ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 08/07/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

انطباعات من القاهرة

هل المطلوب وضع وثائق لا معنى لها ولا وظيفة؟

ميشيل كيلو

السفير

7-7-2012

حضرت للمرة الأولى في حياتي مؤتمرا جامعا للمعارضة السورية في الخارج، شجعني على حضوره أنه عقد في القاهرة، التي لا بد أن تعود إلى العرب ويعود هؤلاء إليها، وشجعني أن جميع أطياف المعارضة وافقت على انعقاده برعاية جامعة الدول العربية، وأنه سبق انعقاده قبول المجلس الوطني السوري أن يكون من المدعوين، كأي فصيل معارض آخر، بعد أن كان يشترط أن يكون الداعي، أو يؤكد أن قبول الدعوة إلى حضور لقاء يضمه، يعتبر نوعا من طلب انتساب إليه. قبل المجلس أن يكون مدعواً كغيره، بعد أزمات مر بها أدت إلى استقالة رئيسه الدكتور برهان غليون وخروج مئات المثقفين والمناضلين والناشطين منه، بعد أن قدموا إليه عرائض ستذكر في تاريخ النزاهة الوطنية والنضال السوري من أجل الحرية، وضد نظام السلطة الشمولي / الاستبدادي، وضد عمل المجلس، الذي تنفرد بتقرير أموره قبضة من المتشددين، يبدو أن عقلها السياسي لم يبلغ بعد درجة من الديموقراطية والقبول الفعلي بالآخر، تجعل التعايش معه ممكناً.

كان على لقاء القاهرة إقرار وثيقتين صاغتهما لجنة تحضيرية مشتركة ضمت مندوبين عن كل تنظيمات المعارضة باستثناء «هيئة التنسيق لقوى التغيير الديموقراطي»، التي لم تحضر لقاء اسطنبول، لكنها جاءت إلى اللقاء الحالي بعدد كبير من أعلى ممثليها. وقد تم إقرار الوثيقتين في نهاية اليوم الثاني، بعد يوم أول لم يبد خلاله الحاضرون أي اعتراض جدي عليهما، مع أنهم قدموا ملاحظات كثيرة جدا، لا لزوم لمعظمها، اتسمت بالتكرار وانصبت على نقطتين أو ثلاث أهمها «الجيش الحر». في مساء اليوم الاول، علم معظم الحاضرين باقتراح أن تكون هناك لجنة متابعة مشتركة من جميع التنظيمات والشخصيات المشاركة في اللقاء، قيل إن الجامعة العربية ستعتبرها قناة تتصل من خلالها مع الفصائل والمجلس، وبالتالي هيئة جديدة لعمل معارض موحد قدر الإمكان، وإن كان مستواها فضفاضاً وقليل الإلزام. عند هذه اللحظة بدأت آلة جهنمية تعمل، على خلفية عبر عنها صوت قال: نحن في المجلس قررنا فصل المستوى السياسي عن المستوى التنظيمي. هذا القول، الذي يخالف كل ما حدث في ثورات العالم، التي قامت كلها على التطابق بين المجالين السياسي والتنظيمي، كان معناه: إن أي تفاهم سياسي نصل إليه مع أطراف المعارضة يجب أن يعبر عنه تنظيميا من خلال المجلس، الذي لا يقبل الشراكة التنظيمية مع أي كان ولأي سبب كان، والحجة: المجلس هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب، والإطار الوحيد المتاح أو المسموح به للمعارضة، وكل مس بطابعه هذه يعد مؤامرة على الشعب والثورة، فإذا أراد أحد ما التوصل إلى اتفاق سياسي، وجدنا على أتم الاستعداد لذلك. أما إذا أراد تخطي هذا إلى الإطار التنظيمي، فإنه سيكون في نظرنا متآمرا على المجلس والثورة التي يمثلها والشعب الذي اعتبره الجهة الوحيدة التي تعبر عنه. بعد قليل من هذا التصريح العجيب، أضاف عضو غير إسلامي في المجلس ان المؤامرة بدأت بمقالة في جريدة «السفير» كتبها ميشيل كيلو ونشرت يوم السبت الماضي (30/6)، طالبت باعتبار العلاقة بين المجلس وغيره انتقالية، وقالت إن عليه قبول الآخر وعلى هذا تجاوز أحكامه عنه. قال السيد غير الإسلامي في سياق حملته علي شخصيا وعلى المنبر الديموقراطي: هذه المؤامرة تعبر عن نفسها الآن باقتراح اللجنة، التي لن تمر إلا على جثثنا.

في اليوم التالي: عبر هذا الموقف عن نفسه من خلال التراجع عن القبول الضمني بوثيقتي اللجنة التحضيرية، وخاصة منهما وثيقة العهد الوطني، التي تذكّر الاخوان المسلمون فجأة انه لا لزوم لها، بما أن هناك وثيقة «العهدة الوطنية» التي كانوا قد أصدروها قبل قرابة شهرين/ بعد هذه المقدمة، انهال النقد على «العهد»، وخاصة منه جملة «الدين لله والوطن للجميع»، التي كان مندوبهم في اللجنة قد وافق عليها، ولم تكن موضوع نقاش خاص أو حملة منظمة ضدها في اليوم الأول. من الطرائف أن أحد المتحدثين قال في نقده: إن الدين للمجتمع، وحين سألته خارج القاعة: هل يعني هذا أنه ليس لله، غضب أشد الغضب وكاد يضربني.

أخذ الاعتراض ينصبّ الآن على الوثيقتين ضمن رسالة مبطنة تقول: رأس اللجنة مقابل إقرارهما. إن وافقتم على اللجنة رفضناهما وجعلنا عملها بلا موضوع. والحقيقة انه كان هناك في القاعة أغلبية عددية من غير المجلس، رغم أنه وقع حديث عن نجاحه في تسريب خمسين شخصا من غير المدعوين إليه قبل ليلة من انعقاده، دون أن تعلن عن ذلك، وسط أجواء المؤتمرات التي لا يعرف الناس فيها بعضهم بعضا، ولا يستطيعون التمييز بين المدعوين وغيرهم، ويحضرها عادة أشخاص من خارج السياق. بهذه الأغلبية العددية، كان من الصعب رفض اللجنة، فصار رفض الوثيقتين السبيل إلى منع تشكيلها.

طرح بعض أعضاء وأصدقاء المجلس خلال عشاء عمل تم في نهاية اليوم الاول على مجموعة من ممثليه الرسميين وقادته فكرة اللجنة، فكان رد أحدهم ما سبق قوله حول فصل المجالين السياسي والتنظيمي، وقبول التعامل السياسي لا التنظيمي مع الآخرين، ورد الممثل غير الإسلامي بخطبة غاضبة تعلن التصميم على إحباط المؤامرة وتستخف بالمنبر الديموقراطي السوري وبأعداد المنضوين فيه ـ يبدو أنه نسي في زحمة حماسته وانفعاله أنه ينتمي إلى حزب لا يتجاوز عدد أعضائه مئات قليلة من الأشخاص - ثم تحدث أحد دهاقنة الإسلاميين فأتحف الحاضرين بمحاضرة عن ضرورة الإعداد المنهجي لخطواتهم المهمة، وعن أهمية الحوار في إنضاجها، وقال إن الإعداد والحوار هما اللذان أفضيا إلى إنهاء خصومات تاريخية مزمنة كالعداء بين ألمانيا وفرنسا، وأردف ان إقامته الطويلة في أوروبا علمته هذا الدرس. بعد نهاية حديثه رد الأستاذ هيثم المالح عليه وقال له: لقد دعوتكم مذ خرجت من سوريا إلى الحوار، لكنكم رفضتموه دوما، فهل لك أن تحدد لنا مدة زمنية نتحاور خلالها، كي نصحح ما اقترفتموه من أخطاء ونتفاهم على لغة ومواقف مشتركة تجمع مختلف أطراف المعارضة؟ طبعا: بقي السؤال بلا جواب.

وسط هذا الاستعصاء، الذي «كربج» أجواء اللقاء تماما ودفع بكل شيء إلى المجهول، قفز بعض الإخوة الأكراد إلى ساحة الصراع، وطرحوا مطالب لم يسبق لهم أن قالوا بها، فغدا واضحا أن المؤتمر سيفشل، وأن المعارضة لن تقر الوثيقتين وستخرج من اللقاء أشد اختلافا وانقساما مما كانت قبله. لكنني كنت على ثقة من أنهما ستقران، إن تم إحباط مشروع اللجنة، وهو ما حدث بالفعل، في اللحظة الأخيرة، بعد منتصف ليل اليوم الثاني بقليل، عندما كانت أعصاب الجميع على وشك الاحتراق. أعلن عن قبول الوثيقة الأولى الخاصة بالمرحلة الانتقالية، ففرح الحاضرون ووقف أحد الشباب يردد الهتاف الذي يقول: «الشعب السوري واحد»، فخرج بعض الكرد غاضبين من القاعة، ووقع هرج ومرج شديدان، ونقلت التلفازات المشاهد التي رآها العالم، وتخللتها صرخات غاضبة وشتائم وركلات. عندما سألت عن السبب، قال لي شخص مقرب من الذين تسببوا بالإشكال: السبب داخلي، فالإخوة الكرد كإخوتهم العرب: ليسوا متفقين ولا يريدون أن يتفقوا، ويحاول كل واحد منهم تسجيل نقاط على حساب غيره، عبر مزايدات من طابع قومي.

واليوم، وقد صارت الوثائق وراءنا، وبعد أن وزع حزب الاخوان المسلمين تحفظات جديدة عليهما تختلف عن تلك التي قالها ممثلوه خلال اللقاء، يصير من الضروري الوقوف بكل جدية ومسؤولية أمام مسألتين مهمتين تتصل كلتاهما بوضع المعارضة السورية التقليدية، التي جاءت من الأحزاب.

1- الاتفاق مع الإخوة الكرد على طبيعة المرحلة المقبلة، هل هي ديموقراطية أم قومية. يخرج السوريون من عصر فشل قوميا لأنه لم يكن ديموقراطيا، بل ومعاديا للديموقراطية، إلى عصر ديموقراطي، بينما يريد الإخوة الكرد أن تعدهم الديموقراطية بتلبية مطالبهم القومية المشروعة، وإلا وقفوا جانبا في النضال ضد الاستبداد أو خفضوا دورهم فيه أو صعدوا مطالبهم منه، رغم ما يمكن أن يصيبه من ضعف سياسي في الحالات الثلاث.

2- دمقرطة تنظيمات المعارضة وعلاقاتها وعملها. ليس من المعقول أن يدّعي أشخاص لم يسمع باسمهم أحد طيلة قرابة ثلاثين عاما، ولم ينتخبهم أحد حتى في إطارهم الخاص، أنهم ينفردون بتمثيل الشعب السوري، وأن مجال المعارضة السياسي لا يجوز أن يتسع لغيرهم، وأن على من يريد العمل في الشأن العام أن يلتحق بهم، بشروطهم، التي لم يستشيروا أحدا بشأنها في حينه ولا يعرفها أحد الى اليوم، بسبب طبيعة القلة الإسلامية أو المتأسلمة التي تمسك بالمكتب التنفيذي وتاليا بقراره، الذي تتوهم أنه قرار الوطن، وتريد أن يوافقها الآخرون على أوهامها، وإلا تم تخوينهم على الطريقة اتبعها خلال خمسة عقود حزب البعث، ويبدو أنها معتمدة في تعامل هؤلاء مع الآخر والمختلف، بدلالة مئات الشواهد التي قدمها للرأي العام أشخاص كانوا داخل المجلس، أشهرهم هيثم المالح ووليد البني وكمال اللبواني.

لا بد اليوم من طريقة لتطبيق مضمون الوثيقتين، ومن إيجاد مستوى تنظيمي يضم المجلس وغيره من المعارضة، سيكون ديموقراطيا بقدر ما يتخطى المحاصصات والعقليات التآمرية. ولا بد من أن يغير المجلس عقليته، ويتخلى عن غروره وأوهامه، أو أن يجد لنا طريقة ما من الطرق العبقرية التي تشبه الطريقة غير المسبوقة في أي عمل ثوري، والقائمة على فصل السياسة عن التنظيم في ثورة حوّلها النظام إلى حرب حقيقية كاملة الأبعاد. هذه االطريقة، سأقبلها دون تردد وسأفوض المجلس بتمثيلي وبالتحدث باسمي في كل ما يتعلق بها وبالمسائل المتفرعة عنها.

هل يحدث هذا؟ إذا كان حدوثه مستبعدا وقعنا في ما كنا ننتقد الجامعة العربية والأمم المتحدة بسببه: وضع وثائق لا يعرف أحد آليات تطبيقها، وليس لها حامل سياسي قادر على تنفيذها، وبالتالي وضع وثائق لا معنى لها ولا وظيفة. هل هذا ما يريده المجلس؟ لا أحد غير المجلس يستطيع الرد على هذا السؤال. فهل سيرد؟ أتمنى من كل قلبي أن يرد.

كاتب سياسي ـ سوريا

============================

القلب الذي لا ينبض

السبت ٧ يوليو ٢٠١٢

حازم الصاغية

الحياة

بدا طبيعيّاً أن تضمن الثورة السوريّة تأييد الثورة المصريّة ودعمها لها، على لسان الرئيس المنتخب محمّد مرسي. لكنّ ما بدا غريباً هو الموقف العراقيّ كما عبّرت عنه كلمة هوشيار زيباري، وزير خارجيّة العراق، في مؤتمر المعارضة السوريّة في القاهرة.

فزيباري تجاوز تأييد الثورة السوريّة سياسيّاً وديبلوماسيّاً إلى كلام حماسيّ وعاطفيّ يشبه ما كان يمكن أن يصدر عنه في وصف نظام صدّام حسين قبل تسع سنوات.

فهل الأمر يتّصل بانفضاض متعاظم عن دمشق يرى بعض المراقبين أنّ موسكو نفسها لم تعد، منذ مؤتمر جنيف الأخير، غريبة عنه؟ أم أنّه يتّصل بتحوّلات في الداخل العراقيّ، منها اضطرار رئيس الحكومة نوري المالكي إلى مراعاة الأكراد أكثر من ذي قبل، ومنها رغبة بالتفلّت من النفوذ الإيرانيّ الذي يراه البعض أداة التحريك المزعج لمقتدى الصدر، فيما يراه بعض آخر عجزاً بيّناً عن ضبط الصدر... والاحتمالان مغريان لتفلّت المالكي. أم أنّ ذاك التحوّل العراقيّ ليس بعيداً عن ميل إيرانيّ لرسم بعض المسافة الفاصلة عن حكم بشّار الأسد؟

كائنة ما كانت الاحتمالات، وبعضها متضارب، يبقى أنّنا أمام تغيّر عراقيّ يُرجى أن يُكرّس ويُعزّز. فإذا ما تسنّى ذلك، أمكن القول إنّ جناحي المشرق العربيّ، المصريّ والعراقيّ، يقتربان من اصطفاف موحّد تجاه دمشق والأزمة العاصفة هناك. وهذا يعني أنّنا حيال معادلة نادراً ما كانت مسبوقة في الجغرافيا السياسيّة العربيّة وتحالفاتها.

ففي الخمسينات، ووفق النظريّة الشهيرة لباتريك سيل في كتابه «الصراع على سوريّة»، كان بردى موضوع التنازع الضاري بين النيل والفرات. وهذا ما ينقلب إلى ما يشبه نقيضه.

صحيح أنّ هذه ليست حالاً فريدة أو استثنائيّة. ذاك أنّ الثمانينات التي شهدت الحرب العراقيّة – الإيرانيّة سجّلت تقارباً عراقيّاً – مصريّاً تولّى إرجاع مصر إلى الساحة العربيّة بعد قطيعة كامب ديفيد. ومعروف أنّ هذا التقارب، وكان الأردن في صلبه، فضلاً عن دول الخليج، كان يناوئ السياسة السوريّة المتحالفة مع طهران.

الفارق البارز بين الثمانينات واليوم هو مدى تماسك السلطة السوريّة. فحينذاك استطاعت الأخيرة، الخارجة للتوّ من حربها مع «الإخوان المسلمين»، ومن ثمّ سائر المجتمع، ومن «حرب الوراثة»، أن تصمد في مواجهة إجماع عربيّ مضادّ لها. وغنيّ عن القول إنّ هذا الشرط لا يتوافر اليوم لسلطة تكاد لا تسيطر إلاّ على نصف مساحة بلدها. وهذا، في أغلب الظنّ، سيكون عنصراً مغرياً للأطراف الخارجيّة التي تدخّلت كي تتدخّل أكثر، وللأطراف التي لم تتدخّل كي تتدخّل.

هل هذا كافٍ؟ طبعاً لا. فالأسئلة المتعلّقة بتركيا وبالبلدان الغربيّة تبقى مطروحة بإلحاح، ناهيك عن السؤال الدائم المتعلّق بالمعارضة السوريّة التي قدّمت، في القاهرة، صورة لا تحمل البتّة على التفاؤل. لكنْ يبقى من المهمّ جدّاً ظهور اصطفاف موحّد يجمع مصر والعراق، فضلاً عن بلدان الخليج، كما يحمل الأردن على فرز موقفه، وهو ما بدأت تشير إليه علامات متكاثرة. ومن الواضح أنّ نظام بشّار، الذي استنزف أوراقه الكثيرة، قد لا يجد ما يواجه به هذا التحوّل سوى توسيع استخدامه لمصطلح «العربان» بالدلالات العنصريّة التي يزخر بها.

إنّ «قلب العروبة النابض» يخرج تماماً من جسده.

=================

سورية ومحيطها والتقسيم

السبت ٧ يوليو ٢٠١٢

مصطفى زين

الحياة

كل المناشدات التي أطلقتها المعارضة السورية للدول الغربية والعربية لإطاحة النظام عسكرياً على الطريقة الليبية (بعض المنظرين الغربيين استوحوا النموذج البوسني) لم تلق استجابة. الأسباب كثيرة، أهمها أن سورية بموقعها الإستراتيجي مختلفة كلياً عن ليبيا أو البوسنة، حدودها مفتوحة على العراق القابل للإنفجار من جديد، وهذا ما لا يريده الأميركيون، ومتداخلة مع لبنان المهيأ أكثر من أي وقت مضى للعودة إلى الحرب الأهلية (مسارها الجديد سيأخذ الطابع المذهبي). وعلى حدودها الأردن الذي يخشى انتقال المعركة إلى داخله وإعادة إحياء «خيار الوطن البديل» إذا عمّت الفوضى ودخلت إسرائيل طرفاً في إعادة رسم خريطة المنطقة، وهجر الفلسطينيون أو نزحوا طوعاً إليه. من هنا موقف عمان المرتبك وغير الواضح مما يدور لدى جارتها، على رغم بروز مؤشرات، خلال الأسبوعين الماضيين إلى حسم خيارها لمصلحة المعارضة.

وقبل هذا كله، سورية على الحدود الفلسطينية ولديها أرض محتلة، ولن تنتظر الدولة العبرية طويلاً، إذا سقط النظام، كي تضمن لنفسها مساحة في الترتيبات الجديدة، يساعدها في ذلك كثير من العوامل التي استجدت خلال السنوات القليلة الماضية، وواقع النزاع المذهبي في المنطقة، فضلاً عن هزيمة الدولة الممانعة وتحولها، مرة أخرى إذا سقط النظام، إلى «مكونات» تتنازع السلطة والنفوذ. وقد بدا ذلك واضحاً خلال مؤتمر القاهرة برعاية الجامعة العربية حين اختلفت «الأجنحة» المعارضة على الحصص، وانسحب الأكراد احتجاجاً على عدم الإعتراف بخصوصيتهم، واعلن أكثر من طرف معارضة البيان الختامي وعدم الإعتراف بشرعية المؤتمرين.

أما سورية النظام فغائبة عن مؤتمرات «اصدقائها» في اسطنبول وتونس والقاهرة وباريس، ولم تكن السبب في فشل كل هذه المؤتمرات. وغابت (غيبت) عن مؤتمر جنيف الذي حضرته الدول المعنية بالأزمة وغير المعنية، الصغيرة والكبيرة، المؤثرة وغير المؤثرة، والذي اتخذ قرارات لن تنفذ، على رغم كل ما قيل عن تغيير الموقفين الروسي والصيني.

أما الإصرار على اتخاذ قرارات في مجلس الأمن تحت الفصل السابع، أعني إصرار الجامعة العربية، فكمن يطلب المستحيل في ظل الإنقسام الدولي والصراع الحاد على الموقع الجيوـ استراتيجي لسورية بين الأعضاء الدائمين في المجلس، أو بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين وروسيا ومعهما دول «بريكس» من جهة أخرى. فالمطالبة بالبند السابع من دون اللجوء إلى القوة العسكرية، على ما جاء في بيان الجامعة، فمن قبيل الإعتراف بالعجز وتعويضه بالتصعيد الكلامي الذي لا يفيد المعارضة ولا يخيف النظام. قوة هذا البند في تهديده باستخدام السلاح.

تكمن نقطة الضعف الأساسية لدى المعارضة في عدم توحيد رؤيتها حول هدف أساسي للتمرد، غير إطاحة الأسد. وفي عدم وضوح استراتيجية الفصائل المعارضة، المتكاثرة كالفطر، لما بعد سقوط النظام. لا يكفي طرح شعارات الديموقراطية والحرية والتعددية، فعلى أهمية هذه الشعارات يبقى تطبيقها رهناً بديموقراطية المطالبين بها، وهذا ما لم يظهر في كل المؤتمرات التي عقدت. أهمية سورية بموقعها الجيوـ استراتيجي. وقد استخدم النظام الحالي، والأنظمة السابقة هذا الموقع، بنجاح أحياناً، في تكريس دمشق لاعباً أساسياً في محيطها، وفي الأطراف التي تعتبرها جزءاً من بلاد الشام. في لبنان، وفلسطين، والأردن. وفي المحيط المباشر، أي العراق.

الصراع الآن على هذا الموقع وليس على الديموقراطية، على أهميتها. فإما سورية الموحدة ذات الحضور الفاعل أو سورية الضعيفة المجزأة طائفياً وعرقياً، لكل دولة، صغيرة أو كبيرة، تأثيرها في توجهاتها.

خطر التقسيم والفوضى العارمة يخيم على سورية، وعلى محيطها أيضاً.

 

=================

خفايا الدور الروسي في اطالة الازمة السورية

سليم نصار *

السبت ٧ يوليو ٢٠١٢

الحياة

كرر هنري كيسنجر في مقالاته الاخيرة الوصف الذي اطلقه على سورية عام 1974، معتبراً انها «جوزة صلبة يصعب كسرها بالقوة». وأيده في هذا الوصف المبعوث الخاص المشترك كوفي انان، الذي عدد في صحيفة «واشنطن بوست» الصعوبات التي تحتاج الى تذليل قبل الوصول الى مرحلة تنفيذ خطة النقاط الست. أي الخطة التي تقضي بوقف دائم للعنف كمدخل لتطبيق مرحلة انتقالية تقود الى الحوار بين الفريقين المتصارعين. وتوقع انان ولادة مشروع وفاق وطني يجدد عمل المؤسسات الرسمية المنهارة، ويؤمن حماية مكونات المجتمع السوري كافة، ويصون حقوق المجموعات العرقية والطوائف المختلفة.

وقبل يومين من موعد عقد مؤتمر جنيف، اقترح انان خطة انتقالية تنص على تشكيل حكومة وحدة وطنية يستبعد منها أي ممثل عن جماعة النظام الحاكم.

وعلى الفور اعترض وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف على هذا الاخراج، وهدد بمقاطعة المؤتمر اذا ما استبعد الممثلون عن نظام الاسد. كما اعترض ايضاً على عدم توجيه الدعوة الى ايران، الدولة الاكثر تأثيراً في الموقف الرسمي السوري.

وكان واضحاً من تباين وجهات النظر بين واشنطن وموسكو، ان ضغوطهما الثقيلة قد تؤدي في نهاية الامر، الى نسف خطة انان. خصوصاً بعدما رفض المجلس الوطني السوري المعارض المشاركة في أي تشكيلة حكومية قبل تنحي بشار الاسد. ومن اجل تجاوز محاذير هذا المأزق الراهن، اضطر المبعوث الخاص الى تعديل اقتراحه، وإعادة صوغه بطريقة يفهم منها انه لن يغامر باختيار وزراء قد يساهم وجودهم في تقويض عملية الاستقرار والمصالحة الوطنية.

ويستدل من تسلسل الاحداث ان الولايات المتحدة وحليفاتها الغربية اقتنعت بأن مجلس الامن لن يكون العامل المؤثر في ايجاد حل مرض للفريقين. لذلك كلفت موسكو بلعب دور الوسيط لعل قربها من دمشق ووثوق الاسد بدورها يساعدان على تنفيذ خطة انان. وبما ان هذه الخطة غير معنية بإيجاد آلية التسوية النهائية، فقد اعتبرها المراقبون تخدم النظام والمعارضة معاً.

من جهة اخرى، صرف الوزير لافروف مدة ساعتين مع الوزير السوري وليد المعلم، وذلك في لقاء خاص على هامش منتدى بطرسبرغ الاقتصادي. وأوصى لافروف نظيره السوري بضرورة اظهار جهد مضاعف، خوفاً على خطة انان من الفشل. وأبلغه ان موسكو تعارض تنحي الرئيس الاسد كشرط لإحلال السلام. ولكنها في الوقت ذاته تطالب بخروج القوات الحكومية والمعارضة المسلحة من المدن ومن المجمعات السكنية الاخرى في شكل متزامن تحت اشراف المراقبين الدوليين. وحجته ان الجمعية العامة اقرت عام 2005 مبدأ مسؤولية حماية الدولة للمواطنين على خلفيات احداث يوغسلافيا ورواندا والكونغو. ويتضمن هذا المبدأ نصاً يسمح بتدخل قوى خارجية اذا كانت الدولة المعنية عاجزة عن حماية مواطنيها او غير راغبة في توفير تلك الحماية. ومن اجل تفادي مذكرات التوقيف التي قد تصدر مستقبلاً عن المحكمة الجنائية الدولية، اعلن الرئيس بشار الاسد في حضور رئيس الحكومة الجديدة رياض حجاب والوزراء، ان بلاده تخوض حرباً حقيقية ضد اعداء ارهابيين. ثم اصدر ثلاثة قوانين تتعلق بمكافحة الارهاب.

وكان بهذا الكلام يحاول التخفيف من اثر الهجمات التي تقوم بها القوات النظامية اثناء تأديتها مهمة الحفاظ على الامن والاستقرار ضد «اعداء سورية»!

ولكن هذا الاخراج السياسي لم يقنع الاميركيين والاوروبيين والدول الخليجية ومصر وتركيا، بأن استمرار نظام الاسد هو حاجة ضرورية للاستقرار الاقليمي في منطقة بالغة الخطورة. كما لم تقنعهم المؤتمرات التي عقدت في اسطنبول وجنيف والقاهرة بأن المجتمع الدولي قادر على الاتفاق على شكل النظام في حال نجحت الضغوط الخارجية في تغيير رأس النظام. خصوصاً ان خلافات زعماء المعارضة في القاهرة بينت ان التنافس على قطف ثمار التدخل الخارجي قد يفكك وحدة المعارضة. وهذا ما يراهن عليه الرئيس الاسد، مراهنته على استمرار دعم حليفيه الايراني والروسي. وبما ان الايراني لا يساوم ولا يهادن على علاقاته الوطيدة مع سورية، لهذا لجأت واشنطن الى وساطة موسكو لعلها تنجح في تغيير موقف القيادة في دمشق.

خبراء روسيا لا يرون أي مصلحة في تغيير موقف الاسد ما دامت نتائج الازمة تخدم سياسة بوتين، وتفرض على واشنطن دوام التواصل معه او مع وزير خارجيته. علماً ان علاقات دمشق مع موسكو قد ضعفت وتقلص حجمها عقب انهيار المنظومة الاشتراكية وانفصال دول اوروبا الشرقية. والدليل ان دمشق تحتل المرتبة التاسعة في سلّم الصادرات الروسية. في حين تصنف دول الاتحاد الاوروبي في طليعة الدول المتعاونة اقتصادياً وتجارياً مع دمشق مثلها مثل العراق والصين والسعودية.

المسؤولون السوريون ينحون باللائمة على الولايات المتحدة التي قابلت تعاون دمشق الاستخباراتي بالجحود والتجاهل. وهم يؤكدون ان الرئيس بشار الاسد ارسل الى واشنطن اشارات ودية طوال خمس سنوات، قابلتها ادارة جورج بوش بالاهمال والغطرسة. وكانت موسكو تنتظر زيارته الرسمية خلال هذه الفترة، الا انه لم يحققها الا بعد زياراته لفرنسا وبريطانيا وتركيا وإسبانيا.

صحيح ان روسيا تشكل المصدر الوحيد لتسلح سورية... ولكن الصحيح ايضاً ان قيمة الصفقة الاخيرة لم تزد على مئة وخمسين مليون دولار. وهذا الرقم يمثل ما نسبته عشر كمية مشتريات الهند، وأقل بكثير من اي صفقة أبرمتها مصر مع موسكو.

منتصف الشهر الماضي، اعلنت الوزيرة الاميركية هيلاري كلينتون، ان روسيا ارسلت مروحيات حربية الى سورية، الامر الذي يزيد من حدة التصعيد في النزاع القائم. ثم تبين بعد كل هذا التهويل، ان الطائرات التي تسلمتها سورية لم تكن اكثر من ثلاث مروحيات أُعيدت بعد خضوعها للصيانة والتجديد.

ولكن هذا لم يمنع فلاديمير بوتين من الإعراب عن شكره للأسد على استضافته منشأة لصيانة البحرية الروسية. وهي القاعدة الروسية الوحيدة الثابتة في المياه الدافئة على المتوسط التي حققت حلم القيصر الكسندر الثالث. علماً ان هناك موانئ اخرى على البحر المتوسط يستخدمها الاسطول الروسي مرتين في السنة للتزود بالوقود والمياه، بينها ميناء فاليتا في مالطا وطولون في فرنسا.

قبل اسبوعين اعلنت دمشق عن إسقاط طائرة حربية تركية من طراز (اف – 4) قالت انها خرقت اجواءها على مقربة من الساحل السوري. وظهر الوزير احمد داود اوغلو على التلفزيون الرسمي ليتهم سورية بافتعال مشكلة على اعتبار ان الطائرة كانت في مهمة تدريبية محدودة، وأن فترة اختراق الأجواء كانت بسيطة. وتزعم الصحف الاوروبية ان الخبراء الروس الذين يتعاونون مع القوات السورية، هم الذين اسقطوا الطائرة بواسطة صاروخ موجه من طراز (اس. اي 22 غرايهوند).

وكانت هذه الحادثة سبباً في استنفار القوات التركية على حدود سورية، الامر الذي فرض على دمشق ارسال رتلين من الدبابات كمظهر آخر من مظاهر التحدي لتهديدات اردوغان. كذلك اعتبرتها لندن اعتداء على احدى الدول الاعضاء في حلف شمال الاطلسي. علماً ان تركيا لم تثر هذا الموضوع في اجتماع «الناتو» في بروكسل.

على كل حال، اعرب الرئيس الاسد عن اسفه لاسقاط الطائرة، معلناً لمندوب صحيفة «جمهوريت» التركية: «ان رجب طيب اردوغان لم يرسل للشعب السوري سوى الدمار والدماء». وكان بهذه الملاحظة يشير الى دور انقرة في استضافة المعارضة السورية، ودعم مقاتلي «الجيش الحر»، والاستعداد لإنشاء منطقة عازلة على حدود يبلغ طولها 750 كيلومتراً.

يوم الاربعاء الماضي عقد وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس ونظيره البريطاني وليام هيغ، مؤتمراً صحافياً مشتركاً في باريس، مطالباً فيه روسيا بالتوقف عن دعم النظام السوري. ودعا هيغ موسكو الى مساعدة سورية على الانتقال السلمي بدلاً من اطلاق يدي الاسد لممارسة القمع بطريقة لا تنهي النزاع. وتحدث فابيوس عن اهمية اجتماع «اصدقاء الشعب السوري»، الذي يضم ممثلين عن مئة دولة... أي نصف سكان العالم.

واعتبر المراقبون هذا النداء بمثابة تحريض سياسي، لعل بوتين يحزم امره ويلتفت الى نداء المعارضة السورية التي طالبت بضرورة إسقاط النظام ممثلاً ببشار الاسد ورموز السلطة. ويبدو ان كل هذه النداءات لم تلق الصدى المستحب بدليل ان كل فريق يترجم الموقف السياسي والامني على هواه. خصوصاً بعد انهيار الخطة الاميركية – التركية التي حاولت إحداث شرخ داخل الطائفة العلوية الحاكمة من طريق اقناع زعمائها باستبدال الاسد بشخصية علوية مقبولة من الجميع.

ولما فشلت هذه الخطة اقترحت واشنطن النموذج اليمني كحل لوقف الاقتتال الذي أودى بحياة 14 ألف شخص وتهجير اكثر من 400 ألف مواطن. واللافت ان لافروف فسر الحل اليمني بأنه مشروع اتفاق بين السلطة والمعارضة. في حين فسرته الوزيرة هيلاري كلينتون بأنه مشروع وأد حكم استمر اكثر من 43 سنة ينتهي بإخراج بشار الاسد من البلاد.

في مواجهة الضغوط الدولية المتواصلة، بدأ الروس يستعدون للتكيف مع مرحلة ما بعد الاسد. وأعلن البنك الروسي للتجارة الخارجية انه سيجمد كل الحسابات المصرفية السورية، مدعياً انها لا تفي بالتزاماتها. وراح الوزير لافروف يهمس في آذان الاميركيين بأن بلاده متمسكة باستقرار سورية وليس برئيس سورية.

وكان من الطبيعي ان يقود الموقف الروسي الرسمي الغامض الى مزيد من البلبلة على مستوى الشارع، بحيث تجمع قدامى الجيش الاحمر الذين خدموا في سورية، ليشكلوا ما سمي «جيش الانقاذ». وعلى صعيد آخر، ظهرت في بعض احياء موسكو وبطرسبرغ مكاتب لمتطوعين طالبوا بتأييد الجيش السوري ومنع سقوط الاسد في طوفان «الاخوان المسلمين» او في حبائل الاستعمار الغربي. بينما انتقد العسكريون «الربيع العربي» محذرين من تنامي التطرف في دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، الامر الذي يهدد امن روسيا. وأوضح امين عام مجلس الامن القومي نيكولاي باتروشيف، ان اجهزته نجحت في تصفية مسلحين روس في مناطق شمال القوقاز، اعترف الاسرى منهم بأنهم تدربوا في صفوف جماعة «فتح الاسلام» في مخيم نهر البارد. والثابت ان بعض المقاتلين هرب سنة 2007 الى الشيشان!

يقول المحللون ان اجندة فلاديمير بوتين رئيس وزراء روسيا تختلف عن اجندة بوتين رئيس الجمهورية الذي ينتظر ان يحكم حتى عام 2004، متجاوزاً بذلك المدة الطويلة التي حكم فيها ستالين. وهو يرى ان بلاده لم تنهض من كبوتها وتحطمها في تسعينات القرن الماضي وانها غير ناضجة لتقبل ديموقراطية على الطراز الغربي. وهو يؤمن بأن العالم مضطرب وخطير ومعاد. لهذا سيلغي الاصلاحات التي قام بها سلفه مدفيديف، ويقوي الروح القومية، ويجدد المشاعر المعادية للغرب، ويحيي سياسة الحرب الباردة.

وبما ان منطقة الشرق الاوسط ستكون هي ساحة النزاع الدولي، فقد زار اسرائيل الشهر الماضي بهدف تأمين «لوبي» اسرائيلي سيضغط على الولايات المتحدة بواسطة مليون ونصف مليون يهودي من اصل روسي. وهناك دشن في نتانيا نصباً أُقيم في ذكرى الجنود السوفيات. كما دشن الشارع الذي يحمل اسمه في بيت لحم.

باختصار شديد، قرر بوتين منافسة الغرب على حل قضية الشرق الاوسط من البوابة السورية!

 

=================

طلاس رئيساً لسورية الجديدة؟

عبد الباري عطوان

2012-07-06

القدس العربي 

باتت اجتماعات 'اصدقاء سورية' تذكرنا باجتماعات الجامعة العربية، مجرد خطب قوية في معظم الأحيان تطالب بأقوال لا افعال، ثم ينفض الجمع ويعود كل منهم الى بلاده انتظاراً لاجتماع جديد.

المعسكر العربي في مؤتمر باريس الاخير بات قلقاً من اطالة أمد الأزمة السورية، ويستعجل التدخل العسكري الأجنبي، ودون اي التزام بمجلس الأمن الدولي وقراراته، تماما مثلما كان الحال في كوسوفو، ويريد من الغرب ان يقوم بمهمة اسقاط النظام السوري، مثلما اسقط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، واطاح بحركة طالبان في افغانستان، ونظام العقيد معمر القذافي في ليبيا.

في افغانستان استخدمت الولايات المتحدة القاذفات العملاقة 'بي 52' للقيام بقصف 'سجادي' مهّد لتدخل القوات البرية، وفي العراق استخدمت الاثنين معاً في الوقت نفسه، وفي ليبيا اكتفت بغارات الطيران ودون ارسال اي جنود باستثناء بعض الخبراء العسكريين.

النظام السوري يملك جيشا قويا وصواريخ روسية قادرة على التعامل، ولو جزئياً، مع الطيران الحربي، وإسقاط الطائرة الحربية التركية احد المؤشرات في هذا الصدد.

الغربيون ليسوا في عجلة من أمرهم مثل نظرائهم العرب، ويتبنون سياسة التدرج والنفس الأطول في التعاطي مع القضايا، وفق سيناريوهات معدّة سلفاً ومتفق عليها. ففي العراق بدأوا بالحصار الاقتصادي الخانق، ثم بالتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل، وبعد ذلك مناطق الحظر الجوي في الشمال والجنوب، وانتهى الأمر بالغزو العسكري الشامل.

' ' '

المعارضة السورية التي شاركت في المؤتمر ممثلة بالمجلس الوطني السوري، طالبت بحظر جوي وممرات آمنة، واسهبت في وصف الوضع المأساوي على الارض، حيث سقط اكثر من عشرين الف قتيل، ولكن مثل هذه المطالب قوبلت بالصمت، في الوقت الراهن على الأقل.

من المؤكد ان النظام السوري بدأ يشعر بالضعف، وانعكس ذلك في حدوث شروخ في بنيته السياسية والعسكرية، تمثلت في تزايد وتيرة الانشقاقات من قبل ضباط وجنود، بينهم عشرة جنرالات، حسب تصريحات منسوبة للقيادة التركية.

السمكة الأكبر، حسب التعبيرات الغربية، تمثلت في الاعلان عن هروب العميد مناف طلاس قائد أحد أبرز الأولوية في الحرس الجمهوري السوري، وأحد الاصدقاء والمقربين للرئيس السوري بشار الاسد.

العميد طلاس ابن وزير الدفاع الاسبق مصطفى طلاس، كان من المقرر ان يشارك في اجتماع اصدقاء سورية، بحيث يشكل المفاجأة الاكبر فيه، والاعلان عن الانضمام الى المعارضة السورية، وربما قيادتها.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيفية تمكنه من الهرب، في ظل وجود اكثر من 17 جهاز استخبارات في سورية يقال انها ترصد كل صغيرة وكبيرة في البلاد، وهل تم هذا الهرب بتنسيق ورعاية اطراف داخلية ام خارجية، بعلم النظام او بدونه، في اطار صفقة او بدون ذلك؟

التكهنات كثيرة، وهناك من يقول ان عملية الهروب هذه جاءات في اطار سيناريو فرنسي جرى اعداده بإحكام، تتحدث بعض مفرداته عن إعداد العميد مناف لكي يكون رئيسا لسورية ما بعد الاسد، حيث تتوافر فيه صفات عديدة تؤهله لهذه المهمة، ابرزها خلفيته العسكرية، وإرثه العائلي، وانتماؤه السني، ولمنطقة حمص بالذات. فالمحاصصة الطائفية التي بدأت في العراق، وبالتحديد اثناء تركيب مجلس الحكم من قبل الجنرال بريمر، هي احد ابرزالخيارات لرسم مستقبل 'سورية الجديدة'. ثم هل نسينا ان مصطفى عبد الجليل رئيس ليبيا المؤقت كان وزيراً للعدل عند القذافي، واللواء مصطفى يونس رئيس جيش الثوار كان عضواً في تنظيم الضباط الاحرار؟

العميد طلاس كنز من المعلومات العسكرية والأمنية سيستفيد منها اصدقاء سورية استفادة لا تضاهيها الا تلك التي تمثلت في الانشقاق المرتب بعناية للسيد موسى كوسا رئيس جهاز استخبارات نظام العقيد القذافي لسنوات طويلة، حيث قدم معلومات لا تقدر بثمن لمضيفيه البريطانيين وحلفائهم الامريكان، ساهمت في التعجيل بإطاحة نظام العقيد القذافي في ليبيا.

ربما لا توجد فوارق كبيرة بين العميد طلاس ونظيره الليبي كوسا، ولكن قطعاً توجد هذه الفوارق بين الرئيسين معمر القذافي وبشار الاسد. فالأول كان بلا اصدقاء، ومكروهاً من الجميع داخل ليبيا وخارجها، مع بعض الاستثناءات المحدودة، بينما الرئيس الاسد يجد دعماً غير مسبوق من روسيا والصين ودول عظمى صاعدة مثل الهند والبرازيل وافريقيا الجنوبية، او ما يعرف بدول البريكس.

' ' '

يفغيني بريماكوف وزير خارجية روسيا الاسبق قال في حوار تصادمي مع هنري كيسنجر ان روسيا اهينت في ليبيا، وانها لن تخدع مرة اخرى من الغرب في سورية، وستقف مع النظام حتى النهاية حفاظا على مصالحها، وهذا الموقف لم نر له مثيلا في العراق او ليبيا او حتى في صربيا، الامتداد الطبيعي الديني والسياسي لموسكو.

في حواره مع صحيفة 'جمهوريات' التركية اكد الرئيس الاسد انه ليس مثل شاه ايران، وانه يتمتع بتأييد من قبل شعبه، موحيا بأنه سيقاتل حتى النهاية، اي انه لن يهرب مثل زين العابدين بن علي، ولن يتنحى جانبا مثل الرئيس حسني مبارك، وهذ لو صحّ فإن علينا ان نتوقع حربا اهلية طائفية طويلة في سورية، للأسف الشديد.

الرئيس الاسد راهن على سحق الثورة السورية في ايام معدودة، ولكن رهانه خاب، وها هي الثورة تستمر لأكثر من 15 شهرا متواصلة، وتزداد قوة بفعل التسليح الخليجي الذي بدأ يعطي ثماره على الارض، من حيث زيادة اعداد القتلى في صفوف قوات النظام بصورة لافتة للنظر.

النظام السوري امام احتمالين رئيسيين، الاول ان يقاتل حتى النهاية، مثلما حدث في ليبيا، في مواجهة تحالف يضم اكثر من مئة دولة، بينها دول عربية غنية ومصممة على اسقاطه حتى لو خسرت كل ملياراتها، ورهنت نفطها لعقود قادمة، او ان يرفع راية الاستسلام ويبحث عن ملاذ آمن في روسيا، وليس في المملكة العربية السعودية التي كانت دائما ملجأ للسياسيين السوريين، وجاءت حالة الرئيس السابق بن علي استثناء ربما لن يتكرر.

الرئيس الاسد ربما يختار الخيار الاول، اي القتال حتى النهاية، ولكن ليست النهاية التي انتهى اليها معمر القذافي، وانما نهاية الحرب الاهلية في الجزائر، التي انتصر فيها النظام على حساب قتل حوالى 200 الف انسان.

نحن لا نقرأ الطالع، ولكن من الصعب جدا التكهن بالنتيجة النهائية التي سينتهي اليها الوضع السوري، ولكن ما يمكن التكهن به ان معدلات سفك الدماء سترتفع وتيرتها الى مستويات قياسية، لأن هذا النظام عقد العزم على القتل والمزيد منه، على امل النجاة في ظل الاطمئنان الى الدعم الروسي، وتردد المجتمع الدولي، ووجود اعداء مثل تكتل اصدقاء سورية، يتنقلون بين العواصم بمؤتمراتهم، في تجسيد بليغ لسياحة المؤتمرات.

=================

الثورة السورية وتحولات الهوية والانتماء

2012-07-06

القدس العربي 

كان على السوري، دائما، ان يخفي كل هوياته وانتماءاته وثقافاته المتعددة، مخافة ان يحاكم على وهنه لنفسية 'الأمة'. واعتباره عدوا للعروبة، وخادما لأجندة امبريالية وصهيونية ورجعية. كان عليه، الإنصياع 'لجوهر الازلي والمطلق' لعروبة البعث، الذي اوجد لمشكلة الهوية حلا قسريا واستبعاديا وغير تعاقدي، جعلها إطارا خاويا من التفاعل والمعنى، منفصلة عن مفهوم المواطنة ومتمتاهية مع مفهوم الرعية.

ذخرت سورية، ككيان حديث النشأة، بانتماءات متباينة وتناقضات موروثة /عرب -كرد، سنّة - علويّين، أكثريّة- أقليّات، ريف - مدن/ لم تعمل أنظمة ما بعد الاستقلال على رأب صدوعها، بل فاقمت تلك الصدوع ووسّعتها، وظهر ذلك جليا من خلال عروبة الاستبداد، التي حكم البعث باسمها، من خلق إطار وطني، جامع لكل الطوائف والمذاهب والاعراق المشكلة للمجتمع السوري، على العكس، أدت الممارسات الاستبدادية في فرض هوية فوقية إلى إفقار الهوية الوطنية وتحجرها، وتمتين دور الانتماءات الاجتماعية المنغلقة على ذاتها. ترافق ذلك مع إفقار لروح المّدنية واستنزافها، وتدمير الذاكرة الوطنية التي سبقت استلام حزب البعث للحكم، ووصف تلك المرحلة بالرجعية والتخلف، ونعت رموزها بالعملاء والمتواطئين مع الاستعمار والإمبريالية، أملا في خلق أجيال ترى في النظام صانع التاريخ والهويات الجامعة.

ذات النظام 'العلماني' الذي لم يبن مجتمعا مدنيا، خلال خمسين سنة من حكمه، حافظ على المجتمعات الأهلية المنغلقة وسرديتها الخاصة للتاريخ، مستفيدة من الوعي الطائفي سياسيا، عبر تضخيم 'عقدة الاقليات' لديها، وتغذية ثقافاتها بهاجس الموت والزوال. مع ربط مكانيزما قيادة هذه المجتمعات مع المصالح الامنية للنظام. رغبة في إزاحة أي صراع مع السلطة من خانتها السياسية إلى المجتمعية، وإظهاره على إنه صراع مذهبي وديني، وهو ما يحدث اليوم، وتتضمنه الرواية الرسمية للنظام حول الاحداث والثورة السورية.

اليوم، تطرح الثورة السورية أسئلة جوهرية حول الهوية الوطنية ومكوناتها، في ظل خارطة المصالح والتجاذبات، التي يغذيها البعد الطائفي في الصراع، ومحاولات بعض القوى الراديكالية، تطييف النظام السياسي، وتوزيع السلطات على اسس طائفية، في سورية المستقبل. مبتعدة بذلك عن الجوهر الديمقراطي للدولة المدنية، حيث تتكون الاغلبية والاقلية فيها، على اسس سياسية، تفرزها صناديق الاقتراع.

إن السبب الرئيسي في اتساع الهواجس والتباينات بين المكونات المجتمعية المختلفة في المجتمع السوري لا يعود إلى تنوّع هذه المكونات، وإنما إلى استثمارها سياسيا وإدارتها بشكل سيء خلال المراحل السابقة، والعمل على صورة المجتمع المتعايش دون البحث في مكونات الصورة ومتطلباتها.

الواضح، أن وطنية جديدة تتشكل اليوم في سورية، رغم كل المآسي والعنف وفقدان الثقة، حيث تتفتح مشاعر السوريين على احاسيس وطنية جديدة، تتحرر من رتم الخطابية وتواترها العقيم في شعارات البعث. يدل على ذلك، هتافات الثوار واكتشافهم الجديد لجغرافية بلدهم، ليس على مستوى التعرف إلى اسماء المدن والبلدات والقرى، التي لم يسمعو بها من قبل، بل في اكتشافهم الجديد والمحسوس للمعاني الوطنية الجديدة، بعيدا عن الشخصنة والتآليه. تُغني الثورة انتماءات الثوار وتكسبهم هوية حياتية جديدة، لا تقوم على مبدأ الاستعلاء الايديولوجي، والاستبعاد القصري. هذا ما نتلمسه في هتافات الثوار. يهتف أهالي درعا يوميا لمدينتهم وللمدن الاخرى، لا يعني ذلك، أنهم يدعمون المناطقية، ويقفون ضد الهوية العربية أو الهوية الوطنية الجامعة لكل السوريين، على العكس، انها الروح الوطنية في فضاءات جديدة، تلك التي استلهموها من تاريخهم الحديث، إبان الانتداب الفرنسي وما تبعه من صراع وطني بين القوى المسكونة بالماضي من موالي الانتداب، وقوى مسكونة بالمستقبل من موالي الكتلة الوطنية. تلك المرحلة الوطنية التي تحددت بوعي ديمقراطي وانتهت بتوحيد الدويلات سورية، وحررت الحياة السياسية من العصبويات القومية والدينية والمذهبية، تولى خلالها فارس الخوري ثلاث مرات رئاسة الوزراء، كان اخرها عام 1954، وفوزي سلو رئاسة الجمهورية عام 1951.

لا شك أن سورية تعيش الآن لحظة فارقة ومؤلمة، بسبب الاستقطاب السياسي والاصطفاف الايديولوجي، للتيارات والفئات الاجتماعية، ومحاولة كل طرف تأمين نفسه ضد اخطار المستقبل. زد على ذلك، تداخل المصالح والتجاذبات الاقليمية والدولية في الحالة السورية والتي ترتد على الداخل السوري في زيادة التشنج والاحتقان. الامر الذي يفرض على عاتق الثورة السلمية والحراك الشعبي، خلق ركائز اجتماعية وسياسية للحالة الوطنية الجديدة، تعتمد الانفتاح على الآخر والاعتراف به كشريك في بناء هوية وطنية متفاعلة، اساسها الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بعيدا عن التخشب الايديولوجي والشعارات السائلة.

إن الأزمة التي تعصف بسورية اليوم، وأيا كانت مآلاتها، تشكل فرصة تاريخية لبناء عقد اجتماعي جديد يرسي قيم مواطنة، قانونية ودستورية واجتماعية حقيقة، تفسح المجال للقوى المعتدلة، العابرة للطوائف لاجتراح خيارات منطقية مختلفة عن منطق النظم القائمة؛ التي تلوح بالحرب الاهلية كبديل عنها.

عماد مفرح

=================

كلام جنيف تمحوه باريس

سميح صعب

2012-07-07

النهار

بين مجموعة العمل حول سوريا في جنيف ومؤتمر "اصدقاء الشعب السوري" في باريس مسافة تساوي المسافة السياسية بين واشنطن وموسكو وصراع بين مفهومين مختلفين لحل الازمة السورية. فالغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً ماضيان في خيار تسليم السلطات في الشرق الاوسط الى الاسلام السياسي في نقيض لسياسة معتمدة منذ 60 عاماً كانت قائمة على دعم انظمة الحكم التي نشأت عقب مرحلة الاستعمار سواء العسكرية منها ام شبه العسكرية.

 لم تمض ايام على صدور بيان جنيف في حضور روسيا والصين حتى أتى بيان باريس لمجموعة "اصدقاء الشعب السوري" ليقول بوضوح ما التبس في بيان جنيف ألا وهو ان المطلوب تغيير النظام في سوريا وليس تأليف حكومة تجمع النظام والمعارضة. وذهبت هيلاري كلينتون ابعد حين دعت الى تدفيع موسكو وبيجينغ ثمن عدم انضمامهما الى الغرب والعرب في العمل على تغيير النظام في سوريا. وهذه لغة جديدة تستعيد لغة الحرب الباردة.

في المقابل، رسمت روسيا رؤيتها للحل في سوريا واعلنت صراحة انها لن تدخل في لعبة تغيير الانظمة في الشرق الاوسط، خصوصا ان موسكو تخوفت منذ بداية ما يسمى بـ"الربيع العربي" من وصول الاسلام السياسي الى الحكم في دول الشرق الاوسط مع ما يعني ذلك من احتمال نشوء انظمة دينية متطرفة تتسبب بصراع طويل بين السنة والشيعة فضلاً عن المصير المجهول الذي ينتظر الاقليات وفي مقدمها المسيحيون. ناهيك بما يمكن ان تحمله الانظمة الاسلامية الناشئة في المنطقة من دفع للحركات الاسلامية المتشددة في جمهوريات آسيا الوسطى وحتى داخل روسيا.

من هنا لم يكن وقوف موسكو ضد تغيير النظام بالقوة في سوريا مبنياً على قراءة سياسية متسرعة تراعي المصالح القريبة المدى او مبنياً على فائدة المصالح المادية التي ترى انه يمكن تعويض ما يمكن ان تخسره موسكو من سوق السلاح السوري، وانما الثابت ان موقف الكرملين استند الى قراءة استراتيجية تجاوزت المنطق الاميركي البراغماتي حيال تطورات الشرق الاوسط.

ولئن انطلق المنطقان الاميركي والروسي من مفهومين متناقضين، ليس من السهل التوصل الى قواسم مشتركة حيال الازمة السورية. وربما مصدر الدهشة الاميركية ان واشنطن لم تكن تتوقع ان يتمسك الروس بمعارضتهم تغيير النظام في سوريا الى حد يمكن ان يعرّض العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا لخطر جدّي للمرة الاولى منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1991.

=================

انشقاق طلاس يضيء على وضع الجيش

روزانا بومنصف

2012-07-07

النهار

تكشف مصادر سياسية في بيروت ان المملكة العربية السعودية رفضت طلبا روسيا في الاونة الاخيرة من اجل زيارة يقوم بها وفد روسي الى المملكة للبحث في العلاقات الثنائية في مؤشر يتصل على الاغلب بالموقف الذي تعتمده روسيا من الازمة السورية وتناقضه مع الدول العربية التي ترغب في انهاء الازمة السورية برحيل النظام. وهذا الجانب من الانعكاسات المباشرة للموقف الروسي قد يكون من الاسباب التي ساهمت في بعض التحول في روسيا في اجتماع جنيف لجهة الموافقة على مرحلة انتقالية تنقض كل الخطوات الاصلاحية التي يقول الرئيس السوري انه اعتمدها خلال سنة ونصف من الازمة في سوريا. الا ان المصادر نفسها تعتقد ان روسيا قد تكون تلقت ضربة قوية بانشقاق العميد في الحرس الجمهوري مناف طلاس القريب من الاسد كما بالنسبة الى انشقاق طيار مع طائرته الى الاردن اخيرا. وهي ضربة توازي من حيث وقعها تلك التي وجهها هذا الانشقاق الى الرئيس السوري نفسه. اذ ان هذا الحادث يمكن ان يزيد الخشية من انشقاقات اضافية تربك الجيش النظامي الذي تعول روسيا على بقائه وتراهن على ذلك لا بل تعمل عليه كوسيلة من اجل استمرار مؤسسات النظام وعدم انهيارها. بحيث ان تسارع وتيرة هذه الانشقاقات قد يساهم في سحب اوراق بسرعة من يد روسيا في الوقت الذي تتساءل فيه جهات دولية ما اذا كانت روسيا يمكن ان تمون فعلا على الرئيس السوري من اجل تنحيه في حال اقتنعت روسيا بذلك مظهرة شكوكها ازاء هذا الامر من دون ان تكشف معلوماتها في هذا الاطار. لكن وفي ظل تسليط الضوء على اجتماع اصدقاء سوريا في باريس امس وتأكيد الدول الكبرى ضرورة تطبيق ما اتفق عليه في جنيف قبل اسبوع بين الدول الخمس الكبرى وبعض الدول الاقليمية المعنية بالازمة السورية، فان هناك جزءا يتعلق بممارسة روسيا ضغوطا على الاسد من اجل القبول باتفاق جنيف تماما مثلما طلبت روسيا من الدول الغربية ممارسة ضغوط على المعارضة من اجل القبول بالاتفاق نفسه. وقد مارست روسيا ضغوطا قبل اشهر على النظام من اجل القبول بخطة النقاط الست التي اقترحها كوفي انان وهو قبلها نتيجة هذا الضغط ليعود فينقضها بعد حين ويفرغها من مضمونها باقرار انان نفسه الذي حمل النظام اساسا مسؤولية فشل خطته. وقد يتبين في نهاية الامر وفق ما تقول هذه المصادر ان من مصلحة روسيا اقناع الاسد بالموافقة على اتفاق جنيف والتعامل معه بايجابية علما ان النظام السوري اصدر بيانا رحب به بهذا الاتفاق وعطف عليه وجود ملاحظات عليه، لكن المسألة تتعدى المواقف العلنية الشكلية او الاقوال الى الافعال خصوصا ان التجربة مع النظام السوري لا تتوقف على ما يعلن من مواقف بل على ما ينفذ منها. ولا يعتقد احد انه سيفعل اي تنفيذ الاتفاق لانه لن يقبل باي حكومة تنزع منه صلاحياته وتحصرها في الحكومة ولو كانت مشتركة بين السلطة والمعارضة. وتاليا فهو سيسعى الى كسب الوقت ليس الا.

=================

أسسوا "المنطقة الآمنة" في تركيا أو الأردن

سركيس نعوم

2012-07-07

النهار

دعا السيناتور الجمهوري الاميركي جون ماكين، بعد لقائه رئيس "حزب القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع قبل يومين في معراب، الى "دعم الجيش السوري الحر بالأسلحة" والى "توفير منطقة آمنة له كي يتمكن من تنظيم شؤونه". طبعاً لا تُلزِم هذه الدعوة الإدارة الاميركية الديموقراطية. فهي لا تزال تتعاطى بكثير من الحذر مع الأزمة السورية بل الثورة السورية على نظام الرئيس بشار الاسد. ولا تزال ترفض رسمياً على الأقل تزويد الثوار الأسلحة اللازمة تلافياً لنشوب حرب أهلية ومذهبية داخل سوريا. ولا تزال ترفض القيام بعمل عسكري لاسقاط النظام المذكور، وتدعو في الوقت نفسه الى تنحّي بشار الاسد وسقوط نظامه. علماً انها تعرف ان ذلك من الصعوبة بمكان إذا لم تُشن حملة عسكرية نظامية ومنظمة على النظام المذكور. كما انها لا تزال تأمل في احتمالات عدة قد لا يكون حصولها سهلاً مثل تغيير من داخل النظام، او مثل انهيار جيش النظام بفعل توسّع حركة الانشقاق عنه وشمولها ابناء العصبية الاقوى التي يعتمد عليها الاسد وهي الطائفة العلوية.

لكن ذلك كله يجب ان لا يدفع لبنان وشعوبه الى الاطمئنان. ذلك ان الادارة الاميركية ورغم موقفها الرسمي السلبي تغضُّ النظر عن تزويد حلفائها العرب والاتراك ثوار سوريا السلاح اللازم، وعن تدريبهم المنشقين عن الجيش والمتطوعين في "الجيش الحر". وهذا يعني ان الادارة قد تغضُّ النظر ايضاً عن تحويل او بالأحرى عن محاولة تحويل شمال لبنان المتاخم لسوريا منطقة آمنة لـ"جيشها الحر" أي قاعدة عسكرية وتدريبية ولوجستية له، وفي الوقت نفسه مستشفى لافراده المصابين ومقراً للنازحين قسراً عن بيوتهم في سوريا. علماً ان بعض هذه الامور يحصل في الشمال المذكور، ولكن على نحو فوضوي وغير منظم حتى الآن وربما غير خطر، سواء بسبب أوضاع لبنان المتردية او بسبب غياب القرار النهائي عند الاسد من جهة وعند اعدائه العرب والمسلمين والدوليين. ومصلحة لبنان بل مصلحة شعوبه كلها رغم تفاقم العداء في ما بينها تقتضي رفض تحويل لبنان ساحة مكملة لساحة الثورة السورية والقمع الأسدي لها. إذ من شأن ذلك، وبسبب اصطفاف نصف اللبنانيين مع نظام الاسد ونصفهم الآخر مع الثائرين عليه، وقبل هذا بسبب عداواتهم التاريخية الضاربة عميقاً في التاريخ، تدمير البلاد على رؤوس الجميع. وهذا الموقف يجب ان يُبلِغه الجميع في لبنان الى اميركا "الديموقراطية" اليوم والتي قد تصبح "جمهورية" مطلع السنة المقبلة. وما أدراك ما الجمهوريين بالنسبة الى الاسد وحلفائه في المنطقة، والى حليفتها تركيا والى اشقائه في المنطقة. ويجب ايضاً ان يقولوا لها ان المنطقة الآمنة في لبنان و"للجيش السوري الحر" تعني نشوب حرب اهلية فيه، وتعني دخول جيش سوريا الى قسم من اراضيه من جديد، والى تدخل اسرائيل عسكرياً فيه. ذلك ان دولته تنحلّ ومؤسساته منقسمة فعلياً وعاجزة عملياً وشعوبه متناحرة على السلطة، في حين ان لدى اميركا خيارات اخرى مضمونة اكثر بالنسبة الى المنطقة الآمنة، اولها تركيا الدولة الكبرى صاحبة الجيش القوي والعضو في حلف شمال الاطلسي، وثانيها الاردن المتماسك اكثر من لبنان على الاقل وصاحب الجيش القوي والحماية الاميركية، وعند الضرورة الاسرائيلية.

طبعاً لا يعني ذلك اننا مع نظام الاسد، فنحن مع التغيير نحو الديموقراطية الحقة في سوريا وضد القمع الذي يمارسه على شعبه. ولا يعني اننا مع استمرار انفلات السلاح والمسلحين في لبنان وضد قيام الدولة الواحدة العادلة الديموقراطية القوية صاحبة السيادة على الأرض والشعب والمؤسسات. ولا يعني ايضاً اننا نتهم اميركا باستعدادها لاستعمال لبنان اذا احتاجت اليه في معركتها وحلفائها مع نظام الاسد. علماً ان مصالحها قد تدفعها الى ذلك ولا سيما عندما تثبت شعوب لبنان المتناحرة للمرة الالف ربما عجزها عن التفاهم، وعن بناء دولة، وديمومة ولاءاتها الى الطوائف والمذاهب و"الخارج" الحامي لها وإن على حساب الولاء للوطن وجاهزيتها للانتحار في سبيل "اجنداته" المتنوعة.

في اختصار اذا كان السيناتور ماكين يريد إنهاء مأساة شعب سوريا عليه بإقناع ادارته باعتماد الخيار العسكري المباشر، او بالتوصل مع سوريا الى حل لكل القضايا الخلافية بينها وبين اميركا. علماً ان معلومات قريبين من المحور السوري – الايراني تفيد ان اتفاقاً بين موسكو وواشنطن تمّ على مرحلة انتقالية من سنتين "يرحل" بعدها الاسد ويقوم نظام سوري جديد، وعلماً ايضاً ان "شائعات" تُرمَى في واشنطن عن بحث جديّ في اتفاق كهذا.

=================

مشكلة تركيا في سوريا

فايز سارة

السفير

7-7-2012

تحتل تركيا الحيّز الاكبر من فضاء الجوار السوري، اذ هي صاحبة أطول حدود بين البلدين، وهي التي تضم أعدادا كبيرة من عناصر سكانية لها امتداد في سوريا، ومنها تنبع أكبر مصادر المياه السورية الجارية، وهي أكثر بلدان الجوار التي لها علاقات اقتصادية وسياسية مميزة على مدار العقد الماضي. هذه ليست سوى مؤشرات في الواقع، ثمة صلات اخرى، لعل الابرز فيها طموحات تركية من أجل ان تكون سوريا بوابة علاقات تركيا في الشرق الاوسط.

ان أهمية سوريا بالنسبة لتركيا، كانت بين العوامل الدافعة لتحسن العلاقات التركية ـ السـورية، الامر الذي انعكس تعاوناً سياسياً وأمنياً في القضايا الثنائية والاقليمية، ومنها الموضوع الكردي بشقيه الثنائي والاقليمي، وفي الصراع العربي الاسرائيلي وتفرعاته الفلسطينية والسورية، وكذلك في تطوير العلاقات الثنائية، التي لم تشمل فقط المبادلات التجارية الطامحة بالوصول الى خمـسة مليــارات دولار سنوياً، بل ايضاً الى تبادل الاستثمارات، وتعاون في مجالات علمية وتقنية متعددة الجوانب، وهو ما أحدث انقلاباً في الطابع العام للعلاقات التركية ـ السورية المملوء بالشك والريبة والعلاقات المحدودة، ونقله الى مستوى أفضل من التعاون الواسع المتعدد المجالات.

غير ان المسار الايجابي لعلاقات تركيا مع جارها السوري تعرض لانكسار شديد في ضوء انطلاق حركة الاحتجاج والتظاهر التي بدأت في آذار (مارس) العام 2011، حيث طلب القادة الاتراك بعدها الى أقرانهم السوريين معالجة الوضع بالطرق السياسية بدل سياسة العنف والمعالجة الامنية ـ العسكرية للاوضاع الجديدة، وهو ما رفضه السوريون باعتباره تدخلاً غير مقبول في شؤونهم الداخلية، ومنه فتح المجال لنمو الخلاف وتصعيده من الجانبين، وخاصة من جانب الاتراك الذين اعتبروا ان ما تشهده سوريا أمر يهمهم، وانه سيكون له تأثيرات على أوضاعهم الراهنة والمستقبلية، وكلها اعتبارات مفهومة، وتستحق التوقف عندها.

وبالاستناد الى التقدير التركي بخطورة الوضع السوري على تركيا، فقد ذهب الاتراك الى تصعيد موقفهم وصولاً الى تبني سياسة تساعد في إسقاط النظام في سوريا، وصاغوا منظومة عملية وإجرائية تنسجم مع هذا التوجه، جاء في سياقها تقديم مساعدة للمعارضة، وخصوصا المنتمين الى الجماعات الاسلامية وأبرزهم الاخوان المسلمون، ودعم تشكيل المجلس الوطني السوري الذي يتخذ من اسطنبول مقراً له، وفتح الابواب لاستقبال اللاجئين السوريين، بمن فيهم عسكريون انشقوا عن المؤسسة الامنية العسكرية السورية، وانخرطوا في الجيش السوري الحر الذي تقيم قيادته في تركيا. وتتهم السلطات السورية الاتراك بأنهم لا يوفرون الملاذ والممر الآمن للمعارضين السوريين المسلحين فقط، بل يساعدون في تدريبهم وتقديم الاسلحة والذخائر لهم، وهي أمور ساهمت في توترات عسكرية على حدود البلدين وصولاً الى عملية إسقاط الطائرة العسكرية التركية من جانب السوريين مؤخراً، وهو تطور جعل المواجهة السورية ـ التركية محتملة وممكنة نتيجة توافر عوامل سياسية وعسكرية دافعة.

لكن توافر العوامل السابقة، لا يكفي لقيام تركيا بدخول حرب مع سوريا، وأهم الاسباب في ذلك يكمن في علاقات وروابط أنقرة الدولية، التي يمكن أن تقدم تغطية ومؤازرة سياسية وعسكرية لتركيا نتيجة عضويتها في حلف شمال الاطلسي، اذ هي ملتزمة بالتشاور معه، وأقرب للالتزام بالقرارات التي يتخذها، ومن الواضح انه لا تتوافر إرادة لدى الحلف لدعم تركيا ومساندتها في حرب على سوريا، ولا لدخول الحلف في حرب على الاخيرة، وهو ما أكدته ردات فعل قيادة «الناتو» والدول الاعضاء فيه في أعقاب إسقاط القوات السورية الطائرة التركية.

ورغم ان من المستبعد دخول تركيا حرباً مع سوريا خارج دعم دولي وإقليمي من الحلف الاطلسي، أو بالاستناد الى قرار من مجلس الامن الدولي تحت البند السابع، فإنه لا يمكن الركون الى ذلك مطلقاً، بسبب حساسية الأوضاع على جانبي الحدود وتداخلها واحتمالاتها تطورها من جهة، ونتيجة إحساس العسكريين وعموم الاتراك بالإهانة التي لحقت بهم جراء ما قامت به السلطات السورية من انتهاكات عبر الحدود، والتي كان آخرها إسقاط الطائرة، وللسببين معاً، فإنه لا يمكن استبعاد حصول مواجهات عسكرية تركية - سورية في أي وقت، يمكن ان تكون بداية لحرب بين الجانبين خلافاً لمعظم التوقعات التي ظهرت في الآونة الاخيرة.

 

=================

أول علامة على الاستياء الشديد بين كبار الضبّاط السنّة

ضربة موجعة للأسد: هروب العميد طلاس

تاريخ النشر: السبت 07 يوليو 2012

الاتحاد

أفادت وسائل إعلام سورية محسوبة على السلطة يوم الخميس الماضي بانشقاق ضابط كبير في الجيش السوري كان أحد المساعدين المقربين من عائلة الأسد، وفراره إلى تركيا، فيما يمكن اعتباره أول تصدع كبير في الدائرة الداخلية للنظام. وكان موقع "خطوات في الاتجاه الصحيح"، الموالي للحكومة، أول من نقل خبر انشقاق العميد مناف طلاس الذي يرأس قوة الحرس الجمهوري النخبوية في الجيش السوري، وهو ابن وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس.

ويبدو أن انضمام العميد مناف إلى صفوف المعارضة هو أول انشقاق لمسؤول كبير في الجيش السوري منذ اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد قبل أكثر من 15 شهراً. وسرعان ما تناقلت الخبر وسائل إعلام أخرى مثل الموقع الإلكتروني لصحيفة "طرطوس توداي" المساند للنظام، حيث نقل تقريراً نشرته شبكة الشام الإخبارية يقول إن طلاس اختفى من العاصمة السورية دمشق ولم يظهر له أي أثر أكثر من يومين، لكن الصحيفة امتنعت عن نشر تفاصيل إضافية عن الانشقاق نظراً لحساسية الموضوع.

وفي يوم الجمعة دخل على الخط دبلوماسي أميركي مجهول الهوية، أكد نبأ انشقاق الضابط السوري الكبير، حيث أخبر وكالتي "أسوشياتدبريس" و"رويترز"، نقلاً عن مصادر قريبة خبر وصول طلاس إلى تركيا يوم الخميس الماضي، وأنه في طريقه إلى فرنسا للالتحاق بوالده العميد السابق مصطفى طلاس حيث يعيش منذ فترة.

ومع أنه لم يتسنَ التأكد من صحة هذه التقارير الإخبارية التي تتحدث عن انشقاق أول ضابط مقرب من النظام، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي التي تديرها المعارضة، نقلت الخبر وتداولته فيما بينها على نطاق واسع، بل ذهب البعض إلى وضع صور تظهر الرئيس بشار يقف إلى جانب العميد المنشق في دلالة على العلاقة بينهما، وبالتالي جسامة الحدث الذي يضرب تماسك النظام في العمق حسب ناشطي المعارضة السورية.

ووفقاً للعقيد عارف حمود، المتحدث باسم "الجيش السوري الحر" في جنوب تركيا، واثنين من الضباط المتمردين داخل سوريا، فقد قام "الجيش السوري الحر" بمساعدة العميد مناف طلاس بالعبور إلى تركيا يوم الخميس المنصرم. وفيما تحفظ حمود على ذكر مكان وجود العميد المنشق، إلا أنه أكد عدم وجوده في معسكر خاص بالمنشقين السوريين في مدينة أنطاكيا التركية، ما يجعل مسألة انضمامه إلى المعارضة ومشاركته في عملياتها أمراً غير مؤكد. وقد سعت المواقع الإلكترونية التابعة للحكومة أو الموالية لها إلى التقليل من شأن هروب العميد مناف طلاس، قائلة إن ذلك لن يؤثر على الوضع في سوريا التي يواصل فيها النظام حملته العسكرية ضد معاقل المعارضة في محاولة لسحقها. بل إن موقع "طرطوس توداي" اتهم طلاس بالتعاون مع السفير الأميركي الذي غادر سوريا، روبرت فورد، قائلاً إن سوريا هي أفضل حالاً بدونه، وأضاف الموقع أن "الاستخبارات السورية كان بإمكانها احتجازه لو أرادت، لذا فإن قراره الانشقاق لن يؤثر علينا، كل ما هنالك أنه سيصبح عبئاً على كاهل الحثالة والخونة المختبئين في تركيا".

ونقل موقع "خطوات في الاتجاه الصحيح"، الموالي للحكومة، عن مسؤولين أمنيين قولهم: "الوضع في الميدان تحت السيطرة، ولا يوجد شيء يمكن أن يوقفنا عن استئصال الإرهابيين من البلد".

لكن يبدو أن الموقع اعترف من جهة أخرى بأهمية هروب ضابط بمستوى العميد مناف طلاس، مؤكداً أن "الخبر وقع كالصدمة على الشعب السوري الذي كان دائماً متأكداً من ولاء عائلة طلاس للأمة".

ويُذكر أن مصطفى طلاس، والد الضابط المنشق، كان أحد الضباط المقربين من الرئيس الراحل حافظ الأسد، وكان يعمل معه لسنوات طويلة كوزير للدفاع، ثم بعد ذلك ساعد في تمهيد الطريق أمام نجله بشار لخلافة والده.

لكن طلاس الأب غادر سوريا إلى باريس حيث ظل هناك منذ بداية اندلاع الاضطرابات في سوريا. هذا فيما يعيش أحد أبنائه في الخليج، بينما انضم ثالث إلى صفوف المعارضة ليقود إحدى أهم الكتائب المقاتلة في "الجيش السوري الحر" بالقرب من حمص، وهو ما يعني أن الانشقاق الأخير ليس مفاجئاً، كما يدعي الإعلام التابع للنظام. وفي حال تأكد هروب العميد مناف طلاس إلى تركيا ثم إلى باريس، فإن ذلك يمثل أول علامة على مدى الاستياء داخل صفوف العديد من كبار الضباط السنّة الذين ما زالوا يقفون إلى جانب النظام مع الضباط العلويين.

وفي هذا الصدد يقول "جوشوا لانديس"، الخبير في الشؤون السورية، إن العميد طلاس هُمش مؤخراً من قبل الضباط العلويين لأنه كان "يدافع عن سياسة التفاوض مع المعارضة وإبداء المرونة وتقديم تنازلات"، مضيفاً أنه "تم استبعاده على يد القيادة العسكرية، ومنذ ذلك الوقت وهو يبحث عن مخرج من سوريا. ولو تأكد فعلاً هروبه من سوريا، فسيكون ذلك ضربة موجعة للنظام".

وتأتي تلك التقارير حول انشقاق الضابط الكبير في الوقت الذي تواصل فيه القوات السورية شن حملة عسكرية بالطائرات المروحية على بلدة "خان شيخون" التي تعتبر جبهة مهمة في مساعي الحكومة لاستعادة أراض سيطر عليها المتمردون شمال المحافظة (إدلب). أما في دمشق التي اندلعت فيها أعمال عنف خلال الأسابيع الأخيرة لتمتد إلى قلب العاصمة، فقد قال رئيس البعثة الأممية إلى سوريا، الجنرال روبت مود، إن العنف وصل إلى "مستويات غير مسبوقة".

ليز سلاي

أنطاكيا، تركيا

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

=================

التدخل العسكري في سوريا!

تاريخ النشر: السبت 07 يوليو 2012

الاتحاد

المؤتمر الدولي الذي عقد في جنيف الأسبوع الماضي بهدف التوصل إلى اتفاق حول طريق لحل الأزمة والعنف المتصاعد في سوريا، أفرز مقترحات فضفاضة حول حكومة انتقالية من غير المرجح أن تحقق أي شيء. ورغم هذا الإخفاق، وتقارير جديدة لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" حول تعذيب ممنهج للمعارضين من قبل نظام الأسد، والدعوات المستمرة إلى التدخل من قبل كثير من النشطاء، ومن ذلك الجيش السوري الحر، فإنه من غير المحتمل أن يكون ثمة أي تدخل أجنبي مسلح في سوريا على شاكلة ما حدث في ليبيا.

فالوضع التكتيكي في ليبيا جعل التدخل سهلاً نسبياً: ذلك أن كل ما كان مطلوباً من أجل تجنب مذابح للمدنيين في بنغازي هو التصدي لقوات القذافي على طريق واحد نحو شرق البلاد بمحاذاة ساحل الأبيض المتوسط يفضي إلى تلك المدينة. وهو ما تم القيام به فعلاً، فأنقذت الأرواح. والحال أن مثل هذا الوضع غير موجود في سوريا، حيث سيتعين على الطائرات والصواريخ أن تهاجم تشكيلات للجنود تحيط بعدة مدن وبلدات إضافة إلى تحديد مواقع قواعد الميليشيات المدعومة من الحكومة والتي تعد أقل وضوحاً.

ثم إنه إذا كان النظام الليبي السابق غير شعبي لدى الجميع تقريباً في العالم العربي والغرب، فإن سوريا بشار الأسد هي آخر حليف متبق لروسيا في المنطقة، وأهم حليف لإيران.

عدد من الاتفاقيات الدولية الموقعة منذ عام 1945 قد يبدو أنها تمنح الشرعية لتدخل أجنبي، وبخاصة لمحاولات منح مساعدة فعلية للضحايا الذين يهاجَمون من قبل الحكومة السورية وميليشياتها. فالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يرخص لمجلس الأمن الدولي أن يتخذ عن طريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. وقد أشار وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيس، إلى هذا الفصل في الثالث عشر من يونيو الماضي عندما قال إن فرنسا ستدفع مجلس الأمن الدولي إلى تطبيق خطة كوفي عنان للسلام ووقف إطلاق النار. غير أن الفيتو الروسي المحتمل في مجلس الأمن يجعل من تبني مثل هذا الحل أمراً مستبعداً.

ليُترك بذلك دعاة التدخل أمام خيار "كوسوفو" فقط: عمل لحلف "الناتو" مستقل عن الأمم المتحدة. والحال أنه حتى في أزمة كوسوفو، فإن الهزيمة الصربية اعتمدت على سحب روسيا أخيراً دعمها لميلوسوفيتش بقدر ما اعتمدت على حملة القصف الجوي التي قام بها الناتو.

كما أن اتفاقية حظر الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي وقعت من قبل كل البلدان تقريباً، لم تمنع أي إبادة جماعية من الوقوع، سواء في كمبوديا أو جواتيمالا أو رواندا أو السودان. وفي جميع الأحوال، فإن المستشارين السياسيين قد يقولون إن هذه الاتفاقية لا تنسحب على سوريا وذلك باعتبار أن المستهدَفين من قبل النظام لا يستوفون معايير الاتفاقية: فهم ليسوا "مجموعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية"، وإنما خصوم سياسيون "فقط"، وهم فئة غير واردة في الاتفاقية.

ولعل ما ينسحب على الحالة السورية أكثر هو قرار "مسؤولية توفير الحماية" الذي تم تمريره بالإجماع في الأمم المتحدة عام 2005، والذي يعترف بمسؤولية كل الحكومات في حماية مواطني أي بلد آخر يتعرضون لهجوم من قبل حكومتهم. غير أن قرار "مسؤولية توفير الحماية" يترك عدة سبل للدول للتهرب من الاضطرار للتدخل على نحو فعال، تَهربٌ تبين أنه الخيار المفضل في حالات مثل السودان.

وقد منع الأسد بنجاح الصحافة الدولية من دخول البلاد وتسبب في فشل مهمة المراقبين الأمميين من خلال قيود وحماية غير كافية بشكل متعمد. ولم يستطع مديرو وسائل التواصل الاجتماعي الهواة التعويض عن مثل هذه العرقلة على نحو فعال. كما أن زعماء العالم ربما يكونون مترددين في خلق سياسة تدخل بناءً على قتل أطفال، مثلاً، بينما لا تُعرَف فيه بشكل واضح الجهة التي ارتكبت أعمال القتل تلك. وربما يكونون قد تعلموا درساً من الأطفال الرضع الذين قيل إنهم قُتلوا في الكويت عام 1990 على أيدي جنود صدام حسين، وفق شهادة لدبلوماسيين في الكونجرس، وعندما حاول المحققون تأكيد هذه القصص بعد طرد العراق من الكويت عام 1991، تبين أنها قصص مفبركة.

ورغم خطابها المندد بالنظام السوري، فثمة أيضاً سبب للشك في أن واشنطن ترغب حقاً في سقوط الأسد، وذلك لأن نظامه هو "الشيطان الذي نعرفه"، وهو شيطان لديه نقاط ضعف مثبتة: طرده من لبنان، وهزائمه أمام إسرائيل. وعلاوة على ذلك، فإنه يمتلك جيشاً محترفاً ووفياً في معظمه، وقاعدة دعم سياسي محددة ووفية في معظمها في خمُس السكان: الأقليتان العلوية والمسيحية. وبالمقابل، فإن "الجيش السوري الحر" وخصوماً آخرين للأسد هم أقل حرفية وتوحداً بكثير، ولديهم قاعدة دعم سياسي أكثر تقلباً، وهي من الأغلبية السنية في البلاد.

وعليه، فالأرجح أن تقييماً للسياسة الأميركية والدولية تجاه التدخل في الحالتين الليبية والسورية لن يجدي شيئاً لزعزعة ثقة الحكومة السورية في قدرتها على الاستمرار وسط أسوء وأقسى أنواع القمع. والشعب السوري نفسه، وبشجاعة مستمرة تدفع عدداً متزايداً وإن كان لا يزال صغيراً من الضباط السوريين إلى التخلي عن النظام، هو الوحيد الذي سيُقنع الأسد بأن الوقت قد حان لاختيار طريق أقل دموية.

جون هابل ويس

كاتب وأكاديمي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"

=================

سورية.. والفرصة الأخيرة

المصدر: صحيفة «إيزفيستيا» الروسية

التاريخ: 07 يوليو 2012

البيان

وقع وزراء خارجية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والاتحاد الأوروبي والعراق وقطر والكويت وتركيا، في جنيف خطة جديدة لإنقاذ سورية.

وهذه هي الفرصة الأخيرة أمام نظام بشار الأسد. وإذا لم تطبق هذه الخطة فسيكون السيناريو الليبي بانتظار سورية. لقد تبين أن التوصل إلى الاتفاق لم يكن أمراً يسيراً، فكل بلد يسعى نحو مصالحه الخاصة، وسورية ليست إلا أداة لتحقيق هذه المصالح. تعتبر الوثيقة الجديدة التي وقعت في جنيف نسخة معدلة بعض الشيء عن «خطة عنان» التي أقرت في آذار/ مارس الماضي.

لقد جاءت التعديلات الرئيسية باقتراح من الجانب الروسي، وبناء على ذلك اعلن الصحفيون الغربيون فوراً أن البيان الذي أقر في الاجتماع يعد «انتصاراً دبلوماسياً لروسيا». ويتلخص إنجاز دبلوماسية موسكو الرئيسي بالتوصل إلى بيان في جنيف ينص على وقف إطلاق النار من قبل الجانبين المتحاربين كليهما، بدلاً من توجيه هذا الطلب إلى نظام الأسد أولا، كما كان يجري سابقاً.

وتجدر الملاحظة إلى ان الذين سيقومون بإقناع أطراف النزاع هم «الرعاة»، فالغرب مثلاً يدعم المعارضة السورية في الخارج، ولذلك يجب أن يقنعها بقبول التفاوض. أما بلدان الخليج فسوف تتكفل بالمعارضة المسلحة داخل سورية، بينما روسيا والصين ستتفاوضان مع الأسد.

أما منسق العملية كلها فهو كوفي عنان. تقرر في جنيف أيضا أنه لا يحق لأحد أن يملي على السوريين كيف يجب أن يكون نظام حكمهم. وعلى السوريين أنفسهم أن يقرروا إبقاء الأسد أو انتخاب شخص من أنصار القيم الديمقراطية. وهذا الشرط أيضاً من إنجازات روسيا. إن الخطوات الملموسة لاستعادة السلم في سورية تبدو على النحو التالي: بعد أن تتوقف العمليات الحربية ينبغي على السوريين تشكيل «حكومة انتقالية» تتمتع بصلاحيات السلطة التنفيذية.

ويمكن أن يشارك فيها أعضاء من الحكومة الحالية، وكذلك ممثلو جميع الأحزاب والمجموعات المعارضة. وبعد ذلك مباشرة يجب أن تبدأ المرحلة الانتقالية على أن ينظم خلالها استفتاء عام أو شيء من هذا القبيل كأساس لإعادة النظر بالدستور ومنظومة القضاء. وبعد ذلك تجرى انتخابات «حرة ونزيهة تعددية».

اما السؤال المطروح فهو: إلى اي حد يمكن أن يطبق عمليا ما اقترحه الدبلوماسيون في جنيف؟ إن البند الأول المتعلق بوقف إطلاق نار متزامن من قبل جميع الأطراف وسحب القوات الحكومية من المدن، هو الذي يثير أكبر قدر من الشكوك، فحتى لو قام كل «راع من الرعاة» بالضغط على «رعيته» فما هو الضمان أنهم سيصغون له؟ لقد تشكل في سورية خلال الأشهر الأخيرة العديد من المجموعات المسلحة على رأس كل منها قائد ميداني مستقل. ومن المرجح أن هؤلاء لن تستهويهم جميعا العودة إلى الحياة السلمية. وإذا لم تتمكن أطراف النزاع السوري الداخلي من الاتفاق هذه المرة فعندئذ سيدخل جنود الناتو هذا البلد، ولن يلوم السوريون إلا أنفسهم.

مثل هذا الاحتمال وارد جدا، ولم يكن من قبيل الصدف أن أعلن وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ أن سورية إن لم تقبل الخطة الحالية فقد تفرض عليها عقوبات معينة، طبعا إذا وافقت على هذه العقوبات كل من روسيا والصين.

=================

سوريا .. أزمة نظام أم أزمة بديل؟

أ. نجيب الخنيزي

عكاظ

7-7-2012

بات جليا بأن المرتكزات الأساسية للنظام السوري، وفي جوانبها وأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية والأخلاقية، أخذة بالتداعي، على الرغم من كل الإجراءات القمعية والمجازر التي ارتكبتها قواته وشبيحته، والتي خلفت وفقا لمصادر حقوقية سورية ودولية مستقلة وآخرها تقرير هيومن رايتس ووتش، أكثر من 16 ألفا من القتلى بينهم أكثر من 11 ألف مدني، إلى جانب عشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين، ومئات الآلاف من المهجرين في داخل وخارج سوريا. الجدير بالذكر أنه قبيل اندلاع الانتفاضة السورية في 15 مارس 2011م، وعلى غرار العديد من الزعماء العرب المطاح بهم، استبعد بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في 31 يناير 2011م تكرار سيناريو تونس ومصر، وبرر ذلك بقوله إن سوريا في وضع أفضل من مصر، لأنها لا تقيم علاقات مع إسرائيل. كما استبعد الأسد تبني إصلاحات سريعة وجذرية، معللا ذلك بحاجة بلاده إلى «بناء المؤسسات» وتحسين التعليم قبل انفتاح النظام السياسي، وحذر من أن المطالب بالإصلاحات السياسية السريعة قد يكون لها ردة فعل سلبية «في حال لم تكن المجتمعات العربية جاهزة لها». كما هو معروف بأن الرئيس بشار الأسد خلف والده حافظ الأسد إثر وفاته في عام 2000، بعد أن تجاوز العقبة الدستورية المتعلقة بعمر الرئيس (40 سنة) من خلال تعديل تلك المادة الدستورية بشكل سريع من قبل مجلس الشعب، وتم تخفيض السن إلى 38 سنة وهو ما يناسب عمر بشار الأسد. استهل بشار الأسد حكمه بوعود إصلاحية كثيرة في ما سمي مجازا (ربيع سوريا)، وقد استبشر بها الشعب السوري ونخبه السياسية والثقافية، غير أنه تبين بعد فترة وجيزة بأن تلك الوعود الإصلاحية مجرد سراب، ولذر الرماد في العيون من أجل تثبيت وترسيخ سيطرته المطلقة وحكمه الفردي، بمعاونة بطانته الفاسدة التي تضم حفنة من المقربين والمنتفعين التي حولت سوريا وخيراتها بمثابة مزرعة لها من خلال أنشطتها وممارساتها المافيوية المسنودة بجهاز أمني/ مخابراتي قوي لا يرحم، وذلك على حساب مصالح الأغلبية الساحقة من الشعب، وخصوصا عبر ما سمي بالانفتاح الاقتصادي منذ أواسط العقد الماضي. ووفقا للمعطيات الإحصائية فإن أكثر من 50 % من السكان دون خط الفقر، ونسبة العاطلين من العمل تصل إلى 30 %، لذا ليس غريبا أن تكون شرارة الانتفاضة في المناطق والمدن الأكثر تهميشا وفقرا، مثل درعا وحمص وأدلب وحماة. اعتقد الأسد الابن بأن في مقدوره محاكاة أسلوب الأسد الأب، في إنهاء وقمع الاحتجاجات عن طريق القمع والعنف الأعمى كما حصل في السابق، متناسيا المثل القائل «بقاء الحال من المحال» وبأن اليوم غير البارحة، والأساليب التي نجحت في السابق، من مناورة وشعارات الصمود والتصدي ومواجهة إسرائيل وحماتها، للتغطية على الجرائم، ضمن ظروف وأوضاع داخلية وإقليمية ودولية والتي كانت مواتية في مرحلة الحرب الباردة لم تعد موجودة (بالرغم من الموقف الروسي والصيني والإيراني الداعم) بصورتها السابقة، كما أن ثورة الاتصالات والشبكة العنكبوتية بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي، تجعل من العسير إخفاء الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري أمام أنظار الرأي العام العالمي. النظام السوري في أزمة جدية وهو أمر مؤكد، ومن تجليات أزمته المستفحلة هروبه الى الأمام، والحديث الممجوج عن خطوات الإصلاح بهدف كسب الوقت، والذي لم يعد يقنع حتى حلفاءه في الداخل والخارج، وقبل كل شيء توسيع وتعميم خياره القمعي والأمني كحل وحيد للخروج من أزمته، والذي يصل إلى مستوى جرائم الحرب ضد المدنيين العزل.. لدى التطرق إلى التعقيدات التي تمر بها الثورة السورية، يتعين ملاحظة وجود قاعدة شعبية مهمة لاتزال مؤيدة للنظام، أو مترددة في مواجهته، من منطلق مصالحها المباشرة، إلى جانب تأثير الممارسات القمعية والوحشية للأجهزة الأمنية والعسكرية والشبيحة، التي منعت مدنا مهمة من المشاركة بقوة في الحراك الثوري حتى الآن مثل دمشق وحلب، كما لا يمكن إغفال وجود تداخلات إقليمية (إيران) ودولية (روسيا والصين) لاتزال مؤيدة للنظام السوري، غير أن كل ذلك عرضة للتغيير والتبدل التي تمليها المصالح. الأزمة المستفحلة تطال النظام في الصميم، وفي مفاصله الأساسية، وستطال شبكة علاقاته الإقليمية والدولية طال الوقت أم قصر، غير أن المشكلة الكبرى تكمن في أزمة البديل التي تعبر عنها المعارضة السورية المشتتة والمنقسمة على نفسها

=================

لافروف: رحيل الأسد.. ليس دعابة

فهيم الحامد

عكاظ

7-7-2012

قبل أيام وفي إحدى إطلالات صديق النظام السوري وزير الخارجية الروسي لافروف الإعلامية قال «إن دولا طلبت من موسكو (في إشارة لألمانيا) منح حق اللجوء السياسي لبشار الأسد»، وهو ما اعتبرته «دعابة». حيث رد لافروف على نظيره الألماني فيسترفيله في مؤتمر صحافي «لقد اعتقدنا أنها دعابة، ورددنا عليها بدعابة: ما رأيكم، أنتم الألمان، أن تأخذوا الأسد بدلا منا».

ويبدو أن الرد على تصريحات لافروف جاء سريعا وبشكل جماعي وصادما. عندما تبنى مؤتمر أصدقاء سورية في باريس أمس في بيانه الختامي الذي صادقت عليه أكثر من مائة دولة غربية وعربية بوضوح وبشفافية إلى ضرورة «رحيل» بشار الأسد، وليس إعطائه حق اللجوء السياسي، بل إن أصدقاء سورية ذهبوا إلى خطوة متقدمة نوعية تؤكد ضرورة استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ضد النظام.

إن ثورة الكرامة التي انطلقت منذ أكثر من سنة ضد نظام الاستبداد وصلت ذروتها، بل هي في نهايتها لاستئصال النظام السرطاني الأسدي. لقد أرسل مؤتمر باريس أقوى رسالة ليس فقط إلى بشار وإنما إلى روسيا، إن رحيل الأسد لم يعد دعابة على الإطلاق، وإنما هو مطلب للمجتمع الدولي. إذ حان الوقت لوضع حد لبربرية النظام الأسدي الجائر الذي اختار الطريق الدموي، وعليه أن يتحمل ثمن الدماء التي سالت في سورية، والمضي نحو تنفيذ بنود مؤتمر جنيف.

كما حان الوقت لاستصدار قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بشأن الأزمة في سورية، وعزل النظام الذي أصبح من الواضح أنه يترنح خاصة بعد انشقاق أحد القيادات المهمة في المؤسسة العسكرية وهو العميد مناف طلاس، نجل وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس الذي خدم لفترة طويلة في عهد الرئيس حافظ الأسد، حيث اعتبر انشقاق طلاس التطور الأهم منذ بدء حركة الاحتجاجات في منتصف مارس 2011. ومن المؤكد أن لدى طلاس معلومات نوعية واستراتيجية حول وضع الجيش السوري يمكن أن يستفيد منها الجميع وليس الجيش الحر فقط.

والذي نأمله أخيرا أن تستمع روسيا والصين لصوت الحكمة والعقل، والعودة إلى الإجماع الدولي، وعدم الرهان على نظام زائل عاجلا أم آجلا . وفي نفس الوقت تنفيذ قرارات مؤتمر باريس لكي لا يصبح البيان الختامي حبرا على ورق، والحفاظ على الشعب السوري الذي يتعرض حاليا لحرب إبادة من النظام.

 

=================

سوريا ثورة قيَم

عبدالله بن بخيت

الرياض

7-7-2012

    تقترب تنبؤاتي حول القضية السورية من صحتها. مئة ألف قتيل قبل أن نصل إلى نهاية نظام الطاغية. لكن علينا ان ندرك دائما أن كل قطرة دم لها قيمتها. تصارعت أوروبا على مدى التاريخ. أزهقت دماء كثيرة لكن ما حدث في الحرب العالمية الثانية لن يتكرر إلا إذا كان هدف الحرب القادمة زوال أوروبا من الوجود. اربعون مليون قتيل. دمار شبه كامل. شلل اقتصادي. أوبئة أمراض إلخ. لم تدفع أوروبا هذا الثمن المريع من أجل إسقاط طاغية فقط. أوروبا ما بعد الحرب لم تعد هي اوروبا ما قبل الحرب. جوهر الإنسان الأوروبي تغيّر. قطع صلاته مع الماضي. صار لم يعد له وجهة سوى المستقبل.

السوريون يقدمون ضحايا. الموت في سوريا لا يميز بين الأبرياء والمقاتلين، بين الأطفال والشباب. صار كاسحا. يؤكد هذا أن العودة إلى البداية أضحت مستحيلة. لم يعد أمام الشعب السوري إلا مزيد من التضحية. عبروا اكثر من نصف الطريق. ضفة النصر صارت أقرب من ضفة الاستسلام. يتوقع البعض والآخر يتمنى أن تشتعل حرب أهلية في سوريا. أطمئن هؤلاء أن سوريا ليست افغانستان أو لبنان. طبيعة الثقافة السورية مختلطة: أديان وأعراق وثقافات. اعتادوا العيش معا آلاف السنين. من يظن أن حربا أهلية ستندلع في سوريا أو طائفة سوف تنقض على اخرى يعيش تحت ظلال الوهم. ما عجزت عنه فرنسا لن يستطيعه الأسد أو الطائفيون من الطرف الآخر. بذلت فرنسا كل الجهود لتقسيم سوريا إلى دولة طوائف واخفقت. لن يقتطع الأسد دويلة يحكمها هو وعائلته ولن تفلح جهود المتطلعين الثيوقراطيين من انجاز هذا المشروع. سوريا القادمة دولة مدنية، يحكمها دستور يتيح لكل الطوائف حق العيش الإنساني الكريم مع احترام حق التصويت. تجربة تركيا وتجربة مصر ماثلتان للعيان. بلوغ الأحزاب الإسلامية الحكم عن طريق الاقتراع والاحتكام للشعب يعني زوال الفكر الثيوقراطي (الدولة الدينية).

رئيس مصر الإخواني أعلن بكلام لا لبس فيه أن مصر دولة مدنية وأن جميع أبناء مصر مواطنون. وسبقه إلى ذلك رئيس حزب النهضة التونسي. بعض المراقبين يتملكه الخوف من أن يختطف الإخوان المسلمون الحكم في سوريا وتتكرر مأساة الشعب الإيراني. ما الذي يجعل الإخوان المسلمون في سوريا مختلفين عن إخوانيهم في الدول العربية الأخرى. الأهداف واحدة والتراث واحد والتطلعات مشتركة. يستحيل انتاج الثقافة الإيرانية في سوريا. التجربة الإيرانية فريدة من نوعها في الثقافة الإسلامية. تنظيم رجال الدين الإيرانيين ثيوقراطي بالأساس. محكوم بهرمية لا تختلف من حيث الفكرة عن هرمية الكنيسة في العصور الوسطى، تتميز باستقلالية مالية ودرجات دينية ولا تملك حسا دنيويا يربطها بالعصر. الإخوان المسلمون في العالم العربي سياسيون بغلالة دينية تحضر وتغيب عند اللزوم. يستعيرون الدين وقت الحاجة، والشعب السوري شعب ليبرالي بطبيعته أو أميل إلى الليبرالية من بقية الشعب العربي. يملك عمقا ثقافيا أسهم في بناء الحداثة العربية. رغم كل شروط الدكتاتورية وقهرها حافظ المثقف السوري على دوره الريادي في صناعة الوعي والإبداع والفن في العالم العربي. إذا تحررت سوريا سيتحرر الفكر العربي على المستوى النوعي. العرب قادمون على ازدهار ثقافي وحريات تمهد للثورة القيمية.

=================

"ويكيليكس" سورية.. هل تفك شفرة الأزمة؟

2012-07-07 12:00 AM

الوطن السعودية

7-7-2012

منذ اندلاع الأحداث في سورية قبل سنة و5 أشهر، لم تخرج مواقف دولية أكثر صرامة مما خرج عن مؤتمر أصدقاء الشعب السوري المنعقد أمس في باريس، الذي عبرت فيه أكثر من 100 دولة عن تأييدهم لدعوات رحيل الأسد وتنحيه عن السلطة، إضافة إلى سعيهم لاستصدار قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، مطلقين بذلك التوجه رصاصة الرحمة على اجتماعات جنيف الأخيرة.

ولكن، السؤال الأكثر إلحاحا وطرقا من قبل المحللين والمراقبين؛ هو: كيف هي نهاية الأزمة، ومتى؟ وهل نظام الأسد قوي لدرجة استعصت على الثوار والجيش الحر الإطاحة به رغم الأعداد الألفية من الضحايا التي سقطت نتيجة ترسانة القتل اليومية، والانشقاقات الكبيرة التي شرخت جدار المؤسسة العسكرية والتي كان آخرها انشقاق العميد مناف طلاس؟!

وإذا ما تم التسليم بالدور الذي يمارسه كل من موسكو وبكين وطهران وحلفاء هذه الأخيرة لإبقاء نظام الأسد صامدا في مواجهة المد الشعبي الغاضب الذي تتغير موازين القوى لصالحه يوما بعد آخر، فإن هناك أسبابا أخرى يبدو أنها لا تزال تؤخر ساعة الحسم في سورية.. وترسم علامات استفهام كبرى حول لغزها.

ومن هنا، تأتي أهمية ما أعلنه موقع ويكيليكس المتخصص في كشف الوثائق السرية بشروعه في نشر نحو 2.4 مليون رسالة إلكترونية لشخصيات سياسية سورية، التي قد تقول ما لم يقل حتى الآن عن المستفيدين من تعليق الأزمة إلى هذه اللحظة، لا سيما مع تأكيدات مؤسس الموقع جوليان أسانج أن الوثائق السرية الجديدة "محرجة لسورية ولمعارضين لسورية في الخارج".

وفيما لا يمكن التنبؤ بحجم المفاجآت التي قد تفجرها الوثائق الجديدة المسربة حول الأزمة السورية، إلا أن الأكيد أن خروجها قد يعطي صورة أكثر وضوحا من البيانات التي خرجت أو ستخرج عن كل الاجتماعات الخاصة بسورية بما فيها اجتماع الأمس، وهو ما قد يعطي فهما أوسع لمجريات ما يجري في أروقة الساسة.

وليس ببعيد عن ردات فعل بعض الدول التي أحرجتها الوثائق الأميركية التي سربها ويكيليكس قبل سنوات، تذهب التوقعات إلى أن تلجأ دول بعينها إلى مراجعة أرشيف وتاريخ علاقتها ومخاطباتها بالجانب السوري، استعدادا لطوفان ما بعد وثائق ويكيليكس، الذي يعتقد بأنه سينقل المعركة من مطابخ السياسيين الخلفية لمرحلة "اللعب على المكشوف"، وستكون المفاجأة أن يأتي طوفان الوثائق المرتقب على دول كانت تتعامل مع القضية السورية بازدواجية فاضحة.

=================

أصدقاء سوريا أم أعداؤها!

عماد الدين اديب

الشرق الاوسط

7-7-2012

ما هو الفارق بين «أصدقاء سوريا» وأعدائها؟ هذا هو السؤال الذي طرحته على نفسي وأنا أتابع مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انعقد أول من أمس (الخميس) في باريس.

أصدقاء سوريا ليسوا - بالتأكيد - أصدقاء نظام الدكتور بشار الأسد، لكنهم أصدقاء الشعب السوري الذي يعاني من حمامات الدم ومجازر الإبادة اليومية.

أصدقاء سوريا يمكن أن يندرجوا تحت صفة الأصدقاء بقدر حمايتهم للمدنيين العزل، وبقدر جهودهم العملية وقراراتهم المؤثرة في سرعة إنهاء هذا النظام الدموي الذي يحكم البلاد منذ أوائل السبعينات حتى الآن.

وجاءت كلمة الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز، نائب وزير الخارجية السعودي، كي تؤكد هذا المعنى، ولكي تعكس رغبة الرياض في ضرورة الانتقال من المستوى الحالي من العقوبات إلى مستوى أكثر صرامة وأشد ضغطا على النظام السوري حتى لا يبدو الاجتماع الحالي نوعا من إعطاء فترة سماح جديدة لاستمرار المجازر.

أما كلمة الشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، فقد جاءت معبرة عن حزنه وضيقه واستفزازه من «مرحلة الكلام والقرارات غير المؤثرة»، ثم أضاف متسائلا في كلمته البليغة المرتجلة: «أين السيد كوفي أنان؟ ولماذا هو ليس هنا الآن؟ وماذا يفعل في جنيف؟».

ان الإشارات التي صدرت من أبوظبي والرياض كان لا بد أن تتلقفها السيدة كلينتون التي ما زالت تراهن على الكلمات والمؤتمرات ومحاولات تليين موقف موسكو وبكين.

إن المجتمع الدولي مطالب اليوم قبل غد بأن ينتقل من حالة الشجب والإدانة وانتظار تقارير المبعوثين الدوليين إلى التحرك الناجز لإيقاف هذه المهزلة.

من يعتقد أنه صديق لسوريا حينما يقدم مساعدات إغاثة أو يتعامل مع الملف السوري على أنه قضية طعام وأطباء ولاجئين وخيام فحسب هو في حقيقة الأمر يرتكب إثما لا يقل عن آثام نظام الحكم وخطاياه في سوريا.

ومهما كانت الحسابات، والمعادلات الإقليمية والدولية، فإن سوريا لا ينبغي أن تنزف، لأنها ليست دولة بترولية مثل ليبيا التي تحركت لها أساطيل الناتو!

=================

وحدة المعارضة السورية.. غاية لا تدرك!

اكرم البني

الشرق الاوسط

7-7-2012

على الرغم من أن التنوع الحزبي والاختلاف السياسي ظاهرة طبيعية في أي مجتمع، خاصة إن كان تعدديا كالمجتمع السوري، فإنه ما من معارضة عرفت هذا الإلحاح على وحدتها التنظيمية والسياسية كما المعارضة السورية، ودون أي اعتبار للتعقيدات الكبيرة التي تقف عائقا أمام تحول كتل وأطراف مختلفة من حيث المنبت والبنية وشروط التكوين إلى مزيج متجانس. وما يكرس هذه الاختلافات ويعمقها حزمة أمراض يعاني منها العمل المعارض، بفعل استمرار الشروط الأمنية القاسية، وحضور جهاز قمعي يتدخل في مختلف تفاصيل الحياة، ويتصرف من دون رادع قانوني أو أخلاقي لسحق مناهضيه، مما يجعل وحدة المعارضة السورية في هيئة تنظيمية واحدة غاية لا تدرك!

ثمة عاملان خلقا هذا المناخ الضاغط على المعارضة السورية وجراها نحو أسبقية هدف الوحدة التنظيمية. أولهما، المطالبات العربية والغربية المتعددة الصور والأشكال بأن تتجاوز المعارضة انقساماتها وتظهر بحلة جديدة و«جميلة» أمام العالم المتكاسل والمتردد كي تشجعه على حسم أموره وتقديم الدعم اللازم للثورة السورية، والأنكى أن تزداد حرارة هذه المطالبات مع كل اجتماع يعقده مجلس الأمن للوقوف أمام مسؤولياته تجاه التطور المأساوي للوضع السوري، وأيضا قبل أي اجتماع تعقده مجموعة أصدقاء سوريا المعنية باتخاذ قرارات أكثر عزما وحسما، وبالتالي ليس صعبا كشف زيف هذا العامل وكيف يوظف للتهرب من المسؤولية وإخفاء الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تلكؤ الغرب والمجتمع الدولي وتقاعسهما عن التدخل الفاعل في سوريا أسوة بما حصل في ثورات أخرى، وهي أسباب لا علاقة لها بأحوال المعارضة ومواقفها، بل تحددها خصوصية الحالة السورية وتعقيداتها، وهي تبدأ بحسابات التكلفة وجدول الربح والخسارة من نتائج التدخل في بلد يرتبط مصيره بأهم الملفات الشائكة في المنطقة، وتاليا بحسابات الموقف الروسي ومطامحه، ثم بردود فعل القوى الداعمة للنظام، كإيران وحلفائها في العراق ولبنان، وأيضا بحقيقة الموقف الإسرائيلي وتأثيره الكبير على مراكز صنع القرار في أوروبا وأميركا!

واستدراكا، علينا الاعتراف بأن ثمة شروطا موضوعية لا تزال تتحكم في التعاطي الدولي مع الثورة السورية، وهي بالضرورة تتحكم في عمل المعارضة وترسم حدود دورها ومسؤوليتها، ومثل هذه الشروط المرتبطة بلعبة الأمم ولغة المصالح لا يمكن القفز فوقها مهما تكن الرغبات أو الحماسة أو الجاهزية الذاتية للمعارضة، والقصد أن المعارضة السورية لا يمكنها أن تخرج «الزير من البير» كما يقول المثل الدارج في طلب دعم أممي للثورة السورية، حتى لو نجحت في أن تصنع من نفسها كتلة موحدة ومتراصة وواضحة المواقف والرؤى، بل على العكس لا يمكن أن يتغير شيء إلا في حال تغيرت المصالح والأهداف، ولنا في مثالي ليبيا واليمن خير دليل، حيث لم تكن هناك معارضة موحدة ومتراصة الصفوف وأحيانا لم تكن على مستوى الكفاءة السياسية والإعلامية التي أظهرتها المعارضة السورية، مع أن هناك نقطة إضافية تحسب لها هي شدة الضغط الأخلاقي والإنساني الذي تولده معاناة السوريين وعظمة ما يقدمونه من أثمان وضحايا، والذي لم تضاهه ثورات أخرى.

ثاني العوامل، هو موقف بعض المعارضين وممثلي الأقليات السورية الذين يضعون وحدة المعارضة في رأس سلم الأولويات، وهؤلاء، على الرغم من وضوح الوجه الوطني العريض للثورة، لا يزالون يخشون وصول تيار إسلامي متشدد إلى السلطة، مثلما يخشون حصول فوضى جراء التغيير ويتحسبون من انهيار الدولة وتفكك المجتمع، مما يجعلهم يرفعون السقف ويطالبون إلى جانب الضمانات السياسية بضمانة تنظيمية توفرها معارضة موحدة وقوية قادرة على الإمساك بزمام الأمور عند اللزوم.

هو أمر خاطئ وضع كل البيض في سلة وحدة المعارضة السورية التي قد لا تقدم ولا تؤخر، وربما ينفرط عقدها عند أول امتحان، بينما الصحيح هو تشجيع التنافس بين قواها على اختلاف منابتها الاجتماعية ومشاربها الآيديولوجية لطمأنة الشارع، سياسيا وأخلاقيا، وكي يثبت كل طرف أنه يستحق ثقة الناس به، وأنه صادق في احترام التنوع والاحتكام للحوار، فالطريق الأجدى ربما للتعويض عن وحدة المعارضة والخروج من الآثار السلبية لحالة التشتت لا تصنعه المؤتمرات، التي بدا أنها تزيد الانقسام انقساما، بل إنه يأتي بأن يقوم كل طرف بعمله لتمثيل قيم الثورة وأهدافها في سياق الشروط الخاصة التي تحكم نشاطاته، وبعبارة أخرى، يفترض عدم إضاعة الوقت في المناشدات والدعوات من أجل وحدة المعارضة على حساب مهمة حيوية وقابلة للتحقيق وهي العمل من قبل كل حزب أو ائتلاف للنهوض بالدور المنوط به، وبالتنسيق والتكامل مع الأدوار الأخرى، ربطا بطرح رؤية مشتركة أمام الرأي العام تظهر صحة تنوع العمل المعارض وبديهية انقساماته وتباين أدواره وأنه قادر على تكوين قنوات للتنسيق والتكامل بما يرسخ الثورة ويمكنها في الأرض!

تستحق التضحيات الغالية التي يقدمها الشعب السوري من أجل حريته وكرامته معارضة سياسية من طراز مختلف، لكن ليست موحدة بالضرورة، تجنح بصورة رئيسية للتفاعل مع الناس ونيل ثقتهم عبر دعم ثورتهم بكل الإمكانيات المتاحة وتقديم صورة صحية عن نفسها تكشف بداية مسؤوليتها السياسية بتبني مطالب الشعب، واستعدادها للتضحية في سبيل ذلك. وتكشف تاليا عن وجه أخلاقي، يضرب المثل في الالتزام بقيم الحرية واحترام التعددية وحق الاختلاف، ويترفع عن المهاترات وعن أسلوب الشتائم والإدانات وعن الأساليب الخاطئة والتآمرية في إدارة الخلافات. معارضة لا تكتفي بالصرخات الصادقة التي تطلقها في كل واد طلبا لحماية المدنيين، وبمحاولاتها الحثيثة لتشديد عزل النظام وتوظيف المبادرات المتعددة لتخفيف معاناة السوريين وآلامهم، بل أن تجالد لإظهار نفسها بصفتها بديلا يحترم الآخر والتعددية، وأمينا على ثقافة الديمقراطية وقواعدها، بما يولد الاطمئنان المطلوب حول مستقبل البلاد، مرة لإزاحة ذريعة بعض المتخوفين في مراكز صنع القرار العربي أو الدولي، ومرة لجذب الفئات المترددة من المجتمع السوري التي لا تزال سلبية ومحجمة عن الانخراط في الثورة!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ