليس هذا فحسب، بل إن العميد المنشق هو ابن وزير الدفاع الأسبق العماد مصطفى طلاس، صديق حافظ الأسد، ورفيق دربه، الذي لم ينشق عن الأب يوم ارتكب مجزرة حماه، رغم أنه من الطائفة السنية، وقائد عسكري مثل ابنه اليوم، وعرف الأسد الأب من قبل الانقلاب الذي جاء بحكم عائلة الأسد! ولذا فإن انشقاق مناف يعد مهماً، وضربة مؤلمة لطاغية دمشق، فمناف انشق اليوم، عكس والده كما أسلفنا، مما يعني أنه، أي مناف، قد أدرك أنه لا أمل في سفينة الأسد، وأنها غارقة لا محالة.

كما أن انشقاق مناف طلاس، صديق طفولة طاغية دمشق، يعني أن خزينة مهمة من الأسرار باتت متاحة اليوم للغرب عن بشار الأسد، ودوائره المقربة، وتركيبة نظامه الحالية، وحقيقة ما يدور في دوائر النظام الآن، وكيف تفكر وتدير عملها الإجرامي في قمع الثورة السورية السلمية، منذ 17 شهرا، حتى اضطُّر السوريون لحمل السلاح دفاعا عن أرواحهم، وأعراضهم. هذا عدا عن معلومات أخرى حول السنوات الماضية لحكم الأسد، سواء في سوريا، أو لبنان، أو العراق، وغيرها من معلومات مهمة جدا. وانشقاق طلاس يعني أيضا أن التحالف السني مع الأسد قد أصيب في مقتل، فخروج مناف يعد مؤشرا مهماً على أن الدوائر السنية المستفيدة من التحالف مع الأسد لم تعد قادرة على تبرير جرائمه في حق السوريين أكثر مما مضى.

والقصة لا تقف هنا بالطبع، فانشقاق مناف طلاس، وهو القائد في الحرس الجمهوري، وتحت قيادة ماهر الأسد، يعني أن دائرة الانشقاقات قد اتسعت، وبلغت حتى القوات الموثوقة بالنسبة لعائلة الأسد، مما يعني تصدع وحدة النظام الصلبة، مثلما أن انشقاق مناف يعني أن سيطرة الأسد على سوريا لم تعد حقيقية. وكما أشارت عدة مصادر، وكما ذكرنا سابقا هنا، فخروج مناف طلاس، وبرفقة موكب ليس بالصغير، يعني أن النظام الأسدي بات فاقدا للسيطرة على كل سوريا، والأهم أنه فاقد للسيطرة حتى على من يشك فيهم من القيادات العسكرية، وهذا يعني تلقائيا أن نظام الأسد البوليسي لم يعد قادرا على ضبط من هم ضده، ومن هم معه، حتى في أقرب الدوائر المقربة للأسد شخصيا.

ولذا فإن القول بأن انشقاق مناف طلاس عن نظام الأسد ليس بالمهم، كما يردد النظام الأسدي، ما هو إلا هراء، ومحاولة لامتصاص الصدمة الزلزال، التي من الواضح أنها ستليها صدمات أخرى قاتلة.

=================

بوتين يسابق تغييرات المنطقة بزيارة إسرائيل

8-7-2012

فايز سارة

 الشرق الأوسط

لعلها ليست مصادفة أن تكون زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إسرائيل هي فاتحة جولته الأخيرة في الشرق الأوسط في فترة رئاسته الجديدة، كما أنه ليس من باب الصدفة أيضا، أن تأتي الزيارة في هذا الوقت بما فيه من حساسيات تحيط بأوضاع الشرق الأوسط، وخاصة في ملفين هما الأكثر خطورة وإثارة في ملفاته الساخنة؛ أولهما ملف الأزمة في سوريا، والثاني ملف إيران النووي، ولكل من الملفين تداعيات إقليمية ودولية كبيرة وخطيرة، وكلاهما موضع اهتمام شديد وتفاعل من جانب روسيا وإسرائيل.

وسط تلك الظروف جاءت زيارة بوتين إلى إسرائيل، التي لا شك في أنها كانت هامة وحساسة، على الرغم من أن الرئيس الروسي بوتين حاول التخفيف من أهميتها وحساسيتها، بأن جعلها تبدو في إطار جولة شملت الأراضي الفلسطينية والأردن، فيما حاول الإعلام الروسي والإسرائيلي ذلك، عندما وصف زيارة إسرائيل بأنها كانت «ودية»، أو «دينية».

لقد تزامنت الزيارة مع تسخين خطير في ملفي سوريا وإيران في المستويين الإقليمي والدولي، حيث تم وضعهما أمام خطوات عملية وإجرائية، وسيكون لروسيا دور في تحديد اتجاهات التعامل مع هذين الملفين في الفترة القريبة المقبلة، الأمر الذي جعل منهما موضوعا رئيسيا في مواضيع الزيارة، وهو في الأقل موضوع تشاور بين الطرفين اللذين أكدا في مباحثاتهما تطابق وتقارب وجهات النظر، حسب المصادر الإسرائيلية، وهو وضع تفسره المصادر الإسرائيلية بالقول إن قيام بوتين بتأكيد تعاون موسكو مع إيران وحق الأخيرة في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، لا يعني ممانعة روسيا شن هجمات على إيران، وهو تحول كبير في الموقف الروسي أكده قول بوتين إن «روسيا لن تذرف الدموع» إذا ما هوجمت إيران.

أما في الموقف من الأزمة السورية، فقد كان الموقف الروسي أكثر حذرا ومداورة، الأمر الذي ظهر في محدودية طرح الموقف الروسي وتناوله في الإعلام، غير أن إشارات روسية عدة في الموضوع هدفت إلى تبديد المخاوف الإسرائيلية من تداعيات الأزمة السورية، ومنها احتمال اندلاع حرب سورية - إسرائيلية، الذي قوبل بتعهد من بوتين بحماية مليون روسي يقيمون في إسرائيل، بمعنى تعهد إسرائيل بمنع ذلك الهجوم، أو تعهد بردعه إذا حصل. كما طمأن بوتين الإسرائيليين بصدد أسلحة سوريا غير التقليدية في أنها لن تصل إلى أيد وتنظيمات متطرفة، وأنه سيعمل شخصيا لمنع حدوث ذلك.

والتشاور الروسي - الإسرائيلي في الملفين السوري والإيراني، يمثل بعضا من تفاصيل تعزيز العلاقات الثنائية الروسية – الإسرائيلية وتطويرها، وهي في الأهداف الرئيسية للزيارة، وقد جاءت بعد فترة من برود أحاط بها في جوانبها السياسية والاقتصادية وغيرها، ولعل المؤشر الأبرز في تعزيز العلاقات يظهر في حجم الوفد الروسي الذي رافق بوتين، وقد وصل أربعمائة مرافق من تخصصات متعددة، بينهم عدد كبير من رجال الأعمال، وثمة مؤشر آخر وهو لقاء بوتين مع عدد كبير من زعماء إسرائيل على اختلافهم، وبينهم رئيس الدولة شيمعون بيريس، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومواطنه الروسي المافيوي أفيغدور ليبرمان الذي يعد من أكثر الإسرائيليين تطرفا ضد العرب.

لقد دعم بوتين مسعى زيارته لإسرائيل في تعزيز علاقات الطرفين بإشارات شخصية لا تخلو من دلالات سياسية، كان بينها قيامه بزيارة حائط المبكى بالقدس العربية معتمرا القلنسوة ومؤديا شعائر التدين اليهودي، واختتم جولته في منطقة الحرم القدسي بالقول: «هنا نشاهد كيف أن التاريخ اليهودي محفور في حجارة القدس»، في خطوة تعزز الادعاءات الإسرائيلية حول يهودية القدس خلافا لمنطوق القرارات الدولية والموقف الروسي المعلن.

زيارة بوتين لإسرائيل بما حملته من مؤشرات، لا تفتح الباب أمام تعزيز علاقات الجانبين فقط بعد فترة من برود، بل تأتي في إطار تعزيز الحضور الروسي في المنطقة عبر إسرائيل، خاصة أن علاقات موسكو الإقليمية التي فيها عدد من دول المنطقة بينها إيران وسوريا، تعاني مشاكل جدية في الواقع الحالي، وثمة ضرورة لشبكة إقليمية مؤازرة أو بديلة، تكون العلاقة مع إسرائيل أساسية فيها، مما يفتح باباً أوسع أمام تعاون إقليمي روسي – إسرائيلي في المرحلة المقبلة في ضوء ما تحمله أحداث المنطقة من احتمالات مفتوحة في أكثر من اتجاه، ربما الأهم فيها ما يمكن أن يحدث في إيران وسوريا، لكن لبنان والعراق وتركيا والأردن ومصر وغيرها من بلدان المنطقة ليست بلدانا خارج التغيير والتبديل، وربما الصراعات الإقليمية والداخلية أيضاً.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ