ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 29/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

حماية الشعب السوري

رأي الراية

الراية

28-5-2012

أقل ما يمكن أن يتخذه مجلس الأمن الدولي للرد على مجزرة الحولة في ريف حلب والتي ذهب ضحيتها أكثر من مائة قتيل من بينهم 32 طفلاً إلزام النظام السوري بسحب دباباته وآلياته الثقيلة من المدن والبلدات السورية والتوقف عن قصفها وإلزامه بتطبيق بنود مبادرة المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان فورا وبدون تأخير.

النفي الرسمي الذي جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية عن مسؤولية القوات السورية الحكومية عن ارتكاب مجزرة الحولة لا يستقيم مع تأكيد المراقبين الدوليين الذين زاروا المدينة المنكوبة أنها تعرضت للقصف بالدبابات.

أما الحديث عن مسؤولية المعارضة عن هذه الجريمة المروعة وتبني رواية المؤامرة الخارجية واستحضار التدخل الأجنبي والعسكري في سوريا فإنه حديث لم يعد يصدقه أحد.

فالنظام السوري الذي يستمر في قتل المدنيين فرادى ومجتمعين والذي تطلق قواته العسكرية وأجهزة أمنه النار على التظاهرات السلمية وعلى جنازات الضحايا هو الذي يستجلب التدخل العسكري إلى سوريا.

رغم الإدانات الدولية الواسعة لمجزرة الحولة التي كان على النظام معها أن يعيد حساباته فإن أعمال العنف والقتل تواصلت بعد المجزرة واستمر سقوط الضحايا الذي لم يتوقف لحظة فالنظام ماض في قتل المدنيين السوريين فرادى أو مجتمعين لا يمنعه شيء.

إن إخفاق المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات ملموسة على الأرض لحماية المدنيين السوريين سيطلق يد النظام السوري لارتكاب المزيد من أعمال القتل وإراقة الدماء، والقبول ببيان لا يحمل إدانة واضحة وصريحة لنظام الأسد ويحمله المسؤولية عن مجزرة الحولة يجعله شريكاً غير مباشر في الجرائم والانتهاكات التي ترتكب في سوريا.

الشعب السوري الذي حطم قيوده ودفع أكثر من ثلاثة عشر ألف شهيد منذ انطلاق ثورته المطالبة بالحرية والديمقراطية والتغيير والكرامة الإنسانية لم يعد لديه ما يخسره وهو لن يستسلم أبداً لقمع النظام وعنفه وهم سيواصلون ثورتهم سواء وقف المجتمع الدولي إلى جانبهم أو خذلهم حتى نيل حريتهم وكرامتهم.

ما ينتظره الشعب السوري من مجلس الأمن الدولي التوقف عن منح النظام مهلاً جديدة ينتج عنها مزيد من الضحايا ومزيد من أعمال القتل والبدء في اتخاذ إجراءات تكفل حمايته بموجب البند السابع الذي يتيح استخدام القوة وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام كما يبدو.

=================

ما بين مجزرة الحولة وصبرا وشاتيلا.. فضائيات تحاول طمس الحقيقة!!

محمد الرشيدي

الرياض

28-5-2012

 ان تغير الحقيقة وتحاول طمسها في زمن الصوت والصورة فتفسير ذلك انك فاقد الاهلية، الجميع يتحدث وبوضوح الشمس عن ما يحدث في سوريا من انتهاك واضح وغير اخلاقي من قبل النظام، ونجد الآلة الاعلامية التقليدية التابعة للنظام هناك تحاول تصوير الامر وكأنه امر عادي، فيصبح بذلك الظالم مظلوما..!!

من اطرف المشاهدات التي اتيحت لي تلفزيونيا، متابعتي قناة دنيا وهي تتناول موضوع انشقاق كبار الضباط وانضمامهم للجيش الحر وكأنه تمثيليه اجرامية يقوم بها الثوار، وبعض المرتزقة، وبدعم من قناة العربية، فتجد مقطعا لانشقاق احد الضباط وكيف تفرغ وببجاحه معد تقرير بهذا الخصوص، يصور الامر وكانه ظهور لضابط مختطف من الثوار ويتحدث تحت التهديد وهو بريء من الانشقاق وولاؤه لحكومة الاسد براءة الذئب من دم يوسف.

تفسيرات متعددة وطريفة تقدمها القناة التابعة للنظام في محاولتها التقليدية والطريفة لقلب الحقيقة، ومحاولة مجاراة وتكذيب قناة العربية بأي صورة او طريقة، فيتم تصوير ما يحدث في سوريا عكس ما تتناقله تقريبا اهم القنوات العالمية ذات الصدقية، فالصورة لا تكذب وحديثها ابلغ واصدق، ورغم ذلك تندهش من محاولة وبغباء قلب الاحداث، في تراجع وتخلف اعلامي يعيش على مفهوم الاعلام الرسمي وان هذا الاعلام هو المصدق والموثوق والمسير لعقول الاخرين، متناسين التطور التكنولوجي في وسائل الاعلام واختراقها للحدود الجغرافية بقوة وبسرعة، تجعل من الشعار الصغير المكتوب في احدى مسيرات الغضب الشعبية باحدى ضواحي حمص على سبيل المثال، حدثا تتناقله اهم وسائل الاعلام الكبيرة!!

في حادثة الاسرى اللبنانيين كانت مذيعة قناة المنار التابعة منهجا وفكرا لنظام دمشق، كانت المذيعة تحاول وباستمرار وبطريقة مكشوفة تأليب المشاهدين على الجيش السوري الحر وتعتبره مسئولا عن عملية خطف الرهائن، وتتساءل بخبث عن الاعمال الاجرامية التي يقوم بها هذا الجيش الارهابي على حد زعمهم، كل هذا اللغط والكذب والزيف الاعلامي تدور ماكينته والقنوات والصور تنقل لنا وبحزن والم جثث الاطفال، ووحشية وقسوة واجرامية النظام السوري!

حادثة ومجزرة الحولة، اصابتني بذكرى مؤلمة اثناء طفولتي وانا اتذكر عرض التلفزيون لمجزرة صبرا وشاتيلا، كنت صغيرا بالسن وكان التلفزيون يعرض الجثث بشكل مباشر، فكانت صدمة لم انسها، وزاد ألمها وانا اشاهد الاطفال (يذكون) كما تذكى الخرفان، اي وحشية واي ارهاب الذي تم، واي انسانية بهذا الخصوص، انه من المؤلم ان نصل لهذا الحال من اللاانسانية، فالوحشية كلفظ اصغر من الوصف الواقعي لحادثة اطفال الحولة!!

ماذا سيفسر تلفزيون الدنيا والمنار والعالم وغيرهم ما حدث بحق هؤلاء الاطفال وغيرهم وغيرهم من الابرياء الذين نتابع بمرارة مسلسل قتلهم وتشريدهم، اي تمسك بالسلطة يجعل البشر يتحولون إلى وحوش اقسى من حيوانات الغابات الشرسة، ان الاعلام بريء مما تمارسه بعض القنوات التابعة لنظام الاسد؛ لان الاعلام نقل الحقيقة وليس تزويرها، الاعلام صدق وليس اجراما، كيف سيكون موقفهم بعد زوال النظام الذي يدعمهم، سيكونون بمشاهد امام الجميع كما حدث امام اعيننا على سبيل المثال لمفتي القذافي ومذيعته التلفزيونية التي رفعت في يوم من الايام مسدسها وعلى الهواء في وجه ابناء شعبها، فزال من كانت تتقوى به وانقلب السحر على الساحر، ان ما يحدث في سوريا مؤلم مؤلم وبكل ما تعنيه الكلمات!!

=================

ليست طائفية

اميمة الخميس

الرياض

28-5-2012

 الذريعة الطائفية هي المخرج الوحيد للنظام الفاشي الدموي في سوريا الآن، فالحرب الطائفية الأهلية من الممكن أن تشعل عدة بؤر في المنطقة وتخفف الضغط عن النظام، وهذا بالتحديد ما سبق أن هدد به بشار الأسد وزيرَ الخارجية التركي عند بداية الثورة السورية، بأنه سيشعل المنطقة خلال ست ساعات فقط.

والمؤلم في الأمر أن الشعارات السياسية ذات الصيغة الطائفية التي تبث في المنطقة سرعان ما تلقى صدى واستجابة لدى الرموز المتطرفة من كلا الجهتين، الذين هم بدورهم يمتلكون خطابا مذهبيا متعصبا ضيق الأفق يطمح إلى تصفية الآخر ونفْيه، ويتعامل مع القضايا برؤية أحادية تميل إلى تغليب سوء الظن.

الخطاب الطائفي التعبوي المستفز يبدو مناخا خصبا لاستثمار غباء وغوغائية من يحملون أجندة التعصب والانغلاق، وبالتالي يتم عبره تمرير الأجندات السياسية وخلط الأوراق وإشعال المنطقة.

ما يحدث في سوريا الآن ليس له علاقة بالطائفية من قريب أو بعيد، الثورة السورية هي ثورة شعب بجميع أطيافه، انتفاضة طلاب حرية ضد النظام العسكري الدموي الذي كان يقبض على خناق سوريا لعقود، سوريا موئل أقدم حضارة بالتاريخ تجلد بالحديد والنار وتسحل على مذبح الطاغية، هذا الشعب العريق لم يتبن الطائفية هو فقط نهض وثار ضد رموز الطغيان العسكري والفساد الذين اختطفوا السلطة عبر فوهة الدبابة، وهم الآن يوجهون فوهة هذه الدبابة نفسها إلى صدور ونحور نساء وأطفال الشعب السوري.

لا أود أن أكتب عن أطفال (مجزرة الحولة) في حمص، لأن الكتابة الماكرة قد تدخلنا في تلك الحالة البيضاء من السكينة والتفريغ، تنجو بنا من التورط بالمشهد والمسؤولية الإنسانية، تنزعنا من بين العويل والصياح، وتضعنا على الضفاف لنتأمل بهدف تحويل معجون الرصاص واللوعة وأشلاء الأطفال إلى جمل وكلمات.

رؤوس الأطفال التي كانت ممتلئة البارحة بهديل الصيف فوق حقول الشام، قطفها الموت وقدمها على مائدة طاغية سوريا، لن يجدهم الصيف في الحقول اليوم بل سيجد قمصانهم مبثوثة فوق حبل غسيل، وأحلام طيروها صباح المذبحة وهم لا يعرفون أن سكاكين المساء ستلوكها.

الإحساس بالذنب هو أول شعور يتملك البشر عند موت الأطفال، النضارة والبراءة التي تعبّد درب مستقبل البشرية الموحش، الحيز القصير من الحياة، الصدور الخالية من الآثام، العجز وقلة حيلتهم.. وقلة حيلتنا نحن أيضا فلا نملك سوى إطلاق الأسئلة الموجعة:

هل ما يحدث الآن في سوريا حالة تواطؤ عالمي على مشهد ومسمع من قوات حفظ الأمن الدولية؟

هل هو حقا هذا الصمم الذي لابد منه لتمرير صفقة مقايضة كبرى بين أسلحة حزب الله مقابل نجاة النظام الحالي في سوريا؟

هل هي نفس المقايضة القديمة بين صمت العالم عام 1982 على مجزرة صبرا وشتيلا مقابل الصمت على مجزرة حماة؟

المجازر هي التي تصنع العرش، العرش ظل عبر التاريخ يقتات على الدماء ويعلو بعظام الأطفال وبارود الجند، ومن ثم يطلب من التاريخ صفحة بيضاء محايدة.

لكن سيظل هناك من يحكي ومن يفضح ومن يدون شهادات على جرائم البشرية، ستظل هناك قطرة دم عالقة فوق نافذة تخبر الصيف القادم وجميع مواسم الصيف اللاحقة عن الأطفال الذين شهقوا لحظاتهم الأخيرة على مائدة الطاغية، فاستل عظامهم لتكون دعائم لعرشه، ولا يدري أنها ستصبح غدا مسامير لنعشه.

=================

للذين يدافعون عن النظام السوري!!

د.عبدالله القفاري

الرياض

28-5-2012

 لا أعتقد أن هناك انكشافاً للتيار القومي واليسار العربي، أو سقوطاً أخلاقياً تعرض له هذا التيار على مدى تاريخه حدث أكثر مما أحدثته الثورة السورية.

القومي أو اليساري أو العروبي عندما يتحالف مع الطائفي، وعندما يكون ضد الإنسان المسحوق في عيشه وكرامته وحريته ماذا يمكن أن يُسمى؟ كيف يمكن التوفيق بين فكر يستدعي الإنسان في مشروعه بينما هو يضطهده في مواقفه ويقف مع جلاديه.

منذ بدء الثورة كان ثمة اصطفافاً شائنا إلى جوار نظام ديكتاتوري قمعي دموي تحت ذريعة المؤامرة على دولة الممانعة وأحلاف المقاومة، التي تكشف منذ الشهور الأولى أنها ليست سوى وهمٍ باعه النظام لهؤلاء وسواهم من المخدوعين، وارتضى العزف على أوتاره السذج منهم والمتحالفون مع النظام.

وحتى لا نظلم كل هذا التيار فسيظل هناك آحاد أو مجموعات لم تتلوث بدعم النظام السوري أو الدفاع عنه أو حتى الصمت عن جرائمه في مواجهة ثورة الشعب السوري، التي دخلت إلى مرحلة جديدة عنوانها حرب استنزاف طويلة لا تبدو مؤشراتها في صالح النظام.

استوقفني كما آخرين ذلك اللقاء الذي أجرته "الجزيرة نت" مع الباحث الفلسطيني سلامة كيلة، الذي اعتقله وعذبه النظام السوري لأكثر من أسبوعين ثم نفاه للأردن.

ما وراه كيلة عن صنوف التعذيب ليس شيئاً جديداً، فهناك أبشع مما رواه كيلة، وهناك من الروايات عن الممارسات التي تقترفها أجهزة النظام القمعية ما يندى له جبين الإنسانية. ولا أعتقد ان هناك نظاماً أحال بلداً للخراب بكل أنواعه، ومارس ما يخطر ومالا يخطر على بال من صنوف التعذيب والقتل والإبادة والتدمير كما صنعه هذا النظام في سورية.

في معرض إجابة سلامة كيلة عما يمكن أن يقوله لجزء غير بسيط من اليسار والقوميين العرب المنحازين للنظام السوري والذين يقفون معه ضد الثورة:

(أقول لهؤلاء أن يترووا قليلاً، وأن يعودوا لعقلهم وأن يفكروا بموضوعية لا بسطحية عالية. نحن ضد الإمبريالية ويجب أن نكون ضدها، لكن الوضع في سوريا كان تكيفاً مع الإمبريالية، الاقتصاد الذي صنعه النظام السوري كان يطلب رضا الأمريكان.. سوريا تتعرض لجريمة قتل كبرى يمارسها النظام من القتل إلى الصراعات الطائفية إلى التعذيب.

سيكتشف هؤلاء أنهم دافعوا عن أكبر مافيا في المنطقة، أتمنى عليهم ألا يعتقدوا أن الأمور هي إمبريالية فقط، لأن الإمبريالية تتجسد في تكوينات محلية، والشعب السوري هو الذي ضحى من أجل فلسطين وضد إسرائيل وأميركا، وليس النظام، والشعب يقاتل اليوم من أجل فلسطين وليس فقط من أجل تغيير النظام.

هناك سطحية سياسية لدى أحزاب شكلية ونخب تبلورت في الخمسينيات والستينيات ستسقط مع هذه النظم، واليسار معاد للإمبريالية وللقمع والنهب والاستغلال، روسيا اليوم إمبريالية صاعدة ولم تعد اشتراكية كما يظن أصدقاؤنا، فلماذا نحن مع إمبريالية ضد إمبريالية).

حقا من السذاجة بل من الانكشاف الأخلاقي المزري أن نجد من يدافع حتى اليوم عن النظام السوري ويدعمه في مواجهة شعب يعاني من أعتى النظم وأكثرها قمعية وشراسة. ومن البائس حقاً أن يظللنا تيار طالما اعتقدنا انه يحمل مشروعاً إنسانياً يدعو للتحرر والكرامة.. فإذا به يتحالف مع أبشع الطغاة ضد شعب مسحوق.

انهم يدافعون عن أكبر مافيا في المنطقة. ليس هذا منطق كيلة وحده. كيلة مفكر يساري مسيحي فلسطيني لا يحسب على تيار مناوىء للنظام من منظور طائفي أو كجزء من معارضة خارجية لازال ينتقدها، بحيث يمكن أن يكون مصيدة للباحثين عما خلف السطور تحت أوهام المؤامرة على النظام السوري، التي لم تعد تقنع إلا المتوقفين ذهنياً تحت الأوهام الطافحة بالدجل السياسي. كيلة ممن يرفضون التدخل الأجنبي في الثورة السورية، إلا انه يؤيد بضراوة هذه الثورة الشعبية ويؤمن بها ويراهن عليها، ليس فقط من أجل سورية ولكن من أجل فلسطين أيضا. لأنه ببساطة يرى أن الأحرار وحدهم هم القادرون على تحرير فلسطين.

يقول كيلة إن هناك سطحية سياسية لدى أحزاب ونخب تبلورت في الخمسينات والستينات وانها ستسقط مع النظام. وأعتقد انها سقطت شعبياً وأخلاقياً وسياسيًا.. فلم يعد لها من حضور يحمل مشروعية البقاء سوى يافطات الإعلان عن تكوينات تتقوت منها مجموعات بدعم ورعاية النظام السوري وحلفائه في المنطقة.

الثورة السورية ضربت مصداقية هذا التيار في مقتل. وأظهرت حجم السذاجة السياسية لدى فريق من المنتمين لهذا التيار الذين لم يغادروا منطقة الصراع القديم على الرغم من كل التحولات الهائلة. إلا أن رموز هذه التيارات التي تقف إلى جانب النظام السوري في مواجهة الشعب السوري ليسوا سذجاً، انهم متآمرون يدركون أبعاد الصراع ويدركون أنهم يدافعون عن مواقعهم ومكاسبهم وحضورهم ومصادر تمويلهم. وربما تتغير مواقفهم فقط عندما يبدأ انهيار النظام تحسباً لوضع يفقدون فيه كل شيء.

لا أحسب أن التيار القومي واليسار السوري أو اللبناني وحده يواجه هذا المأزق الأخلاقي. بعض التيار القومي واليسار العربي المتماهي مع النظام في الحدود العليا، أو المتوقف عن إدانته في الحدود الدنيا.. وبينهما فريق الصمت المريب في أكثر من مكان.. لازال يتعامل مع الثورة السورية ليس بمنطق ثورات الربيع العربي التي تفجرت في المنطقة، وهي تهتف للحرية والكرامة، ولكنه يتعامل معها بمنظور المؤامرة الكونية على نظام الممانعة المخادع. وليس له ما يسنده سوى الأوهام التي تبرع في تخريج سيناريوهات تروج للمؤامرة المزعومة التي لا يراها سواه.

لم يعد مغرياً الحديث عن مؤامرة إمبريالية لإسقاط النظام، المسار الواضح منذ أكثر من عام يؤكد أن هناك مؤامرة لإجهاض الثورة وعدم تمكينها.. وإعادة إنتاج النظام على نحو يطيل في عمره ليؤدي مهامه التي برع فيها طيلة أربعة عقود.

ينقل النظام السوري اليوم أزمته إلى لبنان عبر بوابة طرابلس. لبنان دولة رخوة تعاني من سيولة شديدة. مراكز القوى التي تدعم النظام السوري ليست قوى هامشية. إنها تملك ترسانة من السلاح وتحالفات كافية لوضع لبنان على حافة الحرب الأهلية مجدداً لو استمر مسلسل استنزاف النظام السوري على ما هو عليه.

حلف إيران - النظام السوري - حزب الله .. يعتبر معركته الكبرى تدور في سورية ولديه الاستعداد لوضع لبنان في قلب المأزق إذا كان هذا يترتب عليه إنقاذ النظام السوري. إلا أن ما يثير الالتباس هذا التحالف المشبوه من بعض القوى المحسوبة على التيار القومي أو اليساري في لبنان. وعلى الرغم من أن تلك القوى لا تعبر سوى عن مجموعات غير فاعلة على الساحة اللبنانية بذاتها.. إلا انها تعيش وتتقوى وتستند على هذا التحالف.

القومي أو اليساري أو العروبي عندما يتحالف مع الطائفي، وعندما يكون ضد الإنسان المسحوق في عيشه وكرامته وحريته ماذا يمكن أن يُسمى؟ كيف يمكن التوفيق بين فكر يستدعي الإنسان في مشروعه بينما هو يضطهده في مواقفه ويقف مع جلاديه.

دفع المخاوف، التي يبديها البعض من التفتيت والانقسام في سورية لن يكون من خلال دعم نظام ديكتاتوري تاريخه حافل بالقمع والدموية، ولا أيضا السكوت عما يحدث. الانقسام والتفتيت والإنهاك يدفع إليه نظام لم يعد لديه ما يقدمه سوى إطالة أمد القتل والتدمير.

أنا أو التفتيت والانقسام والاحتراب الداخلي.. هذا ما يعبر عنه سلوك النظام منذ انفجار الثورة السورية. وكل التفاصيل التي نتابعها يومياً هي تداعيات لهذه النزعة التدميرية التي لا ترعوي.

=================

أوقفوا حمام الدم السوري

رأي البيان

التاريخ: 28 مايو 2012

البيان

لا يمكن لأي شخص سواء أكان مؤيداً أو معارضاً للربيع العربي والثورات، ألا تهزه الصور والمجازر في سوريا، إذ إن المذابح اليومية التي ترتكب ضد المدنيين العزل لتقشعر لها الأبدان، وتقدم دليلاً واضحاً على أن الحل الأمني لم يحقق سوى المزيد من البطش والقتل والدمار واستنزاف أرواح الشعب السوري ومقدراته.

وما دام مجلس الأمن يحكمه «الفيتو» وتوازنات القوى الكبرى ومصالحها، فإن على جامعة الدول العربية، على الأقل، أن تتحمل مسؤولياتها القومية وتصغي إلى الصرخة التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة أول من أمس، بدعوتها إلى اجتماع عاجل لبحث مذبحة الحولة السورية التي راح ضحيتها عشرات الأبرياء بمن فيهم نساء وأطفال رضع.

وضرورة اتخاذ موقف صارم ضد هذا الاستهداف الهمجي للمدنيين الذي "لا يمكن أن ترضى به أي من الشرائع ويمثل انتهاكا لإنسانيتنا ورمزا مأساويا لفشل جهودنا المجتمعة، عربيا ودوليا، لإيقاف العنف تجاه المدنيين في سوريا"، كما جاء على لسان سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية.

إن منطق العدالة الإنسانية يحتم على الدول العربية جمعاء، اليوم قبل الغد، ألا تقف ساكتةً أمام هذه الجرائم والمتورطين فيها، بعد أن طال العنف المنظم الأطفال والرضع وعجزت الحلول الدبلوماسية حتى الآن عن تحقيق أي نتيجة تذكر، لإيقاف نزيف الدم السوري واستهداف المدنيين العزل، دون أي رادع إنساني أو أخلاقي، أو حتى مراعاة للظروف والمصالح السياسية.

لقد آن الأوان لتتخذ جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي بصفة عامة، إجراءات حازمة لإيقاف نزيف الدم السوري، وإيجاد الوسائل الضرورية والسريعة لتنفيذ خطة المبعوث العربي والدولي كوفي عنان، بكل بنودها التي وافقت عليها الحكومة السورية والتزمت بتطبيقها، وتفعيل كافة الحلول التي تكفل حماية المدنيين في سوريا.

ومن واجب كل الأطراف المعنية، بما في ذلك القوى الدولية والإقليمية المؤثرة، وخاصة تلك الداعمة لنظام الحكم في سوريا، وعلى قوى المعارضة السورية كذلك، أن تبذل جميعا كل ما في وسعها لوقف هذا النزيف المؤلم والبحث عن حل للأزمة السورية، قبل أن تتعمق أكثر وينتشر لهيبها في عموم المنطقة.

=================

نظام سوريا... آيل للسقوط

عائشة المري

الاتحاد

تاريخ النشر: الإثنين 28 مايو 2012

"لقد كانت أصوات موتهم مؤلمة، سيظلون معي إلى الأبد" بهذه الكلمات يصف محمد رحمن سهيل، الذي يعتقد أنه الناجي الوحيد من مجزرة وقعت في قريته الواقعة في منطقة جبل الزاوية شمالي سوريا، ليبقى شاهداً على مجزرة ارتكبتها قوات الأسد في يوم 21 ديسمبر الماضي، ويتحدث هذا الشاهد في تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية قائلًا: "لقد أخرجوا (جنود القوات السورية) كل شخص من القرى القريبة بحلول الساعة 09:45 صباحاً" و"بدأوا إطلاق النار في العاشرة وانتهوا في الرابعة بعد الظهر". ست ساعات بين الحياة والموت... هي رواية بين مئات الروايات التي يرويها الناجون والهاربون من سوريا، روايات لا يمكن أن تصنف جرائمها إلا ضمن الجرائم ضد الإنسانية.

إن ما يحدث في سوريا كارثة إنسانية، ففي الجمعة الماضية شهدت مدينة الحولة مجزرة وحشية كانت حصيلة ضحاياها المعلنة حتى الآن 114 قتيلًا بينهم 32 طفلًا، صور صادمة للإنسانية ومشاهد رعب دامية استنكرها المجتمع الدولي، وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة مارتن نسيركي إن "بان كي مون" وكوفي عنان "يدينان بأشد العبارات قتل الرجال والنساء والأطفال، الذي أكده مراقبو الأمم المتحدة" في الحولة، معتبرين المجزرة انتهاكاً "وحشياً مريعاً" للقوانين الدولية، وقد طالب عنان بمساءلة ومحاسبة من نفذ هذه المجزرة.

وحتى اليوم ظل نظام الأسد يستمد قوة استمراريته من فشل العالم في الاستجابة الفاعلة للقمع الوحشي الحاصل في سوريا، ولكن دموية الأعمال الوحشية المرتكبة والمجازر لم تعد رادعاً للمعارضين، فقد استمرت الاحتجاجات والمسيرات كل جمعة، ولم يتمكن النظام السوري ولا آلته العسكرية من كبح المظاهرات السلمية وصولاً لجمعة "دمشق موعدنا قريب". لقد عرّت صور مجازر الأطفال في الحولة نظام الأسد وزادت الغضب على كل من يرتبط بنظامه أو يدعمه، ورفعت من إمكانية المحاسبة الدولية للأسد ونظامه على جرائمه باعتبارها جرائم ضد الإنسانية.

لقد فشلت مهمة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، وفشلت مهمة قوات حفظ السلام الأممية، وفشلت كافة الجهود التي قادها المجتمع الدولي والجامعة العربية للتخفيف من الصراع، أو تسهيل التوصل إلى حل سياسي. لقد ظل الأسد محمياً بغطاء دبلوماسي من روسيا والصين، بينما استمرت إيران في توفير الدعم المادي والأسلحة، وظل الخوف من الفوضى أو الحرب الأهلية كبديل للوضع الراهن أو سيطرة الراديكاليين الإسلاميين كما يروج النظام السوري في آلته الإعلامية مانعاً أمام العديد من الدول العربية أو الأجنبية لاتخاذ موقف حاسم من النظام السوري، وظل نظام الأسد يراهن على هذه المواقف الرمادية لاستمرار نظامه ولإعطائه الفرصة تلو الأخرى. ولم يكن الضغط الدولي والإقليمي على الأسد كافياً أو فعالاً ولم تؤخذ الجهود المحدودة إلا في نطاق المماطلة السياسية.

يشعر المجتمع الدولي بغضب متصاعد على جرائم القتل الوحشي وعمليات التدمير المستمرة، وتضغط الشعوب ومنظمات حقوق الإنسان على الحكومات الغربية والعربية من أجل اتخاذ مواقف أكثر حسماً من النظام السوري. لقد دعت دولة الإمارات وعلى لسان وزير الخارجية سمو الشيخ عبد الله بن زايد إلى عقد اجتماع عاجل لجامعة الدول العربية لبحث مجزرة الحولة معتبراً "أن مثل هذا الاستهداف للمدنيين يمثل رمزاً مأساوياً لفشل جهودنا المجتمعة عربياً ودولياً لإيقاف العنف تجاه المدنيين في سوريا".

لقد فقد نظام الأسد شرعيته وسيسقط قريباً لا على سبيل التمني وإنما لأن حركة التاريخ لن تتوقف عند أبواب دمشق. قد تطول المدة في ظل الظروف الدولية والإقليمية، وقد يكون الثمن هو الأغلى، ولكن نهاية النظام بدأت بأول قطرة دم سكبت للشعب السوري.. سيسقط الأسد وأركان نظامه.

=================

حيازة أدوية أو معدات جراحية يعادل حمل الأسلحة .. الإمدادات الطبية... أكبر تجارة سرية في سوريا!

نيكولاس سيلي

عمان - الأردن

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«كريستيان ساينس مونيتور»

تاريخ النشر: الإثنين 28 مايو 2012

الاتحاد

باب "المخزن"، المخبأ في المرآب الموجود بقبو بناية سكنية لا يوجد ما يوحي بأنها غير عادية، من السهل أن تخطئه العين. ذلك أنه ظاهرياً يبدو كما يُفترض أن تكون مقصورة عامل النظافة أو مقصورة أنابيب الماء. والحال أن الشقة الصغيرة الموجودة في القبو هي محطة للمهربين الذين ينقلون سلعة ثمينة.

في الداخل، أكياس قمامة سوداء وزرقاء كوّم بعضها فوق بعض حتى كادت تلامس السقف المنخفض: إنها عُدة طوارئ مملوءة بالأدوية والمعدات الطبية الجاهزة ليتم نقلها عبر الحدود السورية إلى "المستشفيات الميدانية" المرتجلة التي تقدم خدمات طبية للسوريين الذين أصيبوا في القتال.

وفي هذا الإطار، يقول طبيب سوري يشرف على المخزن: "إن الأشخاص الذين يقومون بنقلها قد يتعرضون للقتل أو الاعتقال"، مضيفاً: "إنها مجازفة كبيرة". وحرصاً على سلامته وسلامة شبكته، طلب هذا الطبيب السوري عدم استعمال اسمه في هذا التقرير. ولم يتسن التحقق بشكل مباشر مما قاله حول شبكات المهربين والمتمردين واللاجئين التي تطورت في الأردن منذ بداية الانتفاضة السورية، لكن مصادر مستقلة أكدت معظم الجوانب الرئيسية لروايته.

خطر توفير الرعاية الطبية لمن هم موجودون في منطقة الحرب يمثل تذكيراً بأن حرب سوريا ما انفكت تزداد سوءاً، رغم بعثة المراقبة التابعة للأمم المتحدة، والتي توقع كوفي عنان أن تُخمد القتال. ذلك أن مئات الآلاف من السوريين نزحوا من مناطقهم بسبب الحرب، وعشرات الآلاف فروا إلى تركيا ولبنان والأردن، مما خلق تخوفاً من إمكانية امتدادها إلى بعض هذه الدول.

والواقع أن طرق التهريب موجودة بين سوريا والأردن منذ أن وجدت حدود بين البلدين. لكن اليوم، وبدلاً من السجائر المعفية من الضرائب والحشيش اللبناني، فإنها تستعمل في الغالب لإمداد نشطاء سوريا المحاصرين بما يحتاجونه. المواد الغذائية، والملابس، وهواتف الأقمار الصناعية، وبطاقات الهواتف... كلها أشياء يتم تهريبها، غير أن أكبر تجارة ربما هي في الإمدادات الطبية السرية. ذلك أن المستشفيات في سوريا تخضع لمراقبة شديدة من قبل الحكومة، وقد بات من الشائع خلال الاضطرابات الأخيرة معاملة أي شخص مصاب على أنه من المتمردين.

وهناك روايات عديدة لأطباء تعرضوا للمضايقة والاعتقال، إلى جانب الأشخاص المصابين الذين كانوا يحاولون مساعدتهم. وعلى سبيل المثال، فإذا قدم صيدلي طلبية للحصول على أكياس دم أو أدوية يمكن أن تستعمل لعلاج الجرحى، فإن الأجهزة الأمنية قد تحضر وتعتقل الصيدلي.

وفي هذا الإطار، يقول أنتوان فوشر، رئيس بعثة منظمة "أطباء بلا حدود" في الأردن والعراق: "هناك استراتيجية تقوم على جعل الوصول إلى المنشآت الطبية صعباً". وقد دخلت فرق "أطباء بلا حدود" إلى سوريا من أجل تقديم المساعدات الطبية العاجلة، كما يقول، وعاشت القمع والتضييق بشكل مباشر. ويقول فوشر: "إن حمل أدوية أو معدات جراحية في سوريا يعادل حمل أسلحة، من حيث الطريقة التي تعامل بها من قبل الأجهزة الأمنية في حال قبض عليك". ونظراً للأعداد الضخمة من جرحى الحرب، إضافة إلى الأشخاص الذين لديهم جروح أو أمراض عادية ويخافون من التعرض للاعتقال في حال استعملوا المستشفيات الحكومية، فإن الطلب على الرعاية الطبية السرية كبير جدا.

وهنا يأتي دور أشخاص مثل الطبيب السوري. فهذا الأخير يعمل وزميل له في الأردن على جمع الإمدادات الطبية التي يتبرع بها مانحون أغنياء، وهم بشكل رئيسي عرب الخليج أو المغتربون السوريون، ويرتبان لعملية نقلها عبر الحدود إلى المستشفيات الميدانية. وحتى وقت قريب، كان الرجلان يعالجان الجرحى في سوريا، لكنهما أُرغما على الهرب بعد أن اكتُشف أمرهما.

وفي غرفة من غرف المخزن، كان صندوق كرتوني مملوءاً عن آخره ب"السندويتشات"، وهي عبارة عن حزمات أدوية سُحبت من علبها وتم لفها وتغليفها بشريط بلاستيكي شفاف، على شكل حزم بحجم قبضة اليد. أدوية ومعدات أكثر تغطي السجاد. ويشرح الطبيب كيف يقوم بتقسيم الإمدادات إلى "حزم عُدة" لأهداف مختلفة. فعُدة الجراحة هي تقريباً بحجم حقيبة ظهر، مملوءة بثوب الجراحة، والقفازات، والضمادات، والشاش الخاص بالحروق، وخيط الغرز، والقسطرة الصدرية، والمحاقن الطبية... ما يكفي من الإمدادات لعملية واحدة.

بل إن هناك أيضاً فرشاة منقوعة في مادة اليود لتنظيف اليدين حيث يقول الطبيب: "إن معظم عملياتنا لا تجرى في المستشفيات"، مضيفاً: "ربما في منازل، وبالتالي، فإنه لا يوجد ماء أو كحول".

أما عدة التخدير، فهي أصغر حجماً، وهي عبارة عن كيس صغير مليء بقناني من الكيتامين، والأدرينالين، والمضادات الحيوية، وإمدادات طبية أخرى يصعب بشكل خاص الحصول عليها في سوريا، كما يقول الطبيب، لأنها أدوية تسبب الإدمان، كما أن شركة واحدة فقط هي التي تقوم بصناعتها، وهي شركة حكومية. ثم هناك حزمة عُدة أخرى لتضميد الجروح. ويمكن ربط الحزم معاً أو تهريبها قطعة قطعة، اعتماداً على وسيلة النقل المتوافرة.

الطبيبان لا ينقلان الحزم بنفسيهما، بل يعتمدان على مكر ودهاء آخرين، حيث يمكن إخفاء الحزم وسط شحنة سلع شرعية، أو إخفاؤها في السيارات، أو نقلها عبر الحدود ليلا من قبل أقارب أو مهربين محترفين. كما أنه يمكن استعمال اللاجئين الذي يدخلون الأردن سراً لنقل سلع في طريق العودة. كما يمكن تفكيك القطع الكبيرة من المعدات الطبية وإرسالها قطعة قطعة، كما يقول الطبيبان.

"إن الأسد هو الذي علمنا هذه المهارات الجديدة"، يقول أحد الطبيبين، "لم يأت أي شخص ليعلمنا إياها، بل تعلمناها تدريجياً مع مرور الوقت".

=================

هل تكون الحولة كما قانا في 1996 و2006؟ .. روسيا أكبر المحرَجين بشهادة المراقبين

روزانا بومنصف

2012-05-28

النهار

تساءلت مصادر ديبلوماسية مراقبة عن أوجه الاختلاف بين المجزرة التي حصلت في مدينة الحولة السورية وسقط ضحيتها ما يزيد على 92 شخصا بينهم أكثر من 32 طفلاً، بعدما كشف "التدقيق الذي أجراه المراقبون استخدام مدفعية الدبابات في قصف المدينة "وفق ما أعلن رئيس بعثة المراقبين الدوليين روبرت مود، وبين مجزرتي قانا عامي 1996 و2006. في مجزرة قانا الاولى ارتكبت حكومة اسرائيل برئاسة شمعون بيريس مجزرة دموية ادت الى مقتل 110 اشخاص غالبيتهم من الاطفال والنساء، حين قصفت الطائرات الاسرائيلية مقرا تابعا لقوات حفظ السلام الدولية. وفي مجزرة قانا الثانية أواخر آب 2006، سقط بالقصف الاسرائيلي أكثر من 67 ضحية بينهم 37 طفلا على الاقل. هاتان المجزرتان شكّلتا نقطة مفصلية في الحرب الاسرائيلية على لبنان لجهة التعجيل في انهاء الحرب، على وقع الهزيمة الاسرائيلية التي ادت اليها غالبا مجازر من هذا النوع، لكونها النقطة التي تفيض بها الكأس، اذ ان هذه الحروب تصبح صعبة التبرير والقبول متى ارتكبت فيها مجازر بشرية مماثلة. والواقع ان المجتمع الدولي يتملكه الاحراج الكبير مع سقوط الضحايا الابرياء، والاطفال منهم خصوصا، ويصبح المجال متاحا أمام مخارج لم تكن متاحة قبل المجزرة، وتفرضها او تحتِّمها الضرورات الطارئة على المشهد العسكري. وما لم يحتمله المجتمع من اسرائيل على هذا الصعيد، وخصوصا أن الامم المتحدة حمّلتها آنذاك مسؤولية ما حصل، على رغم التدليل الذي تحظى به من الولايات المتحدة وسواها من الدول، من الصعب ان يحظى به النظام في سوريا على رغم الرعاية المعلنة المستمرة له من جانب روسيا.

وتساهم المجزرة التي وقعت في الحولة في إحراج كبير للجهات الاقليمية والدولية على حد سواء، وفق ما تقول هذه المصادر، لاعتبارات متعددة قد يكون ابرزها انها حصلت في ظل رعاية دولية للوضع السوري عبر خطة الموفد كوفي انان لوقف الحرب في سوريا، بحيث تختلف، من حيث حجمها وطبيعتها، عما حصل من مجازر سابقا في حمص قبل قبول النظام بهذه الخطة. ثم انها تعيد تذكير الرأي العام العربي والدولي بان الاسباب التي استخدمت لاطاحة الزعيم الليبي معمر القذافي، أي ارتكابه المذابح ضد شعبه، ولم تستخدم في التعامل مع الوضع السوري، تسقطها أحداث مماثلة لتلك التي حصلت في الحولة.

ومع أن هذه المجزرة استنفرت ادانة عالمية واقليمية واسعة، فإن السؤال الاول يبقى عما اذا كانت ستحفز المجتمع الدولي على الدخول في مرحلة عملانية من أجل وضع حد للعنف في سوريا، خصوصا في ظل هذه الوقائع؟ في حين ان السؤال الثاني يركز على نضج الظروف لبدء التفاوض على خروج النظام، وفق مصادر متصلة بجهات اقليمية.

وفي هذا الاطار، تقول المصادر إن أكثر من ينبغي أن يُحرَج من هذه المجزرة هو روسيا، نتيجة لعاملين أساسيين، انطلاقا من أن المسؤولية عن حصول هذه المجزرة قد حدّدها رئيس بعثة المراقبين الدوليين، وروسيا هي من طالب بها وطالبت النظام بالتجاوب معها، وليس المعارضة السورية. واذا كان لهذه الشهادة الدولية من معنى، فإنها مصدر حرج لروسيا التي اعتمدت على تقرير رئيس بعثة المراقبين العرب محمد الدابي من أجل استخدام الفيتو ضد قرار دولي في مجلس الامن حول سوريا في وقت سابق، في حين أن تقرير المراقبين الدوليين يصب في المنحى المعاكس.

أما العامل الاول في إصابة الموقف الروسي بالحرج، فهو أن روسيا التي دافعت حتى الان عن بقاء النظام، باتت مسؤولة على نحو كبير عما يقوم به، على غرار مجزرة الحولة لكونها لا تزال تحمي بقاءه. والعامل الثاني ان النظام حتى لو لم يكن مسؤولا عن المجزرة على نحو مباشر، فإن بقاءه في السلطة بات مسببا لمزيد من الحرب الداخلية،، وخصوصا متى فقد السلطة على الارض وباتت مجالا خصبا لنشوء كل أنواع التنظيمات، بمعنى أن بقاء النظام بات مكلفا على سوريا نفسها وعلى الآخرين أيضا. وإذا أضيف الى هذين العاملين ما حصل في الاسبوعين الماضيين من أحداث في طرابلس ثم في عكار، وهو ما أدرجته غالبية الدول ومن بينها روسيا، في اطار تداعيات الازمة السورية والتخوف من امتدادها الى لبنان او الى الدول المجاورة، فان تهديد الاستقرار الاقليمي، سواء حصل مصادفة او كان مقصودا، ربما يعطي مفعولا عكسيا لجهة عدم اظهار قدرة النظام على امتلاك اوراق اقليمية يمكن تحريكها تحت وطأة الضغوط، او تخفيفها، بل لجهة انقلاب الامور عليه ما دام خطرا يهدد الاخرين.

=================

مجزرة الشبيحة

خليل قنديل

الدستور

28-5-2012

ظلت الحكومات العربية تقيم المآتم السنوية على المذابح التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، وكنت أنا من الجيل الذي يتبع كل الحكومات العربية في فصلنا المدرسي، ونحن نخصص يوماً دراسياً كاملا لتذكر تداعيات مذابح مثل مذبحة دير ياسين ومذبحة كفر قاسم.

يومها كنّا نرتع في السذاجة وما كنا ندري أنه يمكن لمثل هذه الأنظمة أن تجترح مذابحها في لحظة نهوض الشعوب للمطالبة بحريتها وإسقاط النظام. هذا ما فكرت به أول أمس وأنا أشاهد بأم عيني التلفزيونية ما بثته المحطات الفضائية عن مذبحة «الحولة» السورية حيث قامت قوى الجيش النظامي السوري بذبح ما يقارب من مئة أمرأة سورية وأطفالهن الذين بلغ عددهم «50» طفلاً!! وأقول ذبحوا لأن الصورة بدت أن النظام وشبيحته قاموا باستعمال السلاح الأبيض لذبح كل هؤلاء وكأنهم قرابين أو أضحيات.

وكان عليّ أن اعاود استحضار المشهد، صورة الأم التي كانت تحتضن طفلها أو طفلتها، وذاك الشبيح القادم اليها وهو يحمل سكينه الملتمعة، كنت أفكر في حالة الرعب التي يمكن أن تصيب الانسان الأعزل حينما تحز على عنقه السكين كي يذبح!!

كنت أفكر بارتعاشة الطفل الذي كان يرتجف هلعاً وهو يرى أمه تذبح أو تطعن أمام ناظريه، أو أفكر بحالة الاستنجاد الانثوية التي كانت تتوسل الفراغ الهمجي كي يقي طفلها من الذبح أو الطعن.

يوم أمس الأول كنت أفطر بالهيلمان الدولي، ومنظمات حقوق الانسان، وجمعيات الرفق بالحيوان الانسان جميعها. وكنت أراقب بان كي مون بصلعته التي تشبه صلعة اي صراف مرابٍ، وهو يفسر المشهد السوري ويقيمه بالمفردات الممجوجة ذاتها. وكنت أراقب الصورة العابرة لكوفي عنان، وقراره العجيب وهو يمثل مبادرة تاريخية ومفصلية لحل المشكلة السورية في أنه سيزور دمشق ويلتقي الرئيس السوري، وهو بهذا سوف يؤجل اقامة انعقاد مؤتمر دول مجلس الأمن، المزمع عقده يوم الاربعاء، وهو اليوم الذي سيغادر فيه نيويورك متجهاً الى دمشق.

الى هذا الحد تطلق يد النظام السوري وشبيحته في قلب عداد الشهداء يومياُ ومتتاليته التصاعدية في مذبحة تلو الأخرى، وسط تأجيلات دولية تبدو وكأنها جميعها تتآمر على الفتك بالشعب السوري وإبادته.

الى هذا الحد اللحم العربي رخيص، والى هذا الحد ما زال العربي يصدق القوى الدولية.

وكل مجزرة والعرب بخير.

=================

سورية .. دموية النظام وعقم المعارضة إلى أين ؟

سلطان الحطاب

الرأي الاردنية

28-5-2012

بدا لي ان النظام السوري الملطخ بالدم محظوظ على المستويات الاقليمية والدولية وقد خدمته الظروف ليبقى أكثر مدة مما بقيت الانظمة العربية التي أطاح بها الربيع العربي.. وهذا يعود لعدة أسباب..منها دموية النظام نفسه واتخاذه قرار القتال والاندفاع فيه منذ اليوم الأول ودفاعه عن تركة مطلوب رأسها لو تراخى ولو خطوة واحدة..ومنها أيضاً أن المعارضة السورية كانت ممزقة وبقيت ولم تتعظ وتعتبر وراحت تستعمل أساليب لا تليق بمواجهة هكذا نظام ..فمن التمزق الى فقدان تداول المواقع أو الأخذ بالديموقراطية المركزية ولا حتى اللامركزية..اما على المستوى الدولي فإن النظام السوري استفاد من تأييد سياسي روسي وصيني مباشر وعبر الأمم المتحدة حيث تولت الدولتان وخاصة روسيا الدفاع عن النظام ومصالحه بصورة سافرة وقايضت الانظمة الدولية المتنفذة لتبقى تساند نظام الأسد وهي المسألة التي لم تكن أنظمة عربية عديدة معادية للنظام السوري تتوقعها حين استعصى عليها تغيير الموقف الروسي بوسائل عديدة مشروعة وغير مشروعة..وقد لحقت الصين بالموقف الروسي لاعتبارات صينية وثنائية روسية ولرغبة الصين في الصمود واستعادة مواقفها وامتيازاتها التي هددت في ليبيا وافريقيا ولا تريدها أن تتهدد في ايران حيث الاعتماد الصيني على ايران كبيراً ..والنظام السوري محظوظ بقدرته على خلط الاوراق اللبنانية لصالحه واستعمال نفوذه عبر القوى السياسية العديدة وفي مقدمتها حزب الله وأحزاب ومنظمات وهيئات أخرى..

وهو محظوظ لانه جبهة الاعتدال التي كانت تواجهه حين كان يدعي الممانعة سقطت منها مصر ولم يبق فيها سوى الأردن، أما الدول العربية التي وعدت بتسليح المعارضة فلم تفعل واكتفت بالمساعدات أو الدعم السياسي المحدود في حين جرى تبرير الموقف التركي وتصنيفه كسائر دول العالم رغم بداياته القوية التي هددت النظام بحرب لا تبقي ولا تذر وحتى الجامعة العربية اختبأت وراء مبادرة كوفي عنان وانسحبت من الواجهة ومارست الانتظار..

إذن النظام السوري الذي استمر على عنفه واحتوائه للمقاومة يشعر أن خصومه في الاقليم والعالم يكررون نفس مواقفهم التي ما زال يستطيع احتواؤها..وما زال يرى أنه قادر على ممارسة القتل والحصار والاعتقال وتسويق حتى مقولاته الاعلامية وروايته التي تعتمد على أن سوريا تواجه مؤامرة وان قوى التخريب والارهاب هي التي تقتل في سوريا وقد استطاع النظام أن يسجل اختراعاً بهذه الرواية لدى جهات دولية عديدة سواء من بعثة كوفي عنان أو بعض اوساط الأمم المتحدة التي حملت القاعدة ومنظمات ارهابية وأخرى مسؤولية بعض التفجيرات مما جعل النظام السوري يختبيء وراء روايته ويعززها بمزيد من العنف ومواصلة الاحتواء والتعبئة لمن بقي من أنصاره ..على قاعدة ان العالم ألف مشاهد القتل في سوريا وعليه ان يبحث عن ادانة لغير النظام..

المعارضة لا تعكس الواقع السوري..وخاصة معارضة الخارج التي تضع عيونها على الخارج وتدخلاته وتكرار ما حدث في العراق وليبيا وهذه المعارضة ليست ذات ارتباط وثيق بالداخل وقراءته كما يجب أو استمرار تحريكه ليخرج من تقليد الجمعة الى ثورة مستمرة على مدار الأسبوع والى عصيان مدني واضراب شامل والى شل قدرات النظام والتضييق عليه باكثر مما هو قائم..

النظام السوري الذي قد يستمر لفترة اطول مما يتوقعه المراقبون بعد أن تكيف مع حالته التي قد تستمر سنتين وزيادة وقد تشهد تغيرات في الاقليم يراهن عليها هذا النظام لم يعد يعبأ بالمواقف الدولية في تخفيف عنفه وأساليبه..فقد ادانته لجنة التعذيب في الأمم المتحدة وكذلك منظمة اطباء بلا حدود ولقتله الجرحى وعمليات الاعدام الميدانية وادانة الدول الثمانية الكبار..ولجنة تنسيق الشؤون الانسانية وحتى الامين العام بان كي مون والادانة الفرنسية والاميركية والقطرية والتركية وعدم انفاذخطة عنان واعتداء جيشه على المراقبين وقتلهم وجرحهم وقد وصلت به الغطرسة والاندفاعة الدموية حد تهديد الجوار واشعال المنطقة والضغط على الحكومة اللبنانية واتهام القوى السياسية اللبنانية التي تعارضه بالسماح بممارسة الارهاب ضده..

النظام السوري استفاد من الدروس ويبدو أنه محظوظ بضعف المعارضة وبغياب القوى الدولية عن الفعل العملي ضده وبوجود أنظمة تدافع عنه و يرتبط مصيرها بمصيره...

=================

مجزرة الحولة وثقافة الجزار

صبحي حديدي

2012-05-27

القدس العربي

ثمة عناصر، عديدة، يسهل على معارضي النظام السوري التوافق عليها عند قراءة حدث جلل، وفاصل ربما، مثل المجزرة التي ارتكبتها قوّات النظام ومفارزه الأمنية وقطعان الشبيحة في بلدة الحولة، وذهب ضحيتها أكثر من مئة شهيد، بينهم قرابة 50 من الأطفال، وغالبية من النساء، فضلاً عن وقوع جرحى بالمئات. وثمة، في المقابل، توافق لا يقلّ سهولة لدى أنصار النظام، يُختصر في تكرار الأسطوانة المشروخة، حول مسؤولية 'العصابات المسلحة'، و'المندسين' و'القاعدة' و'الجيش السوري الحرّ'، عن هذه 'العمليات الإرهابية'، وكذلك عن تفجيرات دمشق وحلب ودير الزور. وليس ثمة توافق، أغلب الظنّ، عند 'الفئات الوسيطة'، إذا جاز التعبير، الحائرة بين معارضة النظام وتعليق الآمال على التفاوض معه حول 'حلّ سياسي' ل'الأزمة': هناك قائل يرى أنّ عسكرة الانتفاضة هي التي تدفع النظام إلى التغوّل؛ وهناك مَن هو أكثر عبقرية، وانتهازية بالطبع، يرى أنّ المجزرة ممارسة فردية (تماماً كأعمال الاغتصاب والخطف) لا تمثّل اتجاه النظام العام!

وفي تعداد بعض العناصر التي يحسن أن يتوافق عليها معارضو النظام، هنالك افتراض بسيط يقول إنّ وحوش مجزرة الحولة هم قطعان ضباع متعطشة للدماء، حاقدة في مستوى الغرائز الوحشية الصرفة، وكذلك في مستويات التعصّب الطائفي الأعمى، ونزوعات الانتقام العشوائي، أو الانتقائي أيضاً. افتراض، مكمّل وجدلي، قد يفيد بأنّ هذه القطعان لم ترتكب ذلك الفعل، الإجرامي الشائن والهمجي والمتجرّد من كلّ حسّ إنساني، إلا لأنها منهزمة لتوّها، مذعورة من حساب الشعب والتاريخ، مفلسة في حاضرها ويائسة من مستقبلها، لاهثة إلى حضيض حتمي صار قاعدة وجودها، أو انقلب إلى نظير للعدم ليس أكثر. وأنها، هذه القطعان، لا تحمل تلك المواصفات، ولا تنتظم في ذلك المنطق، إلا لأنها على شاكلة النظام الذي تنتمي إليه، وتناصره، وتنخرط في معاركه، وهي بعض أشدّ أدواته وحشية وعماء وإجراماً.

إلى هذه كلها، لا يغيب ذاك العنصر الذي لم يتوقف النظام عن اعتماده منذ انطلاقة الانتفاضة، لا بوصفه خياراً تكتيكياً طارئاً أو وليداً، بل لأنه كان ويظلّ استئنافاً ضرورياً لأحد الركائز الكبرى التي اعتمدتها 'الحركة التصحيحية'، والتي دشّنها حافظ الأسد وتابع تنفيذها وريثه الأسد الابن: الاشتغال على التفريق، والتفرقة، بين طوائف المجتمع السوري، بطرائق تخلق ما يتيسّر من أجواء التوجس والبغضاء والفتنة، من جهة أولى؛ وزرع اليقين الثابت في نفوس أبناء الطائفة العلوية بأنّ عقائدهم وطرائق عيشهم وعاداتهم وتقاليدهم وامتيازاتهم الراهنة (التي مُنحت للبعض منهم على نحو تمييزي مقصود، ومنهجي منظّم)، ليست هي وحدها المهددة؛ بل أنّ وجودهم، في كلّيته، سوف ينقرض تماماً ونهائياً، ما لم تنتسب الطائفة، برمّتها أو في غالبيتها الساحقة، إلى صفّ النظام، وتقاتل في معارك البقاء التي يخوضها.

وكما فشلت محاولات النظام الكثيرة، في تأليب طائفة ضدّ أخرى، أو في اللعب على مخاوف الأقليات الدينية أو المذهبية أو الإثنية (الأمر الذي أطاش صواب الأجهزة كلما ارتد مخطط خبيث إلى نحور صانعيه، ودفعها إلى مزيج من التعنت والتخبّط في آن معاً)؛ كذلك يتوجب أن تنقلب مجزرة الحولة إلى نقيض ما أرادته الأجهزة من ارتكابها: إلى حاضنة وطنية جبارة، تستلهم أرواح الشهداء، الأطفال منهم بخاصة، على نحو يستولد وعياً رفيعاً بحقائق المخطط الخبيث، ويمنح الانتفاضة طاقة جديدة وتجديدية، ويرفد ثقافة المقاومة الشعبية بخطوط تآلف أعمق وأصلب. وأياً كانت مقادير التفكير الرغبوي في هذا الوجوب المطلوب، فإنه يظلّ غاية حقّ وحقيقة، من جهة أولى؛ وحصيلة أخرى إضافية، واقعية وفعلية، شهدت على ولادة مثائلها أحداث كثيرة سابقة، من جهة ثانية.

يبقى، بالطبع، ذلك الدرس التاريخي الذي لا يجوز نسيانه البتة، أو تناسيه: أنّ إدانة المجزرة، على ألسنة هيلاري كلنتون أو وليام هيغ أو لوران فابيوس أو غيدو فيسترفيله، لا تطمس حقائق مجازر أسوأ ارتكبتها بحقّ الشعوب قوى عظمى مثل أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا. لا تحجب، كذلك، وقائع سكوت هذه القوى عن، أو تواطؤها مع، جرائم حرب شتى اقترفتها إسرائيل بحقّ الفلسطينيين، وتقترفها كلّ يوم، دون رادع أو إدانة أو استنكار حتى على المستوى اللفظي. ومنذ القرن الثامن عشر كان الأسكتلندي آدم سميث، مؤسس علم الاقتصاد السياسي، هو الذي عزى تفوّق أوروبا إلى ابتكارها ثقافة العنف، وتحويل الحرب إلى علم، وإلى استثمار. وفي القرن ذاته كان جورج واشنطن، أوّل رئيس أمريكي، هو الذي قال: 'إنّ التوسيع التدريجي لمستعمراتنا كفيل بطرد الهمجيّ والذئب على حدّ سواء، فكلاهما وحش برّي وإنْ اختلفا في الهيئة'. وأمّا في أواسط القرن اللاحق، فقد كان المشرّع الهولندي هوغو غروتيوس، مؤسس القانون الدولي الحديث، هو الذي جزم دون أن يرفّ له جفن: 'أكثر الحروب عدالة هي تلك التي تُشنّ ضدّ الوحوش. وثمة بشر يشبهون الوحوش'.

أليس اتكاء الأسد الابن، وقبله الأسد الأب، على ثقافة 'الجزّار المتمدّن' هذه، هو بعض السبب في اطمئنان النظام إلى تنفيذ عشرات المجازر، منذ المشارقة وحماة وسجن تدمر، إلى إزرع وكرم الزيتون والحولة؟

=================

«مذبحة الحولة».. ولا حول!

الإثنين ٢٨ مايو ٢٠١٢

الحياة

ما أصعبَ لحظات الكتابة عندما تكون الدماءُ رخيصةً في عالم يفتقر إلى الشهامة والنخوة والإنسانية! ما أصعبَ لحظات النوم عندما تكون كل الشاشات والصفحات تحمل أخباراً دمويةً تكتظُّ بصور مجازر فظيعة تُنفَّذ ضد نساء وأطفال أبرياء، كما يفعل النظام في دمشق! حاولتُ تجميع شتات الكلمات التي تتقاطر حروفها حزناً، وتنزف دماً على أطفال سورية الذين نفّذ فيهم نظام «الشبيحة» الجمعة الماضي مجزرةً جديدةً تفوق في وحشيتها المذابح الإسرائيلية في «دير ياسين» و«صبرا وشاتيلا» و«قانا»، وفشلتُ. حاولتُ مراتٍ ومراتٍ، وفشلتُ. حاولتُ ثم حاولت، ولكنني فشلتُ. معذرةً أيها القراء، ليس في يدي قرار أو سلاح لنصرة هؤلاء الأبرياء، إلا كتابة تعابير تشبه الإنشاء.

تعلمنا مما يحدث في سورية أن لدينا طغاةً وقتلةً يتفوقون على الوحشية الإسرائيلية منذ أن اغتصبوا فلسطين وحتى يومنا هذا. تعلمنا من درس سورية أن الجامعة العربية «جيفة ميتة»، لا تعبّر عن الشعوب، ولا تملك قراراً، وليست لها قدرة على استنهاض العالم، والوقوف بقوة لمنع سفك الدماء ونصرة الأبرياء. تعلمنا أن البلاد العربية لا تكترث بقتل الأطفال، وإنْ بدتْ حزينةً، فحزنُها ليس إلا غيمةً يتيمة فوق صحراء جرداء. تعلمنا أنّ بعضنا يقتل بعضاً من أجل البقاء على كراسي السلطة، ولو كانت جدرانُ الرئاسة ملطخةً بالدماء، والناسُ يتضورون جوعاً وعطشاً لا يجدون الماء والغذاء. تعلمنا أن مَنْ صَمُّوا آذاننا بشعارات المقاومة والممانعة هم كاذبون وخائنون، بل أعداءٌ لنا، بلا استثناء. نحر للأطفال وتعذيب واغتصاب ومجازر وإبادة جماعية يقوم بها نظام «الشبيحة» حتى اغتال مفرداتِ «ماما» من أفواه الأطفال، وقتَلَ المفردات في ألسنة النساء - كل النساء - من جراء الفجيعة والمجازر الفظيعة.

ترتعش اليدُ وتعجزُ عن الكتابة عندما ترى مشاهد مفرحةً وأخرى مفزعةً تلتئم على شاشة واحدة وعلى صدر صفحة واحدة، وفي لحظة واحدة. خبر يحمل صورةً خضراءَ، وخبرٌ آخرُ يحمل ألواناً حمراء متوشحة بالدماء وأيُّ دماء؟! دماء أطفال أبرياء! لا تعلم كيف تفرح لوجه الحرية في الانتخابات المصرية والقلب ينزف في سراديق العزاء وعلى مشاهد النعوش وتلذذ «الفَجَرَة» بنحر الأطفال بالسكاكين وقتل الأمهات بدم بارد وأين؟! في سورية معقل التاريخ والسلام والوئام.

الجمعة الماضي ارتكب نظام الأسد مجزرة في الحولة في ريف حمص، انضمت إلى سلسلة المجازر السابقة في باب عمرو ودرعا وجسر الشغور، تحت أعين المراقبين الدوليين المنتشرين - كما يزعمون في سورية - وهم لا يفعلون إلا القليل الضئيل.

سحقاً لهذا العالم الفاشل، وتباً لهذه الدول العربية الواهنة التي لا تقول ولا تفعل. سحقاً للأمم المتحدة ومجلس الأمن المشرع للقتل والذبح. تباً لمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية وكل المنظمات الدولية التي تزعم بأنها تكترث للإنسان، وهي تتفرج على مشاهد القتل اليومية، وفي الوقت نفسه تتخاطب مع نظام مجرم يقتل الأطفال ويسفك الدماء. فعلاً، لقد ماتت النخوةُ والإنسانية في قلوب البشرية. من يفسر للعالم كيف تصمت الولايات المتحدة على نحر الأطفال وقتل النساء، وهي ترى المجازر في سورية منذ عام ونيف؟! سحقاً لروسيا «ربيبة البعث» والشريكة في المذابح وترخيص القتل للطغاة. تباً للصين المستبدة ومن يتعامل معها، وهي ترسل الوفود إلى دمشق، لا لمنع القتل، بل لتبريره وتسويغه كبضاعة.

يضيق التنفسُ ويتوقف النبضُ عندما ترى صور قتل الأطفال على الشاشات الإخبارية العربية والأجنبية، فيما القنوات السورية وأبواق النظام يمتدحون صمود الطاغية المُهدِر لكرامتهم والقاتل لأبناء جلدتهم. تغمض عينيك برهةً، بحثاً عن استعارة مشهد آخر يعيد الأمل فتجتاحك نوبةُ بكاء لتتذكر أن «الله يُمهِل ولا يُهمِل». كم من «حمزة» قتله هذا النظام، لكن كم من «حمزة» سيحيا في قلوب أطفال سورية من جديد.

الحل سهل أيها العالم المتواطئ والمتنافس على قتل السوريين، فقط شرعوا تسليح الجيش الوطني الحر، ليتمكن من حماية المدنيين من مخالب النظام و«بربرية الشبيحة»، حتى ينتصر لأرواح الشهداء، وإلا فسيستمر النظام في تنفيذ عمليات انتقامية ومذابح جماعية، ولن تكون مجزرة الحولة الأخيرة، لأن «البعث» لا يعرف إلا لغة العنف والوحشية عبر قتل الأطفال، وبقر بطون النساء، وشنق الرجال بلا استثناء. وعلى الشعوب العربية أن تنهض من السبات، وتنتصر للشعب السوري كيفما يشاء!!

=================

«الدولة المدنية» مؤجلة في مصر.. وممنوعة في سوريا

إياد أبو شقرا

الشرق الاوسط

28-5-2012

«بكل أمانة لست واثقا من أن للعصيان المدني أي قدر من التأثير على الحكومات، لكنني أعرف جيدا أن له تأثيره الكبير على نفسية مَن يقرر أن يمارسه».

(الممثل العالمي مارتن شين)

ردة الفعل الدولية على «مجزرة الحُولة» في ريف محافظة حمص أقل ما يُقال فيها، حتى اللحظة، أنها مدعاة للخجل. وبديهي أن مَيل المجتمع الدولي يوما بعد يوم إلى إعادة «تفسير» مهمة كوفي أنان والتعامل مع بنودها بأسلوب انتقائي وفاتر... يفضحان - إن كان ثمة ما يُفضَح - مدى التواطؤ على الشعب السوري ومصيره، والرغبة بإعطاء النظام مهلة تلو أخرى للإجهاز على ثورة الشعب. أما الثورة، التي كان طبيعيا أن تتأجج بعد سقوط حاجز الخوف، فما عاد بمقدورها التراجع حتى لو أرادت، وذلك بعدما أعلن نظام دمشق «حربا مفتوحة» على الشعب تتعمد الوصول إلى وضع يدفع الجميع دفعا نحو التقسيم.

هنا نحن أمام وضع ينم عن أن السوريين ممنوعون دوليا من أن يعيشوا في ظل «دولة مدنية» تحل محل «إقطاع» عائلي استخباراتي، لا يفهم ممارسة السياسة إلا عبر القمع والابتزاز، بل يعجز عن التغيير مهما كان محدودا.. ولو لإنقاذ نفسه. ذلك أن الصدق في التعامل مع النفس ومع الآخرين معدوم، والنظرة إلى السياسة لا تقيم وزنا لأي حق إنساني ناهيك من الحقوق السياسية. وبالتالي، فتوقع التغيير من داخل النظام مستحيل. والانتخابات البرلمانية - المهزلة التي أجراها من دون أن يعطلها مندس أو «شبيح»، أسفرت عن دخول البرلمان الجديد عدد من «الشبيحة» المعروفين جيدا. أيضا أدخلت إلى البرلمان الجديد بعض العناصر الاستخباراتية التي صنعها النظام لتكون «معارضة» زورا منذ بعض الوقت، واختلق لبعضها تنظيمات بأسماء براقة... واستخدمها ولا يزال يستخدمها كوجوه «معارضة» موكلة بالسفر إلى العواصم الخارجية للتحريض على المعارضة الحقيقية والتشكيك بمواقفها، وخلق البلبلة إزاء كل استحقاق سياسي.

أما في مصر، فقد بينت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية أن لا مقومات حتى الآن لقيام «الدولة المدنية». فمستوى الوعي السياسي، على مستويي الناخب العادي والناشط السياسي، ما زال بعيدا عن استيعاب البُعدين المطلبي والجبهوي - الشعبي للخيارات السياسية الواقعية المسؤولة. وكان أبرز الأدلة على ذلك:

- ضبابية استطلاعات الرأي والتخمينات السائدة قبل يوم الانتخاب حيال فرص المرشحين، لدرجة أن المناظرة التلفزيونية الوحيدة كانت بين المرشحين الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى... اللذين احتلا في الانتخابات المركزين الرابع والخامس.

- علنا على الأقل، الجهل بخلفية الدعم الذي ينطلق الفريق أحمد شفيق منه، وإغفال حقيقة كونه مرشح «حزب السلطة» الفعلي، الذي هو الجيش والمؤسسة الأمنية في البلاد.

- قلة التنبه إلى عمق قلق كتلة الاعتراض القبطي من مشروع الاستحواذ الإسلامي، ولا سيما في الصعيد، إذ ذهبت أصواتها - كما أشارت التقديرات غير الرسمية - إلى أحمد شفيق بنسبة 70 في المائة. وفي هذا دليل قاطع ومقلق على خوف قبطي مبرر من هيمنة الإسلاميين على مفاصل القرار السياسي، تشريعا وتنفيذا، منذ الانتخابات البرلمانية.

- أوهام الليبراليين الوسطيين واليمينيين المؤيدين للثورة إزاء الحجم الحقيقي لشخصيات مثل السيد عمرو موسى، أيفتقرون إلى أي قاعدة شعبية أو تنظيمية راسخة؟

- عجز التيارين العروبي واليساري المدنيين عن التوحد خلف مرشح واحد، مع أن موقف «شباب الثورة» الحاسم في دعم حمدين صباحي أعطى صباحي، ولو متأخرا، «قوة دفع» كانت على الأرجح ستزداد على حساب منافسيه من التيار الواحد لو كانت فترة الحملة الانتخابية أطول.

في أي حال، من وجهة نظر الداعين إلى «الدولة المدنية» يجب القول إن انحصار التنافس بين الدكتور محمد مرسي مرشح «الإسلاميين» وأحمد شفيق مرشح «المؤسسة العسكرية» والمستفيدين منها... هو «السيناريو» الأسوأ. وهو وفق أدبياتهم يضعهم أمام خيارين أحلاهما مر، بين رمز ل«الأصوليين» ورمز ل«الفلوليين».

ومن ثم، على أصحاب مشروع «الدولة المدنية»، الذين كانوا صاعق تفجير ثورة يناير (كانون الثاني) ووقودها، اتخاذ القرار الصعب خلال الأيام المقبلة قبل جولة الحسم إذا ثُبِّتت نتائج الجولة الأولى. وفي اعتقادي، كمراقب، أنه ربما يكون من مصلحتهم على المدى البعيد مقاطعة التصويت، وترك كل طرف يتحمل مسؤولياته. فإذا كان الهدف الوحيد من دعم الفريق شفيق، الحؤول دون هيمنة الإسلاميين على السلطة، سيشكل نسفا عمليا للثورة وخيانة لمن فجروها، فإن تأييد مرسي سيحملهم تبعات سياسة عقائدية لا سيطرة لهم عليها، ولا طاقة لهم باحتوائها حتى لو أسند لممثليهم مواقع بارزة في هرم الدولة.

سوريا ومصر تستحقان الحصول على فرصة للعودة إلى تبوؤ المكانة التي تليق بهما على المسرح الإقليمي. وفي الوقت نفسه من مصلحة المنطقة ذاتها أن تستعيد سوريا ومصر، بكل عمقهما الحضاري وثرائهما الفكري، حضورهما فيها، بعدما جعلت الديكتاتورية من سوريا بؤرة توتر وابتزاز طيلة أكثر من أربعة عقود، وحرمت الخيارات السياسية الخاطئة مصر لفترة طويلة من التفاعل إيجابيا مع محيطها... وصولا إلى فقدانها دورها الطليعي فيه.

لقد مارس النظام السوري، في جيلي الأسدين الأب والابن، ألاعيب المزايدة والمقايضة والتعطيل والتفجير على مستوى محيطه... وخدمه الحظ لفترة لا بأس بها في تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج. غير أن حافظ الأسد في أواخر أيامه تغير كثيرا، وفقد القدرة على التحكم بخيوط اللعبة. وعندما تولى بشار الأسد الرئاسة عجل، من حيث يدري ولا يدري، بتسليم معظم تلك الخيوط للقيادة الإيرانية. واليوم، ما عاد ممكنا البحث في مخرج لنظام دمشق بمعزل عن تحديد موقع طهران في الخريطة السياسية للشرق الأوسط.

أما مصر، فخاضت تجربة الناصرية باسم الوحدة العربية على حساب البُعد الإسلامي فنجحت في مواضع وسقطت في مواضع... كان أبرزها «عسكرة» الدولة وجهازها بعيدا عن المجتمع المدني. وجاءت التجربة الساداتية وكامب ديفيد، فأسقط أنور السادات الخيار العربي واستعاض عنه بالبديل الكياني «المصري» وإضفاء نكهة إسلامية مفتعلة عليه مع «الرئيس المؤمن»، وهنا حاولت الساداتية امتطاء النمر.. فالتهمها النمر في خريف 1981. وفي فترة حسني مبارك كانت هناك محاولة يائسة لجمع «شرعيتي» التجربتين السابقتين من دون عيوبهما، ولكن الترهل وهاجس التوريث قادا الحكم إلى طريق مسدود. فلا هو نجح باستعادة نفوذ مصر العربي، ولا تمكن من حل مشكلات مصر المعيشية البنيوية، ولا استطاع احتواء التهديد السياسي الإسلامي لوجوده. وبالنتيجة، عندما هبت نسائم «الربيع العربي» اكتشف مبارك متأخرا أن حكم العائلة لا يعني في حد ذاته شيئا لا لواشنطن ولا لتل أبيب. بل مثلما كانت مفيدة التضحية بالسادات للإبقاء على الساداتية... كان ضروريا إبعاد مبارك للمحافظة على مصر المهادِنة والضعيفة التي قادها لبضعة عقود.

أين نحن الآن في هذه اللحظات الحرجة؟

نحن، بكل بساطة وألم، أمام سوريا ممنوعة من بناء «دولتها المدنية»... ومصر تسير ببطء شديد نحو «الدولة المدنية» على طريقة التجربة والخطأ.

=================

هل يخرج الأسد بالطريقة اليمنية؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

28-5-2012

كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مباحثات أميركية - روسية لتطبيق الحل اليمني في سوريا، وذلك على أمل خروج بشار الأسد من الحكم على طريقة صالح اليمن، وتقول الصحيفة الأميركية إنه لا شيء مؤكد، لكن رد الفعل الروسي يعطي مؤشرات إيجابية نوعا ما.

والسؤال هو: هل يمكن أن تنجح الطريقة اليمنية في سوريا؟ الإجابة هي أنه أمر صعب، لعدة أسباب؛ فما يحدث اليوم في سوريا فاق كل ما حدث في اليمن، بل لا مقارنة، ففي سوريا تجاوز عدد القتلى من الشعب على يد النظام الأسدي عدد الأثني عشر ألفا، فضلا عن المفقودين. وعليه، فمن سيتحمل مسؤولية كل تلك الدماء؟ فمجرد انفضاح أمر التفاوض بين الروس والأسد على خطة خروج لن يوتر الشارع السوري الثائر وحسب، بل إنه سيفجر أعصاب الدوائر المحيطة بالأسد. ونحن لا نتحدث هنا عن الدوائر الضيقة، وإنما القوات الأمنية، بكل قياداتها، وضباطها، فهم المتورطون الأساسيون بالقتل، وكذلك الشبيحة، وبعض من رجال الأعمال، فكيف سيكون حال كل هؤلاء بعد الأسد؟ ففي الحالة السورية نحن لا نتحدث عن أبناء الرئيس، وأبناء إخوته، على غرار اليمن، بل عن أعداد لا يستهان بها من القيادات العسكرية، على المستويات كافة، ما بين مائة إلى مائة وخمسين ألفا، على أقل تقدير، وهم من المتورطين بالدماء السورية، وجلهم أبناء طائفة واحدة، فكيف سيكون رد فعلهم على خروج الأسد بحصانة من الصعب أن تمنح لهم جميعا؟ فهل يقبلون خروج الأسد ليواجهوا هم مصيرهم غير المعلوم؟

ومن هنا، فإن مجرد الكشف عن مفاوضات جادة بين الروس والأسد من أجل خروجه قد يعجل بعملية انقلاب عسكري، حيث سيفضل حماة الأسد اليوم أن يتغدوا به قبل أن يتعشى بهم الثوار. ولذا فقد كنا نقول مرارا وتكرارا إن التأخير في حل الأزمة السورية سيجعل ثمن الحل هناك مكلفا، فمن تلطخت أيديهم بالدماء السورية من أعوان الأسد كثر، وأكبر من أن تشملهم حصانة. وعليه، فإن توقع حل يمني في سوريا الآن أمر صعب، وإن كان خروج الأسد بحد ذاته أمرا إيجابيا.

وعليه، فالتعقيد ليس متعلقا فقط بدوائر الأسد، القريبة والبعيدة، بل لا بد أن يؤخذ في الحسبان الموقف الإيراني، ومعه حزب الله، ففي حال كان المشروع الأميركي - الروسي جادا، فقد تسرّع إيران، ومعها «الحزب»، من عملية انقلابية سريعة في سوريا، فطهران تطمع أن يكون لها يد في أي تغيير بسوريا، وذلك حماية لمصالحها، ومصالح حزب الله، وقد تفعل إيران ذلك خصوصا إذا تأكدت أن لحظة خروج الأسد باتت جدية أكثر من أي وقت مضى. وقد يقول قائل: من الممكن أيضا أن تساهم روسيا نفسها بترتيب انقلاب من هذا النوع، مع الإيرانيين، وكبار الضباط العلويين؟ والإجابة هي أن كل شيء ممكن، وخصوصا أن جميع حلفاء الأسد اليوم أدركوا أنه بمثابة الورطة لهم.

ولذا، فمن المهم ألا تكون هذه المبادرات مجرد مهل جديدة للأسد، ويجب التفكير فيها بعناية، مع استمرار العمل الجاد لإسقاط الأسد، إنقاذا لسوريا والسوريين، والمنطقة برمتها.

================

مجزرة الحولة.. أي بؤس ارتكبها؟

حازم مبيضين

الرأي الاردنية

28-5-2012

تدعونا دماء الأطفال الأبرياء, التي أريقت في مجزرة الحولة في ريف حمص, لمراجعة مواقفنا من كل ما يجري على الأرض السورية, وإذا كان طرفا الصراع تبادلا الاتهامات بارتكاب المجزرة المروعة, فان مراقباً محايداً هو رئيس بعثة المراقبين الدوليين, أكد استخدام مدفعية الدبابات في قصف المدينة, التي فقدت نتيجة المجزرة البشعة أكثر من 114 مواطناً, بينهم حوالي الثلاثين لم تتعد أعمارهم العاشرة, وغني عن القول إن معارضي النظام لا يمتلكون دبابات ولا مدفعيه.

صحيح أن الظروف التي ادت الى هذه المأساة المشينة ما تزال غير واضحة، لكن الذي ارتكبها كائناً من كان يستحق أشد العقوبات, قبل أي تفكير بحل سلمي, فدماء أطفال الحولة أغلى كثيراً من موقع الرئيس, ومن حكم حزب البعث, وأثمن ملايين المرات من طموحات المعارضين, ومن أي أفكار ظلامية قد تكون وراء المجزرة, وهي تسعى لتحويل الاحتجاجات التي بدأت سلمية, إلى حرب أهلية منغلقة على الإنتماء الطائفي دون غيره.

سوريه بعد الحولة هي غير ما قبلها, فالمجلس الوطني المعارض دعا مجلس الأمن الدولي إلى عقد اجتماع فوري, واتخاذ القرارات الواجبة لحماية الشعب السوري, بما في ذلك تحت الفصل السابع, والتي تتيح حماية المواطنين من جرائم النظام باستخدام القوة, والجيش السوري الحر أعلن وقف التزامه بخطة عنان، اذا لم يتحرك مجلس الأمن بسرعة لحماية المدنيين، وشدد أن لا مبادرات ولا فرص ولا حلول سياسية بعد اليوم، لأن ما يحدث على الارض, وتحت أنظار المراقبين الدوليين, دليل قاطع على وفاة خطة عنان, وتأكيد على أن النظام القائم لا يفهم سوى لغة القوة والعنف.

هل يكفي إذاً أن يكون رد الفعل النهائي, من الأمين العام للأمم المتحدة, والموفد الدولي عنان, هو اعتبار أن مجزرة الحولة تشكل انتهاكاً صارخاً ورهيباً للقانون الدولي, والاتصال ببرهان غليون للتنديد بالجريمة النكراء, أو التوقف عند مطالبة وزير الخارجية البريطاني برد دولي قوي, أو الاكتفاء عربياً بالتظاهرة الكويتية أمام السفارة السورية في الكويت, والمطالبة بتسليح الجيش السوري الحر, أو اللجوء الى الصمت بعد مطالبة الإمارات العربية المتحدة, بعقد اجتماع عاجل لجامعة الدول العربية لمناقشة المجزرة, أو القبول بإدانة دول مجلس التعاون الخليجي الجريمة, واتهام قوات النظام بارتكابها, أم ان هناك فعلاً آخر يتوجب اللجوء إليه.

على الذين أدانوا وشجبوا إمعان النظر في الصور المروعة, وملاحظة أن اللون الأحمر الذي يصبغها, لايتعلق بملابس الأطفال القتلى, وإنما بالدماء التي نزفت من أجسادهم الغضة, وإن كان متاحاً التدقيق في نظرات الرعب التي تحجرت في المآقي, ومقارنتها بعيون أطفالهم التي تغفو بوداعة, عل ذلك يحرك فينا جميعاً نخوةً انسانيةً, تتكاتف لوقف نزيف الدم السوري, وعلينا جميعاً أن نصم آذاننا عن الاتهامات المتبادلة بين النظام ومعارضيه, وأن نفتش عن الحقيقة بكل قسوتها, لينال المجرم الجزاء الذي يستحق.

لأهل الحولة وكل عائلات الشهداء في سورية, خالص العزاء والتضامن مع مصيبتهم, واللعنة على مرتكب المجزرة الحاقدة, التي أودت بأرواح الابرياء, وهي ما زالت تتنقل بين المدن السورية, لتزرع حقداً أسود سيعود بالخزي والعار, على الذين يغذونه بدماء الأطفال والنساء والشيوخ, وسيظل أملنا كبيراً, بأن تتغلب الوطنية السورية الجامعة على كل ماعداها, من دعوات طائفية, لم تعد تكتفي بالكلام, وتعدت إلى الدم الذي سيلون ليالي مطلقيها بالقلق.

وبعد, سوريه اليوم بحاجة إلى عقلاء حازمين, يوقفون النزيف, ويضعون خطواتها على الدرب المفضي إلى تحقيق آمال السوريين في حياة حرة كريمة وآمنة.

=================

نعي الإنسانية والضمير

طلال آل الشيخ

الوطن السعودية

28-5-2012

أطفال دون سن العاشرة يقتلون بالسكاكين، وقذائف الدبابات، شيوخ ونساء يذبحون وتقطع أطرافهم، مئات المنازل تهدم وآلاف الفقراء والمساكين يزحفون في كل الاتجاهات بحثاً عن منطقة تجنبهم قذائف الدبابات وفوهات المدافع الآلية التي تخرج في الثانية مئات القذائف القاتلة، وتصطادهم في الشوارع والأزقة، والعالم كله يقف متفرجاً وكأن إنسانيته انتزعت وأصبح بلا ضمير! كل ما يفعله العالم ومؤسساته المسؤولة عن حقوق الإنسان، هو الاستمرار في إصدار إدانات خجولة هنا وهناك، فشلت في توفير بعض الهدوء والأمان للسوريين منذ أكثر من عام، ولم تمنع عنهم القتل والرصاص الذي يحاصرهم في كل اتجاه، ولا حتى الظلم المستمر منذ عشرات السنوات.

مجزرة الحولة التي راح ضحيتها أكثر من92 شخصاً بينهم 32 طفلا دون سن العاشرة، لم تكن الأولى في سورية ولن تكون الأخيرة، فالجرائم ممتدة منذ مجزرة سجن تدمر في يونيو 1980 التي راح ضحيتها آلاف المعتقلين السياسيين، ثم مجزرة "حماة" في فبراير عام 1982م، التي استمرت 27 يوماً، وحصدت أرواح أكثر من 20 ألف سوري من الأطفال والشيوخ والنساء، وكان يتفاخر حينها نائب الرئيس رفعت "الفاسد" الذي منح هذا المنصب مكافأة على قتله أكثر من 38 ألف سوري في حماة، وفي العهد القريب كانت مجزرة سجن "صيدنايا" العسكري في يوليو 2008م، إثر عصيان مسلح قام به معتقلون، راح ضحيته العشرات من السجناء وحراس السجن، ولا تزال أحداث مجزرة القامشلي عالقة في الذهن، والتي وقعت في مارس عام 2004 م، وأدت إلى مقتل العشرات من الأكراد، ولا يزال السوريون يتوقعون المزيد من المجازر في كل يوم وكل ساعة وكل لحظة، فالآليات العسكرية تجوب المدن والقرى والأرياف بحثاً عن موقع مجزرة جديدة، والطائرات المحملة بالذخائر لا تزال تحلق فوق المنازل، والدبابات المتعطشة للقتل والدمار لا تزال تقف في مداخل الشوارع ومخارجها، والعالم لا يزال مختلفاً في كيفية حماية أطفال ونساء وشيوخ سورية، ربما ينتظر أن يقل عددهم حتى يسهل توفير أماكن يلجؤون إليها دون تكاليف مادية باهظة، أو أن تكرار المجازر في سورية واستمرارها أصبح مألوفاً لا يثير هرمونات التعاطف الإنساني في شعوب العالم.

واقع محزن ومشاهد مؤلمة تخيم على سورية منذ أكثر من عام، ولا يتفاعل معها العالم إلا كمادة إعلامية تملأ شاشات التلفاز وصفحات الصحف اليومية، فهل هذا زمان نعي الضمير والإنسانية والاعتراف بشريعة الغاب؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ