ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 05/07/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

حجر الزاوية في إسقاط نظام بشار

2012-07-04 12:00 AM

الوطن السعودية

مثل مؤتمر المعارضة السورية الذي اختتم أعماله في القاهرة أمس، برعاية الجامعة العربية وبحضور 250 شخصية تمثل مختلف الاتجاهات، فرصة عظيمة لتوحيد الرؤى بشأن مستقبل البلاد. ولعل الأولوية الآن تتمثل في تعزيز النسيج الوطني لقوى الثورة خاصة، وتعزيز التواصل مع الجيش الحر في الداخل وتأمين الدعم لهذا الخيار. فالصراعات القائمة بين تيارات المعارضة يجب أن تتوقف على الفور، وأن يتسامى الجميع فوق الصغائر، لأنهم يواجهون عدوا باطشا يستثمر خلافاتهم لتكريس قبضته وقمعه للمدنيين الذي يدفعون الآن الثمن سواء في المدن المحاصرة أو في مخيمات النزوح في دول الجوار.

إن التجاذبات بين فسيفساء المعارضة، لا تصب في مصلحة الثورة، بل على العكس من ذلك، تؤثر سلبا على ما تحقق سواء على الصعيد الميداني الداخلي من إنجازات عسكرية حققها الثوار على الأرض، أو ما تحقق خارجيا من خلال الحراك الدولي الرامي للضغط على نظام بشار، ومن ثم فإن من المؤمل أن تنجح المعارضة في تفادي الانقسام والتشرذم، وأن تستجيب للدعاوى العديدة لتوحيد صفوفها وإيجاد كيان جدير بالثقة يكون بديلا محتملا لحكومة الأسد.

لا يخفى على فصائل المعارضة، أن استمرار الخلافات وبعد 16 شهرا من الانتفاضة سيقوض الآمال في نيل اعتراف دولى واسع، أو في الحصول على أكثر من مجرد دعم أجنبي محدود.

فصائل المعارضة تعلم ـ أكثر من غيرها ـ أن التضحيات الجسيمة التي يقدمها الشعب السوري الصامد، أكبر من أي خلافات أو مصالح ضيقة.

إن نجاح مؤتمر القاهرة سيحقق عددا من الأهداف، في مقدمتها التوصل لرؤية موحدة للمبادئ الديموقراطية التي ستقوم عليها سورية الجديدة، إضافة إلى الاتفاق على خارطة طريق للانتقال من الوضع الحالي والتوصل إلى آلية لمتابعة تنفيذ نتائج المؤتمر.

=================

توتر عسكري على الحدود التركية - السورية

تاريخ النشر: الأربعاء 04 يوليو 2012

الاتحاد

أعلنت تركيا يوم الأحد الماضي أن مقاتلاتها أقلعت على وجه السرعة لاعتراض طائرات أجنبية بمحاذاة حدودها الآخذة في التوتر مع سوريا بعد أن تم رصد طائرات هيلكوبتر سورية قريبة من الحدود الطويلة بين البلدين. ووفق تقارير إخبارية تركية، فإن السلطات أفادت بأنه لم تحدث أي مواجهة مسلحة أو انتهاك للمجال الجوي التركي، غير أن الحوادث التي وقعت يوم السبت الماضي، تبرز كيف تحولت الحدود التي يفوق طولها 500 ميل من مركز للتجارة بين البلدين إلى برميل بارود ممكن لنزاع عسكري إقليمي.

حالياً، تشهد الحدود تأثيرات الحرب الأهلية التي بدأت قبل 16 شهراً تقريباً

وحوَّلت قطاعات واسعة من سوريا التي طالما كانت تنعم بالاستقرار إلى مناطق حرب. ولكن النزاع السوري أدى أيضاً إلى تسميم العلاقات بين الجارين اللذين كانا حليفين في الماضي.

فقد تحول الجانب التركي من الحدود إلى ملاذ لشحنات الأسلحة والمقاتلين المتمردين الذين يسعون إلى تنحية الرئيس السوري بشار الأسد. كما بات رئيس الوزراء التركي، الذي كان لطيفاً مع الأسد في الماضي، يصف الرئيس السوري بأنه "ديكتاتور دموي"، ويطالب بتنحيه عن الحكم، وذلك على غرار الولايات المتحدة وحلفاء غربيين وعرب آخرين لتركيا. وبدورها، تتهم سوريا تركيا بتسهيل مرور الأسلحة إلى "الإرهابيين"، وهو المصطلح الذي تستعمله سوريا في الحديث عن المتمردين المعارضين للأسد. ولكن تركيا ترفض التهمة.

ومما لا شك فيه أن الأسلحة والمقاتلين يتدفقون عبر الحدود التركية إلى سوريا، كما أن المنطقة تأوي أيضاً أكثر من 30 ألف لاجئ سوري، الذي يتعاطف الكثير منهم، إن لم يكن معظمهم، مع حركة التمرد.

القوات التركية توجد في حالة استنفار قصوى منذ الثاني والعشرين من يونيو الماضي عندما قامت بطاريات سورية مضادة للطائرات بإسقاط طائرة تابعة لسلاح الجو التركي قبالة الساحل السوري. وكانت سوريا قالت إن طائرة إف 4 ضُربت عندما انتهكت هذه الأخيرة مجالها الجوي قبالة ساحل محافظة اللاذقية، ولكن تركيا أكدت أن الطائرة ضُربت بدون تحذير في المجال الجوي الدولي بعد أن دخلت لوقت قصير الأجواء السورية عن طريق الخطأ. والأسبوع الماضي، عمدت تركيا إلى تعزيز وجود جنودها وزادت نشر بطاريات مضادة للطائرات على طول الحدود.

غير أن بعض المحللين ينظرون إلى تكثيف تركيا لوجودها العسكري بمحاذاة الحدود على أنه رمزي إلى حد كبير، ويهدف جزئياً إلى إظهار التصميم في وجه ما اعتبره كثيرون إسقاطاً مذلاً. وفي هذا الإطار، يعتقد معظم المراقبين أن تركيا ترغب في تجنب ما يمكن أن يكون نزاعاً كارثياً مع سوريا التي تمتلك، على غرار تركيا، جيشاً كبيراً وقوة جوية حديثة وكميات وافرة من الصواريخ الموجهة. ويذكر هنا أن أنقرة تدعم جهود واشنطن وحلفاء آخرين من أجل إيجاد حل دبلوماسي للأزمة السورية.

وبالمثل، يُعتقد على نطاق واسع أن سوريا ترغب في تجنب نزاع مع جارتها في وقت تركز فيه كل قواتها على مقاتلة حركة التمرد المستعرة داخل البلاد.

ولكن الحادث الأخير يشير إلى أن الوضع لا يتطلب الكثير حتى يتدهور. فقبل إسقاط الطائرة التركية، كانت تركيا أعلنت أن نحو ستة توغلات من قبل طائرات هيلكوبتر سورية في مجالها الجوي قوبلت بتحذيرات فقط.

ويوم الأحد الماضي، أكد الجيش التركي أن مقاتلات من طراز إف 16 تلقت أوامر بالإقلاع عدة مرات قصد اعتراض طائرات أجنبية يوم السبت الماضي رغم أنه لم يكن ثمة أي انتهاك سوري للأجواء التركية. ونقلت تقارير لوسائل إعلام تركية عن القيادة العسكرية قولها إن طائرات هيلوكبتر سورية حلقت على بعد أربعة أميال من الحدود.

وتقوم سوريا باستعمال طائرات هيلكوبتر حربية ضمن جهودها المتواصلة من أجل حمل مقاتلي المعارضة على التراجع عن الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون، ويشمل ذلك مناطق في عدد من ضواحي العاصمة دمشق.

وعلى الرغم من أن المتمردين استطاعوا السيطرة على بعض البلدات والأحياء، فإن قوات المعارضة المسلحة بالبنادق في الغالب، تجد صعوبة في الحفاظ على سيطرتها عندما تشن الحكومة هجوماً مضاداً بواسطة المدفعية والدبابات وطائرات الهيلكوبتر الحربية.

وفي هذا الإطار، أفادت بعض التقارير بانسحاب المتمردين خلال عطلة نهاية لأسبوع من دوما الواقعة في ضواحي دمشق، والتي كانت لفترة طويلة معقلاً للمتمردين، وذلك بعد أيام من القصف العسكري السوري. كما تحدث نشطاء من المعارضة عن وقوع مذابح ارتكبتها القوات الحكومية في حق المدنيين في دوما وقصف للأحياء المدنية. ولكن الحكومة قالت إنها قاتلت إرهابيين كانوا قد أنشأوا زنازين تعذيب وأرغموا السكان على الخروج.

وفي ضاحية أخرى من ضواحي دمشق -وهي زملكة- أظهر مقطع فيديو لم يتسن التحقق من صحته، نُشر على الإنترنت يوم الأحد الماضي من قبل المعارضة، ما وُصفت بأنها جنائز لعشرات من الأشخاص الذين قُتلوا في انفجار يوم السبت الماضي. وحملت المعارضة الحكومة مسؤولية إطلاق قذائف هاون أو تفجير سيارة مفخخة أثناء مرور الموكب الجنائزي، غير أنه لم يصدر عن الحكومة أي رد.

باتريك ماكدونل

بيروت

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«إم. سي. تي. إنترناشيونال»

===================

نحو ثقافة سياسية متجددة في سورية

د. عبدالله تركماني

2012-07-03

القدس العربي

ثمة ثقافة سياسية سورية تحتاج إلى المساءلة، بمرجعياتها ومؤسساتها ونماذجها ورموزها وإعلامها وخبرائها، هي ثقافة المكابرة وتبجيل الذات والثبات على الخطأ والتستر على الآفات والهروب من المحاسبة، فضلاً عن القفز فوق الوقائع والخوف من المتغيّرات والتعاطي مع المستجدات بالقديم المستهلك، بل بالأقدم أو الأسوأ من المفاهيم والتقاليد أو الوسائل والأدوات والمؤسسات. إننا نتهرب من تحمّل المسؤولية وإلقائها على الغير، ونتحدث عن المؤامرات التي تدبر من الخارج لتغطية العجز عن التدبير في الداخل، ولا نقر بالهزيمة لكي نتعلم من الأخطاء ونستفيد من التجارب والشواهد.

تتعدد أوجه القصور في الثقافة السياسية السورية: فمن جهة، تهيمن الأدلجة العميقة على العقل السياسي السوري، مما جعله لا يهتم إلا بالعموميات وينسى التفصيلات. ومن جهة ثانية، لا يمتلك الوعي المطابق لحاجات الواقع السوري.

أزمتنا السورية بمجملها هي أزمة قيادات سياسية تفتقر إلى القدرة على استيعاب المتغيّرات في البيئتين الإقليمية والدولية، خاصة قصور النظرة إلى الأساليب الديمقراطية في قيادة المجتمع والدولة. وفي الواقع، فإنّ الإدراك الخاطئ للعالم الخارجي يقود إلى تشخيص خاطئ للمشاكل، وطرح حلول غير صالحة لا تقود إلا للفشل.'

كما أنّ التركيز على المشكلة الرئيسية وتحديد الأولويات لم يكن سمة من سمات التفكــــير السياسي السوري. ثم أنّ الثقافة السياسية الحقيــــقية غدت مغيّبة ومستهجنة، فتلاعبت العواطف دوماً بأهواء الكثير من السياسيين، وطغت عليــــها شعارات واهية، كما تحكمت السرعة في قرارات القيادات السياسية.'

وهكذا، فإنّ جذور إشكالية الأداء السياسي السوري تتمحور حول أسلوب الأداء السياسي الذي لا يواكب التطورات والمستجدات الفكرية والسياسية والاجتماعية، إذ أنّ البعض مازال عاجزاً عن إدراك الحقيقة القائلة بأنّ قواعد اللعبة السياسية التي كانت سائدة إبان حقبة الحرب الباردة (1945 - 1991) قد تلاشت تماماً وحلت محلها قواعد جديدة، تستوجب من الذين يريدون حماية أوطانهم وتقدمها سرعة إعادة النظر في رؤاهم السياسية لكي تتكيف إيجابياً مع قواعد اللعبة الجديدة في السياسة الدولية، بما يخدم المصالح السورية العليا.

تتميز الثقافة السياسية الحديثة بأنها:

- إنسانية، من حيث اتجاهها إلى توعية الإنسان بحقوقه وواجباته، بهدف ما يحقق له ماهيته وجوهره.

- تنويرية وعقلانية، من حيث تأسيسها على مفاهيم الحرية والتسامح والاختلاف والكرامة والمساواة والديمقراطية، بقصد تنوير الأفكار والأذهان والسلوكات والعلاقات.

- نقدية، من حيث نزوعها إلى إعادة النظر في مختلف القيم والمبادئ والسلوكات التي تتنافى مع قيم العصر.

- عصرية، من حيث ضمانها تفتح شخصية المواطن على المحيط الذي يعيش فيه، أفراد ومؤسسات وقوانين، والتفاعل الإيجابي معه.

- قانونية، من حيث اقتناعها بضرورة تمفصل السلطات الثلاث: التشريعية، التنـــفيذية، القضائية. وضرورة انبثاق السلطة التشريعية عن انتخابات حرة ونزيهة وتعددية، تمارس دورها في تشريع القوانين ومراقبة ومحاسبة السلطــــة التنفيذية. أما السلطة القضائية، فيجــــدر بالثــــقافة السياسية العصرية أن ترسخ مفهــــوم استقلاليتها الــتامة عن أية مؤثرات خارجة عن إطار القانون والعدالة القضائية.

ومن أجل تجديد الثقافة السياسية في سورية يمكن الإشارة إلى أهم القواعد والمبادئ:

- اعتبار ساحة الفعل السياسي مفتوحة دوما على قوى ومجموعات ذات تصورات فكرية ومشارب سياسية متباينة، خاصة بعد ستة عشر شهراً من الثورة السورية التي أفرزت قوى اجتماعية ورؤى ووسائل عمل لم تكن معهودة قبلها.

- ضرورة التزام الخطاب العقلاني والواقعي في العمل السياسي، لما يتيحه ذلك من إمكانية الإحاطة بالواقع الشامل والتعرف على العوامل المؤثرة في سيرورة تطوره.

- اعتماد ثقافة الحوار، انتصاراً لفكرة أو دفاعاً عن موقف وحماية لمصلحة خاصة أو عامة.

- الاستعداد الواضح لتمكين الأجيال الشابة السورية من تحمّل مسؤولية قيادة العمل السياسي، باعتبار ذلك شرطاً أساسياً من شروط تجديد سورية وضمان مستقبلها.

والرهان هو أن نتغيّر في ضوء المتغيّرات، فكراً وعملاً، رؤيةً ومنهجاً، سياسةً واستراتيجيةً، بحيث نتغيّر به عما نحن عليه، لكي نحوّل الواقع ونسهم في تحويل سوانا عبر مشاركتنا في سورية الجديدة. وذلك يتوقف على قدرتنا على تشغيل عقولنا المصادَرة وصرف طاقاتنا المشلولة واستغلال مواردنا المنهوبة بصورة مثمرة، فعالة وراهنة، بما نخلقه من الوقائع أو نحققه من الإنجازات أو نحدثه من التحولات في غير مجال من مجالات الحياة.

مما يؤسَف له أنّ رصيد التجربة السياسية السورية يكشف أنّ أغلب أحزاب المعارضة ظلت محكومة، في وعيها وفي تجربتها، بالتحرك ضمن مدار إشكالية السلطة، في حين غابت إشكالية المجتمع في رهانات التغيير لديها، وانصب كل تفكيرها وجهدها على البحث في كيفية بلوغ الهدف المركزي: استلام سلطة الدولة. وبذلك اتجهت إلى الانفصال عن الموقع الذي يضمن لها سلطتها: المجتمع المدني، لتنضم إلى مجتمع النخبة/السلطة، إلى درجة بات يحق للسوري أن ينظر إلى المعارضة التي تبديها بعض القوى السياسية بصفتها شكلاً من أشكال الصراع من أجل تعديل الحصة ليس أكثر، وأن ينظر إلى التغيير الناجم عن صعود قوة ما من هذه القوى إلى الحكم بصفته شكلاً من أشكال الاستبدال السياسي: استبدال نخبة بنخبة تنهل من مرجعية الأولى نفسها.

السياسة وسيلة لا غاية، هي أداة للتفكير في صياغة الحلول المجدية لسائر المشكلات والتحديات الداخلية والخارجية، وهي وسيلة السوريين لوضع الخطط والبرامج لتحقيق الطموحات الشعبية في حياة حرة وكريمة ومستقرة وآمنة لكل أفراده. ومن أجل ذلك مطلوب أنسنتها، حتى تتحول الخطط والبرامج إلى واقع حقيقي معاش يلمسه الناس، عندما تتوفر لكل فرد في المجتمع فرصة للتعليم الجيد والعمل المنتج والسكن المناسب والأمن الصحي والغذاء الكافي، وبالطبع الكرامة الوطنية إزاء تدخلات أية جهات أجنبية.

وعليه لابدَّ من التأكيد على مجموعة جوانب مترابطة للتغيير، الذي يمكّننا من القطيعة مع التأخر والانطلاق إلى مسارات النمو والتنمية الذاتية، والتحرر من المحنة السورية:

(1)- مبدأ الحرية والاختيار، لأنّ الحرية ترتبط بالمسؤولية وتنفي الحتمية أو الجبرية، وتجعل من الضروري إلقاء الضوء على فعل الاختيارات الممكنة تاريخياً، وصنع الاختيار انطلاقاً من الوعي بمعطيات الواقع والذات.

(2)- النسبية والتنوع والاعتراف بالآخر، فكل حقيقة نسبية، ولكل فكرة تجلياتها الجزئية، ومن حق المجتمع السوري أن يطّلع على كل الخيارات المتاحة، التي تبلورت بحرية، وأن يختار من بينها.

(3)- ثقافة حسن الاختيار، إذ يترتب على القول بنسبية كل حقيقة أنّ أي اختيار يكون صائباً بقدر ما يتفق مع معطيات الواقع السوري، ويحلُّ بعض أهم معضلاته في مرحلة تاريخية ما.

(4)- ثقافة الامتياز والإنجاز، إذ أنّ الفائزين في المنافسة الحضارية هم مَنْ يسعون لتحقيق أعلى معدلات وأرقى مستويات الأداء في مجالات الحضارة المختلفة، وبخاصة مجالات الإنتاج والاقتصاد والثقافة.

(5)- الانفتاح والمبادرة الإيجابية، حيث أنّ الانكماش واتخاذ موقف الدفاع حيال ما يسميه البعض بـ ' الغزو الثقافي ' هو استراتيجية بائسة وفاشلة تماماً، إذ صار الأمل الحقيقي في الصمود رهناً بالتعلم واستيعاب وإتقان ما لدى الآخرين من رصيد المعارف وفنون الإنتاج، ثم في الثقة بالذات والشعور بالواجب الحضاري، وإصلاح شؤوننا الداخلية بعدما فسدت وتدهورت.

(6)- المؤسساتية، إذ تحتاج الثقافة السياسية السورية احتياجاً أساسياً وعميقاً لاستيعاب أهم منجزات الحداثة وهي المأسسة، بما تنطوي عليه من: تمييز الخط الفاصل بين الشخصي والعام فيما يتعلق بالدور والملكية والسلطة، والاتصال والديمومة في أداء الوظائف، والدقة البالغة في تعيين الاختصاص والتمييز بين الأدوار، وتقسيم العمل، وإحداث التكامل بين الوظائف والاختصاصات عبر آليات مستقلة نسبياً - عن الأشخاص.

(7)- استعادة ثقـــــافة المساواة والحــــق، فمثلاً لم ننجح بعد في إقرار حــــق المرأة فـــي المساواة، وما زالت تلك الضرورة والحتمــــية متعثرة في الوعي وفي الممارسة على السواء، ونعتقد أنّ تحرير المرأة والإقرار بحقها في المساواة هو شرط مهم لتحرير عقولنا جميعاً، بل ولتحرير تاريخنا من الركود.

(8)- جدلية التعاون والتنافس، إذ يجب أن نغرس في الثقافة السياسية السورية فكرة أنّ التطور رهن بالتنافس والتعاون معاً، ومن ثم أولوية النضال السلمي من أجل حل التناقضات حلاً عادلاً، ودون إخلال بالحق.

' كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

=================

الانتفاضة والممثّلون

حسّان القالش *

الأربعاء ٤ يوليو ٢٠١٢

الحياة

ربّما لم يجتمع السوريون على محبّة شيء، غير سياسي، كما اجتمعوا على محبّتهم لمسلسلاتهم الدراميّة. هذه المحبّة التي بدأت تأخذ حيّزاً من الوعي العام بالهويّة الوطنيّة منذ مطلع القرن، خصوصاً بعدما تأكّدوا من الموت النهائي للحياة السياسية وآمال المشاركة فيها.

وما زال كثيرون يذكرون كيف كانت أجهزة النظام تمنع اقتناء صحون الأقمار الاصطناعية، التي بدأت الانتشار في أواسط التسعـــينات، وما سمح النظام بها إلا لاعتقاده بأنها واحدة من قنوات تصريف الكبت، تُلهي الناس عمّا يفعله في البلاد.

ولئن أدخلت هذه الصحون نشرات أخبار غير تلك الرسمية التي نفر منها الشعب واحتقرها وسخر منها، فقد فتحت، عبر الفضائيات الكثيرة مجالاً واسعاً للســـوريين ليوصلوا إنتاجهم الدرامي إلى العالم العربي وربما أبعد، ومن ثمّ معرفة كيف يتقبــــّل العالم الصورة التي ينقلها إنتاجهم عنهم، وفي ما بعد، ملاحظة انتشارهم عبرها، انتــــشار صورهم وصور شوارعهم وهــمومـــهم وآلامهم وظُــــرفهم وطريقة عيشهم ولهجاتهم. وكانت صنعة التّمثيل، باختصاصاتها الكثيرة، آخذة في الصّعود في ذاك الوقت، وتشهد إقبالاً شبابيّاً عليها، لتشكّل إحدى توجهاته المستقبليّة.

على أن هذا الخيار المستقبلي، الذي جمع ب

ين الفنّي والاجتماعيّ، يبدو أنه شكّل أحد الطرق القليلة التي صرّف فيها الشباب، ومعهم بعض النخب الثقافية، تَوقهم إلى المشاركة السياسية والعمل العام. فبدى الانخراط في التمثيل ودراسته وكأنّه شكل من أشكال التحزّب المبطّن، وهو ما أفرز مع الوقت أشكالاً مختلفة من الجماعات الفنيّة، ضمّت أشخاصاً منسجمين فنيّاً، إضافة إلى انسجامهم نسبيّاً في الرؤية السياسية وتحليل واقع البلاد. وبهذا تكوّنت حالة فنيّة اجتماعيّة أخذت تُناور أجهزة النظام الرقابيّة، وتحاول أن تقول ما لا يقال عن سورية والسوريّين. لكن النظام نفسه لن يتأخر في سعيه لتدجين هذه الحالة ومحاولة استمالتها، وسيتقرّب من بعض رموز العمل الفنّي والدرامي ويوهمهم بالدعايات الإصـــلاحيّة ومــشاركتهم همومهم الوطنيّة.

والحال أن جماهيريّة هذه الحالة الفنيّة وعلاقات بعض رموزها بالسّلطة أدّت إلى زيادة الطلب على الرأي السياسي للعاملين والمنخرطين فيها، وهذا ما تبيّن منذ بداية الانتفاضة، عندما سيق كثير من الفنانين إلى وسائل الإعلام الرسمية ليظهروا دعمهم للنظام وتحقيرهم لانتفاضة الشعب، والضغط والابتزاز الأمنيّين على من رفض المشاركة في هذه الجريمة الأخلاقيّة.

وهنا ظهر نوعان من الفنانين: من خانوا ماضيهم، أو الصورة الأيقونيّة التي رسمها لهم الناس كناطقين باسمهم ومعبّرين عنهم... ومن طوّروا طريقة تمثيلهم لأبناء وطنهم ووقفوا مع الانتفاضة، أمثال فارس الحلو وأسامة محمد وهيثم حقي ومي سكاف وفدوى سليمان وليلى عوض ولويز عبدالكريم وكثيرين ليس آخرهم جمال سليمان.

وقصارى القول إن ما قدّمه هؤلاء الفنّانون للانتفاضة يوازي ما قدّمه مثقّفو الانتفاضة وكتّابها ومدوّنوها، إن لم يكن تفوّق عليهم في المجال الدعائي، ذاك أن هؤلاء شكّلوا عنصر إلهامٍ وتحدٍّ بالنسبة الى شباب الانتفاضة، الذين أذهلوا العالم بإبداعاتهم ومبادراتهم وأساليب نشاطهم السّلمي. فلا عجب أن يغتاظ النظام من فنون الدراما والسينما ويراها جزءاً من المؤامرة الكونيّة ضدّه.

=================

العلويون والثورة السورية

علي ملحم *

الأربعاء ٤ يوليو ٢٠١٢

الحياة

تتطابق تقديرات شخصية قمت بجمعها مع تقديرات لعدد لا بأس به من النشطاء الذين التقيتهم داخل السجون السورية وخارجها، عند حقيقة مفادها: أن معتقلي الطائفة العلوية يشكلون النسبة الثانية الأكبر بعد معتقلي أهل السنة في سجون نظام الأسد. ففي فرع التحقيق التابع للمخابرات الجوية، والذي قضيت فيه ما يقارب الثلاثة أشهر اجتمع في إحدى المرات حوالى الستين معتقلاً في غرفة واحدة، كان من بينهم ستة علويين أي ما نسبته 1 إلى 14، في حين لم يوجد سوى معتقل إسماعيلي واحد ومعتقلين اثنين من الطائفة المسيحية، وهذه النسبة تتوافق مع النسبة السكانية للتوزيع الديموغرافي في سورية.

تعد هذه الحقيقة وغيرها من الحقائق صادمة لكثير من السوريين والمراقبين للشأن السوري، وبخاصة عندما نرى هذا الكم الكبير من الترويج الإعلامي من أن أبناء الطائفة العلوية قد تحولوا بغالبيتــهم إلى شبيحة أو رجال أمن وعملاء للنظام.

بالإضافة للمغالطة التي يتم ترويجها إعلامياً حيال مشاركة العلويين في الثورة السورية، هناك مغالطة ثانية تعتبر من وجهة نظري أهم وأكثر صدماً للجمهور من الأولى.

ففي الوقت الذي يتم الحديث فيه عن الشبيحة والتشبيح وعلاقتهم بالعلويين، يتم تجاهل أن النسبة الأكبر منهم هم من أبناء الطائفة السنية. فمثلاً يتم التطرق للحديث عن شبيحة قرية القبو ذات الأغلبية العلوية، وهم حقيقة لا يتجاوزون الخمسين شاباً، في حين يغفل الإعلام الحديث عن شبيحة قرية القمحــانية ذات الأغلبية السنية والتي يتجاوز عددهم المئتين.

بالإضافة إلى أن معظم شبيحة حلب هم من السنة وتحديداً من آل بري، كذلك الحال في دير الزور والمنطقة الشرقية. كما يتم تجاهل حقيقة خطيرة أخرى، وهي أن معظم ممولي الشبيحة هم رجال أعمال من الطائفة السنية من أمثال الغريواتي وحمشو وجود.

على الرغم من هذه الحقائق المخالفة لما يتم الحديث عنه إعلامياً، تبقى هناك حقيقة مركبة حيال علاقة العلويين مع النظام من جهة وعلاقتهم مع الثورة من جهة ثانـــية. فمما لا شك فيه أن نسبة كبيرة من العلويين تصطف إلى جانب نظام الأسد وهذا له جذوره التاريخــــية والسياسية والدينية، إلا أنه من المؤكد أيضاً أن نسبة لا يستهان بها من العلويين هم من أشد المعارضين للنظام السوري وقد تحملوا ويلات كثيرة جراء موقفهم هذا.

فارتباط العلويين بالنظام الأسدي يعود إلى تضليل روّجه رجالات حافظ الأسد بين أوساط العلويين من أن أبناء طائفتهم قد تعرضوا خلال القرون الماضية لمجازر وعمليات تهجير قام بها أهل السنة حيالهم، وهذه حقيقة مغلوطة بشكل كامل. فتاريخ المنطقة بأسرها لا يذكر وقوع مثل هكذا أحداث، وإنما يتطرق فقط إلى مجازر وعمليات التهجير التي شنها العثمانيون ضد الأقليات بشكل عام في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

أما الجذور الســـياسية للمــسألة العلوية فتكمن في الوضع الطبقي الذي رزح تحته أبناء هذه الطائفة خلال القرن العشــرين وبعد الاستقلال، مما أبعد الكثير من أبنائها عن المشاركة في الحياة السياسية الســورية وبخاصة في فترة الديموقراطية الذهبية التي عاشتها سورية في الخمسينات.

أما الجذور الدينية فهي تعود إلى عهد قريب جداً لا يتجاوز العقدين أو الثلاثة. فخلال هذه الفترة التي تتوافق مع الفترة التي تمكن خلالها حافظ الأسد من قمع كل أشكال المعارضة في المجتمع السوري مع بداية التسعينات، بدأت الطائفة العلوية تدخل فترة تحول في شكل رجالاتها الديني، فافتقدت الطائفة أهم رجالاتها ومشايخها التقليديين (كان آخرهم الشيخ حيدر عبود الذي توفي مع بداية الثورة السورية)، وأخذ يطفو على السطح مشايخ جدد هم بالأصل رجال أمن وضباط جيش ومخابرات تقاعدوا أو شارفوا على التقاعد، استأثروا بالتعاليم الدينية وصاغوها حسب أهوائهم وأخذوا بتلقينها للشبيبة الناشئة، فشكلوهم وفق بنية تمازج فيها الطابع الأمني المخابراتي مع الواجب الديني والتقديسي لرجالات نظام الأسد.

والآن تقف الثورة السورية أمام ضرورات ملحة جداً، تتمثل أولاً في قدرتها على تجاوز كل هذه الأجندة الإعلامية المضللة في سبيل إعطاء الصورة الحقيقة لها، وتتمثل ثانياً في قدرتها على انتزاع أبناء الطائفة العلوية من براثن آل الأسد ونظامه ودفعهم للانخراط في الفعل الحقيقي للتغير الذي يشهده وطنهم التاريخي سورية. فهل الثورة السورية وثوارها (علويون وسنة ودروز وإسماعليون ومسيحيون وأكراد...) قادرون على تجاوز ذلك؟ أعتقد أن هذا منوط أولاً وأخيراً بالشباب الســوري الذي يقود الثورة في الداخل حقاً وحقيقة، ويدفعه توقه للحرية إلى التضحية في لحظة من اللحظات بكل ما يملك وإن كان حياته.

* كاتب سوري

=================

تحولات السياسة والثقافة في سوريا

شمس الدين الكيلاني

المستقبل

4-7-2012

عانت الحياة الثقافية في سورية، العديد من الاحتباسات، والاحتجازات، كان في مقدمها هيمنة الشاغل السياسي، على موضوعاتها، وتساؤلها، منذ ما سمّي عصر النهضة، وتزايد هذا الشاغل مع وقوع سوريا تحت الانتداب الفرنسي، وتأسيس الدولة السورية الحديثة، إذ غدا الاستقلال وبناء الدولة، وصورة العلاقة العربية، هي المؤرق الرئيسي للفكر، لكن الاحتباس الحقيقي للثقافة، سيلازم حقبة تفرّد البعث بالسلطة، ومصادرته للحياة السياسية، فإذا كانت الثقافة كإبداع للمعنى وللأفكار، قد تشاغلت في المراحل الأولى بالسياسة ومسائلها، من موقعها المستقل عن السياسة والسلطة، فإنها في حقبة البعث، خضعت هي نفسها (لسياسة) السلطة، وخططها، فكانت النتيجة انحطاطا شاملا لها.

الحقبة الليبرالية

خضعت سورية، منذ قرنين، مثل بقية العرب، لزمن ثقافي نوعي واحد، تشابكت فيه صلاتها بالثقافة الغربية، واكتشف مثقفوها تقدم الغرب وتخلفهم، فطرحوا على أنفسهم سؤال النهضة، لماذا تقدموا وتخلفنا؟ فقدموا إجابات مختلفة حملتها: الإصلاحية الإسلامية، والتياران الليبرالي والقومي، إلا أن هذه التيارات، بما فيها الإصلاحية الإسلامية، اتفقت قبل أن تبتلى بالاستعمار المباشر على ضرورة التجديد والاقتباس من الغرب، وعلى ضرورة الحكم الدستوري فشهدت هذه الحقبة انتعاشاً للحياة الثقافية، من موقعها المستقل عن السلطة، وعن المستوى السياسي، رغم تشاغلها بالأسئلة السياسية الكبرى، وشكلت أجوبة عبد الرحمن الكواكبي عنواناً بارزاً لهذه المرحلة.

تغير الأمر بعد الاجتياح الغربي ومعه المشروع الصهيوني. تصلب الموقف تجاه الآخر، وثقافته. احتل هاجس (الهوية) مقدمة المسرح الثقافي في مواجهة الوجه الاستعماري للحداثة، وتصاعد التأكيد على (المسألة الثقافية)، والخوف على الهوية، فشهدت سوريا في الثلاثينيات ولادة السلفية تحت تأثير صفحات (المنار)، وأفكار رشيد رضا، كنواة لولادة الحركة الأخوانية في الأربعينيات، التي أعلنت القطيعة الثقافية مع الغرب، وإلى جوارها شدّد القوميون الإيديولوجيون الجدد على "الأصالة" والمعاصرة، والخصوصية الثقافية، واستنفدوا طاقاتهم الفكرية على إثبات وحدة الثقافة كعنصر جامع للأمة، أما التيار الليبرالي فكان أكثر انفتاحاً، لا سيما أنه أصبح نافذاً بحكم مشاركته في بناء الدولة الحديثة في ظل الانتداب، ثم في زمن الاستقلال، فقد شدّد على الجانب الفردي للحرية، وعلى الليبرالية الاقتصادية، أكثر من تشديده على المشاركة، والمفاهيم الديموقراطية الأخرى، أما الماركسي فقد استعار النقد الاشتراكي لنقد الوجه الاستعماري للحداثة، والتأكيد على النزعة الأممية، لكن الجميع، إذا استثنينا التيار الليبرالي، لم يفكروا بالدولة الواقعية وبتطوير عملها وتحديث آلياتها، أكثر من تفكيرهم بالدولة الطوبى. فكّر الإسلامي بدولة الشريعة، أو بدولة الخلافة، والقومي بالدولة الأمة، والاشتراكي بالدولة البروليتارية، ولا سيما أن المفكر القومي، والإسلامي لم يتعاملا مع (الكيان السوري) بجد، إذ نظرا إليه على أنه محطة مؤقتة، أو جسر لكيان أكبر (الدولة العربية)، الدولة الإسلامية، وكان لهذا التطلع السياسي الكبير، موقعه المركزي في الإنتاج الثقافي لهذه الحقبة، لهذا فإن سوريا وإن أنجبت في مجال الشعر والأدب شخصيات مهمة أمثال نزار قباني، وأدونيس، وعمر أبو ريشة، وعبد السلام العجيلي، وزكريا تامر، وحنا مينه، وفي الفنون التشكيلية أمثال المدرس والكيالي، وقشلان إلا أنها لم تقدم مؤرخين كبارا في التاريخ السوري كجمال حمدان في مصر، والعلي والعزاوي في العراق، وفيليب حتي وألبرت حوراني في لبنان، أو مفكرين اجتماعيين وصانعي أفكار، أمثال طه حسين، وزكي نجيب محمود، وأحمد أمين، غير أنها تفردت في تقديم أبرز المفكرين القوميين العرب وأشدهم تأثيراً ساطع الحصري، ميشيل عفلق، قسطنطين زريق، زكي الأرسوزي.

وعلى الرغم من سيطرة الأسئلة السياسة الكبرى، على الثقافة، إلا أنها ظلت مستقلة، عن سيطرة السلطة، والسياسي، وأكدت حضورها كفاعلية حرة لإبداع المعنى، والفكر، ومارست هيمنتها على ميدان السياسة، وعلى السلطة، وعلى الدينامية الاجتماعية، وعلى سلوك الأفراد والجماعات، واستطاع المثقفون السوريون، أن يساهموا، مع غيرهم من المثقفين العرب، في إنتاج ما يمكن اعتباره ثقافة عربية جامعة، وبلورت أهدافا كبرى للجماعة العربية في النهضة والوحدة والتقدم، وفي إيضاح الخطاب الثقافي للأيديولوجيات السياسية، وأنجزوا كثافة في التأليف تدعو إلى التبصر والتغيير، في مناخ من الحريات الديموقراطية البرلمانية والليبرالية، لا سيما في الأربعينات والخمسينات، حيث ازدهرت عشرات الصحف الحرة، والدوريات، ودور النشر.

سلطة الحزب الواحد

ثم ما لبثت (الثقافة) أن دخلت في أزمة مديدة في مرحلة حكم البعث وتفرده بالسلطة، فلم تعد الثقافة، من حينها، تقصر علاقاتها بالسياسة على الانشغال بموضوعاتها من موقعها الحر، بل غدت مسخَّرة من السياسة، ومقادة في بداية حكم البعث من النخب السياسية للسلطة، ثم لاحقاً، من مثقف أجهزتها الأمنية، فافتقدت علاقتها بالجسم الاجتماعي إلى طابعها التلقائي الحر، القائم على الاقتناع، وتحولت إلى محض إيديولوجية سياسية حزبية متصلّبة فقيرة، تُفرض قسراً على الجماعة، بواسطة (الأجهزة) الأيديولوجية للدولة. فشهدت سوريا انطفاء مُطرداً للثقافة، بعد أن احتكرت السلطة الإعلام والمنابر الثقافية، وصادرت حرية الصحافة والنشر وسخرت الدولة وأجهزتها، وهيئات المجتمع المدني لمراقبتها وهيمنتها المباشرة، فانحطت صورة مثقف السلطة مع ترسخ هيمنتة وتداخل وظائفه بالسلطة، وإن احتفظ ببعض إهاب حملة الرسالة والمبشرين بتغير العالم، وعلى مظاهر التقشف الخارجية ونظافة الكف في بداية أمره، لكن ما لبثت أن تآكلت تلك المظاهر مع شروعه في بناء صرح الدولة الأمنية العتيدة، وتطبيقه لمنهج يسراوي أفقر فيه المجتمع والدولة معاً، في خضم تنافسه مع زعامة عبد الناصر العربية، ومع الحركة الناصرية في سوريا، وقدّم اثناء بحثه المحموم للخروج من عزلته ولبناء شرعية مفتقدة، خطاباً يسراوياً علمانياً راديكالياً رثاً نفّر فيه المجتمع برمته، وحط من مستوى الثقافة والفكر، اللذين أصبحا مصادرين من قبله، عندما أغلق جميع منافذ التعبير عن الرأي، وصادر المنابر الثقافية وأجهزتها، من الصحافة إلى دور العلم، إلى المدرسة والجامعة، وسلّمها إلى الأكثر طاعة، وانقياداً، من المثقفين، الذين نقلوا ولاءهم تدريجياً إلى الأجهزة الأمنية.

لقد بلغ هذا الميل حدوده القصوى في ظل (الحركة التصحيحية)، في عام 1970 حيث أصبحت هذه الاجهزه هي المشرف المباشر على الثقافة، والسياسة، وعلى المجتمع، وهو المعنى الذي عبرت عنه، بصورة مواربة، المادة الثامنة من الدستور، بقولها، ان حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع. واستعاضت السلطة، في هذه المرحلة، عن نهج إفقار المجتمع وتقشف النخبة، الذي اعتمدته نخب المرحلة الأولى للثورة، باستراتيجية إعادة إنتاج التركيب الهرمي للمجتمع بدءاً من ذروة الهرم، أي من النخب السياسية، والدولاتية البيروقراطية التي أمسكت بالقرار السياسي والاقتصادي والإداري، وذلك بإطلاق يدها لاكتناز الثروة والنفوذ شرط طاعتها وولائها، فأصبح صعودها السياسي، والإداري متلازمين مع تنامي ثروتها، وبذخها، وانفتح بذلك الطريق أمامها لتراكم ثروتها من نهبها للمال العام أو برعايتها لصعود قطاع خاص، لا سيما التجاري الذي غدا شريكا شرعيا لها في نهب قطاع الدولة، وفي تقديم الأتاوات ثمنا لصكوك الاستيراد والتصدير، بالإضافة إلى ما تفرضه على القطاع الصناعي من (خوة) لـ(حمايته)، و(رعايتها) له من مرحلة الإنشاء إلى مرحلة التداول مرورا بمرحلة الإنتاج!

هكذا فتح النهج الجديد باب الثراء عبر بوابة السلطة، وأجهزتها الأمنية، أو بالولاء لهما، فارتبطت الثروة والارتقاء الاجتماعي بالولاء للسلطة وأجهزتها، ثم تحول الولاء الأمني منذ الثمانينيات إلى رافعة، شبه وحيدة، للارتقاء الاجتماعي ولتنامي النفوذ، وأيضاً الثروة، فغدا "الفساد" منهجاً معتمداً وليس انحرافاً، لإعادة صياغة التركيب الاجتماعي، وهيمن بذلك نمط ريعي طفيلي على الاقتصاد. فبدلاً من اعتماد الإنتاج كمعيار للاقتصاد دخلت سوريا في دوامة إعادة توزيع الثروة لصالح المتنفذين في أجهزة السلطة، هذا هو المعنى الحقيقي لفشل التنمية، وتراجع مستوى الإنتاجية، والدخل، وهو ما جعل "القطاع الخاص"، خاصة التجاري، وهو الشريك في النهب، الأكثر بعداً عن تطلّب الديموقراطية، وحقوق الإنسان.

وهنا يكمن السر الحقيقي لانتشار أخلاقية الطاعة والانتهاز، واقتناص الفرص، بدلاً من الاعتماد على الذات، وعلى قيم الإنجاز والفاعلية والإنتاج التي هي عماد المجتمع الحديث. وبلغ الوضع قمته في الثمانينيات، في حلبة الصراع مع "الطليعة المقاتلة" للأخوان، التكفيرية الارهابية، التي كانت بمثابة الحصيلة، ورد الفعل الخاطئين على نهج النظام الأوامري الصارم، وعلى نزعته الدهرية الكلبية (لا أقول العلمانية التي لا تصح هنا) المتهافتة للسلطة، إذ أنجزت في هذه الحقبة عسكرة المجتمع برمته، وبلغ فيها نمط الدولة الأمنية ذروة اكتماله، وجرى فيها تصفية ما تبقى من رمق لقوى المعارضة الديموقراطية، المنضوية تحت يافطة (التجمع الوطني الديموقراطي)، التي طرحت مشروعاً ديموقراطياً للتغيير يعتمد نموذج النظام الديموقراطي البرلماني، وجرى خنق أي صوت معارض، في السياسة والثقافة، التي باتت موظفة، بما فيها الادب والفنون التشكيلية لإطراء السلطة ولامتداح رموزها، أو الاشتراك في مهرجاناتها الاحتفالية، وطقوس "أعيادها"، فانتشرت الأعلام والصور الهائلة، والشعارات والتماثيل في كل مكان تسبيحاً لرموز السلطة، وكأن الشعب السوري قد تحول على حين غرة إلى الديانة الوثنية، بأن كرّس نفسه لتقديس زعامته!

لم يعد ممكنا، في ظل هذا الوضع برمته، الحديث عن حياة ثقافية حقه في سوريا، بعد أن فقدت الثقافة استقلالها وأضحت تابعة للسلطة ولسياستها، في مناخ تحولت فيه السلطة، بإدارتها الحكومية، والحزبية، والنقابية وأجهزتها البيروقراطية، المنتشرة في كل مكان إلى خيوط متشابكة تحركها الأجهزة الأمنية، بطريقة أصبح فيها الجميع، في المدينة والريف، في الوظيفة أو خارجها تحت ضغط نظام الطاعة الصارم، حينها أصبح الفرد من القماط حتى الموت، تحت المراقبة والعقاب الصارمين، وبالتالي غدا التعبير عن الاختلاف عن السلطة، ناهيك عن معارضتها، له كلفته الغالية الثمن، أقلها الأقلّ ما حدث لكاتب بوزن زكريا تامر، عندما افتتح مجلة (المعرفة) الحكومية بمقتطفات من "الكواكبي" فتم عزله، ودفعه إلى الهجرة.

كما ضاقت منافذ التعبير والنشر، إذ اقتصرت الصحافة، وهي مرآة العالم الحديث، على ثلاث صحف لها مهمة واحدة، وهي ترجمة نشاط السلطة، والدفاع عن توجهاتها، واقتصرت وظيفة الإذاعة والتلفزيون على نقل هذا النشاط إلى الصورة والصوت، وانحسرت مراكز النشر والحياة المسرحية، والفنون التشكيلية، وسيطرت (التوجهات) الرسمية على الحياة الثقافية برمتها، فوصل الوضع الثقافي إلى حد الإفلاس الشامل وتكاملت تلك الصورة السوداء، مع ما حدث من تدهور للجامعة والمدرسة، بعد أن أشرفت على حياتهما الداخلية الأجهزة الأمنية، فتدهور المستوى الأكاديمي، مع استباحة استقلالها، ولولا الترجمات التي أنجزتها وزارة الثقافة، لكان التدهور أكبر.

وقد فاقم حالات التدهور هذه، أن السلطة لم تترك للقوى الثقافية، والسياسية الأخرى حق التعبير عن النفس، حين حصرت الأجهزة الثقافية ومنابرها بها، وضيقت المجال على المجتمع الأهلي والمدني، فطال التأميم حتى الأندية الرياضية، أما ما تبقى من أندية ثقافية فكانت تحت مراقبتها وسلطتها، فحُرمت المعارضة باتجاهاتها كافة من حق التعبير، فاقتصر نشاطها السياسي على صحافة بدائية تتناقلها الأيدي بسرية كاملة، وإذا كانت قد أبقت من هامش على صحافتها السلطوية، ودورياتها، في عقد السبعينيات، في المناخ الذي أعقب حرب تشرين، فهي قد حصرته في مجالات الأدب، والتاريخ والتراث، فكانت حصيلة النقاشات النظرية بائسة، ويعود ذلك إلى سيطرة النزعة (الطبقية)، وتوظيفاتها على النص الأدبي والتراثي والتاريخي، فسيطر على النقد الأدبي البحث عن الحامل الطبقي للرواية والقصة والمسرح، فتحول النقد إلى محاكمة (طبقية) لأبطال العمل الأدبي، لينتقل بعدها (ليحاكم) الكاتب، كما سيطر على دراسة التاريخ والتراث، والمنتوج الثقافي، البحث المحموم عن الحامل الطبقي للأفكار، فتحولت الثقافة إلى مسرح عرائس لصراع الطبقات الموهوم، على خلفية حرب طبقية حقيقية بين الدولة الأمنية، والمجتمع الذي جُرّد من حقوقه، بينما كانت ترتفع فوق هذا كله، ثقافة المديح لرجال السلطة، والهجاء والتخوين لخصومها.

وقد ساعد، على ذلك أيضاً، اشتراك النخبة السورية، حتى السبعينات، في كافة مشاربها، إذ استثنينا المثقف الليبرالي الذي توارى دوره، في ثقافة سياسية واحدة، تنطلق من موقف نخبوي للسياسة تجعلها مناطة بـ "الطليعة" المعبّرة عن الأمة، أو الطبقة، أو الجماعة المؤمنة، أما "الديموقراطية" ودور الشعب الحاسم في المشاركة، فكان خارج مرمى النظر حتى بداية الثمانينيات.

فالمثقف الإسلامي، وريث الإصلاح الديني، والذي بات يتمثل في الأخوان المسلمين، نظر إلى نفسه على أنها في الموقع المدافع عن الإسلام، ودولة الشريعة، وبشّر بسلطة شبه ثيوقراطية، وبالنهاية أفرز "الطليعة المقاتلة" التكفيرية التي كانت الوجه المقلوب لاستبدادية السلطة وإطلاقيتها، فكفرت المجتمع والدولة، ودعت إلى تطبيق الشريعة بالقوة.

أما المثقف القومي (الناصري) المتمثل بـ(الاتحاد الاشتراكي) الذي كان المعارض، والمنافس الأول حتى وفاة عبد الناصر، فقد ظل ينظر الى سلطة البعث على أنها سلطة غير شرعية، تجسّد الانفصال، بل كان يشكك بشرعية الدولة السورية نفسها إلى أن تعود إلى الوحدة مع مصر، ولقيادة رئيسها جمال عبد الناصر، فكان الهدف الرئيسي لهذا المثقف، قبل ما جرى له من تحول، الاستيلاء على السلطة لإعادة الوحدة، وكان المثقف الشيوعي، قبل الانقسامات التي أصابته، يعتقد نفسه طليعة البروليتاريا وجزءاً من جيش البروليتاريا العالمية، هدفه النهائي الاستيلاء على السلطة، وقد تحالف مع سلطة البعث خوفاً من المشروع الناصري الوحدوي، ولخدمة الصداقة مع الاتحاد السوفياتي، فكان (للنخب التقدمية) حاكمة ومحكومة، مفاهيم مشتركة حول دولتها التنموية المرتقبة، ودورها النخبوي، فضحّت بمرجعية الأمة، والجماعة والطبقة لصالح النخب التي تمثلها، فتضافرت، بذلك ذهنيات النخب ومواقفها، مع ضغط النظام الأمني الشامل، كي يزيدا من تدهور الحياة الثقافية.

كان لا بد من منافذ جديدة ليطل بها المثقف السوري على العالم، فكان لبنان نافذته شبه الوحيدة ليعبر بها عن نفسه، وكان لا بد من انتظار التحولات الذهنية التي ستجري على المثقف ذاته، لإعادة انطلاق روح جديدة تحيي ثقافته، وضع نقاط انطلاق جديدة لها، ففي نهاية السبعينيات، واستمراراً في الثمانينيات، شرعت النخب المعارضة تنقل خياراتها إلى الديموقراطية، فقد توصل المثقف القومي الناصري من خلال مراجعته للتجربة الناصرية، وللتجارب المخفقة للنظم التقدمية الأخرى، إلى اعتبار الديموقراطية شرطاً مهماً للتنمية والتحرر، ولتقرير مصير الجماعة العربية، كما انحازت بعض النخب الماركسية، إلى الاتجاه نفسه، ولن يطول الوقت على المثقف الإسلامي، بعد تجربته المرة في الثمانينيات، لأن يزاوج بين مفهوم الشورى والديموقراطية، وتوسعت دائرة تأثير المثقف الليبرالي، الذي ازداد ثقة، مع الانقلابات الكبرى في العالم. وكان أبرز ملامح هذه الفترة من الثمانينيات، بروز أطروحات برهان غليون المهاجر، والأطروحات المقابلة لياسين الحافظ، وجورج طرابيشي، حيث هيأت لهما الغربة سبل الإطلالة على العالم، وهما، على اختلافهما قدما النقد الأكثر جذرية لمنظورات الحقبة (التقدمية)، وأعطيا العلامة الأبرز على بزوغ وعي جديد.

تواكب مع استمرار وتعمق تلك الاتجاهات الديموقراطية، دخول السلطة في أزمة نهاية الثمانينيات العميقة، التي ترافقت مع انهيار التجربة الشيوعية، وسلطة الحزب الواحد المروعة، فشهدت سوريا بداية تراجع قبضة الدولة الأمنية، كمحاولة للتكيف، مع هذا المناخ، فتزايدت دور النشر، وتوسعت إصداراتها الثقافية، أمام الأجيال الجديدة من المثقفين في مجال الأدب والترجمة والفكر، الذين غدوا متسلحين بالمنهجيات الجديدة، وبالموجة العالمية الجديدة للديموقراطية، وانتعشت الدراما بعد أن رفعت السلطة وصايتها عنها، ثم تعزّز هذا الاتجاه الانفتاحي بقوة الحياة والأفكار وضغط أزمة شرعية سلطة الحزب الواحد، فشهدت سوريا الإفراج عن الآلاف من المعتقلين، فوجاً إثر فوج، وهو أمر لم تنتهِ السلطة منه إلى الآن.

وفي هذا الزمن الذي تهاوت فيه مرجعيات السلطة الإيديولوجية، وغدت في موقع الدفاع الاستراتيجي عن الذات، كان مثقفها قد فقد، منذ زمن بعيد، المبادرة والقدرة على صياغة الأفكار، إذ تحول إلى مثقف جهاز وحسب، يردّد ما تأتي به (الأوامر)، فانفصل قوله عن عمله، وخطابه عن ممارسته، واكتسب، بحكم وظيفته، مهارة التبرير، واقتصرت مساهمته على تكرار ما توارثه من قوالب قديمة لإلباسها الحقائق الجديدة، يخالجه شعور مهين بأن أحداً لم يعد بحاجة لتسويغاته النظرية الباهتة، حينما صار (مقامه) معتمداً على مقدار ولائه للأجهزة، وفي زمن يلح عليه في كل اتجاه بضرورة التغيير، فاكتفى هو، مسايرة للوقت، بذكر العناوين الجديدة الديموقراطية، الإصلاح... الخ كي يمنحها مضامين قديمة تافهة !..

العهد الجديد وإخفاق الرهان على التغيير

استلم الأسد الابن السلطة، في هذا المناخ، الذي كان فيه الجميع إما منتظرا الإصلاح، أو خائفاً من ضروراته، فأطلق هذا التبدل، في الموقع الرئاسي، الآمال عند الجمهور، ولا سيما عند المثقف المستقل والمعارض بإمكانية التغيير الديموقراطي، وكان هذا المثقف، على تضاؤل مكانته، وموقعه، أمام حصار السلطة له، قد انتقل إلى تربة فكرية جديدة، هي على النقيض من إيديولوجية الدولة الأمنية القائمة، وهو على ضعف حيلته، وحجم التهديد الذي أحاط تحركه، والتكلفة الغالية التي يتوجب عليه تقديمها اذا تجاوز (حدوده)، بات يمتلك نداء المستقبل، والقوة التعبيرية عن حاجات شعبه، وفي مقدمتها الديموقراطية، وحرية التعبير، وحق الشعب في إدارة مصيره.

وعلى الرغم من عسكرة الحياة السياسية، وسيطرة النظام الأمني في الثمانينيات ومحاولة إطفاء الحياة السياسية، والثقافية، وخنق النشاط السياسي الحزبي بالاعتقالات، أو بالتهديد بها، بقيت جماعة صغيرة متحلّقة حول "التجمع الوطني الديموقراطي" الذي دعا منذ الثمانينيات إلى التحول نحو النظام الديموقراطي البرلماني، ومثل رمزاً للقوى الديموقراطية، وإلى جانبه جماعات من المثقفين الديموقراطيين المستقلين، عبروا عن تحولاتهم الجديدة، وهواجسهم في الصحافة اللبنانية، فضلا عن المثقف الليبرالي العلماني الذي زادته هذه الأيام ثقة بالذات، وقد امتلك هؤلاء على ضعف حيلتهم رصيداً من القوة، طالما أنهم باتوا يتجهون إلى الشعب ليمسك بمصيره، ويستجيبون لريح العصر.

لقد تفاعل المثقف الديموقراطي المعارض، مع الوعود التي أطلقها العهد الجديد، فبرزت في المدن السورية، ظاهرة "المنتديات"، التي مثلت مجالا جاذبا لنشاط النخب الثقافية والسياسية، والتي حولتها إلى منابر ثقافية سياسية، ما فتئت تتسع لتنضم إليها رموز جديدة، ولعلها لو استمرت، واتسع نطاق نشاطها، لشكلت مدخلاً لبعث الحياة الثقافية السياسية، وأسست مناخاً للحياة الديموقراطية، وقاعدة اجتماعية ملائمة لنجاح عملية الإصلاح أو التغيير الديموقراطي، لولا أن انقضت عليها السلطة، وخنقتها في مهدها، إلاَّ أن هذه الانكفاءة إلى الطرق الأمنية القديمة، لم تنل من عزيمة إرادة التغيير، ومن الحركية الثقافية، التي خرجت من القمقم.

فعلى الرغم من مظاهر استعراض القوة، فإن إيديولوجية "حكم الحزب الواحد والدولة الأمنية" تهاوت، والنظام الأمني برمته بدأ يصيبه التفكك، وثراء الحياة السياسية، والثقافية شرع يؤكد نفسه، في شتى المجالات، وأغتنت الحياة الثقافية في سوريا بذلك الجدل الصاخب، بدلالة مفهوم "المجتمع المدني"، وإن كانت بعض حلقات ذلك النقاش، قد فتحت محوراً ثانويا "للاختلاف" على حساب الاتجاه نحو الحريات الديموقراطية، والتي عبرها يمكن للمجتمع أن يشكل هيئاته المجتمعية الحرة، إلاَّ أن الإنجاز المهم الذي حققته النخب السياسية والثقافية، على تنوعها، من الاتجاه الإسلامي إلى العلماني، فضلاً عن المثقف اليساري والقومي، هو وصولهم إلى قناعة مفادها، أن آليات النظام الديموقراطي، هي المدخل المناسب لتصحيح علاقات الاجتماع السوري، ولمواجهة مخاطر الخارج، والمفتاح الحقيقي لحل المسألة الوطنية، وللعمل العربي الموحد، فضلاً عن رفضهم الاستقواء بالخارج والدخول بأجندته، وهو ما يسهل عملية الإصلاح الديموقراطي، والمصالحة الوطنية، ويضع الإطارات اللازمة لانتعاش الثقافة الوطنية، التي لم يعد يقتصر مسرحها على المثقف التغييري الديموقراطي، فهناك المثقف الليبرالي العلماني، وإلى جانبه المثقف الإسلامي الذي انحاز إلى الديموقراطية، والذي جمع بين توجهات الأخوان الجديدة، وتوجهات الجيل الجديد من الإسلاميين، الذين اغتنوا بالمنهجيات المعاصرة، وانفتحوا على الثقافة العالمية، كما شهدت الساحة الثقافية ظهور المثقف/ الباحث، الذي اهتم بالدراسات الاجتماعية والسياسة الميدانية، وهو ما يشي باغتناء الحياة الثقافية السورية إذا قيض لها المناخ الديموقراطي، وما يلازمه من حرية تعبير، حينها يمكن أن نتحدث عن ولادة علاقة حية بين الثقافة والاجتماع السياسي السوري، بتأكيد استقلالية الثقافة عن السلطة، وعن السياسة المباشرة، وذلك بعودة ارتباط الثقافة مجدداً بالإنتاج الحر للفكر والمعنى، وهو ما يتيح لها أن تعرض (بضاعتها) في (سوق) الأفكار والقيم، والمعاني برهافة حرة من دون وساطة، أو قهر أو وصاية، فيتداولها أفراد المجتمع ويقتنونها باختيارهم الحر، وهو ما يعيد للثقافة مهابتها وقدرتها على التأثير الاجتماعي، ويتيح للأفكار أن تندمج في الكتلة الاجتماعية، في إطار تبادلية حرة شفافة، بعيدة عن القسر، والتوظيفات السلطوية، اللذين يقتلان الثقافة، والاجتماع السياسي معا. ولعل الكثير من المسائل السياسية والثقافية يتوقف على المآل النهائي للثورة السورية الراهنة،التي تختزن إمكانية فتح الأبواب الواعدة أمام رياح الإبداع والتنوع والثراء الثقافي، وأن تضع الأرضية الصلبة لمستقبل الثقافة والسياسة في سوريا تستعيد فيه نشاطها وحيويتها وصخبها وتأثيرها المشهود الذي ألفته في العهد الليبرالي قبل أن تبتلى بحكم الأجهزة.

=================

الإسلاميون يخشون تآمراً على ثوار سوريا!

 سركيس نعوم

2012-07-04

النهار

تتساءل أوساط اسلامية لبنانية إذا كان الثوار السوريون يتعرضون لمؤامرة بسبب إحجام العالم العربي عن التحرّك بفاعلية لدعم هؤلاء بالسلاح والمال والتدريب، وبسبب عدم ممارسته الضغط اللازم على المجتمع الدولي الحليف لكي يخلِّص السوريين من الظلم الذي يتعرضون له، وأخيراً بسبب امتناعه عن معاقبة الدولتين العظميين اللتين تخالفان ومنذ اشهر عدة الإجماع الدولي والعربي المؤيد للثورة السورية.

هل هذا التساؤل في محله؟

العارفون من لبنانيين وعرب وأجانب جراء متابعتهم الأوضاع العربية والاقليمية والدولية يكادون ان يجزموا بعدم وجود مؤامرة على الثورة السورية حتى من الأعداء التقليديين للعرب والعروبة مثل اسرائيل. فهي ورغم افادتها من النظام السوري على مدى عقود واعتبارها اياه اقل خطراً عليها من غيره، وخصوصاً في ظل استشراء الاسلاموية التي لبعضها مواقف تكفيرية متشددة، مقتنعة بأنه لن يستطيع الاستمرار. ولذلك فإنها ترحّب، وربما تساهم مباشرة او مداورة، بتأجيج الحرب الاهلية لأنها تنهي سوريا الكيان والدولة والجيش والشعب، وباختصار لأنها تزيل وربما لـ50 سنة مقبلة أو اكثر عدوّاً يمكن ان يكون خطراً جدياً عليها. أما المجتمع الدولي الحليف للعالم العربي والمؤيد للثورة السورية فإن زعيمته اميركا ترفض عملاً عسكرياً يقود الثوار الى النصر، لأنها في سنة انتخابات رئاسية، ولأن شعبها قرِفَ من التدخل العسكري الذي كلّف آلاف القتلى والجرحى والمعوقين ومليارات الدولارات أو ربما تريليوناتها، ولأن الغطاء الدولي الجماعي لتحرّكها غير متوافر، ولأنها غير مستعدة لتوفّره بتقديم تنازلات الآن للجهات التي تريدها وفي مقدمها روسيا والصين. أما الشقّ الاوروبي من المجتمع الدولي المذكور فكان صادقاً في تأييده ثورة سوريا لكنه لا يمتلك الادوات العسكرية والمالية لنجدتها، علماً ان حمايته العسكرية الفعلية قدمتها اميركا مباشرة او بواسطة حلف شمال الاطلسي. ولذلك فإنه يكتفي بالدعم السياسي. يبقى العالم العربي وهو ليس مقصِّراً في دعم ثورة غالبية الشعب السوري. إذ اتخذ ومن زمان عبر جامعة الدول العربية موقفاً مؤيداً لها، وهو يحاول ترجمته بأكثر من طريقة. وهو لا يمل من تكراره، فضلاً عن انه يحاول مع معسكر الحلفاء كما مع معسكر الاخصام في العالم الحض على دعم الثوار. لكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. فهذه الامة العربية او بالأحرى دولها التي اعطاها الله عز وجل إمكانات هائلة فإنه حرمها حتى الآن على الاقل نعمة الانظمة القوية والقادرة والعادلة والحرة والديموقراطية، الامر الذي ابقى شعوبها اسيرة تخلّف لا يطاق وجهل يكاد ان يكون مطبقاً وطاعة عمياء لأولي الامر سواء استجابة لدواع دينية او عشائرية او طائفية او مذهبية.

هل يُقنِع الكلام المفصّل اعلاه الأوساط الاسلامية اللبنانية التي تخشى ان يكون ثوار سوريا عرضة لمؤامرة خارجية من الذين يفترض ان يكونوا حلفاءها؟

جوابها عنه كان انه ممكن ومعقول. واضافت: ان قرار اميركا كما هو معلن، ونحن نعتقد انه جدي ونهائي، هو ضرورة تنحّي بشار وتغيير النظام، والثوار وداعموهم من العرب والمسلمين والإسلاميين يرحبون بذلك. لكن الثوار يحتاجون الى اسلحة وتدريب ومال كي ينجحوا. وإذا لم يوفر الاميركيون وحلفاؤهم لهم ذلك فإنهم يكونون ينحرونهم. ولفتت الاوساط المذكورة الى عدم صحة القول ان تزويد الثوار ما يحتاجون اليه من اسلحة يشعل حرباً اهلية. ذلك انها "شاعلة" الآن وبشار هو الذي يغذيها لأنه لا يزال ممسكاً بمفاصل السلطة رغم خسارته السيطرة الكاملة على 60 في المئة من اراضي بلاده، ولأن جيشه رغم تعبه لا تزال غالبيته معه.

لماذا لا تقدم تركيا السلاح والتدريب والمال الى الثوار السوريين؟

أجابت الأوساط اياها بالقول ان عند تركيا مشكلات داخلية مهمة دفعتها الى التراجع عن مواقفها الداعمة بحماس مفرط للثوار السوريين. لكنها لا تزال تغض النظر عن تدريبهم وتسليحهم. وهناك "جنرالات" عرب واتراك بعضهم في الخدمة وبعضهم متقاعد يقومون بالتدريب. والتمويل تقدمه دول الخليج ولكن مداورة اي عبر تشجيع الجمعيات ورجال المال والأعمال على التبرّع. ويوما ما ستضطر تركيا الى العودة الى فرض مناطق آمنة داخل سوريا للثوار. علماً ان سوريا لا تعتقد ذلك لأنه سيفجّر حرباً تركية – سورية. لكن تركيا لا تظن ان سوريا ستغامر بحرب مع تركيا رغم استفزازها الاخير لها (اسقاط طائرة تركية).

=================

تركيا ـ روسيا.. بين تجاور القوة و«الجيران بالقوة»

سمير صالحة

4-7-2012

الشرق الاوسط

طبيعة الموقع الجغرافي لتركيا هي التي حددت عبر التاريخ شكل ومسار علاقاتها مع دول الجوار. فوارق الخيارات والتحالفات كان سببها دائما تضارب المصالح والرؤى. في العلاقة مع روسيا تعرف أنقرة تماما أنه حكم عليها بمجاورة دولة عظمى لن يكون من السهل محاكاتها لأن أقل هفوة سياسية أو عسكرية يمكن أن تتسبب في إشعال مواجهة مباشرة نجح الطرفان في معرفة كيفية تلافيها حتى اليوم بتوسيع رقعة التبادل التجاري والاقتصادي الذي وصل إلى 40 مليار دولار.

سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه كان بمثابة الفرصة الاستراتيجية التي لا تعوض لتركيا، فهي سارعت لالتقاطها ولعبها باحتراف، عززها وصول «العدالة والتنمية» إلى السلطة وقرار توسيع رقعة الانفتاح على الجار الشمالي رغم كل انتقادات واعتراضات الشركاء والحلفاء الغربيين.

لكن حكومة أردوغان التي ما زالت ترى في روسيا الشريك - الفرصة، والقوة الدولية واللاعب الأساسي فيما يتعلق برسم الخرائط والسياسات في الإقليم تعرف أن كل ما بنته من علاقات مهدد بالسقوط وبإعادة البلدين إلى خط جوار القوة الذي تراجع لصالح معادلة «الجيران بالقوة».

كلما اشتدت أزمة النظام السوري تباعدت المواقف والمصالح في الموضوعين السوري والإيراني مما يعرضهما للرجوع تدريجيا إلى حقبة الحرب الباردة التي ستزداد سخونتها. روسيا التي تحاول بكل الطرق إعادة ترسيم حدود محيطها الجيوسياسي منزعجة أيضا من الموقف التركي في موضوع منظومة الدرع الصاروخية الأميركية ونشر المظلات الدفاعية على الحدود الشرقية لتركيا حتى ولو كانت إيران هي بيت القصيد هنا.

الاستراتيجية التركية المعتمدة في مناطق البلقان وآسيا الوسطى منذ مطلع التسعينات والتي ترفع شعار تبني سياسة انفتاحية متوازنة مع دول تلك المناطق وفي مقدمتها روسيا مهددة وفي العمق هذه المرة أمام أكثر من أزمة قد لا تكون بسبب العلاقات الثنائية بل بسبب انعكاسات الأزمات الإقليمية في أكثر من منطقة يعتبرانها جزءا من نفوذهما ومصالحهما هناك.

الرغبة التركية في حماية العلاقات مع موسكو وبقاء روسيا كأكبر مصدر للواردات التركية من الغاز الطبيعي والنفط الخام، وهدف رفع مستوى التبادل التجاري إلى مائة مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة بات تحت رحمة تجاوز الكثير من المشكلات والصعاب التي تحاصر وتهدد علاقاتها مع موسكو ومصدرها طهران ودمشق في هذه الآونة.

تركيا التي نجحت حتى الأمس القريب في إقناع الغرب بأهمية تحسين علاقاتها مع روسيا وأن هذا التقارب والانفتاح لن يكون على حساب دورها الأساسي في حلف شمال الأطلسي والتزاماتها الغربية ستجد صعوبة فائقة في إقناع الروس بعد هذه الساعة باستراتيجيتها السلمية في منطقة البحر الأسود عبر تقاسم النفوذ مع روسيا هناك واشتراكها في مشاريع بحر قزوين وخطط إمدادات الطاقة المنطلقة من أذربيجان وجورجيا نحو أوروبا الغربية.

هذا الصرح الذي بني بصبر وعناية سيتعرض للاهتزاز والسقوط إذا ما دخلت الأزمة السورية في مرحلة جديدة من التأزم وفشلت المفاوضات بين مجموعة 5 زائد 1 وإيران النووية وتحركت واشنطن لمطالبة الحليف التركي بتحديد خياراته بأسرع ما يكون.

نظام الرئيس الأسد يكاد ينجح في تحويل الأزمة السورية إلى مواجهة إقليمية دولية تعني تركيا مباشرة، وأنقرة تستعد لرد التحية وهي التي أعلنت أن قواعد اللعبة السياسية والعسكرية تغيرت على الحدود التركية السورية المشتركة.

تركيا تعرف أن الدب الروسي الذي أجبرت على معايشته لسنوات وتجنبته لسنوات أخرى بسبب غفوة الشتاء الطويلة قد استفاق وهو سيطالب الكثيرين بتقاسم مصاريف إشباعه من جوع مزمن وإشراكه في الغنائم التي حرم منها وكان معظمها على حسابه. موسكو لن تغير بمثل هذه البساطة من مواقفها حيال النظام السوري بناء على دروس التجربة الليبية حتى ولو كانت تعرف أنها ستكون أول من سيدفع الثمن بعد سقوط النظام في دمشق وأنقرة تعرف أنها تقف أمام اختبار إقليمي جديد يطال علاقاتها ليس فقط مع روسيا بل مع الكثير من القوى الإقليمية والدولية، رغم أنها رددت أكثر من مرة أنها لن تتساهل مع كل من يتعرض إلى ما بنته في السنوات الأخيرة من علاقات ومشاريع.

=================

قراءة في خطاب الأسد!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

4-7-2012

في خطابه بمناسبة افتتاح الدور التشريعي الأول لمجلس الشعب السوري الذي تم «انتخابه» مؤخرا، اعترف الرئيس بشار الأسد بأن الدكتور نبيل العربي والسيد كوفي أنان لا يريان الوضع السوري بأعين تخدعهما، لأنهما يفرطان في رؤية وتصديق تلفازي «الجزيرة» و«العربية»، اللذين يفبركان صورة لا وجود لها في سوريا الهادئة والموالية للنظام، تصنعها استوديوهاتهما بالتعاون مع جهات داخلية مأجورة متواطئة معهما ومرتبطة بمؤامرة على الدولة السورية. قال الرئيس لنبيل العربي في أول لقاء جمعهما: «البلد هادئة وليس فيها شيء مما تتحدث عنه». وأضاف: «أنت لا ترى الواقع السوري على حقيقته، بل تشاهد (الجزيرة) و(العربية) وتصدق ما تقولانه من أكاذيب». وكرر الشيء نفسه أمام كوفي أنان، بينما كان يؤكد أن سوريا هادئة، وأن مطاعم دمشق مليئة بالزبائن ومقاهيها مفتوحة في الليل والنهار، وأن كل شيء على ما يرام.

تتسق مع هذا الكلام الرئاسي تصريحات كان الأسد قد كررها في أكثر من خمس مناسبات، أكد خلالها أن الأزمة صارت وراءنا، وأن الواقع يعاكس تماما الصورة التي يقدمها «الإعلام المأجور» عن البلد، وأن الأمر يقتصر الآن على عمليات تنظيف وتطهير محدودة تتم في بعض المناطق، حيث تموضعت خلايا متطرفة تقتل المواطنين، فلا مفر من القضاء عليها كي ينعم المواطنون بالأمان ويواصلوا حياتهم في رعاية النظام المحب، الذي لا هم له غير خدمتهم.

غريب أمر العقل السياسي الذي يدير أزمة سوريا، إن كان هناك حقا عقل سياسي يديرها. عندما كانت الأحداث في بدايتها، وكان من الممكن حلها سلميا وحواريا بكل بساطة، قرر مواجهتها بالحل الأمني، بينما كان واضحا أن الحل السياسي هو السبيل الوحيدة لتلبية مطالب الشعب. وعندما تصاعدت المظاهرات، وكانت جميعها سلمية باعتراف الرئيس في خطابه الأخير، الذي أقر خلاله أن العمليات المسلحة لم تبدأ إلا في رمضان، أي بعد ستة أشهر من انطلاق انتفاضة الحرية، طلع هذا العقل علينا بنظرية غريبة قدر ما هي مضحكة ولا أساس لها من الصحة، تزعم أن الشعب موال للنظام، لكن مدسوسين يرغمونه على الخروج في المظاهرات، فلا مفر من القضاء عليهم لتحريره منهم. هكذا ارتكبت مجازر مريعة استهدفت الشعب باسم حمايته، في حين كان اللسان الرسمي ينكر وجودها وينسبها إلى دعايات «الإعلام المأجور» والمؤامرة الخارجية.

واليوم، وبعد تشكيل حكومة جديدة برئاسة شخص لا يعرفه السوريون، ومشاركة وزيرين من لون سياسي لم يسبق له أن دخل الحكومة، تولى أحدهما «وزارة المصالحة الوطنية»، يبدو التخبط في واقعة أن السلطة انتقلت من سياسة ذات توجه عنيف لا يخالطه أي توجه آخر، إلى سياسة تقوم على مسارين: من جهة وزير يعمل في سبيل مصالحة وطنية لا تعريف ولا حامل لها، لا يدري هو نفسه مع من ستكون وما هي مفرداتها وما مدى قدرته على تطبيقها، وإذا كان النظام وأركانه يريدانها فعلا، ومن جهة أخرى جيش مدجج بالسلاح تشرف على عمله قوى أمنية يساندها شبيحة يشكون كثيرا في أمانته وإخلاصه للسلطة، تطلق بعض وحداته النار من جميع الأسلحة الثقيلة على الشعب، بينما تتصاعد عملياتها ويشتد بطشها وخروجها على أية أعراف وقواعد عسكرية، بقدر ما تتسارع خسارتها في مختلف مناطق البلاد وتكاد تفقد سيطرتها حتى على العاصمة وضواحيها، التي خرج كثير منها عليها ومن يدها.

في مثل هذا الوضع، وخلال يومين من إعلان تشكيل وزارة استغرق تشكيلها وقتا طويلا بالنسبة إلى نظام استبدادي متحكم، لم يلغ الرئيس في كلمته عن «الحرب التي يجب توجيه جميع الجهود من أجل الانتصار فيها» وظيفة الوزارة العتيدة وحسب، بل دمر تماما نظريته عن الأزمة التي صارت وراءنا، وعن «الجزيرة» و«العربية» اللتين تفبركان صراعا لا وجود له في سوريا، مع أن حديثه يؤكد حقيقة مهمة لا أعرف كيف يمكن أن تفوت شخصا يخوض صراعا مصيريا، هي أن الانتقال من الحديث عن الهدوء إلى الحديث عن «الحرب التي يجب الانتصار فيها»، يمثل اعترافا بانهيار سياساته التي اعتمدها خلال الأزمة، ويتجاهل واقعة رئيسية هي أنه لو كان قد انتصر بفضل الحل الأمني لما كان مجبرا الآن على الاعتراف بالحاجة إلى شن حرب، ولاحظ أن تصعيد سياسات القتل ليس ولا يمكن أن يكون نجاحا، بل هو فشل يؤكده إقراره الصريح بأن هناك حربا في البلاد يجب توجيه جميع الجهود نحو الانتصار فيها، بما في ذلك جهد المصالحة الوطنية! وهو أمر أكدته قبل اعترافات الرئيس أرقام القتلى المتصاعدة في كل مكان، مع تعاظم استخدام الأسلحة الثقيلة بصورة كثيفة ومفتوحة ولا قيد عليها ضد مواطنين آمنين ينتشرون في جميع مناطق البلاد، الأمر الذي ينقض بصراحة نظرية أخرى من نظريات النظام وهي أن الشعب موال له ولا يشارك في المظاهرات ضده بل معه. في حديث الحرب إقرار جلي بأنها حرب ضد الشعب وليست ضد عصابات مسلحة صغيرة، فهي حرب على شعب تبين خلال عام ونصف العام أنه عصي على الإخضاع عبر حل أمني، ولم يعد ينفع معه غير الحل الحربي، الذي يعلن اليوم بلسان أعلى رجل في السلطة.

ليس حديث الحرب غير حديث الإقرار بالفشل. الغريب أن الرئيس أجرى عدة مراجعات لسياساته ذهبت جميعها في اتجاه تصعيدي، رغم أن التصعيد كان يعني شيئا واحدا: عدم كفاية العنف لإخضاع الشعب وانعدام قدرته على تحقيق هذا الهدف. والأغرب من ذلك أن لا يكون هناك أي موقف من أهل النظام ومؤسساته تجاه هذه الإقرار بالفشل، الذي يهدد وجودهم وتتطلب مواجهته حلا وطنيا يخرج سوريا من مأزق هم أول من سيفيد من الخروج منه، ويجب أن يكونوا بالتالي أو من يسهم فيه، بعد أن ذاب الثلج وبان المرج كما يقال، وتأكد أن سياسات الرئيس لن تقود إلا إلى مزيد من الفشل، وإلى هزيمة محتمة في زمن غير بعيد، تلوح بوادرها في أربع جهات سوريا الجديدة.

=================

سوريا.. هل العراق أول الدول المنشقة!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

4-7-2012

تصريحات وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الأخيرة بالقاهرة عن النظام الأسدي، ووصفه إياه بالنظام الشمولي الطاغي، تعني عمليا أن العراق هو أول الدول المنشقة عن دعم النظام الأسدي، ولو إعلاميا، وبالتالي لم يتبق للأسد إلا إيران، وحكومة لبنان، وهنا قد يقول قائل: وماذا عن روسيا؟

والحقيقة أن موقف موسكو أشبه بمن يضع قدما هنا وقدما هناك اليوم. فبعد موافقة روسيا على بيان جنيف الأخير، يبدو أن قوة موقف موسكو تكمن بالتعطيل في مجلس الأمن وليس بالحل، أي مقدرة إجبار الأسد على الخروج من دمشق. وبالتالي فإن موسكو هي أشبه بمن يضر ولا ينفع، وهذا دأبها في منطقتنا، سواء بمصر عبد الناصر، أو عراق صدام، أو مع طاغية دمشق اليوم. فبعد موقف روسيا بجنيف، لا يمكن القول بأن موسكو تقف مع الأسد، أو ضده، وهي حالة محيرة فعليا، ولذا فإن اللافت الآن هو تصريحات وزير الخارجية العراقي حول سوريا وتشبيهه الأسد بنظام صدام حسين، وقوله - أي زيباري - بأن موقف العراق هو الوقوف مع الشعب السوري!

أهمية تصريحات زيباري تكمن في أنها صادرة عن وزير خارجية الحكومة العراقية الحالية الواقعة تحت وطأة النفوذ الإيراني، وبالتالي فإن تصريحاته تكون لافتة، فهل أدركت الحكومة العراقية اليوم أن الأوضاع بسوريا ليست في مصلحة الأسد. ولذا فإن بغداد اليوم تشن هجوما لاذعا، وعلى لسان وزير خارجيتها المخضرم وصاحب اللباقة والكياسة السياسية التي افتقد إليها العراق كثيرا في ظل حكومة نوري المالكي، على مجرم دمشق؟ ربما، وعلى عكس الحكومة اللبنانية التي بررت في بيان مخجل، ومؤسف، اختطاف قوات النظام الأسدي لجنود لبنانيين من داخل الأراضي اللبنانية، فبدت في حالة خنوع فاضحة تدل على أن حكومة لبنان ليست سيدة قرارها، ولا تنوي أن تكون كذلك!

ولذا فلا بد من التدقيق طويلا أمام موقف وزير الخارجية العراقي تجاه الأسد، فهو موقف لا يقل أهمية عن انشقاق خمسة وثمانين جنديا سوريا مساء أول من أمس، وبقيادة أحد كبار الضباط. فموقف السيد زيباري لا يمكن أن يكون منفصلا عن موقف الحكومة العراقية، وحتى ولو بحجة أن العراق يرأس الدورة الحالية للجامعة العربية، بل إنه، أي الموقف العراقي، يوحي بأن تغير المواقف على الأرض في سوريا هو ما جعل العراق أول الدول الحليفة المنشقة عن الأسد، ولو إعلاميا. ومن هنا يتضح أن نظام الأسد بات يتفسخ عن جلده يوما بعد آخر، وحتى أقرب حلفائه بات لا يجد مناصا من مهاجمته علنيا، مما يعني أن هذا النظام ينهار يوما بعد آخر. فالسيد زيباري، مثلا، لم ينتقد الأسد هذا الانتقاد الحاد حتى حين هدد المالكي قبل أعوام الأسد باللجوء لمجلس الأمن عقب التفجيرات الإرهابية التي عصفت ببغداد وقتها، واتهم المالكي حينها نظام الأسد بالوقوف خلفها!

وعليه، فالواضح اليوم أن العراق، ورغم النفوذ الإيراني عليه، لم يعد يحسب حسابا للأسد، ولهذا بالطبع مدلولات كبيرة، أهمها قد يكون أن العراق هو أول الدول المنشقة عن التحالف مع الأسد الذي لم يعد يخيف أحدا ببغداد، وأن طاغية دمشق تحول إلى أسد من ورق في نظر العراقيين.

============================

إسرائيل تخشى من مجهول سـوريا وإشعـال الجولان!     

كتب مكتب الجيل للصحافة*

*مكتب للصحافة في قطاع غزة.

المصدر : موقع "قاوم" 28/06/2012

"قاوم" خاص - صعدّت "إسرائيل" في الأيام القليلة الماضية من لهجتها تجاه نظام الرئيس السورى بشار الأسد؛ واصفـةً ما يجري في سوريـا بالمجازر، وأن ما يجري هناك جرائم تكشف الوجـه القبيح لسوريا ومن يدعمها، وهو الأمر الذي رأي فيه محللون وخبراء في الشأن "الإسرائيلي" تغييرًا في الهجة والخطاب وليس في المـوقف.

 

وقال هؤلاء الخبراء في أحاديثـهم لـ"قاوم" إن "إسرائيل" غيّرت من لهجتها تحت الضغط الأوروبي والدولي، أمام المجازر التي يرتكبها النظام السوري بحق الأطفال والنساء، وما تكشفه يوميًا منظمات حقوقيـة وإنسانية من جرائم تصل إلى حد الإبادة في المدن السوريـة.

 

ورأى هؤلاء أن "إسرائيل" لا تريد للنظام السوري أن يسقط خوفًا من البديل القادم، سواء أكان البديل هو الفوضى أو صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم، وهو ما تخشاه الأوساط السياسية والعسكرية "الإسرائيلية" التي تمتعت بحدود سورية هادئة طوال العقود الماضية, وأنها تعتبر أي تطور في سوريا خسارة لها ولمرحلة الاستقرار.

 

الخطاب تغيــر:

ولأن "إسرائيل" حافظت منذ اندلاع الثورة السورية على موقف "النأي بالنفس" وعدم التدخل الظاهري على الأقل، بتأكيد الخبير في الشأن "الإسرائيلي" الدكتور عدنان أبو عامر فإن هذا الموقف في الأيام القليلة الماضية، تغير تمامًا وبدأت وتيرة الخطاب تعلو مطالبة بضرورة إسقاط النظام السوري.

 

هذا الأمر المفاجئ فسره أبوعامر بالقـول: "ليس سرًا أن حاجة إسرائيل للنظام السوري طوال العقود الأربعة الماضية لم تضاهيها حاجتها لأنظمة عربية عديدة، وقعت معها اتفاقيات تسوية، وتبادلت معها السفراء، ليس بالضرورة لأن حكام دمشق مرتبطون بتل أبيب وفق الصورة النمطية بين أجهزة استخبارات متبادلة، لكن الطرفين أقاما بينهما عقدًا غير مكتوب، يقضي باستراتيجية (البقاء مقابل البقاء)... بمعنى الرضا الإسرائيلي بـ(بقاء) الأقلية الطائفية تحكم الأغلبية السورية، مقابل (بقاء) الهدوء مخيمًا على هضبة الجولان، بحيث لا يسمح لطائر أن يغرد في سمائها دون أخذ الإذن من القصر الجمهوري، وقد قرأ الساسة والعسكر في الجانبين هذه الاستراتيجية، وارتضياها لنفسيهما".

 

وفي معرض تحليله للموقف "الإسرائيلي" أكد أبو عامر أن دمشق أزعجت تل أبيب كثيرًا باحتضانها حركات المقاومة الفلسطينية، ووفرت لها ما لم توفره عاصمة عربية، ومنحت حزب الله أنبوب أوكسجين عزّ نظيره، لكن ذلك لم يكن يضاهي أن تعود جبهة الجولان لتشتعل من جديد، وهو سيناريو يجتهد "الإسرائيليون" في عدم تخيله، لأنه حينها سيصبح كابوسًا لا يطاق، وهو الأمر الذي حذا بقادة "إسرائيل" إلى تغيير لهجاتهم ومواقفهم.

 

ومؤخرًا قال رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتانياهو بأن ما يحدث فى سوريا هو مجزرة بحق المدنيين العزل، وأن النظام السورى لا يقف وحده وراء هذه المجزرة وإنما تساعده إيران وحزب الله.

 

من أجل الغـرب

وفى السياق نفسه أعرب الرئيس "الإسرائيلي" شيمون بيريز عن اعتقاده بأن المجتمع الدولى لا يعمل ما فيه الكفاية لوضع حد لسفك الدماء فى سوريا، واصفًا ما يحدث هناك بأمر فاضح لم يسبق له مثيل.

 

ويرى أبو عامر أن تغير الموقف "الإسرائيلي" من الأحداث السورية يأتي في ضوء اعتبارات جيواستراتيجية غاية في الأهمية والخطورة، تتمثل بضرب المحور المعادي لها، البادئ بطهران والمنتهي ببيروت مرورًا بدمشق، وهو ما اعتبرته تل أبيب مقدمة أساسية لتوجيه الضربة المفترضة للبرنامج النووي الإيراني.

 

وشدد على أنّ القلق "الإسرائيلي" يكمن في تبعات التطورات السورية على الحدود في هضبة الجولان، وعدم معرفة أحد بما سيكون عليه الحال إذا تغير النظام وأضاف: "ما زالت دوائر صنع القرار، ومراكز البحث والدراسات الإسرائيلية، منشغلة على مدار الساعة بإعداد سيناريوهات وتقديرات موقف لما بات يسمى (اليوم التالي لسقوط الأسد)، بعد أن كان الموقف السائد لدى أجهزة الاستخبارات بصموده طويلاً في مواجهة الثورة القائمة ضده...".

 

وبحسب قراءته التحليلية فإن السيناريو الأفضل لـ "إسرائيل" هو بقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه أطول فترة ممكنة، لأنه إذا سقط النظام، وصعد الإسلاميون إلى الحكم، سيكون تأثيره سلبيًا على "إسرائيل" وعلى طول الحدود معها.

 

رعب القادم

ومن حيث انتهـى أبو عامر أكّد الخبير في الشأن "الإسرائيلي" نظير مجلي أن قادة الاحتلال لم يغيروا مواقفهم إنما لهجاتهم وخطابهم الإعلامي وأضاف: "لا شيء تغير.. إسرائيل تريد حدودًا هادئة مع سوريا، ونظامًا ثابتًا لا يهدد أمنها، ويفكر أبدًا في قضية الجولان.. ولكن لهجة الاحتلال تغيرت لأن الغرب والمجتمع الدولي قام بتغيير لهجته ومواقفه من النظام السوري فباتت إسرائيل أمام هذا الخطاب الجديد فهي لا يمكن أن تقول للغرب لا ..".

 

ورأى مجلّي أن الدماء السورية والمواقف الإنسانية لا تحرض الاحتلال بتغيير مواقفه، واستدرك بالقول: "هي الآن اتخذت موقفًا ناجمًا من الضغوط الدبلوماسية، فلماذا لم نكن نسمع هذه الآراء من قبل... فقط باختصار إسرائيل تشعر الآن برعب من المجهول، والبديل القادم في سوريا... بالتأكيد لها حسابات مع إيران ومع حزب الله، وهي تريد أن توجه ضربة لإيران لكن أكثر ما يعني الاحتلال هنا هو بقاء الحدود الإسرائيلية ثـابتـة لأنها لا تريد أبدًا لثورات الشعوب أن تقترب من حدودها".

 

حدود هادئة

وأشار مجلّي إلى أن وسائل الإعلام العبرية انشغلت في الأسابيع الماضية برصد التداعيات المرتقبة للثورة السورية؛ مؤكدًا أن كافة التحليلات أجمعت على أن سقوط نظام الأسد سيدخل "إسرائيل" في حال من الغموض والمجهول.

 

ويرى الخبير والمحلل السياسي ناجي البطـة أن "إسرائيل" تخشى أكثر ما تخشاه هو البديل وأضاف: "الحديث هنا لا يدور عن إيران ولا عن نظام موالي للاحتلال أو نظام معتدل أو محور شر... اليوم كل الأوساط الإسرائيلية تريد جبهة حدود هادئة مع سوريا... ففي حال انهار نظام الأسد أو تطورت الأحداث في سوريا فإن إسرائيل لن تحتمل رؤية حدود مشتعلة... فجميع الأوساط الإسرائيلية الإعلامية منها والسياسية والعسكرية تجمع أن الأسد حافظ على حدود هادئة وأجواء سلمية مع إسرائيل".

 

واستدرك بالقول: "عينها وموقفها على حدودها مع سوريا، كما أن أكثر ما تخشاه إسرائيل هو انتقال الحكم في سوريا إلى جماعة (الإخوان المسلمين)، التي رأت كثير من التحليلات الإسرائيلية أنها تمثّل القوة الأكثر تنظيمًا في المعارضة السورية، والجهة الأكثر تأثيرًا في تحريك الاحتجاجات، وهي بالتالي الجماعة الأوفر حظًّا لاستلام الحكم إذا ما انهار النظام السوري... وهو ما يجعل قادة الاحتلال يتمنون بقاء الوضع السوري على ما هو عليه لأطول مدة ممكنـة ..".

 

وقال البطة أن "إسرائيل" تخشى المجهول وتريد فقط أن يبقى الهدوء على الحدود مع سوريا هو سيد الموقف؛ لكن: "الأيام القادمـة قد تأتي بتـوقعات وإجابات لا ترضي قادة الاحتلال..".

=========================

«شوارعنا ملوّنة» في سورية لتمجيد الاختلاف قبل الموت  

عامر مطر

الحياة 2012/07/02

يتمايل «مهند الحريّة» وسط الشارع على وقع الأغاني. الشاب الذي يعتبر أن الحريّة هي اسمه الثاني، يحمل لافتة مكتوب عليها: «شوارعنا ملونة»، نكاية باللون الأسود الذي يمثل الدكتاتورية بالنسبة له. يُغنّي مع المئات. يرفعون أصواتهم عالياً في وجه المدفعية. يرقصون حاملين اللافتات، قبل أن تسرق القذائف أرواحهم... قرر مهنّد مع مجموعة من الناشطين في الثورة السورية، الاحتفال باليوم السوري للتعددية من خلال الفن. فأطلقوا حملة بعنوان «شوارعنا ملوّنة»، ونزلوا إلى شوارع بلدتهم مارع قرب مدينة حلب، متحدّين كل أشكال القمع والقتل.

 

يرى المشرفون على الحملة أن هذا الوعي الوطني الذي أثبته الشعب السوري طوال أكثر من سنة على عمر ثورتهم، يستحق الاحتفال باليوم السوري للتعددية، لمواصلة طريقهم نحو الحرية. وللوقوف في وجه الإعلام الذي يعتبرهم طرفاً في «حرب طائفـــية»، عوضاً عن وصفهم بمواطنين يطالبون بالتغيير وبالحريات، جاءت فكرة تنظيم حملة «شوارعنا ملوّنة» في مناطق سورية عدة تبدأ من مارع وتنتقل خلال الأسابيع المقبلة إلى مناطق أخرى.

نظّمت «شوارعنا ملوّنة» حملة رسوم غرافيتية على الجدران، اعتمدت الأعمال فيها على عبارات تدين السلوك الطائفي، إضافة لاستخدام وجوه شهداء من طوائف مختلفة، كالسينمائي الشاب باسل شحادة الذي قتلته قذائف الجيش السوري في مدينة حمص، والمعارض الكردي المعروف مشعل تمو. وأثناء تلوينه أحد جدران بلدة مارع، قال عسكري منشقّ عن جيش النظام، أنه لا يستطيع قتل الأبرياء، لذلك «تركت سلاحي وجئت إلى مارع لأساهم في تلوينها قبل هروبي إلى خارج البلاد». وقدّمت الحملة عروضاً غنائية على مسرح البلدة «المحررة» كما يصفها سكانها، غنت فيها فرقة «تمرّد» مجموعة أغاني الثورة مثل «يالله ارحل يا بشار» للشهيد إبراهيم القاشوش و»جنة جنة» لمغني حمص عبد الباسط الساروت. خلال الحفلة، عُرضت رسالة مصورة للمغني سميح شقير من باريس حيّا فيها المحتفين باليوم السوري للتعددية في مارع، كمشاركة رمزية في حدث وصفه بالتاريخي. كما عرضت مجموعة أفلام من إنتاج مؤسسة الشارع للإعلام، مثل «تهريب 23 دقيقة ثورة»، وفيلم «آزادي»، وفيلم الكرتون «إيد وحدة» الذي أنتجته مؤسسة «آفاق».

لم ينشر المكتب الصحافي للحملة برنامج العروض، خوفاً «من صواريخ قد تسقط لتمنع عرض فيلم عن وحدة الشعب السوري في مواجهة الطاغية في ساحة ما، أو من رصاص قد يخترق قماش لوحة رسم عليها حلم طفل سوري»، بحسب البيان الذي وزّعته الحملة.

ويؤكد منظمو الحملة أنها «مبادرة تأتي الآن لتأكيد أهمية سلميّة الثورة، وإبراز الوجه الجميل لتضحيات الشعب السوري خلال محاولاته لكسر حواجز الخوف والظلم والصمت». يذكر أن الحملة، هي امتداد لـ «احتفالية الشارع السوري» التي قدمت مجموعة من التظاهرات الفنيّة والثقافيّة داخل وخارج سورية، وهي من تنظيم تنسيقية مارع ومؤسسة الشارع للإعلام بالتعاون مع لجان التنسيق المحليّة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ