ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 12/06/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

بداية جديدة للمجلس الوطني السوري

2012-06-11

الوطن السعودية

انتخاب المعارض السوري ذي الأصول الكردية عبدالباسط سيدا رئيسا للمجلس الوطني السوري خلال اجتماع الأمس الذي عقده المجلس في إسطنبول؛ خطوة جيدة على عدة أصعدة، منها أن المجلس منذ إعلان غليون استقالته، بل قبل ذلك أيضا، ظل في حالة تشتت داخلي، وهو أخطر ما قد يهدد أي كيان سياسي وطني سوري في ظل الثورة التي تشهدها البلاد.

رغم أن برهان غليون رجل وطني مشهود له بالنزاهة والمصداقية ويحظى باحترام واسع، وكانت له مساهمة جيدة في المجلس الوطني إلا أنه أثبت في الفترة الأخيرة أن إدارة المجلس ورئاسته بحاجة لرجل من نوع آخر، ويكفي غليون احتراما أنه لم يتردد في ترك المقعد لغيره لأن يدير المجلس بطريقة أخرى.

للأسف واجه المجلس الوطني على الصعيد الداخلي عدة أزمات، منها ما يتعلق بالإدارة والتنسيق مع المعارضة الداخلية أو حتى توسيع قاعدة التمثيل لكل أطياف المعارضة السورية. وبرز ضعف المجلس في قدرته على توحيد المعارضة رغم كل الدعم الذي يتلقاه، وهو الأمر الذي يجب أن يكون اليوم على رأس أجندة عبدالباسط سيدا في العمل، فلا بد من توسيع قاعدة تمثيل المعارضة وتعضيد قوة المجلس ككيان سياسي قادر على إدارة المرحلة القادمة في سورية.

يعد اختيار سيدا ذي الأصول الكردية رسالة قوية أيضا بخصوص دور الأقليات في مستقبل سورية، حيث إن النظام السوري ما فتئ يحاول تصوير الثورة بأنها مجرد انتفاضة فئوية من طرف معين، كما أنها قد تشكل دافعا لمزيد من المشاركة من طرف الأكراد في العمل الثوري وتوسيع قاعدته.

سيدا أكد في خطابه الأول أهمية العمل على إصلاح وإعادة هيكلة البيت الداخلي للمجلس الوطني، وهو أمر في غاية الأهمية، خاصة مع تأكيده دخول النظام في مراحله الأخيرة، حيث توسعت المظاهرات لتشمل دمشق نفسها، وهو ما يتطلب تفعيل دور المجلس، وأن يكون مظلة قوية جامعة لكل المعارضة السورية، فالأزمة السورية لم تعد تتحمل مزيدا من الاختلاف الداخلي بين قوى المعارضة.

سقوط النظام السوري مسألة وقت، والإعداد الجيد لكيان سوري جامع للكل هو المطلب الأول من المجلس الوطني، وهذه مهمة سيدا الذي يجب عليه التركيز عليها بكل عزمه وقوته.

=================

المجتمع الدولي يتفرج على مجازر الأسد

بقلم / سمير عواد - مراسل الراية في برلين :

الراية

11-6-2012

النقمة على نظام الرئيس السوري بشار الأسد كانت كبيرة، وعبّر بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة عن غضبه بشكل غير مسبوق.

وانضم إليه بعض قادة الغرب. من الناحية النفسية يفترض أن يتم استثمار غضب المسؤول الأممي من أجل زيادة الضغط على النظام في دمشق. غير أن الكلمات القاسية التي وجهها بان كي مون وغيره من القادة في واشنطن ولندن وبرلين وباريس، هي أقصى ما لديهم من وصفات للتعامل مع الأسد، وتعكس عجز المجتمع الدولي عن وقفه.

قال بان كي مون: الشعب السوري ينزف، وهو يريد الحرية والعيش بكرامة. ولكن الشعب السوري يريد قبل كل شيء في هذه المرحلة رؤية أفعال، وتحديدا أن تعمل الأمم المتحدة بالمبادئ التي تأسست من أجلها في 24 أكتوبر عام 1945 بسان فرانسيسكو، وهي حفظ السلام في العالم. وحين أسست محكمة الجزاء الدولية في لاهاي عام 2002 لهدف معاقبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.

خلال الأيام العشرة الماضية حصل المراقبون الدوليون والمجتمع الدولي على أدلة دامغة أن نظام الأسد ارتكب جرائم ضد الإنسانية في مدن وقرى سورية. من وجهة نظر النائب الاشتراكي الألماني هانز أولريش كلوزي، أصبح ينبغي محاكمة بشار الأسد ومعاونيه السياسيين والعسكريين أمام محكمة الجزاء الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

المجتمع الدولي في حالة عجز نادرا ما ظهر ضعيفا مقيدا مثلما هو حاليا. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعيد أجواء الحرب الباردة ويستغل الأزمة السورية ويدعم نظام بشار الأسد، وتتبعه الصين دون مساءلة، لمجرد أنه يريد قطع الطريق على الغرب ليكون طرفا في تدخل عسكري للإطاحة بالنظام في دمشق بعد أن خسر بوتين حليفه معمر القذافي في ليبيا.

بعدما نعت صحف العالم خطة كوفي عنان مبعوث أمين عام الأمم المتحدة لسوريا، والتي لم يتصور أحد أنها سوف تنجح لسبب بسيط وهو أن بشار الأسد لن ينفذ بنودها والتي كان منها وقف إطلاق النار والسماح لوسائل الإعلام الدولية دخول سوريا والسماح بحق المواطنين بالتظاهر. ولكن بعض المتفائلين اعتقدوا أن خطة عنان سوف تؤدي إلى خفض عدد القتلى وتنظيم المعارضة وعدم امتداد الحرب الأهلية في سوريا إلى دول مجاورة. وقد تبين للمجتمع الدولي أن الأسد لم ينفذ أيا من هذه البنود بل ارتفع عدد ضحاياه وخاصة بين المدنيين من رجال ونساء وأطفال وتشير الصدامات الدامية في طرابلس بشمال لبنان القريبة من الأراضي السورية أن نظام دمشق يرغب في امتداد نار الحرب إلى لبنان.

ومع كل يوم تتحدث فيه أنباء عن سقوط مزيد من القتلى من المدنيين بالذات، يقدم نظام الأسد دليلا جديدا على أنه يعتمد على العنف من أجل بقائه في السلطة، كما يعتمد على دعم خارجي بفضل دعم موسكو له.

لا يفكر الغرب فعلا بسيناريو عسكري كما حصل مع ليبيا، لكن"الفيتو" الروسي والصيني في مجلس الأمن الدولي يُفشلان أي مشروع قرار فرض عقوبات يرمي إلى زيادة الضغط على الأسد. وعلاوة على ذلك فإن الدول الغربية خائفة من أن يعيد الموقف ذكريات الحرب الأهلية اللبنانية التي جرت من عام 1975 1990، ففي عام 1982 أرسلت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا قوات تدخل ما لبثت أن انسحبت بسرعة بعد عامين، عقب تكبدها خسائر كبيرة في الأرواح، بينما استمرت الحرب الأهلية في لبنان. الغرب خائف من تكرار هذه التجربة المريرة في سوريا.

لقد تبين أن التهديد باستخدام القوة العسكرية ضد نظام الأسد الذي أعلنه الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، ثبت أنه لم يكن أكثر من تهديدات فارغة وليست جادة. الأسد يعرف أنه حاليا لا يخشى من أن يقوم حلف شمال الأطلسي "ناتو" والأوروبيون بالتدخل عسكريا ضد نظامه، فهم لا يستطيعون ذلك. كما أنهم لا يريدون التدخل العسكري لأنه لا الناتو ولا الاتحاد الأوروبي يستطيعان التدخل عسكريا حاليا في سوريا، نظرا لخطورة المغامرة واختلافها كليا عن ليبيا قبل عام. إذ أن خزائن وزراء الدفاع في الحلف الأطلسي وأوروبا خاوية وقبل أسابيع قليلة على نهاية الحرب في ليبيا حصل نقص كبير في الذخائر مما شكل مشكلة كبيرة للحلف العسكري الغربي. كما تعلم الأمريكان والأوروبيون كثيرا نتيجة التدخلات العسكرية في أفغانستان والعراق وليبيا إذ من السهل أن يتم التدخل العسكري لكن من الصعب جدا الخروج منه بأقل ما يمكن من الخسائر. إن رغبة المعارضة السورية في أن يتدخل العالم عسكريا ضد نظام الأسد، يقابله الغرب بالشك ومغبة أن تنجر إيران إلى الحرب وكذلك لبنان.

في الوقت الحالي ليس هناك مبادرة أوروبية ولا مبادرة دولية وليس من الممكن وضع مبادرة دون إدماج روسيا وإيران حيث لكل منهما أسبابه ومصالحه التي تجعله يقف إلى جانب بشار الأسد ضد مصالح الشعب السوري.

ما من شك أن نظام الأسد قد انتهى، وفقد شرعيته ومصداقيته كما قال أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، وحالما تدرك روسيا وإيران أن استمرار التصعيد وارتكاب جرائم الحرب في سوريا ليس في صالحهما، وأن العالم ينظر إليهما بازدراء، ربما يستجيبان إلى المنطق وتستيقظ الضمائر في موسكو وطهران، فلا أحد يريد أن يرتبط اسمه في كتب التاريخ مع بشار الأسد.

=================

سوريا بين الأسلمة والبعث وفهم تعقيدات الحل هناك

د. علي الخشيبان

الرياض

11-6-2012

  سوريا ليست مركزاً للتيارات الإسلامية بشكل حركي دائم مع تعرضها لأزمات اتهم فيها الإسلاميون ففي نهاية الثمانينات الميلادية وحتى بعد مذبحة حماة الشهيرة قضى النظام على الأسلمة الناشئة وحركة الإخوان وجرم الانتماء إليها وفرض شكلاً من التعامل السياسي مع الأسلمة وتياراتها ولكن مع ذلك نلحظ تناقضاً في التعامل مع هذه الأسلمة وخاصة في جانب استخدامها فمن يقتل في سوريا جزء منهم ينتمي إلى أحزاب وحركات دينية طائفية متطرفة.

نظام الأسد الأب استخدم الأسلمة التي يحاربها وكادت أن تقضي عليه في أسلوبين سياسيين مهمين ومتناقضين مع الطبيعة العلمانية للبعث: الأول هو التحالف مع إيران الخميني والمساهمة في تشكيل الكتلة الشيعية بقربه في لبنان ثانيا: تجهيز الجهاديين من الأراضي السورية إلى العراق خلال سنوات احتلال الولايات المتحدة للعراق وحتى قيام الثورة على الابن بشار في مطلع العام الماضي، وهذه كانت أخطر لعبة سياسية مارسها النظام.

سوريا تعاني وبشكل كبير من أزمة هوية حقيقية في الجانب السياسي ولعل السبب يعود إلى عدم تمكن حزب البعث من خلق هذه الهوية لكونه حزباً أوقد على نار طائفية بمقادير غير متجانسة..

هذا التبادل بين دور حزب البعث العلماني وبين تبني الأسلمة الإيرانية تحت بند السياسة وفتح علاقات مهمة معها وبين القضاء على حركة الإخوان في حماة ومن ثم اللعب بكل أدوات العنف باستخدام الجهاد الإسلامي كل هذه التناقضات بحاجة إلى أجوبة تبين تلك اللعبة السياسية التي مارستها قيادة تصف نفسها بالمقاومة للعدو..! فلماذا فعل ذلك الأسد الأب ولماذا يثور الشعب السوري عليه ولماذا يصعب الحل السياسي في سوريا بهذه الطريقة المعقدة..؟.

الأداة الإسلامية التي استخدمها الأسد بهدف سياسي مقسومة إلى قسمين أداة تقوم على مساعدته من الطائفيين، وأخرى تسعى لإسقاط ابنه بشار الأسد عبر ثورة حاسمة وهذا يطرح لنا أن فكرة البعث السوري ليست إلا شعاراً سياسياً بائساً حيث لم يستطع الأسد فرض علمانية البعث بشكل مطلق بل تحدث في خطاب له في مارس عام 1980 م عندما أدرك واقع مجتمعه بأنه مسلم في محاولة للحديث بنفس لغة منافسيه من الإخوان المسلمين الذين سيسحقهم بعد سنتين تقريباً من هذا الخطاب في مذبحة حماه الشهيرة.

كل هذه الأسئلة بحاجة إلى تفسيرات مهمة ولعلنا نستدرك هنا التجربة الأمريكية في العراق وهل لها دور في تعقيد الحل في سوريا وتأخره لأن الغزو الأمريكي للعراق أنتج صعوداً للتيار الشيعي الإسلامي المتشدد فهل الخوف من ذات النتيجة يقف خلف الأزمة هناك حيث يمكن أن تكون إيران وأعوانها الخاسر في حال سقط النظام والكاسب في حال تحول سوريا إلى عراق جديد تسيطر هي على مفاصله بمعاونة الروس.

سوريا تعاني وبشكل كبير من أزمة هوية حقيقية في الجانب السياسي ولعل السبب يعود إلى عدم تمكن حزب البعث من خلق هذه الهوية لكونه حزباً أوقد على نار طائفية بمقادير غير متجانسة والسبب في ذلك أن اختلال فهم العلمانية بين الغرب والشرق كبير جداً ففي سوريا كما في العراق فشلت العلمانية البعثية فشلاً ذريعاً لأنها أصبحت تعبيراً مطلقاً عن دكتاتورية الأفكار والشخوص فقط.

لقد صعّدت القيادات البعثية والقومية واليسارية في العالم العربي ضغطها الاجتماعي خلال عقود مضت وقد كشف الربيع العربي عن ورقة سياسية في الحالة السورية كما في دول الربيع العربي حيث كان صعود الأسلمة في دول الثورات العربية ليس صدفة بل هو مبني على فكرة اضطهادات سياسية واجهها الشارع العربي خلال عقود وهذا يؤكد أن ما يحدث في العالم العربي اليوم ليس مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي إنما دورة زمنية تلعب فيها المتناقضات السياسية دور المنتصر والمهزوم في دورة سياسية يعيشها العالم العربي والإسلامي تحديداً منذ قرون طويلة.

الفكرة التاريخية لدى الإسلاميين وخلفهم بذلك الشعوب المتواضعة تشكل الجانب الآخر للدورة السياسية في عالمنا العربي، فالمنظور الإسلامي غالبا مقتصر في وجود خليفة يقود لذلك ويستخدم الجميع المعتقد كورقة ربح ومع أن كل تجارب الخلافة على مر العصور فشلت لذلك ظل العالم الإسلامي يعاني من تجربته السياسية بطرق مختلفة مما خلق لديه أشكالاً من الحكم المتناقض بين تجارب حزبية وتاريخ عقدي.

عملية التدوير السياسي على النهج الديمقراطي لا توجد في العالم الإسلامي حيث تفضل الشعوب التبعية بدلاً من تدوير التجربة لذلك نشهد تاريخاً ان دول الثورات العربية قد مرت بتحول الأنظمة الملكية لديها من أسماء العائلات إلى أسماء الأحزاب التي يحكمها أفراد معظمهم قادمون من السلطة العسكرية ويستطيعون الثبات القسري لسنوات طويلة.

في سوريا لم يتخل الأسد عن طائفيته أبداً ولذلك وجد في العلاقة مع إيران مخرجاً مهماً لملء الفراغ الأيديولوجي فقد أصدر صديق الأسد المقرب الإمام الصدر فتواه الشهيرة في العام 1973م "بأن العلويين جزء أصلي من المسلمين الشيعة" هذه الفتوى فتحت الشهية الطائفية للأسد الأب والشهية السياسية التي ظل يستخدمها لإرباك الوضع اللبناني بترقية الطائفة الشيعية إلى درجة مقاوم للاحتلال الإسرائيلي من خلال بناء حزب الله لطائفته.

لقد أثبت الأسد الأب إيمانه المتزعزع بالقومية العربية بعد حلف مشبوه مع الاسلاميوية الإيرانية وظل هذا التحالف الممتد إلى أقصي نقطة بين الحدود اللبنانية الإسرائيلية مثيراً للجدل ويفسر على انه براعة سياسية بينما هو عكس ذلك تماماً ولكن هذه الإثارة قد تثبت القوة الطائفية وتحولاً طائفياً خطيراً في مسار البعث السوري نشهد نتائجها اليوم.

صعوبة الحل في سوريا هي عدم وجود بديل سياسي حقيقي فهل هذا صحيح.؟ هذا التبرير منطقي والنموذج اليمني مستحيل التطبيق في سوريا لأن في اليمن هناك القاعدة القبلية والتركيبة المجتمعية المتجانسة تستطيع حماية التغيير السياسي، كما أن أعوان النظام في سوريا المحتملين كبدائل من أي طائفة كانوا يعانون من خلل في طريقة صعودهم السياسي فكما يذكر تاريخهم هم فئات أتاح لها البعث التسلط والفساد والصعود على تاريخ الدمشقيين من التجار والعلماء لذلك لن يكونوا بديلاً لأنفسهم ولن يقبلهم التاريخ المجتمعي بحسب صفحاتهم السوداء في دعم حزب البعث.

على الجانب الآخر سؤال يقول ما هي مشكلة المعارضة السورية أيضا، المعارضة موجودة وممثله للشعب السوري ، ولكن الصعوبة الحقيقية أمامها تكمن في هذه الفكرة ، معظم قيادات الثورة نشأت طول عمرها بالخارج وهم ثلاثة أقسام: قسم معارض للبعث وهم الإسلاميون وقسم معترض على سياسة البعث وهم القوميون المختلفون مع الأسد وقيادة البعث، والقسم الثالث وهم خليط من الطائفيين والقوميين وممثلي الأقليات العرقية، وهنا يتضح أن مشكلة المعارضة أنها مختلفة في أسس تشكيلها وليس بكيفية تشكلها خارج الوطن وهنا يجب أن تتحدث المعارضة عن مشروع جديد بعيد عن مواقف الماضي من أجل سوريا جديدة .

=================

نظام تحاصره الأوهام!!

يوسف الكويليت

الرياض

11-6-2012

  نظام الأسد يعتقد أن حافز التدخل الدولي بسوريا ضعيف، إن لم يكن مستحيلاً يبنى ذلك على جملة معوقات أهمها الدور الروسي الصيني، لكن هناك سوابق بتجنيب اتخاذ الفيتو لو عرضت القضية على الأمم المتحدة، وصوتت لاتخاذ قرارات رادعة بما فيها التدخل العسكري وتحت البند السابع ثم هناك الانشقاقات في صفوف العلويين، والذين رأوا أنهم جزء من ضحية النظام، والذين يجب أن يعاملوا من أي حكومة قادمة صفة المواطن، ومن كان مجرماً يحاكم أسوة بأي مواطن آخر، حتى لا تأخذ مجريات الأحداث صورة مكررة للعراق بالذبح على الهوية أو العزل التام لمن ادعى النظام أنهم أعضاء في حزب البعث..

تنامي الجيش الحر أصبح مشهوداً حتى إن التقارير المحايدة تضعه مستقبلاً، بالقوة الضاغطة على النظام وقد احتلوا أكثر من مدينة وقرية، لأن تنامي المتطوعين أصبح ظاهرة عامة، ومع الوقت سيصبح الشعب هو الكاسب، لأن الحالة الاقتصادية والأمنية لم تعد تطاق وسط بيئة مجرمين يفتحون المحال بالقوة، ويعتدون على حرمات الناس في بلد بنى تقاليده على القيم السائدة عربياً وإسلامياً..

أيضاً يعتقد النظام أن انشغال أمريكا بالانتخابات، وضغط الكونجرس والقوى المؤثرة، رفض أي مغامرة عسكرية، تبعاً للخسائر المادية والبشرية في العراق وأفغانستان، لكن مثل هذا التفكير سطحي، فأحياناً المغامرة العسكرية قد تكن من المكاسب للرئيس القائم، ولو تكررت المذابح فسوف يكون من يرفض التدخل هو من يدفع الحكومة لاتخاذ القرارات الصعبة، لأن الضمير الإنساني ليس ميتاً مثل قادة سوريا..

فقد تدخلت أمريكا مع حلفائها في ليبيا تحت سمع وبصر القوى المعارضة والمؤيدة للقذافي، وليس هناك مواقع تستثني سوريا من اتخاذ إجراءات صارمة، وحتى روسيا ستقرأ النتائج من الواقع عندما يتمادى النظام بمزيد من الجرائم، وتصبح حلول أنان، والسكرتير العام للأمم المتحدة، مجرد جهود لم تنجز لتتحول إلى سبب يستدعي عمل أي شيء قانوني..

هناك رؤى تحيط بسوريا، فلبنان قد يدخل مرحلة الانقسامات والتوترات التي تؤدي إلى مناوشات عسكرية، وهي جزء من استراتيجية حكام دمشق، وإسرائيل متغلغلة بصلب الوضع السوري الداخلي، تراقب وتوازن، وقد تكون أحد الدافعين لأمريكا التدخل إذا شعرت أن أمنها في خطر، وهناك ثلاثي الرؤوس المؤيدة للنظام، روسيا، والصين، وإيران والأخيرة تبني مكاسبها على توسع امبراطوري أحد أركانه العراق وسوريا لمحاصرة العرب وتركيا معاً بهلال شيعي، أما الدولتان الكبيرتان، فالأسباب والنتائج تقومان على تقديرات وحسابات المصالح، ولو اتخذ العرب وحدهم خط المقاطعة، وسحب السفراء وإيقاف التجارة البينية مع الدولتين، لتغير المسرح والمسرحية، وخاصة الصين كمتضررة أكبر من روسيا، وعموماً لا تزال الأيام حبلى بالتوقعات واتخاذ القرارات كخيارات ضرورية، وكل ذلك تأتي به المصالح قبل العلاقات الإنسانية..

=================

أطفال سوريا

منى المالكي

عكاظ

11-6-2012

مشاهدة جثث أطفال سوريا ببياضها الطاهر وقطع الثلج التي توزعت على أكفانهم، تجعلك تبدو عاجزاً أمام هذه الوحشية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، ولتجري الدموع على خديك كنهر بردى الذي لم يكف جريانه منذ أن بدأت الثورة المباركة في بلاد الشام الطاهرة.

برنامج «طيور الجنة» ذاك كان استشرافا لما سيحدث لأولئك الصغار الذين لم يكن ذنبهم سوى أن وقعوا في أيدي جلاد، استخدمهم بدون رحمة أداة إرهاب لانتفاضة على الظلم والوحشية التي يتعامل بها نظام لم يجد من شرعية لجرائمه سوى إلصاق التهم بإرهابيين صنعهم وقدمهم للعالم، ذلك العالم الذي يعلم جيداً أن لا إرهابي سواه وشبيحته النجسين.

تبدأ الحكاية مع طيور الجنة أو الصغار الملتفين بأكفان الجنة والرحمة عندما كتبوا على حائط في بلدة صغيرة في طرف سوريا الثورة عبارة الشعب يريد! ليبدأ بعدها التنكيل بهؤلاء الصغار الطاهرين في قبضة وحشية لم ترحم صرخات صغار لم يقصدوا شيئا مما قالوا كان ذنبهم الوحيد أن رددوا ما حسبوه أنشودة من أناشيد طيور الجنة!!

وإذا بهم يحولون سوريا إلى بركان غضب يصب حممه الحارقة على ذاك الطاغية وزبانيته، في وطن لم يصنع لأطفاله سوى رصاصة وكفن ! ذلك الكفن الذي استحال مشنقة التفت حول عنقه الدنس ليضعه في مزبلة التاريخ مع من سبقه إلى الخزي والعار، ورأس تلك الصغيرة التي تطلب الرحمة من جلادها وقاتلها وهو يسن سكينة ليقطع بها رأسها الجميل مع جديلتها الذهبية، طار هناك في السماء بعيدا حيث ينظر إلى نهاية هؤلاء المجرمين، ولتستقبل طيور الجنة ليغنوا معا بأصواتهم الملائكية أنشودتهم الأخيرة بسقوط الطاغية ولتنشد معهم سوريا أنشودة الحرية.

=================

سيناريو حل القضية السورية

أنور ماجد عشقي

عكاظ

11-6-2012

بدأت على المسرح السياسي تظهر بدايات سيناريو الحل للمشكلة السورية، وهذا السيناريو يسير على مسارين، مسار يتمثل في مشروع قرار يتعلق بمجلس الأمن، ينص على فرض عقوبات على أركان النظام السوري بموجب الفصل السابع، ومسار آخر يتمثل في تحرك روسي لعقد مؤتمر دولي، بهدف إنهاء حكم الأسد، بمعنى تغيير ممثل النظام بدلا من تغيير النظام.

لقد كان التوجه الدولي معززاً من الإعلام أن تتركز التجاوزات التي يمارسها النظام السوري على الرئيس بشار الأسد، لأنه من الصعوبة بمكان أن يقصى على النظام بمؤيديه وأتباعه، فقد أعد بشار ليكون كبشاً للفداء، ففي حالة إقصائه يصبح الحوار ممكناً بين الثوار والمعارضة مع باقي أشخاص النظام للوصول إلى حل يتفق مع المطالب الشعبية، واليوم أصبح السيناريو قابلا للتطبيق، وهو ما طبق في اليمن.

فالموقف على الساحة السورية يؤكد على أن الثورة قد حققت تقدماً على مختلف الأصعدة، فقد تسربت أسلحة من الخارج قادرة على قصف مواقع قيادات النظام مثل الهاون 60 مم، كما وصلت قطع من الأسلحة الفعالة ضد الدبابات مثل البازوكا التي تحمل على الكتف.

وعمد النظام إلى أسلوب التخويف والانتقام، وجر الثورة إلى الحرب الأهلية بعمليات المجازر اللاإنسانية في كل من الحولة والقبير، لكن هذه الممارسات أخرجت بعض التجار من دائرة النظام إلى صفوف الثوار، خصوصاً وقد نجح جيش سورية الحر في اختراق قلعتي النظام في حلب ودمشق، مما يؤكد على أن الثورة ليست عفوية، وأن قيادات الثوار ليست ارتجالية.

كل ذلك ترك آثاره على الموقف الدولي، فروسيا وجدت أن ميزان الموقف يميل إلى صالح الثوار، فإذا لم تغير موقفها فإنها سوف تخرج كلياً من الساحة العربية والشرق أوسطية، لهذا أخذت تتخلى عن الأسد أو على الأقل تحميله كل الأخطاء، وهو ما سبق أن نصحت به الرئيس حافظ الأسد حينما اقترح الاتحاد السوفيتي عليه تحميل المسؤولية لرفعت الأسد، في مقابل حفنة مجزية من الدولارات، وأن يخرج من سورية محملا بتبعات مجازر حماة.

لقد بدأت ملامح السيناريو تظهر، مما يؤكد على أن الانفراج في الموقف أصبح وارداً ومقبولا، فإذا تأخر فإن الثوار لن يرضوا إلا برؤوس النظام، ومن تلوثت أيديهم بدماء الشهداء، فالموقف لا يحتمل التأخير.

=================

ماذا يعني روسيا من الطائفية

منصور محمد مكين

عكاظ

11-6-2012

نعم أستطيع القول إن الموقف الروسي له عدة أهداف وفي مقدمتها قياس قدرتها أنها لاتزال دولة عظمى. فهي منذ تفككها قبل عشرين عاما لم يعد لصوتها صدى ولهذا فموقفها من القضية السورية هو إعلان عودتها كدولة عظمى. روسيا تعارض وبشدة كل توجهات مجلس الأمن لإيجاد حلول لما يحدث في سوريا من مجازر وقتل واعتقالات. أي قهر وطغيان النظام على الشعب بكامله. كل هذا يحصل والموقف الروسي يزداد تصلبا، وتزود النظام السوري بالأسلحة علنا لقمع الشعب وبكل ما يحتاج النظام ليزداد القتل وليبقى النظام. من منطلق وقوف روسيا مع النظام السوري الذي أكده الرئيس الروسي بوتين عندما أكد أن روسيا لن تخضع لأي ضغوط دولية.

وطبيعي هذا الموقف الروسي الذي سيأتي بالأسوأ، وسيزداد النظام عنفا ضد الشعب وهذا بديهي كونه يعتمد على دعم دولة عظمى، الموقف الرسمي مخز وغير إنساني يدعم نظاما يرتكب مجازر يشهدها العالم بأسره ويدينها. فهل يعقل أن تكون روسيا الدولة العظمى فاقدة إنسانيتها لتدعم نظاما يقتل شعبه بوحشية من أجل تحقيق أهداف مهما كان ارتباطها بالنظام..

بعد الموقف الروسي غير المبرر في مجلس الأمن واتخاذها حق (الفيتو) ضد القرار الدولي الذي يطالب النظام بالتوقف عن القتل، سألت نفسي عن السبب الذي جعل روسيا تتخذ ذلك الموقف فلم أجد ما يقنعني.. لم يطل الوقت حتى جاءت المفاجأة عندما صرح وزير خارجية روسيا الذي جاء بالطائفية والتي لا أعرف وقتها من أي باب كان سيدفع بها في هذا الصراع. فقد أدبى خوفه من سقوط النظام وسيطرة السنة. وهنا يتضح الموقف الروسي وذهابه إلى الطائفية ليدعم هدف إيران التي بدأت تبذل من أجله كل الدعم وتؤكد عدم قبول سقوط النظام السوري.. وهنا يتأكد لنا أن الهدف الروسي أبعد من سوريا وإنما الارتباط بأكثر من دولة قريبة منه جغرافيا. الموقف الآن في غاية الخطورة إذا تأكد لنا حقيقة الأهداف المستجدة وأصبحت الطائفية هي المرتكز الحقيقي للصراع، وكون الهدف أخذ هذا المنحى فالقتل والمجازر الجماعية ستزداد فالداعمون للنظام روسيا وإيران غير معنيين بمن يقتلون وكل ما يعنيهم بقاء النظام.

وأخيرا.. يتخوف السيد بان كي مون ومعه الكثير من الدول من وصول الوضع السوري إلى الحرب الأهلية. وهذا استنتاج أراه بعيدا عن الواقع فالصراع الدائر بين شعب يطالب بحريته ونظام وحزبه البعثي. ومن يعرف سوريا يجد أنها لا تخضع للحكومة فقط وإنما للحزب والحكومة، والصراع لن يخرج عن هذا المفهوم وسوف يبقى في حدوده. ولهذا يجب أن ندرك أن حزب البعث المسيطر على كامل مفاصل الدولة هو من يقف حائلا أمام نجاح الثورة إلى الآن. فالخوف ليس من الحرب الأهلية فهي غير متوقعة وإنما من الدول الداعمة للنظام وحزبه البعثي.

=================

لافروف في مقهى الشبيحة!

خلف الحربي

عكاظ

11-6-2012

يقول المثل الشعبي : (من عاشر القوم أربعين يوما صار منهم) والسيد لافروف وزير خارجية روسيا عاشر شبيحة دمشق لسنوات، وأكل معهم الفتة والمكدوس حتى غرقت كل خلايا دماغه بالزيت، وأصبح يفكر بطريقة مقلوبة مثله مثل أي شبيح أصلي من أزلام الأسد، لقد تشرب خطابهم حتى أصبح مؤهلا لوظيفة مذيع في قناة «دنيا» !.. بل أنه في بعض الأحيان وكأنه ضابط اتصال مع مكاتب الحرس الثوري الإيراني مهمته الأساسية إنقاذ رقبة طاغية دمشق ومساعدته كي يرتكب المزيد من المجازر ضد المدنيين الأبرياء.

يقول لافروف إن روسيا ستقبل بكل سرور تنحي بشار الأسد (إذا توافق السوريون على ذلك)، وهذا احتيال رديء ..لأن العالم من أقصاه إلى أقصاه يرى السوريين وهم يضحون بأرواحهم وأرواح أولادهم كي يقولوا لهذا السفاح : أغرب عن وجوهنا، فتوافق السوريين على التخلص من الطاغية المستبد ثابت ومكتوب بدماء آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، ولا أظن العالم اليوم يشهد ثورة ضد النظام الحاكم أكثر أصرارا وشراسة من تلك التي تشهدها سوريا، فالسوريون في كل يوم يعلنون رفضهم لحكم بشار والبنادق مصوبة إلى رؤوسهم، فهل يشك لافروف أنه لو توقفت دبابات الأسد عن قصف البيوت وتوقف شبيحته عن نحر الأطفال بالسكاكين لمدة 24 ساعة فقط فإن السوريين سيتوافقون في اليوم التالي ويخرجون بمظاهرات مليونية وهم يهتفون : (الشعب يريد بشار) ؟!.

ويقول لافروف إن بلاده سوف تنظم مؤتمرا لحل القضية السورية، وسوف تكون إيران أحد المشاركين في هذا المؤتمر، ويستغرب من المعارضة الدولية لمشاركة إيران في المؤتمر، فهو يرى أن «حرمان أيران من لعب دور في حل الأزمة السورية غير منطقي»!، وهذا احتيال أشد رداءة ..لأن السبب الأكبر في تفاقم الأحداث في سوريا من خلال دعمها السافر للطاغية، فكيف تكون جزءا من الحل؟، ما هي صفة إيران بالنسبة لقضية سوريا؟، هل هي دولة مجاورة لسوريا؟، هل صدرت عنها أية مبادرات لإنقاذ الشعب السوري، أم أنها سخرت كل طاقاتها الاستخباراتية والعسكرية للمشاركة في مذابح الطاغية؟، هل تحضر إيران بصفتها الطائفية كي تخسر الثورة السورية شعارها الأساسي الذي يؤكد على الوحدة الوطنية وإقامة الدولة المدنية التعددية؟!.

ليس لإيران صفة تحضر بها هذا المؤتمر سوى أنه بمشاركتها تكتمل أطراف العصابة؟، وتخيلوا أي مصير ذلك الذي ينتظر الشعب السوري إذا كان المؤتمر الدولي الذي سوف ينقذهم من الذابح يديره شباب أفذاذ من الشبيحة والحرس الثوري والمافيا الروسية؟. الطريف أن لافروف رد على معارضة الأمريكان لمشاركة إيران في هذا المؤتمر بقوله «الأمريكيون براغماتيون، وعندما يريدون لا يعيرون اهتماما للمشاكل الأيديولوجية .. ونحن نتحدث عن إنقاذ حياة الناس». كم أنت حنون يا سيد لافروف؟! .. لقد قطعت نياط قلوبنا بحنانك الأيديولوجي الذي تشهد له مدن الشيشان!.

يعترف لافروف بأن خطة عنان تتعثر، ولكنه يصر على عدم اللجوء إلى أية خطة أخرى!، ويؤكد أن بلاده سوف تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يهدف إلى إنقاذ الشعب السوري، وهو هنا يعمل بشكل واضح على استمرار الوضع في سوريا على ما هو عليه الآن بذات الخطة الدولية (المتعثرة) بحيث تستمر المجازر وتقصف المدن ويقمع الشعب الثائر بالرصاص الحي، بل إن لافروف يفعل أكثر من ذلك، حيث يتبنى خطاب قناة «دنيا» حين يؤكد أن ما يحدث في سوريا هو من صنع جماعات إرهابية مسلحة مدعومة من الخارج تحاول نشر الفوضى وتستهدف المدنيين ودور العبادة!.

لافروف وزير خارجية روسيا يبدو محتالا أنيقا وهو يجلس في مقهى الشبيحة يتناول فنجان القهوة بهدوء وهو واثق أنه لن يدفع الفاتورة .. فالحساب مدفوع في طهران!.

=================

ظِل الأب... الأسد وربيع دمشق

تاريخ النشر: الجمعة 08 يونيو 2012

الاتحاد

"يلا، ارحل يا بشار!"، هكذا اعتادت الجماهير السورية أن تهتف في الاحتجاجات والتظاهرات التي تنطلق في كافة مدن ومناطق سوريا، منذ أن اندلعت انتفاضتها ضد نظام حكم الأسد منذ حوالي عام ونصف العام. وفي مدينة حماة التي عانت من مذبحة دموية على يد الأسد الأب منذ ثلاثة عقود، دأب المحتجون على رفع لافتات مكتوب عليها "الولد سر أبيه".

مشاعر الكراهية الحالية التي يحملها الشعب السوري تجاه رئيسه، تختلف اختلافاً بيناً عن المشاعر التي سادت عندما تولى الحكم بعد وفاة أبيه عام 2000، حينما كان الانطباع عن الرئيس الجديد الشاب إيجابياً لحد كبير مقارنة بوالده الصارم. هذا ما يقوله فؤاد عجمي في كتابه الذي نعرضه هنا، وعنوانه "التمرد السوري".

كان بشار الأسد الذي تلقى تعليمه في أرقى المدارس والجامعات في سوريا، وتخرج كطبيب عيون، ودرس في لندن، كان يبدو شاباً طموحاً متشوقاً للإنجاز، مما جعل الكثيرين يرون فيه رئيساً واعداً قادراً على فتح أبواب السجن الممتد على مساحة الوطن السوري بأسره تحت حكم والده. كان انطباع الزعماء العالميين الذين حضروا جنازة الأسد الأب إيجابياً عن الرئيس الجديد، حيث وصفوه بالزعيم الشاب ذي النزعة الإصلاحية، ويمتلك التصميم الكافي على تحديث بلاده.

في بدايات حكمه، كثر الحديث عن "ربيع دمشق"، خصوصاً بعد أن بدأ الرئيس الشاب يقوم ببعض المبادرات واللفتات الصغيرة التي كانت تعطي انطباعات إيجابية، كتردده على المطاعم والأماكن العامة من دون حراسة تذكر، وتباسطه الزائد مع الناس الذين يقابلهم. وتعززت شعبية بشار عندما أفرج عن مئات المعتقلين السياسيين. وتمنى الشعب السوري أن يستمر الرئيس على هذا الطريق، وألا تلتف حوله طغمة فاسدة تعزله عن الناس وتجعله غير قادر على الإحساس بنبضهم والاستجابة لتطلعاتهم. لكن ما تخوف منه الشعب سرعان ما تحقق، فعاد المجال السياسي الذي بدا ينفتح شيئاً فشيئاً للانغلاق مجدداً، وحدثت عملية انتقال بالفعل، لكن ليس من الاستبداد للعدل، وليس من حكم الحزب لحكم الشعب، وإنما من حكم الحزب لحكم الطائفة، ومن حكم الطائفة لحكم العائلة، ثم استحكم الانغلاق وانسدت آفاق العمل السياسي.

وقيل في حينه إن بشار لا يملك من أمر نفسه شيئاً، وإنه مجرد دمية تحركها أيدي أعضاء الحرس القديم ممن خدموا مع والده، وإنه لا يمتلك كافة مقاليد السيطرة على سوريا وهي: الطائفة العلوية، والجيش، وقوات الأمن، وحزب "البعث".

وبعد أن صدّق الكثيرون من أبناء الشعب وعود الرئيس الجديد بالانفتاح السياسي، سرعان ما جوبهوا بالرفض والتضييق والقمع من قبل الأجهزة الأمنية التي أغلقت المنابر السياسية، وزجت بالمعارضين في غياهب السجون.

المفارقة اللافتة في هذا الشأن أنه رغم أن الأسد الأب ينحدر من بيئة ريفية خشنة، وشق طريقه بمشقة بالغة، ووصل بالدأب والحيلة والدهاء لقمة المؤسسة العسكرية، وأن ظروف حياته تختلف عن ظروف حياة بشار الذي عاش حياة مرفهة لحد كبير، وتلقى تعليماً راقياً، وتزوج زواجاً مريحاً من فتاة شابة ولدت وترعرعت في بريطانيا... فإن التجربة أثبتت أن شخصيته أكثر استبداداً وعناداً وقسوةً من والده الذي كان أكثر مرونة، وأكثر براعة من الناحية السياسية، وأكثر قدرة على تكوين العلاقات، والمحافظة على التوازنات الداخلية والخارجية، خلافاً لبشار الذي افتقد لتلك الخبرة وافتقد للمرونة المطلوبة التي كانت كفيلة بتمكينه من الاستجابة لمتطلبات مجتمع معقد، وبيئة غاية في الصعوبة، خصوصاً وقد أحاط نفسه بحاشية فاسدة، وبالتالي لم يكن أمامه من طريق للاستجابة لكل ذلك إلا عبر اللجوء للقمع والعنف ثم المزيد من العنف حسبما يرى "برهان غليون".

وعندما تفاقمت الأحوال في سوريا وانهارت المعادلة التقليدية، وهي الخبز مقابل الحرية، ووصل معدل من يعيشون على أقل من دولارين يومياً في ذلك البلد ل30 في المئة، وباتت القطاعات الرئيسية في الاقتصاد بأيدي عائلة الأسد وأقربائهم، لم يعد الشعب قادراً على تحمل قمع هذا النظام الديكتاتوري وفساده.

وحانت اللحظة التي فاض فيها الكيل بالشعب السوري. وعندما أدرك أنه بات قادراً على دفع ثمن الحرية، ثار على حكامه متأثراً برياح "الربيع العربي". وكانت استجابة النظام لذلك التمرد الشعبي عبارة عن مزيج من العنف الدموي ووعود الإصلاح في آن، وهي استجابة لم تنجح حتى الآن في كبح التمرد. لكن بشار لا يزال متشبثاً بالسلطة ويخوض حربه الخاصة، إلا أن ذلك التشبث قد لا يطول خصوصاً وأن الثوار تعهدوا بألا تحل نهاية عام 2012 إلا وقد تخلصوا من ديكتاتورية عائلة الأسد التي حاول الابن فيها أن يخرج عن ظل أبيه لكن الأحداث والتطورات دفعته ليعاود الاندماج به.

سعيد كامل

الكتاب: التمرد السوري

المؤلف: فؤاد عجمي

الناشر: هوفر إنستتيوشن برس

تاريخ النشر: 2012

=================

الصراع على سوريا: ثلاثة نطاقات جيوسياسية

تاريخ النشر: الجمعة 08 يونيو 2012

الاتحاد

تميزت السياسة السورية خلال القرن العشرين بالتقلبات الناجمة عن تنافس ثلاثة نطاقات جيوسياسية في الشرق الأدنى على سوريا، هي العراق وتركيا ومصر. وهنا تكمن الأسباب الرئيسية وراء سلسلة الانقلابات التي شهدتها سوريا بين عامي 1949 و1970، كما يكمن جانب مهم من أسباب الانتفاضة السورية الحالية... رغم فترة الاستقرار التي عرفتها سوريا في عهد حافظ الأسد، بفضل سلطته القوية وسيطرته على دمشق كمحور أساسي لبلاد الشام عامة. تلك هي الأطروحة الأساسية لكتاب "صراع القوى الكبرى على سوريا"، لمؤلفه الدكتور جمال واكيم، والتي دفعته للغوص في التاريخ محاولا المقارنة بين سوريا في القرن العشرين وسوريا في العهود السابقة منذ فجر التاريخ وحتى أواخر القرن التاسع عشر، مروراً بالعهود المصرية والسومرية والبابلية والأشورية والفارسية والهيلينية والرومانية والبيزنطية والعربية والعثمانية، حيث يوضح أن سوريا شكلت على الدوام ساحة تجاذب بين نطاقات جيوسياسية ثلاثة في منطقة الشرق الأوسط، هي بلاد ما بين النهرين (العراق)، وبلاد الأناضول (تركيا)، ومصر.

وكانت سوريا، أو بلاد الشام الممتدة من حدود فلسطين مع سيناء ومن خليج العقبة جنوباً إلى لواء إسكندرون المتاخم لمنطقة كيليكيا شمالا، ومن ساحل البحر المتوسط غرباً إلى البادية السورية حتى منطقة البوكمال على ضفاف الفرات شرقاً... تتوحد حين يقع نطاقان من النطاقات الثلاثة، أو الثلاثة معاً، تحت سيطرة قوة واحدة، كما كانت الحال أيام الرومان والبيزنطيين والأمويين والعباسيين، وتقسم حين كانت النطاقات الثلاثة تقع تحت سيطرة ثلاث قوى مختلفة كما كان الحال أيام الأخشيديين والبيزنطيين والبويهيين، ثم خلال عهود الفاطميين والسلاجقة والبيزنطيين. ومن تتبعه لهذه المراحل، يلفت انتباه المؤلف افتقاد سوريا إلى دينامية ذاتية تمكنها من الفعل، واعتمادها دائماً على التناقض بين القوى الإقليمية والدولية والعظمى، مما كان يتيح لها اعتماد سياسة رد الفعل وكسب الوقت وتوظيف قوة ضد أخرى، فتؤدي بذلك دوراً أكبر من إمكاناتها الحقيقية. هكذا كانت خلال عهد الأمويين الذي أسس له معاوية بن أبي سفيان ودام قرنين، فكانت عاصمة العالم ومركزه، وخلال عهد حافظ الأسد الذي استطاع هو أيضاً توريث الحكم لابنه. لكن مما يسجله المؤلف أن الأسد الأب الذي لعب لعبة السلطة بشكلها الميكيافيلي إلى حده الأقصى، واستطاع الحد من تأثير العوامل الإقليمية والدولية على السياستين الداخلية والخارجية، الأمر الذي تطلب مهارات نادرة منه للموازنة بين التناقضات وتحويله لمصلحته. كما استطاع موازنة التناقضات الداخلية بين المناطق والقبائل السورية المختلفة. لكن بالمقابل، أخفق الأسد الابن في الإمساك بزمام التناقضات بين المناطق الريفية والمدنية، مناطق الساحل والقلب، الشمال والجنوب، المناطق الشرقية والمناطق الغربية... مما هيأ الأمور لربيع عام 2011، حيث انفجرت الأزمة وراحت ترسم لنفسها نطاقاً أوسع يوماً بعد آخر. وكان من شأن السياسات الداخلية غير المتوازنة، أن أحدثت حركة نزوح كثيفة من الريف إلى المدينة، وأثّرت في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للطبقة الوسطى. لذلك لم يستغرب المؤلف أن يأتي الانفجار من المنطقة الجنوبية، أي من درعا، نتيجة لتأثرها بالثورة المصرية، حيث كانت تاريخياً تتأثر بالنطاق الجيوسياسي المصري. ثم سرعان ما دخل الأتراك على الخط. أما النطاق الجيوسياسي العراقي فكان لا يزال واقعاً تحت التأثير الولايات المتحدة التي أطلقت منذ عام 2003 سياسة الفوضى الخلاقة لبناء "الشرق الأوسط الجديد"، وضمن ذلك تحجيم النفوذ السوري في لبنان و"عزل سوريا" تمهيداً لإسقاط نظامها.

ويشخص الكتاب نقطة الذروة في صراع القوى على سوريا، حين يصل إلى موقف إيران التي رأت في المخطط الأميركي لإسقاط النظام السوري، وفي الدعم التركي والعربي للانتفاضة الشعبية ضده، تهديداً لمصالحها وعزلا لها في حال إزالة نظام الأسد، فسارعت لدعمه، وتبعتها في ذلك كل من روسيا والصين خوفاً من سقوط الشرق الأوسط بالكامل في يد الولايات المتحدة. وكما يقول المؤلف -معتمداً على شواهد التاريخ- فإن من يسيطر على سوريا يمكنه إحكام القبضة على العراق وتركيا ومصر التي تشكل سوريا نقطة التقاء بينها، ومن يسيطر على هذه النطاقات الجيوسياسية الثلاثة، تمكنه السيطرة على الشرق الأوسط، ومن ينجح في ذلك تمكنه السيطرة على العالم.

محمد ولد المنى

الكتاب: صراع القوى الكبرى على سوريا

المؤلف: د. جمال واكيم

الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر

تاريخ النشر: 2012

=================

التدخل في سوريا... مبرَّرٌ وعادل

تاريخ النشر: الإثنين 11 يونيو 2012

آن ماري سلوتر

الاتحاد

عارض هنري كسينجر في مقاله المنشور بصفحة الرأي بهذه الصحيفة في الرابع من يونيو الحالي التدخل في سوريا، على أساس أن هذا التدخل سوف يعرض أسس النظام العالمي للخطر. وقد استند كسينجر في تحليله على حجة واهية تستخدمها الحكومتان الروسية والصينية مفادها أن الهدف من التدخل الخارجي في سوريا "هو السعي لإحداث تغيير في النظام هناك".

لكن الحقيقة هي أن الهدف من التدخل في سوريا هو إيقاف عمليات القتل، وإجبار "الأسد" وحكومته على الوفاء بمطالب الشعب السوري، من خلال القيام بالإصلاحات المطلوبة وليس من خلال المدافع. وإذا ما توقف القتل، فإنه لن يكون واضحاً ما هو الشكل الذي ستتخذه العملية السياسية، ولا عدد الملايين الذين سيخرجون للشوارع والذين ستدعمهم طوائفهم وفئاتهم المختلفة.

ومن المؤكد تقريباً أن غالبية السوريين سوف يطالبون بتخلي الأسد عن منصبه، غير أن ذلك سيكون من خلال صناديق الاقتراع أو عبر تسوية سياسية متفاوض عليها، تترك الدولة السورية بمكوناتها الأساسية، المتمثلة في البيروقراطية والجيش والقضاء، سليمة ومتماسكة. ويشار في هذا السياق إلى أن الفوضى والعنف المريع اللذين اندلعا في العراق بعد الغزو الأميركي، كان سببهما الرئيسي إصرار الإدارة الأميركية على تدمير تلك المؤسسات الحيوية وليس صدام حسين فقط.

ومن باب التحذير والعظة، لا يشير كسينجر، وغيره ممن لا يحبذون التدخل في سوريا، لمثالي العراق وليبيا فقط، وإنما نراه يضم ليبيا مع اليمن والصومال ومالي في حزمه واحدة، ويشير إليها على أنها "فضاء خال" على الخريطة يؤشر إلى "الفوضى والخروج عن القانون". لكن "جوان كول"، المحللة السياسية التي زارت ليبيا مؤخراً، والتي توقعت أن ترى درجة معينة من الفوضى، تقول إنه لم يكن هناك في بنغازي أو مصراتة أو حتى طرابلس "رجال ميليشيات يمكن رؤيتهم في الشوارع، بل على العكس تماماً، حيث كانت معظم الأشياء تعمل بصورة طبيعية كما كان هناك رجال مرور عند تقاطعات الشوارع والميادين، ومهرجانات أطفال تعمل حتى ساعة متأخرة من المساء، وأسر تخرج للتنزه وللتسوق، ومحال مجوهرات مفتوحة حتى الثامنة مساءً، وعرب وأفارقة يعملون جنباً لجنب"، دونما مشكلات.

وتوصلت "الإيكونوميست" لنفس الخلاصة مطلع هذا العام، حيث نقلت توقعات اقتصادية متفائلة في ليبيا.

لقد كان كسينجر على حق في قوله في نهاية مقاله إن عمليات "الناتو" في ليبيا بدت كمجهود للإطاحة بالقذافي من السلطة، غير أن ذلك لم يكن يرجع إلى أن طائرات "الناتو" دمرت معدات ومراكز القيادة والسيطرة في طرابلس التي كان القذافي وجنرالاته يصدرون منها الأوامر بتنفيذ المذابح ضد الشعب الليبي، وإنما لأن تلك الطائرات التابعة للحلف، لم تسع أبداً لحماية المدنيين الذين يساندون القذافي ضد قوات المعارضة.

لكن الاستجابة لهذا الهاجس لا تكون عن طريق معارضة التدخل في سوريا، وإنما بدعم قرار مجلس الأمن الدولي المتضمن لحدود واضحة بشأن الاستخدام المحدود للقوة.

ومثل هذا القرار الذي سيتعين أن يلي تقديم طلب من قبل الجامعة العربية، وينبغي أن يؤكد العزم على إقامة مناطق عازلة "يحظر فيها على السلطات السورية ممارسة القتل، وذلك بكافة الوسائل الممكنة، ما عدا وضع قوات أجنبية على الأرض. وهذه الوسائل تشمل التزويد بمعدات وأجهزة الاتصالات والاستخبارات، والأسلحة المضادة للدبابات والمضادة للهاونات، والدعم الجوي -وهذا هو الأهم- ضد دبابات وقوات الجيش النظامي السوري التي تسعى لدخول واجتياح تلك المناطق، علماً بأن تقديم ذلك الدعم سيتطلب أيضاً شل الدفاعات السورية.

وادعى كسينجر أن روسيا والصين تدعمان الحفاظ على مقومات النظام الدولي التي لا ينبغي للولايات المتحدة الاستهانة بها وتنحيتها جانباً، وأهمها على الإطلاق مبدأ السيادة الذي ينص على أن الحكومة صاحبة الشأن لها الحق في حكم شعبها والسيادة على أراضيها من دون تدخل من جانب أي دولة أخرى، على أن يقابل ذلك التزام من جانب هذه الدولة ذاتها "صاحبة الشأن" بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.

ويؤمن أوباما بمبدأ السيادة، مع التركيز في المقام الأول على أنه يعني في ذات الوقت مسؤولية كل دولة عن حماية مواطنيها، كما يؤمن بأن الدفاع عن هذا المبدأ سوف ينتج عنه عالم أكثر استقراراً ورخاءً واتساقاً مع القيم العالمية. ومثل هذا العالم سيكون أفضل للأميركيين ولمليارات البشر غيرهم في أركان المعمورة الأربعة.

لكن تطبيق هذا المبدأ يتطلب أن يتم إظهاره، وبشكل سريع وحازم، أنه حينما تتجاوز دولة ما حدود الإبادة الجماعية، أو تمارس جرائم ضد الإنسانية، أو تقترف تطهيراً عرقياً أو جرائم حرب خطيرة وممنهجة ضد شعبها، فإن العالم لن يقف مكتوف الأيدي، بل سيتصرف حيال تلك الدولة بالقوة، إذا ما لزم الأمر، وبموافقة المنظمة الإقليمية المعنية، وأغلبية أعضاء مجلس الأمن الدولي. وعندها فقط سوف يبدأ الطغاة في التفكير مرتين قبل الإقدام على أي جريمة بحق شعوبهم.

آن -ماري سلوتر

كاتبة ومحللة سياسية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"

=================

كيف دمر نظام الأسد سوريا؟

تاريخ النشر: الإثنين 11 يونيو 2012

د.خالد الحروب

الاتحاد

سلسلة الكوارث التاريخية التي جلبها نظام الأسد الأب لسوريا والعرب خلال العقود الماضية يتوجها نظام الأسد الابن بإضافات كارثية ستدخله الصفحات السوداء في التاريخ. أبواق النظام وآلته الدعائية يطبلون ويزمرون على وتر "الممانعة" و"المقاومة" وشعارات استغباء الناس ويعيدون تدوير الكوارث والجرائم التي ارتكبها النظام، ثم يتهمون بها الشعب السوري نفسه وثواره. والنظام يخلق الكارثة ويقوم بتصنيع الجريمة المادية والسياسية والأخلاقية ثم يتصايح ضد معارضيه متهماً إياهم باختلاقها، ويبدأ بالنواح والندب الحاراتي والتجييشي مدعياً البراءة والطهر. وليست هذه عبقرية في الأداء، بل هو انحطاط أخلاقي مطلق ومستنسخ في تكرار يستدعي الاشمئزاز أكثر من أي شيء آخر. ولكن "العبقرية" التي يُشهد للنظام بها هي استمراره في التلاعب بتوظيف أصوات كثيرة ما زالت مخدوعة بقصة "ممانعة النظام" و"المخطط الاستراتيجي" الذي يستهدف إسقاطه. ولنتأمل جردة الكوارث التي "أبدع" الأسد الابن في جرها على سوريا والعرب في زمن قياسي ويصر مناصروه على إدارة ظهورهم لها وغض النظر عنها، وهي حقائق سجلها الواقع ولا يزال.

الكارثة أو الجريمة الأولى التي ارتكبها النظام تتمثل في عسكرة الثورة السورية ودفعها دفعاً إلى السلاح. لا أحد يمكن أن يجادل في إصرار الثورة وعلى مدار أشهر طويلة على سلمية الأداء وسلمية الأدوات. كان السوريون وببساطة يستلهمون التجربتين التونسية والمصرية حيث أسقطت الثورتان هناك النظامين الديكتاتوريين عبر الاحتجاج السلمي والمظاهرات ومن دون اللجوء إلى السلاح. والحس الشعبي العام، فضلاً عن الوعي النخبوي، كان يدرك في كل هذه الحالات، وعلى رأسها الحالة السورية، أن استخدام السلاح هو ما يتمناه النظام والأجهزة الأمنية، وهو ما تريد هذه الأجهزة توريط الناس فيه. فما أن يتم استخدام قطعة سلاح واحدة حتى تنطلق فيالق وفرق الأمن والجيش والدبابات لتسحق "العصابات الإرهابية المسلحة". ومرة أخرى تنسخ الديكتاتوريات عن بعضها بعضاً إذ تستفزها حركات الاحتجاج السلمي لأنها تكبل يدها الأمنية المتوحشة وتسحب منها مسوغ "الضرب بيد من حديد". ولهذا فإن الممارسة التقليدية هي توفير السلاح في الشارع وإغراء أية عناصر باستخدامه وسط الاحتجاجات السلمية، وإن لم ينجح هذا فلا بأس من قتل بعض عناصر الأمن هنا أو هناك واتهام "العناصر الإرهابية" و"المتسللين" بذلك، وبهذا يتم قمع الثورة السلمية بأعتى قدر من البطش المسلح. والنظام السوري اتبع هذا النص حرفاً بحرف، وعلى مدار أشهر طويلة من الاحتجاج السلمي أمعن في القتل والبطش وفي عسكرة الاحتجاجات، حتى صارت الثورة مسلحة فعلًا. وهنا دخلت سوريا والشعب السوري نفقاً مظلماً لأن فتح الساحة السورية للعمل المسلح كما هو الوضع حالياً يعني خروج السيطرة عليه من يد الدولة الباطشة نفسها، ومن يد الثوار. ونظام الأسد هو الذي يتحمل هذه الجريمة الكبرى، وهو الآن وأبواقه يتصايحون بأن هناك جماعات مسلحة و"قاعدة" وسلفيين جهاديين يقاتلونه في سوريا. والنظام ولا أحد غير النظام هو الذي تسبب في الوضع الراهن.

والكارثة أو الجريمة التاريخية الثانية التي ارتكبها نظام الأسد الابن هي إعادة إنتاج جريمة من ذات الصنف ارتكبها الأسد الأب، وهي تكريس الطائفية وتدمير النسيج الوطني السوري. ومرة أخرى ستسجل الوقائع التاريخية على الأرض كيف أن الثورة والناس العاديين كانوا يضعون أيديهم على قلبهم في كل خطوة يخطونها في الشهور الأولى، نافين عنها أي شعار طائفي. كان الجميع منشغلاً بالتركيز على سوريا والسوريين وبأن الثورة فيها الكل وتعبر عن الكل، وهو ما كان ولا يزال الواقع، وكل ذلك هروباً إلى آخر الشوط من أية تصنيفات طائفية. ولكن النظام الذي ترعرع على سياسة "فرق تسد" وتوظيف هذا الطرف السياسي أو الطائفي ضد ذاك، سواء في سوريا أو لبنان، سحب من الرف وسيلة التسعير الطائفي والاحتماء بالطائفة. وهكذا ومرة أخرى بدت العقلانية والحرص الشديد النابع من حس السوريين وخشيتهم على بلدهم في واد لا علاقة له بواد الرداءة السياسية التي يرتع فيها النظام. فقد شغل النظام "شبيحته" لإمعان القتل والتقتيل الطائفي في المدن والقرى المختلطة طائفياً، وسرعان ما برزت وتجذرت خطوط التماس الطائفي. وبطبيعة الحال تفاقم الخطاب الطائفي لأن هناك جماعات أصولية تقف على الحدود الجغرافية والفكرية تفرك يديها كي تنزلق الأمور في سوريا على ذلك النحو لأنها وإن كانت تختلف مع النظام طائفياً وإيديولوجياً، إلا أنها تلتقي معه في البعد الطائفي وتقسيم الناس والأوطان بحسب الاستقطابات الطائفية. ونظام الأسد مسؤول تاريخياً عن مستنقع الطائفية الذي يدفع الجميع إليه في سوريا، ومع ذلك يتصايح هو وأبواقه متهمين الآخرين بالطائفية واستخدامها.

والكارثة أو الجريمة التاريخية الثالثة التي يرتكبها نظام الأسد الابن هي استدعاء التدخل الخارجي بهذه الصورة أو تلك. لم يستمع النظام للاحتجاجات السلمية، ولم يلق بالاً لأية مبادرات سياسية إن من قبل الجامعة العربية أو الأمم المتحدة، ولم ينظر بأي قدر من الجدية للمعارضين والثورة بملايينها واعتبرهم عملاء للغرب وإرهابيين وسوى ذلك. وكان رده الوحيد على مطالب الحرية والكرامة هو المزيد من الدماء وسلسلة لا تنتهي من المجازر والاستئساد على الأطفال الرضع وذبحهم في أسرّتهم. ولكن الاحتماء بالخارج لا يمكنه بطبيعة الحال منع سيل الصور اليومية التي تنقل مستوى الجرائم والمجازر التي يرتكبها النظام، ولا يأبه لها. وعدم الاكتراث بأثر الإعلام يدلل على فشل إضافي عند النظام إذ يظن أن بإمكانه النجاة من الثورة والبقاء في الحكم على رغم كل الدم الذي أريق. ثم يظن أن الرأي العام العربي والعالمي سيظل صامتاً أمام هذه الجرائم بسبب الحماية الروسية. إن العالم لا يعيش في زمن الحرب الباردة حيث يستطيع دكتاتور مثل "بول بوت" أن يقتل مليوناً أو اثنين من شعبه فيما العالم مشلول الحركة يراقب ولا يستطيع التدخل. ستنتهي الأمور في سوريا بتدخل خارجي بسبب تعنت النظام ورفضه لكل الحلول والمبادرات السلمية. وهو المتسبب في ذلك، ولكن يدور إعلامه وأبواقه في كل مكان ويتهم الآخرين بما اقترف.

=================

ثوار سوريا... مزيد من القوة على الأرض

تاريخ النشر: الإثنين 11 يونيو 2012

الاتحاد

في الأسابيع الأخيرة كسبت قوات التمرد السورية التي تزداد فعالية على الدوام المزيد من الأرض كما كثفت هجماتها على قوات الحكومة في الوقت الذي كانت فيه أنظار العالم مركزة على الضغط على الرئيس السوري لدفعه نحو تطبيق قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار وإيقاف المذابح ضد المدنيين. ففي الوقت الراهن يقر الجيش السوري الحر المنظم بشكل فضفاض أنه هو أيضاً لم يعد يلتزم بالهدنة على الرغم من أن الثوار يصرون على أنهم لا يقومون بشن هجمات إلا من أجل الدفاع عن المدنيين.

يقول المتمردون أيضاً إنهم قد باتوا قادرين على الحصول على الذخيرة والأموال اللتين كانوا يعانون من نقص منها منذ عدة أشهر، وإنهم يقومون في الوقت الراهن بإعادة هيكلة بنيتهم بحيث تغدو قادرة على الحركة السلسلة ولزيادة درجة التنسيق وإنهم يزيدون الأراضي والمناطق الموجودة في الوقت الراهن تحت سيطرتهم بالفعل.

والنشاط الزائد يأتي محصلة للجهد الدولي المبذول لمساعدة الجيش السوري الحر والذي بدأ يكتسب زخماً. وعلى الرغم من أن الثوار يصرون على أنهم لا يتلقون مساعدة من قبل الدول الأجنبية، فإنهم يؤكدون في الوقت نفسه قدرة كافية على الحصول على أموال من شخصيات المعارضة السورية والمنظمات الموجودة في الخارج وهي الأموال التي يستخدمونها لشراء الإمدادات والتموينات من السوق السوداء التي تم إحياؤها مجدداً في سوريا. وقد قال المسؤولون الأميركيون وشخصيات المعارضة السورية الشهر الماضي أن وتيرة الجهد المبذول سراً لضخ الأموال والأسلحة للثوار- وهو جهد تساعد الولايات المتحدة في تنسيقه- قد بدأت في التزايد خلال الآونة الأخيرة.

والتقدم الواضح الذي حققه المتمردون يؤشر على أن المساعدات التي تقدم لهم قد بدأت تؤتي ثمارها وتدفع بالأمور في سوريا نحو صراع ممتد، مما يمكن أن يزيد الضغط على الحكومة السورية لتقديم تنازلات حتى في الوقت الذي تواصل فيه القوى الدولية استبعاد خيار التدخل العسكري كما يقول المحللون.

على الرغم من ذلك، فإن هؤلاء المتمردين المسلحين في الغالب ببنادق كلاشينكوف هجومية، وقواذف صاروخية "آر.بي.جي" وبعض مدافع "الهاون" مازال أمامهم طريق طويل حتى يكونوا قادرين على إنزال الهزيمة بالجيش السوري النظامي الأقوى عدداً وعدة وتسليحاً بكثير. ليس هذا فحسب بل إنه لا يزال أمامهم طريق طويل حتى يتمكنوا من امتلاك قدرات جيش التمرد الليبي، الذي كثيراً ما تتم السخرية منه، والذي نجح في السيطرة بسرعة على مساحات كبيرة من المناطق والاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر من الجيش الليبي.

يوضح "جيفري وايت" المسؤول السابق بوكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية والذي يعمل في الوقت الراهن خبيراً لدى"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، هذه النقطة بقوله"إن الثوار السوريين لن يكونوا قادرين أبداً على الزحف صوب دمشق وطرد النظام منها"، ولكنه يستدرك بالقول:"ومع ذلك فإن تلك القوات، يمكن من خلال تكتيكات الكر والفر على المواقع السورية النائية والقوافل العسكرية أن "تزيد الضغط على النظام، وتستنزف قواه، مما يؤدي بالتالي إلى تزايد حالات الفرار بين جنوده وضباطه".

يؤمن الرائد "سامي الكردي" المتحدث باسم مجلس حمص العسكري، وهو واحد من المنظمات العسكرية الجديدة التي تتكون في مختلف أرجاء البلاد على ما يقوله "وايت" بقوله:"مع كل يوم جديد نحصل على المزيد من الأراضي وتزداد فيه حالات الفرار من الجيش النظامي وتكتسب فيه المزيد من القدرات على التنظيم والتنسيق بين قواتنا". ويضيف الكردي:"النظام لا يسيطر في الوقت الراهن سوى على المناطق التي يسيطر عليها بدباباته والدليل على ذلك أن جنوده لا يجرؤون على الخروج خطوة واحدة خارج تلك الدبابات".

بيد أن التحقق من هذه الادعاءات أمر صعب لأن الحكومة السورية تمنع دخول الصحفيين. ولكن الخبراء العسكريين الذين يراقبون مجريات الصراع في سوريا يقولون إنهم قد لاحظوا زيادة كبيرة في عدد الهجمات التي تقوم قوات المعارضة بشنها على النظام كما يتبين من البيانات التي يقومون بوضعها على مواقعهم في شبكة الإنترنت.

ولكن ذلك لا يحول دون القول إن القوات الحكومية لا تزال لديها القدرة على استخدام قدر هائل من القوة ضد معاقل المتمردين عندما يختارون ذلك ولكن المشكلة التي يعانون منها أنهم لا يستطيعون استغلال تلك القوة الهائلة في جميع المواقع والمناطق التي يتواجد بها متمردون في نفس الوقت" كما يقول عمر العزم أستاذ التاريخ بجامعة شاوني ستيت في أوهايو والذي ينشط في المعارضة السورية في الوقت الراهن.

نتيجة ذلك هو أن مساحات كبيرة من الأرض -آخذة في الزيادة- تقع في وسط وشمال سوريا قد باتت الآن تحت السيطرة الفعلية للثوار كما يقول جوزيف هوليداي البحث الذي يتعقب نشاط الجيش السوري الحر لمصلحة "معهد دراسات الحرب الذي يتخذ من واشنطن مركزاً له.

وتزايد قوة ونفوذ قوات المعارضة يقلل من احتمالات نجاح وقف إطلاق النار حسب مبادرة الأمم المتحدة والافتراض القابل للتصديق هو أن الصراع سوف يزداد شراسة مع استمرار تلك القوات في الهجوم على قوات الجيش واستمرار الأخيرة في الاستخدام المفرط للقوة وارتكاب المذابح ضد المدنيين مثل مذبحة الحولة ومذبحة القبير.

"بما أن المتمردين يحصلون على المزيد من الأسلحة فإنه ليس أمام النظام من خيار سوى التصعيد" هذا ما يقوله وسام طريف الناشط الذي يتخذ من بيروت مقراً له والذي يعمل مع مجموعة أفاز العالمية للدفاع عن حقوق الإنسان.

ليز سلاي

بيروت

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

=================

الانتفاضة الشاملة الوسيلة الوحيدة لإطاحة الأسد

ادريان هاميلتون ()

المستقبل

11-6-2012

لا توجد "نقطة لا عودة" في سوريا. أو أنه وجدت لغاية الآن واحدة قبل عدة أشهر، عندما أطلق النظام العنان لقواته لسحق المراكز الرئيسية للمعارضة وفشل في قمعها، كما فعل والد الرئيس السوري بشار (الرئيس الراحل) حافظ الأسد في حماه.

والفكرة بأن تشكل مجزرة الحولة نقطة حاسمة شبيهة لاعتداء (الرئيس الليبي الراحل معمر) القذافي على بنغازي، أو المذبحة التي نفذها (الرئيس العراقي الراحل صدام) حسين ضد الأتراك، ما أتاح التدخل الغربي، تبقى لغاية الآن مرغوبة أكثر منها توقعاً محتملاً.

هذا الاحتمال لن يقع. ليس لأن أفعال الرئيس الأسد ليست وحشية بما يكفي، فهي على العكس كذلك. لكن ظروف نجاح تدخل عسكري من الخارج ليست متوفرة. في حالة الأكراد العراقيين، والثوار الليبيين وحتى مسلمي البوسنة، كان بإمكان الغرب فرض سيطرة جوية مطلقة وتغيير ميزان القوى.

لكن سوريا ليست كذلك. الصراع فيها أشمل لكنه أكثر انتشاراً، مسار انتفاضات فردية تغذيها المشاعر المحلية، وقودها رجال فروا من الخدمة العسكرية ومسلحون حتى الآن بكميات محدودة من الأسلحة الخفيفة والذخيرة تمكنوا من الاستيلاء عليها.

وبطريقة معينة، كان ذلك لصالح الثوار. فالقوات الأمنية الحكومية تملك التسليح الكافي لردع التهديدات، لكنها لا تملك الوسائل التي تسمح لها باجتثات المعارضين الذين يقاتلون في المجتمعات المدنية. ولذلك، لجأت دمشق إلى محاولة سحق مراكز المعارضة من خلال المدفعية والاقتحامات العسكرية، ولذلك أيضاً استخدمت ميليشياتها الطائفية لدخول الشوارع والأزقة وارتكاب المجازر بالوحشية التي شاهدناها في الحولة.

الكلفة على المدنيين هائلة. لكن وطالما أن المعارك انتشرت عبر جميع أنحاء البلاد، فإن دمشق تجد صعوبة في إلحاق الضربة القاضية بمدينة معينة، كما تمكنت من فعل ذلك بحماه في العام 1982، أو كما فعل الألمان مع انتفاضة وارسو في العام 1944 عندما وقف الروس موقف المتفرج (تماما كما يفعلون اليوم) وسمحوا بحدوثها.

لكن من الخطأ تشويه سمعة الروس في هذه المسألة كما فعلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس. من الجيد تقديم اقتراحات إلى مجلس الأمن الدولي لإصدار قرارات بالنظام السوري وشجب موقف روسيا والصين لعدم انضمامها إلى هذه الاقتراحات. لكن ماذا لو قررت روسيا الامتناع عن التصويت عليها عوضاً عن استعمال حق النقض، ماذا يحدث حينها؟

لا يستطيع العالم الخارجي إنهاء الصراع السوري من خلال التفوق الجوي فقط. أما إرسال القوات الخارجية فلن يزيد من الأمر إلا سوءاً على الأرض، من خلال توريط القوات الأجنبية في صراع طائفي كما شهدنا ذلك في العراق.

وفي هذا الوضع، تبدو روسيا أمام خيارات مستحيلة تماما كما هو الموضوع بالنسبة للغرب. فموسكو ليست لديها أي مصلحة في نجاة الأسد ونظامه، ليس في ظل هذه الظروف، غير أنها تجد صعوبة في معرفة كيفية إنهاء الصراع بطريقة يمكن السيطرة عليها.

وفي هذا المنطق، تبدو موسكو على حق حين تقول إن تسليح المعارضة سوف يجر الوضع إلى خسائر مدنية كثيرة. لكن ما هو البديل؟ القول للمعارضة بالاستسلام وترك الساحة للرئيس الأسد وعائلته التي فقدت مصداقيتها؟ الأمر أصبح أبعد من ذلك بكثير.

وإذا كان هناك من حل سريع للصراع، فذلك لن يكون إلا من خلال انتصار واضح لفريق على آخر. وإذا كان الفريق المنتصر غير الأسد، فذلك يعني أن تكون المعارضة المسلحة والمنظمة بشكل جيد قادرة على التغلب على القوات الأمنية. على السوريين أن يخافوا من القتال المحصور المستمر أكثر مما يخافوا من حرب شاملة يغذيها ويمولها الخارج.

غير أن الأمل الوحيد هو أن يتزايد، نتيجة قمع الأسد الوحشي، الشعور الشعبي بأن لا مستقب لبلادهم في ظل هذا النظام، ما يولد انتفاضة عارمة تؤدي إلى اطاحته. هذا رهان كبير، لكن إذا كانت مجزرة الحولة تساعد على توليد هذا الشعور، فإنها تكون فد شكلت ما يمكن اعتباره نقطة اللاعودة.

ترجمة :صلاح تقي الدين

() "الاندبندنت "1/6/2012

================

سوريا ومعضلة الخطاب الطائفي

منذر خدام

السفير

11-6-2012

ما أكثر القضايا التي شغلت بال السوريين قبل أن ينتفضوا على نظامهم المستبد، من فلسطين إلى العراق إلى لبنان، إلى القضايا الداخلية، من لقمة الخبز إلى الحرية وما بينهما. غير أن الخوف من أن ينزلق بلدهم وتنحرف ثورتهم إلى صراع داخلي طائفي يشكل هذه الأيام الهاجس الأكبر لديهم.

لقد استحوذت قضايا الصراع المسلح الجاري اليوم بين جيش النظام وقواته الأمنية وشبيحته من جهة والمتظاهرين السلميين والجيش الحر والمسلحين المحليين من جهة أخرى على اهتمامات السوريين، حتى كادت تسمرهم أمام التلفاز، ووسائل الإعلام المختلفة، وهم، في حقيقة الأمر، يضمرون هواجس، وإحساسات بالخوف تجاه بلدهم ومجتمعهم، الذي بدأت تتهدده الأخطار من كل صوب. لقد أخذت تنزاح لغة الحياة، لغة الحب، لغة العمل، لغة الاجتماع، لتحل محلها لغة الخوف، لغة الموت التي يحاول النظام تعميمها، باحثة لها عن مستقر في النفوس التي فقدت حس الرؤية السياسية السليم. لقد صار من مألوف الحياة اليومية، استخدام مفردات المنطق الطائفي في التحليل السياسي للظواهر السياسية، بدعوى «الموضوعية» و«الواقعية». ولم يعد يقتصر ذلك على الجمهور العادي، بل أخذ يتسلل إلى عقل النخب السياسية والثقافية، وهنا مكمن الخطورة. فعندما يفقد العقل السياسي والثقافي العارف منطقه السليم، فتأسره اللغة اليومية، بما فيها من تسطيح، وتعمية، وانسياق وراء الهوبرة الإعلامية، تصبح المفردات الطائفية، والمذهبية، والأقوامية، من قبيل «مكونات الشعب السوري»، أو «الأقليات السورية»، أو «الطوائف والمذاهب السورية»، أو «الحكم الطائفي»، أو تخفيفاً، «الحكم الفئوي»، أو «الطائفة الحاكمة» أو «المنتفعة»، و«الطوائف المقموعة» أو «المظلومة والمستغلة»، و«الطائفة الكبيرة، والطوائف الصغيرة»، و«المحاصصة» و«التوافقية الطائفية» وغيرها كثير، هي مفرداته في التحليل السياسي. وإذ يسود المنطق الطائفي ومفرداته في التحليل السياسي، وبالتالي في الممارسة السياسية، فإن الجوهر السياسي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ثار الشعب السوري بسببها، يصبح من المستحيل مقاربته، والقبض عليه معرفيا، ليصار، في خطوة لاحقة، إلى وضعه في السياقات السياسية الطبيعية لسيرورته، في إطارها الوطني الجامع. في ضوء ذلك تصبح الطوائف والمذاهب، بل العشائر والعائلات والانتماءات الأقوامية المختلفة هي التي ترسم حدود الأوطان، ومصالح السكان. منطق كهذا يصنع الخنادق، يولد الفرقة والاقتتال، يكسر الجسور، يخلق العزلة، يسيجها بأوهام يستحضرها من التاريخ، أو يستولدها من تقيات المكبوت، وحراسه المعممين، ليخسر الجميع بالضرورة، في البداية والنهاية.

وبطبيعة الحال ليست هذه الظاهرة بلا أساس واقعي، فما يجري في لبنان والعراق والبحرين وفي غير مكان من الوطن العربي، وكثافة الحضور الأيديولوجي الديني في وسائل الإعلام المختلفة، واحتلال رجال الدين مساحات كبيرة من المشهد الإعلامي والثقافي والسياسي الراهن، يضاف إلى ذلك، بل قبل ذلك، غياب الحياة السياسية والنقابية الطبيعية، وثقافتها، وأطرها المجتمعية المدنية، لزمن طويل، وانسداد الآفاق أمام حياة سياسية كهذه، يولد مثل هذه الانتكاسات في العقل السياسي. ولا يجوز أن ننسى، بطبيعة الحال، فشل المشاريع القومية واليسارية، التي شغلت النصف الثاني من القرن العشرين، وانزياحها من المشهد السياسي، وكذلك غياب أية فعالية ليبرالية أصيلة ومتأصلة، كل ذلك أفسح الطريق سالكة أمام الإسلام السياسي ليتقدم الحركة المجتمعية، مع كل المرفقات المفهومية الضرورية له كعدة شغل سياسية.

وإذ يتصدى الإسلام السياسي لقضايا الثورة السورية، فإنه يتصدى لها، وهو مستند إلى أطره الطائفية والمذهبية، بغض النظر عن التلوينات المختلفة، الليبرالية منها على وجه الخصوص، في خطابه السياسي. فالسياسة المستندة إلى الأطر الطائفية والمذهبية، هي سياسة طائفية بالضرورة في المنطلق وفي المآل النهائي. هذا لا يعني أن نضع جميع فئاته وألوانه في سلة واحدة، وان نتجاهل الاختلافات العميقة والجدية القائمة بينها. لكن مع ذلك، بل رغم ذلك، ثمة جامع عام بينها وهو أنها أسيرة تموضعاتها الطائفية والمذهبية، وهي لا تستطيع التخلي عنها. هنا يغيب للأسف البعد الوطني في عملية الإسناد المجتمعي، وفي عملية التعبئة، وفي الممارسة التنظيمية والسياسية.

في مواجهة استحقاقات الراهن، لا بد من الاعتراف بأن ثمة مشكلة نظرية غير محلولة، تواجه الإسلام السياسي، هي ذاتها التي واجهت، في حينه، التيارات القومية واليسارية، الموصوفة بالعلمانية، ولم تستطع حلها، أعني مشكلة تحقيق مشروع تنموي شامل، تكون إحدى مهماته المحورية، مهمة بناء الدولة الحديثة، والحداثية، التي تدخل مجتمعاتنا في العصر الراهن، عصر الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان، عصر أنماط الحياة المنفتحة والمتسامحة.

وإذا كانت القوى السياسية القومية واليسارية التي تصدت لحل هذه المشكلة، مدعومة برهانات كبيرة من قبل القوى المجتمعية الأساسية، وأحيانا من قبل الجماهير العريضة والواسعة، وهي بطبيعة الحال الأقرب إلى روح العصر الراهن، قد فشلت فشلا ذريعا. وبدلا من بناء الدولة الحديثة، وتأصيل المفاهيم المرتبطة بها مثل: مفهوم الفرد، والمواطن، والوطن، والنقابة، والحزب السياسي، والديموقراطية، والحرية، والمجتمع المدني، وغيرها كثير، فإنها قد نجحت في بناء دولة جهازية استبدادية مغلقة، كل شيء فيها هش، وقابل للكسر، يسهل الارتداد عنه إلى ما قبله، وليس إلى ما بعده. فمن حقنا أن نشك في قدرة الإسلام السياسي على إنجاز مهمة كهذه، وهو في رؤيته للحاضر، وفي تطلعه نحو المستقبل، يستحضر الماضي، روحا، وثقافة، ونمط حياة. قد ينجح في التعبئة والحشد للظفر بالسلطة السياسية، لكن من المشكوك به أن يستطيع تأصيل قيم الحرية والاختلاف والتعددية ربما إلا في نطاق الاتجاه الواحد، وهو لا يستطيع توليد ديناميكيات تطورية مجتمعية على المدى البعيد. فهذه الديناميكيات لا تكون بدون الحرية والديموقراطية والاختلاف والتعددية، واحترام حقوق الإنسان الفرد وخياراته ومصالحه، كمحركات لها.

في سوريا لطالما افتخر السوريون بوحدتهم الوطنية، وبتعايشهم بعضهم مع بعض، ومشاركتهم في جميع الصراعات السياسية سواء في الداخل، أو مع القوى الخارجية، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والمذهبية، تحركهم روح وطنية، أو قومية، أو طبقية عالية، لا يزال الرهان عليها صائبا لحماية سوريا، رغم كل محاولات النيل منها، من خلال تعميم مناخات الفساد والنهب والعوز، التي عمل النظام عليها طيلة أربعة عقود من السنين، وتستفيد منها القوى الخارجية في حماية مصالحها، عبر الترويج الإعلامي والسياسي الطائفي والمذهبي. لكن هذا الرهان بحاجة ماسة لتجديد أساساته وتقويتها، بمزيد من اليقظة الوطنية وعدم السماح للنظام بجرنا إلى ساحة الصراعات الطائفية.

إن الصراعات التي تشهدها سوريا وغيرها من الدول العربية هي صراعات بين الحرية والاستبداد، وهي صراعات سياسية بامتياز، يراد لها من بعض القوى الداخلية والخارجية أن تأخذ شكل صراعات طائفية ومذهبية. لهذا الغرض يتم نبش التاريخ وإعادة إحياء بعض أمواته، وتوظيفه لتحقيق مكاسب سياسية آنية. وإن أحد المداخل المجربة إلى ذلك هو السيطرة على العقل السياسي والثقافي العارف، واستبدال لغته السياسية في التحليل ومقاربة المشكلات السياسية بلغة طائفية ومذهبية. إن قضايا الثورة السورية هي قضايا الشعب السوري في تطلعه نحو الحرية والديموقراطية واستقلال الإرادة السياسية، وإنجاز مشاريع تنموية حداثية نهضوية تخرجه من دائرة التخلف إلى دائرة التقدم، ولذلك فهي تحتاج إلى اللغة السياسية لمقاربتها، وليس إلى اللغة الطائفية.

=================

موسكو تشعر بقرب غرق الأسد؟

علي حماده

2012-06-11

النهار

من الواضح ان اندفاع النظام في سوريا نحو استراتيجية المجازر "الهادفة" وضع سوريا على شفا الحرب الاهلية الشاملة والمفتوحة. وفي يقيني ان سوريا تعيش حربا اهلية عمل من أجلها النظام منذ اليوم الاول لقيام الثورة في 15 آذار 2011. فقد واجه التظاهرات السلمية المدنية بالرصاص الحي، ثم بالقنابل وقذائف الدبابات والمدفعية الثقيلة، وصولا الى الذبح المنهجي في العديد من المناطق الى حد ان الشعب المسالم والاعزل ما عاد يجد وسيلة للدفاع عن نفسه سوى حمل السلاح الخفيف ونزول الجنود المنشقين الى الشارع للدفاع عن الناس. لقد عمل النظام على عسكرة الثورة السورية معتقداً انه أقدر على مواجهتها بالحديد والنار في اطار حرب فيحسم الموقف. ولكن سرعان ما بدا ان الحسم ما كان بالامر السهل، وان دونه معطيات جديدة على مسرح المواجهة اولها ان جيش بشار ما حظي يوما ببيئة شعبية حاضنة من اقصى سوريا الى اقصاها. في المقابل بدا الثوار اكانوا مدنيين ام جنوداً منشقين او حتى من حملوا السلاح في نهاية الامر اشبه بالسمكة في الماء. اما كان ماو تسي تونغ في خضم الحرب الشعبية اواخر الاربعينات يقول ان العنصر الاهم المحدد لانتصار الثورة المسلحة ان يتحرك الثوار وسط الشعب مثل السمكة في الماء؟ في حالة سوريا وعلى رغم الآلام العظيمة طبق الثوار قاعدة ماوتسي تونغ مما حال دون بشار والحسم النهائي في اي بقعة من البقاع الثائرة. وللتأكيد على ما نقول فقد حاولنا ان نجد مكانا واحدا تمكن فيه بشار من تطبيع الوضع فعجزنا. اكثر من ذلك يؤكد المراقبون الامميون في تقاريرهم ان حوالى 45 في المئة من مساحة سوريا خرجت عمليا عن سيطرة النظام.

بالامس توسع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في شرح فكرة المؤتمر الدولي الموسع الذي تدعو اليه موسكو لحل الأزمة في سوريا كبديل من قرار بموجب الفصل السابع في مجلس الامن، او من مزيد من العقوبات على النظام. فهل جاء المقترح الروسي في ضوء معلومات جديدة مفادها ان الوضع الميداني يتغير، وان بشار يعمل اليوم على رسم حدود الدويلة العلوية بالدم، مركزا المجازر والتدمير والتهجير المنهجي في المناطق التي طال الحديث عن أنها ستكون جزءا من الدويلة ان كعمق جغرافي، او كممر استراتيجي مع لبنان ولا سيما بقاعه الشمالي الواقع تحت سيطرة بيئة سياسية وطائفية "حليفة"؟

نحن نعرف تمام المعرفة ان فكرة الوحدة ما كانت يوما سوى خيار متغير للنظام الذي بناه حافظ الاسد، اما الخيار الآخر الذي ما غاب يوما فكان الدويلة ساعة لا يعود في الامكان الاحتفاظ بحكم سوريا موحدة. من هذا المنطلق تجد المجازر التي يرتكبها النظام تفسيرها المنطقي في اطار مشروع تفكيك سوريا ومحاولة اقتطاع ابناء حافظ الاسد دويلة مذهبية يستمرون فيها. فحكم سوريا صار حلما بعيد المنال، والعودة الى نظام حافظ الاسد ابعد منالا.

=================

استعادة روسية لتجربة سوريا مع لبنان

روزانا بومنصف

2012-06-11

النهار

دأب المسؤولون الروس في الاسابيع الاخيرة على تكرار مقولة ان الامر في سوريا منوط بتوافق السوريين انفسهم على ما يريدون. وقالت موسكو قبل ايام انها ستدعم "بسرور تنحي الرئيس السوري بشار الاسد اذا توافق السوريون على هذا الامر". وهذه العبارة المكررة عن ضرورة توافق السوريين على ما يريدونه للمستقبل اعادت الى اذهان مراقبين سياسيين لبنانيين العبارة الشهيرة التي كانت تكررها القيادة السورية القديمة والحديثة على حد سواء في شأن لبنان . اذ كانت لدى مراجعتها في اي امر يتصل بتهدئة الوضع في لبنان او معالجة مسائل صعبة فيه، تردّد على مسامع الساعين لديها من اجل ممارسة نفوذها لتهدئة الاوضاع او السير بلبنان الى غير ما يغرق فيه ان الأمر منوط باتفاق اللبنانيين انفسهم، فهذه العبارة الحق كان يراد بها باطل باعتبار ان سوريا يومها وهي في عزّ نفوذها وتأثيرها على مجموعات لبنانية مختلفة، كانت تملك مفتاح حمل هذه المجموعات على القبول بصيغ تسووية، لكنها كانت تتذرع دوما بان الامر رهن توافق اللبنانيين. وسرت هذه المقولة على نطاق واسع، حتى ان المجتمع الدولي تبناها لمدة طويلة، متجاهلا عمدا ولاعتبارات مختلفة أن هذا العجز عن الاتفاق مرده الى التأثير الخارجي أكثر من الاعتبارات الداخلية. وكان آخر ما استخدمته سوريا في هذا الاطار أن انسحاب قواتها الى البقاع بموجب اتفاق الطائف يحتاج الى توافق اللبنانيين أنفسهم، في حين كانت غالبية السلطة اللبنانية تعاني تأثير النفوذ السوري وعاجزة عن التقدم بهذا الطلب، او ان حلفاء لسوريا كانوا يعلنون بين وقت وآخر رفضهم لذلك، مما كان يعني عدم توافق اللبنانيين.

وتستعير روسيا راهنا هذه العبارة حول ضرورة اتفاق السوريين على ما يريدونه، شرطاً للقبول بأي صيغة حل، وهو السيناريو نفسه الذي استخدمته سوريا مع لبنان طوال ايام الحرب وما بعدها ايضا في موازاة دعمها لاطراف او افرقاء في مواجهة أفرقاء آخرين، يوم كانت سوريا طرفا في ما يجري كما هي روسيا اليوم مع طرف في مواجهة المعارضة السورية. وترفع موسكو هذه الحجة في وجه الغرب عن ضرورة توافق السوريين. اذ انها تدرك عجز المعارضة السورية عن التوافق لاعتبارات متعددة لا مجال للخوض فيها في هذا السياق لكن السؤال هو عن كيفية تأمين الاتفاق بين النظام والمعارضة او بين مؤيدي هذا أو مؤيدي اولئك في هذه المرحلة تحديدا، حيث باتت الدماء تقف حاجزا قويا يمنع إمكان التوافق حتى لو ان هناك ارادة لذلك. فهذا الامرالذي تكرره روسيا في الاونة الاخيرة هو بمثابة شرط تعجيزي في هذه الظروف، أقله بمثابة اضاعة للوقت في انتظار توافر شروط التسوية بالنسبة الى روسيا او حصول أمر ما يفرض قسرا الاسراع في التسوية أو ايجاد الحلول.

=================

تركيا ترى حرباً باردة في موقف روسيا!

سركيس نعوم

2012-06-11

النهار

عن سؤال: ماذا تتوقع لسوريا؟ اجبت القريب جداً نفسه من أتراك نيويورك، قلت: منذ البداية توقعت ان تتطور أحداث سوريا لتصبح حرباً أهلية. اعتبرت سنتها الأولى مماثلة لأولى سنوات حروب لبنان. ويبدو ان الاسلاميين سيستفيدون من الربيع العربي لدفع العالم العربي في طريق الاسلاموية. علّق: "قضية فلسطين هي الأساس. لا بد من ايجاد حل لها". رددت: هذا صحيح. كان ذلك ضرورياً في الماضي ويبقى ضرورياً اليوم. وعلى الاسلاميين ان يرفعوا لواء هذه القضية بعد طول احجام، طبعاً باستثناء حركة "حماس". سأل: "ماذا عن الأكراد؟"، أجبت: لديَّ رأي أخشى ان لا يعجبك كثيراً. هناك شعبان مظلومان أكثر من غيرهما في المنطقة. الفلسطينيون الذين كان عندهم وطن فهُجِّروا منه وحوّله آخرون وطناً لهم، والاكراد الذين يُحظِّر المجتمع الدولي عليهم بناء دولتهم رغم استمرار وجودهم عليها. واذا أراد المعنيون الأتراك وقف الاتجاه الانفصالي عن اكراد بلادهم عليهم ان ينصفونهم وفي أكثر من مجال من دون ان يهدد ذلك وحدة الدولة. سأل ايضاً: "ماذا عن المسيحيين؟ معلوماتنا تشير الى ان مسيحيي سوريا ولبنان يؤيدون نظام بشار الأسد". أجبت: هذا صحيح جزئياً. الذين يقفون مع بشار يخافون الاسلام الاصولي التكفيري، ولا يثقون بأن وضعهم في نظام  اسلامي اصولي سيكون افضل من وضعهم في ظل نظام الأسد. علماً ان وضعهم الأخير هذا لم يضمن لهم مشاركة فعلية في القرار الوطني. سأل تحديداً: "ماذا عن مسيحيي لبنان؟"، أجبت: انهم منقسمون، فريق مع بشار، وفريق مع الثائرين عليه. لكن لا يمنع ذلك شعور المسيحيين بالخوف في أعماقهم. انه خوف الأقليات. وازالة الخوف تقتضي التخلي عن استعمال مفهوم أقليات، ومساواة الجميع على أساس انهم مواطنون في دولة واحدة ووطن واحد. علّق: "انا أقول أقليات لأن المهم في البداية حمايتها وطمأنتها. وبعد ذلك يفترض ان تبدأ مهمة بناء الدولة الواحدة. دولة التنوع التي يجب ان لا تلغي الوحدة أو تهددها". سألت: ماذا عن روسيا؟ اجاب: "لمس الاتراك شيئا من الحرب الباردة في سياسة روسيا وتصرفاتها. وانت تعرف طبعاً ماذا تعني الحرب الباردة. تعني حرباً أو حروباً من أجل النفوذ، أو حروباً بالواسطة، واقتسام المناطق، اي الجغرافيا". سألت: هل ستتمسك روسيا بموقفها المؤيد لبشار الاسد ونظامه في مجلس الأمن؟ أجاب: "ربما تعدّل مواقفها في أثناء انعقاد هذا المجلس لدرس مشروعات قرارات تتعلق بقضايا إنسانية. اما في المشروعات "الجوهرية" فالتعديل ليس أكيداً. روسيا وقفت مع الاسد لأسباب عسكرية وتجارية واقتصادية، وأيضاً لأنها ظنّت انه لن يسقط، وان الثوار لن يستطيعوا اسقاطه. على كل، هناك سنة كما قلنا لن يتدخل فيها أحد عسكرياً في سوريا. لذلك علينا الانتظار لنرى ماذا يحصل. نحن اعتمدنا على العرب وأردنا معرفة موقف دول العالم ومجلس الأمن وحلف شمال الاطلسي، بعد ذلك رأينا ان التدخل العسكري غير مفيد. والمهم الآن دعم مهمة كوفي أنان الانسانية ومساعدته لوقف اطلاق النار والعنف". علّقت: انني لا أفهم ماذا يحصل. وقف نار بين مَنْ ومَنْ؟ هناك ارهابيون ربما. لكنهم اقلية. وهناك شعب ثائر سلمياً وقمع نظام الأسد دفعه الى التعسكر. هل يجب ان يستسلم هذا الشعب أمام القوة النارية للنظام؟ ومن يوقف في هذه الحال قتله وقمعه؟ أجاب: "على كل، نحن ساعدنا في تحويل مواقف دول مجموعة "البريكس" بحيث اصبحت ايجابية حيال ثوار سوريا. وظهر ذلك عندما صوتوا مع قرار مجلس الأمن المتشدد حيال سوريا رغم ممارسة الصين وروسيا حق النقض لمنع اقراره. ونحن نقوم بكل ما نستطيع من اجل سوريا وشعبها".

ماذا في جعبة روس نيويورك عن اوضاع سوريا والمنطقة ومواقف بلادهم اي روسيا الاتحادية منها؟

اجاب قريب جداً من هؤلاء، قال: "يقولون لروسيا انت مع سوريا اي نظامها لأنك لك مصالح مالية وتجارية معها. هذا غير صحيح. من أين لهذه السوريا كل هذا الغنى وهذه الثروة لتكون لروسيا مصالح معها مالية وتجارية واقتصادية؟ ويقولون ايضاً إن لروسيا مصالح مع نظام بشار الاسد لأنها تريد المحافظة على قاعدتها العسكرية البحرية في مدينة طرطوس وعلى أمور أخرى. ربما تفيد روسيا من القاعدة. لكن هذه القاعدة ليست كبيرة. يمكن الاستغناء عنها. واعني بذلك انها ليست سبباً لموقف مهم وايجابي كالذي تتخذه روسيا من سوريا بشار الأسد". ماذا عن روسيا ونظام بشار الاسد عند روس نيويورك؟

=================

تحية إِلى برهان غليون * معن البياري

الدستور

11-6-2012

مغادرةُ الدكتور برهان غليون رئاسةَ المجلس الوطني السوري، التكتل الأَهم للمعارضة السورية، مناسبةٌ مستجدّةٌ لتذكيرِنا بأُمثولته، وهو الأُستاذ الجامعي، حين انصرفَ من صفتِه هذه إلى موقعِ المثقف الفاعل. لم يكتفِ بإِشهار موقف سياسي ووطني، وكفى الله المؤمنين شرَّ القتال، بل نشطَ في عملٍ كفاحيٍّ في لحظةٍ انعطافيةٍ شديدةِ الحساسيةِ يمرُّ بها شعبُه السوري، وبذلك، يستحقُّ غليون، ابتداءً من النقطةِ هذه، تقديراً خاصاً، على الرَّغم من أَنف أَصحابِ مهنةِ تخوين الآخرين والتشنيع عليهم، وقد أَصابته رداءاتٌ كثيرةٌ منهم، من دون أَنْ يُدركوا أَنَّ إبداءَ وجهات نظر نقديةٍ في أَداء غليون وتصريحاتِه أَمرٌ أَساسيٌّ في فعلِ الثورةِ السوريةِ الراهنة، ولكن، صدوراً عن احترامِ الرجلِ ووطنيتِه وصدقيَّةِ اخلاصِه لشعبِه ووطنه، غير أَنَّ أولئك آثروا الطخَّ على المعارضة السورية كيفما اتفق، ورميَ رموزٍ فيها بالنعوتِ إِياها، والتي يحسنُ هنا التأكيد، للمرة المليون، أَنَّ اتهام برهان غليون بأَيٍّ منها فعلٌ قاصر.

نعم، لم يكن أَداءُ صاحب “اغتيال العقل” في أَثناء رئاستِه المجلس في المستوى الذي أَردنا، ولم يكن المجلسُ على السويَّةِ التي اشتهينا، ولا نجازفُ أَنهما لم يرتقيا إِلى الموقعِ السامي الذي تقيمُ فيه ثورةُ السوريين في مدنِهم وبلداتهم وأَريافِهم. ولأَنَّ برهان غليون ذو نزوعٍ نقديٍّ عتيق، وصاحبُ ملكةٍ ديمقراطيةٍ، وسمتُه الصراحةُ والصدقية، لم يستطب الدورَ الدفاعيَّ عن نفسِه وعن المجلس، بل كان، سيّما في الأسابيع الأَخيرة، واضحاً في تعيين مظاهر الخلل والتباطؤ والارتباك في أَداء المجلس، وفي تحديد أَسباب هذه العيوب الظاهرة.

وأُتيحَ لكاتب هذه السطور أَن يستمع، في الدوحةِ الأسبوع الماضي، لمحاضرةٍ ثمينة من غليون عن اللحظة الراهنةِ للثورة السورية، وكان بديعاً فيها أَنه، في استعراضٍ علميٍّ ووافٍ لمستجدات هذه اللحظة، جاءَ على تشخيصٍ نقديٍّ وشفافٍ ومسؤول لأَحوال المعارضة، وللمجلس الوطني وتركيبتِه وقياداتِه. ولم يكن في هذا الأَمر تحديداً يبقُّ بحصةً من فمِه في أَيامٍ أَخيرةٍ له رئيساً للمجلس، بل بدا منسجماً مع مزاياه وشمائلِه، كان أُستاذاً في “السوربون” وباحثاً في علم الاجتماع السياسي، أَو صار في المرتبةِ التي أَرادها ثوار بلدِه له رئيساً للتشكيل الأَعرض للمعارضة التي تنطقُ باسم التكوينات الأَهم في الثورةِ وتمثلها.

لا يدّعي برهان غليون دوراً للمجلس، قيادياً وتوجيهياً للثورة وشبابِها وناسها، بل على العكس، ولا ينسبُ لنفسِه بطولاتٍ خاصة، سيّما وأَنه لم ينخرط يوماً في نشاطٍ حزبيٍّ مناهضٍ للنظام الغاشم في دمشق. ظلَّ مثقفاً حقوقياً منحازاً إِلى تطلعات شعبِه في التحرّر من الاستبداد، وكان زائراً دائماً لبلدِه من باريس التي يقيم فيها. وفي الأُسبوع الثالث للثورة، وقبل أَنْ تستجدَّ ما صار من أَهوالٍ ومجازر متنقلة، قال غليون ل”الجزيرة” إِن محنة سوريا تتمثل في هيمنةِ أَجهزة الأمن على الحياة العامة وتحكّمها في دواليبِ السلطةِ وصناعةِ القرار، وأَنه لا مانعَ في أَن يقودَ بشار الأسد عملية الإصلاح السياسي المطلوبة في البلاد. ويُؤتى على هذا الأَرشيف القريب هنا، للتنويه بأَنَّ الرئيس السابق للمجلس الوطني ليس عدمياً ولا محترفَ معارضة، وإِلى سجايا حميدةٍ وفيرةٍ فيه، ليس رجلَ سياسةٍ بالمعنى العملي للمفردة، غير أَنه، قبل رئاستِه المجلس وفي أَثنائها وبعدَها، يبقى شخصيةً وطنيةً صلبةً وبهية، مؤكدٌ أَنَّ فاعليته ستبقى حاضرةً، وقد اقترب انتصارُ الثورةِ السورية إِن شاءَ الله.

التاريخ : 11-06-2012

==================

خيانة فرنسا للشعب السوري

صحف عبرية

2012-06-10

القدس العربي

قبل أربع سنوات، في احتفالات يوم الباستيل في 14 تموز 2008، شرف ضيف سياسي هام بحضوره القصر الرئاسي الفرنسي. وامام السياسي وزوجته الحسناء مد بساط أحمر، والمكتب الاعلامي لقصر الرئيس حرص على ان يبعد عنهما صحفيين لجوجين. لم تجدِ احتجاجات منظمة 'صحفيون بلا حدود': في اعلان المنظمة اُعرب عن 'الصدمة' من قرار الرئيس الفرنسي ان يستضيف في الاحتفالات 'احد الطغاة سيئي السمعة في العالم، الذي يقف على رأس دكتاتورية تسحق حقوق الانسان'. الاحتجاج لم يؤثر، وفي يوم الباستيل ظهر بالفعل السياسي وزوجته الى جانب الرئيس الفرنسي وزوجته. السياسي، سهل على المرء ان يخمن، لم يكن احد غير بشار الاسد. ورئيس فرنسا كان نيكولا ساركوزي.

منذئذ وحتى الشهر الذي اندلعت فيه الاضطرابات والمظاهرات، بذلت فرنسا ساركوزي كل ما في وسعها كي تُستطاب من نظام الاسد: تملقته، امتدحت حكمته واعتداله ومجدت قدرته على المساهمة في سياقات السلام في الشرق الاوسط والوساطة بين الاسرة الدولية وايران. من أبدى برودة تجاه المغازلات الفرنسية كان بالذات الاسد نفسه. فقلبه لم يلين حتى بعد أن وقعت الادارة الفرنسية على اتفاق لبيع 14 طائرة 'اير باص' لشركة الطيران السورية، التي عانت من مقاطعة امريكية.

من يدري الى أي قدر كانت فرنسا الرسمية ستهون لو لم يبدأ الاسد بذبح ابناء شعبه. في حزيران من العام الماضي، بعد ثلاثة اشهر من اندلاع الاحتجاج المضرج بالدماء القى وزير الخارجية الفرنسي الن جوبيه أمام الجمعية الوطنية في باريس خطابا في الموضوع السوري وقال: 'ما الذي يمكننا أن نفعله؟ فرنسا لا يمكنها أن تعمل ولن تعمل في غير إطار القانون الدولي'. 'الشرعية الدولية' معناها قرار من مجلس الامن في الامم المتحدة باستخدام القوة العسكرية في سوريا. كان واضحا في حينه وواضح اليوم ايضا بان المجلس بتركيبته الحالية لن يمنح مباركته لاي عملية كهذه.

الرأي العام العالمي المصدوم يرفع اصبع اتهام ل 'انعدام الوسيلة لدى الغرب'. وهذا التعميم يخطيء الهدف. فالولايات المتحدة بقيادة امريكا واصلت اتخاذ خط متشدد ضد نظام الاسد من المقاطعة، ذاك الخط الذي قرره سلفه جورج بوش، وردت معظم الوقت محاولات جس النبض السورية. في العقد الماضي كانت الولايات المتحدة ولا تزال مشاركة في تغيير الانظمة في العراق، في افغانستان، في مصر، في ليبيا، في البحرين وفي اليمن. ومن الطبيعي أن تحذر من الغرق في وحل شرق اوسطي آخر، الوحل السوري المضرج بالدماء. ولكن أين فرنسا؟ اين التزامها بالانسانية، كرامة الانسان، حرية الانسان؟

غداة انتصاره في الانتخابات، قال الرئيس الجديد، فرانسوا اولند، انه لا ينبغي استبعاد عملية عسكرية في سوريا، قال ولم يفعل شيئا غير اطلاق المزيد من التنديدات والتأييد للمزيد من 'الحلول الدبلوماسية'. ما الذي منعه من أن يأمر طائرات الميراج بالاقلاع من قواعدها لتقصف ولو مجرد قصف على سبيل المثال، قيادات أجهزة الامن السورية في دمشق ومؤسسات حكم الاسد؟ فللاستخبارات الفرنسية معلومات دقيقة جدا عن مكان وجودها، واذا كانت تنقصها تفاصيل، فثمة من يمكنه أن يكمل لهم الصورة. بالمجان.

القصف كان سيؤكد جدا الرسالة العالمية للاسد: إرحل، إذا كانت حياتك غالية عليك. الطغاة، لسبب ما، لا يحبون ان يقصفوا. العلاقات الخاصة بين فرنسا وسوريا تعود الى عشرات السنين. النخبة السورية تتكلم الفرنسية. معقول الافتراض بانه حين ترفع عيونها الى جهة غربية للتدخل العسكري وتضع حدا لسفك الدماء الفظيع، فانها تفكر بفرنسا. وحتى من بينهم رأى في الماضي الاسد كأهون الشرور، فانهم يرونه الان كأسوأ الشرور. وهؤلاء سيرحبون بطائرات القصف الفرنسية في سماء دمشق. الرأي العام في فرنسا سيؤيد في غالبيته الساحقة مثل هذه العملية العسكرية الموضعية. وبالتأكيد سيرحب بطائرات الميراج في سماء سوريا المقصوفون، المذبوحون، المعذبون والمقتولون على ايدي سرايا الاسد الهجومية.

امام أكوام الجثث المعذبة والمحترقة في أرجاء سوريا لا مجال للسؤال 'اين العالم؟'. يجب السؤال، يجب الصراخ، 'اين فرنسا؟'.

=================

الاسد سيسقط ولكن متى؟

صحف عبرية

2012-06-10

القدس العربي

أحد ما يجب ان يأخذ على نفسه المهمة الصعبة ليترجم الى العربية بيتا واحدا للشاعر حاييم نحمان بياليك، في قصيدته الابداعية 'في مدينة القتل': 'الشمس أشرقت، الطريقة ازدهرت والذابح ذبح'. وقد كتبت في ذكرى ضحايا الاعتداء الجماعي في كشينوف، والترجمة مكرسة لمن قتلوا في درعا وفي حمص. القتل يجري وكأنه لا شيء. وكأن الصحف يمكنها ان تُعد العناوين الثابتة عن مذبحة اخرى لدى الجارة الشمالية الشرقية، وكل يوم فقط تُغير في النص العدد. عشرات في اليوم، عدد من ثلاثة منازل في نهاية الاسبوع.

نائب الوزير أيوب قرا رفع أمس مشروعا جديرا بالنسبة للدروس في هضبة الجولان: أن تعالج اسرائيل جراح الحرب الأهلية. وهي تجيد عمل ذلك. بل انها لا تجبي الثمن السياسي الانساني المناسب. على مدى 2010 شهدت كل اسبوع النشاط الاسرائيلي (بمساعدة الاتحاد الاوروبي) من اجل المواطنين من غزة. في قسم العلاج الطبيعي في مستشفى شيبا عولج مخربون من فتح أطلق خصومهم من حماس النار عليهم بدم بارد وقطعوا أرجلهم، بل ألقوا بهم من السطح الى الشارع. اسرائيل تتميز بأطبائها، وتتطوع بالمجان. على هذه الخلفية غريب انه لم ينهض في العالم العربي مثقفون أو أقرباء لثكلى ومعوقين ولم ينشروا ليقولوا: 'نحن نقاتل ضد اسرائيل. ولكن الحقيقة يجب ان تقال في انه من الأفضل ان يكون المرء فلسطينيا تحت حكم الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية من ان يكون مواطنا متساوي الحقوق في سوريا بشار الاسد'. ولا صوت واحد يجري مثل هذه المقاومة؟.

موقف اسرائيل من نظام بشار الاسد 'يتميز بعدمية عميقة'، كما كتب البروفيسور ايتمار رابينوفيتش في كتابه 'الأفق المبتعد' والذي يصدر هذه الايام. 'عندما حل الربيع العربي على سوريا وجد الاسرائيليون صعوبة في بلورة موقف. فقد رأوا اضعاف المعسكر الايراني ككسب صاف لاسرائيل ولكن... لم تكن هناك أي ثقة بالنسبة للآثار المرتقبة على المصالح الاسرائيلية في حالة سقوط الاسد'.

في انعدام استقرارها أدت سوريا في 1967 الى حرب الايام الستة. بالمقابل، رغم تأييدها الخطير لايران وحزب الله فان الاتفاق الذي عقدته عائلة الاسد على جيليها مع اسرائيل في 1974 لتهدئة الجبهة في هضبة الجولان ثابت وقائم. على الأقل حاليا.

الجيش الاسرائيلي ليس طرفا مركزيا في المعركة السورية الداخلية. اسرائيل يمكنها فقط ان تُخمن ما هي موازين القوى وتقيس قدرة الاسد على الصمود. خبراء في الغرب يدعون بأن مصيره ان يجد نفسه خارج قصر الرئاسة في دمشق. وهناك من يتساءل اذا كان سيقيم شبه دولة في بعض المناطق في الشمال الغربي من دولته. العقل يقول ان سقوطه مؤكد، ولكن ليس واضحا اذا كان قريبا، وعلى أي حال، في تاريخ شعوب الشرق الاوسط مسجلة فصول عديدة لأنظمة ذبحت أبناء شعبها وبقيت لفترة طويلة على حالها.

الأساس هو ان الاسد لا يزال يعتمد على عناصر محور الشر في الشرق الاوسط وعلى وزير الخارجية الروسي سرجيه لافروف، الذي يرفض التدخل العسكري الخارجي الرامي الى تنحيته. قوة روسيا وايران، حماس وحزب الله، تسمح لهم بأن يدعموا كرسي الرئاسة في دمشق.

ولكن ان يكون المرء مواطنا لدى الاسد؟ هذا يُذكر بأمور قالها القيصر اوغوستوس عن هورودس، الذي قتل ابنيه من زوجته مريم الحشمونائية: 'خير ان يكون المرء خنزيره على ان يكون ابنه'.

اسرائيل اليوم 10/6/2012

================

المعضلة السورية: الحقيقة بصراحة

د. لبيب قمحاوي

2012-06-10

القدس العربي

عودة الروح إلى الجسم العربي لا تعني شفاءه مما يعانيه من أمراض أصابته بحكم ظروف الاستبداد والفساد التي عانى منها لمدة طويلة. ما يجري الآن في سوريا ستكون له آثار عميقة على مستقبل المنطقة العربية عموماً ودول الجوار خصوصاً. والتطورات الأخيرة المتلاحقة والخطيرة تدفع المرء إلى التساؤل ما إذا كان ما يجري في سوريا هو من صنع السوريين، أم أن هنالك عوامل أخرى تحدد مجريات الأمور؟

إذا كان ما يجري في مصر مشكلة، فإن ما يجري في سوريا معضلة. وبين المعضلة السورية والمشكلة المصرية يقف القلب العربي خائفاً وجلاً مشفقاً على نفسه وعلى مستقبل أجياله.

المعضلة السورية تتلخص في غياب ميزان قوى داخلي في المرحلة الحالية. فلا النظام قادر على الحسم ولا المعارضة الداخلية قادرة على الحسم، وكلاهما مُصِرٌ على المضي حتى النهاية. وهذا يعني أن الحل يتطلب تدخل أطراف أخرى لها بالطبع مصالحها الخاصة. وهكذا، فإن ما يجري الآن في سوريا في أبعاده ونتائجه أكبر من سوريا، وأكبر من رغبة الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، وأكبر من تمسك النظام السوري بالحكم بأي ثمن. وما يزيد من مأساوية هذا الوضع هو أن الضحايا هم سوريا والشعب السوري في حين أن اللاعبين وأصحاب القرار النهائي هم من خارج سوريا. إن الوضع في سوريا أصبح الآن جزءاً من معادلة دولية معقدة لها أبعاد إقليمية، وأضعف عامل فيها هو الأنظمة العربية لأن موقفها في جذوره انتقامي أناني وبالتأكيد تَبَعي لآخرين.

سوريا تقترب بسرعة نحو حرب أهلية أساسها تعنت النظام ودمويته واستهتاره بمطالب الشعب السوري وطموحاته. وفهم أبعاد المعضلة السورية يتطلب استشراف العوامل الداخلية والخارجية الفاعلة والمؤثرة فيها.

داخلياً، إن ما يجري في سوريا يأخذ صفة المعضلة نتيجة ضعف وتشتت بنية المعارضة الداخلية وهي معارضة وطنية أصيلة عانت لما يزيد عن أربعين عاماً من القمع والاستبداد والظلم والفساد والإفساد. إلا أن نجاح المعارضة السورية الداخلية في الاستمرار في ثورتها ونضالها قد يساهم في تقوية بنيتها ونموها وانتشارها. وفي هذا الخضم نرى تحولات عديدة داخل المجتمع السوري ساهمت في تقوية عضد المعارضة الداخلية وأهمها على الإطلاق الانحياز التدريجي نحو المعارضة في موقف طبقة التجار الهامة تاريخياً في إدارة الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية داخل المجتمع السوري. هذه الطبقة التي عانت من فساد عائلة الأسد الحاكمة وهيمنتها على الاقتصاد السوري في السنوات الأخيرة ابتدأت مؤخراً في التخلي عن تحالفها التقليدي مع النظام لصالح الثوار في الداخل بل وأكثر من ذلك، حيث يقوم الآن أفراد من طبقة التجار بتقديم الدعم المالي لتمويل أولئك الثوار. وهذا تطور هام كونه يضفي على المعارضة الداخلية الصبغة الوطنية السورية شكلاً وموضوعاً وتمويلاً.

وعلى صعيد النظام، فإن دمويته وشراسته وتماسكه الشديد أمام الثورة الشعبية المتفاقمة أخذت تجسد أكثر فأكثر حقيقة كونه نظاماً يمثل طائفة بعينها صادرت وطناً بأكمله وبَنَتْ من حولها طبقة من المستفيدين وأبدت استعداداً وقدرة فائقة على استعمال وسائل العنف الوحشي مع شعبها دون رحمة أو هوادة، خصوصاً وأن الجيش في سوريا هو جيش النظام وليس جيش سوريا، والمؤسسة العسكرية هي عبارة عن مجموعة من الأجهزة الأمنية المناط بها الحفاظ على النظام قبل الدولة. وهذا ما يُنذِر بجعل الصراع في سوريا صراعاً دموياً حتى الموت لا ينتهي إلا بالحسم لصالح طرف ضد الطرف الآخر، وهذه وصفة مضمونة للحرب الأهلية.

أما خارجياً، فهناك المحور الغربي بقيادة أمريكا والمحور الروسي الصيني بقيادة روسيا والتناقض الواضح في مصالحهم وبالتالي مواقفهم بالنسبة للموضوع السوري. وهناك المعارضة السورية في الخارج وهي في غالبيتها مشكوك في ارتباطها بدول وأجهزة أجنبية. ولأنه لا يوجد حتى الآن حل للمعضلة السورية من داخل سوريا حصراً، فالحل يجب أن يأتي أيضاً من الخارج بحكم التوازنات والتحالفات التي خلقها النظام السوري، ليس دفاعاً عن سوريا ، ولكن دفاعاً عن وجوده واستمراريته. الحديث إذاً ليس عن سوريا وعن مصالح سوريا، والحل في هذه الحالة لن يعكس المصلحة السورية، بل ما تريده أمريكا أو ما تريده روسيا. الموضوع لم يعد يتعلق إذاً بما يريده الشعب السوري، بل بما تريده تلك القوى الدولية.

أين النظام المقاوم وأين النظام الوطني من كل ذلك؟ هناك البعض ممن تقوده سذاجة التفكير للاعتقاد بأن موقف روسيا من سوريا تحكمه مبادئ ما أو راديكالية ما. كلام فارغ، فأساس الموقف الروسي هو المصالح الروسية فقط، تماماً كما هو الموقف الأمريكي. مرة أخرى، أنانية النظام سوف ترغم الشعب السوري وسوريا بالنتيجة على دفع الثمن للآخرين.

أما الأنظمة العربية فليست بحال أفضل من النظام السوري حتى تتآمر عليه وتشن حرباً إعلامية شرسة وضروس لا يخفى على أحد منبعها وأسبابها وأهدافها.

تتعرض سوريا الآن لحملة إعلامية شرسة لم يشهد العالم العربي مثيلاً لها منذ العدوان على العراق. وفي الوقت الذي لا يستطيع فيه أي عربي يملك ضميراً إنسانياً وحساً وطنياً أن يقبل بالمذابح التي يتعرض لها الشعب السوري وأن الواجب يتطلب إدانتها جملة وتفصيلاً، إلا أن الحقيقة يجب أن تطفو إلى السطح بما لها وما عليها. فالهجمة الإعلامية الرسمية العربية من الفضائيات كثيراً ما تلجأ إلى المبالغة بهدف خلق استقطاب عاطفي يؤدي إلى تشكيل الرأي العام العربي والعالمي في اتجاهات معينة. هذا لا يشكل إبراءً للنظام السوري من دم شعبه، ولكن الحقيقة يجب أن تُعلن حتى تستطيع جميع الأطراف الإلمام بكافة أوجه هذه المعضلة وأن تتسامح مع نفسها ومع غيرها إن أردنا التوصل إلى حلٍ لها.

إن استمرارية وتنامي أعمال العنف والقتل التي يقوم بها النظام السوري ضد المعارضة الداخلية قد تؤدي إلى تمترس واضح في المواقف وخلق مناطق عازلة وتكريس بؤر طائفية أو عرقية قد تضع الأساس فيما لو طالت فترة النزاع في سوريا إلى تقسيمها على أسس طائفية وعرقية. فتلك البؤر قد تشكل ملاذاً آمناً لبعض الطوائف مثل الطائفة العلوية وهي الطائفة الحاكمة أو لمجموعات عرقية مثل الأكراد يتحول كل منها بحكم طول المدة وقوة الأمر الواقع إلى نواة لكيان سياسي انفصالي أو شبه انفصالي. وفي هذا السياق يجب العمل على منع تكرار الحالة العراقية في سوريا وعدم السماح بإضعاف الدولة المركزية لصالح كانتونات طائفية أو عرقية، خصوصاً إذا ما تمكنت أمريكا من ممارسة نفوذ مؤثر على الوضع النهائي في سوريا سواء مباشرة أو من خلال بعض الأنظمة العربية. إن العمل على تلافي هذا الاحتمال يتطلب تجليات إبداعية في التوصل إلى حل عربي سريع لهذه المعضلة ودوراً عربياً نظيفاً وفاعلاً يرنو إلى المحافظة على وحدة وسلامة سوريا عوضاً عن الاكتفاء بالانتقام من النظام السوري وتسليم سوريا إلى أمريكا. وهذا يتطلب من النظام نفسه أن يسمو فوق أنانيته ودمويته وأن يضع مصلحة سوريا ووحدة أراضيها أولاً.

إن محاولة البعض تسويق النظام السوري وتبرير ضرورة بقائه بالرغم من وحشيته باعتباره 'نظاماً مقاوماً' أو بالأحرى النظام الوحيد المقاوم إنما هو تجسيد لمعادلة إقليمية معقدة تشمل دولاً ومنظمات وتدخل في صميم المشاعر والآمال العربية في صراعها الدائم مع العدو الصهيوني. وبالمقابل هنالك الكثيرون ممن يعتبرون أن النظام السوري قد كذب من خلال سرقته الشعار الأهم وهو 'المقاومة' بالإدعاء بأنه هو 'النظام المقاوم' والتلاعب بالتالي بعواطف الشعوب، في حين أن هذا النظام وعلى مدى أربعين عاماً، كان الحارس الأمين على هدوء جبهة الجولان المحتل وجَعْل الحياة في المستعمرات الإسرائيلية هناك حياة طبيعية وآمنة. إن شعار 'النظام المقاوم' يعكس ترابط الملف السوري والإيراني وحزب الله. فالنظام السوري في الحقيقة ليس نظاماً مقاوماً، ولكنه يحاول أن يستمد تلك الصفة من خلال تحالفه مع حزب الله وهو الحزب المقاوم. والدعم لحزب الله يأتي من إيران أكثر مما يأتي من سوريا، ولكن إيران لم تحاول مع ذلك أن تستغل تلك العلاقة للإدعاء بأن النظام الإيراني هو 'نظام مقاوم' .

ومن ناحية أخرى، فإن إدعاء النظام السوري بأن إسقاطه سيؤدي إلى تولي الحركات الإسلامية الحكم في سوريا هو فزّاعة عفا عليها الزمن. فالمجتمع السوري هو أكثر علمانية من المجتمعات المحيطة به بحكم تكوينه الذي يعكس تعددية طائفية وأثنية ذات انتماء قومي واضح يعتبر سوريا الحاضنة القومية لما يحيط بها من دول. وهو بذلك أقل استعداداً للقبول، مرة أخرى، بنظام حكم ذي صبغة طائفية حتى ولو كان ذلك من خلال صناديق الاقتراع. الفزّاعة الإسلامية هي محاولة بائسة تستهدف بقاء النظام الحالي من منطلق أن البديل سيكون كارثياً على سوريا وعلى المنطقة. والحركات الإسلامية في سوريا لن تكون قادرة على وراثة النظام المترنح كونها لا تنسجم مع الرؤيا السياسية لغالبية الشعب السوري وهو شعب قومي النزعة بالإضافة إلى افتقار التيار الإسلامي السياسي في سوريا إلى واقع تنظيمي مؤثر يُمَّكِنَه من الوثوب إلى الحكم في اللحظة المناسبة، كما هو الحال في أقطار عربية أخرى مثل مصر والأردن.

وانطلاقاً من حقيقة أن النظام السوري قد فقد شرعيته بعد أن تلطخت أياديه بدماء شعبه وأن سقوطه بالتالي قد أصبح قضية وقت، فقد بات من الضروري استنباط الحلول الممكنة والقابلة للتنفيذ بسرعة لتفادي المزيد من إراقة دماء الشعب السوري.

إن الحديث عن حل للمعضلة السورية يجب أن ينطلق من الاعتراف بأن المشكلة الحقيقية بالنسبة لسوريا تكمن في بقاء النظام وليس في تغييره. وإذا ما تم الاتفاق على هذا، تصبح القضية إجرائية ويصبح التعامل معها أسهل في ظل هذه الرؤيا التي تسمح بالحل الحاسم عوضاً عن الحل بالحسم و القوة. والأساس في هذا الموقف هو عدم السماح بتدويل الحل في سوريا بعد أن تم العمل وبمساعدة عربية واضحة ومبكرة على تدويل الصراع. استحضار التجربة اليمنية قد يعطي مؤشراً على حل ممكن يبتدئ بالتخلص من الرموز الأساسية للنظام ، بما في ذلك رموز عائلة الأسد من خلال نفيهم إلى دولة مثل روسيا، واتفاق كافة الأطراف السورية الفاعلة في الداخل على مرحلة انتقالية يتم من خلالها العمل على تفكيك النظام ومؤسساته الأمنية بشكل سلمي وتدريجي قد يزيل مخاوف الطائفة العلوية من ردة فعل انتقامية في حال ما تم إزالة النظام بشكل كامل وعنيف ودفعة واحدة. المطلوب من الطائفة العلوية ابتداءً أن تأخذ مواقف علنية تؤكد من خلالها سمو مواطنتها السورية على طائفيتها الضيقة. وهذا سوف يساهم في تقوية عزيمة الطائفة على ممارسة الضغوط على رموز النظام للتنحي منعاً لتفاقم الأمور بشكل عنيف ودموي وانتقامي ضد الطائفة العلوية. المعضلة ليست في تغيير النظام، وإنما في مستقبل سوريا وموقعها من المصالح الوطنية لهذا الطرف أو ذاك. وهنا تكمن نقطة الخلاف الرئيسية بين أمريكا وروسيا. ويبقى الموضوع الأهم بالنسبة للسوريين والعرب متمثلاً في الحفاظ على وحدة أراضي سوريا الحرة الديمقراطية القادرة على لعب دورها التاريخي ضمن محيطها العربي باعتبارها قطباً جاذباً جامعاً وقائداً. هذا هو مطلب الشعب السوري ومعه الشعب العربي وهو بالتأكيد يختلف عن المطلب الأمريكي والمطلب الروسي.

================

عيون وآذان (الذي غرس الشوك لن يقلعه)

الإثنين ١١ يونيو ٢٠١٢

الحياة

هل تسير سورية نحو حرب أهلية؟ السؤال مخيف، أو هو يخيفني، وأنا أقول لا. ثم ينتابني شعور بأنني أغلّب عاطفتي، فأضع ما أريد أو لا أريد جانباً وأراجع أقوال الآخرين.

لا يكاد يمضي يوم من دون أن نسمع التحذير من حرب أهلية في سورية، كأن ما أصاب الشعب السوري حتى الآن لا يكفي، ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تعتبره فظيعاً إلى درجة ألا يشمله أي عفو.

وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون حذرت في كوبنهاغن الأسبوع الماضي من أن رفض روسيا اتخاذ إجراء حاسم ضد الرئيس بشار الأسد قد يتسبب في حرب أهلية يقول الديبلوماسيون السوفيات أنهم يريدون تجنبها.

والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سبقها بالقول أن مجزرة الأطفال في الحولة قد تُطلق حرباً أهلية، وحث الحكومة السورية على الالتزام بشروط خطة السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، وحذر من أن مهمة المراقبين الدوليين ليست مجرد التفرج على ذبح المدنيين. وتبع الجميع كوفي أنان بتحذير من عنده عن احتمال وقوع حرب أهلية في سورية.

وأكتب وأمامي مقتطفات من أخبار الصحف الأميركية والبريطانية عن سورية، وهي تحذر بدورها من انهيار الوضع، والعناوين من نوع: سورية تنحدر نحو حرب أهلية، أو لماذا الحرب تزحف على الطريق إلى دمشق.

ما سبق يدخل في نطاق تقييم وضع خطر ينذر بانفجار كبير، ثم هناك التحريض.

المرشح الجمهوري القادم للرئاسة الأميركية ميت رومني يتهم الرئيس أوباما بانتهاج «سياسة مشلولة» إزاء سورية، وهو يقترح أن «تتعاون الولايات المتحدة مع حلفائها لتسليح جماعات المعارضة السورية لتدافع عن نفسها».

أزعم أن رومني يقترح خلق الأوضاع لحرب أهلية في سورية، إذا لم تقع هذه الحرب لأسبابها السورية الخالصة.

رومني على الأقل لا يقترح غارات جوية على سورية كما يفعل السناتور جون ماكين والسناتور ليندسي غراهام من الحزب الجمهوري، والسناتور جو ليبرمان، وصِفته مستقل إلا أنه يمثل إسرائيل في مجلس الشيوخ الأميركي.

إذا كان ما سبق لا يكفي فهناك مجلس التحرير في «واشنطن بوست»، وهو ليكودي مع أن الجريدة نفسها ليبرالية، وقرأت له تعليقاً عنوانه «ماذا يجب أن تفعل الولايات المتحدة إزاء سورية».

على خلفية تحذير السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس من تزايد احتمال انفجار الوضع في سورية وجرّ دول المنطقة إليه، يقترح مجلس التحرير ما يزعم أنه خطوات لتجنب سيناريو السفيرة ولإسقاط نظام بشار الأسد.

باختصار، الافتتاحية تقترح مناطق عازلة على الحدود مع تركيا وداخل سورية لتعمل منها المعارضة السورية ضد النظام، ثم تقدم خياراً ثانياً هو أن تزود الولايات المتحدة المعارضة بالسلاح ومعلومات الاستخبارات. هذا يُسقط النظام؟ أراه يزيد احتمالات حرب أهلية.

أشعر بأن بعض المسؤولين الأجانب يتكلم بحسن نية، وإن أخطأ فهو يخطئ عن جهل بالتفاصيل وليس قصداً. ثم هناك بعض آخر يحذر من حرب أهلية وهو يسعى إليها، ويقدم اقتراحات تضمن زيادة المواجهات المسلحة في سورية لتصل إلى شفير الحرب الأهلية.

في غضون ذلك لا يبدو أن روسيا (الصين معها) ستغير موقفها من معارضة إجراءات فعالة ضد سورية، والى درجة استعمال الفيتو في مجلس الأمن، فسورية آخر معقل نفوذ لروسيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهي تعتبر أن الغرب خدعها في الحرب على ليبيا ولن تُخدَع مرة ثانية.

ولا بد أن موقف الرئيس ألكسندر بوتين أقوى بمعارضة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أي تدخل خارجي لإسقاط النظام في سورية، فقد كان هناك معرض أخيراً لتاريخ المسيحية في سورية في كاتدرائية قرب الكرملين، والكنيسة الروسية أعلنت أنها تخاف على مصير الطائفة في سورية إذا سقط النظام وخَلَفه نظام أصولي إسلامي كما حدث في بلدان عربية أخرى بعد ربيع الثورة.

أقول إن السوريين وحدهم قادرون على منع حرب أهلية في بلادهم، وهم يخدمون أنفسهم إذا لم يصدقوا «الأصدقاء» في أميركا وأوروبا، وإذا قلعوا شوكهم بأيديهم لأن الذي غرس الشوك لن يقلعه.

======================

سورية في سباق بين الحل الدولي والكارثة

الإثنين ١١ يونيو ٢٠١٢

الحياة

تشي التحركات الدولية المحمومة لإخراج الأزمة السورية من دائرة العنف، بأن الوقت بدأ يضيق. لم يعد هناك مجال لمزيد من الانتظار. دخلت الأزمة سباقاً لم تعرفه الأشهر الماضية من عمر الصراع. يقترب الجميع من خط الوصول أو النهاية: فإما اختراق دولي يفرض تسوية موقتة أو مرحلة انتقالية، وإما انزلاق إلى ما يخشاه الجميع. أي الحرب الأهلية المفتوحة التي ستفيض على دول الجوار والمنطقة كلها.

لم يسبق أن كانت الأزمة السورية في رأس سلم أولويات أي لقاء أو اجتماع قمة إقليمي أو دولي كما هي اليوم. ويبدو أن المعنيين بها نفد صبرهم من الانتظار. بل باتت المجازر المتنقلة، وانخراط دمشق وحلب واللاذقية في المواجهات تنذر بمرحلة أشد خطورة من كل ما سبق. وتفرض ضغوطاً على الأطراف الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. فمع اشتداد العنف الذي تمارسه أدوات النظام الذي لم يقتنع بعد باستحالة الحل الأمني، يشتد عود المجموعات المسلحة التي بدأت تطرق أبواب العاصمة في الليل كما في النهار، متسلحة بشجاعة نادرة و... عتاد جديد.

أمام الأزمة محطتان يفترض أن تحدثا اختراقاً. ستكون في رأس جدول المحادثات التي سيجريها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الأميركي باراك أوباما وقادة أوروبيين آخرين على هامش قمة مجموعة العشرين في المكسيك، في 18 و19 من الشهر الجاري. وستكون بعد أسابيع أمام قرار حاسم يفترض أن يتخذه المبعوث الدولي - العربي كوفي أنان. فهل يطلب التجديد لمهمته وخطته التي لم يُنفَّذ منها بند واحد، أم يعتذر لتقفل الأبواب أمام أي خيار وحيد هو القتال ومزيد من الدماء، والاضطراب في المنطقة كلها؟

تبدو روسيا مرتبكة وإن كرر وزير خارجيتها سيرغي لافروف أن موقفها من الأزمة السورية لم يتغير، وأنها متمسكة بمهمة أنان. أرسلت في الأيام الأخيرة إشارات متناقضة عن مستقبل النظام في دمشق ورأس هذا النظام. يوحي المسؤولون الروس بأنهم لا يراهنون على بقاء الرئيس بشار الأسد ولا يتمسكون به إذا حصل تغيير داخلي يحافظ على تركيبة النظام أو بعض أركانه، خصوصاً في المؤسسات العسكرية والأمنية. لكنهم يرفضون أن يأتي التغيير من طريق مجلس الأمن. لم تبارحهم عقدة ليبيا، أو ما يعتبرونه «إهانة» أو امتهاناً لموقف موسكو. لقد بدل أعضاء حلف «الناتو» منطوق قرار مجلس الأمن. دعا القرار إلى حماية المدنيين من بطش نظام القذافي فالتفوا عليه وأطلقوا حملاتهم الجوية التي أطاحت «نظام الجماهيرية» بكل مقوماته.

لذلك، تعارض روسيا أي قرار أممي يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام في دمشق من الخارج. لا تريد أن يتحول الأمر سابقة لألف سبب وسبب. أبعد من ذلك لم تبدل دوائر القرار في موسكو نظرتها إلى «الربيع العربي». لا تزال تعتقد أن ثمة «مؤامرة» غربية تقف وراء انتشار «الإسلام السياسي» إلى مواقع السلطة في المنطقة. وتشكك في الدعوات إلى إقامة الديموقراطية في الشرق الأوسط. لذلك، إصرارها على أن لا بديل من خطة أنان. علماً أنها تدرك ما يعرفه الجميع، وهو أن الحوار بات مستحيلاً بين النظام ومعارضيه. فالمؤسسة العسكرية لا تبدي أي استعداد حيال الجلوس مع المعارضة، سواء في الداخل أو الخارج. كما أن المعارضة لا تبدي أي ميل للقبول بحل يعطي النظام دوراً وإن مرحلياً.

وتدرك موسكو أيضاً ما بات قناعة لدى معظم المعنيين، وهو أن الرئيس الأسد ضيع كل الفرص الممكنة لمنحه ومنح النظام دوراً ما في التسوية، إذا كان لا يزال هناك مجال لمثل هذه التسوية. لذلك، تدعو إلى مؤتمر دولي لعله يبلور صيغة تسوية يحفظ لها وللأطراف التي تؤيد النظام، دوراً ومصالح ومواقع في النظام البديل. خصوصاً أن الدول الغربية منحتها ولا تزال تمنحها فرصة أن تكون في صلب الحل أو عرابته الأولى. ويخشى أن تخسر روسيا كل شيء في سورية إن لم تبدل موقفها. فثورة الداخل، وليست معارضة الخارج، ستكون قادرة على مواصلة حراكها لإسقاط أي تسوية لا تراعي شروطها. وإذا عجزت وانزلقت البلاد إلى حرب أهلية واسعة ستكون روسيا أيضاً ومعها إيران أكبر الخاسرين... إلى جانب معظم اللاعبين والجيران.

لذلك، تبدو الدول الغربية هي الأخرى مرتبكة. فمن جهة تعلن تمسكها بمهمة المبعوث الأممي - العربي، ومن جهة أخرى تسعى في مجلس الأمن إلى منح مهمته أنياباً، أي قراراً تحت البند السابع يلوح لنظام الأسد بالعصا ويمهد السبيل لاستخدام القوة. وهي تعرف أن مثل هذا القرار لن يرى النور ما دامت روسيا والصين تعارضان. من هنا ما لم يلجأ «أصدقاء سورية» إلى التلويح بالقوة، أي إلى خطوات ميدانية تهدد النظام، فإن موسكو لن تفكر في تغيير موقفها.

لا يبقى أمام الجميع سوى التمسك بورقة أنان الذي يحرص على السير في خطين متوازيين. فهو من جهة يدعو إلى ممارسة مزيد من الضغط على دمشق محملاً القسط الأكبر من المسؤولية للنظام. ومن جهة أخرى يقترب من دعوة روسيا إلى مؤتمر أو لقاء دولي يجمع المعنيين القادرين على التأثير والفعل لدى الأطراف المتصارعين. ولا يستثني إيران، تماماً مثل موسكو. في حين أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية ترفض إشراك الجمهورية الإسلامية في البحث عن تسوية. وهو ما يدفع الروس إلى رفض إشراك من يقترحه الغربيون لحضور المؤتمر الذي قد يُعقد في النهاية في جنيف على الأرجح، وتحصر المشاركة فيه بالخمسة الكبار. لا يمكن واشنطن والعواصم الغربية أن تقبل بإشراك طهران، ليس لأنها طرف في المشكلة، بل لأن ذلك يعني تسليماً غربياً بما كانت تنادي به في إطار الصراع على ملفها النووي. أي القبول بدعوتها إلى البحث في كل قضايا المنطقة، السياسية والعسكرية والاقتصادية والنفطية، وطرحها على الطاولة مع هذا الملف.

في ضوء هذا التضارب في الآليات لتنفيذ خطة أنان، قد لا يُعقد المؤتمر قبل قمة مجموعة العشرين وما ستشهده من لقاءات جانبية بين الزعماء الكبار. فلا اتفاق على المشاركين ولا اتفاق على جدول أعمال وصيغ مقبولة تعطي دفعاً وأدوات جديدة للمبعوث الدولي - العربي فتسمح له بطلب تجديد مهمته بعد انتهاء فترة انتدابه قريباً.

لكن الوضع الداخلي في سورية لم يعد يسمح بمثل هذا الترف في هدر مزيد من الوقت بحثاً عن تسوية مقبولة. فلا النظام أفاد من الفرص السابقة تحقيق مكسب تعويم بعض مكوناته السياسية والعسكرية. ولا المعارضة في الخارج أثبتت صدقية التثميل وشرعيته أو قدرة على إدارة دفة الصراع في صف واحد. الثقل منذ البداية كان ولا يزال في أيدي الناس والمجموعات التي لم تجد مفراً من حمل السلاح للدفاع عن النفس. وهي بدأت تتلقى ما تحتاج إليه المواجهات من عتاد. وهي لا تسيطر على مدن كثيرة كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة قبل أيام فحسب، بل هي تخوض معارك يومية أو ليلية في قلب العاصمتين دمشق وحلب. ولا شك في أن تصاعد وتيرة المواجهات في هاتين المدينتين، وارتكاب مزيد من المجازر سيبدلان عاجلاً أم آجلاً في خريطة الصراع الداخلي وآفاقه. ويفرضان على اللاعبين الذين تمادوا في لعبة كسب الوقت، التعامل مع حقائق جديدة على الأرض.

إذا لم يستطع اللاعبون الكبار استنباط صفقة في الأسابيع القليلة المقبلة وفرضها بالقوة على أطراف الداخل السوري، سيسبقهم هؤلاء إلى إغراق سورية ببحر من الدماء، وبجر المنطقة كلها إلى هذا البحر... ولات ساعة مندم. فهل يتوافق قادة مجموعة العشرين بعد أيام على حل يمني أو تونسي أو مصري حتى؟ هل يلتقون على نموذج حل جديد يدفع نحو مرحلة انتقالية تقودها حكومة سورية من تكنوقراط مستقلين يواكب عملها المبعوث الدولي، فتتولى إجراء انتخابات حرة بمراقبة أممية تعطي الشرعية لمن يختاره الناس، فلا تبقى المعارضة السياسية في الداخل أو الخارج تدعي تمثيلها الشرعي والوحيد للثورة، ولا يواصل النظام مسرحيته في انتخابات صورية وحكومة لا تملك سلطة في المدن والقرى التي يجتاحها السلاح والمسلحون؟

من المبكر في ضوء هذا التباعد الدولي أن يظل الوضع في سورية على حاله، مهما شكلت المجازر المتنقلة من إحراجات لروسيا. مع العلم أن هذه لا تبدي أي تردد في اعتماد رواية النظام عن كل ما يحدث. لذلك، ستظل مهمة المبعوث الدولي – العربي حاجة لكل الأطراف، إلى أن يحين موعد تبدل قواعد وحسابات ومعادلات دولية وإقليمية تسمح بتغيير معادلة التعامل مع النظام. موسكو أكدت أن العقوبات لم تحقق شيئاً. لذا، لن تكون مستعدة لقرار أممي يفرض عقوبات، وبالتالي قد تساير الأميركيين الذين منحوها وقتاً طويلاً، في تبني قرار يتمسك بمهمة أنان ويدعو جميع الأطراف السورية إلى التزام خطته ذات البنود الستة. علماً أن المعارضة في الخارج لم تكن ولن تكون لها الكلمة الفصل في تقرير مستقبل الحراك الداخلي.

ليس من السهل أن تقود الأطراف المتصارعة الوضع إلى حافة التقسيم، إذا صح أن هناك من يراوده مثل هذا الحلم. فلا تركيا ستكون في وارد القبول بقيام دويلات تنتقل عدواها إلى جيران سورية. قد تنتقل الفوضى إلى الجيران ويزداد الوضع تعقيداً. وتنخرط أطراف خارجية عدة في الصراع الدامي.

======================

المفاعل السوري

الإثنين ١١ يونيو ٢٠١٢

الحياة

تعيش المنطقة على الساعة السورية. سورية تعني الجميع أصلاً. في السابق كان من غير الممكن تجاهل دورها. اليوم لا يمكن تجاهل ما يدور فيها. قسوة المشاهد الوافدة منها أشركت البيوت القريبة والبعيدة في مجريات الصراع. في تلك البقعة الحساسة بتركيبتها وموقعها وقدرتها على إطلاق الإشعاعات يدور صراع معقد موصول بشرايين المنطقة. إنها حرب سورية - سورية تدور بلا هوادة أو رحمة. إنها مواجهة إقليمية غير مسبوقة بحدتها ورهاناتها. إنها اختبار قوة علني بين قوى كبرى يدور بعد الانسحاب الأميركي من العراق وفصول الربيع العربي خصوصاً محطته الليبية.

سورية التي كانت قائمة عشية اندلاع الاحتجاجات لم تعد موجودة. تراخت قبضة اللاعب الإقليمي وأفلتت الأوراق من يده. خالد مشعل يفضل النوم في عواصم أخرى. وحلفاؤها في لبنان ينظرون قلقين إلى غرقها في أزمتها ودمها. ومن كانوا يقلقون من دور سورية وقدرتها على تحريك الأوراق خارج حدودها يقلقون الآن على سورية ومن تحريك الأوراق داخل حدودها. هذا يقلق من حرب أهلية طويلة. وذاك يقلق من مشاهد يوغوسلافية تستدرج العالم إلى تدخل عسكري. وثالث يقلق من فوضى دامية مديدة ووقوع الترسانة الصاروخية والكيماوية في أيدي هذه القوة أو تلك. ورابع يقلق من أمواج اللاجئين وإشعاعات مفاعل النزاع المذهبي.

هذا ما يسمعه الصحافي إن حاول قياس نبض المنطقة. تتصل بصديقك العراقي للسؤال عن «أزمة المالكي» وهو منخرط في مطبخها. يعترف أن الأزمة جدية لكنه يلفتك إلى أن الأزمة الأخطر هي في دمشق. وأن الشارع العراقي منقسم حول ما يجري هناك. وأن أي تفكك يصيب سورية سيعيد إطلاق عملية التفكك في العراق. قال إنه يشعر بقلق شديد «لأن الشيعي العراقي يريد بقاء النظام في سورية ويتجاهل ما يرتكبه. ولأن السني العراقي يريد سقوط هذا النظام ومن دون الالتفات إلى البدائل والأخطار». قال أيضاً: «إن قلق طهران يفوق قلق بغداد. وأن سقوط النظام في سورية يعني سقوط برنامج إيراني كلف عقوداً وبلايين ويعني إضعاف إيران في الإقليم وإضعافها داخل أراضيها أيضاً».

الأردن أيضاً يعيش على الساعة السورية على رغم متاعبه الداخلية. يقيم الأردن حالياً بين انسداد أفق السلام الفلسطيني - الإسرائيلي واستمرار التعثر العراقي وتصاعد لهيب النار السورية. يخاف تدفق أمواج من اللاجئين السوريين. ومن تصاعد مشاعر التعاطف في الشارع مع المحتجين السوريين. ومن احتمال الاستيقاظ ذات يوم على دوي تدخل عسكري دولي لوقف المذابح في سورية.

لبنان يعيش منذ عقود على الساعة السورية. لدى هذا البلد قدرة استثنائية على استيراد النار. الأحداث الدامية بين السنة والعلويين في الشمال مجرد عينة مما يمكن أن يحدث. لمواقف الكثير من اللبنانيين من أحداث سورية لمسة مذهبية لا يمكن إغفالها. هذا يصدق على خصوم النظام وعلى حلفائه. لبنان يرتعد خوفاً. يخشى السنة احتمال استمرار النظام السوري «لبعض الوقت». يخشى الشيعة من احتمال انتقال القرار في سورية إلى أيدي فئات وقفوا ضدها واشتبكوا معها. المسيحيون يقلبون جمر الأقليات وخوف الأقليات وينقسمون. وسط احتدام المخاوف والرهانات يحاول الرئيس ميشال سليمان إعادة جمع اللبنانيين تحت سقف واحد. يحاول إرجاء موعد اندلاع النار. يتظاهر اللبنانيون بالانشغال بمواضيع الحوار وملفاته وعيونهم على دمشق. يصعب لجم التفكك اللبناني إذا انطلق التفكك السوري.

تركيا أيضاً تراقب المفاعل السوري. إشعاعاته أربكت سياسات أمضت سنوات في صوغها وهندستها ورتبت خسائر اقتصادية. يحلم أردوغان اليوم بإطاحة صديقه السابق. اللعبة معقدة. لا تستطيع تركيا تجاهل الموقفين الإيراني والروسي. لا تستطيع في الوقت نفسه قبول حرب أهلية إقليمية طويلة على حدودها.

يرسل المفاعل السوري إشعاعاته في اتجاه العواصم القريبة والبعيدة. في الأيام الأخيرة تزايدت خطورة الإشعاعات. يصعب أن يتعايش العالم طويلاً معها. روسيا نفسها ستضطر إلى التحرك واقتراح حل يوقف تسرب الإشعاعات. من الخطأ الإسراف في النوم على حرير الوسادة الروسية.

 

=====================

دعم الثوار لا التدخل العسكري

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

11-6-2012

عارض هنري كيسنجر، الذي كان وزير خارجية أميركا قبل أكثر من ثلاثة عقود ولا يزال من أبرز أصحاب الرأي المؤثرين، دعوات التدخل ضد نظام الأسد في سوريا. كتب في مقاله في «واشنطن بوست» يقر بأن التدخل وإسقاط النظام يصب في المصلحة الأميركية الاستراتيجية لمحاصرة إيران وينسجم مع الحاجة الإنسانية لوقف مجازر النظام ضد شعبه، لكنه مع هذا لا يؤيد التدخل لإسقاط النظام. رأيه مبني على أن مبدأ التدخل - قانونيا - خاطئ، على اعتبار أن ما يحدث في سوريا شأن داخلي، وأن رغبة شعب في التحول إلى الديمقراطية ليست مبررا لأميركا للتدخل من أجله، وقد يحرف التدخل سياسة الولايات المتحدة عن قواعد عملها. كما يسرد كيسنجر محاذير كمبررات للإحجام عن التدخل، مثل أن أميركا تسعى للخروج من العراق وأفغانستان، فلماذا تورط نفسها بالدخول في سوريا؟ وهي جربت ودعمت المجاهدين في أفغانستان وأصبحوا مشكلة ضدها لاحقا، وأن الدخول في بلد من أجل إسقاط نظامه، وهي لا تعرف البدائل فيه، مغامرة خطيرة. وأن الرأي العام الأميركي لم تعد عنده شهية لأي تدخل عسكري.

وأهمية ما كتبه كيسنجر، عدا عن كونه صدى لمقالات مماثلة، تكمن في توقيته. فقد كان من المتوقع في الأيام الماضية أن تعلن إدارة أوباما سياستها تجاه سوريا، وكنا ننتظر أن تعلن سياسة دعم الشعب السوري لإسقاط النظام.

ردا على ما قاله كيسنجر لن أناقش مفهوم التدخل العسكري المباشر، لأن هذا ليس المطلوب في المرحلة الحالية، فالمأمول دعم السوريين ليقوموا بأنفسهم بالدفاع عن أنفسهم ومواجهة قوات النظام المتوحشة. نحن نعرف أن هناك دعما يصل إلى الثوار، معلومات ومساعدات مادية وتسليحية، لكنها شحيحة.

كيسنجر محق في أنه ليست وظيفة الولايات المتحدة التدخل في بلدان العالم لتحديد طبيعة النظام المطلوب، لكنه مخطئ في اعتبار سوريا حالة تدخل تحت هذا العنوان. عمليا، النظام - كما نعرفه - انتهى في العام الماضي، ولم تعد هناك نفس الدولة السورية التي حكمت 40 عاما. نحن الآن نتحدث عن نظام فاشل، أي شبه ساقط، والبلاد في شبه حرب أهلية، لهذا نتوقع من كل الأطراف المعنية التعاون في إدارة الأزمة حتى لا تتسع، ومساعدة السوريين ليختاروا النظام الذي يريدونه. نظام الأسد نفسه يعرف أنه انتهى، وأن ما يفعله الآن محاولة لكي يكون طرفا في ترتيبات ما بعد دفن جنازته. يريد تمزيق البلاد وتحويلها إلى صومال آخر، والثوار يريدون وراثته، يريدون كامل الدولة. وبالتالي، عندما نتحدث عن إسقاط نظام الأسد فهو ليس تدخلا في بلد مستقر من أجل تغيير نظامه كما صوره كيسنجر في مقاله.

الحقيقة، كلهم يتدخلون في سوريا الآن لهذا الغرض، بما في ذلك روسيا وإيران والجهاديون، يريدون التأثير على مرحلة ما بعد سقوط الأسد، فلماذا نترك الشعب السوري مائدة مفتوحة لهذه الأطراف السيئة التي لا تتفق مع غالبية الشعب السوري. لقد قضى النظام على نفسه عندما اختار الحل العسكري ورفض تماما الحل السياسي. فشل عندما استمرت المظاهرات، وبدأت الانشقاقات العسكرية، وظهر الجيش الحر، وانتشرت المواجهات في أنحاء البلاد. الآن نحن نرى 70 في المائة من البلاد فيها عمليات عسكرية، وهذا يعني أن النظام فقد شرعيته وهيمنته.

دعم الثوار السوريين يحقق الأهداف المهمة التالية:

تثبيت مرجعية وشرعية المعارضة المعروفة، وتقليص فرص الجماعات المعارضة الأخرى المشبوهة، ولا ننسى أن إيران استخدمت «القاعدة» ضد حلفائها العراقيين في العراق واللبنانيين في لبنان من قبل، وقد تكون وراء بعض هذه الجماعات في سوريا. والهدف الآخر للتدخل هو الحفاظ على وحدة سوريا والضغط على الثوار إلى مرحلة التوافق، بما يحافظ كذلك على مؤسسات البلاد من ضمنها الجيش والأمن، ويؤمن استقرار سوريا والمنطقة. إن هذه الأهداف تخدم المجتمع الدولي، وقبل ذلك تخدم كل الشعب السوري، بكل مكوناته. البديل الآخر سيكون تفتت سوريا.. حينها يخسر الجميع.

=====================

سوريا بين وزيرين!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

11-6-2012

تصريحان لافتان حول سوريا نقلتهما وكالات الأنباء الدولية بالأمس، أحدهما لوزير الخارجية البريطاني، والآخر لوزير الدفاع الألماني، وكلا التصريحين جاء على طرفي نقيض، وإن كان التصريح الألماني أكثر حدة، بينما التصريح البريطاني أكثر توصيفا للواقع.

وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ شبه، في مقابلة مع محطة «سكاي» الإخبارية، الأوضاع في سوريا بوضع البوسنة في التسعينات، رافضا استبعاد فكرة التدخل العسكري هناك، قائلا: «لا نعرف كيف ستتطور الأمور، سوريا على شفير انهيار أو حرب أهلية طائفية. وبالتالي، لا أعتقد أن بإمكاننا استبعاد أي شيء كان». مضيفا أن سوريا «تشبه أكثر البوسنة في التسعينات لأنها على شفير حرب أهلية طائفية حيث تتبادل قرى مجاورة الهجوم وتتقاتل فيما بينها». بينما يقول وزير الدفاع الألماني توماس دي ميزير في مقابلة مع صحيفة «تاغس تسايتونغ» الألمانية: «أجد من الصعب تحمل مطالبة مثقفي مقاه في العالم بالاستعانة بالجنود دون حساب لما تعنيه هذه الخطوة». مضيفا أنه ينظر «بقلق» إلى هذه الطريقة «الفجة» بالمطالبات الموجهة للعسكريين. ويقول إن «مثل هذه الثرثرة من أناس لا يتحملون أي مسؤولية، تؤدي إلى إحياء الآمال في مناطق مثل سوريا وتتسبب في الوقت نفسه في إحباط مخيف»! وجهتا نظر مختلفتان تماما. الثانية، وهي لوزير الدفاع الألماني، فيها تسفيه لمن يطالب بالتدخل لحماية السوريين من آلة القتل الأسدية، ويعتبرهم ثرثاري مقاهٍ، بينما نجد وزير الخارجية البريطاني يحذر من أن سوريا على شفير الانهيار، والانزلاق إلى الحرب الأهلية، وأنها أقرب للبوسنة في التسعينات! فماذا عما يزيد على 14 ألف قتيل في سوريا، وانتشار موجة الاختطاف على الهوية؟ وماذا عن المجازر التي ترتكب يوما بعد آخر هناك؟ وماذا عن سوريا المهددة بالفشل برمتها؟ وهذا يعني اندلاع موجة حرب طائفية غير مسبوقة في المنطقة، فحينها ستتدخل إيران، وحزب الله، والحكومة العراقية الحالية، في الشأن السوري، وسيكون الرد على ذلك بشعا بكل تأكيد. فحينها ماذا سيكون مصير كل المنطقة، وليس سوريا فقط؟ فهذه ليست أسئلة ثرثاري مقاهٍ، أو أناس لا يتحملون المسؤولية، بل هي أسئلة مستحقة. أوليس من واجب المجتمع الدولي حماية السلم الأهلي في أي بلد، وحماية المدنيين من القتل المنظم؟ أم أن الحماية لا تشمل السوريين؟ أمر مزعج، ومحبط، خصوصا عندما تأتي تصريحات تسفه المطالبة بحماية المدنيين!

فكيف يمكن - مثلا - مقارنة موقف الوزير الألماني اليوم من سوريا بموقف وزير المواصلات الألماني السابق كريستيان شوارتس، إبان أزمة يوغوسلافيا، حيث قدم استقالته في 1992 قائلا إنه يشعر بالعار «من الانتماء لحكومة تشاهد بلا حراك مأساة يوغوسلافيا»، ومنددا بسلبية «الذين يراقبون المأساة من دون تدخل، في الوقت الذي يموت فيه آلاف الأشخاص»؟ فهل كان حديثه وقتها حديث ثرثاري مقاهٍ، خصوصا وأن المجتمع الدولي قد تدخل بعدها، وبعد تردد يشبه ما نشاهده اليوم من المجتمع الدولي تجاه جرائم الأسد؟ فهل المطلوب أن يعيد المجتمع الدولي أخطاء يوغوسلافيا في سوريا اليوم؟ أمر مؤسف فعلا.

=================

خاتمة الطغاة

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

11-6-2012

لماذا أقدم النظام الأسدي السوري على المذبحة التي قام بها في منطقة الحولة بريف حمص؟ السؤال بديهي جدا أن يتم طرحه في ظل الإجرام المهول والوحشية الفاضحة التي أظهرتها هذه المذبحة والروح الدموية الموجودة لدى عناصر النظام، وتحديدا الفئة المرعبة المعروفة باسم «الشبيحة»، فالجثث المتفحمة من هول التنكيل بأجساد الأطفال والنساء، والذبح بالسكين، وفصل الرأس عن الجسد، وبتر الأعضاء التناسلية، واغتصاب الفتيات والنساء، لا يمكن أن يكون الإقدام على كل تلك الفظائع المفزعة من باب الرغبة في الدفاع عن الحكم ولا عن النظام فقط، ولكن الموضوع يبدو أنه أعمق وجذري وصلته في ذهنية وعقلية الشبيحة ومن معهم.

تابعت بدهشة كاملة وذهول كبير اللقاء الصحافي الذي أجرته صحيفة «التايمز» اللندنية العملاقة مع «جعفر»، أحد الشبيحة الذين وافقوا على إجراء المقابلة معهم وتصويرهم ولكن دون الإفصاح عن اسم العائلة. جعفر شخصية مقيتة المظهر، مفتول العضلات بشكل مبالغ فيه، له شاربان غليظان ولحية كثيفة وحليق الرأس، وأوشام ورسومات السيوف تملأ ذراعيه، يتفاخر أنه كان مهربا لكل أنواع الممنوعات بمعرفة النظام ودعمه، وفتح المحلات تلو الأخرى لترويج البضائع المهربة ثم نال رضا «المعلم» فترقى ليدافع عن بعض المسؤولين، وهذا الوضع يتشابه مع الآلاف الآخرين من الذين هم على شاكلته ولهم نفس الخلفية الاجتماعية والثقافة والاقتصادية، جندهم النظام بامتياز وأقنعهم بشكل عقائدي أن بقاءهم ونمط حياتهم مرتبط تماما وبشكل مطلق باستمرار نظام الأسد كما هو دون تغيير في الحكم إلى الأبد، وأن أي تغيير في هذا المفهوم هو خيانة عظمى تستحق القتل وسفك الدماء لأجلها، وهو ما يفسر ما يجري عمله حرفيا في كل المناطق السورية.

ما حدث بالحولة كان تحديدا انتقاما شاملا جماعيا من أهلها بسبب انتماء أحد طهاة القصر الرئاسي السوري لها، وقد كان مسؤولا عن وجبة جماعية لرموز النظام السوري مما أدى إلى تسمم شديد جدا للكثيرين منهم، وتم نقل بعضهم للمشافي، وأشيع عن وفاة بعضهم، وعليه كانت الأوامر الصارمة بالانتقام الشامل من الحولة وأهلها بلا رحمة، ومع ذلك لم يتم الوصول للطاهي المقصود. وبعد الحولة كانت مجازر أخرى لا تقل دموية ولا إجراما ولا عنفا ولا بشاعة، وأرقام القتلى تتواصل بشكل مذهل ومرعب، وهو أدى إلى إقرار بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، وكوفي أنان، الأمين العام السابق والمندوب الأممي الحالي لسوريا، بأن النظام السوري يتحمل مسؤولية الأحداث والعنف والقتل.

والآن دخل المجتمع الدولي، كما يبدو، في الحديث صراحة عن مرحلة ما بعد الأسد، بعد أن رسخت قناعات أن مؤيدي هذا النظام الدموي الطاغي الموتور باتوا غير قادرين على الدفاع عنه وإطالة أمده، خصوصا في ظل تطور الأسلحة لدى الجيش الحر، وزيادة الممتنعين عن الانضمام للجيش النظامي (هؤلاء فئة أخرى غير المنشقين) وزيادة رقعة الأرض المحررة التي أصبحت تحت سيطرة الجيش الحر.

فصول الرواية المؤلمة والمرعبة التي ألفها نظام الأسد اقتربت من الختام، والنهاية سوف تكون سعيدة للأحرار والثوار مع الاعتراف بفداحة الثمن، حتى الشبيحة المسخرون للدفاع عن النظام فقدوا القدرة على الدفاع عنه، إنها خاتمة الطغاة.

====================

الجغرافيا الثقافية وعوائق النهضة ... والتحليل الروسي للصراع على سورية

محمد زاهد جول

السبت ٩ يونيو ٢٠١٢

الحياة

محمد زاهد جول

mohdzahidgol@hotmail.com

الجغرافيا الثقافية هي من صناعة التاريخ وليست من صناعة الحاضر، وما يفعله السياسيون أو المستعمرون الجدد هو استثمار واستغلال للجغرافيا الثقافية، وما فعله الحاضر القريب هو تثبيت لهذه الجغرافيا الثقافية لتكون خادمة له وليس هو خادماً لها، وقد ساعد المستعمر الجديد هذا الاستغلال أيضاً، فليس هناك من الشواهد التاريخية ما يرجح تفاعل أو تعامل قادة الحروب الصليبية الغربية التاريخية مع التقسيمات الجغرافيا الإسلامية المذهبية في العصور الوسطى، فلم تكن اوروبا في حروبها الصليبية في القرون الحادي عشر والثاني عشر وما بعدهما وحتى الحرب العالمية الأولى تهتم بنوع المذهب الفقهي الذي تنتمي إليه هذه الدولة الإسلامية أو تلك، وهذه العقلية لو وجدت لم تكن محور التفكير الاستعماري القديم كما هو ظاهر في التفكير الاستعماري الحديث، فأميركا قبل أن تحتل العراق عام 2003، أتت ومعها معادلة التقسيمات الجغرافيا التراثية الثقافية بين السنّة والشيعة والأشوريين والمسيحيين والأكراد والتركمان وغيرهم، وأقامت أول دستور عراقي بعد 2003 على مبدأ الحصص المذهبية الشيعية والسنّية والكردية وغيرها، وقد أطلق عليه دستور بريمر.

ومع الاعتراف بأن أميركا لم تخلق هذه المذاهب ولكنها كانت صاحبة هذه البدعة في التفرقة السياسية الرسمية في الدستور على أساس طائفي، فبعض المنتفعين من هذه البدعة أذاعوا ان التركيبة السياسية التي سلمها الانكليز الى العراقيين اختارت السنّة في بداية القرن العشرين ليتسلموا مقاليد الحكم في البلاد بعد الاستعمار الانكليزي، وإذا اراد الأميركيون أن يغيروا المعادلة السياسية في العراق لمصلحتهم، فعليهم تغيير المعادلة التي وضعها الانكليز، وتسليم السلطة السياسية الى الشيعة، وهذا يعني تسليم مقاليد الحكم في العراق للشيعة دون السنّة، وإلا فلا ضمانة للأميركيين بأن احتلالهم العراق سينجح لو بقي للسنّة وزن مؤثر في الحكم مرة أخرى، وهذا ما يفسر سكوت أميركا على تغول المالكي على السلطة التنفيذية بعد الانسحاب الأميركي.

وكان من المستغرب واللافت ان ينظر وزير الخارجية الروسي إلى الأزمة السورية الراهنة من هذا الباب، فيقول سيرغي لافروف: إن من اهداف الثورة السورية الحالية نقل مقاليد الحكم من الشيعة إلى السنّة، من دون ان يفصح عن موانع رفضه لذلك على فرض أن ذلك هو الهدف الفعلي للثورة السورية، ومن دون أن يعلل أثر ذلك على المنطقة أو على بلاده أو على العالم.

لقد ولدت الجغرافيا الثقافية قديماً ولادة طبيعية، بسبب انفتاح الإسلام على أكثر من اجتهاد فكري، وسماحه بتعدد المذاهب الفكرية والفقهية، وهذه مسألة عرفت في الإسلام منذ العهد النبوي، ووقع التعدد في الاجتهاد في العصور الإسلامية الأولى، وكان ذلك عامل قوة للإسلام والمسلمين، وكان تكاثر الاجتهادات الفقهية ومذاهبها يمثل علامة تجديد متواصل في الأمة، وكان العلماء يسافرون من بلد إلى آخر لأخذ العلم عن غيرهم من العلماء والمذاهب الإسلامية الأخرى، واستمر ذلك بصورة إيجابية لأكثر من عشرين قرناً، على رغم ما اعترى الحياة العلمية من مشاكل وعقبات أحياناً، أدت في بعض المراحل إلى اغلاق باب الاجتهاد، او تبني مذهب فقهي معين لهذه الدولة أو تلك، ولكن ذلك لم يؤثر في التقسيمة السكانية على أساس الجغرافيا الثقافية، فقد عرفت بغداد في قرونها الثلاثة الأولى كل مذاهب أهل السنّة والشيعة والاعتزال ومذاهب العلماء الفقهية والعقدية والكلامية والصوفية، بصورة إيجابية ومتطورة ومتفاعلة ومتغيرة، ومن دون ان يحدث ذلك أثراً سيئاً، ولا بلبلة فكرية ولا اضطراباً فقهياً، بل وحتى مع قيام الدولة البويهية الشيعية الزيدية في بغداد وبلاد فارس لم تغير من مذاهب الناس، وإن كان للدولة مذهبها الاعتزالي في العقيدة والزيدي أو الحنفي في الفقه، وبعد زوال الدولة البويهية لم يتأثر الناس بمذاهب الدولة الرسمية، وقد قامت الدولة الفاطمية في مصر لأكثر من قرنين من الزمان من دون ان تفرض على الناس الأخذ بمذهب الدولة كرهاً، ولا ان ترتسم في أذهانهم العقلية المذهبية الجامدة، فكان التعامل مع المذاهب الفكرية والفقهية أشبه بالمقررات المدرسية المنفتحة والتي هدفها تعلم العقائد الصحيحة والفقه اللازم لمجريات الحياة اليومية والعيش في ظل الثقافة الإسلامية بمفهومها الواسع، ولكن من دون إكراه ولا اضطهاد لمن يخالف في المذهب.

وكان من الطبيعي ان تتبنى الدول الإسلامية اجتهادات العلماء الفكرية والفقهية من دون ان يؤثر ذلك في حقوق المسلمين كافة في الدولة العباسية أو الفاطمية او المملوكية أو العثمانية، لكن وقبل انتهاء العهد العثماني وجدت حالة نادرة من أنواع الصراع الداخلي بين المسلمين، عندما ظهرت الحرب بين الدولة الصفوية في إيران مع الدولة العلية العثمانية على انها حرب بين الشيعة والسنّة، لأن الدولة الصفوية اتخذت من الحالة المذهبية أحد أوجه الصراع السياسي بين الدولتين، ، فالدولة الصفوية هي أول من صنع الجغرافيا الثقافية المذهبية واستخدمها في حروبه السياسية، وعلى فرض أن الدولة العثمانية قد شاركت في ذلك إلا أن زوال الدولة العثمانية أنهى هذه الجغرافيا المذهبية على صعيد العالم الإسلامي كله، باستثناء الدول التي قامت في إيران بعد الدولة الصفوية، فقد بقيت متمسكة بالدولة المذهبية، ونص دستورها منذ بداية القرن العشرين على مذهب الدولة الشيعي الجعفري الاثني عشري، وعندما قامت الثورة الإسلامية الخمينية لم تفارق المذهبية ولا الجغرافيا المذهبية على رغم كل ما يقال خلاف ذلك.

ولربما لو لم تستغل الدولة الصفوية التمذهب الشيعي ورقة في الصراع مع الدولة العثمانية لما كانت إيران اليوم تحت هذا الضغط المذهبي القسري على السكان المتشيعين سياسياً قبل أن يكون تشيعاً عقدياً أو فقهياً، وما هو موضع خشية الآن ان تتحول الحرب الأهلية في سورية اليوم إلى صورة مشابهة لما حصل في إيران من قبل، بحيث تتحول سورية إلى جغرافيا شيعية من خلال الهجرات المتواصلة من إيران والعراق والمتطوعين الشيعة في العالم لخوض هذه المعركة على أساس الجغرافيا المذهبية.

إن تحليل وزير الخارجية الروسي بأن الحرب في سورية هي حرب سنية - شيعية يحتمل تحليلاً مهماً، وهو ان روسيا تضع نفسها طرفاً في هذه الحرب التي تمتد من إيران إلى العراق إلى سورية إلى لبنان، بسبب قربها الجغرافي من هذا المحور أولاً، وبسبب أن المعارضة الإسلامية المحتملة في روسيا هي معارضة سنية، وفي نظر الروس أن إضعاف كل ثورة سنية في مهدها سيضمن لروسيا بقاء المعارضة الروسية الإسلامية ضعيفة وعاجزة عن التفكير بالتغيير والثورة، وربما أثر فيها أن انهيار الاتحاد السوفياتي كان من بين أسبابه الحرب التي خاضها ضد العالم الإسلامي السنّي بعد احتلاله أفغانستان.

=========================

مشروع تشييع بغداد.. إلى أين؟

عبد الحميد الكاتب – كاتب عراقي

خاص بالراصد

العدد مائة وثمانية - جمادى الاخرة 1433 هـ

منذ أن طرد السلطان العثماني مراد الرابع الصفويين من مدينة بغداد عام 1638م، لم يتمكن الشيعة من السيطرة عليها، لذا فإن الاحتلال الأمريكي (نيسان/ أبريل 2003) والذي مهّد الطريق لحكم الشيعة للعراق يعد إنجازاً كبيراً للمذهب الشيعي، وبناء على هذا فإن مشروع تشييع بغداد سلوك طبيعي لنظام إيران لتثبيت أقدام المذهب في العاصمة التي ظلت عصية على الشيعة.

بغداد سنية

منذ أن بنيت بغداد في عهد الخليفة المنصور عام (145ه) أصبحت العاصمة السياسية والقبلة العلمية للعالم الإسلامي والحضارة السنية، ورغم ما مرّت به بغداد من نكبات كثيرة على يد المغول والتركمان الشيعة " الصفويين" إلا أن ذلك لم يغير من حال بغداد فقد بقيت عامرة بمساجدها ومدارسها لا يعلو فيها فوق الصوت السني صوت، برغم وجود غير السنة فيها.

لكن بدأ الحال يتغير مع سقوط الملكية وقيام الجمهورية عام 1958 حيث عمل الرئيس عبد الكريم قاسم على منح المزارعين الشيعة أراض سكنية في بغداد (حي الشعلة ومدينة الثورة حالياً) مما زاد من نسبة الشيعة فيها، ومع ذلك بقي السنة محافظين على أغلبيتهم فيها، حيث تقدر إحصاءات عام 1997 نسبة السنة بأكثر من 56 % .

ملامح تشييع بغداد

مشروع تشييع بغداد الذي بدأ منذ يوم الاحتلال الأول (9 نيسان/ أبريل 2003) لا يودّ كثير من النخب العربية والإسلامية الاعتراف بخطورته والاستعداد لمواجهة آثاره فضلاً عن التصدي لمحاوله إتمامه وإنجازه؛ حيث سقطت الدولة وبقي "العرب السنة" يواجهون العواصف الشيعية والأمريكية دون أية مرجعية دينية أو سياسية تقودهم نحو بر الأمان، فالنظام البعثي السابق منع ظهور أية قيادة سنية (سياسية أو دينية أو عشائرية) في مقابل ذلك كانت إيران طيلة ثلاثين عاماً تعد رجالها ومشروعها للهيمنة في ذات يوم!!

من ملامح تشييع بغداد يمكن أن نعدد ما يلي:

* سيطرة الشيعة عقب الاحتلال مباشرة على كثير من الأبنية والمنشآت الحكومية وقصور النظام البعثي في بغداد، وذلك بعد عمليات واسعة من السرقة والنهب، وتحويلها من أبنية للحكومة السابقة إلى مقرات للأحزاب السياسية والجمعيات الدينية والثقافية والخيرية الشيعية دون سند قانوني مثل: مكاتب الشهيد الصدر، مكاتب المراجع الدينية، مكاتب الأحزاب السياسية.

* ومن ذلك أيضاً أن تحولت بعض المؤسسات الرسمية لتكون تحت هيمنة وسيطرة فريق شيعي بعينه وليست تحت سيطرة الحكومة، ومنها:

- الجامعة المستنصرية شرق بغداد والتي أصبحت تعد من أهم معاقل الصدريين.

- جامعة البكر للدراسات العسكرية والتي أصبحت تابعة لحزب الدعوة.

- مطار المثنى المعقل الأول لحزب الدعوة منذ الأيام الأولى للاحتلال.

- معسكر الرشيد شرق بغداد الذي سيصبح مجمعاً سكنيا ضخماً للشيعة.

* تقاسم الأحزاب والتيارات الدينية الشيعية النفوذ والهيمنة على مناطق واسعة في بغداد (جيش المهدي في مدينة الصدر والشعلة والحرية والكاظمية، المجلس الأعلى في مناطق الجادرية والكرادة حيث أوجد منطقة محصنة تابعة له، حزب الدعوة في مطار المثنى والمنطقة الخضراء).

* تكوين مليشيات عسكرية رسمية للشيعة في بغداد وذلك مع بدء تشكيل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في حكومة أياد علاوي عام 2004، وقد انخرط كثير من أبناء محافظات الجنوب والوسط في صفوف القوات العاملة في بغداد.

* مع تسلّم إبراهيم الجعفري (رئيس حزب الدعوة آنذاك) رئاسة الحكومة في نيسان/ أبريل 2005، بدأت حرب الاجتثات والتطهير ضد "العرب السنة" التي قادتها وزارة الداخلية برئاسة بيان جبر الزبيدي المعروف باسم صولاغ (القيادي في المجلس الأعلى). وقد أسفرت الحملات الأمنية وعمليات فرق الموت (القوات الخاصة في وزارة الداخلية) عن قتل واعتقال وتهجير الآلاف من أبناء السنة من بغداد.

وساهمت عملية تفجير مرقد الشيعة في سامراء (شمال بغداد) في 22 شباط/ فبراير 2006 لتكون بمثابة ساعة الصفر لعملية الاكتساح الشيعي الشامل للعاصمة، حيث تولت مليشيا الصدر (جيش المهدي) عمليات حرق المساجد ومهاجمة الأحياء وتهجير أهلها وتنفيذ الإعدامات في الشوارع والساحات العامة وإقامة نقاط التفتيش الوهمية، وتحولت مدينة الصدر (شرق بغداد) إلى أكبر قاعدة لفرق الموت الصدرية، والتي ضمت كذلك معتقلات للمختطفين السنة لا سيما في الحسينيات وبعض الدور السكنية!

واستمرت الحرب التي يقودها جيش المهدي على الأحياء السنية في بغداد عامين كاملين (2006 - 2007) تمكن فيها من فرض سيطرته على معظم أحياء بغداد بجانبيها الشرقي والغربي.

وأصبح جيش المهدي القوة الأولى في بغداد ومعظم محافظات الجنوب والفرات الأوسط، والشيعة يعترفون بفضل المليشيا الصدرية على الطائفة ويقولون: لولاه لم يبق شيعي واحد في بغداد.

- إذ في الجانب الشرقي لبغداد (الرصافة) تمكن الشيعة بقيادة جيش المهدي والقوات الحكومية من فرض سيطرتهم على معظم الأحياء المختلطة بعد تهجير السنة منها، ولم يبق لأبناء السنة سوى (منطقة الأعظمية، منطقة زيونة، وبعض المناطق الصغيرة كالفضل "الحي القديم وسط بغداد"، وبعض مناطق حي "الصليخ").

- أما بالجانب الغربي (الكرخ) والذي شهد أكبر عملية تهجير في تاريخ العاصمة، فقد سيطر الشيعة على أحياء منطقة الحرية شمال غرب بغداد بعد تهجير الآلاف من عوائل "المشاهدة" السنية وقتل المئات منهم، كما سيطروا على معظم حي العامل، وحي الوشاش، وبعض مناطق حي الغزالية وتمكنوا من الزحف على حي العدل، ولهم نفوذ في بعض أحياء المنصور والجامعة والقادسية وغيرها من معاقل السنة في الكرخ، ونقل بيان لجبهة التوافق السنية (رقم 49) عن أحد السياسيين الشيعة قوله: "لم يبق في بغداد من العرب السنة سوى 15% ".

* أما في عهد نوري المالكي فتعززت القبضة الأمنية للشيعة على بغداد عام 2007 بالتزامن مع تعاظم رغبة المالكي بالسيطرة على كافة مفاصل الدولة السياسية والأمنية، فنشأت تشكيلات عسكرية جديدة تابعة له تعمل في بغداد وتمارس نفوذها في المحافظات السنية، ومن هذه التشكيلات: "قوات عمليات بغداد"، ولواء (56 المعروف بلواء بغداد) ولواء (54) و"جهاز مكافحة الإرهاب" وغيرها من الأجهزة المرتبطة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة، وتحتفظ هذه التشكيلات بمقرات ومعتقلات في المنطقة الخضراء ومطار المثنى، وقد كشف عن بعض الانتهاكات التي طالت المعتقلين السنة (من أبناء الموصل) في نيسان/ أبريل 2010.

* أما ضواحي العاصمة وهي الحزام السني المحيط ببغداد فقد تعرضت لحملات شيعية كثيرة منذ نيسان/ أبريل 2005 بهدف تهجيرهم وإضفاء الطابع الشيعي على المنطقة. 

- حيث تم افتعال أزمة الرهائن الشيعة في منطقة المدائن (سلمان باك) جنوب شرق بغداد، وهي منطقة سنية ومعقل مهم للمقاومة، ومما يزيد رغبة الشيعة في الاستيلاء على هذه المنطقة وجود مقام الصحابي سلمان الفارسي، المقدس عندهم.

- كما تعرضت الضواحي الشمالية الشرقية للعاصمة لهجمات كثيرة من قبل جيش المهدي وقوات الحكومة لا سيما المليشيات التابعة لعشيرة البوعامر في الراشدية، ولا تزال مناطق الطارمية والراشدية والتاجي مستهدفة من قبل القوات الرسمية بالاعتقالات والاغتيالات.

- وإلى الغرب من بغداد حيث قضاء أبو غريب السني، والذي يتمركز فيه أسوأ الألوية العسكرية التابعة للجيش العراقي (لواء 24) التابع (للفرقة السادسة/ الجيش العراقي) والذي يعرف بلواء المثنى منذ عام 2005.

حيث عُرف هذا اللواء بطائفيته فعناصره من أبناء محافظات الجنوب أو من الموالين لمقتدى الصدر، وهو يمارس دور المليشيا الصدرية في تلك المناطق حيث يقوم باعتقالات عشوائية جماعية لأبناء القضاء في مختلف النواحي، فضلاً عن عمليات التعذيب للمعتقلين، والإهانات "الطائفية"، ويقوم بين الحين والآخر بإعدام قرويين في تلك النواحي بشكل جماعي وقد تكرر هذا عدة مرات خلال عامي 2009، 2010.

وعلى إثر الاعتقالات والتضييق الممنهج هاجرت المئات من العوائل السنية حتى أصبحت هذه الظاهرة ملحوظة ومحل اهتمام المتابعين للشأن السني في العراق.

- وإلى الجنوب الغربي حيث قضاء المحمودية وتوابعه، فقد تعرضت تلك النواحي لمجازر وحملات تطهير ديني لا مثيل لها، وكشف النقاب في ربيع عام 2008 عن عدد من المقابر الجماعية للضحايا السنة في منطقة المحمودية، أما مناطق اللطيفية واليوسفية وغيرها فتعرضت لحملات شرسة منذ استلام الجعفري منصب رئاسة الوزراء وطالتها أولى الحملات الأمنية (عملية البرق)، وقد توافرت أسباب كثيرة لينصبّ البلاء الشيعي على تلك المناطق منها (شراسة أبناء تلك المناطق ضد القوات الأمريكية وقوات جيش المهدي، وجود تنظيم القاعدة الذي فاقم الأمر وأصبح يلاحق الجماعات الجهادية ويشن حربا ضد مخالفيه من السنة، وقوع هذه المناطق على طريق الزوار الشيعة لكربلاء).

 بغداد ...الحسينية الكبرى

"الحسينية" هي المعبد الشيعي حيث تقام فيها الطقوس والشعائر الدينية، وغالباً ما ترفع عليها رايات ملونة وصور الأئمة الروحيين للشيعة، وقد وصف أحد القادمين من بغداد بأنها "حسينية كبرى" حيث تنتشر بكثافة الصور المفترضة للحسين وعلي والأئمة الإثني عشر، وصور زعماء الشيعة السياسيين ومراجع المذهب، والأعلام السوداء والحمراء والخضراء، - فالعاصمة السنية سابقاً- تعيش يومياً أجواء الطقوس الكربلائية العاشورائية.

ومنذ الأشهر الأولى للاحتلال أصبح من المألوف لدى البغداديين رؤية صور زعماء الشيعة (الخميني، الصدر، السيستاني، محمد باقر الحكيم) وأعلامهم الملونة (لا سيما السوداء) مرفوعة في كثير من مناطق بغداد، وتعززت الصورة الشيعية لبغداد بعد حملات التهجير والتطهير الديني (2006 - 2007).

وتظهر قوة الشيعة وسيطرتهم في بغداد في مواسم العزاء (يوم عاشوراء، الأربعينية، ذكرى موسى الكاظم، ذكرى مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه) وينتشرون في كل أنحاء العاصمة ويقيمون خيم العزاء وموائد الطعام والشراب، ويضطر بعض السُنة إلى مجاراتهم وتعليق الأعلام السوداء وإظهار الحزن وإعداد الطعام.

حيث تخصص الدولة مبالغ طائلة لتنظيم هذه الطقوس وحماية الزائرين، وتُعطل الحياة العامة والدوائر الرسمية في أيام الزيارة.

وجرى بناء الكثير من الحسينيات في بغداد وضواحيها، وهناك سعيٌ جديد لتحويل نصف المساجد السنية التي بنتها الدولة إلى الوقف الشيعي، وهذا ما يعزز سيطرة الشيعة في بغداد وانتزاع المزيد من المساجد من أيدي السنة، وتمكنهم من إيجاد موطئ قدم لهم في المناطق السنية (بيجي وتكريت وسامراء) لأن محافظة صلاح الدين يوجد فيها 8 مساجد ضخمة بناها النظام السابق.

إدارة شؤون العاصمة

يتولى الشيعة حالياً أمر الإدارة المحلية وتنفيذ المشاريع الخدمية في بغداد من خلال محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق "القيادي في حزب الدعوة"، ورئيس مجلس المحافظة كامل ناصر الزيدي (عضو حزب الدعوة- تنظيم العراق) وهو خليفة الرئيس السابق للمجلس معين الكاظمي (القيادي في منظمة بدر)، وكذلك أمانة بغداد والتي يرأسها صابر العيساوي (القيادي في المجلس الأعلى)، أما المسؤول السني في مجلس المحافظة رياض العضاض فقد اعتقل بتهمة دعم وتمويل الإرهاب (شهر كانون الثاني/ يناير 2012).

وتنصب كافة الجهود الحكومية على الاهتمام والعناية بالمناطق الشيعية لا سيما المناطق الخاضعة لسيطرة الأحزاب الدينية، والأماكن المقدسة عندهم كالكاظمية، أما المناطق السنية فيصيبها الإهمال الممنهج، أو التعمير المبرمج لصالح الشيعة كمحاولة لاختراقها وتوسيع النفوذ فيها.

أما الوظائف الحكومية فالوزارات السيادية المهمة مغلقة للشيعة لا سيما للأحزاب الدينية (الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري)، وبقية الوزارات التي يترأسها السنة فللشيعة نفوذ كبير فيها، ولا توجد سلطة فعلية لأي مسؤول سني (عسكري أو مدني) في بغداد، لا سيما مع قرارات الاجتثاث (قانون المساءلة والعدالة)، ومذكرات الاعتقال (قانون مكافحة الإرهاب/ المادة الرابعة) والتي طالت كبار المسؤولين السنة (نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي)، وعمليات الاغتيال التي طالت الكثير من الضباط السنة في وزارة الدفاع وغيرهم من المسؤولين السنة في الوزارات.

موقف المسؤولين السنة

المواقف الهزيلة للمسؤولين السنة تزيد من ضعف الواقع السني في العاصمة، فديوان الوقف السني المحاط بأغلال الفساد المالي والمتآمرين مع رئيس الحكومة لا يؤدي الواجب اللازم في حماية ما تبقى من وجود سني وتثبيته، وقد أكلت نيران الفساد كثيرا من ميزانية الديوان التي كان ينبغي أن تخصص لرعاية المصالح السنية في بغداد.

أما الحزب الإسلامي العراقي فيحاول التأقلم مع الواقع الشيعي الجديد لا سيما بعد خسائره السياسية الفادحة في انتخابات آذار/ مارس 2010، ولا يرغب بالاصطدام مع دكتاتورية المالكي، وبعض أطرافه تسعى للتقرب من مكتب رئيس الوزراء لعلها تكون الوجه السني المعتدل المقبول رسمياً.

أما القائمة العراقية فقد أنهكتها الانقسامات والمصالح الحزبية والشخصية والأطماع المادية التي قتلت دورها كمدافع عن حقوق العرب السنة.

وعلى الضفة المقابلة نجح المالكي في تجنيد بعض السنة ليضفوا الشرعية على نفوذه وينفوا عنه صفة الطائفية، لتمرير مخططات وسياسات التغيير الديمغرافي تحت غطاء رسمي قانوني.

التأييد الشعبي لمشروع "تشييع العاصمة"

لم يكن الصراع من أجل بغداد صراعا عسكريا فهناك تأييد شعبي عزز عمليات التوسع، فالمرحلة الأولى من العملية تمت بمساندة وتأييد الشارع الشيعي لعمليات جيش المهدي الذي كانوا يعدونه حامي الفقراء البسطاء من هجمات "الانتحاريين الإرهابيين"، كما أنه كان يعمل على إسكان الشيعة المهجرين في منازل السنة الذين هجروها قسرياً.

بل إن كثيراً من الشباب الشيعة انخرطوا في صفوف المليشيا الدينية "جيش المهدي" كعناصر مهاجمة أو مساندة بتوفير المعلومات عن السنة والإيواء لمقاتلي جيش المهدي عند تعرضهم لأي خطر.

ومع دخول عملية "التشييع" في إطارها الرسمي برعاية "حزب الدعوة"، فإن التأييد الشعبي سيكون أوسع وأكبر لاسيما مع الإغراءات المادية بالوظائف والمكافآت والمنح المالية لما يسمى عوائل الشهداء والمتضررين من "الإرهاب" وضحايا "النظام السابق".

وجوب التحرك الفوري

لذا فإن واجب كل من يهمه أمر "العرب السنة في العراق" في الداخل والخارج كشف تفاصيل المخطط الشيعي للعاصمة بغداد وإعداد تقارير موثقة يمكن الاعتماد عليها في مطالبة المجتمع الدولي الضغط على حكومة المالكي لاعتماد سياسة جديدة تعيد التوازن الطائفي للعاصمة من خلال:

1- إعادة ترتيب البيت السني وتقويته للدفاع عن نفسه وحقوقه.

2- حل مليشيات الأحزاب الدينية، وخاصة المليشيات الصدرية (جيش المهدي، لواء اليوم الموعود، عصائب أهل الحق، كتائب حزب الله) لا سيما بعد أن أصبح لها مشاركة سياسية وتمثيل رسمي، ونزع سلاحها والقصاص من المتورطين بعمليات ضد المدنيين.

3- إعادة المهجرين السنة إلى مناطقهم وأحيائهم بعد تأمينها.

4- اعتماد الكفاءة في عملية التوظيف والتعيينات الحكومية بغية إعادة العرب السنة إلى وظائفهم في كل الوزارات.

5- تطهير الوزارات الأمنية من العناصر التابعة للأحزاب وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية على أساس وطني مهني بعيد عن الطائفية والحزبية.

6- إعادة الأوقاف السنية المغتصبة من قبل ديوان الوقف الشيعي.

7- إزالة المظاهر الطائفية (الأعلام والصور والأسماء) من الشوارع والساحات في بغداد.

8- إعادة المباني الحكومية التي تسيطر عليها الأحزاب الحاكمة إلى الدولة واستغلالها في الصالح العام.

=========================

ولاية الفقيه والخليج العربي

( تجربة العراق تقدم لدول التعاون درسا في معنى الاحتلال المركب )

الدكتور عبد الستار الراوي

جريدة الوطن البحرينية

20/5/2012

قبيل احتلال العراق بنحو ستة أشهر كانت الاستعدادات الإيرانية الرسمية تجري بمنتهى السرية على المستويات كافة، فيما كان الغزو الأمريكي المرتقب هو القضية المركزية على صفحات جرائد طهران ودورياتها وفضائياتها وإذاعاتها الموجهة، وبالوزن السياسي المكثف نفسه كانت مراكز البحوث الحكومية تنشغل بمناقشة دوافع الحرب المحتملة، والتنبؤ بنتائجها، وانخرط رجال الحوزات الدينية في معمعة التوصيف والتحليل، وكان كل فريق يضع تصوراته المستقبلية من منطلقات خاصة تعبر عن رأيه العقائدي أو تعكس رؤيته الإيديولوجية. ووسط هذه الأجواء المتأججة بالأفكار والنظريات، وحمى السجالات واختلاف وجهات النظر، ما بين الأفندية والمعممين، وتقاطع الإصلاح والمحافظ، وسط هذه الخلافات المستعرة، يفاجأ المراقب وقد يصاب بالذهول حين يكتشف أن جوهر الصراع بين القوى السياسية بيمينها ويسارها يكمن فقط في النقاط الفنية، نحو: حجم التدخل وكيفياته، التوقيتات (قبيل، أثناء الحرب) أسلوب استغلال مدخلات الغزو الأمريكي المرتقب على العراق.

*

بعبارة أخرى: إن القوى الحكومية والحزبية كافة، لا خلاف بينها على جدوى غزو العراق، هي كانت تخشى فقط المتغير الطارئ الذي يلزم تراجع الولايات المتحدة عن عزمها تحت الضغط الأممي المناهض للحرب، فتضيع فرصة موت الخصم العنيد.

*

طهران تلتقط ثمرة عدوان واشنطن

ومن كان يتابع (قناة العالم) في تلك الفترة الحرجة ؛ ويصغى إلى ندوات مركز وزارة الخارجية للدراسات السياسية والاستراتيجية، ويقرأ صحف اليمين واليسار، يعلم أن الفترة الواقعة بين سبتمبر 2002 وأبريل 2003 كانت تدور حول الكيفية التي يمكن أن تلتقط فيها إيران ثمرة العدوان الأمريكي. وعندما أدركت ولاية الفقيه من خلال اجتماعاتها مع الأمريكيين والأوروبيين أن الحرب على العراق واقعة لا محال، وأن العد التنازلي لساعة الصفر قد يبدأ في أي وقت، سارعت إلى إعداد خطط التسلل وصممت مناطق النفوذ، وطبقاً لذلك راحت تهيئ المعارضة وتنظم حركتها باتجاهين:

*

الأول: تهيئة رجال الدين والمرجعيات والأحزاب الموالية لولاية الفقيه، وهذا هو الجزء الأكثر أهمية لتكريس النفوذ الإيراني ذي الطابع الشعوبي من ناحية، والقضاء على القوى العروبية من ناحية أخرى، وجعل منطقة جنوب العراق رأس سهم لمحاربة العشائر العربية. الثاني: ركزت فيه على تقوية علاقاتها وتوطيدها بالعناصر والتنظيمات العلمانية: أمثال أحمد الجلبي ومن هم على شاكلته، وقيادة حزبي الطالباني والبارزاني.

*

إن أول ما يلفت النظر عند تأمل سلوك الدولة الإيرانية تجاه العراق، هو هذه القدرة على التشكل متنوع الأوجه على وفق استراتيجيات متعددة وإنفاذها جميعاً وفي وقت واحد وبالتوازي والتكامل فيما بينها، تأكيداً منها على قدراتها كدولة إقليمية مسيطرة. ومن بديهيات القول إن لإيران مصلحة راسخة وهدفاً ثابتاً في منع العراق من التحول مرة أخرى إلى دولة قوية تناطح إيران أو السعي إلى الحد من قدرتها على مد نفوذها وتحقيق أهدافها في الخليج العربي بنحو خاص، وذلك هو أبرز ما تعلمته إيران واستنبطته من دروس حرب الثماني السنوات، فالدولة الإيرانية تحرص (الآن أو مستقبلاً) على أن لا تصل إلى حكم العراق أي قوة ذات موقف وطني مستقل، أو ذات رؤى واستراتيجيات طموحة تعمل من أجل تقوية العراق والعروبة، وبعبارة أخرى: إن إيران تأخذ بالفكرة القائلة إن ضعف دولة الجوار إنما يعنى قوتها هي، وإن قوة دولة الجوار يحولها إلى دولة تهدد الأمن القومي الإيراني.

*

من بين الثوابت المبدئية في تاريخ سياسة الجمهورية الإسلامية، ومنذ قيام ثورتها 1979 أنها لم تتوقف في بذل جهدها كله لإسقاط العراق بغية الهيمنة على الخليج العربي، بدءاً بالحرب الأولى بين البلدين ومروراً بالحرب الأمريكية الأطلسية عام 1991 كان تصميمها بيناً وصريحاً، يصب بتفاصيله وحلقاته كلها في البؤرة السوداء وهو (لثأر من العراق) ، ومن هنا كان عليها أن تقدم لواشنطن ما يعزز شعار البيت الأبيض أن العراق هو الشر المستطير، ولذلك أقدمت الدولة الإيرانية على توظيف الوسائل المتاحة والأساليب المبتكرة كلها لتعزيز الغزو الأمريكي، وكان الحصار المهين الذي فرضته الولايات المتحدة واحداً من أدوات الضغط الإيراني، إلى جوار بعض ذوي القربى، فأحكمت ولاية الفقيه من جانبها منافذها الحدودية لمنع الصادر منها والوارد إليها، إلى الحد الذي منعت معه النشاط التجاري بعموم قطاعاته من التعامل مع العراق، ولم يتعد التبادل السلعي خلال البلدين أكثر من مليون دولار سنوياً حتى العام 2000 عام الانفراج النسبي في علاقة البلدين، عندما أوفدت طهران وزير خارجيتها إلى العراق في نوفمبر 2000، إذ التقى الرئيس صدام حسين ومعه العديد من قيادات الدولة العراقية، وكنت حاضراً اللقاء بصفتي سفيراً للعراق في طهران، وحركت هذه الزيارة أجواء النشاط التجاري ليصل في العام 2002 إلى مائة مليون دولار سنوياً، في حين تشير الأرقام إلى أن حجم الواردات في ظل الاحتلال الأمريكي تجاوز الخمسين مليار دولار في العام 2010، ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى الضعف خلال العام 2014، وعند تفسير السلوك السياسي الذي انتهجته الجمهورية الإسلامية تجاه العراق، نجد أنها استحدثت في العام 2001 مصطلح (الحياد الفعال) وضمته إلى قاموسها السياسي عنواناً لها في السياسة الخارجية، وهو مصطلح تكتيكي يتناقض مع الدستور ويتقاطع مع مبادئ الثورة الإيرانية التي ترفع شعار إنقاذ المستضعفين في الأرض ومحاربة الطاغوت، وأن مهمات جيشها العقائدي تتجاوز الحدود الجغرافية للجمهورية الإسلامية، وتزامن تداول الإعلام للتفسير الإيراني لمفهوم الحياد مع تصاعد الحملة الأمريكية حيال أسطورة أسلحة الدمار الشامل، وما رافقها من الحرب السرية التي قادتها فرق التفتيش الدولية، وهي المقدمة التمهيدية الكبرى لتسويغ العدوان الأمريكي .

*

هنا كانت طهران تقف في منطقة التضليل الكبرى، طبقاً للحياد المزعوم، وهي تتحدث بلسانين في آن معا: (نعم) و(لا). نعم لزوال العراق، وهذه ال (نعم) هي الترجمة الأمينة لتواطؤ طهران مع النوايا العدوانية للولايات المتحدة الأمريكي، اتفاقاً وتنسيقاً على إسقاط العراق وتدمير بنيته وتفكيك جهازه العسكري.

*

أما ال(لا) فهي جملة تصريحات مسؤولي الجمهورية الإسلامية وقادتها والمعلنة إعلامياً، والتي تصب في خانة الممانعة على شن الحرب.

*

الصوت والصدى

هنا يتبدى نفاق السياسة الإيرانية حين تتعمد التلاعب بالألفاظ والغموض في العبارات كما في كلاميات مسؤولي الخارجية فيما يتعلق بالموقف السياسي من القوة الأمريكية ومن عدوانها المحتمل، إذ لا نجد أية تصريحات سياسية وإعلامية إيرانية على درجة الوضوح نفسها كنظيرتها التي تتعلق بحزب الله مثلاً. وإذا كان مفهوماً سبب إحجام إيران عن إعلان طبيعة التعاون والتنسيق مع الشيطان الأكبر بصفته ضرباً من الأسرار الكبرى، يراعى ضرورة عدم الظهور بمظهر المتدخل في الشأن العراقي بسبب الحساسيات التاريخية بين البلدين (حرب الخليج الأولى)، فإن عدم وضوح الموقف الإيراني من الغزو الأمريكي للعراق - على نحو رسمي فعال- هو أمر تتعدد بشأنه الاحتمالات لدى المحللين والخبراء الاستراتيجيين. هناك رؤية أن إيران حافظت على مسافة من إعلان موقفها من الاحتلال مركزة على انتقاد الرئيس صدام حسين والتشهير بالتجربة العراقية في وسائل إعلامها ودعاياتها لإيجاد مساحة تماس مسبقة مع الولايات المتحدة الأمريكية (دون إعلان) من خلال التركيز على العدو نفسه. وهناك رؤية هي أن هذا الغموض إنما يأتي نتيجة لتقديرات إيران لطبيعة القوى التي يمكن أن تتعاون معها داخل العراق عقب انقضاء عهد الرئيس صدام حسين، إذ هي قوى متعددة تختلف بعضها عن بعض أيضاً من حيث الرؤية للولايات المتحدة ولطريقة التعاون أو الصراع مع القوى والأطياف الأخرى في العراق، ومن ثم فإن أي وضوح «جماهيري» للموقف الإيراني قد يتسبب في مشكلات حقيقية بين هذه القوى، كما سيضعف إمكانيات استفادة إيران من هذه «القوى كلها» في الوقت نفسه لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.

*

زيارة عراقية لطهران

كانت زيارة الدكتور ناجي صبري الحديثي واحدة من أهم المحطات التي أقامت فصلاً بين التصورات والوقائع، بكشفها الدعاوى الإيرانية الزائفة، المتأرجحة بين دعوى رفض الحرب وحقيقة تآمرها على العراق، فخلال زيارة وزير خارجية العراق إلى طهران في 28 سبتمبر 2002 حاملاً رسالة من الرئيس صدام حسين مكونة من شقين: العلاقات الثنائية واحتمال نشوب حرب، إلا أن الإيرانيين ركزوا على الشق الأول منها.

وإذا كان المسؤولون الإيرانيون أعلنوا مراراً أنهم لن يظلوا «مكتوفي الأيدي» في حال حصول هجوم أمريكي على بغداد، فإنهم –بالمقابل- أعلنوا أنهم غير مستعدين لخوض «مغامرة» لصالح العراق. وتطرق خرازي إلى الخلافات القائمة منذ الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت بين عامي 1980 و1988 وأوقعت نحو مليون قتيل، ومذاك لم توقع الدولتان أية معاهدة سلام بينهما.

*

وقال خرازي إن إيران «ترغب في أن يبذل العراق جهوداً جدية لتسوية المشكلات العالقة وتطبيق القرار الدولي 598» الداعي إلى إنهاء النزاع، مشدداً على «الإرادة السياسية للقادة الإيرانيين في تطوير علاقات حسن الجوار» مع العراق. كما تطرق إلى الصعوبات التي يواجهها الحجاج الإيرانيون لزيارة العتبات المقدسة في العراق ومسألة أسرى الحرب الذين تتبادل إيران والعراق الاتهامات باعتقالهم. وعلى الرغم من أسلوب التشتيت الذي اتبعه خرازي عن نقاط الحديث الأساس، فإن الدكتور الحديثي أشار بوضوح حاسم إلى وجود «سوء فهم» لدى المسؤولين الإيرانيين، فالعراق منذ نهاية الحرب في العام 1988 كان وما يزال يسعى جاداً إلى إقامة سلام دائم بين البلدين، ويعمل بإرادة سياسية تامة «لإنهاء الوضع القلق بين البلدين، أي حالة اللاسلم واللاحرب.

*

وحذر الوزير العراقي في لقائه الرئيس خاتمي طهران من مغبة الموقف السلبي حيال تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية التي تشكل خطراً جدياً ليس على العراق فحسب، بل أيضاً على العالم الإسلامي كله، ولذلك يتعين على الشعوب والدول الإسلامية كافة التصدي للنوايا العدوانية للولايات المتحدة والعمل يداً بيد لإفشال خطط واشنطن، مؤكداً بلغة صريحة وواضحة التحذير نفسه في لقائه خرازي لاحقاً. أما ال(لا) الإيرانية التي نطق بها السيد محمد خاتمي وأيده فيها خرازي، فكانت هامشية.

*

وقائع التآمر

ومع هذه ال(لا) الواهنة، كان الدكتور صبري يدرك تماماً عقب لقائه الرئيس الإيراني ووزير خارجيته أن الرفض الإيراني للحرب الأمريكية كان كلاماً عريضاً شبيهاً بالمانشيت الصحافي، مما تستخدمه وتلجأ إليه جرائد الإثارة الصاخبة، وسيظل موقف ولاية الفقيه عائماً معلقاً في الأفق الإعلامي للدعاية والترويج، وأن طهران تبيت أمراً ضد العراق، لاسيما وأن المعلومات الواردة إلى بغداد والتي جرى التحقق منها تشير إلى الوقائع الآتية :

*

1 الإشارة المبكرة إلى تورط الجمهورية الإسلامية في الحملة الأمريكية على العراق واللعبة المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وولاية الفقيه، عبر أحمد الجلبي في زياراته المكوكية بين واشنطن وطهران بصفة دورية، لتسلم تقارير تعدها وتلفقها المخابرات الإيرانية (إطلاعات) عن أماكن إخفاء الأسلحة العراقية فيأخذها الجلبي ويقدمها للبنتاغون و(cia) مقابل 340 ألف دولار شهرياً، واستخدمت واشنطن هذه التقارير الملفقة في تجييش الرأي العام الأمريكي والعالمي ضد العراق ولتسويغ الإعداد لحملتها الحربية على العراق.

*

2 بموافقة القيادة الإيرانية العليا، عقد وفد المعارضة لقاء مع دونالد رامسفيلد في واشنطن في العام 2002 وسأل رامسفيلد: كيف سيستقبلنا العراقيون عندما تدخل قواتنا العراق؟ فأجابه عبدالعزيز الحكيم الذي ورث أخاه، لاحقاً، في قيادة المجلس الأعلى وفيلق بدر: «سيستقبلوكم بالترحيب ولن تكون هناك أية مقاومة»، ثم عاد رامسفيلد وسأل السؤال نفسه، فأجابه عبد العزيز الحكيم مؤكداً ومكرراً المضمون ذاته.

*

ساعة الصفر

*

1 في أواسط فبراير 2003 أنجز فيلق بدر بقيادة ضباط الحرس الثوري رفع الكفاءة القتالية بعد سلسلة من التدريبات الميدانية والمناورات الحية، أعقبتها إعادة تنظيم عناصر الفيلق وتسليحها، ووضع الجميع قيد الإنذار.

*

2 حاولت طهران التغطية على دورها التآمري بلعبة بهلوانية مكشوفة، ففي اللحظة التي بدأ فيها العدوان الأمريكي في العشرين من مارس 2003 صرح وزير الخارجية كمال خرازى أن هذه الحرب تفتقد إلى الشرعية الدولية ولا يمكن تسويغها بأية حال من الأحوال، مؤكداً أنها يجب أن تتوقف فوراً، وقال إن تلك الحرب سوف تضيع جهود نصف قرن بذلتها شعوب العالم كافة لتعزيز دور الأمم المتحدة، مؤكداً أن بلاده لن تدعم أياً من الطرفين المتصارعين. 3 في هذه اللحظة بالذات التي لجأ فيها خرازي إلى ال(لا) الغامضة والمضطربة، شرعت مجموعة الاستطلاع العميق التابعة لمخابرات الحرس الثوري، باختراق الحدود المشتركة، وتوغل أفرادها في عمق الأراضي العراقية، وكان من أولويات المهمات المعنية بها، بالإضافة إلى عمليات الرصد الميداني، وجمع المعلومات الاستخبارية وتصنيفها، وهو ما يمكن وصفه بأنه مهمتها المركزية: توفير ملاذات آمنة للأطقم الاستخبارية والمجاميع القتالية التي ستندفع في أوقات لاحقة، فيما كانت تشكيلات بدر ومليشيات الأحزاب الموالية ترابط على الحدود المشتركة، وهي على أهبة الاستعداد بكامل تجهيزاتها العسكرية، بانتظار الضوء الأخضر الإيراني للبدء بالحركة على وفق الخطط الميدانية والأهداف المنتخبة التي جرى التدريب عليها، منذ أمد بعيد، وتم تحديثها في ضوء العدوان الأمريكي .

*

4 تحت إشراف قوة القدس بدأ تحرك فيلق بدر ومليشيات الأحزاب الموجودة في إيران تجاه العراق بالتدفق عبر قاطعي )الشلامجة والمنذرية)، فيما شرعت فصائل بدر الموجودة في كردستان العراق مسيرها تجاه النجف، وجرى توزيع القوة ونشرها طبقاً للخطط الموضوعة، والمهمات المناطة بها، لملء الفراغ السياسي الذي سيخلفه الغزو، إذ أدركت إيران منذ تحضيرات واشنطن الأولى وما أعقبها من اجتماعات مع الأمريكيين والأوروبيين، وما أسفرت عنه مؤتمرات المعارضة الأربعة، أن الحرب حتمية وهكذا أعدت طهران (تقدير موقف) يشمل التوقعات والاحتمالات كافة، في ضوء قاعدة معلوماتها ومتابعتها الاستخبارية، ولذلك كانت طهران تعرف تماماً متى وأين تضع خطواتها، فأعدت وجهزت كامل أدواتها.

*

5 أدخلت إيران في 2/4/2003 عبر منفذ الشلامجة الحدودي، صفوفاً طويلة من قوات التعبئة (البسيج) وحشوداً أخرى من المرتزقة من بينهم طابور من الأدلاء ممن يجيدون اللهجة العراقية يتقدمهم (التوابون) وبعض المسفرين، وتم تزويدهم بأوراق ثبوتية عراقية، وتعد هذه الكتلة البشرية، واحدة من مقدمات المشاركة الفعلية في مؤازرة العدوان الأمريكي، وتمكين قوات الغزاة من تنفيذ عمليات التقدم باتجاه بغداد.

*

وللحديث بقية

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ