ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 31/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

بشار.. سفاح الأطفال ومغتصب النساء

حليمة مظفر

الوطن السعودية

30-5-2012

يحصل بشار الأسد بامتياز على لقب "سفاح الأطفال ومغتصب النساء" فهو اللقب الذي يستحقه ويجب أن يسجله التاريخ له، فـ14 شهرا على الثورة السورية الحُرة، كان السوريون وما زالوا يعانون التقتيل والتهجير والتجويع والتخويف يوميا، فمنذ سقوط أول شهداء "درعا" الطفل حمزة الخطيب، شاهدنا آلافا من الأطفال يموتون بأسلحة مجرمي أعمى العيون لا طبيب العيون! وشاهد العالم ومنه روسيا والصين اللتان تعامى ضميرهما عن الإنسانية لمصالح مادية وسياسية مع حليفتهما "إيران"! فكانتا سببا في استمرار جرائم في حق أرواح آلاف من الشباب يقتلون ويدفنون أحياء ومئات النساء يغتصبن، البكر منهن والثيب! خلال 14 شهرا شاهد العالم بأسره أفظع وأبشع المشاهد الإجرامية على اليوتيوب والأخبار المتلفزة في حق الإنسان السوري من مختلف الطوائف!

ومجزرة حولة على بشاعتها ليست الأولى، لكنها الأبشع لكونها حصلت أمام مراقبين دوليين في سورية لم يعبأ النظام السوري بوجودهم، فما يزيد على مئة ضحية ومنهم ثلاثون طفلا تم حرقهم وتمزيقهم بمدافع وسكاكين مجرمي النظام اللا إنسانيين! حتى الحيوان لا يقتل من أجل القتل ولا المتعة كهؤلاء! ولكن فيما يبدو النظام الخبيث يقدم على الانتحار بقتل أكبر عدد من الأبرياء، الذين يزيدهم ذلك إصرارا على تحرير أنفسهم! والمخجل أن دول العالم بأسره خاصة الأول ممن يتصدرون الحضارة، كلها تقف كمتفرجين أمام المجازر! فماذا جنا الإنسان السوري سوى اجتماعات ولقاءات لأصدقاء سوريا أو دول الجامعة العربية لتخرج ببيانات وقرارات هشة يتلاعب به مجرمو بشار! فما هذه الحضارة التي تقودها دول العالم الأول ولا تحترم الإنسان العربي ودمه؟ وما هذا العجز العربي الذي لا يستطيع فرض قوته وكلمته وقراره على المجتمع الدولي! إن ما يحصل في سوريا عار على الحضارة الإنسانية في القرن 21 وعار على العرب وعلى المسلمين، بل عار على كل من وقف متفرجا أمام تلفزيون الواقع المرعب في نشرات الأخبار واليوتيوب!

لا أنسى أن أذكر تلك المسرحية الهزلية التي شارك فيها بعض الفنانين والمثقفين السوريين باسم الإنسان، لكن الثورة فضحت زيفهم وما طنطنوا به علينا في أعمالهم سنوات، أمثال دريد لحام وسلاف فواخرجي وأدونيس وغيرهم من أبواق النظام السوري، هؤلاء كانوا سببا للتضليل والغواية، والحمد لله سقطوا الآن مع سقوط ستار المسرحية! لكن هذه الثورة أضاءت بآخرين من الفنانين أمثال فدوى سليمان وهي من الطائفة العلوية لكنها منذ انطلاقة الثورة كانت أولى المناضلات لإسقاط النظام الهمجي وكذلك أصالة وغيرهما، فدور الفنان والمثقف أكبر بكثير لإزالة التضليل الإعلامي وتركيز الضوء على الحقيقة، لكن المزيفين لا يستطيعون ذلك.

أخيرا، يجب تسليح الثوار السوريين، على الأقل ليدافعوا عن دماء أطفالهم وأعراض نسائهم اللاتي يُغتصبن، ما دام العالم قد وقف متفرجا عاجزا عن حمايتهم!

=================

الصين الخاسر الأكبر في اللعبة السورية

عمر الزبيدي

الوطن السعودية

30-5-2012

حاولت الصين أن تفرض نفسها كصاحبة رأي مؤثر على طاولة القرار الدولي من خلال استخدامها حق النقض الفيتو ضد القرار العربي الذي كان يهدف لإيقاف القمع الدامي للتظاهرات المناهضة لنظام الأسد، وفيما كان من الممكن أن تكتفي بكين بالامتناع عن التصويت على القرار بالفيتو الروسي الذي أجهض المشروع، إلا أنها اصرت على كسب عداء العالمين العربي والإسلامي واستخدمت حق النقض.

والآن وبعد أشهر من موقف العضوين الدائمين في مجلس الأمن الدولي روسيا والصين يستمر القتل في سوريا باعتبار أن هذا الفيتو الثنائي دعم نظام الأسد بضوء أخضر وحماية تجعله فوق القانون الدولي، وشاركت في تحويل دماء الشعب السوري إلى سلعة قايضت بها موسكو نظام الأسد لتأخد مصالح استراتيجية تمثلت في فوزها بعقد إنشاء قاعدة لها في طرطوس على البحر الأبيض المتوسط.

لتجد الصين أنها وبعد ذلك الفيتو خسرت حلفاء جددا لها في العالم العربي خاصة السعودية، وخسرت كذلك مشاريع حالية ومستقبلية عملاقة واستراتيجية، وبعكس موسكو التي درست خطواتها اكتشفت بكين أنها مارست الغباء السياسي واندفعت في استخدام حق النقض لتجد أن موسكو هي من تفاوض العالم على بيع الأسد كما باعت قبله صدام حسين وعبدالناصر وغيرهما ممن خدعتهم دعاية الممانعة الكاذبة.

لتتورط بكين خارج حدود التفاوض النفطي أو التجاري أو السياسي كما كانت تحلم، ولتكتشف أنها الخاسر الأكبر في ملف سوريا الذي تتسارع مبادرات معالجته النهائية مع تطور فشل قوى الأمن السوري في السيطرة على مجمل الأراضي بما فيها دمشق، ليثبت للحكومة الصينية أنها لا تزال صغيرة على ممارسة ألعاب الكبار.

=================

لكيلا يخذل العالم ضحايا سورية

2012-05-30

الوطن السعودية

عمليات الطرد المتتابعة للدبلوماسيين السوريين، التي بدأها الغرب أمس، تؤكد أن فكرة التحرك المشترك على إطلاقه حيال الأزمة، لا تزال مطروحة على طاولة المجتمع الدولي. كما تعكس هذه الخطوة تحركا نوعيا لتعزيز سلسلة العقوبات الاقتصادية التي يطبقها الغرب ضد نظام بشار الأسد، لكنها متأخرة جدا، حتّى إنها تشبه اليقظة المفاجئة. وعلى الرغم من تأخرها، فإنها لا تعدو أن تكون عقابا دبلوماسياً لا يعني النظام العسكري السوري كثيراً، بل إن نظام الأسد قد لا يأبه بمثل هذا النّوع من الإجراءات الدبلوماسية، وهو النظام الذي لا يعرف منطقاً غير منطقة القوة والعنف والقتل للقتل، متوهما أن المجازر هي أدوات البقاء، وقواعد ثبات النظام.

إن صرخات أطفال ونساء الحولة التي صمت آذان الإنسانية، تستدعي من العالم أن يهب لإنقاذ هذا الشعب الذي يذبح يوميا من الوريد إلى الوريد، فالمجزرة التي وقعت بالبلدة المنكوبة تشكل نقطة تحول في مسيرة الثورة السورية. والدليل هذه المرة على تورط كتائب النظام وشبيحته، ليس غامضا فبصمات الحكومة واضحة في المجزرة، ولكن النظام الذي فقد بوصلة الرشد لا يزال ينعق بإلقاء المسؤولية على طرف ثالث مجهول. ويبدو واضحا أن الأسد وزمرته أدركوا متأخرين فداحة ما ارتكبوه من مذابح في حق شعبهم ومن ثم أيقنوا أن عوامل تصدع نظامهم وانهياره تتصاعد بوتيرة متسارعة، لذلك يبحثون عن طوق نجاة للإفلات من العقاب.

البشاعة التي تجلت في مذبحة الحولة، تثير الريبة حيال بعض الأصوات التي لا تزال تنادي بإمكانية الحل السلمي، وحقائق المشهد الماثل تقول إن مثل هذا الحل، الذي كان من الممكن طرحه عند بداية الأزمة، أصبح الآن محض خيال مع كمية الدماء التي أريقت. وحتى لا تتهم الأمم المتحدة بخذلان الشعب السوري مثلما جرى في رواندا قبل سنوات حينما وقف العالم متفرجا على عمليات الإبادة في ذلك البلد الأفريقي، يجب على المنظمة الدولية وبشكل فوري التخلي عن سياسات المبادرات والبيانات التي ثبت فشلها. فالمطلوب هو التحرك من خلال مجلس الأمن لإصدار قرار تحت الفصل السابع، يتيح استخدام القوة اللازمة لمنع حملات الإبادة التي تنفذها كتائب الأسد التي لا تعترف بالبيانات، ولا تستطيع قراءة لغة "طرد أو سحب الدبلوماسيين".

=================

الفصل قبل الأخير في سوريا

بقلم / أنور صالح الخطيب - كاتب وصحفي أردني :

الراية

30-5-2012

لم تبق حكومة في الشرق أو الغرب إلا وأدلت بدلوها في مجزرة الحولة المأساوية التي ارتكبتها عصابات الشبيحة "في الرسمية" التابعة النظام السوري.

حتى سفاح قانا وقاتل الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين شمعون بيرس قال إن الرئيس السوري بشار الأسد أصبح "قاتلاً" لشعبه، معتبرا أن السوريين يحتاجون إلى مساعدة لتحرير أنفسهم من نظامه.

كما أعرب مجرم الحرب الآخر نتنياهو عن شعوره "بالاشمئزاز" مما حدث في سوريا. فهؤلاء القتلة يفهمون أن يكون القتل ضد شعب آخر أما أن يقوم الرئيس بقتل شعبه فهذا غير مفهوم لديهم رغم أنهم أصحاب مبدأ الغاية التي تبرر الوسيلة يدلل على ذلك تفجير فندق الملك داوود في القدس والجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية والوكالة اليهودية ضد اليهود أنفسهم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين بدايات القرن الماضي.

مجزرة الحولة التي لا يمكن لأحد أن يصدق أن شبيحة النظام غير مسؤولين عنها كتبت الفصل قبل الأخير في سوريا وعجلت كما يبدو في النهاية الحتمية لنظام يقتل شعبه بالرصاص والسكين ويتهم عصابات مسلحة بذلك ليبقى في السلطة.

وقد ثبت بما لم يعد يحتمل الشك فشل مهمة المراقبين الدوليين الذين قدموا لسوريا للإشراف على تنفيذ وقف العنف والقتل ووجدوا أنفسهم بدلا من ذلك يحصون أعداد القتلى والجرحى المتزايد ويتابعون الأخبار عن مجازر ترتكب هنا وهناك.

حيث لم يملك المراقبون لدى وصولهم إلى مكان مجزرة الحولة في محافظة حمص في وسط البلاد بعد مقتل 108 أشخاص في عمليات قصف وتصفية، بحسب الأمم المتحدة، إلا إحصاء القتلى وتدوين الملاحظات، بحسب ما ظهر في أشرطة فيديو وزعها ناشطون على الانترنت وجابت كل أنحاء العالم.

يرى الباحث في مجموعة "انترناشونال كرايزيس غروب "بيتر هارلينغ" أن مهمة المراقبين "نشأت من عدم قدرة المجتمع الدولي على الاتفاق على عمل أكثر فاعلية وقوة". معتبرا أن مجزرة الحولة يمكن أن تغير المعطى بطريقتين إما بأن تدفع بعض الدول إلى تكثيف دعمها للمعارضة المسلحة، وإحياء المطالبة بتدخل عسكري خارجي وإما بأن تشجع دول أخرى مثل روسيا والصين على اقتراح حل سياسي حقيقي يتطلب منهما استخدام كل قدرتهما لإقناع النظام السوري حليفهما به.

الخيار الأول بدأت ملامحه تظهر بالفعل بالقرار الجماعي لعدد من الدول الأوروبية بطرد السفراء السوريين من عواصمها وهو القرار الذي يمهد لما بعده بعد أن وصلت خطة عنان إلى حائط مسدود وهي وصت بالفعل وأيقن المجتمع الدولي أن لا مناص من التدخل لحماية المدنيين السوريين الذين يجب ألا يتركوا تحت رحمة النظام الذي ثبت أنه لا يرحم أحداً حتى لو كان طفلاً.

المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة قال إن معظم ضحايا مجزرة الحولة في سوريا أعدموا حيث تعتقد المفوضية أن أقل من عشرين من عمليات القتل الـ 108 يمكن أن تنسب إلى إطلاق نار بالمدفعية والدبابات. في حين أن معظم الضحايا الآخرين أعدموا بشكل سريع في حادثين مختلفين نسبهما سكان في المنطقة إلى مسلحين من "الشبيحة" التابعين للنظام السوري.

ليس معروفا بعد رد الموفد الدولي والعربي كوفي عنان على تصريحات الرئيس السوري الأخيرة من أن نجاح خطة السلام التي وضعها يعتمد على "وقف الأعمال الإرهابية وتهريب السلاح وعلى ضرورة التزام الدول التي تقوم بتمويل وتسليح المجموعات الإرهابية المسلحة بخطة عنان واختبار توفر الإرادة السياسية لدى هذه الدول للمساهمة في وقف الإرهاب؟؟"، الأمر الذي يؤكد أن النظام السوري لا يزال مصرا على روايته للأحداث التي تتحدث عن مؤامرة خارجية وعصابات مسلحة معارضة للنظام تقتل المدنيين وهو ما ينفيه ونفاه أهل الحولة ومن قبلهم أهل حي كرم الزيتون الذي وقعت به مجذرة مشابهة قبل أشهر قليلة وتنفيه الوقائع التي تجري على الأرض يوميا والمتمثلة بعشرات القتلى الذين يسقطون في المظاهرات السلمية المطالبة بالحرية والتغيير.

لقد قتل شبيحة النظام أبناء الحولة -لإنقاذ كرسي رئيسهم- وما عرفوا أن مجزرة الحولة كتبت الفصل قبل الأخير في المأساة السورية وأن فصلها الأخير أصبح مسألة وقت ووقت قصير فقط.

=================

لعيون حافظ بشار

علي الرز

الرأي العام

30-5-2012

عندما رقص جنود النظام السوري على جثث المتظاهرين الأبرياء وهم يهتفون «شبيحة للأبد لجل عيونك يا الأسد»، أرادوا إيصال رسالة الى الجيل الشاب الذي تنتمي اليه غالبية الضحايا بأن كل مَن يعترض على مبدأ الولاية الدائمة لبشار الاسد سيكون مصيره مثل مصير أهالي حماة في ثمانينات القرن الماضي حين اعترضوا على ولاية حافظ الاسد الدائمة... يومها قال المستفيدون من النظام والقريبون منه ان الاسد الراحل «ربى السوريين لعشرين سنة لقدّام».

وعندما تحصل مجزرة مثل الحولة خاطفة ملائكة بعمر الزهور، وفي الذكرى السنوية الاولى للجريمة البشعة التي حملت عنوان «حمزة الخطيب»، فان مرتكبيها يريدون توجيه رسالة الى أطفال سورية وذويهم بعدم الاعتراض على الولاية المقبلة للطفل حافظ بشار الاسد، وسيخرج غداً مَن يقول من الحلقة الضيقة للنظام ان الرئيس السوري أراد بهذه المجازر ان «يربي السوريين لعشرين سنة لقدّام».

في حديثه مع «صنداي تايمز» نهاية العام الماضي، سئل بشار الاسد هل يتوقّع ان يحكم سورية ابنه من بعده فأجاب: «لا احد يستطيع ان يقرّر مستقبل أبنائه». لم يقل ان سورية الغد، سورية المستقبل، يجب ان تَعْبر من الحكم الفردي العائلي الى الديموقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة. لم يقل ان في سورية مَن هو قادر بالطبع على إدارة البلاد بكفاءة ورؤية، أعطى إجابة لم يكن بقادر على إعطاء غيرها، بمعنى ان الحكم لابنه، وبمعنى ان ابنه اذا أراد الحكم فسيحصل عليه وستزول كل المعوقات من أمامه تماماً كما حصل معه، أما إذا لم يردْ الحكم فـ «الحشود الشعبية والرغبة الوطنية والمصلحة القومية» كفيلة بتغيير رأيه عندما يحين الوقت.

طبعاً لا جدال في ان النظام الذي ينازع للبقاء فقدَ كل صلة له بالواقع وتحديداً واقع العلاقة بالشعب السوري الذي يقدّم أثمن ما لديه لتحقيق هدف التغيير. هذا النظام الذي سيتغيّر عاجلاً ام آجلاً يستخدم أقصى قوة ناريّة لديه لإعادة الجيل الشاب الى مرحلة ما قبل «الموبايل» والكمبيوتر، ولا يرحم الطفولة لانه يعتقد ان وقود الثورة هو الجيل الشاب ولا بد من قطع طرق الإمداد العمرية لهذا الجيل من جهة، اضافة الى خلق صورة مرعبة قاهرة في عيون الاطفال تستمرّ معهم «لعشرين سنة لقدّام».

ليست المجازر التي تستهدف الأطفال في سورية من باب الصدف او أخطاء المواجهة... ولم تكن كذلك يوماً. ما معنى ان تُسحب أظافر أطفال درعا لأنهم كتبوا شعارات على جدران مدرستهم؟ وما معنى ان يبلغ بعض الأساتذة أجهزة الأمن عنهم لو لم تكن صور القهر والاعتقالات والتعذيب حُفرت في ضمائرهم «من عشرين سنة سابقة»؟ ما معنى ان يؤخذ طفل الى أجهزة الامن ويعود الى ذويه جثة بلا أعضاء؟ ما معنى ان يُعتقل الأطفال ويتعرّضوا لأبشع الاعتداءات كرهائن كي يسلّم أهلهم المعارضون او المنتمون الى الجيش الحر أنفسهم ثم يتمّ ذبحهم مع أهلهم؟ لماذا يَستخدم النظام الأطفال دروعاً بشرية عند اقتحام القرى والمدن؟.

«لا احد يستطيع ان يقرّر مستقبل أبنائه»... كان بشار الاسد يتحدّث عن ابنه فقط تاركاً مصائر آلاف الأطفال برسم المجازر من خلال ذبحهم او من خلال قهرهم بذبح أهلهم... لكن الواقع الذي غاب عن أهل السلطة في دمشق يؤكد ان هؤلاء الأطفال، الأحياء منهم والشهداء، هم الذين يقرّرون اليوم مستقبلهم ومصير سورية ومصير النظام فيها ومصير أيامهم «لعشرين سنة لقدّام».

=================

.. وإسرائيل تستنكر مذبحة (الحولة)!!

يوسف الكويليت

الرياض

30-5-2012

 لن يصمت أو ينسى العالم مجزرة الحولة، فالعقوبات وطرد السفراء والتضييق السياسي من قبل الداعمين للنظام السوري روسيا والصين بدأ يأخذ اتجاه الإجماع الدولي حول إزاحة الحكم على الطريقة اليمنية، أو استعمال بدائل موجعة، قد تكون الوسيلة الناجحة..

إسرائيل فاجأت العالم بإدانتها المذبحة، لتضع نفسها دولة قانون وحقوق إنسانية، مع أن إرهابها بدأ مع تفجير فندق داود بالقدس ومجازر دير ياسين وبحر البقر، ثم صبرا وشاتيلا، وقانا واحد واثنين، ثم خُتمت بمذابح وتدمير غزة، قطعاً إسرائيل عاشت في حالة سلام مع نظام الأسد باتفاقات سرية قد تنفضح بعد زواله، لكن الهدف الآخر انها تدرك أن البديل سيكون حكماً سنّياً قد يلتقي مع حكومات مماثلة، تحادّ إسرائيل، وهنا المخاوف، أي ان التعاطف مع الأطفال القتلى مداعبة للشعب السوري وثواره، واستباقاً للأحداث في قراءة أن النظام ساقط بقانون قوة الثورة..

أي طوق يحاصر إسرائيل، بهوية إسلامية، لن يكون بعثياً أو قومياً وناصرياً، وانقلاب الأحداث في المنطقة طرح بُعداً جديداً عند القيادات وراسمي السياسة الإسرائيلية، ومع أن مختلف القوى في دول الربيع دخلت في حوارات مع أمريكا، إلا أن الصورة لا تزال باهتة، كذلك الواقع المستجد في هذه الدول ولّد احتياجات مهمة اقتصادية وأمنية، وصياغة أسلوب حكم يترتب عليه تغييرات استراتيجية، لكن إسرائيل تبقى عنصراً قائماً، لأن الشعب العربي له كلمة تختلف عن سلوكيات الحكام وغيرهم..

سوريا قلبت الأحداث بديمومة ثورتها، والمذبحة التي جعلت البازار الدمشقي يتجه للإضراب حتى تزول دولة الأسد، أخذ دور بازار إيران الذي أسقط الشاه، وعملية أن يأخذ العنف دوره، وتبريره بمتسبب آخر، مراوغة ساذجة، لأن إخفاء الحقيقة لم يعد سهلاً أمام تقنيات العصر، وتواصله السريع، والجريمة عكست حالة اليأس التي بدأت تصور للأسد نهايات القذافي، وزنزانة مبارك، ليتصرف وفق إيقاع من يموت بالتقسيط غير المريح!!

الوضع العربي تداخل بشكل أعمق مع الشأن الدولي، لأن المنطقة استراتيجياً ملتقى قارات، ولأول مرة نجد صراعاً داخل مجلس الأمن غير مؤدلج بانقسام شيوعي، رأسمالي بل تقاسم نفوذ، وقد لا تكون روسيا في ميزان الاتحاد السوفيتي القديم، فهي تبحث عن ملجأ يحررها من استئثار الغرب بكل العالم، وهي التي فقدت عقدها الاقتصادي والسياسي مع دول الاتحاد السوفيتي، فصار البحث عن دول الجغرافيا البعيدة، وخاصة ممن كانوا أنصار حقبة الحرب الباردة هم مركز التوازن مع الغرب، لكن وقوفها مع سلطة مرفوضة شعبياً وعربياً، قد لا يمنحها الخطوة التي تريدها مع سوريا الأخرى..

الغرب لا زال صاحب الأثر والتأثير بعمق علاقاته وقدراته الهائلة في المنطقة، ويبقى الدور الإسرائيلي غير ظاهر، إلا بمناوشاتها مع إيران، لكن، وبالرغم من مكاسبها من نظام الأسد ما بعد حرب ١٩٧٣م، إلا أن زوال الحكم يقطع تحالف دمشق - طهران ويلغي دور حزب الله، ومعادلة المكاسب مع الخسائر، ترى أن الوضع المستجد أكثر نفعاً لها من حكم ساقط بعامل ظرف زمني مستجد ومتوقع في أي لحظة..

=================

الحُولة.. متى نَنصُرُ سوريّا المغدورة ؟!

تباطؤ العرب في تبني الدعم العسكري المباشر للجيش الحر يعني تعريض المنطقة لردّات فعل وهزات عنيفة

مهنا الحبيل

الأربعاء 30/05/2012

المدينة

مرةً أخرى يستيقظ العالم المتخاذل -وخاصةً قسمه العربي الشريك بالتخلي عن الضحية- على أرجوزة الهيكل النازي للنظام الإرهابي، وحلفه الإيراني والروسي، ومهما تحدّثنا وكتبنا فلن نحقق ما يرمز إلى مذبحة الحولة، وقبلها باب عمرو، وهكذا سلسلة لا تنتهي إلاّ أنّ الصادم لبشرية الإنسان أن المذبحة عربد فيها النظام على أوردة الأطفال، وشرايينهم، وتفجير دمائهم في تجسيد لا خيالي، بل واقعي تنفيذي لمسلخ بشري ضحاياه من الأطفال والنساء، ومرةً أخرى يعود ذات الحلفاء الصهاينة من موسكو لطهران، وعلوجها في لبنان والعراق لسفك دماء الضحايا مرةً أُخرى بالكذب والبهتان لتضييع دماء الشهداء.

لكن الحكاية -وكما كتبنا وأشرنا هنا مرارًا- تتكرر في سيناريو مركزي تقاطع فيه الصهاينة الكبار في تل أبيب مع الصهاينة الجدد، فمن الواضح أن فلسفة حراك فريق الأمم المتحدة، والموقف الغربي والفرنسي الأمريكي خصوصًا يؤسس لديباجة ضجيج متجددة ظاهرها فيه التضامن المنافق، وباطنها عذابٌ موقّعٌ بشراكة اندماجية لحرمان الضحية من أي قدرة لاستيفاء حقه، وحماية أرضه وشعبه والقصاص لشهدائه، بحيث تستمر اللعبة الإسرائيلية باستنزاف الشعب لحين وضع خطة بديل إذا اضطروا للتعامل مع سقوط النظام، لكن الغريب أن ينسحب العرب من المشهد، بعد أن أرسل لهم النظام بروفة في بيروت، وبيروت بتهديد الإيرانيين أنفسهم مجرد مسرح عرائس لما يدّخرونه للمنطقة في حال استعاد النظام أو التقط أنفاسه.

وقد اتّضح لكل مراقب من حول المشهد هزلية التسوية السياسية مع النظام ليس مع قوى معارضة مصنوعة حتى هي لم يثق بها ولم يوافق حليفه الروسي على إعطائهم أكثر من دور كومبارس لكنّ لقصة إمكانية التعاطي بين النظام والعرب، وهو ما أدركته إحدى الدول الخليجية مؤخراً وحاولت ان تنسحب من مشهد دعم النظام الذي اتخذته في مخالفة لبرنامج الرياض والدوحة، ونحن هنا نطرح هذا المسار في برنامج المصالح لا المبادئ، لأنه هو الذي يحكم سياسات الدول، وبالتالي فإن تباطؤ العرب في تبني الدعم العسكري المباشر للقيادة الشرعية للثورة السورية في شقها العسكري، وهو الجيش الحر المتحالف مع المجلس العسكري في خطة واحدة، ومعهم فصائل أخرى يعني تعريض المنطقة لردّات فعل وهزات عنيفة، وإن كان كل المشهد يُشير إلى توجه وصعود الثورة بعد بعدها الدمشقي الجديد لزحف إستراتيجي نوعي كبير، وهنا حين يصدر الدعم العسكري من الدول العربية فهو يُعزِّز عملية الانتقال في جسم الثورة الأصلي ثلاثي الأبعاد: الجيش السوري الحر وحلفاؤه، والحِراك المدني الداخلي، والمجلس الوطني السوري، ويضمن تحقيق سقوط النظام بخسائر أقل للشعب، ولتصدعات المنطقة شرقًا وشمالاً، والعبور إلى تحقيق الجسر الجديد مع سوريا العربية المستقلة.

ومادام أن التردد قائم، فليس هناك من حرج بأن يُتاح للتبرع الشعبي أن يحشد طاقاته للثورة السورية في مقابل دعم هستيري من إيران من ميزانية عامة وشعبية من حلفائها، وهنا يجدر التوقف جيدًا، فنحن ندعم هذا التوجه بضبط شديد بحيث يضمن وصول التبرعات للجهات التي ذكرنا، ومن يعتمد خطتها ومنهجها، وبالتالي تشكيل جهات تلقي شعبي منضبطة ورافضة تمامًا لأي تسريب للمال لإنشاء فصائل لا تقر منهجية قيادة الثورة، ولا تلتزم بها، أو تسعى لتحقيق أي أعمال متطرفة ضد المدنيين الأبرياء، وتنسق هذه الجهود عبر معرفة ومتابعة الحكومات العربية مع الجهات السورية المعتمدة، وهذا يعني احتواء قضية التبرع العشوائي، وتنظيمه كحق أصيل لتعبير الشعب العربي عن هذا الطموح لخلاص الشعب السوري المغدور.

والحقيقة أن الشعوب في ظل هذا العهر والعربدة الإرهابية تتطلع لتحقيق أقوال المليك -رعاه الله- في سوريا تنفيذيًّا، ومن ذلك تأكيد سمو الأمير سعود الفيصل الدائم على أحقية، بل ضرورة تعجيل تسليح الجيش السوري الحر، والوقت يعبر، والظرف يشتد وقد حسم الشعب السوري قراره لا تراجع حتى يُعلن النصر، ويُنتزع من قلب الأسد، فتقدم المنطقة بقيادة خادم الحرمين والدبلوماسية السعودية لتوصيل العون العسكري، والضغط الدبلوماسي المشترك مع تركيا سيُعجل الحسم بعون الله، ويُحقق الخلاص لشعب سوريا سريعًا، وصناعة جسر مع حليفٍ عربيٍّ عظيمٍ، غيّبته إيران عن أشقائه، وعمقه العربي المتين.

=================

مذبحة الحولة

د.خالص جلبي

تاريخ النشر: الأربعاء 30 مايو 2012

الاتحاد

كنا نسمع عن مجازر دير ياسين فتخرج المظاهرات. كنت طالباً صغيراً في سن السادسة ونحن نهتف: بن غوريون مثل القط هو ودالاس صار ينط!

أنا الآن رجل تجاوز الستين، فأرى عمق الأزمة الداخلية، فقد كانت المذبحة في الحولة السورية أواخر مايو 2012 تنسي كل مجازر بني صهيون الذين يتفرج على العرب وهم يقتتلون ويفتكون ببعضهم بعضاً. وبالفعل يمكن اختزال سوريا في ثلاث كلمات: أسد وغابة وعصابة، غابة تسرح فيها الضواري فتفترس الضعاف بدون قانون ولا حرمة.

إن المأساة السورية تذكرني بما يقال من أن البلايا تأتي يرقق بعضها بعضاً فيترحم الناس على النباش الأول! أما النظام فيقول -كالعادة- وعلى نفس القافية من الكذب الممنهج إنها العصابات المسلحة! فيما يكرر العالم الغربي نفس مقولته: ندين، نشجب، نستنكر... ومعهم مجلس الأمن وبان كي مون والجامعة العربية.

والمؤكد أن الكل مشترك في الجريمة. إنها المسؤولية المتدرجة، فكل من يمد هذا النظام بالسلاح والمال والرجال هو من حلف القتل، وكل من لا يحاول دفع الظلم عن هؤلاء المساكين الذين تراق دماؤهم له نصيب مما يحدث.

ومع هذا فهناك العديد من زوايا الرؤية لما يجري، فبالنسبة للنظام البعثي ليس هناك من جديد، والشعب السوري في عمومه لا يصدق إذاعته ولو بدرجات الحرارة. وأغلب مسانديه هم من المنتفعين الذين شكلوا معه وحدة عضوية، وبذلك فهم يعرفون تماماً أن نهاية النظام ليس توزيع رؤوس القتلة على درعا وحمص وحماة للشنق، بل كما جاء في تقرير باللغة الإنجليزية إما يتماسكون سوية أو يشنقون فرادي.

في كتاب "العبودية المختارة" الذي كتبه أتيين دي لابواسييه قبل أكثر من أربعة قرون، فكك آلية الطغيان ولاحظ أن الحلقة الداخلية هي رهط من المجرمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، يشركهم الطاغية في القتل فيصبحون كتلة واحدة من الأسمنت الداخلي لها هو الدم المباح. يفعلون بخصومهم كل شيء، ويكذبون في كل شيء، ويتقاسمون الغنائم، وتبقى الحصة الكبيرة لرئيس القراصنة القاتل الأعظم.

مع هذا فقد ارتج العالم لما حدث لأن الكثير من القتلى كانوا نساءً وأطفالاً لا يملكون الدفاع عن أنفسهم، فماتوا مقتولين مظلومين عزلا. يذكرني ذلك بما حدث في مذبحة صبرا وشاتيلا وكيف كانت سبباً في إطلاق مظاهرات داخل إسرائيل ضد شارون نُصرةً لأولئك الذين قتلوا ظلماً.

إنه نفس المبدأ بنصرة المظلومين وتحرك النفوس لنصرتهم. وهو يذكرني أيضاً بقصة ولدي ابن آدم حين رفض الثاني أن يحل المشكلة بالقتل وتقبل الموت بدون دفاع عن نفسه. إنها في عمقها ترميز هائل لما يفعل الظلم في حياة الناس وميل الروح الإنسانية إلى إنصاف المظلوم ونصرته.

هل يمكن أن تحدث مجزرة الحولة تحولاً في مسار الثورة السورية؟ انطباعي أن هذه الثورة ماضية في طريقها حتى النصر.

=================

الإمارات... وإنقاذ سوريا

محمد خلفان الصوافي

تاريخ النشر: الأربعاء 30 مايو 2012

الاتحاد

أفق الدولة السورية يبدو معتماً وغامضاً أكثر بمرور الوقت، لا أحد يستطيع أن يجزم بما إذا كان الرأي العام العالمي ستكون لديه مقدرة على تحمل المزيد من الصور البشعة القادمة من هناك أم لا. ويبدو أن النظام السوري مختلف فعلاً عن غيره من الأنظمة الأخرى التي تعاملت مع شعوبها بعنف. لكن عندما تصل الأوضاع المأساوية إلى مرحلة المذابح الجماعية، فإن النظام يحرج المجتمع الدولي معه ويجبره على خطوات "غير سياسية". مؤشر الأزمة السورية منذ البداية وهي تشتد كل وقت، ومع انتظار التهدئة، يُفاجأ العالم بأنها تزداد قسوة، الأمر الذي يبرز قدراً كبيراً من الخوف على مستقبل المنطقة بأكملها.

ومن كان يتصور أن يصل حجم العنف من نظام ضد شعبه إلى تلك الطريقة التي نقلتها لنا وسائل الإعلام التي هزت ضمير العالم، وأن يقوم بقتل 13 ألف مواطن سوري منذ بداية الاحتجاجات، ما أدى إلى أن ينشر الفزع والخوف على مستقبل سوريا والسوريين مع احتمال امتداد تلك المأساة إلى الجوار الجغرافي! ومن كان يتصور أن النظام الذي وقف يوماً يندد بعمليات القتل التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين يقوم هو نفسه بمثلها في سوريا وبمعونة من قوات الحرس الثوري الإيراني؟ لا يمكن لأحد أن يتخيل أن الذي حدث قبل أيام وقع في دولة وقفت يوماً إلى جانب شعب عانى القتل وادعت أنها تسانده من أجل "تقرير مصيره".

يُفهم من سلوك النظام السوري أن التفكير في حل سياسي ومحاولة إقناعه بترك "الكرسي" أمر غير قابل للتطبيق، حتى لو تطلب الأمر إبادة كل السوريين بمن فيهم الأطفال "مستقبل سوريا"، وأن كل الجهود المبذولة من قبل المجتمع الدولي غير مجدية، وبالتالي ليس أمام العالم سوى الضغط على الشعب، أو أن ينسحب من الساحة السورية لكي يستطيع النظام القضاء عليهم. ويقتصر بالتالي حل المشكلة على الأسلوب الأمني والقمعي، الأسلوب الوحيد الذي يجيده النظام -الفاقد أصلاً للشعبية- للتخلص ممن يعارضه أياً كان.

كان ظن المجتمع الدولي أن المحاولات السلمية والعقلانية والتحدث بالمنطق يمكنها إنهاء الأزمة، حتى ولو بتسوية سياسية تحفظ للنظام ماء الوجه أو حتى توجد مخرجاً سياسياً مثل "السيناريو اليمني"! بعد سنة ونصف السنة من الاحتجاجات اكتشف المراقبون أن النظام السوري يعمل على إغلاق كل "المنافذ السياسية" والمحاولات الدولية للخروج السلمي، بل ويعمل على توسعة الأزمة لتطال أبعد من سوريا.

من حق دولة الإمارات أن تبدي استياءها واستغرابها من مذبحة "الحولة" التي راح ضحيتها مائة وستة أشخاص، منهم نحو 60 طفلاً، وأن يعتبر وزير الخارجية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أن مثل هذه "المجزرة" تمثل رمزاً مأساوياً لفشل الجهود الأممية لإيقاف العنف المنظم تجاه المدنيين، بل من حق دول مجلس التعاون الخليجي. ومعها المجتمع العربي والعالمي، أن تتساءل: ما الذي يمكن أن يقدمه مثل هذا النظام مستقبلاً من حلول سلمية بعد هذه المجزرة؟ وحتى لو أدانها النظام فإنه يدين نفسه أصلاً! هذه ليست الجريمة الأولى ولن تكون الأخيرة، رغم أن العالم منحه أكثر من فرصة مما يتطلب موقفاً حازماً لضبط النظام قبل أن يغرق المنطقة في عنف. ومن المفارقات أن تتم هذه المجزرة في ظل وجود مراقبين دوليين جاءوا من أجل إيقاف عمليات التقتيل وتطبيق هدنة من أجل إصلاح البيت السوري من الداخل دون التدخل الدولي والتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة وينهض بالدولة السورية. لكن الغريب أن النظام لا يريد أن يلتزم بها، وسلوكياته تؤكد ذلك.

التجربة أثبتت أن النظام السوري لم يفهم التغيرات الحاصلة في المنطقة، أو أنه يتقصد الخروج بالأزمة من الداخل إلى الخارج إما عن طريق إحراج الدول التي تحاول النأي بنفسها عن الأزمة، أو بتصدير الأزمة لتشمل كل دول المنطقة واتّباع سياسة الأرض المحروقة مادام متيقناً من أن الاحتجاجات مستمرة والشعب لا يرغب فيه، والدليل أنه حتى اليوم لم يحقق أي خطوة إيجابية ملموسة في الداخل. وخارجياً، لم يحاول التفاعل مع الجهود الدولية.

لم يعد للنظام السوري اليوم دور في الوضع الداخلي سوى الاستمرار في سياسة العنف. أما في الخارج فقد أعلنت كل الدول استياءها منه، وبالتالي فالكل متفق على أهمية ضبط انفلاته المخيف. والاصطفاف معه تأكيد على قبول ما يفعله، بغض النظر إن كان من يقوم بتلك الجرائم إرهابيون أو "شبيحة" النظام. والحاصل أن الأزمة السورية تفاقمت إلى الحد الذي أدى إلى إحراج كل الدول أمام الرأي العام العالمي، ما جعل بعض المراقبين والسياسيين يحمّلون الدول المحايدة قسطاً من المسؤولية الأخلاقية.

السكوت على الوضع السوري يمكن أن يؤدي إلى أن تكون دول عربية أخرى من المتضررين؛ لأن الأمر أقرب إلى التواطؤ مع النظام، وهذا يعمل على تدمير البلد، كما أن لبنان المتأثر بسياسات النظام السوري يغلي ويوشك على الانفجار بعدما حصلت محاولات لتصدير الأزمة إليه. عملياً، الوضع السوري يشكل عنصر تفجير قوي في الوقت الراهن. وبنظرة أبعد، فإن الملف السوري أضعف التحرك العربي عموماً والخليجي بشكل خاص، الذي يعتبر الآن القوة العربية الفاعلة، بعد أن تراجع الدور المصري وبالتالي غاب الدور العربي في الملفات الدولية والإقليمية، وترتب عليه اعتماد الدول الكبرى على دول إقليمية غير عربية في مناقشة الملفات العربية.

العالم أدرك أن ترك سلوك النظام السوري المتطرف ضد شعبه من شأنه حصول مفاجآت كثيرة قد تؤدي إلى مضاعفات إقليمية. وبالتالي، فإن تحرك المجتمع الدولي يؤكد أن رسالة الأسد بأن "العالم عاجز عن إيقافه" قد وصلت.

=================

سوريا... عار المجتمع الدولي

تاريخ النشر: الأربعاء 30 مايو 2012

محمد الحمادي

الاتحاد

البعض في الخليج يريد شيئاً من النظام السوري، وبعض العرب له وجهة نظر في المسألة السورية، وبعض الأوروبيين يريد أشياء من النظام السوري، وبعض الأميركيين يريد تحقق أمور وتوافر شروط قبل اتخاذ قرار بشأن سوريا، وبعض الدول الإقليمية لها مصالح في سوريا... وفي المقابل كل الشعب السوري يدفع الثمن ويموت يومياً بالعشرات!

بعد كل المحاولات العربية والغربية لتقديم الحلول الدبلوماسية والعمل السياسي مع نظام الأسد وصل الجميع إلى النتيجة العبثية الصفرية... فلا شيء تحقق غير مزيد من القتل، وتمادى النظام في قمعه للمتظاهرين بل وأصبح يقتل المدنيين في بيوتهم ولا يتردد في قتلهم أمام أعين المراقبين الدوليين الذين أصبح وجودهم في سوريا عاراً على الأمم المتحدة وعلى المجتمع الدولي بأسره، وأصبح من الأفضل لهم العودة من حيث أتوا ما داموا عاجزين كل هذا العجز في الحد من وقوع تلك المجازر على الأقل!

كنا نتوقع من أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون -حفاظاً على ماء وجه منظمته وما لها من بقايا هيبة- بدل أن يعيد إرسال كوفي عنان إلى دمشق ليعلن عن "صدمته" لما حدث في الحولة وأن يجلس مع وليد المعلم ويسأله عما جرى ومن الذي ارتكب تلك الجريمة، كنا نتوقع بعد أن رأى مجزرة الحولة أن يسحب مراقبيه ويبحث عن حل فعلي لحماية الأطفال والمدنيين في سوريا. فعار على المجتمع الدولي أن يرى كل ذلك القتل ويبقى صامتاً.

مجزرة الحولة التي وقعت الأسبوع الماضي في حمص بدت قاسية ومؤلمة ومرعبة وبحسب مسؤولين في الأمم المتحدة فإن 108 أشخاص على الأقل قتلوا في الحولة بينهم 49 طفلاً، إضافة إلى سقوط حوالي 300 جريح... أطفال ونساء ومدنيون عزل ماتوا بالعشرات في قصف مدفعي تحت نظر المراقبين الدوليين والعالم يتفرج، وشر البلية في هذه المجزرة -كما في سابقاتها- أن يخرج المتحدث الرسمي باسم النظام السوري ليشارك في إدانة المجزرة! في حين أنه كان يجب أن يحمي المدنيين ويحفظ أرواحهم وأن يقبض على الجناة ويحاكمهم.

النظام السوري يحاول ومنذ أشهر طويلة إقناع العالم بأن كل ما يجري من قتل على الأرض السورية لا يتم على يد جنوده وإنما هم مجموعة من الإرهابيين والمجرمين والقتلة، كما أنه لا يتوقف عن محاولة إقناع العالم بأن من يُقتلون على يد النظام إنما هم مجموعات من الخارجين عن القانون والإرهابيين، كما يحاول أن يظهر للعالم أن الشعب كله بخير، يذهب إلى أعماله في الصباح ويسهر ويرقص بالليل، وأن كل صور القتل والمظاهرات والاحتجاجات إنما هي فبركات إعلامية… بطبيعة الحال لا أحد يصدق ذلك إلا النظام السوري نفسه.

الموقف الروسي من إرادة الشعب السوري غريب وغير مفهوم بالنسبة للكثيرين، فبغض النظر عن كل الحسابات السياسية والمصالح الاستراتيجية والمساومات الدبلوماسية، من غير المقبول استمرار دفاع روسيا عن النظام السوري، ووضع الجاني والضحية في كفتي ميزان متساويتين. فعندما يقتل العشرات من الأطفال والنساء والمدنيين في الحولة، تطالب روسيا كلا من النظام والشعب بالكف عن القتل وتحمل الشعب مسؤولية ما حدث! فقد اتهمت روسيا "الطرفين"، النظام السوري والمعارضة، بالضلوع في مجزرة الحولة. وروسيا التي لا تكف عن الادعاء بأنها لا تدعم نظام الأسد لا يبدو أنها تدعم إرادة الشعب السوري كما لا تدعم بالشكل الكافي خطة عنان، وفي المقابل لا تقدم حلولاً عملية لإنهاء الأزمة غير إصرارها على بقاء الأسد ونظامه، واستخدامها حق الفيتو ضد أي قرار أممي يحاول المس بنظام الأسد!

منذ أشهر كانت هناك توقعات بأن يتوصل النظام السوري إلى حل يحقن دماء السوريين ويتوصل إلى اتفاق مع الجهد الدولي المبذول لقلب الصفحة الدامية التي يعيشها الشعب.. لكن إلى اليوم يرى العالم أن شيئاً لم يتغير وأن الوضع السوري لا يزال متأزماً ونظام دمشق غير قادر على حماية مواطنيه، ففي الوقت الذي يصر على أنه يحارب إرهابيين ومجرمين، يفشل في القبض على أولئك الإرهابيين وعرضهم على القضاء، وفي نفس الوقت تحمله جهات عديدة مسؤولية تلك الأعمال الإجرامية ضد الشعب الثائر دون أن يتمكن أن يدافع عن نفسه بشكل مقنع. ورغم ذلك يجد النظام من يدافع عنه ويستخدم الفيتو من أجل أن يواصل تصفيته لمعارضيه!

الجميع يحذر من فشل خطة عنان لأن فشلها قد يؤدي إلى حرب أهلية. والسؤال هو: ما يحدث اليوم في سوريا ماذا يمكن أن يطلق عليه، عندما يموت تقريباً 30 مواطناً سورياً يومياً أمام أعين مراقبين دوليين... ماذا يمكن أن نسمي ذلك؟

لا يمكن تصنيف الوضع في سوريا غير أنه "حالة حرب"، فكل الأسلحة الخفيفة والثقيلة استخدمها النظام ضد المدنيين وضد المعارضين الذين اضطر بعضهم لحمل السلاح من أجل الدفاع عن أنفسهم. لكن هذه الحرب في حقيقة الأمر غير متكافئة فأسلحة المعارضة مقابل أسلحة النظام لا تكاد تذكر، وتأخر تسليح المعارضة جعل أعداد القتلى والجرحى يكبر يوماً بعد آخر.

وإن كان البعض يرى أن دعوة "المجلس الوطني السوري" الذي يضم غالبية أطياف المعارضة يوم الاثنين "كل أصدقاء وأشقاء الشعب السوري" لتزويده حالاً "بوسائل مجدية للدفاع عن النفس"، تبدو متأخرة جداً، إلا أنها تبقى أحد الحلول التي تتفق عليها كثير من الأطراف العربية والدولية... خصوصاً بعد فشل خطة الموفد الدولي الخاص كوفي عنان في حماية السوريين.

=================

ما بعد المراقبين

ساطع نور الدين

السفير

30-5-2012

لم يعد بعيدا اليوم الذي يصبح فيه التدخل الدولي مطلبا رسميا للنظام السوري، ويتحول مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان الى مكلف بالحؤول دون اي تغيير جذري في الوضع السوري، تفرزه موازين القوى التي تميل بسرعة لمصلحة المعارضين السوريين.

لا حاجة الى التثبت من حقيقة ان مهمة أنان بشكلها الحالي وبنودها الستة انتهت تماماً، ولن يحتمل المبعوث الدولي ولا المجتمع الدولي والعربي من الان فصاعدا ان يكون شاهدا على المذابح المتنقلة التي باتت عنوانا رئيسيا للازمة السورية وخيارا وحيدا لأطرافها. والمؤكد ان أحدا لن يستطيع الانتظار حتى نهاية مهلة الأشهر الثلاثة في منتصف تموز المقبل حتى يبدأ البحث عن بديل.

لن يجرؤ احد على اعلان فشل مهمة أنان بصيغتها الراهنة، التي لم توفر الحد الادنى من الأمن والامل لا للمعارضة ولا للنظام ولا لمن يقف في الوسط بينهما. ولعلها ساهمت في تأجيج الصراع الأهلي نتيجة التصورات والتوقعات الخاطئة التي عبّر عنها الجميع من دون استثناء. لكن البحث في الخطوة المنطقية التالية، التي اقترحها كثيرون منذ اللحظة الاولى، وتتمثل في زيادة عدد المراقبين الدوليين ليصل الى الآلاف، ربما يكون قد بدأ فعليا في عدد من العواصم المعنية وفي الامم المتحدة.

والتطور الطبيعي لمثل هذا البحث هو طرح فكرة تعديل مهمة المراقبة، بحيث تجري الاستفادة من آلعدد الجديد من المراقبين من اجل الانتقال الى مهمة حفظ السلام، التي تمثل جوهر الامم المتحدة وعنوان يومها العالمي الذي احتفلت به امس، مع وحداتها المنتشرة في مختلف مناطق الأزمات في العالم.

ليس هذا هو الخيار المثالي لوقف العنف المروع في سوريا، ولن يكون من السهل على الامم المتحدة ان توفر متطوعين لمثل هذه المهمة البالغة الخطورة التي تقضي بالفصل بين طرفي حرب أهلية وضمان وقف لإطلاق النار... لكنه يظل افضل بما لا يقاس من الاكتفاء بالمراقبة التي أثبتت عدم جدواها وادت الى ما يعاكس الغرض منها. والاهم من ذلك انه الخيار الوحيد المتاح، ما دام التدخل العسكري الاطلسي على الطريقة الليبية غير وارد في الظرف الحالي، وما دام الحل اليمني غير متوافر وهو يحتاج الى المزيد من المذابح والى المزيد من عمليات التطهير الديني.

قبل اشهر كان مثل هذا السيناريو خياليا، بل كان اقتراح المراقبة الدولية وهميا. اليوم يبدو ان الحرب الاهلية السورية تسابق بوقائعها المرعبة كل ألافكار الافتراضية التي يمكن ان تسهم في وقف واحدة من أسوأ عمليات الانتحار الجماعي...

اختلال موازين القوى الداخلية في سوريا في غير مصلحة النظام، لن يكون عائقا امام هذا التطور في الموقف الدولي، الأرجح انه سيكون حافزا يهدف الى الحؤول دون اي تغيير في الديموغرافيا السورية القاتلة.

=================

استقالة العالم من الدم السوري!

راجح الخوري

2012-05-30

النهار

ليس هناك من لا يدرك ان مبادرة كوفي أنان فشلت منذ بدايتها وحتى قبل وصول روبرت مود ورفاقه لمراقبة وقف النار وسحب الاسلحة الثقيلة من المدن السورية، وهما امران لم يحصلا، لتتحول مهمة المراقبين مجرد سياحة محفوفة بالمخاطر وسط حقول الدم.

ما يدعو الى الازدراء ان معظم دول العالم تختبئ وراء خطة أنان لأنها توفر لها ذرائع التعامي عن حمامات الدم السورية المتزايدة، بينما يقول المعارضون إنها كانت منذ البداية "مجرد فرصة اخرى للقتل اعطيت للنظام" لسببين:

الاول هو فشل الدول العربية وجامعتها المضحكة ومشاغل الدول الغربية الداخلية، ونتائج "الربيع العربي" التي احدثت نقزة في كثير من العواصم، وكذلك الدعم الروسي والصيني للنظام.

والثاني هو وجود رغبة دفينة في ان يستمر الصراع بين النظام والمعارضة الى درجة انهيار الدولة وتآكل دورها، بما يؤدي الى سقوط ما تسميه مراكز البحث الاستراتيجي "المنصة الايرانية المتقدمة" التي تتيح لطهران مد اذرعها الاقليمية حتى المتوسط تحت شعارات المقاومة وفلسطين.

هذا الامر يزداد وضوحاً مع زيارة انان الثانية الى دمشق ومع تصريحاته الفظة التي ادلى بها، وقد حسب الذين سمعوها انه يعتبر نفسه إلهاً من آلهة الحلول رغم معرفته ان مبادرته باتت مجرد تعمية لاستقالة العالم من دماء السوريين: "لقد اتيت شخصياً الى سوريا في هذه اللحظة الحرجة. وانا شخصياً شعرت بالهلع والصدمة من جراء الحادث المروع في الحولة. انها جريمة مرعبة دانها مجلس الامن". [لنلاحظ فقط انه اتى "شخصياً" مع ان له رسله، اي الوجه الخشبي مستر مود ورفاقه، وانهى انه شعر "شخصياً" بالصدمة].

وعندما يعبر عن ارتياحه المتوازن لإعلان الامم المتحدة ودمشق عن اجراء تحقيق في مذبحة الحولة، وان معاناة الشعب السوري يجب ان تنتهي الآن، فإنه لا يضيف شيئاً الى الكلام الذي يقوله اي تاجر في سوق الحميدية. اما عندما يقول بعد شهرين ونيف من بدء مهمته، سقط خلالهما عشرة اضعاف عدد ضحايا الحولة، إنه لا بد من تنفيذ الخطة ونقاطها الست، فانه يبدو كمن يواصل دفع السفينة في بحر من الدماء بحثاً عن ميناء غير موجود.

واذا صحت تصريحات دمشق عن ان أنان شكر النظام السوري على "الحماية التي يوفرها للمراقبين وعلى قرار اجراء تحقيق في مذبحة الحولة"، فان من المثير ان يكون قد ابتلع كل هذا ولم يعلن دفن مبادرته ويحمل مراقبيه ويرحل، وخصوصاً بعد تصريحات مود التي اعلنت عجز المراقبين عن الوصول الى النقاط الساخنة وان مهمتهم تعتمد على النيات الحسنة للنظام والمعارضة[!] لأنه اذا وجدت هذه النيات تنتفي كل حاجة الى أنان ومراقبيه.

 نعم، من المثير ان يتلطى العجز العالمي المريب وراء مبادرة أنان، معتبراً انها بديل من الحرب الاهلية، بينما تتحول قناعاً يخفي الانزلاق الى هذه الحرب!

=================

تباً لأسطورة الطرف الثالث!

د. غسان اسماعيل عبد الخالق

الدستور

30-5-2012

في سابقة (حضارية) تستحق التسجيل، حمّلت روسيا مسؤولية المذابح البشرية في سوريا لطرف ثالث! والشاهد في هذه السابقة أن دائرة التنظير للكائنات الفضائية وأشباح البعد الرابع لم تعد مقتصرة على العرب، بل تعدتهم إلى بعض أقرب حلفائهم الذين انفردوا بتطوير نظام التوريث والاستفراد الجمهوري عبر تناوب شخصين على الحكم وتكييف الواقع والمستقبل الروسي على مقاسيهما تماماً.

(الطرف الثالث) لاعب رئيس في الحياة العربية، وقد أسند إليه كثيرٌ من المآثر! وخاصة خلال شهور الربيع العربي؛ فهو من أطلق النار على ثوار تونس، وهو من أردى ثوار ميدان التحرير، وهو من قتل مئة ألف من الليبيين، وهو من فجّر وقتل وجرح في اليمن، وهو من يقيم حفلات القتل الجماعي للأطفال والنساء في سوريا، وهو المجهول الوحيد غير القابل للتعريف في الويكيبيديا العربية، لأنه غير متعين، وعابر للزمان والمكان والضحايا، يختفي فجأة ويبزغ فجأة، رابع المستحيلات العربية بعد الغول والعنقاء والخل الوفي!

وإذا كان العرب قد مضى زمن استعادتهم من أسطورة المؤامرة حتى أصبحت زادهم اليومي بِدءاً من هزيمتهم في 15 أيار 1948 مروراً بإخفاق كل من أخفق منهم في اجتياز امتحان الثانوية العامة وليس انتهاء بمن لم يحالفه الحظ منهم في ليلة العرس، فإن من العار على الأمم المتحدة ومبعوثيها أن يتقبلوا من قريب أو بعيد فكرة (الطرف الثالث) دون أن يستكملوا هذا التقبل بتأكيد وجود (الريموت كونترول) الذي يحرّك هذا الطرف الآن في سوريا انطلاقاً من دمشق، كما سبق أن حرك فرسان الحمير والجمال في موقعة الجمل وحرك بلاطجة صنعاء ومرتزقة مصراتة.

إلى هذا الحد ينهار العقل الدولي المفكر، ويريق ماء وجهه في كل الشوارع العربية المخدوعة بمبدأية الدعم الغربي للشعوب العربية، ويقايض الدم السوري واللحم السوري بامكانيات احتواء الغول الإيراني واحتمالات احتساب الحصة الروسية من الأرباح، وثوابت ابتهاج اسرائيل بوجود أنظمة عربية مؤهلة تماماً لسلخ شعوبها، في طرابلس وصنعاء ودمشق!

كل هذا التعامي والتغابي ودفن الرأس في رمال المجاملات الدبلوماسية حرصاُ على تحقيق بعض المصالح الاقتصادية أو مراعاة لبعض الاعتبارات السياسية، في الوقت الذي يُقصف فيه الشعب السوري بالذخيرة الحية، نحر سافر لكل الأخلاق والمبادئ والأعراف السياسية والدولية، وتصديق مفضوح على شيكات بأرقام مفتوحة للنظام السوري كي يصول ويجول، وخاصة كلما انشغل الرأي العام العربي بحدث قومي! لقد انتهز هذا النظام فرصة انشغال العرب بالانتخابات الرئاسية المصرية لمدة يومين فقتل مئتين وجرح المئات ودمّر ما لا يعد من البيوت والممتلكات، فماذا سيفعل بعد أن يتم إعلان اسم الفائز بمنصب الرئاسة المصرية؟ هل سيقصف السوريين بالقنابل الكيماوية والبيولوحية، ثم يعيد القول بأن سكان المريخ قد هبطوا على حمص واجتاحوا سوريا؟!

التاريخ : 30-05-2012

=================

«الحولة» و«التحوّل» في الأزمة السورية؟!

عريب الرنتاوي

الدستور

30-5-2012

وضعت المجزرة المروّعة في بلدة “الحولة” الأزمة السورية برمتها أمام منعطف جديد...ما بعد “الحولة” لن يكون كما قبلها...فالبلاد دخلت مرحلة الفوضى والحرب الأهلية، رسمياً منذ “الحولة”...ومواقف الأطراف، كل الأطراف، في الداخل والخارج لن تظل على حالها.

في الحديث عن المجزرة ثمة التباسات لا بد من إجلائها...الجيش الذي قتل نصف الضحايا بالقصف المدفعي وقذائف الدبابات، مسؤول عن المجزرة، ومن خلفه النظام السياسي/الأمني بمختلف رموزه ومؤسساته، الضالع منها والمتآمر والصامت والمتواطئ...هذا أمر دفع بأقرب أصدقاء النظام، إلى التنديد بالفعلة الشنعاء، وتحميل السلطات الرسمية، كامل المسؤولية أو جزء منها.

من وقائع الجريمة في “الحولة”، يتضح لنا أن ثمة فاعلين اثنين ومرتكبين اثنين، لا فاعلا واحدا ومرتكبا واحدا...الجيش هو الفاعل الأول، لأنه لم يتوان عن قتل المدنيين بقذائف الدبابات والمدافع، وتقارير البعثة الدولية تؤكد وفاة أزيد من نصف الضحايا بقصف الدبابات والمدافع.....أما الفاعل الثاني، الذي استمرأ تقطيع أعناق الأطفال والنساء وأوصالهم، مستخدماً السلاح الأبيض و”البلطات” والقتل من مسافة قصيرة ( داخل الغرفة ذاتها)، فأحسب أنه فاعل “ميليشياوي”، مثقل بالأحقاد المذهبية والطائفية...لقد عرفنا هذا النمط وتعرفنا إليه في لبنان والعراق إبّان حربيهما الأهليتين، وبمقدورنا أن نشتم رائحة هذا النوع من القتل والقتلة، بمجرد استعراض صور الضحايا الأبرياء.

أما من هي هذه “الميليشيا المذهبية” التي دخلت إلى “الحولة” وقطّعت أوصال أبنائها وبناتها، فلسنا على بيّنة من الأمر بعد، والأمر رهن بتحقيق موضوعي ونزيه ومهني، وهذه صفات لا تتوفر في لجنة التحقيق الرسمية التي شكلها النظام، لتقصي ملابسات الجريمة والكشف عن الجناة...نحن إزاء فعل جرمي ميليشياوي مذهبي، الجيش لا يفعل ذلك والنظام لا مصلحة له بمثل هذه الأعمال التي ترتد عليه وتُحشّد العالم بأسره ضده، بمن فيهم أصدقاؤه.

المليشيا المذهبية التي نقصد إما أن تكون “كتيبة من كتائب الشبيحة”، مشبعة بالحقد المذهبي، وخارجة عن السيطرة، وإما أن تكون ميليشيا مذهبية سنيّة متطرفة، تستعجل إشاعة الفوضى والحرب الأهلية والتدخل الأجنبي، لتتوفر لها بيئة خصبة للتمدد والانتشار، وفرض منطقها الخاص على “الملاذات الامنة” التي تسعى في إيجادها، لتقيم عليها إماراتها الإسلامية، تماماً مثلما كان يحدث في العراق، حيث قتلت ميليشيات من هذا النوع، من أبناء طائفتها ومذهبها، أكثر مما قتلت من أبناء الطوائف الأخرى، وبالطبع أضعاف أضعاف من قتلت من الأميريكيين.

والحقيقة أن الوضع العام في سوريا يبدو بمجمله وقد خرج عن سيطرة الأطراف الرئيسة في الصراع...لا النظام قادر على الادعاء بأنه يبسط سلطانه على عموم الأراضي السورية (بدلالة حولة) أو أنه يسيطر على عموم ميليشياته...ولا المعارضة تدري ماذا يجري على أرض الصدام المسلح، ناهيك عن انعدام قدرتها على السيطرة والتحكم بالمجاميع والمجموعات المتعددة التي تمارس القتل والخطف و”السلبطة” جنباً إلى جنب مع استهداف رموز السلطة والأمن والجيش.

لقد أحدثت مجزرة الحولة تغييراً جوهرياً في الوجهة العامة لمواقف مختلف اللاعبين في الأزمة السورية...وهو تغيير ستظهر نتائجه في المستقبل القريب، ولعل أول وأهم استحقاق لهذا التغيير، ستتضح نتائجه في القمة الروسية الأمريكية المنتظرة الشهر المقبل...وربما تكون زيارة عنان الحالية لدمشق، مؤشر آخر على الوجهة التي سيسلكها المجتمع الدولي بعد “الحولة”.

واشنطن تجد صعوبة على ما يبدو في ترك الملف السوري والاكتفاء بمراقبته عن بعد...وروسيا سئمت من دفاعها عن نظام لم يمكّنها حتى الآن، من أداء دورها كحاجز منيع يحول دون الانتقال بملفاته إلى “الفصل السابع” من ميثاق الأمم المتحدة...وفي هذا السياق تتكاثر الأحاديث والمعلومات عن “صفقة محتملة” بين القطبين، تعيد إنتاج “المبادرة الخليجية لليمن” ولكن بطبعة سورية مزيدة ومنقحة.

يوماً بعد يوم، تتلاشى فرص الحل السياسي للأزمة السورية، وتتورط الأطراف أكثر فأكثر في لعبة السلاح والتسليح القاتلة، وتتسع الفجوة بين مكونات الشعب السوري وطوائفه ومذاهبه، تتفكك الدولة وتنمو على حسابها، مختلف الهويات الفرعية والثانوية وترتسم خطوط الحدود على تخوم الترانسفير السكاني الآخذ في التسارع، وتُرسم لسوريا خريطة سياسية جديدة غير تلك التي عرفناه من قبل...وهذا ما يدعونا مجدداً للتأكيد على ما كنا قد ذهبنا إليه من قبل، بأن المهمة التي لا تفوقها أهمية، أي مهمة أخرى، هي حفظ سوريا وإدراكها قبل خراب دمشق وحلب واللاذقية والسويداء.

=================

الخارج في المعادلة السورية

باسل أبو حمدة

2012-05-29

القدس العربي

مرة وإلى الأبد، لا بد من التخلص من الخزعبلات السياسية التي تقوم على الانتقائية في موضوع نسج خارطة العلاقات السياسية الخارجية لمختلف مكونات الكيانات المنخرطة في عملية سياسية آخذة بالتشكل في سوريا إثر اندلاع الثورة السورية المباركة بما في ذلك النظام وقوى المعارضة على اختلاف مشاربها، حيث لا يجوز الخلط بين ما تبقى من علاقات للنظام مع عدد يتضاءل من دول العالم وبين علاقات لقوى المعارضة الناشئة مع عدد آخر يتزايد من دول العالم، فلا مكان هنا لاستخدام المعايير ذاتها في توصيف تلك العلاقات بشقيها المتباعدين، فكل منهما يبني علاقاته وفق ما تقتضيه مصالحه، أما ما يحدد مدى وطنية تلك العلاقات الخارجية من عدمها، فإنه من المفترض ألا يخرج عن نطاق مدى استجابة تلك العلاقات للمصالح العليا للشعب السوري المتمثلة بحريته وكرامته وعيشه الكريم.

العلاقات الخارجية تحددها ،عادة، شبكة من المصالح التي تتقاطع تارة وتتنافر تارة أو تسير جنبا إلى جنب في بعض الأحيان، ومصالح الشعب السوري ممثلا بقواه السياسية الناشئة الساعية لإسقاط النظام تتقاطع في المرحلة الحالية وبشكل تكتيكي قد يطول أو يقصر مع مجموعة من القوى الدولية الفاعلة التي لطالما تحالفت مع النظام نفسه وساهمت في وصوله إلى السلطة وحتى في ترسيخ قبضته على الشعب السوري، لا بل وتوكيله بالكثير من الملفات السياسية الإقليمية الحيوية، التي راح يتلاعب فيها على هواه ضاربا بعرض الحائط مروحة من حقوق ومصالح وتطلعات شعوب المنطقة، وبالتالي، فإنه ليس من حق أبواق النظام الحاليين أن يرفعوا الصوت في وجه المعارضة السورية ويدعون أنها تخون الوطن عندما تتعامل مع هذه الجهة الدولية أو تلك، فهذه الأطروحة (الأخلاقية) المزيفة لا مكان لها في معادلة العلاقات الدولية القائمة على مبدأ المنافع المتبادلة وتحقيق المصالح.

هنا يبدو أنه لا بد من توضح ماهية الوطن أصلا مثلما يتعين الفصل مرة وإلى الأبد أيضا بين النظام والوطن من جهة وبين رئيس النظام والوطن من جهة أخرى، الأمر الذي نعترف بأن تلك الأبواق نجحت، إلى حد ما، في تسويقه بين الناس على مدار نحو نصف قرن من الزمن، ما يجعل القضية كلها تدخل في نفق مفاهيمي معتم من أجل إنارته من جديد لا بد من العودة إلى جادة الصواب في التعامل مع مسلمات مفاهيمية غابت عن المشهد السياسي السوري طويلا من نوع أن الوطن هو كل الناس ولا يمكن أن يختزل في فرد أو أسرة أو حفنة من الأفراد، وبالتالي، فإنه من الطبيعي ،في المقابل، أن لا تختزل مصالح الوطن الخارجية أو تحشر في هذا الإطار الضيق، الذي يقف على طرفي نقيض أصلا مع مصالح الناس.

يعتلي سلم أولويات السوريين في هذه اللحظة الحرجة والمؤلمة من تاريخ بلدهم البند الأول من مبادرة كوفي عنان والتي تقضي بوقف القتل في مختلف مدن وأرياف سوريا، بينما لا تزال مجموعة المراقبين التي تشكلت بقرار من مجلس الأمن الدولي للاشراف على تنفيذ البنود الستة لهذه المبادرة الدولية منهمكة في تحسس موطئ قدم لأعضائها على الأرض السورية في ظل استمرار عمليات القتل الوحشي التي تمارسها عصابات النظام ومرتزقته صباحا مساءا من جنوب البلاد إلى شمالها ومن شرقها إلى جنوبها، ما دفع بعض أهم القوى السياسية المعارضة للنظام إلى اتهام المجموعة الدولية بالتغطية على جرائم النظام نفسه والتي كان أطفال ونساء ورجال مدينة الحولة الوادعة آخر ضحاياها، حيث تم ذبحهم بالسكاكين بدم بارد في مجزرة يندى لها جبين الانسانية جمعاء.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تكسرت النوايا الحسنة للمجتمع الدولي حيال الشعب السوري على صخرة عنف النظام وشعاره القائل' الأسد أو يحرق البلد'؟ أم أن هذه النوايا لم تكن موجودة أصلا وأن المبادرة برمتها ملحوقة، منذ البداية، بالمبادرة العربية التي سبقتها والتي لم تفض إلا لمزيد من أعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين والمشردين، ما يولد سؤالا جوهريا آخر حول هوية 'مايسترو' العملية برمتها في المعادلة الدولية بجانبها السوري، حيث تضج وسائل الاعلام العالمية في الحديث عن عسكرة الثورة السورية المباركة، بينما تصمت تماما حين يتعلق الأمر بإمداد النظام السوري بمزيد من وسائل القتل من دول وجهات باتت معروفة للقاصي والداني وعلى رأسها إيران وروسيا وحزب الله وحكومة المالكي في العراق، والأدهى من كل ذلك موقف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان من التفجيرات الارهابية التي تستهدف المجتمع السوري في أمنه وأمانه والتي يعتبر أنها تحمل بصمات تنظيم 'القاعدة' بينما منفذهـــــــا معروف وهويته مكشوفة وأياديه طويلة طالت، بالإضافة إلى سوريا نفسها، لبنان وتركيا وغيرهما وهي مرشحة لتطول أكثر وتطال المزيد من الضحيايا الأبرياء حول العالم.

الخارج في المعادلة السورية يراهن على النتيجة النهائية للصراع الدموي على السلطة في سوريا وهو في حالة انتظار أن تتكشف هوية القوة المسيطرة التي من المنتظر أن تنبثق عن هذا الصراع، لكن بات من الواضح أن القوى العالمية بما فيها روسيا ترهن موقفها من المتغير السوري بموقف دول إقليمية فاعلة بالمنطقة تترقب بدورها النتيجة نفسها وعلى رأسها الدولة العبرية التي لا حاجة لتحليل موقفها من هذا المتغير عند خاصرتها الشمالية الغربية طالما تبرع أحد أركان النظام السوري وكشف عن مدى ارتباط أو ترابط الأمنين في الدولتين المارقتين، خاصة وأن جنرالات تل أبيب وساستها أيضا يقدرون كثيرا للنظام في سوريا وقفته' الجامدة' معهم في الجهة المقابلة من تلك الحدود.

في مقابل ذلك، يبدو أن القوى السياسية المكونة للمعارضة السورية لا تزال تتخبط بدورها في فهم الخارج في معادلة بلادهم وما يزيد من ارباكها لا علاقة له البتة في حالة التشرذم التي تعاني منها هذه القوى بقدر ما هو مرتبط بمدى تطرف النظام السوري وتماديه في إعمال سكينه في قلب ضحيته المتمثلة في الانسان السوري الضعيف المغلوب على أمره ليس لأنه لا يملك إرادة المقاومة ولكن لأن أحدا في الخارج لا يستطيع أو لا يريد أو لم يقرر بعد أو لا يزال يترردد في حسم موقفه من النظام الاستبدادي الذي يرزح تحت قبضته وتاليا في مد يد العون ورفع تلك تلك السكين عن عنق السوريين.

الدرس معروف، بدوره، ذلك أنه من خلال ما يجري في الميدان وعلى الأرض، لا من خلال إرهاصات وحسابات الخارج، يمكن قراءة المشهد السياسي السوري على حقيقته، حيث تشي التطورات بأن جميع المعادلات الخارجية التي طبقت في تجارب ثورية أخرى في إطار الربيع العربي غير قابلة للحياة في الحالة السورية حيث بات واضحا أن الشعب السوري قد دخل في نفق طويل حالك الظلمة لن يخرج منه إلا بعد أن يكون قد دفع ثمنا باهظا لاسقاط نظام لا مثيل لإستبداده في تاريخ الانسانية، بحيث يصبح من الطبيعي القول أنه مع جلاء هذه الغمامة السوداء عن الشعب السوري فإن النور سيتخطى حدود وسماء سورية إلى مناطق مجاورة وغير مجاورة لسوريا، التي ثبت بالملموس أنها حجر زاوية في السياسات الإقليمية والدولية مهما كانت طبيعة النظام السياسي الذي يحكم فيها أو يحكمها.

=================

ابعاد السفراء السوريين

رأي القدس

2012-05-29

القدس العربي

ابعدت معظم العواصم الاوروبية الكبرى السفراء السوريين كرد احتجاجي على المجزرة التي وقعت في الحولة قرب حمص، وادت الى مقتل اكثر من مئة شخص من بينهم خمسة وثلاثون طفلا دون سن العاشرة.

الحكومات الاوروبية اتخذت هذه الخطوة بعد مشاورات مكثفة مما يوحي بانها ربما تكون خطوة تمهيدية لتدخل عسكري في وقت لاحق، وما يؤكد ذلك ان فرانسوا هولاند رئيس فرنسا الجديد اكد يوم امس انه لا يستبعد هذا التدخل اذا اقره مجلس الامن الدولي.

مجلس الامن الدولي لن يعطي الضوء الاخضر لهذا التدخل الا في حال حدوث تغيير في الموقفين الروسي والصيني، ولا يوجد اي مؤشر يوحي بذلك حتى هذه اللحظة.

صحيح ان روسيا خففت من حدة موقفها قليلا وادانت المجزرة وحملت الطرفين الحكومة السورية والمعارضة مسؤولية حدوث مجزرة الحولة، لكن الصحيح ايضا انها لا تتورع عن تأكيد موقفها الراسخ بمنع اي قرار دولي يبيح التدخل العسكري في سورية.

الولايات المتحدة الامريكية على دراية كاملة بهذا الموقف الروسي، ولهذا صرح جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض امس انه لا يعتقد ان التدخل العسكري امر صائب في الوقت الحالي لانه سيؤدي الى المزيد من الفوضى والمذابح.

الضغوط الغربية تتكثف في اتجاهين: الاول على الحكومة السورية التي بدت اكثر عزلة بابعاد سفرائها، وعدد كبير من دبلوماسييها، والثاني على السلطات الروسية لتخفيف دعمها للنظام السوري، والقبول بتسوية سياسية على الطريقة اليمنية، اي ان يذهب رأس النظام مع الحفاظ على بقاء النظام نفسه.

كوفي عنان مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية زار العاصمة السورية امس وطالب الرئيس السوري بشار الاسد بالتحرك فورا، واتخاذ خطوات جريئة لوقف العنف في البلاد لخلق قوة دفع لتنفيذ الخطة التي وضعها لحل الازمة في سورية. وناشد الحكومة والمعارضة المسلحة معا وقف اعمال العنف.

نداءات عنان ليست جديدة، ولذلك فرص الاستجابة لها تبدو محدودة للغاية، فالاوضاع في تدهور متصاعد في سورية، واعمال القتل لم تتوقف بل تزداد تصاعدا في ظل وجود خطته والمراقبين الدوليين.

النظام السوري لم يعد يسيطر على كافة المناطق السورية سيطرة كاملة، والامن يتراجع بشكل مضطرد، وهناك جماعات مسلحة باتت خارج سيطرته وسيطرة المعارضة ايضا.

فرص نجاح خطة عنان تبدو ضئيلة للغاية وسورية تزحف بسرعة نحو الحرب الاهلية الطائفية التي بدأت في المناطق المختلطة مذهبيا في الوقت الراهن مثل حمص وجوارها، ولذلك من غير المستبعد ان نشهد مجازر وعمليات تطهير عرقي على ارضية طائفية في اكثر من منطقة في الاسابيع او الاشهر المقبلة.

=================

جذور الحرب الأهلية في سورية

الأربعاء ٣٠ مايو ٢٠١٢

الحياة

انتظر العالم المجزرة في الحولة ليندد بالبشاعة التي باتت تتحكم بالمواجهة في سورية. ولأن العالم لم يعتبر ان القتل بذاته بشاعة، سواء طاول فرداً ام مجموعة، ولأنه لم يعتبر ان هذه البشاعة ظهرت مع اول طلقة رصاص من القوات الحكومية السورية على اول تظاهرة سلمية في البلاد، بات الامر يقتضي قتل اكثر من مئة دفعة واحدة ليتحرك العالم وتصدر بيانات التنديد واستنكار السلوك الهمجي لقوات النظام في دمشق.

انتظر العالم مجزرة الحولة ليبدأ التحذير من ان استمرار هذا العنف الحكومي سيدفع بالبلاد الى حرب اهلية، ويتحدث بعضهم عن تطهير طائفي وعن احتمالات ان تستفيد «القاعدة» من هذا المناخ من اجل ايجاد قدم في سورية. لكن الرد الاولي للسلطات السورية على الحركة الاحتجاجية، ومنذ اندلاعها، اتسم بالعنف الاهلي، اذ راح النظام يوسّع هذا العنف ليمتد داخل البلاد ويفيض الى خارج حدودها.

واليوم، ومع وصول مهمة المبعوث الدولي - العربي كوفي انان الى مفترق خطر، ومعه الموقف الدولي، ومع تفشيل البند الاول في خطته الداعية الى وقف القتل، سيستمر اتجاه البلاد الى مزيد من النزاع الاهلي. وقد تم تفشيل هذا البند بفعل ارادة حكومية، وعلى نحو مقصود... خصوصاً ان الطرف الآخر على الارض، اي المعارضة بكل هيئاتها وأنواعها، يبدو عاجزاً عن اي فعل في اي اتجاه كان.

وتوصيف المعارضة على هذا النحو لا يتعلق بتخبطها السياسي الحالي وعجزها البنيوي، وانما يتعلق اساساً بجذور مشروعها المعارض، حتى قبل اندلاع الحركة الاحتجاجية. ولا تغير في هذا التوصيف الانشقاقات العسكرية وانضمام فئات واسعة الى التحرك المعارض. لقد بنت المعارضة، بكل اشكالها وبما فيها جماعة «الاخوان المسلمين»، مشروعها على «التغيير الديموقراطي السلمي». وأصدرت كل تشكيلاتها وثائق وبيانات تشدد على هذا الامر، بما يعني انها كانت، قبل اندلاع الحركة الاحتجاجية، تراهن على حوار مع الحكم من اجل دفعه في اتجاه التغيير. وهذا ما حصل في «ربيع دمشق»، بعيد تولي الرئيس بشار الاسد الحكم خلفاً لوالده. ولم تلتقط المعارضة جذور المشروع الذي يدافع عنه الحكم عندما عمد الى وأد «ربيع دمشق»، بالترافق مع حملة اعتقالات ومحاكمات صورية طاولت غالبية الذين اندفعوا في اتجاه «التغيير الديموقراطي». اي ان الحكم، وقبل سنوات من اندلاع الحركة الاحتجاجية، وكل ما رافقها من حديث عن مجموعات مسلحة وسلفيين وعملاء لدول الخليج وتركيا والغرب و «القاعدة» وعن مؤامرة لضرب الممانعة، قبل كل ذلك تصرف الحكم السوري على اساس انه مستهدف في ذاته وأنه سيواجه بكل السبل المطالب الاصلاحية التي تستقطب غالبية شعبية، هي بالضرورة غالبية طائفية، نظراً الى التوزع الطائفي للسكان.

وعلى الارجح، يعتبر الحكم في سورية ان اي اصلاح جدي للمؤسسات والحياة السياسية يعني عودة الغالبية الطائفية الى المشاركة في الحكم على نحو فاعل، وليس كمجرد واجهة تحركها الاجهزة الامنية. وهذا ما بدأ يتضح اكثر فأكثر منذ مواجهات حماة في نهاية سبيعنات القرن الماضي. والأغلب ان هذا الحكم بات يعتبر ان أمامه خيارين: الاول الاستمرار بفعل القوة والبطش وتحكم الاجهزة التابعة له، اي حيث يتركز النفوذ الطائفي. وعندما يُصاب هذا الخيار بخلل ما، كما حصل منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية، فإنه يتجه الى مواجهة الغالبية بكل ما أوتي من قوة وسلاح. فكان ما سمي «الحل الامني»، في الواقع هو خيار الحرب الاهلية. اي ان الحكم كان مستعداً لمواجهة وضع الحرب الاهلية، حتى قبل اندلاع الحركة الاحتجاجية، اذ يحمل هذا الحكم في ذاته عنف الحروب الاهلية.

=================

«الجهاديون» السوريون أدوات النظام

آرون ي. زيلين وأندرو جاي. تابلر *

الأربعاء ٣٠ مايو ٢٠١٢

الحياة

يبدو ان دمشق تبالغ في تصوير قوة جماعة «جبهة النصرة» في سورية. ففي 12 أيار (مايو)، بث شريط فيديو على «يوتيوب» يزعم الانتساب الى الفرع الفلسطيني من «جبهة النصرة» وأعلن المسؤولية عن هجومين مزدوجين: تفجير سيارتين على مقربة من مجمع أمني في دمشق أودى بحياة أكثر من 55 شخصاً وأوقع مئات الجرحى. ولكن شريط «يوتيوب» غير مقنع، ويثير الشبهات حول تلاعب النظام السوري بالمجموعات «الجهادية» التي تربطها به علاقات قديمة. وخرجت «جبهة النصرة» الى العلن في 24 كانون الثاني (يناير) 2012 يوم بثت شريطاً عنوانه «المنارة البيضاء» على منتديات «جهادية عالمية». وأوحى توسل منبر هذه المنتديات هذه بأن «جبهة الجهاد» غير مفبركة، وأيد قياديون «جهاديون» المجموعة هذه. ومنذ كانون الثاني الى اليوم، أعلنت هذه الجبهة مسؤولياتها عن العمليات التالية:

- في حلب، في 10 شباط (فبراير) 2012: تفجير سيارتين مفخختين على مقربة من مراكز أمنية. خلف الانفجاران الانتحاريان 28 قتيلاً، 4 منهم من المدنيين.

- في دمشق، في 17 آذار (مارس) 2012: هجوم انتحاري على مركز الشرطة والقوات الجوية المسلحة.

- في ريف حماه، في 20 نيسان (ابريل) 2012: انفجار سيارة يستهدف وحدة عسكرية يشتبه في تنفيذها مجزرة في اللطامنة.

- في دمشق، في 24 نيسان: تفجير المركز الثقافي الإيراني في ميدان المرجة.

- في دمشق، في 27 نيسان: انفجار انتحاري في حي الميدان.

- في دمشق، بين 20 نيسان و5 أيار: زرع عبوات لاصقة في السيارات لاغتيال عدد من المسؤولين.

- في دمشق، 5 أيار: زرع عبوتين ناسفتين تحت شاحنتين في مقر المؤسسة العسكرية في شارع الثورة.

وعلى رغم أن المراقبين سارعوا الى افتراض مسؤولية «جبهة النصرة» عن تفجيري 9 أيار، برز تباين بين شريط 12 أيار وأشرطة «جبهة النصرة» الأخرى. فالشريط لم يبث على المنتديات «الجهادية»، بل على «يوتيوب». وزعم الشريط الانتساب الى «ابن تيمية ميديا». والموقع هذا تديره مجموعة «جهاديين» مستقلين في الأراضي الفلسطينية. ونفت المجموعة هذه بث الشريط على «يوتيوب». فهي درجت على بث التسجيلات على موقعها ثم على «يوتيوب». وورد في الشريط المزعوم أنه رابع بيان يصدر عن «جبهة النصرة». وفي اليوم نفسه، بثت «جبهة النصرة» بيانها السابع على منتديات «الجهاد» العالمي. وبيان الجبهة هذه الرابع بث قبل اسبوع في 5 ايار. ونُسبت العملية الى فرع «جبهة النصرة» الفلسطيني. والفرع هذا لم يذكر في بيانات الجبهة السابقة.

ويبدو أن النظام السوري يسعى الى تحميل المجموعات الإسلامية المسؤولية عن تفجيري 9 أيار. ويزعم النظام ان نواة المعارضة من الإرهابيين «الجهاديين» الأجانب. ويبدو أنه ينظم هذه التفجيرات ليحمل المعارضة على التطرف ويصورها على انها عصابات ارهابية. وقد يلجأ عناصر من الاستخبارات السورية الى التظاهر بأنهم «جهاديون» لتجنيد المقاتلين الأجانب الذين دخلوا الى سورية واستخدامهم في استهداف المدنيين.

وعلى خلاف ما يُتداول في وسائل الإعلام. ليست سورية هي دولة علمانية على نقيض المجموعات السنّية المتطرفة. فنظام الأسد نسج علاقات وطيدة في العقد الماضي مع مثل هذه المجموعات. وإثر الاجتياح الأميركي العراق في 2003، أجاز نظام الأسد «للمتطوعين» التجمع أمام السفارة الأميركية في دمشق للانتقال في باصات الى العراق لشن عمليات ضد القوات الأميركية. وحين برزت حاجة النظام الى متطرفين من اصحاب الكفاءات والخبرات، شرع ابواب سورية امام المقاتلين «الجهاديين» في طريقهم الى العراق. وصادرت القوات الأميركية في بلدة سنجار على الحدود السورية وثائق من قاعدة بيانات «القاعدة في العراق» تتضمن لائحة تفصيلية بأسماء مئات المقاتلين العرب من ليبيا والخليج والجزائر دخلوا العراق عبر سورية. و8 في المئة من المقاتلين في لائحة سنجار سوريون.

وربطت علاقات مماثلة وأكثر غموضاً النظام السوري بـ «فتح الإسلام»، المنظمة المتطرفة المنشقة عن «فتح الانتفاضة». ولم تربط علاقات رسمية بين السلطات السورية و»فتح الإسلام». ولكن السلطات هذه افرجت عن قائد المنظمة هذه، شاكر العبسي، في 2006 قبيل الانشقاق عن «فتح الانتفاضة». وسجن عبسي في سورية في قضية اغتيال الديبلوماسي الأميركي، لورنس فولي، في 2002.

فنظام الأسد درج على تشجيع المتطرفين الإسلاميين السنة لخدمة مصالحه. فعلى سبيل المثال، تسامحت دمشق مع اعمال شغب «عفوية» بادر اليها متطرفون في 2006 ضد السفارة الدنماركية. ويقول شهود عيان ان حرق مبنى السفارة حصل على مرأى من السلطات.

وإلى اليوم، لا تزال حصة الهجمات الإرهابية في سورية ضئيلة في ميزان تكتيكات حركة التمرد، على رغم أن هجومي 9 أيار قد يكونان مؤشراً الى تعاظم اللجوء الى مثل هذه العمليات. ولكن تناقضات شريط 12 أيار التسجيلي ترجح احتمال توجيه النظام الهجمات لخدمة مصالحه المحلية والدولية. وحريّ بواشنطن التمييز بين المجموعات المتطرفة ومجموعات المعارضة السورية المسلحة. فأنشطة المجموعة هذه لا تزال ثانوية. والنظام مسؤول عنها: فعلاقاته التاريخية بهذه المجوعات المتطرفة رسخت قدرتها على العمل في سورية. والقمع الأسدي العنيف، ودعم الغرب المعارضة، ولو كان دعماً بسيطاً، يعزز رواية النظام عن الثورة «الجهادية».

 * باحث في مشروع مكافحة الأرهاب والشؤون الاستخبارية، وصاحب «في عرين الأسد: شاهد عيان عن معركة واشنطن مع سورية»، عن «واشنطن انستيتيوت فور نير ايست ستراتيجي» الأميركي، 17/5/2012، اعداد منال نحاس

===============

مجزرة الحولة رهان الأسد الخاسر

ريتشارد سبنسر *

الأربعاء ٣٠ مايو ٢٠١٢

تطلق الحروب عنان الشياطين: من مجزرة سريبرينيتشا الى حلبجة الى ماي لاي، واليوم مجزرة الحولة. ولكن كيف يقدم المرء على ذبح أعناق الاطفال بالسكاكين؟ والسبيل الى فهم مثل هذه الجرائم هو إدراك مسار الحرب الاهلية. فتكتيكات النظام السوري، ومنها مجزرة الحولة، تعبّد الطريق الى الحرب هذه.

وتتواجه قوات النظام «الجيش السوري الحر» في القرى والمدن المحيطة بحمص، ثم يتولى الشبيحة الاقتصاص من المدنيين اقتصاصاً دامياً. وشاغل عصابات الشبيحة هو الغلبة مخافة خسارة كل شيء. فالنظام السوري يزعم ان الهيمنة السنية، اذا انتصر الثوار، ستقصي العلويين وتقضي عليهم.

وفي مطلع أيار (مايو) الجاري، قابلت سوريين منفتحين ومتعلمين أسرّوا لي بأن عملاء الخليج وضعوا المخدرات في غذاء المتظاهرين، ففقد هؤلاء عقلهم. ولم يخطر في بال هؤلاء ان تقارير التلفزيون الرسمي مملوءة بالاكاذيب، وبدت الدهشة عليهم حين نبهتهم الى ان رأي أتباع العقيد القذافي في الثوار قبل عام، كان مماثلاً لرأيهم اليوم.

وإذا بلغت سذاجة المتعلمين وأصحاب الكفاءات المهنية المبلغ هذا، لم يتعذر على النظام استمالة الطبقات الدنيا في ميليشيات الشبيحة. وثمة تباين بين الحال في دمشق واحوال الأرياف. ومثل هذا التباين له نظير في كل دول الربيع السوري. فهو مرآة الانقسام بين مجتمع المركز «الراقي والمتطور» وبين الآخرين المهملين الذين تركوا فريسة العوز. وعدد كبير من قوات الأمن المارقة ينتمون الى هذه الشريحة ويشعرون أنهم سيخسرون مكانتهم الضئيلة في أي نظام جديد. والتلويح بالخسارة هذه هو لازمة خطاب النظام. والعلويون كانوا مضطهدين تاريخياً في المجتمع السوري. ولذا، وسع الفرنسيين تجنيدهم في جيشهم الانتدابي. ويومها قيل لهم يجب ألا توفروا جهداً في سبيل بقائكم، واليوم يقال لهم الامر نفسه.

ولا يُخفى الدهاء والمكر وراء تكتيك مجزرة الاطفال. فهي تؤجج مشاعر الانتقام المسعور والعنف المنفلت من عقاله. فتغرق سورية في دوامة عنف لا فكاك منها. ويفترض النظام السوري ان استشراء العنف يحول دون التدخل العسكري الخارجي.

ويحسِب أن في مستطاعه تطويق المراقبين الدوليين، وأن القوى الغربية المنشغلة بالانتخابات والازمات المالية، تحتاج الى أي ذريعة تسوغ عدم تدخلها في سورية. ولكن الرهان هذا في غير محله. فالتاريخ حافل بسوابق خسارة انظمة أخرى مثل هذا الرهان. وقادتها اليوم يمثلون أمام العدالة الدولية في لاهاي. والضغط الداخلي على النظام يتعاظم. ويدور الكلام على مساعدة الاميركيين دولاً عربية على تسليح المعارضة. ويرجح أن تكون مجزرة الحولة رهان الأسد الخاسر.

* مراسل، عن «صانداي تيليغراف» البريطانية، 26/5/2012، إعداد منال نحاس

================

هل يغرق النظام في عنفه؟

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

30-5-2012

هل يغرق النظام في موجات العنف المتتابعة، التي أطلقها في كل اتجاه من أرض سوريا، بأمل إغراق الشعب فيها، وكتم أنفاسه بواسطتها، وتحقيق هدف مستحيل يجري وراءه منذ قرابة خمسة عشر شهرا هو: رده إلى زمن ما قبل 15 مارس (آذار)، يوم نشوب ثورته التاريخية الحالية؟

صار من الضروري طرح هذا السؤال، بعد أن أصر النظام على العنف في تعامله ليس فقط مع شعبه، وإنما كذلك مع العرب والعالم، وعلى البدء بما سبق لي ولغيري أن حذرنا منه منذ أشهر، ألا وهو أقلمة الصراع وتحويله من صراع في سوريا إلى صراع عليها، عبر محاولاته إشعال نار الفتنة في شمال لبنان ومدها إلى بقية أرجائه، وربما لنشرها مستقبلا في البلدان العربية المجاورة، حيث توجد بؤر صغيرة تؤيده وتأتمر بأمره. ومن لم ينس بعد، لا بد أن يتذكر كيف أحبط النظام أي حل سياسي داخلي، رغم محاولات المعارضة المستميتة تجنيب البلاد تجرع سم الحلول الأمنية التي اعتمدها، وتحذيراتها المتعاقبة من نتائجها الكارثية، التي ستتجلى في عجزها المؤكد عن إخراج الشعب من الشارع، وبالتالي عن كسر شوكته، وفي نجاحها المؤكد في إلحاق دمار هائل بالمجتمع والدولة السوريين، خدمة لأعداء سوريا والعرب وطلبا لحمايتهم، ثم رغم محاولات العرب تقديم مبادرة تلبي طموح شعب سوريا الثائر ومطالبه وتحافظ في الوقت نفسه على البلاد موحدة ومستقلة، وأخيرا محاولة مجلس الأمن إيجاد مدخل إلى حل من خلال مهمة كوفي أنان. ومثلما أفشل النظام الحل الداخلي والعربي، ها هو يفشل اليوم الحل الدولي أيضا، بإصراره على استخدام عنف أعظمي ضد الشعب، الأعزل في أغلبيته الساحقة، الذي يواصل قتله ويوسع عملياته الحربية ضده، رغم إعلان مجلس الأمن الرئاسي وما نص عليه بنده الأول من وقف العنف وسحب الجيش إلى ثكناته. لم يسحب النظام الجيش من الشوارع، ونجح في تحويل المراقبين من جهة تطبيق البند الأول المذكور إلى جهة تتعايش مع وجود الجيش في كل مكان وقيامه بإطلاق النار على المواطنين بمناسبة وبلا مناسبة، مما أفقد السوريين ثقتهم بمهمة أنان ومجلس الأمن، وجعلهم يرون في المراقبين أدوات سياسة دولية ضعيفة وعاجزة عن فعل أي شيء يحفظ حياتهم ويصون ممتلكاتهم، ويعينهم على بلوغ أهدافهم المشروعة في الحرية والعدالة والمساواة والكرامة. يتساءل المواطن السوري: إذا كان تطبيق البند الأول مستحيلا، فهل سيكون تطبيق البند الأخير، الداعي إلى إقامة نظام ديمقراطي، ممكنا، وإذا كان ممكنا، كم ألف عام سيستغرق تطبيقه في ظل علاقات القوى القائمة اليوم؟

برفضه أية سياسة مغايرة للعنف، نشر النظام عنفه في كل مكان، وأوصله إلى أماكن لم يكن يخطر ببال مخلوق أنه قد يصل إليها، وبالتالي أجبر بشرا مسالمين يعيشون في أرياف نائية وليس لديهم أية مشكلة مع أي أحد، على الدفاع عن أنفسهم بالوسائل المتاحة لهم، وربما كانت أسلحة الصيد البدائية، التي كان النظام نفسه يظهر صورها في التلفاز كدليل على وجود عصابات مسلحة خير برهان على أن الشعب لم يكن مسلحا أو راغبا في العنف، وحين وجد نفسه أمام موجات عنف عمياء تستهدف وجوده وممتلكاته، لجأ إلى ما بين يديه من وسائل وأدوات بدائية مما يستخدم في الحياة اليومية لريفي يحمي دجاجاته من الثعالب ويصطاد بين فينة وأخرى طائر سمان أو طائر حجل. لكنه، مع اشتداد العنف الرسمي وتصاعده وتحوله من عنف يستخدم البنادق إلى عنف يستعمل المدافع الثقيلة والدبابات والطائرات السمتية، اضطر للبحث عن بندقية كلاشنيكوف، بينما كان أول سلاح ناري رأيناه مسدسا رفعته يد أحدهم خلال إحدى مظاهرات حمص، التي ضمت عشرات آلاف المتظاهرين.

واليوم، والعنف ما زال نهج نظام يصر عليه ولا يريد أن يحيد عنه، ماذا كانت نتيجته؟ كان هناك أول الثورة عدد قليل جدا من البنادق المرخصة قانونيا في أيدي المواطنين، وربما كان هناك عدد أقل من البنادق في أيدي من هم بحاجة إليها من رعاة وبدو يخافون على قطعانهم من الحيوانات المفترسة ومن في حكمهم من المواطنين. أما اليوم، فقد أجبرت الدبابات والمدافع الشعب على طلب السلاح دفاعا عن وجودهم وما يملكون، وقد انتشر السلاح بالفعل في كل مكان، لكنه سلاح أناس مسالمين لا يعتدون على أحد ولا يهاجمون أحدا ولا يريدون أن يكونوا عنيفين ضد أحد، ويتمنون أن لا يهاجمهم الأمن كي لا يستخدموه حتى ضد رجاله؟ هل يفكر النظام بحقيقة تفقأ العين، هي أن خططه الأمنية لم تنجح إلا في شيء واحد: دفع الشعب إلى مقاومة العنف الذي يتعرض له بالسلاح؟ ألا يفكر أرباب النظام بأن هذا النجاح سيقضي عليه، وأنه لا قبل لجيشهم الموزع والمشتت في كل مكان بمواجهة الشعب المسلح، خاصة وأنه جيش تنخره تناقضات لا يستهان بها، أهمها التناقض بين قياداته وقواعده، التي تنتمي إلى الشعب ولا شك في أنها ستواصل الانفكاك عن المؤسسة العسكرية إلى أن تجد هذه نفسها مفتقرة إلى جند يموتون من أجلها؟ هذا العامل سيكتسب بمرور الوقت أهمية متعاظمة، فضلا عن عامل آخر هو أن معظم أبناء سوريا يملكون حدا من التدريب العسكري يؤهلهم لاستخدام السلاح بطرق منظمة وفاعلة، وبما أن عدد هؤلاء كبير جدا، من المرجح أن يغرق النظام في العنف الذي بدأ باستخدامه ضد شعب أعزل ومسالم، وواصل استخدامه بلا هوادة، وها هو يغرق فيه، كما تدل على ذلك تفجيرات حي القزاز الأخيرة المدانة، التي مثلت نقلة هائلة الخطورة في تصعيد العنف، أكدت أن النظام لم يعد الطرف الوحيد في الصراع، وأنه لم يعد يسيطر على الأحداث والأوضاع، ولا يمتلك زمام المبادرة، وأنه إذا كان يسدد في الماضي ضربات لا يتلقى ردا عليها، فإن هذا الزمن ولى وانقضى، لأن من لا يمتلك الدبابات يمكن أن يمتلك المفخخات والسيارات المتفجرة، التي لها قدرات تدميرية لا تقل عن قدرات مدافع الدبابات، مثلما تبين في انفجار القزاز، حيث وقعت مجزرة حقيقية بالأمن ضباطا وعناصر.

وصل النظام إلى مأزق حاسم، فهو إن واصل عنفه تلقى مقابل الضربة ضربتين، ووجد نفسه عاجزا عن تغيير علاقات قوى جديدة تزيد الشعب قوة وتزيده ضعفا، وإن تراجع وأوقف العنف آل إلى موقع ضعف يقوض سلطته.

وصل النظام إلى هذه النقطة أو أنه قريب جدا منها، بعد أن أغلق بعنفه ضد الشعب المظلوم جميع منافذ نجاته، وبلغ وضعا صفريا فيه نهايته المحتومة، التي لن يفيد العنف في تحاشيها، بل يجعل وقوعها مسألة وقت فقط!

===============

الحل اليمني في سوريا

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

30-5-2012

الحرب السورية دخلت فصلا جديدا قد يأذن بنهاية النظام بسبب تماديه، وبعد الجريمة التي هزت العالم في بلدة الحولة وفيها ذبحت عائلات معظم أفرادها أطفال.

وربما لهذا السبب قررت الحكومة الأميركية الكشف عن اتصالات سرية بدأتها منذ ثلاثة أسابيع مع موسكو أنها تريد تنحية بشار الأسد من الحكم. صحيفة الـ«نيويورك تايمز» تقول إن الرئيس الأميركي باراك أوباما أوفد أحد مساعديه للأمن القومي للاطلاع والتشاور مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كيفية تنحية الأسد، وسيبحث الرئيسان الفكرة بعد نحو أسبوع في لقاء مباشر.

خطوة جيدة لولا أن الفكرة المسربة تقوم على ما يسمى بـ«الحل اليمني»، وهو الذي جربته دول مجلس التعاون الخليجي في اليمن ونجح في إقصاء الرئيس بعد اندلاع الثورة العام الماضي وجنب اليمنيين الحرب الأهلية. الحل كان سلميا بالضغط المكثف على الرئيس اليمني حينها علي عبد الله صالح بأن يتخلى عن الحكم لقاء سلامته وعائلته ويعود للعيش مواطنا عاديا.

الأميركيون يعتقدون أنه حل أنيق، يقصي الأسد ويمكن المعارضة من الحكم، ويحافظ على مؤسسات الدولة، ويجنب الشعب السوري الحرب الأهلية، ويجنبه أيضا الصراع الإقليمي على أرضه، ويجنب المنطقة ظهور جماعات إرهابية قد تولد وسط الفوضى والفراغ السياسي والأمني.

لكن سوريا ليست اليمن، والأسد ليس صالح، وحجم الدم الذي سال وعمق الكراهية بين الأطراف المتحاربة لا يقارن أبدا بما رأيناه في اليمن. مع هذا إن أمكن تنفيذه سريعا فهو خيار جيد للسوريين والعالم، إنما أشك كثيرا في إمكانية تطبيق الحل اليمني في سوريا.

الأسد وعصابته لن يرضوا الخروج بسهولة، والجماعات المحسوبة عليه ستستمر في القتال. وسيضطر مجلس الأمن إلى الضغط عليه بجملة قرارات، بينها منع الطيران والملاحة وإغلاق الحدود، وخنقه لوجيستيا. وبعد أن تفشل سيعتمد مجلس الأمن التدخل العسكري لحماية المدنيين، أي الحل الليبي. وبعدها سيتنازل الأسد. وهذا يعني أن على الشعب السوري أن ينتظر إلى العام المقبل للوصول إلى هذه النتيجة، ولو فعلها قبل عام لربما كان تنفيذ الحل اليمني السلمي أهون لإنهاء أزمته.

أيضا، علينا أن ندرك أن خيارات المعارضة الأخرى محدودة، سوى القتال ضد النظام دون رخصة من الأمم المتحدة، الذي قد يتطلب عاما لإسقاط النظام. هنا إن صبرت المعارضة، واتفقت قياداتها الداخلية والخارجية على حل دولي، فإنها وكذلك الشعب السوري لن يرضى أبدا الإبقاء على أي قيادات أمنية وعسكرية من نظام الأسد، بل سيطالب بمحاكمتها وسيلاحقها. مع الاعتراف بأن الاحتفاظ بمؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية هو في صالح سوريا، والثورة نفسها، وليس العكس.

والعقبة الأخرى، بعد مشكلة الوقت وتفاصيل الحل، هناك احتمال أن يتدخل الروس وحلفاء الأسد لإشراك جماعات سياسية محسوبة عليه. وهذا سيكون أصعب الشروط وسينسف أي حل معقول.

وإذا كان الأميركيون جادين في تبني الحل اليمني ودفع الجميع باتجاهه فعليهم أن لا يكتفوا بالتفاوض والتشاور لأن الأسد لن يقبل إلا بعد أن يكون الحل اليمني قد فات وقته وصار مستحيل التنفيذ. لا بد من التعجيل بتسليح المعارضة الآن ودعمها لمحاصرة النظام حتى يقبل الخروج بصفقة تمثل الحد الأدنى الذي يعطيه الجميع. ودون أن يشعر الأسد أنه محاصر عسكريا فلن يتنازل، بل سيجد من إيران وحزب الله المزيد من الدعم وخلق الفوضى، ودفع البلاد نحو حرب طائفية، وهذا ما يريده لأنه يعتقد أن ذلك سيحقق له الاحتفاظ ببعض سوريا، رئيسا على مناطق تتبعه أو تتحالف معه طائفيا.

===============

هل تحولت سوريا إلى دولة «فاشلة»؟!

عادل الطريفي

الشرق الاوسط

30-5-2012

بين عامي 1991 و1995، قتل في البوسنة ما يزيد على 300 ألف إنسان في واحد من أسوأ الفصول الدموية في التاريخ المعاصر، وخلال تلك الفترة أحجمت الولايات المتحدة عن التدخل في القضية بحجة أنها مشكلة أوروبية ينبغي على الأوروبيين حلها، لكن كانت أوروبا عاجزة عن التدخل لأسباب متعددة، أهمها المعارضة الروسية لأي تدخل عسكري في النزاع. ولأكثر من ثلاثة أعوام بعثت الأمم المتحدة بقوات لحفظ السلام، لكن تلك القوات كانت عاجزة، وبلا صلاحيات أو سلاح لمواجهة آلة القتل الصربية. فقط حين قرر الأميركيون التدخل تغيرت موازين الأمور، فقد تم التغاضي عن تسليح المسلمين في الوقت الذي باشر فيه الأميركيون مفاوضات شاقة مع الروس والأوروبيين بغية الوصول إلى حل يوقف الجرائم ضد الإنسانية بحق المسلمين والكروات، وبعد مفاوضات استمرت 14 أسبوعا توصلت الأطراف إلى اتفاقية «دايتون» (ديسمبر/ كانون الأول 1995).

في كتابه «إنهاءً للحرب» (1999)، يشير ريتشارد هولبروك، مساعد وزير الخارجية الأميركي – آنذاك – إلى أن تأخر التدخل الخارجي في القضية البوسنية قاد إلى نتائج كارثية، لعل أبرزها انهيار دولة البوسنة والهرسك، وصعوبة إعادة الثقة بين المكونات الاجتماعية من العرقيات والطوائف إلى الحالة التعايشية التي كانت عليها قبل بداية الحرب، فمن جهة أدى الاقتتال الداخلي والمذابح المروعة إلى حالة من العداء المتجذر والغضب بين الصرب والمسلمين بحيث بدا التعايش أمرا صعبا بعد كل تلك الخسائر البشرية القاسية. ويضيف هولبروك أنه كان يدرك أنه وزملاءه يقومون بمهمة مستحيلة، ولكن لم يكن هناك بديل إلا بإقناع الأطراف كلها بأنه قد حان وقت حقن الدماء، وأن السبيل الحقيقي للسلام لن يتوافر إلا بالغفران الاجتماعي والتفكير في المستقبل للأجيال القادمة.

ألا يذكرك هذا التاريخ بما يجري اليوم في سوريا، حيث أمعن النظام البعثي المتكئ على الطائفة في اقتراف جرائم ضد الإنسانية مروعة تحت غطاء روسي وإيراني، بل ودعم لوجيستي ودعائي من زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله، وبتواطؤ خفي من بعض الأطراف الإقليمية؟ اليوم تقف الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية مترددة أمام ما يحدث، وحتى حين اقترف النظام مذبحة إنسانية بحق الأطفال والنساء في «الحولة»، لم يتمكن مجلس الأمن إلا من إصدار قرار إدانة، وعلى الرغم من ذلك سافر المبعوث الدولي كوفي أنان للقاء الرئيس السوري بشار من دون عزاء لأولئك الذين فقدوا ذويهم في جرائم حرب مروعة.

أمام هذا المشهد المؤلم يتبدى لنا أن الدولة المدنية السورية كما عرفناها خلال العقود الماضية - أو ما بقي منها - تسير نحو الهاوية، وربما وصلنا إلى مرحلة باتت معها استعادة هيكل الدولة، بل والسلم الاجتماعي، أمرا عسيرا للغاية. إن أكبر خطر يواجه الدولة السورية اليوم ليس بقاء نظام الرئيس الأسد، فهو قد استنفد كل خيارات ومحاولات البقاء، ولكن في اضمحلال سيادة الدولة السورية، بحيث بات تحولها إلى دولة «فاشلة» - للأسف - أكثر السيناريوهات احتمالا.

المتأمل في واقع المعارضة السورية في الخارج، وانقساماتها المتكررة، يدركه اليأس من قدرة السوريين في هذه المرحلة على إجراء عملية انتقالية للحكم فيما لو سقط النظام، وما هو أكثر خطورة أنه لا توجد حتى الآن شخصيات سياسية مؤهلة لملء الفراغ في قصر المهاجرين. إن عدم قدرة السوريين على الخروج ببديل مقنع وفاعل في الخارج، وتفتت قوى الداخل وضعف ارتباطها بالمؤسسات الخارجية، تنذر بزوال الدولة السورية كما عرفناها في السابق. سوريا اليوم تبدو مزيجا من التجربة العراقية واللبنانية، فهناك تشظٍّ طائفي ومناطقي يصعب رتقه، وحتى لو سقط النظام القائم اليوم فليس ثمة أي شواهد أو دلائل على أن السوريين قادرون على إقامة نظام سياسي بديل يوفر الثقة والاطمئنان لعموم السوريين بغض النظر عن طوائفهم أو مناطقهم أو مذاهبهم السياسية.

طرح مثل هذا التساؤل ليس من باب التثبيط، أو التقليل من محاولات السوريين لتحرير أنفسهم من نظام ظالم ومجرم، لكنها ضرورة للوعي بما آلت إليه الحالة السورية من تشظٍّ واضمحلال. لقد نجح نظام بشار الأسد بطريقته الانتحارية في إيقاظ الفتنة الطائفية، وتفتيت البلد إلى كانتونات موزعة بحسب الانتماءات الطائفية والمذهبية. ليس هذا فحسب، بل تمكن من تدويل القضية، واستدعاء بعض الأطراف الإقليمية إلى ساحة الصراع السورية. وما حدث في لبنان خلال الشهر الماضي هو نذير تدهور في الملف الشامي، حيث تمكن النظام من توريط أطراف مجاورة كلبنان والعراق في الأزمة السورية، وبدا تدفق اللاجئين على لبنان والحدود التركية يفوق في نسبته قدرة تلك البلدان على الاحتمال من دون أن تتوافر حتى الآن جهود دولية قوية لإغاثة أولئك المنكوبين. المشهد الذي رسمه سمير عطا الله في عموده قبل أيام مؤلم للغاية، حيث يقول «تعودنا في لبنان أن نرى عمالا سوريين في كل مكان، يأتون إلى هنا يبنون ويحرثون الأرض منذ سنوات طويلة جدا، لكننا لم نكن نرى مثل اليوم عمالا في الثانية عشرة من العمر يخلطون الإسمنت ويحملونه على رؤوسهم. هذه هي الحرب».

طبعا، ربما لا يعجب البعض الاعتراف بهذه النتائج، لكن الوعي بها ضروري إذا كانت تلك الأطراف معنية حقا بحقن دماء السوريين، واستعادة الأمن والاستقرار لهذه الدولة المكلومة. إنه لمن المحزن أن يتمكن بشار الأسد وأعوانه من تقويض الدولة السورية - على طريقة «الخيار الشمشوني» - في المرحلة العسيرة من عمر التغيير الذي يطال الساحة السورية. علينا أن نتذكر أن سوريا ظلت منذ الاستقلال تمر بحالة من اللااستقرار، مثلتها الانقلابات المتكررة، وأن حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد على الرغم من مساوئه وخطاياه فإنه كان الفترة الوحيدة التي تمكنت فيها الدولة السورية من تحقيق استقرار نسبي يعود السبب فيه إلى استخدام العنف المفرط من قبل الدولة ضد المدنيين، ولكن مع مرحلة الابن تبدد ذلك الاستقرار الوهمي لتحل مكانه الحرب الأهلية.

في السبعينات من القرن الماضي، اهتم الراحل إدوارد آزار - البروفسور الأميركي من أصل لبناني - طيلة حياته بالنزاع الأهلي في لبنان، وكان واحدا من أهم خبراء النزاع في الشرق الأوسط. عشية توقيع اتفاق الطائف شُخّص إدوارد بمرض السرطان القاتل، وتوفي بعد ذلك بعام وبضعة أشهر. وفي واحد من أهم كتبه «انبعاث لبنان الجديد: حقيقة أم خيال» (1984)، حذر إدوارد من أن اختلال التوازن الديموغرافي - بسبب النمو السكاني الشيعي المرتفع - في لبنان خلال الستينات والسبعينات قد عطل فرصة البلد في الاستقرار، وأننا شئنا أم أبينا فإن المحاصصة السياسية ستتغير مع كل مولود يولد من هذه الطائفة أو تلك، ومع كل مهاجر يغادر البلد هربا من التمييز والتخويف الطائفي. يقول إدوارد «على الرغم مما قد يحمله المستقبل لهذا البلد المعتل، فإن تعدديته - بلا شك - لن تكون حائلا دون أن يلعب الشيعة الدور الرئيسي في تقرير مصيره.. إن خيرا، وإن شرا». لقد صدق تنبؤه، فقد تمكن حزب الله، وهو حزب أصولي متطرف، من احتلال الدولة وفرض مصالح رعاته في طهران ودمشق على بلد صغير تخطفته الضغوط الإقليمية فصار ملعبا مباحا.

ما كان يخشاه آزار في الحالة اللبنانية ها نحن نراه يتكرر في المشهد السوري، حيث أدى تفرد الحزب والاستقواء بمخاوف الأقليات إلى ما نشهده من حرب أهلية بين طرفين في سوريا، أحدهما يحاول البقاء عبر استخدام أفظع أساليب الترويع والجريمة، والثاني طرف أعزل اضطر بعض أفراده إلى حمل السلاح - أو ما بقي منه - لمقاومة آلة القتل والترويع التي تفتك بأبناء الوطن الواحد.

ليس سرا أنه بسقوط هذا النظام ربما يخسر قادة الحرس الثوري في إيران حليفا - أو تابعا بالأحرى - ولعلهم يدركون الآن أنه من الأفضل مساعدة النظام على تدمير البلد وإفشاله ليحرموا السوريين من تحرير دولتهم من هذا المحور «الممانع والمقاوم»، وكل يوم يمر في ظل بقاء هذا النظام يُقرّب سوريا أكثر من حافة الانهيار التام.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ