ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 30/06/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

القديم والجديد في العلاقات الألمانية ـ الروسية وتداعياته في منطقتنا

د .عصام حداد()

المستقبل

29-6-2012

أولت وسائل الاعلام الألمانية اهتماماً بارزاً لموقف روسيا من الصراع "الخطير" على سوريا وذلك في مناسبة الزيارة الأولى للرئيس بوتين الى العاصمة الألمانية في أول حزيران الجاري. وعلى الرغم من الأهمية المطلقة التي أولاها الطرفان لضرورة السعي لإيجاد حل سياسي وسلمي "للحرب الأهلية" في سوريا إلا أن المشترك بين ألمانيا وروسيا في الماضي والحاضر شكل الساحة الأرحب في مباحثات الرئيس بوتين مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

سبق اللقاء بأسابيع قليلة الانتهاء من العمل في مد الأنبوب الثاني من "خط الشمال" (North Thream)، في قاع بحر البلطيق لنقل الغاز الروسي مباشرة الى ألمانيا، وهو الحل الذي يضمن لألمانيا تدفق الغاز وهو مصدرها الرئيسي للطاقة وذلك بعيداً عن تقلبات مناخ العلاقات بين كل من روسيا وألمانيا من جهة وأوكرانيا وروسيا البيضاء وبولونيا من جهة ثانية. كما انتهت الاعتراضات والضجيج الذي علا تحت دعاوى متعددة في مواجهة مد خط الأنابيب في قاع بحر البلطيق وخصوصاً من قبل دول البلطيق الثلاث (ليتوانيا، لاتفيا، واستونيا) وبولونيا. وبرز هذا الموقف الجديد في مؤتمر "مجلس دول البلطيق" المنعقد في 30 و31 أيار/مايو(1) أي عشية وصول الرئيس بوتين، ولمناسبة مرور عشرين عاماً على تأسيسه أيضاً (1992) بمبادرة من الحكومة آنذاك: "لقد هدأت الأمواج العاتية..." كان تعقيب المستشارة الألمانية في ختام أعمال هذا المؤتمر الذي مرّ دون ضجيج، وغاب عنه رئيس الحكومة الروسية ميدفيديف حيث ناب عنه شوفالوف.

وترافقت هذه التطورات مع اعلان كل من:

ـ إدارة (GAZ PROm) الروسية عن بدء العمل في تنفيذ مشروع الـ (South Thream) لنقل الغاز عبر أنابيب في قاع البحر الأسود الى أوروبا وذلك من روسيا كما من بلدان حوض بحر قزوين.

ـ ورئيس مجلس ادارة الـ"BP" الانكليزية السيد Jan Conn من على منصة "منتدى الـ(BP) للغاز من أذربيجان" المنعقد في برلين أيضاً في الأسبوع الأخير من شهر أيار المنصرم:

"لم يعد نابوكو (Nabuco) مشروعاً ممكناً بالنسبة لنا" وتمثل الـ(BP) المجمع الصناعي (البريطاني) القائد لمجموعة كونسورسيوم، من مجمعات عالمية لانتاج الطاقة تعمل لاستغلال أكبر حقل للغاز في آذربيجان "شان دنيز". (Shan Deniz) ومن هنا يفترض أن يبدأ ضخ الغاز في عام 2017 في أنابيب مشروع نابوكو الأوروبي (عبر تركيا وصولاً الى فيينا). وبخروج الـ(BP) من هذا المشروع البنيوي الاستراتيجي للطامحين في"تحرير اوروبا" من خطر الارتهان للغاز الروسي تنهار هذه الأوهام وبخاصة بعد نجاح كل من الصين وروسيا في تحويل غاز تركمانستان (وهي المصدر الثاني للغاز في مشروع نابوكو) الى تأمين جزءٍ من احتياجات الصين(2) من جهة ولاستمرار تدفقه في الخطوط الروسية العاملة لنقل الغاز وبأسعار أفضل عن السابق.. ومع استمرار الارتهان للسياسة الأميركية ـ الإسرائيلية في مجابهة إيران وهي أهم مصدر للغاز الطبيعي بعد روسيا يفقد أصحاب مشروع مجابهة روسيا وتطويقها اقتصادياً أهم أدوات الصراع ضدها. ويعطي الرئيس بوتين بزيارته الخاطفة، الى غرب أوروبا (وخاصة ألمانيا) وفي طريقه الى اجتماع "مجموعة شنغهاي" يعطي هذه التطورات أبعادها الاقليمية الأوروبية والعالمية: "لا أمن على المستوى العالمي بمعزل عن التعاون مع "روسيا.."!.

وهنا في ألمانيا في الاقتصاد كما على المستوى السياسي تتجاذب القوى الفاعلة والمقررة بصدد الموقف من مشروعية الطموحات الروسية الاقليمية والعالمية. فقد باتت ألمانيا الشريك الاقتصادي والتجاري الثاني لروسيا بعد الصين، ووصل التبادل التجاري في العام 2011 بين البلدين الى 71,9 مليار دولار أميركي بزيادة نسبتها 37,2% عن عام 2010. كما نمت الاستثمارات الألمانية في روسيا الى 27,8 مليار دولار وبات التعويل على أوروبا بعامة وألمانيا الاتحادية بخاصة في تحديث الاقتصاد الروسي سياسة معلنة للقيادة الروسية، عبّر عنها في حينها الرئيس السابق ميدفيديف ويؤكد اليوم من جديد مثابرته على العمل في الاتجاه نفسه من موقعه رئيساً للوزراء في روسيا الاتحادية.

"إن زيارة العمل الى برلين في 1 حزيران غداة زيارة مينسك (عاصمة روسيا البيضاء) أريد منها التعبير عن الأهمية التي توليها القيادة في روسيا للعلاقات مع ألمانيا على وجه الخصوص... "هذا ما أتى في البيان الصادرعن مركز الاعلام في الكرملين ففي هذا العام تنظم في ألمانيا وللمرة الثانية "سنة روسيا في ألمانيا الاتحادية"، ويشمل برنامجها العديد من الفعاليات الثقافية وعلى وجه الخصوص تطور العلوم وبرامج التعليم، وتبلغ قمتها الرمزية في تنظيم معرض "الروس والألمان: ألف عام من التفاعل الحضاري التاريخي"، وكذلك معرض 250 عاما على توطين التجمعات (الحرفية) الألمانية التي لبّت نداء القيصرة الروسية (الألمانية الأصل) كاترينا الثانية لهدف النهوض بالاقتصاد الروسي ....". وتبدو اليوم التحفظات على نقل التكنولوجيا الحديثة الألمانية الأوروبية الى هياكل الاقتصاد الروسي والمثارة في بعض الجهات الاقتصادية الألمانية النافذة أقل تأثيراً في مجرى ضرورة تطوير العلاقات بين البلدين وبخاصة في مواجهة الأزمة الأوروبية المالية والاقتصادية.

وعلى خلاف من ذلك تحتدم التجاذبات على الصعيد السياسي الألماني في مواجهة الطموح الروسي المتجدد للعودة الى لعب دور مقرر في الأمن الاقليمي الأوروبي والعالمي، كما يتجلى حالياً في الصراع حول مسار الأزمة في سوريا وتموضع مختلف الأطراف الألمانية منها.

ففي حين يقف "حزب اليسار" الألماني بحزم ضد أي شكل من أشكال اعادة انتاج "التجربة الليبية" تحت رايات الأمم المتحدة، يدعو ويؤكد في الوقت نفسه الى حل سياسي تفاوضي بعيداً عن القمع المرفوض بالمطلق وعن الاقتتال ما بين النظام والمعارضة بكافة أطيافها...

وتختلط الأمور داخل حزب الخضر حيث تبرز في صفوف كتلته النيابية اتجاهات تدعو للبحث في إمكانية "التدخل الخارجي لحماية المدنيين" تحت عنوان (Responsability to Protect)، وهذا في حين تتهرب أهم رموز الحزب من اتخاذ أي موقف عملياتي متوارية خلف "ثقل الأزمة المالية الألمانية والأوروبية..." وضعف إمكانات الجيش الألماني المرتبط بمهام عملياتية في الكوسوفو والقرن الافريقي، والشواطئ اللبنانية وأفغانستان...

ويتقاطع موقف حزب الخضر هنا مع مواقف شريكه في الحكومة الائتلافية التي حكمت ألمانيا في نهاية القرن الماضي ومطلع الألفية الثالثة أي "الحزب الاجتماعي الديمقراطي" (SPD)، وهي الحكومة التي أعادت ألمانيا بحلتها الجديدة الديمقراطية البرلمانية الى ساحات الحروب تمت دعاوى مختلفة بدءاً من حرب تقطيع أوصال يوغوسلافيا..

وتبقى أحزاب القوى الديمقراطية الحاكمة (المسيحية الاجتماعية وكذلك الأحرار) متماهية مع الموقف الأميركي (الحليف) بشكل عام. وتشير في الوقت نفسه الى الموقف الروسي المتجدد على الصعيد العالمي توآزره الصين ومجموعتا "الريكس" و"شنغهاي" لتبرر النأي بالذات عن أي تدخل عسكري في الأزمة السورية. وتميل هذه الأحزاب ومعها حزبا الـSPD والخضر (بشكل عام) الى السعي لإيجاد حل متوافق عليه مع روسيا والصين لما تملكانه من أدوات ضغط ليس فقط في أروقة مجلس الأمن بل وعبر مجموعة شنغهاي" وبخاصة على مسار الانسحاب الموعود من أفغانستان هذا العام (فرنسا) أو العام القادم 2013/2014 (لبقية قوات الاطلسي والـ(ISAF) الدولية".

وفي خضم هذا الجدل بصوت عالٍ والتوترات في المشهد اليومي نتيجة للمذابح واستمرار القتل، تدرك القوى السياسية المقررة في ألمانيا بأن خلاصة الأمر في السياسة الروسية لا تتمحور حول مصير سوري كبلد قائم بذاته بل لرمزية الصراع عليه في السياسة الدولية للأمن والاستقرار والسلام العالمي ومن وجهة نظر روسيا وحلفائها الجدد وفي مقدمهم اليوم"الصين". ولذلك أبرزت وسائل الاعلام توجه الرئيس بوتين لتطوير أسطول جوي موجّه إلكترونياً وحتى عام 2020 ما يعطي بالاضافة لتحديث الترسانة الباليستية أبعاداً جديدة لسياسة سباق التسلح العالمي في ظل الأزمة المالية الاقتصادية العالمية.

وأمام احتمالات هذه المواجهة الجديدة وفي مناسبة زيارة الرئيس بوتين لألمانيا حذّر السيد ايغون بار (Egon Bahr) المهندس التاريخي لسياسة "التوجه شرقاً" التي قادها المستشار الراحل "فيللي براندت" في سبعينات القرن الماضي،حذر من التبعية العمياء للسياسة الأميركية وخاصة أمام احتمال تجدد سياسة المواجهة مع روسيا وحلفائها: ".. أن يرى جزء من النخبة الحاكمة الأميركية بأن قيادة الولايات المتحدة الأميركية للعالم لا يفرض عليها التنسيق مع أي دولة وإن كانت وازنة مثل روسيا والتي لم تعد في الواقع عدداً أيديولوجياً ولا عسكرياً، هو أمر يتناقض والمصالح الاستراتيجية والأمنية لألمانيا خصوصاً وأوروبا عموماً. وفي مثل هكذا حال يجب رفض التبعية. فالأمن والاستقرار لا يستقيمان في أوروبا من دون روسيا، وعلى وجه التحديد لا يمكن أن يستتبا بالتصادم معها بل بالتعاون والتوافق معها... وهذا ما تفضح به تجربة 45 عاماً من الحرب الباردة.. ويستأنف مستنتجاً: "ان الولايات المتحدة تتصرف انطلاقاً من مصالحها الذاتية وتستعمل الناتو (حلف الأطلسي) من حين لآخر نظراً للوضعية التي هي في صدد مواجهتها.. ولهذا يمكن أن يكون من مصلحتنا السيادية العليا أن نقول "لا" في مثل هكذا حالات... ولهذا كان رفض المستشار شرويدر الاصطفاف وراء الحكومة الأميركية في شن الحرب ضد العراق صائباً...".

()كاتب سياسي لبنان مقيم في برلين

هوامش

(1) في (مدينة شترال سوند) الألمانية البحرية

(2) بنت الصين خطاً مباشراً لهذا الهدف

===================

طهران وموسكو.. و«المقاتلة» التركية

حبيب فياض

السفير

29-6-2012

كان من المتوقع ان يبدو المشهد بين دمشق وأنقرة أكثر خطورة على خلفية إسقاط المقاتلة التركية من قبل الدفاعات الجوية السورية. أنقرة التي تعاملت مع الحادثة وفق جرعة مدروسة من المواقف التصعيدية، لم ترد الذهاب بالتصعيد إلى حده الأقصى برغم ان الافتراضات الأولية والتلقائية كانت تستبعد خلو الموقف التركي من رد سريع ومباشر. الحادثة هذه شكلت اختبار نيات وقدرات لدى الجانبين وكشفت النقاب عن عناصر جديدة في ميزان القوى بينهما. الفعل السوري بإسقاط الطائرة، حشر رد الفعل التركي بين العمل على حفظ ماء الوجه او الذهاب نحو مواجهة عسكرية مباشرة. فسوريا مستعدة للدفاع عن نفسها وقادرة على إيلام الخصم حتى لو اضطرها الأمر إلى الخروج على المألوف واللجوء إلى القوة العسكرية. فيما تركيا التي مُست هيبتها تمتنع عن القيام بإجراء ما ضد نظام استنفدت كل أوراقها في العمل على إسقاطه.

ما تقدم، لا يمنع من القول بأن حادثة الطائرة قد نقلت التدخل العسكري الخارجي في الأزمة السورية من خانة الاحتمال المستبعد إلى خانة الاحتمال الممكن. تركيا ومن ورائها حلف شمالي الأطلسي سيعمدون إلى وضع الحادثة في سياق مسار تراكمي من المبررات التي قد يحتاجون إليها إذا ما قرروا يوما الدخول عسكريا على خط هذه الأزمة. موقف هؤلاء الذي ما زال يتلافى الخيار العسكري يعكس رهانهم المتمادي على إمكان تغيير النظام السوري بأدوات محلية. فأنقرة ما زالت تراهن على الوصول إلى أهدافها في سوريا بأقل الاثمان ومن دون ان تنفق من رصيدها. فيما حلفاؤها الغربيون ما زالوا يراهنون على تحول ما في الموقف الروسي من دون ان يغيب عنهم ان التعامل عسكريا مع الملف السوري قد يؤدي إلى حرب إقليمية لا يريدونها أو لم يحن وقتها بعد.

طهران، من جهتها، تعاملت بأهمية استثنائية مع حادثة الطائرة التي شكلت عاملا إضافيا في تسريع وتيرة علاقاتها المأزومة مع أنقرة. الحادثة هذه كان من الممكن ان تنقل الاشتباك الإيراني - التركي على خلفية الأزمة السورية من حالة الخفاء إلى العلن. مصادر إيرانية مطلعة رأت ان وقوف طهران إلى جانب دمشق لعب دورا حاسما في امتناع أنقرة عن قرع طبول الحرب، وأن اختباء الأخيرة خلف الاحتفاظ بحقها في الرد في الزمان الذي تراه مناسبا إنما هو هروب لمنع مواجهة محتملة مع إيران. المصادر ذاتها اعتبرت ان استبعاد الجمهورية الإسلامية عن مؤتمر جنيف الدولي قد جاء نتيجة إصرار تركي ردا على ما قيل عن دور إيراني إجرائي في إسقاط الطائرة التركية. ولم تستبعد المصادر ان يؤدي التوتر المتصاعد بين الجانبين إلى تغيير مكان المفاوضات القادمة بين إيران والدول الست. فمن المرجح، بحسب المصادر، ان يتم نقل تلك المفاوضات من اسطنبول إلى كازاخستان التي ابلغت طهران، خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني للعاصمة الكازاخية آستانة، استعدادها لاستضافة الجولة المقبلة من التفاوض. ووفق المصادر عينها، فإن زيارة وزير الخارجية الروسي الأخيرة إلى الجمهورية الإسلامية قد أسست لتحالف هو الأول من نوعه بين الجانبين الإيراني والروسي، وان من موجبات هذا التحالف دعم موسكو لموقف طهران في مفاوضاتها النووية، ودعمهما معا لحق دمشق في الدفاع عن نفسها مقابل الحملة الغربية - الإقليمية التي تتعرض لها. وإذ أكدت المصادر ان عدم تنازل إيران عن أي من حقوقها النووية خلال مفاوضات موسكو الأخيرة هو المؤشر الأول على فعالية هذا التحالف، اعتبرت ان إسقاط الطائرة التركية هو المؤشر الثاني على ذلك، من دون ان يقف الأمر عند هذا الحد، بل من المرجح ان تحمل الأيام القادمة مزيدا من المؤشرات التي ستشكل بمجموعها مخاضا لولادة نظام إقليمي جديد.

 

===================

ماذا إذا لم يخرج اجتماع جنيف بحلّ؟

سوريا تواجه حروب الآخرين بعد لبنان

    اميل خوري

    2012-06-29

النهار

هل يمكن القول ان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا عادت وان سوريا أصبحت مثل لبنان سابقاً أرضاً لحروب الآخرين؟

لقد استمرت الحروب في لبنان 15 سنة ولم يستطع اي طرف داخلي حسمها بالانتصار على الطرف الآخر. وعندما حاول الطرف الخارجي حسمها واجهه طرف آخر مطالبا بأن يكون له دور في الحل.

وعندما حاولت الولايات المتحدة زمن الرئيس رونالد ريغان حل الازمة اللبنانية بمعزل عن أزمة الشرق الأوسط تصدى لها الاتحاد السوفياتي فكانت التفجيرات واعمال العنف التي استهدفت السفارة الاميركية في بيروت ومقرات القوات الاميركية والفرنسية التي كانت تتألف منها القوة الدولية المتعددة الجنسية فاضطرت للانسحاب من لبنان تحت ضغط هذه الاعمال، وظل الاتحاد السوفياتي يعرقل اي حل للازمة اللبنانية لئلا يكون نقطة انطلاق لحل شامل لأزمة الشرق الاوسط بمعزل عنه.

وعندما تأكدت الولايات المتحدة ان لا سبيل الى حل الازمة اللبنانية إلا بالتفاهم مع سوريا، عملت على تحقيق هذا التفاهم الذي رأت فيه سوريا عرضاً مغرياً جعلها تتخلى عن تحالفها مع السوفيات وتوافق على دخول قواتها الى لبنان لوقف الاقتتال فيه على رغم معرفتها المسبقة بأنها ستصطدم بتنظيمات لبنانية وفلسطينية مسلحة حليفة للسوفيات.

وهكذا قضت الصفقة الاميركية – السورية المعقودة بموافقة عربية وعدم ممانعة اسرائيلية، بوضع لبنان تحت الوصاية السورية مدة 30 عاما... وعندما انتهت هذه المدة وحاولت سوريا التي استمرأت الوصاية على لبنان تمديدها الى اجل غير معروف، تصدت لها الولايات المتحدة من خلال مجلس الامن الدولي باصدار القرار 1559 الذي دعا الى انسحاب القوات السورية من كل الاراضي اللبنانية. وقد كلف تنفيذ هذا القرار اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه واغتيال شخصيات اخرى سياسية واعلامية فأشعلت انتفاضة شعبية عرفت بـ"ثورة الارز".

والسؤال المطروح هو: من ينقذ سوريا من حربها الداخلية ويخرجها من مستنقع الدم، بعدما اخفقت في ذلك الحلول العسكرية التي تولاها الرئيس الاسد ومعها الحلول السياسية بما فيها حل النقاط الست في خطة انان على رغم انها مدعومة من المجتمعين العربي والدولي. وهو الحل الذي لم يتم التوصل الى اتفاق على بديل منه حتى الآن إذ ظل تنفيذه متعذرا، ولاسيما البند المهم فيه المتعلق بوقف النار وسحب الآليات العسكرية من المدن السورية الى ثكنها.

واذا كان الحل العسكري السوري لم ينجح في قمع الثورة الشعبية على النظام ولا الحلول السياسية العربية والدولية بما فيها خطة انان فهل ينجح اجتماع جنيف غدا السبت في ذلك؟ وهل من بديل لخطة انان اذا تأكد المجتمعون من صعوبة تنفيذها، اذا لم يجعل اتفاق على آلية عملية لذلك؟

الواقع ان البديل الناجع هو الحل العسكري تحت اي شكل من الاشكال لكنه حل لن يرى النور اذا لم يحظ بموافقة روسيا تماما كما ان الحل الاميركي للازمة في لبنان لم يكن قابلا للتنفيذ من دون موافقة السوفيات ولو لم توافق سوريا على التزام تنفيذ الحل في لبنان لما كان توقف الاقتتال فيه. ولكان اصابه ما يصيب العراق حاليا او ما يصيب الصومال.

وما دام اي قرار يصدر عن مجلس الامن الدولي يصطدم بـ"الفيتو" الروسي وتتحاشى الولايات المتحدة ومعها دول الغرب القيام بعمل عسكري خارج هذا المجلس لئلا تشتعل المنطقة كلها ولا مصلحة لأحد في اشعالها، فإن الحل الذي لا بد منه كما تبدو الصورة حتى الآن هو في التوصل الى تفاهم اميركي – روسي شبيه بالتفاهم الاميركي السوري الذي ادى الى وقف الاقتتال في لبنان. فهل هذا التفاهم ممكن وكيف؟

الواقع ان روسيا لا تتمسك بالاشخاص ولا بالانظمة بل تتمسك بما يحمي مصالحها ويحافظ عليها في سوريا خصوصا والمنطقة عموما. فعندما يكون بقاء الرئيس الاسد حتى بعد اصلاح النظام مكلفا، فإنها تتخلى عنه لكن شرط ان تختار هي البديل منه ومن النظام، وهي لا تمانع في ان يكون النظام ديموقراطيا لكنها تمانع في ان يكون دينيا خصوصا بعدما اخذ الصعود الاسلامي يظهر في غير دولة عربية وآخرها مصر.

الى ذلك هل يخرج اجتماع جنيف غدا باتفاق على حل للازمة السورية تنفيذا لخطة انان او بتعديل لها بشكل تسوية اميركية – روسية تجعل اميركا تذهب بالاسد وروسيا تأتي بالبديل عنه في اطار مرحلة انتقالية، والا تحولت سوريا ساحة مفتوحة لحروب الآخرين التي قد لا تنتهي الا بانحلالها وتفككها؟

===================

زين الشامي / السيناريوات المحتملة لسقوط النظام السوري

الرأي العام

29-6-2012

بعد مرور اكثر من عام على اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس بشار الاسد وبعد مقتل نحو خمسة عشر الف سوري ونزوح عشرات الآلاف خارج مدنهم وقراهم وبعد الدمار الذي حل بالكثير من المدن والبلدات والقرى السورية، صارت إمكانية بقاء النظام في السلطة ضربا من الخيال مهما بدا متماسكا ومهما ادعى من قوة وحضور ومهما بالغ في استخدام القوة والعنف ضد المحتجين.

أيضاً يجب ألا ننسى أن النظام السوري يعيش اليوم في شبه حالة من العزلة عن محيطيه العربي والإقليمي على الرغم من دعم دولة إقليمية له هي ايران ورغم عدم جرأة دول مثل لبنان او الأردن او حتى العراق على اتخاذ مواقف تواكب بقية المواقف العربية والإقليمية.

غير ان الأهم من هذا كله هو العزلة الدولية ممثلة بسحب غالبية الدول الغربية لبعثاتها الدبلوماسية من دمشق وفرض عقوبات اقتصادية شديدة الوطأة والتأثير على النظام وعلى كبار مسؤوليه وداعميه من التجار ورجال الاعمال.

لكن ربما هناك من يتساءل، لماذا لم يسقط النظام رغم كل الظروف والمعطيات السالفة الذكر؟

ان الجواب على ذلك بسيط جداً، وهو متعلق بالخلافات المصلحية والجيوسياسية بين الولايات المتحدة وروسيا على سوريا، لكن وما ان يتوصل البلدان الى صيغة ما او «صفقة» سياسية، فإن مسألة إسقاط النظام لن تأخذ سوى ايام قليلة.

لذلك فإن سيناريو سقوط النظام، وفيما لو تم التوصل الى تلك الصفقة، سيكون مرتبطا بشكل وتفاصيل وبنود الاتفاق الاميركي الروسي، وفي هذه الحالة فإن كل الاحتمالات واردة، قد نرى حلا على الطريقة اليمنية او شيئا مشابها لها او ربما صيغة مختلفة لكنها بالتأكيد ستكون سياسية.

لكن ماذا لو افترضنا ان الولايات المتحدة وروسيا لم يستطيعا التوصل الى اتفاق او صيغة لإنهاء حكم الرئيس بشار الاسد، وهذا أيضاً احتمال قوي وقائم في ظل الفشل الذي خيم على اللقاءات الاميركية الروسية المستمرة منذ نحو عام تقريبا والتي كان آخرها لقاء الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين في المكسيك على هامش قمة مجموعة العشرين؟

في هذا الصدد لا بد من القول ان لدى الادارة الاميركية اتجاهين او لنقل مدرستين في التعاطي مع الملف السوري، اولى وجهات النظر تلك تقول ان الأزمة السورية أزمة معقدة وهي مرتبطة بجملة ملفات إقليمية يأتي في مقدمتها الملف الايراني وان على الولايات المتحدة ان تفاوض الروس على الملف النووي الايراني لانه اكثر اولوية وإلحاحا من مسألة إسقاط النظام في سورية لكن من خلال الاستفادة مما يجري في سوريا بحيث يتم الضغط على موسكو وطهران من اجل تقديم تنازلات استراتيجية في البرنامج النووي مقابل إبقاء النظام السوري.

أما وجهة النظر الثانية فتقول ان النظام السوري ساقط لا محالة ان عاجلا او آجلا، وما هي الا مسألة وقت حتى تتغير موازين القوى على الارض لصالح المعارضة المسلحة فيصبح سقوط النظام أمرا اسهل من قبل، وتصبح شروط التفاوض مع موسكو اسهل بكثير، لذلك لا بد من دعم هذه المعارضة تقنيا وإعلاميا وتشجيع بعض الدول العربية على توفير السلاح كما ونوعا ريثما يحين إسقاط النظام.

بكل تأكيد فإن كلا وجهتي النظر لا تقوم على أسس او معايير أخلاقية او انها ترضي توق السوريين لحل سريع وعاجل لمعاناتهم او توقف آلة القتل اليومية التي يستخدمها النظام ضد المنتفضين.

ان وجهة النظر الاولى تعبر عن عدم اكتراث اميركي بحرية السوريين او إسقاط النظام الديكتاتوري وتؤكد مصلحية وانتهازية الدول الغربية التي تحمست للتدخل في ليبيا والعراق من اجل السيطرة على النفط

لكنها لم تفعل شيئا لسوريا لانها دولة غير نفطية.

اما وجهة النظر الثانية فهي أيضاً مصلحية وتقوم على عامل الوقت حيث تستطيع الولايات المتحدة التوصل الى ما تريد لكن شرط ان يدفع السوريون وحدهم ثمن إسقاط النظام رغم اختلال موزاين القوى بين جيش النظام المدجج بكل انواع الاسلحة وبين المعارضة المسلحة التي لا تملك الا سلاحا خفيفا.

وجهة النظر هذه تعني مزيدا من سقوط الضحايا وربما تعني عدم الاكتراث بانزلاق السوريين او شعوب المنطقة الى أتون الحرب الطائفية والدينية.

اذاً نحن امام سيناريوهات متعددة، قد تكون سياسية او عسكرية، لكن المشكلة الى اليوم ان لا شيء يلوح في الافق، نقصد لا يوجد ما يدل على توصل الأميركيين والروس الى اتفاق، ولا يبدو ان المعارضة المسلحة قادرة في وقت قصير على إسقاط النظام نظرا لضعف إمكانياتها العسكرية واللوجستية، لكن رغم ذلك فإن هذا لا يعني ان النظام سيستطيع حسم الامور على الارض لصالحه، فلو كان قادرا لفعلها منذ اكثر من سنة، لكن بات من شبه المؤكد انه فقد السيطرة على غالبية المدن والقرى السورية.

لكن الا توجد سيناريوات بديلة؟

نعم يوجد الكثير، تصعيد عسكري سوري تركي على الحدود يفرض تورطا من الناتو وروسيا وإيران ما يؤدي الى احتمال حرب كونية ثالثة وهو امر مستبعد اذ من المرجح ان توافق روسيا على رحيل النظام وعدم التورط في مثل هذه الحرب، كذلك هناك احتمال لانقلاب عسكري من داخل النظام او عملية اغتيال للرئيس السوري...مثل هذه السيناريوهات غير المتوقعة لا يمكن استبعادها حتى لو بدت صعبة التحقق. لكن وكما قلنا سابقا فإنه ومها تأخر الوقت فإن مصير النظام السوري بات بحكم المنتهي وينتظر نضوج الظروف من حوله ومن داخله.

 

===================

المؤتمر القومي العربي الذي لم يحل نفسه!؟

عبدالأمير الركابي *

الجمعة ٢٩ يونيو ٢٠١٢

الحياة

كل من سمع قبل بضعة اسابيع بأن «المؤتمر القومي العربي» سوف يعقد مجدداً، تصور بأن هذه الدورة من دوراته الكثيرة ستكون مختلفة، وان الحضور سيعتبرون لقاءهم الحالي مناسبة للتقييم وللمراجعة في اقل تقدير. المتفائلون ذهبوا ابعد وتصوروا ان ما تشهده المنطقة العربية من إنقلاب، سوف يدفع بالحاضرين والقيمين على المؤتمر الى طرح فكرة او احتمال، او لنقل ضرورة، حل المؤتمر القومي، او اعادة بنائه على اسس جديدة مختلفة، تترسم منحى آخر في المقاربة «القومية»، او في معنى او ابعاد المشروع الحضاري الذي انفتحت عليه المؤشرات بعد الذي جرى في الشهور الاخيرة، مع كل ما افتضح من مجالات النقص الاساسي، إن لم يكن العطب في بنية الواقع، ومفهوم التغيير، إضافة لإجمالي المنظومة التفكرية العربية، وفي مقدمها منظومة الفكر القومي العربي الحديث. المؤتمر لم يفعل شيئاً من هذا، بل اجرى تعديلات طفيفة على ادائه، فتخلى هذه المرة عن اصدار بيانه المعتاد عن «حال الامة»، مكتفياً بتحرير موقف من المتغيرات الاخيرة او الانتفاضات العربية. والغريب ان المؤتمر اتسم بعلو نبرة الناصرية والناصريين. فحين تحدث الأمين العام لحزب النهضة الاسلامية الشيخ راشد الغنوشي، تصدى له قوميون ناصريون، كأنهم يريدون منعه من الكلام، باعتباره ممثل نهج معاد للقومية. فبدا الامر غريباً لأنهم ظهروا وكأنهم هم المنتصرون في جولة التطورات الاخيرة وليس الغنوشي وتياره وما يمثل، الى ان اتجه الرجل للحديث عن العلاقة الوثيقة بين الاسلام والقومية العربية. الأغرب ان الناصريين عقدوا اجتماعاً على هامش المؤتمر، أوحوا فيه وكأنهم يعيشون حالة انتعاش ونشوة، فكأن عبدالناصر بعث من جديد، او كأن الانتفاضات العربية ناصرية، والباعث هو كمية الاصوات التي حصل عليها حمدين صباحي في الانتخابات المصرية. فالظاهرة ترجمت كدليل على ناصرية الجماهير، وعلى تطلعها لقائد تاريخي تجسد لها اليوم إنتخابيا.

لشيء الذي يلاحظ في مثل هذا السلوك، هو عودة النزوع الايديولوجي والحماسي المركّب على فبركة. فظاهرة صباحي يمكن ان تُقرأ كلحظة آنية نتجت من توازنات وتقاطعات إنتخابية غير ثابته ولا نهائية، وهي لا يمكن بحال وصفها كأنها ظاهرة كشفت عن ناصرية الجماهير المصرية. فصباحي قبل الانتخابات وتعرجاتها، لم يكن يحلم بالحصول على واحد بالألف مما حصل عليه من اصوات، وما جعله يحظى بما حصل عليه، لم يكن دفقاً ناصرياً منظماً او ناتجاً من صحوة ناصرية، الامر الذي يستدعي من الناصريين وغيرهم، البحث في العوامل والاسباب الحقيقية التي جعلت تلك الاصوات تصب في كفته. وما يترتب على هذا الموقف التلفيقي يصل الى تبني اعتقاد مناقض لروح ما هو حاصل، فالثورات الحالية تثير اولاً التساؤل حول النموذج الذي ينتمي اليه ويجسده عبد الناصر، وحتى لو ان هؤلاء فبركوا عبد الناصر جديداً، يصل الى الرئاسة بوسائل انتخابية غير انقلابية، فانهم لم ينتبهوا الى ان الذي يتحدثون عنه هو صباحي المختلف عن عبد الناصر. ذلك ان عبد الناصر المنتخب، لا يشبه عبد الناصر على الاطلاق، وممارسته وسيرورته اللاحقة لا يمكن ان تنسبا لعبد الناصر او صورته، او جوهر دوره. فالانتخابات وصناديق الإقتراع، تنهي العلاقة بين الإثنين لتضعنا امام نموذجين متباينين، بينما تتطلب في جميع الاحوال انتقالاً لم يبرره لنا الناصريون الصباحيون نظرياً، ولا كلفوا انفسهم مشقة اقناع الآخرين بوجاهته.

ما يقوله الصباحيون لنا او لأنفسهم، ان «الربيع العربي» ناصري، فعبدالناصر مات ليظهر اليوم بثوب الديموقراطي، انما من دون ان يعمد تياره وكل قوى القومية العربية الى تغيير انفسهم وعقيدتهم. وفي المؤتمر، كان واضحاً ان المجتمعين يطاردهم شبح الخروج من التاريخ. وما دام صباحي قد قارب الفوز، او حقق مفاجأة غير متوقعة، فقد سارعوا لاعتبار ذلك كافياً للدلالة على ان الافكار القومية التي يتبناها المجتمعون وتبنوها دائماً، لا تزال حية. ولعلهم لم يبادروا الى عقد مؤتمرهم الاخير اصلاً الا بسبب ما منحتهم إياه ظاهرة صباحي من انتعاشة قابلة للتضخيم، لا بل النفخ. تحت هذه الخيمة، ربما تكون سقطت سهواً قضايا مهمة، من قبيل ان الانتفاضات لم تتعامل مع المسألة القومية بالقدر الذي يتصوره من حضروا المؤتمر، وان قضية فلسطين كانت غائبة، لا بل والأهم أن الربيع لم يتخذ اي طابع «عروبي». فعلى مدى سنة، لم يكن هنالك من لم يلاحظ وسط الربيع العربي، تراجع لا بل هزيمة الافكار القومية والوحدوية، وشعارات التحرير، والقضية الفلسطينية، فاختفى اي وجه تنسيقي عربي، او أي وجه يشير الى رغبة في تجديد العروبة، على وقع الإنتفاضات الجارية. والتدقيق سيجعل المراقب متيقناً من ان دعاة القومية العربية التقليديين، كانوا في حالة هزيمة وانكماش وتراجع، وبالنسبة لي شخصياً، فانا اعرف قادة من بينهم، كانوا في منتهى الإحباط ويعانون من شعور بوطأة النهاية.

ولهؤلاء اكثر من سبب يجعلهم يغالبون اليأس، فالإنتفاضات الديموقراطية ليست من ترسانتهم الايديلوجية، وهي تناقض موضوعاتهم ومشاريعهم المعروفة منذ عقود، لا بل تدحرها من الاساس، ومن ثم فإن هؤلاء فوجئوا ايضاً بصعود الاسلام السياسي وتراجعهم، لا بل انسحاقهم الكلي بالمقارنة به وبما حققه من نتائج، ما جعل ظاهرة حمدين صباحي تتحول الى متكأ لدخول حلبة المماحكة، لا الحضور الفعلي، وهذا ما صيّر اجتماعهم الاخير اشبه بمحاولة ثأر افتراضية، هدفها إثبات الوجود فقط لاغير.

ولمثل هذا السلوك عواقب ونتائج حتمية، فما فعله المؤتمر اخرجه والقيمين عليه من دائرة الفعل مرتين، مرة لأنه اصر على فبركة اسباب للحيوية والإنبعاث، ومرة لاصراره على عدم تجديد خطابه، لا بل إجمالي وجوهر افكاره التي لا مكان لها، حتى لو قيست على دلالات ظاهرة صباحي. ففي هذا المجال ايضاً، لم نعثر على تعريف لتلك الظاهرة يغني مسارات الناصرية، او قضايا القومية والوحدة. فاكتفى المجتمعون بالمفاخرة من دون ذكر وجيه للاسباب، وهكذا تم إسقاط ظاهرة صباحي في المؤتمر القومي في تونس، من حيث اريد تضخيمها والإعتياش عليها. ذلك أنها استغلت لكي تعطي لمؤتمر كان ينبغي ان يقرر حل نفسه، فرصة الإدعاء، وقبلها الإعتقاد، بأنه ما زال حياً يرزق، وانه قابل للبقاء والعيش، لا بل الانتصار محمولاً على اصوات مرشح طار بأجنحة مروحة الصدفة والتداخلات غير المحسوبة.

حدث يثير الاستغراب: المؤتمر القومي العربي انعقد مؤخراً ولم يقرر حل نفسه!؟

 * كاتب عراقي

===================

شبح الحرب يحوم فوق منطقة الشرق الأوسط

باتريك سيل *

الجمعة ٢٩ يونيو ٢٠١٢

الحياة

تواجه المناطق الست التي تشهد نزاعات في الشرق الأوسط خطر تفجّر موجة عنف قوية فيها. وتبدو الولايات المتحدّة وحلفاؤها عاجزين أو غير راغبين في المساهمة في التوصل إلى حلّ سلمي في هذه المناطق. فهي تصب بدلاً من ذلك الزيت على النار.

حين تولّى الرئيس باراك أوباما السلطة في 20 كانون الثاني (يناير) 2009 كان يحظى بفرصة وضع حدّ للتوتر القائم بين أميركا وإيران منذ 30 عاماً. كما تمّ الحديث عن «صفقة كبيرة» من شأنها إزالة المخاوف حيال برنامج إيران النووي وفرض الاستقرار في منطقة الخليج من خلال الإقرار بمكان إيران الشرعي وبدورها. كما برزت فرصة بأن يؤدي حوار الولايات المتحدّة مع إيران إلى تهدئة التوترات السنية - الشيعية في أنحاء المنطقة التي وصلت إلى نقطة الغليان جرّاء حرب العراق.

غير أنّ هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح. وبدلاً من ذلك، اختارت الولايات المتحدّة شنّ حرب غير معلنة على إيران. كما أنها تشل اقتصادها من خلال فرض عقوبات عليها وانضمت إلى إسرائيل في تقويض تجهيزاتها النووية والنفطية من خلال الهجمات على شبكة الإنترنت.

فضلاً عن ذلك، رفضت الولايات المتحدّة المساومة خلال جولات المحادثات الثلاث التي أُجريت هذه السنة بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن في الأمم المتحدّة زائداً ألمانيا. وتمّ اقتراح إبرام صفقة تقضي بأن تتخلى إيران عن تخصيب اليورانيوم عند مستوى 20 في المئة مقابل تخفيف حدّة العقوبات والإقرار بحقها بإتقان دورة الوقود النووي لأغراض سلمية بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. بدلاً من ذلك، شدّدت الولايات المتحدّة موقفها عبر تبني مطلب إسرائيل القائل بوجوب إرغام إيران على وقف أنشطة التخصيب بالكامل من طريق فرض المزيد من العقوبات والتهديدات العسكرية عليها.

وتسعى الولايات المتحدة وحليفها الإسرائيلي من خلال زيادة الضغوط إلى تغيير النظام في طهران على ما يبدو بدلاً من وضع حدّ لبرنامج إيران النووي غير الموجود لغاية اليوم من خلال المفاوضات. ويمارس أصدقاء إسرائيل في الكونغرس الأميركي الضغوط على إدارة أوباما لتعليق المحادثات مع إيران واللجوء إلى الإجراءات العسكرية. فكما قام أصدقاء إسرائيل في إدارة جورج بوش الابن بدفع الولايات المتحدّة إلى تدمير العراق، يكمن هدفهم اليوم في دفعها إلى تدمير إيران. وفي حال تمّت ممارسة ضغوط قوية على إيران، لا شكّ في أنّ خطر اندلاع حرب واسعة يبقى قائماً.

دخلت الولايات المتحدة حلبة النزاع في سورية حيث يواجه نظام الأسد المحاصر حرب عصابات واسعة النطاق في المدن إلى جانب اعتداءات إرهابية من تفجيرات انتحارية واغتيالات وتدمير للمباني العامة في مدن كبيرة بما فيها دمشق. ونقلت وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة مثل «فوكس نيوز» و «واشنطن بوست» و «نيويورك تايمز» و «كريستشان ساينس مونيتور» و «وول ستريت جورنال» أنّ ضباطاً في وكالة الاستخبارات الأميركية جنوب تركيا «ينسقون» عمليات نقل الأسلحة من دول الجوار إلى الثوّار السوريين، لا سيّما إلى المجموعات الإسلامية المسلحة على ما يبدو. ولا شك في أنّ تسليح المعارضة يضعف خطة كوفي أنان للسلام في سورية.

وتدعو روسيا وليس الولايات المتحدّة إلى بلوغ حلّ يتمّ التفاوض عليه للأزمة. وكتب وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف على موقع «هافينغتون بوست» في 21 حزيران (يونيو) «نحن بحاجة إلى استخدام نفوذنا لدفع النظام والمعارضة إلى وقف القتال والجلوس على طاولة المفاوضات». ودعا إلى انعقاد «مؤتمر دولي تشارك فيه الدول المعنية مباشرة بالأزمة السورية... بوسعنا بهذه الطريقة فقط أن نمنع الشرق الأوسط من الانزلاق إلى هاوية الحرب والفوضى». ورأى لافروف، وهو محق بذلك، أنّ الهجوم على سورية يشكل «جزءاً من لعبة جيوسياسية إقليمية كبيرة». وبدلاً من الانضمام إلى روسيا في الضغط باتجاه بلوغ انتقال للسلطة في سورية، تبنت الولايات المتحدّة طموح إسرائيل القاضي بإسقاط ما سمّي «محور المقاومة» الذي يضمّ إيران وسورية و «حزب الله» والذي تجرأ على تقويض هيمنة إسرائيل الإقليمية.

وفي ظلّ حملات إعادة الانتخاب وفي ضوء الضغوط الهائلة التي يمارسها اللوبي الإسرائيلي وأعضاء الكونغرس الموالون لإسرائيل، يلتزم أوباما الصمت حيال استمرار إسرائيل في الاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية وحيال العنف الذي يمارسه المستوطنون المتشددون ضد الفلسطينيين العزل من دون أي عقاب. وكما فقد السيطرة على السياسة الخارجية الأميركية إزاء إيران لمصلحة إسرائيل، انهار أوباما في وجه طموحات إسرائيل الكبرى التي عبّر عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

ويتوقع بعض المعلقين اندلاع انتفاضة ثالثة. فخيبات أمل الفلسطينيين كبيرة جداً، لا سيّما أنهم يعلمون أن إسرائيل لن توافق على قيام دولتهم إلا إذا أُجبرت على ذلك. وقام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بحماية المناضلين الفلسطينيين إلا أنه لم يحصل على أي شيء في المقابل. فأعطى انتخاب محمد مرسي، مرشح جماعة «الإخوان المسلمين» رئيساً لمصر دفعاً لخصومه من حركة «حماس» في قطاع غزة. ولا بدّ من أنّ المرحلة المقبلة ستكون دامية جداً.

وتقع المناطق الرابعة والخامسة والسادسة التي تشهد نزاعات في منطقة الشرق الأوسط الكبير في أفغانستان وباكستان واليمن وفي منطقة الساحل حيث أدت إطاحة حلف شمال الأطلسي العنيفة بمعمّر القذافي إلى انتشار الفوضى في مالي والنيجر وفي عدد من البلدان الأخرى الواقعة على حدود الصحراء، علماً أنّ هذه العواقب لم يكن متوقعاً حصولها. وعاد الرجال العنيفون الذين طوّعهم القذافي كمرتزقة إلى ديارهم مع أسلحتهم. في مالي، وتحديداً في النصف الشمالي من البلد اندلعت ثورة الطوارق التي ازدادت حدتها جراء وجود المجموعات الإسلامية المسلحة القريبة من تنظيم «القاعدة». وتشعر الجزائر والدول الأفريقية الغربية بقلق من هذه التطوّرات إلا أنها لا تعرف ما الذي يجب فعله حيال هذا الوضع. ولا شك في أن الطائرات الأميركية من دون طيار لن تتأخر في القيام باغتيالات موجّهة في المنطقة.

وفي أفغانستان وباكستان واليمن، باتت عمليات القتل عن بعد من الطائرات الأميركية من دون طيار الوسائل التي تختارها أميركا لتنفيذ العمليات المضادة للإرهاب، الأمر الذي يثير غضب السكان المحليين ويفقد قادتهم الشرعية. وتعتبر أميركا أنّ الطائرات من دون طيار والحرب على شبكة الإنترنت تشكّل بديلاً للعمليات العسكرية الواسعة النطاق وبديلاً للمفاوضات وللحلّ للسلمي للنزاعات.

في باكستان، حظّر قائد في حركة «طالبان» لقاح شلل الأطفال في منطقة القبائل، شمال وزيرستان إلى أن توقف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الهجمات بالطائرات من دون طيار. ويعزى سبب ذلك إلى قيام عميل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الدكتور شاكيل أفريدي بتنظيم حملة تلقيح في قرية أبوت آباد، الأمر الذي ساعد الولايات المتحدة على الوصول إلى مخبأ أسامة بن لادن في هذه المدينة وإلى قتله على يد القوات الأميركية الخاصة في شهر أيار (مايو) من العام الماضي. ودانت محكمة قبلية الدكتور أفريدي في باكستان وحكمت عليه بالسجن لمدة 33 سنة.

دفعت الممارسات الأميركية ذات الشرعية المشكوك فيها الرئيس الأسبق جيمي كارتر إلى إطلاق صرخة يأس، فأعلن في مقال نشرته صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون» في 25 حزيران (يونيو) «من موقعنا كمواطنين قلقين، يجب إقناع واشنطن أن تغيّر مجرى الأمور وأن تستعيد القيادة المعنوية وفق معايير حقوق الإنسان الدولية التي اعتمدناها رسمياً على مدى سنوات». هل سمع أوباما ذلك؟ أم أنه يفكّر فقط في إعادة انتخابه؟

* كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الاوسط

===================

مفاوضات جنيف: رعاية روسية للحل السياسي في سورية؟

الجمعة ٢٩ يونيو ٢٠١٢

راغدة درغام

الحياة

غداً السبت، وبحضور وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وتركيا والعراق والكويت وقطر وأمين عام كل من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ينطلق في جنيف السباق الجدي بين سكة الحل السياسي في سورية القائم على عملية انتقالية الى ما بعد رئاسة بشار الأسد وبين سكة المواجهة وشد الحبال بين لاعبين كبار على الساحة الدولية. المبعوث الأممي والعربي كوفي أنان سيبذل قصارى جهده ليعلن استمرارية خطته ذات النقاط الست مهما حدث من تفاهم أو خلاف وافتراق. بإمكانه أن يأخذ نصيبه من التقدير والامتنان لو أدى اجتماع «مجموعة العمل» على هذا المستوى الرفيع الى إيضاح معالم «خريطة الطريق» التي يبلورها أنان والى إطلاق التفاهم الدولي والإقليمي على آليات العملية السياسية الانتقالية في سورية. وهو في هذا المسعى في حاجة ماسة الى مواقف وإجراءات روسية تكف عن أسلوب تقطير الاستعداد للحل السياسي بالأقوال يرافقه التصعيد بالأفعال عبر إيفاد السفن المحملة بالسلاح والمروحيات الى النظام في دمشق. أي ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف هما من يضع الآن كوفي أنان على المحك ويهددان مهمته بالفشل، إذا استمرا في تسخير مهمة أنان لخدمة موقف روسيا التفاوضي بإفراط وبلا أفق زمني. وكوفي أنان نفسه يعرّض خطته ومهمته الى الخطر اذا استمر في الإبحار لصياغة علاقات الدول الكبرى فيما الأوضاع الميدانية في سورية تتدهور وتستمر المجازر ويزداد الحل الأمني دموية. ثم ان التطورات الميدانية أتت هذا الأسبوع بعنصر جديد ليس فقط في العلاقة التركية – السورية وانما أيضاً في تطور العلاقة التركية – الروسية في اتجاه الاختلاف وليس في اتجاه التفاهم. كل هذا التصعيد يمكن ان يكون جزءاً من بدء العد العكسي الى التفاهمات والصفقات الكبرى بين كبار اللاعبين الدوليين والإقليميين. انما هذا لا يلغي إمكانية انهيار السكة الديبلوماسية للحل السياسي عبر عملية انتقالية منظمة وترجيح كفة السكة العسكرية للحسم العسكري عبر حرب استنزاف وتكثيف الاستعدادات الجارية لنقلة نوعية في الأدوار الخارجية دعماً للمعارضة السورية في مواجهة الدعم الروسي للمؤسسة الحاكمة في دمشق. فشراء الوقت عبر المماطلة والمراوغة أو عبر خطة أنان المطاطية كان مطلباً شبه متفق عليه بين واشنطن التي تريد تجميد كل شيء وإيقاف الزمن الى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية وبين موسكو التي تريد إطالة عمر النظام في سورية وتسعى وراء تنازلات جذرية من أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية. لكن الزمن يداهم صنّاع القرار رغم أنفهم ويفرض عليهم الكف عن التنزه في حدائق الديبلوماسية فيما شوارع سورية تزداد تكديساً للجثث وتدميراً للنسيج الاجتماعي.

كوفي أنان، منذ البداية، اعتبر ان المهمة الموكلة اليه كمبعوث للأمم المتحدة ولجامعة الدول العربية لمعالجة الأزمة السورية أنها ليست محض محلية أو إقليمية. فهو نظر الى ولايته من منظار أوسع يرقى الى منصبه ومكانته كأمين عام سابق للأمم المتحدة. وعليه، قرر كوفي أنان ان مهمته الأولى هي التوفيق بين المواقف الأميركية والروسية أولاً ثم بين روسيا والصين والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بصفتها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. كذلك، ومنذ البداية، حرص كوفي أنان على الاّ يُعامَل كمجرد مبعوث وهو الرجل الذي عيَّن المبعوثين وكانوا يأتون اليه كأمين عام للأمم المتحدة، وأراد أن يكون مبعوثاً فوق العادة.

وبالتالي، خلق كوفي أنان لنفسه مهمة فوق العادة وأخذ الى ترجمة وتفسير ما أوكل اليه ليتناسب مع ما قرر أن يكون نهجه. فالعملية السياسية الانتقالية كانت أساساً في صلب المهام الموكلة اليه، علماً أن ولاية كوفي أنان مبنية أيضاً على قرارات جامعة الدول العربية بما فيها القرار الذي دعا الرئيس بشار الأسد لتسليم السلطة الى نائبه فاروق الشرع في عملية انتقالية سياسية تؤدي الى انتخابات ونظام جديد في دمشق. كوفي أنان وضع هذه الناحية من ولايته مؤقتاً في الثلاجة الى حين تمكنه من المساهمة في صياغة تفاهم بين الدول الخمس على نهج في هذا الاتجاه باعتبار الفيتو الروسي – الصيني عائقاً أساسياً أمام تنفيذه.

لذلك، عكف كوفي أنان على نسج علاقة توافقية بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن، كأولوية، وفي خضم هذا النسج، بل وكأساس له، ركّز كوفي أنان على إرضاء واسترضاء روسيا لدرجة ان السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين قال ذات مرة ان خطة كوفي أنان خطتنا ونهجه هو النهج الصحيح الوحيد.

يمكن كوفي أنان أن يقول اليوم إن أسلوبه هو الذي أدى الى التغيير الجذري في الموقف الروسي من داعم قاطع لاستمرارية النظام وبقاء بشار الأسد في السلطة الى مُوافِقٍ على العملية السياسية الانتقالية والباحث عن حل على نسق النموذج اليمني القائم على التنحي طوعاً بحماية وحصانة وضمانات. هذا ادعاء في محله. بل وقد يصيب كوفي أنان ويدخل التاريخ كصاحب الحل الديبلوماسي في سورية، إذا أسفرت مفاوضات جنيف وما سيليها عن رعاية روسية للحل السياسي وقيامها بلعب دور العراب للمرحلة الانتقالية وما يتبعها.

أما إذا خذلت القيادة الروسية التوقعات والرهانات على صدقها وعزمها على تنفيذ ما توحي به منذ أسابيع عدة، عندئذ تكون ورّطت كوفي أنان. وعليه ان يختار بين الاستمرار في الإبحار وبين ما تستدعيه القيادة الأخلاقية المنوطة به إذا استنتج أنه وديبلوماسيته استخُدِما. وكل هذا لن يُحسَم في أول لقاء لـ «مجموعة الاتصال» التي أنشأها أنان واستدعاها الى مقره في جنيف. فهذه بداية عملية أخرى، وليست النهاية. ولذلك تمضي الاستعدادات في سكة اتخاذ الإجراءات اللازمة في حال وقوع سورية في أحضان «عملية» مفتوحة الأفق رهن المساومات والمقايضات.

المفاوضات عسيرة، بالتأكيد، لا سيما انها لا تنحصر سورياً وإقليمياً بل هي أيضاً ثنائية ودولية. إيران تتصدر مرتبة التقاطع بين المقايضات والمساومات الدولية والإقليمية والمحلية. فلاديمير بوتين يريد حضور إيران طاولة «مجموعة الاتصال» وكوفي أنان يؤيده في ذلك لكنه يحاول ألا يقع في مواجهة مع الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية التي ترفض وجود إيران لأسباب متعددة.

بوتين وأنان يعتبران ايران جزءاً من الحل في سورية ويجب إشراكها في المحادثات على هذا الأساس. الغرب والدول الخليجية النافذة تعتبر إيران جزءاً من المشكلة وتشير الى دورها المشارك مع النظام في دمشق في قمع الانتفاضة السورية بدموية.

إصرار بوتين ورغبة أنان في إشراك إيران في الحل السياسي يلقيان الرفض الغربي والعربي لأسباب عدة أبرزها: أولاً: الخشية من ان تصبح إيران أداة أخرى إضافية من أدوات المماطلة والمساومة دعماً لاستمرارية النظام ومن ان يستخدمها اللاعب الروسي للتراجع عن التزاماته وإيحاءاته بالتغيير نحو عملية انتقالية سياسية. ثانياً، إضفاء الشرعية الدولية على إصرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أن تكون لاعباً إقليمياً كبيراً خارج حدودها وبالذات على الساحة العربية لتخوض معارك نفوذ وتأثير وتجييش لصالحها عقائدياً وهيمنة. وهذا مرفوض خليجياً وسعودياً بالذات لما ينطوي عليه من دلالات وأبعاد تتعدى سورية التي أصبحت أهم حلبة حالياً للتنازع السعودي – الإيراني حول هوية المنطقة العربية والتنازع على النفوذ الإقليمي. ثالثاً، تخشى الدول الغربية والعربية من ان تكون دعوة إيران الى «مجموعة الاتصال» المعنية بسورية عبارة عن تشريع لدورها داخل سورية بكل ما ينطوي عليه من تحالف عسكري وسياسي مع النظام ومكافأة لطهران على الدور الذي لعبته في دعم النظام والدور الذي تريد ان تلعبه في منع تنحيته أو إسقاطه.

فلاديمير بوتين حريص على ان تكون إيران في صميم صياغة النظام الإقليمي الجديد لتكون عوناً له في التصدي لكل من حلف «الناتو» ومجلس التعاون الخليجي. ولأنه يرى في سورية ساحته الأهم لفرض نفوذه وجبروته، يرى بوتين ان مصلحته تقتضي إدخال إيران عضواً في «مجلس الأمن الدولي فوق العادة» الذي أعدّه كوفي أنان عبر «مجموعة الاتصال» المكلفة بالملف السوري.

روسيا بوتين تسير على حبلين مشدودين: احدهما في اتجاه التفاهم مع أعضاء حلف شمال الأطلسي حول سورية والنظام الإقليمي الجديد حتى لو أدى الى قليل من الاستغناء عن إيران وطموحاتها الإقليمية. والآخر في اتجاه العناد في المواجهة مع كل من حلف الناتو ومجلس التعاون الخليجي بما في ذلك المواجهة مع تركيا العضو في الناتو والتي تنسق مواقفها حالياً مع مجلس التعاون الخليجي..

القيادة الروسية تعلم جيداً ان سكة التجهيز والاستعداد للحسم العسكري جارية بالموازاة مع استمرار موسكو في توفير المعونات العسكرية للنظام في دمشق بحجة تنفيذ العقود المبرمة. حادثة إسقاط الطائرة التركية في المياه الإقليمية فتحت العيون على احتمال قيام روسيا وليس سورية بإسقاط الطائرة بتحدٍ لكل من تركيا وحلف شمال الأطلسي استباقاً وانذاراً وأيضاً كورقة استقواء عشية الدخول في المساومات والمقايضات.

المرحلة الحالية من التداخل بين التفاوض والمواجهة دقيقة وحرجة بسبب استمرار التشكيك وافتقاد الثقة. حتى الآن، الأمل أكبر بانطلاق ملموس للسكة السياسية بناءً على مؤشرات قوية في هذا الاتجاه. انما لا شيء مضمون قبل حدوثه حقاً. لذلك فالسباق مستمر بين السكتين السياسية والعسكرية في صياغة المستقبل في سورية.

===================

خرافة الصراع الطائفي في سوريا

منذر خدام

الشرق الاوسط

29-6-2012

رغم كل الأعراض الطائفية التي برزت في سياق انتفاضة الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته وبناء نظام ديمقراطي بديل لنظام الاستبداد القائم، فإن الصراع الطائفي ليس خيارا واقعيا، وبالتالي فإن تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية لن يحصل. يؤكد ما ذهبنا إليه مجريات الأحداث على الأرض، خصوصا مجريات الأحداث في منطقة الحفة وجوارها في ريف اللاذقية. الصراع الطائفي في سوريا لم يخرج عن نطاق الخطاب الإعلامي والسياسي النخبوي إلا بحدود ضيقة جدا، أما على الأرض فالمسألة مختلفة كثيرا. لقد استغل النظام واقعة كون أغلب المشاركين في الثورة هم من السنة لكي يؤسس لخطاب طائفي تجاه الأقليات يخوفها من البديل القادم، من أجل أن يكسبها إلى صفه، وقد حقق بعض النجاح في البداية، لكن مع استمرار النظام في خياره العسكري الأمني وعدم القبول الجدي بفتح أي خيار سياسي تفاوضي لإنهاء الأزمة، خصوصا بعد أن تسببت حربه المجنونة على شعبه في سقوط آلاف الشهداء من العسكريين وعناصر الأمن، وغالبيتهم من الطائفة العلوية، بدأ مزاج الطائفة العلوية يتغير بعض الشيء تجاه دعم النظام.

لقد صار نقد العلويين للنظام مسموعا في كل مكان في ريف اللاذقية، حيث انتشارهم الرئيسي، وذلك مع تزايد سقوط القتلى من أبنائهم في معارك ليست معاركهم، وقد برز تغير مزاجهم تجاه النظام بصورة واضحة من خلال الأحداث التي جرت في الحفة. فمن المعلوم أن مدينة الحفة تمثل جيبا تحيط به قرى علوية من جميع الجهات تقريبا، وقد خشي كثيرون من حدوث صراع طائفي فيها، يمكن أن يفجر مجمل الأوضاع في الساحل السوري، غير أن الوقائع على الأرض قد كذبت مقولة الصراع الطائفي في سوريا. لقد أسهم كثير من العلويين في تأمين خروج المدنيين من المدينة، واحتضنت أسر علوية عديدة في مدينة اللاذقية مئات الأسر التي فرت من منطقة الاشتباكات، واقتسمت معها كل شيء من لقمة الأكل إلى السكن إلى الحلم بإسقاط النظام.

وفي الجهة المقابلة، لم يعرف عن المسلحين الذين سيطروا على المدينة وهم في غالبيتهم العظمى من سكانها أن اعتدوا على أحد من العلويين، حتى من أنصار النظام والبعثيين المسلحين الذين كانوا في مقر الحزب أو في المؤسسات الحكومية. سمحوا للجميع بالخروج، وكان خطابهم لهم وكذلك لسكان القرى التي مروا بها عند دخولهم الحفة «إننا لسنا في صراع معكم، بل مع النظام الذي يستعبدنا نحن وإياكم».

ومن اللافت أن بعض مشايخ العلويين الذين كانوا يتخوفون من حصول اقتتال طائفي بين العلويين والسنة في المنطقة بدفع من بعض أتباع النظام قد أسهموا في منع ذلك من خلال جولات قاموا بها على القرى المجاورة لمدينة الحفة واجتمعوا خلالها مع أهلها ودعوهم لعدم الانجرار إلى أي صراع طائفي مع جيرانهم. ومن الحوادث التي تروى اليوم على كل لسان في المنطقة وخارجها، والتي تكثف في مغزاها القضية برمتها، أن المسلحين طلبوا من أحد أسراهم أن يتصل بوالدته ويخبرها بأنه أسر اثنين من الإرهابيين ويسألها النصح في ما يجب عمله بهما، فجواب الأم سوف ينفذونه عليه. فجاء جواب الأم قاطعا بأن عليه أن يتركهما، لأن لهما أهلا وأمهات، وقد يكون لديهما أبناء، فما كان من المسلحين إلا أن أخلوا سبيله طالبين منه أن يوصل سلامهم إليها. لقد شكل التضامن بين العلويين والسنة في منطقة الحفة درسا في الوطنية السورية سوف تذكره وتتعلم منه الأجيال القادمة.

هذه هي الوقائع على الأرض، رغم ما يعكرها بين الحين والآخر من الحوادث الفردية غير الواعية، لتجيء من ثم لقاءات المعارضة السورية في القاهرة والاتفاقات المهمة التي توصلت إليها اللجنة التحضيرية للمؤتمر المزمع عقده في القاهرة بتاريخ 2 و2012/7/3 لتدعم هذه الوقائع. لقد اتفق المجتمعون في القاهرة على أن الدولة التي ينشدونها سوف تكون دولة مدنية ديمقراطية، يتساوى فيها المواطنون أمام القانون بغض النظر عن الدين والمذهب والجنس والعرق. وأكثر من ذلك فقد تم النص على المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل شيء، وعلى حق المرأة في تبوؤ جميع المناصب في الدولة بما فيها منصب رئيس الجمهورية. لم يرد في الوثائق الثلاث التي سوف تقدم إلى مؤتمر المعارضة القادم ما يشير إلى أي اعتبارات طائفية أو مذهبية يمكن أن تلحظ سواء على مستوى بناء النظام السياسي أو على صعيد الدولة المنشودة.

ان الوقائع على الأرض، إضافة إلى ما اتفقت عليه المعارضة السورية بكل أطيافها في القاهرة، سوف تشكل إعاقة جدية لجميع المشاريع الخارجية التي تدعو إلى اعتماد النظام السياسي الطائفي وفق النموذج اللبناني أو العراقي أو البوسني، بذريعة حماية الأقليات والمساواة بينها.

باختصار، الصراع في سوريا ليس صراعا بين طوائف أو مذاهب أو مكونات عرقية، وإنما صراع سياسي ساخن بين النظام وأجهزته العسكرية والأمنية (وهي مكونة من جميع طوائف سوريا وإثنياتها)، وبين المسلحين الذين انشقوا عن قوات النظام، والمسلحين المحليين الذين أرغموا على حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم وأهلهم، إلى جانب مجموعات مسلحة مختلفة لا تُعرف لها هوية محددة بدأت في الظهور والانتشار مؤخرا في جميع مناطق سوريا، وهي أيضا من جميع طوائف سوريا وإثنياتها.

===================

هل الحرب قادمة مع سوريا؟ ليس بعد

مصطفى أكيول

الشرق الاوسط

29-6-2012

كان إسقاط القوات السورية لطائرة تركية، قبل أسبوع، إيذانا بنشوب أزمة جديدة. وتركزت عناوين جميع وسائل الإعلام على ذلك الاعتداء السوري، متسائلة عما إذا كانت تركيا على وشك الدخول في حرب أم لا. وباءت بالفشل جهود البحث عن الطيارين التركيين، اللذين سقطا على ما يبدو في البحر، وبات واضحا بصورة مؤلمة أن مدافع أجنبية قد أودت بحياة أتراك في البحر المتوسط مرة أخرى، بعد واقعة السفينة «مرمرة».

ووسط كل هذه الأجواء، حبس الجميع أنفاسهم، في انتظار الكلمة الأسبوعية، التي يلقيها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، أمام البرلمان التركي. وقد ألقى الرجل خطابا قويا بما يكفي للتنديد والاستنكار، وكذلك تهديد النظام السوري، ولكنه اتسم أيضا بما يكفي من الحذر لتجنب أي تصعيد قد يقود تركيا إلى حرب حتمية.

وقال أردوغان في كلمته: «صداقة تركيا ثمينة، ولكن لا بد أن يعرف الجميع أن غضبها كبير كذلك»، ثم أوضح أن قواعد الاشتباك مع سوريا من الآن فصاعدا قد ارتفعت إلى مستوى جديد، مؤكدا: «أي عنصر عسكري قادم من سوريا ويشكل تهديدا أو خطرا أمنيا على الحدود التركية سيتم التعامل معه باعتباره هدفا عسكريا».

وهذا يعني أن حادثة الطائرة هذه ليست ذريعة للحرب، لكن أي أعمال عدوانية مستقبلية من قبل النظام السوري ربما تكون كذلك، ومن ثم فعلى شبيحة دمشق أن يحسنوا التصرف.

وفي رأيي أن هذا هو الموقف السليم من جانب تركيا، فالدخول في حرب مع سوريا، أو مع أي أحد، سيكون بمثابة مغامرة كارثية يذهب ضحيتها أناس أبرياء وتدمر الاقتصاد التركي وتلقي بظلالها على «القوة الناعمة» التي تتمتع بها تركيا. وفي المقابل، فإن الظهور بمظهر الضعيف عند التعرض لاعتداء سيكون خطأ هو الآخر. ويبدو أن أردوغان قد عثر على التوازن السليم ما بين هذا وذاك.

والموضوع الآخر الذي تناوله أردوغان في خطابه هو كيف وأين أصيبت الطائرة بالضبط، حيث أوضح أنها كانت طائرة عسكرية غير مسلحة تؤدي طلعة جوية اعتيادية «لاختبار نظام الرادار الخاص بتركيا»، لكنها اخترقت المجال الجوي السوري عن غير قصد ولبضع دقائق فحسب، قبل أن تتلقى تحذيرا من قاعدتها وتغادر الأجواء السورية على الفور. إلا أن السوريين أصروا على استهدافها، وقاموا بإسقاطها فوق المياه الدولية.

وقد قدم السوريون بالطبع رواية مختلفة؛ فهم يزعمون أن الطائرة تم ضربها داخل المجال الجوي السوري. ولكن إذا كانوا صادقين في ذلك، فينبغي عليهم الكشف عن صور الرادار التي التقطوها، كما فعلت تركيا.

وفي النهاية، فقد أضافت حادثة إسقاط الطائرة مستوى آخر إلى التوترات القائمة بين تركيا وسوريا، التي أخذت في التصاعد منذ الأشهر الأولى لثورات الربيع العربي. والمثير للسخرية أن البلدين كانا وقتها قد أقاما صداقة قوية بينهما، حيث كانت العلاقة بين أردوغان والأسد متينة للغاية، وتم فتح الحدود بين البلدين، وصارت سوريا هي الشاهد الأول على نجاح «سياسة تصفير المشكلات»، التي انتهجتها تركيا مع جيرانها.

ومع ذلك، فإن الأتراك الذين يذكرونك بتلك الأيام الخوالي الجميلة التي شهدتها العلاقة بين تركيا وسوريا، ويتساءلون بغضب «عما أفسد الأمور» مخطئون تماما، فالأسد في ذلك الوقت لم يكن يذبح شعبه. صحيح أنه كان نظاما بلا ديمقراطية، ولكنه لم يكن يتصرف كآلة قتل، كما يفعل الآن.

والحقيقة الواضحة هي أن ثورات الربيع العربي بدأت فصلا جديدا تماما في تاريخ الشرق الأوسط، حيث أصبحت الفجوة بين النظم الاستبدادية وشعوبها أكثر وضوحا مما كانت في أي وقت مضى. ومما يحسب لتركيا أنها فعلت ما هو صواب بانحيازها إلى الشعوب، ولا بد أن يستمر هذا في كل مكان، وبالذات في سوريا. وعلى تركيا أن لا تتهاون في موقفها المناهض لنظم الطغيان الموجودة في المنطقة.

ملحوظة: تهانينا لمحمد مرسي، أول رئيس مصري يتم انتخابه في انتخابات ديمقراطية. ويحدوني أمل كبير في أن يكون «رئيسا لكل المصريين»، كما تعهد في أول خطاب له بعد فوزه بالرئاسة. وعلى جميع المصريين، بمن فيهم من لم يصوتوا له، أن يمنحوه الفرصة.

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية

=====================

اتحاد الكتّاب العرب في سوريا: تاريخ أسود في ممارسة الإقصاء الفكري

د. صابر جيدوري

كلية التربية – جامعة دمشق  

موقع حركة مصر المدنية 

28-6-2012

قبل مغادرتي المدينة المنورة متوجهاً إلى قاهرة المعز لدين الله الفاطمي في 19/6/2012 قرأت خبراً أوردته الكاتبة السورية رشا عمران على صفحة الفيس بوك مفاده: قيام اتحاد الكتّاب العرب في سوريا بفصل المفكر السوري الأستاذ الدكتور علي وطفة من عضوية الاتحاد لأسباب تتصل بانتصاره للثورة السورية ومطالبها العادلة في الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية.. وما أن انتهيت من قراءة الخبر حتى برزت أمامي مجموعة من الصور تحدد فيما أرى معالم الأزمة التي تُعانيها الحرية الإنسانية تفكيراً وتعبيراً:

الصورة الأولى للفيلسوف اليوناني سقراط  وهو ماثل أمام محكمة أثينا يدفع عن نفسه تهمة إفساد الشباب والتعريض بالآلهة، ويقول لممثل الاتهام: “ليس أيسر الطرق وأشرفها أن تكمموا الأفواه بل أن تصلحوا أنفسكم وتقيموا الميزان بالقسط” مؤكداً بقوله هذا إن للإنسان حقاً مطلقاً في الجهر بآرائه والتعبير عن أفكاره.

أما الصورة الثانية فكانت صورة العالم الشهير جاليلو الذي قال: إن الأرض تدور.. فقتلوه.. واليوم الأرض تدور باعتراف كل البشر.. وأي تلميذ في أية مدرسة ابتدائية يعرف أنه لولا دوران الأرض ما كان الليل وما كان النهار.

هاتان الصورتان ليست إلا أمثلة وردت إلى خاطري أثناء معرفتي خبر فصل مفكر سوري يُعد من ألمع المفكرين التربويين في العالم العربي.. كرس معظم مجهوداته لمعالجة إشكاليات الفكر التربوي في واقعنا المعاصر، فأنتج لنا مجموعة من الكتب لعل أهمها: التربية وحقوق الإنسان في العالم العربي، وكتاب السلطة وإشكالية التسلط في التربية العربية.. وغير ذلك من الكتب التي تناول فيها مفكرنا قيم المواطنة والحرية والتسامح.. فضلاً عن عشرات الأبحاث العلمية المحكمة التي شكلت إضافة حقيقية للمكتبة العربية.. كما كتب عشرات المقالات التي نُشرت في صحف عربية عديدة انتصر فيها للثورة السورية، وفضح من خلالها نظام الاستبداد طولاً وعرضاً وارتفاعاً وعمقاً..

لقد أثبت أستاذنا الجليل في مقالاته عن الثورة أن الإرادة الصلبة أشد قدرة من القوة الغاشمة.. وأن قوى الظلام إذا ما نجحت في اضطهاد بعض الناس لبعض الوقت‏,‏ إلا إنها عاجزة في اضطهاد كل الناس في كل الوقت‏.. لقد كان مفكرنا ولا زال مدافعا عن الحرية الإنسانية بكل تجلياتها، فالحرية من وجهة نظره لا تقبل التجزئة‏..‏ لأن القيود التي تكبل شخصا واحدا في سوريا إنما هي قيود تكبل أبناء الوطن جميعاً..

لم يقبل مفكرنا أن يكون جزءا من المتملقين وأشباه الكتاب والمتطفلون والأوصياء على الأدب والثقافة .. كما أنه لم يقبل أن ينتصر لثقافة الانحطاط الأخلاقي.. ثقافة الخطف والاغتيال والاغتصاب وحرق البشر.. لقد آثر الانتصار للثقافة التي تُمثل احترام الحياة البشرية وتُمجد الكرامة الإنسانية.. كما وجه سهام نقده  لثقافة الدجل والحقد التي أختلقها شيوخ السلطة.. ولم يستثني من ذلك المثقفين السوريين الذين ناصروا الديكتاتور وانبروا لتسجيل مواقفهم المخزية على وسائل إعلام النظام البائس الذي يتهاوى مع كل فجر جديد.. فكتب مقاله الشهير: أدونيس والثورة.. إشكالية الموقف وغموض الرؤية.

 لقد بين الدكتور وطفة لكل المثقفين السوريين المتخاذلين بأن التاريخ سيسجل مواقفهم الانتهازية الوصولية في تمجيد وتبجيل الطغيان والاستبداد والقتل، وسوف تطفو على سطح الحقيقة لتكون عاراً وسعيراً على حياتهم وذريتهم إلى الأبد.. كما أوضح في العديد من مقالاته أن الشعب لن يغفر لهم تأييدهم للممارسات الإجرامية التي قام بها قائدهم الهمام اتجاه الشعب السوري.. فحملهم كل جرائمه وبطشه بالناس الأبرياء، والكتّاب الشرفاء، والأدباء الصادقين، ورجال الدين الأخيار.. إن أمانة الكلمة والموقف, وصحة التوجه والقصد ألزمت الدكتور وطفة بالانتصار للثورة ومطالبها العادلة في الحرية والديمقراطية وغرس أخلاق العزة والاستقلال، وكرامة الأنفس والحرمات والأعراض والبيوت.

    لكل ما سبق وأكثر منه بكثير قام اتحاد كتّاب الدجل والعهر والنفاق بفصل الأستاذ الدكتور علي وطفة من عضويته.. هذه القامة الفكرية التي يفتخر بها كل التربويين على امتداد الوطن العربي الكبير.. ومن هنا فإنني أعجب لهذا الجبروت والقهر الذي يُمارس في فضاء اتحاد الكتاب العرب في سوريا الذي يُفترض أن يُمثل حالة ثورية حضارية في هذه اللحظة التاريخية العصيبة التي يمر بها مجتمعنا السوري، والعجب أيضاً من موقف المسؤولين في الدولة السورية تجاه ما يحصل من إقصاء لمفكرين رفعوا رأس الوطن عالياً في الكثير من المؤسسات العلمية العربية والعالمية، وأعجب العجب موقف بعض الكتّاب اتجاه ما يجري من تأصيل لثقافة الصمت في فضاءات المجتمع السوري المختلفة.. غير أن هذا العجب لا يمنعنا من أن نؤكد أنه حان الوقت كي يفهم الجميع أننا لسنا أبناء البطة السوداء كما يعتقد بعضهم، ولسنا مواطنون من الدرجة الثانية كما يظن آخرون، كما أننا لسنا كائنات هامشية كما يريد لنا الحاقدون أن نكون .. نحن من أبناء الوطن السوري.. ننتسب إلى ماضيه وحاضره ومستقبله.. إلى أرضه وقمحه وزيتونه وليمونه وخبزه.. من حقنا أن نتساءل ونحاور كمواطنين فاعلين ومنفعلين.. ومن حقنا أن ننقد ونسلط الضوء على الأخطاء عبر الكتابة  الواعية التي سوف نُشعل من خلالها ألف قمر وقمر في فضاء المجتمع السوري المظلم.. مع علمنا أن فعل الكتابة الصادقة مدخل إلى عش الدبابير والمناطق الشائكة.. ورقص على الجدران العالية.. غير أنه بالنسبة لنا غناء حر لا يخشى نقيق الضفادع التائهة.. سنبقى نكتب من دون مراوغة ولا مجاملة ولا انحناء حتى لو حاصرنا القلق من الجهات الأربع.. فالمجد كل المجد للمفكر السوري الأستاذ الدكتور علي وطفة.. ولكتاباته التي تصرخ بملء فمها: اللعنة على الاستبداد والمستبدين.. والخزي والعار لكل من يُمارس فعل الإقصاء والإبعاد على الكتّاب الشرفاء والمفكرين الأحرار.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ