ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 24/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

انتفاضة دمشق وحلب.. النظام يضطرب

الثورة هي الأدرى والأقدر على إدارة معركتها الداخلية والتعامل مع الأرض والديمغرافية الوطنية

مهنا الحبيل

المدينة

الأربعاء 23/05/2012

مع كل سيناريو الانتصار الذاتي الذي تحققه الثورة وتحدثنا عنه في الدراسات السابقة كحقائق على الطبيعة، يغفل عنها الرأيُ العام لبشاعة المجازر إلا أنّ التطور الأخير بالانضمام النهائي لحلب ودمشق للثورة يعطي منعطفًا مركزيا مهمًا في دلالته وخطيرًا على مستقبل النظام، فما بين مساء الثالث وصبيحة الرابع من مايو الجاري جرى في المدينتين حدثان مركزيان نوعيان لمسيرة مشاركتهما في الثورة، ففي أقل من أربعٍ وعشرين ساعة واجهت جامعة حلب مركز الثورة في الشهباء هجومًا عسكريًا مكثفًا من كتائب النظام أردف ليلًا بمظاهرات مكثفة تضامنًا مع الطلاب، وقد جاء الهجوم عبر سلسلةٍ مترادفة ومتوالية من الارتفاع التدريجي لشراكة حلب انتهى إلى أنّها الآن باتت تنافس عواصم الثورة في الفعاليات والفداء.

وفي الصفحة الأخرى المهمة جدًا لمسيرة الثورة ولحرب النظام الشرسة للمحافظة على أسر المدينتين عبر وحشية الشبيحة من جهة وجزرة تحالفه مع البرجوازيين المغموس بلغته التهديدية في برنامج رامي مخلوف، هذه الصفحة جاءت عبر حي القابون الدمشقي بعد سلسلة من المداهمات والمظاهرات للعاصمة واجتياح مشاعر التضامن والاحتجاج المدني التي تنقّلت في أحياءِ دمشق ولم تعد برامج الاستهلاك لوعاظ النظام كالبوطي وغيره تُمثل أيَّ رادعٍ لمصلحة الأسد إنما باتت رافعةً لإسقاط هذه النسخ من علماء الاستبداد.

وهنا يجب أن نتوقف عند شكل الاستباحة والهجوم الذي تعرض له حي القابون الدمشقي.. لماذا؟.

السرُ هنا أنّ أنموذج هذا الهجوم أخذ النسخةَ الحمصية ذات الفداء الأسطوري، هنا يبرز لنا حجمُ اضطراب النظام من داخله في مقابل صعود المواجهة الدمشقية وتطورها، وخسارته الاستراتيجية بإعلان الحرب الشاملة في حلب ودمشق بذات حربه على مدن وعواصم الثورة، هذا المقياس الدقيق لتقدم دمشق وهستيريا النظام يُعزز قطعًا حركة صعود الثورة وفشل دورة المذابح الأشنع في التاريخ المعاصر من تأخير زحفها لتحقيق مشروع التحرير الكبير.

فماذا لو أضفنا عملية مطار المزة العسكري، وماذا لو أدرجنا تحولات منطقة ريف دمشق كحزام عسكري للجيش الحر ينفذ عمليات نوعية في دمشق ضد مواقع النظام العسكرية وفرق الشبيحة..؟، إذن هذا الصعود يحملُ بعدًا تدريجيًا مختلفًا لإنهاك النظام وصعود الثورة، وقد أعلنت الثورة معادلةً جديدة أمام النظام.. دمشق وحلب تتقدمان في مواجهة الداعمتين لصمود النظام طهران وتل أبيب، وليس هناك شك بأن قوة الاختراق الداخلية للثورة أقوى من أي دعم خارجي للنظام.

مفصل السلاح

خلال الأسابيع الماضية صعدت حركة الانشقاقات لمستوى أعداد وقطاعات جديدة قياسية في مسيرة الثورة وخاصةً انضمام بعض الضباط العلويين للجيش الحر ودلالته العميقة، ومع مشروعية الاستفادة من كل تقاطعٍ عربي وخليجي خصوصًا لدعم الثورة عبر الإغاثة والتسليح، إلاّ أنّ المطلوب من العمق الشعبي العربي والإسلامي ألا ينتظر التأخر والتردد غير المبرر من أنقرة بالذات، وهنا ما أقصده بوضوح الدخول مباشرة لتأمين السلاح للمقاومة السورية ولكن مع اعتماد آلية إيصال مباشر لممثلي الجيش الحر والمجلس العسكري ولا يضر بعض الاختلاف السياسي حيث أعلنا وحدة خطتهما العسكرية، وكذلك رفع معيار الحذر من عدم فسح أي مجال لتشكيلات منفصلة ومؤسسة على أي أساس مختلف عن قواعد الثورة السورية ووحدتها الداخلية بين الحراك الثوري والجيش الحر.

وتجدر الإشارة هنا إلى موقف الثورة الليبية الرائع من مبادرة التسليح وكذلك التأكيد على الأطراف الشعبية والعلمية العربية مواصلة التحذير والجزم بمنع أيّ متطوعٍ للدخول إلى سوريا وترك المهمة التي أكدت كل المصادر السورية أنها بحاجة إلى سلاحٍ ودعم عسكري عربي لا أفرادٍ متطوعين تخترقهم مخابرات النظام وتصنع منهم قاعدة مزعومة أو ملغومة، فالثورة هي الأدرى والأقدرُ على إدارة معركتها الداخلية والتعامل مع الأرض والديمغرافية الوطنية بعيدًا عن أي تطرف أو اجتهاد أحمق تستثمره إيران والنظام ضد الثورة، ووصول حالةَ النفير الشبابي في الداخل السوري لأعلى مستوياته حقق توازنًا استراتيجيًا لمصلحة الثورة، والمهمة باتت بكل جزم قوة الأرض والسلاح هي التي بعون الله ستحسم الميدان.

=================

خطة عنان.. ثم ماذا؟!

لا تحرص القوى الكبرى في مجملها كثيرًا على خلع الأسد، بل إن كل ما يحدث يشي بحرصها على بقائه

أ. د. محمد خضر عريف

الأربعاء 23/05/2012

المدينة

لا يمكن لعاقل أن يصدق أن ما يجري كل يوم من تقتيل وتشريد وتعذيب للشعب السوري من قبل حكامه على مرأى ومسمع من المراقبين الدوليين، ومرأى ومسمع من العالم كله، لا يمكن لعاقل أن يصدق أن كل هذا يحدث دون مباركة من قوى دولية كبرى وحماية منها لظَهر حاكم سورية وزبانيته، ولولا هذه المباركة وهذه الحماية لما تمادى نظام الحكم في سورية في تقتيل شعبه بل وإبادته كما نرى كل يوم.

ولو لم تَصْدُق هذه النظرية - كما يذهب إليه البعض - فإن تحركات مجلس الأمن وخطة عنان المزعومة ليس لها ما يتبعها من إجراءات، فإن اكتملت أعداد المراقبين ووصلت إلى ثلاثمائة أو حتى لثلاثة آلاف، واستمر الأسد وعصاباته في التقتيل والتنكيل بل والتعرض للمراقبين أنفسهم كما حدث مؤخرًا، ورفع المراقبون تقاريرهم بهذا الشأن، فماذا سيحدث بعدها، سوى إطلاق التحذيرات الجوفاء والإعلان عن المزيد من العقوبات التي لا تؤثر في هذا الحكم على الإطلاق وتؤثر في الشعب السوري المنكوب وتزيده بلاء على بلاء.

وباختصار شديد: لا تحرص القوى الكبرى في مجملها كثيرًا على خلع الأسد، بل إن كل ما يحدث يشي بحرصها على بقائه لأسباب عدة: أولها أمن إسرائيل فلن تجد أمريكا والغرب كله حارسًا أمينًا للحدود الإسرائيلية الجنوبية مثل بشار الأسد الذي خَلَف أباه في الحراسة، وهو أمر يعرفه الجميع وليس سرا يعلن أو لا يعلن، وقد صرح به أحد كبار المسؤولين في حكومة الأسد الذي أكد أن أمن إسرائيل مرتبط بأمن النظام في سوريا، كما أن الأسد أجرى تجربة صغيرة أمام الإسرائيليين حين ترك المجال لبعض السوريين للوصول إلى الجولان فحدثت فوضى عارمة، وكان ذلك في بدايات الثورة السورية، وكانت تلك رسالة مباشرة لإسرائيل وأمريكا بأن سقوط الأسد معناه فتح الباب أمام الجميع للدخول إلى الجولان، الجولان الذي يعتبر اليوم أكثر مناطق إسرائيل أمنًا على الإطلاق بفضل جهود الأسد ونظامه، هذا النظام الذي طالما ادعى أنه يمثل المقاومة والممانعة، ونحمد الله أن كشف أوراقه كلها وكشف سوءاته أمام الشرق والغرب، ومن اللافت أن كبار المسؤولين في إسرائيل حين سئلوا عن رأيهم في الأسد قالوا: «عدو تعرفه خير من عدو لا تعرفه»، وربما تكون صحة العبارة: «صديق تعرفه خير من عدو لا تعرفه»، فقد جربت إسرائيل بشارًا وحافظًا على مدى أربعين سنة أو يزيد، فكان بشار مبشرًا لها بالأمن والاستقرار.

وكان حافظ محافظًا على حدودها من أن تخترق، فكيف تأمن إسرائيل مكر من يمكن أن يحل محل بشار كائنًا من كان؟ إذ لا يمكن أن يتكرر في التاريخ كله من يحقق ويضمن مصالح إسرائيل على حساب نكبة ونكسة شعبه كبشار وحافظ.

وباختصار شديد أيضًا: هذه المهلة تلو المهلة، وهذه المماطلة تلو المماطلة، ليست إلا لإعطاء النظام الحاكم أطول مدة ممكنة لتصفية ما استطاع من معارضيه، حتى لو كان هؤلاء نصف الشعب السوري، يضاف إليهم من شردوا منهم وهجروا.

وعليه، يمكن للنظام أن يفرض سيطرته بالقوة على من تبقى من الشعب السوري الذي يمكن أن يُرهب ويَتعب من المقاومة في يوم ما. وليس هذا فقط، بل إن الأسد لو بقي في الحكم - بعد أن يبيد كل معارضيه - ستفرض عليه القوى الكبرى الشروط التي تريدها، وسيكون أولها: التخلي عن الجولان وتوقيع اتفاقية دائمة مع إسرائيل وطرد كل فصائل المقاومة، وكل تلك الشروط سيقبل بها الأسد دون أدنى شك، ولا يمكن للقوى الكبرى أن تسمح بتكرار ما حدث في مصر وليبيا وتونس وبأن يصل الإسلاميون لسدة الحكم في سوريا، كما أن بقاء الأسد بالنسبة لهم يقوي شوكة إيران، وسقوطه سيسقط هيمنتها وعدوانها.

وعلى كل الأحوال، فإن الحسابات هذه كلها لن تصدق إذا كان التغيير قادمًا من الداخل، وهو قادم لا محالة إن شاء الله، ولينصرن الله من ينصره.

=================

لماذا تفشل خطة عنان في سوريا؟

جمال قارصلي

التاريخ: 23 مايو 2012

البيان

الأزمة السورية تزداد كل يوم خطورة وتعقيدا، ونهايتها تزداد بعدا وغموضا، رغم أن مجلس الأمن بقراره رقم 2043، ينص على رفع عدد المراقبين الدوليين لدعم خطة عنان المؤلفة من ست نقاط لحل الأزمة السورية إلى 300 مراقب. والخطة التي أصبحت محط أنظار العالم، تعتبر في نظر الكثيرين الفرصة الأخيرة لحل الأزمة السورية سلميا، لكنها تبدو محكوما عليها بالفشل لأسباب كثيرة.

فمن خلال التجربة التي عشناها أثناء إرسال المراقبين العرب إلى سوريا بناء على قرارات جامعة الدول العربية، أثبتت السلطة السورية قدرتها على المناوارة والمماطلة والدخول في أدق التفاصيل، وبواسطتها استطاعت أن تختزل كل الاتفاق مع الجامعة العربية بموضوع المراقبين، وجعلت هذه النقطة أهم النقاط الخمس التي تم الاتفاق عليها.

تبنت السلطة منذ بداية الثورة في سوريا الحل العسكري الأمني لإخماد هذه الثورة، معيدة بذلك إلى الأذهان ما قامت به في ثمانينات القرن الماضي في حماة وحلب ومدن سورية أخرى. وهي لم تظهر في تعاملها مع هذه الأزمة أي نوع من المرونة، ولم تأخذ العبرة مما حصل في تونس ومصر وليبيا وكذلك اليمن.

يدعي أركان السلطة أنها تريد الحوار، ولكنها في الحقيقة تخاف منه كما يخاف الشيطان من المعوذات. ولذلك فهي تريد أن تحاور نفسها، أو أن تحاور معارضة صورية قد صنعتها من أجل هذا الغرض.

وأهم شروط الحوار هو اعتراف أطراف الحوار بعضها ببعض، فكيف تستطيع السلطة أن تحاور شيئا لا تعترف بوجوده؟ وفي العادة يتم الحوار بين طرفين متكافئين، وله أهداف واضحة وبرنامج عمل تلتزم به كل الأطراف المتحاورة، ويجب أن لا يكون الحوار من أجل الحوار فقط، بل يجب ان يكون لدى المتحاورين الصلاحيات الكافية للاتفاق والتنازل والعمل على كسب ثقة الطرف الآخر.

السلطة السورية لم تفعل أي شيء من هذا القبيل، وأغلب ما تقوم به السلطة السورية من أعمال "إصلاحية" يأتي بنتيجة معاكسة. وبمباركتها ودعمها تشكلت مجموعات مسلحة للدفاع عن السلطة، مثل "الشبيحة" وغيرهم، يتم تمويلهم من قبل بعض رجال الأعمال في سوريا.

وفي المقابل تشكلت مجموعات مسلحة من الحركة الثورية إلى جانب الجيش السوري الحر، ويتم تمويلهم من دول خارجية، وأغلب هذه المجموعات المسلحة أصبحت تعمل بشكل مستقل، ولا توجد لها سلطة مركزية تسيطر عليها، ولهذا أصبح الالتزام بقرارات وقف إطلاق النار صعبا للغاية.

التدخل في الشؤون السورية الداخلية من طرف دول أخرى، أصبح يمس سيادة البلاد الوطنية، وهنالك دول أصبحت تصفي حساباتها على الأرض السورية كما كان يحصل سابقا في لبنان والعراق، مما جعل عملية الاتفاق على الحل السلمي أكثر تعقيدا، وعلى طريقة المثل القائل "كثرة الطباخين تحرق الطبخة".

كما أن بعض دول الجوار تتمنى للجيش السوري المصير الذي وصل إليه الجيش العراقي بعد سقوط بغداد، أي أن يكون جيشا ضعيفا ممزقا أو محلولا ولا حول ولا قوة له. أما الكيان الصهيوني فيخاف من انتصار الثورة السورية، لأنه يعلم أن أول مطالب الحكومة الجديدة بعد انتصار الثورة، سيكون تحرير الجولان المحتل وإعادته إلى حضن الوطن الأم سوريا.

التدخل العسكري الخارجي، وخاصة غير العربي، سيؤدي إلى حرب أهلية طويلة الأمد، لأن هذا التدخل سيقابل بمقاومة شعبية شرسة، وخاصة من أتباع السلطة الحالية والمتنفذين في الدولة وبعض القوى الإسلامية المتطرفة، التي ستجد على الأرض السورية مرتعا خصبا لتصفية حساباتها مع بعض القوى العالمية، كما حصل في العراق واليمن وما يحصل الآن في أفغانستان.

إذاً، ما الإمكانيات الموجودة للوصول إلى حل سلمي للأزمة السورية؟

من الواضح أن السوريين لا يستطيعون وحدهم حل مشاكلهم للأسباب التي ذكرناها سابقا، وهذا يُعَرِّضْ كل الأطراف المتنازعة للابتزاز من قبل قوى خارجية، رغم أن كل أطراف الأزمة السورية متفقة على ضرورة الإصلاح والتحول الديمقراطي.

هنا تقع مسؤولية كبيرة على أصدقاء سوريا، وخاصة الدول التي تدعم السلطة عسكريا وسياسيا واقتصاديا، مثل روسيا وإيران والصين. هذه الدول تستطيع ان تنصح السلطة في سوريا وحتى تضغط عليها لتطبيق خطة عنان كاملة وبكل نقاطها الست، والابتعاد عن المراوغة والمماطلة، لأن ضياع الوقت ليس لمصلحة السلطة ولا لمصلحة المجتمع السوري بشكل عام.

وفي مقابل ذلك تقوم الأطراف الداعمة لتكتلات المعارضة، مثل تركيا ودول الخليج وأميركا وبعض الدول الأوروبية، بإقناع أصدقائها بالتحلي بالمرونة والاستعداد للتنازل في بعض الأمور، من أجل الوصول إلى حل يرضي أغلبية المجتمع السوري وينقذ سوريا، والمنطقة كلها، من كارثة تتربص بها.

أكثر أوراق الأزمة السورية في يد السلطة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية الذي يستطيع أن يقدم تضحيات أكثر من غيره من أجل حماية الوطن من آفة الحرب الأهلية، حتى لو كلفه ذلك التنازل عن منصب الرئاسة كما حصل في اليمن. الاتفاق المنشود يحتاج إلى حوار جاد ونابع من إرادة حقيقية، وعلى كل الأطراف أن تكون على قدر هذه المسؤولية التاريخية وتضع مصير ومستقبل الوطن والمنطقة في أعلى أولوياتها.

=================

مشكلة النظام السوري ليست مع طرابلس..

خير الله خير الله

المستقبل

23-5-2012

مشكلة النظام السوري ليست مع لبنان ولا مع شمال لبنان ولا مع مدينة طرابلس بالذات. في اساس مشكلة طرابلس مشكلة النظام السوري مع الشعب السوري أوّلا وأخيراً. هذا ما ينساه النظام السوري يوميا رافضا الاعتراف بأنّه يواجه ثورة شعبية حقيقية هي أمّ الثورات العربية في العصر الحديث.

ما لا يفهمه النظام السوري، انه لا يمكن تجاوز المشكلة القائمة مع شعبه عن طريق افتعال ازمات خارجية، بما في ذلك الهرب الى طرابلس المدينة التي ترمز الى الاعتدال والعروبة الحضارية المتمثلة في العيش المشترك بين اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب قبل اي شيء آخر.

يمثّل الهرب الى طرابلس، على غرار ارسال فلسطينيين في اتجاه الاراضي الاردنية، ذروة الافلاس لدى النظام السوري الذي يحاول تصوير طرابلس، ثاني اكبر مدينة في لبنان، بأنها وكر ل"القاعدة" ولتنظيمات متطرّفة، هي في الواقع ادوات لدى هذا النظام. من يتذكّر شاكر العبسي، الفلسطيني الذي جيء به في العام 2007 من السجون السورية لافتعال احداث مخيّم نهر البارد الذي لا يبعد كثيرا عن طرابلس؟

لم يعرف الطرابلسيون يوما اي نوع من التطرف او التزمّت الطائفي والمذهبي قبل الدخول السوري الى لبنان. كلّ المنظمات المتطرفة في المدينة، أكانت سنّية او علوية، هي من صنع النظام السوري الذي يراهن على سياسة التفرقة بين اللبنانيين كي يفصل بينهم. انها عودة في السنة 2012 الى سياسات ومناورات عفا عنها الزمن كانت تصلح حتى نيسان- ابريل من العام 2005، الشهر الذي اضطر فيه الجيش السوري الى الانسحاب من الاراضي اللبنانية نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.

لماذا الهرب الى طرابلس؟ الجواب ان النظام السوري لا يستطيع مواجهة الحقيقة المتمثلة في انه انتهى في اليوم الذي اكتشف فيه ان لا خيار امامه سوى قتل شعبه. لم يتعلّم شيئا من تجربة لبنان. لم يستوعب انّ القتل لا يمكن ان يؤدي الى نتيجة، وان التعاطي مع أسوأ انواع اللبنانيين والتخلص من أحسن اللبنانيين سيقوده، لا محال، الى كارثة.

هناك تعبئة في طرابلس ضد النظام السوري الذي ارتكب كلّ انواع المجازر في حقّ اهل المدينة. الذين يعرفون طرابلس يدركون ان النظام السوري مكروه من اهل المدينة الى حدّ كبير. فقبل الدخول السوري الى طرابلس لم يكن هناك اي نوع من التمييز بين العلوي والسنّي. وقبل الدخول السوري الى المدينة، كانت طرابلس مدينة سنّية- مسيحية لا وجود فيها لمواطن من الدرجة الاولى وآخر من الدرجة الثانية. بقدرة قادر هُجّر عدد كبير من المسيحيين من طرابلس وصار العلويون فجأة طبقة مميّزة، علما انه كانت هناك علاقات طبيعية، بل اكثر من طبيعية بينهم وبين اهل السنّة الذين يشكّلون اكثرية في المدينة.

شجّع النظام السوري كلّ انواع التطرف في طرابلس. كان هدفه منذ البداية تمزيق النسيج الاجتماعي للمدينة. لم يقتصر الامر على طرابلس بل كان الهدف السوري يشمل كل لبنان مستخدما في كل وقت السلاح غير الشرعي الذي اغرق به ارض الوطن الصغير منذ ما قبل اندلاع شرارة الحرب الاهلية في الثالث عشر من نيسان- ابريل من العام 1975.

ما يمارسه النظام السوري في طرابلس حاليا، بالتنسيق مع ادواته اللبنانية، هو لعبة من الماضي. عاجلا ام آجلا، سيكتشف النظام انّ عليه الاهتمام بأمور اخرى لا علاقة لها بطرابلس. عليه الاهتمام بالداخل السوري اوّلا وأخيرا وإيجاد طريقة لتسليم السلطة على الطريقة اليمنية، في احسن الاحوال.

الرهان على ان طرابلس ورقةٌ، رهان على سراب. سيكتشف النظام السوري، ان كلّ الشكاوى التي يقدمها الى مجلس الامن لن تفيده في شيء. لو كانت الوقائع التي يسردها في الشكوى الاخيرة حقيقية، لماذا لم تصدر المعلومات الواردة فيها عن السلطات الامنية اللبنانية المختصة اوّلا؟ أليس لدى السلطات الامنية اللبنانية ما يكفي من الشجاعة لعرض هذه الوقائع على اللبنانيين اوّلا؟

الشكوى ليست من طرابلس. الشكوى من الشعب السوري البطل اساسا ومن وجود مجموعة من الدول العربية والقوى الاقليمية باتت مقتنعة بأن النظام السوري صار عبئا على السوريين وعلى المنطقة. لن يفيد الهرب الى طرابلس النظام السوري في شيء. سبق له ان افتعل احداث مخيّم نهر البارد، في شمال لبنان، قبل خمس سنوات عن طريق ما يسمّى "فتح الاسلام" وهي جزء لا يتجزّأ من الاجهزة السورية. كذلك، سبق للنظام السوري ان ارسل عناصر من "القاعدة" الى العراق. هذا امر موثّق. هذا ما دفع الحكومة العراقية وقتذاك الى المطالبة بإحالة رأس النظام على محكمة دولية... قبل ان تتراجع عن ذلك تحت ضغط ايراني واضح يتّسم بالوقاحة.

ما لم يدركه النظام السوري يوما ان طرابلس مدينة حضارية وان كلّ الجهود التي بذلها من اجل نشر التطرف فيها لن تؤدي الى نتيجة. طرابلس متمسكة بثقافة الحياة على الرغم من انها عانت طويلا من الحرمان ومن اهمال الدولة لها. طرابلس تقاوم على غرار ما يفعل كل لبنان. تقاوم التخلّف ومحاولة اثارة الغرائز المذهبية، اي الشيء الوحيد الذي مارسه النظام السوري على ارض لبنان منذ ما يزيد على اربعة عقود. مارس هذه السياسة، سياسة تصدير الامن، اي الارهاب، مع كلّ الجيران. فعل ذلك مع تركيا والعراق والاردن ولبنان في وقت نجد جبهة الجولان مع الاحتلال الاسرائيلي صامتة منذ العام 1974!.

===================

"النأي" بالنفس... وإحراق لبنان!

راجح الخوري

2012-05-23

النهار

في استطاعة الحرائق اللبنانية الصغيرة المستجدة ان تحجب على الاقل، جزءاً من الحريق السوري الكبير، فكيف اذا كانت هذه الحرائق تنذر باستعادة فصول الماضي القريب الذي كان بمثابة محرقة لبنانية استمرت اكثر من 17 عاماً؟

هكذا لم يكن مستغرباً ان تغيب امس ردات الفعل على التطورات الدامية في سوريا لتركز على ما جرى في شمال لبنان وفي الطريق الجديدة، من زاوية الخوف من ان يتجدد جنون اللبنانيين الدموي. بدا هذا واضحاً في التعليقات الاميركية والفرنسية وفي كلام الامين العام للامم المتحدة في وقت كانت الدولة اللبنانية بمثابة الحاضر الغائب لأن القرار اللبناني هو في يد حكومة افتراضية مأمورة.

ومن الواضح ان هذه الحكومة فقدت وتفقد دورها في معميات سياسة النأي بالنفس التي تطبق في شكل متناقض يؤكد انها مجرد دمية تدار وفقاً لما يريده النظام السوري. في هذا السياق صارت سياسة النأي بالنفس نأياً يصل الى حد الغاء النفس، امنياً امام الاعتداءات العسكرية السورية التي قتلت وتقتل لبنانيين وسوريين لاجئين داخل الاراضي اللبنانية، وسياسياً امام مضبطة من الاتهامات المفبركة التي ساقها مندوب سوريا بشار الجعفري امام مجلس الامن وسجلت كوثيقة في المحاضر ولم يرد لبنان الا عبر تصريح مضحك ادلى به ميقاتي، الذي كان عليه، لو يجرؤ، ان يكلف مندوب لبنان الرد بمذكرة تدحض كل ما جاء في الافتراءات السورية.

من جهة أخرى، صارت سياسة النأي بالنفس زجاً للنفس الى حد التهور والمقامرة بالوضع الداخلي الهش، امنياً من خلال التماهي مع الموقف السوري مما يجري على الحدود الشمالية الى درجة ان وزير الدفاع دأب على تكرار القول ان هناك عناصر لتنظيم "القاعدة" في لبنان، وهو ما دفع وزير الداخلية الى ان يتحداه ليثبت الامر، وهذا ما يؤكد اننا فعلاً امام حكومة مساخر.. وسياسياً من خلال التزام وزير خارجية لبنان دور وليد المعلم في دعم موقف النظام السوري في الاجتماعات العربية. ثم لم تلبث ضغينة النظام السوري على الدول الخليجية التي تقطع علاقاتها مع دمشق وتدعم الثورة، ان وجدت ترجمة لبنانية لها من خلال تعامل لبنان بشكل احمق مع رعايا هذه الدول التي دعت هؤلاء الى مغادرة لبنان وعدم السفر اليه بعدما طفح كيلها من الاعتداءات والاستفزازات التي تعرض لها مواطنوها ليضيع موسم الصيف مثل كل سنة!

امس قال احد وزراء هذه الحكومة السعيدة ان الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري ونجيب ميقاتي سهروا حتى ساعات الفجر وهم يسعون الى وقف صدامات الطريق الجديدة، وانا اقول لهم: صح السهر او النوم، بكير، فالنار لم تصل بعد الى عتبات قصوركم... وقصوركم!

=================

وحدة الربيع العربي

باسل أبو حمدة

2012-05-22

القدس العربي

الربيع العربي عبارة باتت تتردد صباح مساء على كل لسان، فيما لا تجد انعكاساً ملموساً لها على أرض الواقع، وفي ميادين التحرير وساحات التغيير في البلدان العربية الصانعة لهذا الربيع، والتي دفعت ثوراتها بهذه المقولة إلى الظهور، وإلى أن تدخل القاموس السياسي الانساني من أوسع أبوابه، لكن هذه المقولة لا توحي بما تعنيه الكلمات المركبة منها، والتي يُفترض أنها تشير إلى وحدة حال الثورات المندلعة في المنطقة، بقدر ما تشكل توصيفاً جغرافياً صرفا لهذه الحركات الثورية، في حين تنأى بنفسها، هي ومن يطلقها أو هكذا يراد لها، عن الأبعاد الوحدوية للتجربة الثورية، وآفاقها الجيوسياسية.

بغض النظر عن الآراء المتباينة والمعروفة حول قضية الوحدة العربية، وعن الحالة القطرية التي شتت ديمغرافية المنطقة، وأعطتها أسماء جديدة وغريبة، منذ اخترعها اتفاق سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا عام 1917، إلا أن التذكير بهذا الجانب في هذا الظرف السياسي الحاسم لا يراد منه إلا التذكير بأداة ثورية مغفلة، ركنتها القوى السياسية الصانعة للثورات العربية الحالية جانبا، غافلة بذلك عن أداة مجربة وفاعلة في ميدان العمل المشترك، وتوحيد ما يمكن توحيده من جهود في العمل الوحدوي، انطلاقا من برنامج ينطلق من خصوصية كل تجربة قطرية على حدة.

صحيح أن هذه الدعوة إلى وحدة الصف الكفاحي، ورفع سوية الروح التضامنية بين الشعوب الرازحة تحت قبضة أنظمة استبدادية متعفنة، تأتي في ظل تصاعد حمى الدعوات إلى الانفصال من مكونات ديمغرافية عديدة لهذا البلد العربي أَو ذاك، إلا أنها تبقى بعيدة عن الطرح الطوباوي، أو الرومانسي، لمسألة الوحدة العربية التي طالما تغنت بها الأنظمة العربية قبل الشعوب العربية، ذلك أنها لا تعدو كونها دعوة لتوحيد الصف الثوري من منظور براغماتي، يعكس ضرورات ميدانية ولوجستية وسياسية وإعلامية يتطلبها العمل الثوري نفسه، الأمر الذي يشكل أَداة إضافية من أَدوات هذا العمل الثوري، من شأنها تقريب ساعة الحسم.

في حين لا ندّعي أن هذه الدعوة ترتقي إلى تشكيل جبهة عربية مناهضة للأنظمة المستبدة، فإن لهذا الطرح منطقه وسياقه الطبيعي الذي يرقى إلى مستوى الضرورات الكبرى، لا سيما وأن من غير المعقول أن تلعب مؤسسة مهترئة مثل جامعة الدول العربية دوراً جمعياً في الثورات العربية، بينما يبقى أَصحاب المصلحة الحقيقيين يحلمون في الانفصال والعمل الفردي، حيث سيبقى هذا الربيع باهتاً طالما لم يجرؤ أي من المفكرين حتى الآن على التنظير لأداته التنظيمية الجامعة، وبالتالي، ستبقى هذه الظاهرة عرجاء، طالما لم تستكمل امتداداتها الطبيعية.

ثمة شعور يرقى إلى مستوى المؤشرات على وجود انكفاءَة حقيقية في العمل الوحدوي المشترك، على الرغم من وحدة الأهداف والخصوم في حالة الثورات العربية، حيث يكفي التذكير بقدرة الأنظمة العربية على الاختلاف في كل شيء، ما عدا اتفاقها على الأداة الأمنية البوليسية الموجهة لقمع أي حركة احتجاج محتملة، قد تظهر هنا أو هناك، فمن يستطيع أَن ينسى المقولة الشهيرة التي تفيد أن وزراء الداخلية العرب الوحيدون القادرون على عقد اجتماعات ناجحة، تخرج بقرارات محددة وملموسة قابلة للتطبيق والحياة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: أَلم تتمكن خمس تجارب ثورية عربية بزغت في فجر الربيع العربي، حتى الآن، من تغيير هذا المشهد البائس باتجاه قلب الطاولة على أولئك الوزراء، واستنباط أَساليب عمل وحدوية بعيدة عن شعارات طوباوية، وسمت هذا الميدان طوال عقود من الزمن، ليس لعدم نجاعتها من ناحية الأداة، ولكن، لأنها كانت تتحرك في أُفق النظام الرسمي العربي المناهض لأي صيغة عمل مشترك على مستوى الجماهير والقوى السياسية الممثلة لها على الأرض؟

السؤال الآخر الذي يطرح نفسه بالقوة عينها هو: ما مرد حمى الدعوات إِلى إِبقاء مخرجات الربيع العربي ضمن حدودها القطرية المصطنعة أَصلا؟ ألا يشعر القادة الثوريون الجدد بأنه ثمة مؤامرة ضد قضاياهم العادلة، عندما تحجب رؤية العمل المشترك والتنسيق ما بين قوى سياسية متجاورة في معظم مكوناتها، إن لم يكن فيها جميعا؟ ربما تحتاج مسائل من هذا النوع إلى بعدها الزمني، حتى تتبلور وتدخل في مستويات تنظيرية، من شأنها تعميم التجربة، ورسم ملامحها العامة واستخلاص الدروس والعبر منها، لكن المؤكد أن الممارسة السياسية في الميدان من شأنها، كذلك، أن تعزز تلك المستويات النظرية للعمل المشترك، بينما يستحيل الولوج سواءً إلى حيز ممارسة هذا الفعل السياسي، أم التنظير له، بعيداً عن محاولة كشف الغطاء عن الجهود المحمومة التي تبذلها أطراف لا تعد ولا تحصى، بما فيها أطراف لها مصلحة بالتغيير، للتعتيم على الأداة الوحدوية للربيع العربي.

لن تقوم قائمة حقيقية لمخرجات الربيع العربي، طالما أن هناك قوى وأحزاب وشخصيات تفعل كل ما لها طاقة عليه، وليس لها طاقة عليه، للحيلولة دون أن يرى هذا البعد الوحدوي في الأداة الثورية النور، لا بل إن عدداً من هذه القوى والشخصيات يسعى جاهدا لعدم ذكر عبارة الربيع العربي، إشباعاً لرؤى ضيقة على شرعيتها، إلا أَن وقتها لم يحن بعد، أو على أقل تقدير إن تم التماهي معها، فإنها توفر مصدر قوة إضافي للأنظمة العربية المستبدة، الساعية إلى القضاء على الثورات العربية، بما فيها أَصحاب هذه الدعوات إلى النأي بالنفس عن كل ما يمت للعرب بصلة، بحيث يصبح السؤال مشروعاً حول مسألة الأولويات بالنسبة لمكونات الثورات، التي من الطبيعي ألا تتوافق على سلم أَو سلالم الأولويات لكل منها، لكن، أليس إِسقاط تلك الأنظمة الاستبدادية هي أَولوية الأولويات جميعاً ومنطلق التغيير، أَي تغيير وبأي اتجاه.

الحقيقة أن مشهد العمل المشترك ليس بهذا النقاء الذي يبدو عليه في الوهلة الأولى، خاصة بعد أن بدأت تلوح في الأفق مؤشرات على استعداد هذا المكون الاجتماعي السياسي، أو ذاك، للانسلاخ عن دائرة العمل الثوري برمته، في مقابل تحقيق مصالحه الخاصة، مثلما فعلت القوتان الكرديتان الرئيستان في كردستان العراق، عندما انسخلت عن باقي مكونات الشعب العراقي، وعقدت صفقات مع نظام صدام حسين وغيره من أنظمة المنطقة على حساب صيغة العمل الثوري المشترك الذي كان يمكن أن يجمع بينها وبين باقي القوى السياسية المعارضة لذلك النظام الاستبدادي.

================

ضياع البوصلة أم غيابها في المعارضة السورية؟

براء موسى *

الأربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٢

الحياة

«هم ليسوا قادرين على إدارة مدرسةٍ ابتدائية»... هكذا وصّف نائب الرئيسين السوريّين سابقاً عبدالحليم خدّام قبل أن ينشقَّ هو عن وريث الحكم في سورية وينضمَّ إلى صفوف المعارضين لنظام الابن عقب اغتيال الرئيس الحريري الشهيد، وما لبث أن تحالف مع أحد مكونات هذه المعارضة التي «لا تعرف كيف تدير مدرسةً ابتدائية».

الواقع أن مصطلح المعارضة في الداخل السوري كان قبل اندلاع الثورة في 15 آذار (مارس) عبارةً عن كلمةٍ ضبابيّة المعنى، وذلك لبداهة الغياب السياسي المفروض على البلاد منذ عقود، وفي أحسن الأحوال من لحظات «التنفّس» التي حصلت عليها المعارضة من الاعتراف هو وجود «معارضين»، ونفي وجود «معارضة» بالمطلق، ذلك أن الانفراجة «الحالمة» التي لاحت بُعيد تنصيب الوريث رئيساً للبلاد، فيما سُمّي بربيع دمشق، حافظت على احترام «الخط الأحمر» بعدم التصريح بلفظة بعبع النظام «الإخوان المسلمين»، والتي ترسّخت في المجتمع السوري كجماعةٍ إرهابيةٍ سلفيةٍ متشدِّدةٍ وغير قابلةٍ حتى للنقاش، وعندما «تمدمد» هؤلاء المعارضون بالتجرؤ على قراءة ورقةٍ بعث بها الإخوان في «منتدى الأتاسي»، كانت العقوبة إغلاق ذلك المنتدى قسراً، والحكم بالسجن على قارئ الورقة (الأستاذ علي العبدالله) لسنوات.

وإذا نظرنا إلى المعارضة «كمدلولٍ لفظيّ» في المجتمع السوري لوجدناها مُغيّبةً وغير متداولةٍ سوى باستثناءاتٍ ضئيلةٍ تشير إلى أفرادٍ أو مجموعاتٍ صغيرةٍ، وغالباً من بقايا أحزابٍ «يساريّة الهوى»، بعد إقصاء اليمين المعارض بوحشيةٍ نادرةٍ في ثمانينات القرن الآفل، وفي أوساطٍ عُزِلت فعليّاً عن حركة المجتمع في دائرته المغلقة أقلّه سياسياً، وقد جاء هذا العزل من جهتين: الأولى قمع السلطات الشديد لهؤلاء المعارضين سجناً وتضييقاً ورقابةً، والثانية غياب الأرضيّة الثقافيّة وبالتالي السياسية عن المجتمع، وللأمانة فقد أصاب عبدالحليم خدّام في توصيفه المشوب بالتحدي، تماماً كالتحدّي بفقدان قدرة مريضٍ مسنٍّ على الفوز بسباقٍ رياضيّ.

على أنّ مصطلح «المعارضة» حاليّاً بات يشهد انفجاراً مُكثّفاً في ظل الراهن السوري، بدايةً من بروز المعارضين التقليديّين، ومروراً بالولادات الجديدة المتسارعة لتسمياتٍ منسيّةٍ كانت، أم حديثة العهد، ولربّما تفيد الإشارة هنا إلى أنّ الحراك الثوري على الأرض قد سبق الثقافة السياسية بأشواطٍ ما استدعى ولادة معارضةٍ جديدةٍ ومعارضين جدد، بعد أن كانت المعارضة التقليدية قد استهلكت نفسها في سنوات قحطها المديدة، إذ جلّ ما كانت قد فعلته هو تشكيلاتٌ اسميةٌ «للجانٍ» متنوّعة المسؤوليّات لا تلبث أن تبدأ نهايتها بُعيد تسمية وانتخاب رؤسائها بالتصويت أو التعيين أو التوريث.

لقد فرز ذلك الإرث الثقيل أعباءً جديدة على الحراك الثوري السوري، فما إن انبثقت الثورة من رحمٍ أرهقه الاستبداد حتى «تنطّع» المتنطعون إلى تشكيلاتٍ تحت مسمياتٍ متنوّعةٍ للدوران حول ذات الدوائر المغلقة التي تنتهي بفتح «دكاكين» جديدة في سوقٍ غير استهلاكيةٍ أساساً، ما يزيد في جعجعة المضاربات والمزاودات، والمساهمة في صنع «بورصةٍ» وهميّةٍ تتغذى على الصراع القائم بين الشعب وحكّامه المجرمين، بينما يعشعش «الفساد البنيوي» في هذه الدكاكين، ما يُرهق كاهل ثورة الأحرار، الذين تتقاطر عليهم المصائب من كلّ حدبٍ وصوب، ليس انتهاءً بتلكّؤ المجتمع الدولي في نجدتهم.

مشهد المعارضة السورية في ظلّ الأحداث الراهنة ابتدأ من فكرة ملء الفراغ السياسيّ للثورة القائمة فعلياً في شلكلها الاحتجاجيّ الأولي، وربّما في غفلةٍ اضطراريةٍ للشعب الثائر، وكذلك لمجموعةٍ من الصُّدف، تربّع ثلّةٌ من المعارضة التقليدية «ومن يلوذ بهم» على الكراسي «المشرفة» على المشهد الثوري. ولأن الثورة «ديناميكية» في جمهورها، تقبّل هذا الجمهور تلك الوصاية من منطلق: «أعطِ الخبز لخبّازه...»، غير عابئين بما قد يأكله الخبّاز لما تثيره رائحة الخبز الطازج من شهيّةٍ مشروعة. وحتى هنا كان المشهد مقبولاً لدى الحشود المنتفضة، والجمهور المحتضن، ولكن ما لبثت هذه القوى أن أضاعت اتجاه بوصلتها التي يُفترض أن تكون موجّهةً كليّاً إلى مساعدة الحراك الثوري في الداخل السوري على الأرض، وظهر واضحاً ما كان قد خفي وتغلغل من «عجر وبجر» هذه المعارضة المترهّلة. ومن المضحك بمكان أنّها وقد لامست هذا الترهّل عمدت إلى تطعيم تشكيلاتها بعناصر جديدةٍ شكلاً، ومضمونة ضمناً، في حرصٍ يبدو «استراتيجياً» على نصيب ما في الكعكة غير الناضجة بعد.

الواقع الراهن لا يعكس رضا الشعب الثائر عن أداء المعارضة، غير أنّه من العدل توجيه منظار الرقيب إلى الأولويات في المساءلة والنقد، فبعيداً الآن من النظام الذي تفتقت من استبداده واستعباده البشر هذه المعارضة الراهنة فإن هذه الأخيرة ما زالت تتخبط خبط عشواء في أدائها من حيث النتائج، وأما من جهة البنية لجسمها فإنها تربأ بالكثير من المعوقات ليس آخرها «التكلّس» البيروقراطي في التفكير ذاته، ما يجعل حجّة تشرذمها سلاحاً يستفيد منه النظام في الدرجة الأولى، والمتهرّبون من المسؤولية تجاه الاستحقاقات الإنسانية بشرائعها الدوليّة.

بين صراع المعارضة التقليدية وامتداداتها حتى في عناصرها الشابة، وتلك المعارضة الجديدة الناشئة حديثاً من دون مرجعية سوى في الأيديولوجيات السائدة (الإسلامية على وجه التحديد)، يتموضع بؤس المعارضة في شكليها التقليديّين، العلماني والإسلامي. وهذان الوجهان منبثقان كلاهما من جور النظام واحتكاره السلطة لأمد طويل، ولكن أزمتهما المستمرّة تكمن باضطراب الثقة المزمن فيما بينهما، فقط هنالك ثمّة اتفاق بمثابة الهدنة «الموقّتة» هو إسقاط النظام، ويشذّ من الطرفين عن هذا الهدف الاختلاف على الطريقة، إذ لكلٍّ وجهة نظرٍ بالأمر، ولكلٍّ منهما أيضاً معضلاته الداخلية المزمنة أيضاً، قليل من كلا الطرفين ما هو قابل للتجديد، كما القليل ممن يقتنع بضرورة الاستقالة من دون الانحدار إلى أرذل السياسة، فالواقع الذي فرضته الثورة هو تفجّر طاقاتٍ كامنةٍ في الوعي السياسيّ السوريّ، ما زال معظمها خارج بقعة الضوء حيث الانتهازيون القدماء والجدد شغلوا معظم الأماكن الشاغرة.

حديثاً لدينا معارضة جديدة هي في طور النشوء بمعظمها، لعلّ أهمها «تلك التي لم تظهر بعد»، وهذه هي الأمل المرتجى، فهي وإن كانت مشغولةً حالياً بجراحاتها، لكنّها غير مغمضة العينين عمّن يتاجر باسمها، هي الشعب ذاته.

* كاتب سوري

=================

لهذا يواصل الأسد ذبح شعبه!

الجريدة الكويتية

صالح القلاب

23-5-2012

منذ أغسطس 2011، أي منذ أن بدأت التحركات العربية والدولية بعد خمسة أشهر من بداية انتفاضة الشعب السوري، لم ينفذ بشار الأسد ولو بنداً واحداً مما كان قد التزم به منذ ذلك الحين حتى الآن، والواضح أنه لن يلتزم بأي شيء، وسيواصل مناوراته وألاعيبه بينما البلاد تذهب إلى الفوضى والحرب الأهلية بخطى سريعة، وبينما ان كل ما يجري وما يقوم به هذا النظام يدل على أن الانقسام المرفوض، الذي هو خيانة وطنية، غدا أحد الخيارات البغيضة المحتملة.

إن مشكلة هذا النظام أنه، كما تقول بعض الأوساط الدولية المعنية، مقتنع أنه استطاع استيعاب هذه الأحداث، وسينتصر على “أعدائه” لا محالة، والمعروف أن مثل هذا الكلام كان قد قيل بعد أقل من شهر على بداية كل هذا الذي حدث، حيث قال وزير الخارجية وليد المعلم وقالت أيضاً بثينة شعبان إن الأزمة أصبحت وراء سورية، وما جرى كان أزمة عابرة!

في كل الأحوال… فإن المعروف أن الإجراءات التي بقي يتملص منها النظام، واحداً بعد آخر ومرة تلو أخرى، قد بدأت في أغسطس عام 2011، حيث طالبت الجامعة العربية الحكومة السورية بإنهاء العنف ووقف الهجوم على المدنيين ثم شكلت، أي الجامعة، لجنة بخطة تنفيذية، وقد وقع هذا النظام في أكتوبر هذه الخطة التي تم التوصل إليها في الدوحة، والتي تنص على: وقف كل أعمال العنف والإفراج عن المعتقلين وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة، وفتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية، ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في أنحاء سورية للاطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور من أحداث.

وكذلك ولأنه لم يُنفَّذ من هذا أي شيء فقد قررت الجامعة العربية تعليق عضوية سورية في اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالملف السوري، كما هددت الجامعة العربية بتنفيذ عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري وحظر السفر على بعض المسؤولين السوريين، وإرسال فريق المراقبين العرب الذي أفشل النظام السوري مهمته، كما أفشل كل هذه القرارات الآنفة الذكر.

بعد ذلك ولإصرار نظام الرئيس بشار الأسد على إفشال كل محاولات الجامعة العربية لتطويق هذه الأزمة وحلها بالوسائل السلمية جرى تحويل المبادرة العربية إلى مجلس الأمن الدولي، فكان أن اتُّخذ قرار هؤلاء المراقبين الدوليين، بعد مفاوضات “ماراثونية” منهكة مع كل من روسيا والصين، الذين تمت مواجهتهم، منذ لحظة وصول طليعتهم إلى دمشق، بما ووجه به المراقبون العرب، ويبدو أن نهاية هؤلاء ستكون كنهاية أولئك.

لقد بقي نظام الرئيس بشار الأسد يناور ويداور، ويبادر إلى تمييع كل القرارات الصادرة عن الجامعة العربية، وعن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وإنهائها، والسبب أنه قد تأكد منذ البدايات من أن الدعم الروسي والصيني سيبقى يحول دون تنفيذ أي من العقوبات التي اتخذها العرب، واتخذها المجتمع الدولي ضده، ولذلك فإن الواضح بل والمؤكد أن هذا النظام سيبقى يسير على هذا الطريق الذي سلكه منذ البدايات، وسيبقى يقتل شعبه بكل هذه الأساليب الوحشية، وسيبقى يدفع سورية إلى التمزق والحرب الأهلية ما لم يواجه بعقوبات فعلية رادعة، وما لم تنفذ كل هذه السلسلة الطويلة من القرارات التي اتخذت ضده حتى وإن اقتضى الأمر استخدام القوة العسكرية.

=================

مهمة كوفي عنان والرهان الصعب

طلال المَيْهَني

2012-05-21

القدس العربي

أثبت المحتجون، منذ انطلاق الانتفاضة السورية في آذار 2011، صموداً أسطورياً وإصراراً مذهلاً على المضي قدماً في وجه قمعٍ ممنهجٍ مارسه النظام وما يزال. لكن الأسابيع الماضية شهدت نشاطاً دولياً ملحوظاً تناول الشأن السوري وتمخض عنه دعمٌ معلنٌ لمهمة السيد كوفي عنان.

فالتصريح الأمريكي الأخير الذي يتحدث عن تقاربٍ في وجهات النظر بينهم وبين الروس، والذي سبقه توافقٌ روسيٌ خليجي إثر اجتماعٍ في القاهرة، بالإضافة إلى نتائج القمة العربية، واجتماع مجموعة البريكس، وصدور يياناتٍ رئاسيةٍ بالإجماع عن مجلس الأمن، كل هذه العناصر تشير إلى الوصول إلى حالةٍ من التوافق الدولي حول ملامح أولية للخروج من الأزمة. ويبدو أن روسيا، و بعد انتهاء موسم الانتخابات الرئاسية فيها، قد حجزتْ لنفسها موقعاً هاماً ومؤثراً في المرحلة القادمة في ظل مبادرة المبعوث الأممي.

ويمكن قراءة هذه التغيرات الدولية كانعكاسٍ لعددٍ من العوامل، لعل أهمها صمود الانتفاضة وفشل النظام في قمعها طيلة عامٍ كامل، واستشعار القوى الدولية بأهمية الوصول إلى حل سياسي تفاوضي يتجنب الحرب الأهلية المدمرة التي يجر النظام البلاد إليها. فالحرب الأهلية، في حال بدأت، في بلدٍ ذي مجتمع غني ومتنوع كسورية ستكون متعددة المستويات وصعبة الاحتواء. ولكن ما يهم القوى الدولية هو تبعات مثل هذه الحرب الأهلية من فلتانٍ أمنيٍ مدمرٍ وعابر للحدود، مما سيؤثر على مصالحها. ومن هنا لا بد أن ننوه إلى هذه القوى الدولية كانت (ولا تزال) تسعى عملياً، متذرعةً بحقوق الشعب السوري، إلى إضعاف الدولة السورية، وليس إلى إزالة النظام السوري خاصة وأن ظهور سورية قوية ومزدهرة وديمقراطية سيكون نقطة تحول في منطقة الشرق الأوسط.

ومن المتوقع أن قدرة النظام على المناورة أمام روسيا والصين ومبعوث الأمم المتحدة قد وصلت إلى أدنى مستوياتها، خاصةً مع فشل مقاربته القمعية العسكرية في وضع حدٍ للحراك الشعبي الذي ما فتئ يتوسع. نضيف إلى ذلك الانتقادات المتصاعدة من طرف الدول التي تعتبر إعلامياً 'حليفةً' للنظام السوري، والتي بدأت تبدي تذمراً ملحوظاً من سلوك النظام.

قد لا تحقق مهمة السيد عنان طموحات الانتفاضة 'مباشرة'، إلا أنها تشكل أساساً حقيقياً لحقن الدم السوري، وإطلاق المعتقلين، وتؤسس لعمليةٍ تفاوضيةٍ جادة، مما سيفضي في النهاية إلى تسليم السلطة وإزالة النظام بطريقةٍ آمنةٍ وسلمية، وتغييرٍ كاملٍ في سورية قد يضمن لها المضي إلى الأمام. وعليه فهذه المبادرة، على ما فيها من سلبيات، فرصةٌ حقيقيةٌ يجب استثمارها سياسياً من قبل المعارضة السورية، بما ينعكس على المشهد السوري، الذي وصل إلى مرحلةٍ حرجة من الاستعصاء.

ومن جانبٍ آخر، تعترض مهمة عنان (حتى في صيغتها الحالية) الكثير من المصاعب لعل أبرزها النظام السوري ببنيته المخابراتية والأمنية التي لا تتقن السياسة. فالنظام معروفٌ بالمراوغة والمماطلة وعدم الالتزام، والتذرع بحججٍ ثانويةٍ في سبيل قمع الحراك الشعبي والمحافظة على بقائه الاستبدادي بعد أن صادر فكرة المقاومة والقضية الفلسطينية على مبدأ مقولة حق يراد بها باطل. كما أن مصداقية النظام معدومة في الشارع السوري المنتفض، ومن الصعب الحديث عن 'الثقة' في ظل القمع. ولكن تجدر الإشارة أيضاً إلى عناصر مسلحة لم تكن موجودة في بدء الحراك كانت قد تشكلت نتيجةً لظروفٍ وذرائع مختلفة. وهي خليطٌ من بعض العسكريين المنشقين، والمدنيين الذين حملوا السلاح دفاعاً عن النفس أو طلباً للثأر. ويزداد تعقيد المشهد حين نعلم أن معظم هذه العناصر المسلحة لا يتبع قيادةً موحدة، وأن منها ما لا علاقة لها بالانتفاضة من قريب أو بعيد إلا أنها ركبتها، وباتت عبئاً عليها. وهكذا أصبح هناك لاعبون جدد، تشكلوا في بيئة العنف الذي يمارسه النظام، ليعيدوا إنتاج الاستبداد بصورةٍ معكوسةٍ لاستبداد النظام. وقد وصلنا إلى مرحلة صار من الصعب التمييز فيها بين ممارسات النظام وممارسات هذه الأطراف المسلحة إلا من حيث التسمية، مما يجعلها، كالنظام، خطراً يتهدد انتفاضة الشعب السوري، وحجر عثرةٍ في وجه أي حلولٍ آمنة محتملة تضمن الحرية والديمقراطية في سورية.

ومع كل ما سبق فالحراك الشعبي مستمرٌ وصامد، إلا أنه منتشرٌ وعفويٌ وغير منظمٍ في هيكلياتٍ سياسية، ولا شك أن ذلك نتيجةٌ متوقعةٌ للقمع المفرط، والملاحقات الأمنية، والتنكيل الذي يمارسه النظام السوري. وفي ظل غياب أي ضمانات، واستمرار اعتقال الكثير من الناشطين من الصف الأول، تبدو الفرصة ضعيفةً أمام المحتجين لاختيار قياداتهم بشكلٍ علني، والانخراط في أي مفاوضاتٍ محتملة. مما يعني إقصاءً صارخاً لشرائح واسعة من الشارع المنتفض الذي يملك الحق الكامل في أن يأخذ دوره في صياغة الحل السوري.

وليست المعارضة السياسية في وضعٍ أفضل، إذ أنها تعاني من الانقسام والتشتت وضعف الخبرة السياسية، حتى بتنا نتحدث عن حدودٍ مؤسفةٍ تفصل بين معارضة الداخل والخارج. فبعض الأطراف في معارضة الخارج، لم تبنى على أسسٍ سليمة، ولم تقدم أداءً سياسياً مقنعاً، وكان تأثيرها السلبي ذا أثرٍ عميق. حيث بقيت مستمرةً على خطابها الديماغوجي في محاولةٍ بائسة لاستنساخ النموذج الليبي دون أي فعلٍ عمليٍ حقيقي موجه نحو الداخل.

أما معارضة الداخل فهي خليطٌ من القوى المدنية والسياسية التي ثبتت، مع كل التشويه الإعلامي الذي نالها، على خطابٍ معقولٍ خلال الفترة الماضية في سعيها لإزالة النظام، ورفض التدخل الخارجي، وعدم الانخراط في الحوار الشكلي الفارغ 'تحت سقف النظام'، والتحذير من مخاطر العسكرة. مع الإشارة إلى أن التحذير من العسكرة ليس مرده ترفٌ فكريٌ أو تنظيرٌ أفلاطوني كما يحلو للبعض لأن يتهمها به، بل نتيجة لقراءة عميقة لطبيعة الصراع القائم ومآلاته، وتناولها الموضوع من زاوية 'الحلول' وبعيداً عن منطق 'ردود الفعل'، ومن زاوية 'النظرة الشاملة' لسورية وعموم السوريين وبعيداً عن 'النظرة الضيقة' المقتصرة على موقف سياسي معين. وقد أكدت أطراف عديدة في معارضة الداخل على أن معادلة الصراع في المشهد السوري مركزها في الداخل (ميدانياً وسياسياً) وليس في إسطنبول أو باريس أو غيرها. ولكن حسن النوايا لا يكفي، ويبدو أن تسارع الأحداث بطريقة دراماتيكية كان أكبر من قدرة معارضة الداخل على مجاراتها. فهناك تضييقٌ أمنيٌ هائل، وظروف عملٍ صعبة، إضافة إلى حالةٍ من الفردانية، وغياب الروح الجماعية، وقلة العنصر الشبابي المنضوي في صفوفها، مما أدى إلى استعصاء داخلي في بنيتها. كما أن تعرض المعارضة لعقود من القمع في الماضي، وغياب المنابر الإعلامية حالياً، أدى إلى حالة من القحط السياسي في عموم المجتمع السوري، ولم يسمح للمعارضة بالتعبير عن نفسها بشكل منهجي أو بتشكيل القاعدة الجماهيرية التي تستحقها.

ولكن مع كل الإشكاليات التي حلّت ببعض الأطراف في معارضة الخارج، ومع أن أداء معارضة الداخل لم يصل إلى المستوى المطلوب، إلا أن لهذه الأطراف دوراً أساسياً مشاركاً في صنع الحل لا يجب التخلي عنه أو إقصاؤه. والأمر ذاته يشمل العناصر المنشقة من قوى الجيش والأمن، إضافة إلى المدنيين الذين حملوا السلاح ليمارسوا عنفاً مضاداً على عنف النظام. فهذا ملفٌ شائكٌ لا بد من تسويته بطرقٍ سلميةٍ تحقن الدماء إذا ما أردنا الوصول إلى 'حل'، خاصة وأن هؤلاء 'المسلحين' هم 'سوريون'، مواطنون عاديون وليسوا قتلة بالفطرة بل هم 'ضحايا' لنظامٍ همجي قمعي ولبعض الأطراف المستهترة بالدم السوري. وعليه فمن حقهم أن نستمع إليهم ويكونوا حتى شركاء في صناعة الحل عن طريق الانخراط في الحل التفاوضي السلمي.

مبادرة كوفي عنان ليست أداةً أو وسيلةً مرحليةً نقوم بتجريبها اليوم ونرميها إذا فشلت غداً. فهذه المبادرة ملمحٌ لعنوانٍ عريضٍ اسمه 'الحل السياسي التفاوضي' وهو أكثر الحلول قدرةً على ضمان مستقبل سورية والتعايش الأهلي بين السوريين. ولا يجوز النظر إلى مبادرة كوفي عنان بشيء من الانفعال واللامبالاة والاستهتار، فنجاحها لن يتحقق في يومٍ وليلة أو بضغطة زر، بل أكاد أقول أنها لا يمكن أن تنجح إن لم يبادر السوريون أنفسهم بالنهوض والتعاضد لدعمها بشكل علني. ولا شك أن الاستهتار بمبادرة عنان، واتخاذ موقفٍ منفعلٍ منها، والعمل على تقويضها وإجهاضها، يظهر عمق الأزمة على مستوى النضج السياسي، ويعكس المحاولات الحثيثة لإطالة أمد الأزمة، أو تقويض فرص الحل (سواء من قبل النظام أو أطراف أخرى). إذ ما من حل بديل متاح أو مطروح على الطاولة سوى الانحدار نحو مآلات مجهولة تفضي بنا إلى حرب أهلية طاحنة. وبعد سنين أو ربما عقود من الدمار والدم المسفوك سنبحث عن كوفي عنان جديد، ومبادرة جديدة، تعيدنا تماماً إلى ذات النقطة التي نقف عندها الآن، لكن سيكون الفارق بلد منهك ومدمر، ومئات الآلاف من الضحايا الأبرياء الذين سيدفعون ثمن تغييب وتشويه العقل في زمنٍ يتم فيه تمجيد الجنون.

فهل سينجح الشعب السوري في تجاوز وإزالة النظام المستبد؟ وهل سينجح في تجاوز وتحييد الأطراف التي لا تريد له الخير؟ وهل سينجح في إنجاح مبادرة كوفي عنان؟ وتقرير مصيره ومصير الدولة السورية؟ قد تجيب الفترة المقبلة عن هذه التساؤلات في حينٍ يحبس فيه كثيرٌ من السوريين أنفاسهم وهم يشيّعون شهداءهم، ويضمدون جراحهم، وهم يمضون قدماً بحثاً عن حريتهم المفقودة.

أكاديمي في جامعة كامبريدج

عضو مؤسس لتيار بناء الدولة السورية

=================

الثورة السورية والعسكرة والتفاوض

غسان المفلح

الايلاف

23-5-2012

من المعادلات التي انتجتها تجارب سلطنات شخصانية ديكتاتورية، أنها لا تسقط بدون استخدام القوة سواء كانت هذه القوة داخلية أوخارجية، ولدينا من التجارب الكثير وليس التجربة الليبية ببعيدة، الحديث عن اليمن وتونس ومصر في هذه الدول حيث لم تكن هنالك أنظمة سلطنات شخصانية ديكتاتورية، يختلف كليا عن الحديث عن ليبيا واليمن بالطبع..الثورة السلمية السورية كانت ولاتزال وستبقى هي القوة التي التي اعتمدتها بذاتها، لكن لا يمكن للمرء ان يتجاهل ما حاولت وتحاول الطغمة الأسدية من فرض حل العسكرة، وليس للثورة أي ذنب في طرح خيار العسكرة، الذي طرحه التاريخ اليومي للثورة من خلال شلال الدم الذي تتركه هذه العصابة يوميا يزداد غزارة، هنا يصبح الحديث عن إدانة العسكرة هو محض كذب، أعتقد أنه ما خلا قلة من التحليلات السورية عن هذه الثورة، نجد وبوضوح الدم السوري أن غالبية من يدين العسكرة إنما غايته إبقاء عسكرة العصابة الأسدية هي القوة الوحيدة في سورية..

تقتل تبطش تدمر تنتهك كل شيئ...ومع ذلك هم في اعتقادهم أنه مهما كبرت الثورة السلمية حتى لو طالت كل الشعب السوري ما عدا جيش الأسد المطيف ما كانت تستطيع أسقاطه في ظل هذا التواطؤ العالمي والاقليمي معه والذي يعرفه الجميع..لهذا هم يريدون بقاء آل الأسد، لكن لكل محلل ماشاء الله اعتباراته، منهم من ارتبط بصندوق الممانعة الأسدي والمقاومة الايرانية الأسود، محمولا على دعم إسرائيلي لم يعد خافيا على احد، وبكل عدته الايديولوجية والسياسية والمالية والطائفية وكره الأكثرية الدينية في سورية من قبل هذا الصندوق الأسود ومنهم من التصق زورا وبهاتنا بالعلمانوية الطائفية..ولاسباب بالتأكيد ليست دينية أو طائفية بمعظمها بل لأسباب سياسية ومصلحية..والجميع يعرفها غربا وشرقا..لهذا لنلاحظ ملاحظة بسيطة من هم ضد التدخل العسكري لحماية المدنيين في سورية: إيران إسرائيل روسيا العصابة الأسدية الحاكمة إضافة إلى من ذكرناهم من اصحاب التحليلات التي تخفي أمرا مؤكدا هو عدم قدرتهم على تقديم إجابة عن سؤال" كيف يمكنكم حماية المدنيين من القتل؟ إذا كانت الثورة بأكثرية الشعب السوري واضيف إليها مكون عسكري وانتم تقولون لايمكنها اسقاط النظام؟

ألا تعتقدون أنها كما يقال" ما بتزبط" لهذا تضعون الحديث التالي: إما الحوار مع النظام أو التفاوض معه أو استمرار القتل!!"كما هو بمجرميه وشبيحته وكتلته الملتفة حوله والكارهة بحقد قل نظيره لشعبنا" فكيف ستكون نتيجة الحوار والتفاوض وفق هذه المعطيات التي تقدمونها أنفسكم بمقالاتكم وتحليلاتكم وبحوثكم؟ أجيبونا على السؤال وسنذهب معكم للحوار والتفاوض. العسكرة في أي ثورة بالعالم لا يكون مخططا لها وإلا تصبح حربا داخلية، العسكرة كانت نتاج طبيعي لسلوك النظام ومواقفكم!! الحفاظ على السلمية والناس تقتل والبيوت تهدم والارزاق تقطع والاعراض تنتهك...أمر ربما يفوق طاقة الكثير من البشر...الناس ليست المهاتما غاندي...والأهم أن العصابة الحاكمة ليست الاستعمار الانكليزي..فالاستعمار الانكليزي في الهند لم يكن يغتصب النساء ويقتل المدنيين ويهدم المدن..الاستعمار الانكليزي كان لديه قضاء مستقل...مع ذلك العسكرة لم تكن مطلب الناس أبدا...أم أنكم لاتتذكرون ذلك؟

مع كل هذا السعار ضد الثورة السورية لاتزال سلميتها طاغية بلامنازع، وحضراتكم لاتريدون رؤية هذا الأمر..جل همكم الحفاظ على قوة العصابة الأسدية العسكرية كطرف قوة وحيد، ولهذا مايعنيه في موازين القوى على الارض..انتم تقولون ذلك وليس نحن..جميل التفاوض أو الحوار ان شئتم ولكن بين من ومن؟ وكيف؟ ومن هو الضامن؟ قدموا لنا سيناريو أولي لخياركم المفتون بالحوار يصون حق الناس ولو بالحد الادنى...وسنكون معكم...

=================

شباب سوريا!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

23-5-2012

يواجه شباب سوريا اليوم أوضاعا لا مثيل لمأساويتها ومخاطرها، ندر أن واجهها الشباب في أي بلد آخر، عربيا كان أو أجنبيا، حتى إنه يكفي أن تكون اليوم شابا سوريا حتى تكون متهما، وبالتالي مطاردا أو ملاحقا، ومستهدفا بالاعتقال والتعذيب حتى الموت أو بإطلاق النار عليك. واللافت أن من يعادي الشباب لمجرد أنهم شباب ويعرضهم لقمع لا يرحم نظام كثيرا ما فاخر بأن رئيسه شاب، وبأنه سيفتح بعقليته الشابة صفحة جديدة في تاريخ سوريا الشعب والوطن، وسيجدد المجتمع والدولة!

ليس من المبالغة القول إن شباب سوريا، الذين كان النظام يقول إنهم مناط الأمل ومحط الرجاء، وكان يمتدحهم في خطبه وشعاراته، يتعرضون لحرب منظمة تستخدم فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة أودت بحياة عشرات الآلاف منهم حتى الآن، وزجت بخيرتهم في أقبية وسجون وملاعب رياضية ومستشفيات ومستودعات ومعسكرات ومنازل مستولى عليها أو مستأجرة، بينما فاق عدد جرحاهم عدد جرحى الجيوش العربية في حروبها مع إسرائيل، وربا عدد المفقودين منهم على سبعين ألفا، وعدد الملاحقين الذين يطاردهم الأمن من مكان لآخر على خمسين ألفا. هكذا، عليك أن تحترس كثيرا إن كنت شابا في سوريا اليوم، لأنك ستعتبر عدوا فعليا أو محتملا للنظام، وستجد نفسك في مواجهة قوى تخوض حربا ضدك. يكفي أن تكون شابا حتى تعتبر مشبوها وفي الطرف المعادي، وأن تصير هدفا.

والمأساة أن مجتمع سوريا شاب، تبلغ نسبة من هم دون سن الرابعة والثلاثين 79 في المائة من مواطنيه، وأن معظم هؤلاء كانوا قبل انتفاضتهم من دون أي دور عام أو شأن، فهم إما عاطلون عن العمل (70 في المائة من إجمالي عدد العاطلين) أو مهاجرون أو مغتربون أو عاملون بأجور متدنية وأعمال يدوية وغير تخصصية. يفسر هذا الوضع المزري، فضلا عن حرمانهم من حقوقهم وحرياتهم، إسهامهم في إطلاق الانتفاضة وتحويلها إلى حراك دائم، وتحملهم مسؤولية قيادتها، وإقدامهم وشجاعتهم، ورغبتهم في تقديم كل ما هو ضروري من تضحيات لانتصارها، بعد أن أخرجتهم ثورتهم من التهميش والإذلال ووضعتهم في قلب حدث هو واحد من أعظم أحداث التاريخ العربي القديم والحديث، تطلب قيامه قبولهم رهانات فيها موتهم أو حياتهم، التي صارت بالثورة مركز السياسة في سوريا، وملأت مجمل الحقل العام، وحددت تخومه الجديدة، وأدخلت إليه آليات عمل مغايرة لما هو مألوف فيه، فصار القضاء عليهم، أي قتلهم والإجهاز على وجودهم، هدف سياسة مقابلة أتت من فوق، قررت أنه لا سبيل إلى إخراجهم من الحياة السياسية بغير إخراجهم من الحياة، حتى ليمكن القول إن سوريا تشهد منذ قرابة خمسة عشر شهرا معركة حربية يخوضها ضد شبابها نظام تقادم وتهالك وصار من الماضي، مع أنه لا ذنب لهؤلاء غير البحث بروح مدنية ومطالب شرعية عن موقع لهم تحت شمس الحرية، التي قرروا نيلها أو الهلاك دونها، حسب ما كان يخبرنا معظم من كنا نلتقيهم من الشباب قبل الانتفاضة، فقد صادفنا ذات مساء في أحد مطاعم دمشق خريجين جامعيين قيض لنا أن نتبادل الحديث معهم، وحين سألناهم عما يريدونه، ردوا معاتبين: «كيف تحملتم نيفا وأربعين عاما من الإذلال تمكنتم خلالها من العيش من دون حرية. نحن الشباب إما أن نكون أحرارا أو نموت، وسنرفض ما حيينا الخيار الذي ارتضيتموه لأنفسكم: مداراة الحاكم والسكوت على الظلم من أجل سلامتكم الشخصية وتمضية حياتكم اليومية». حذرناهم: «لكنكم غير مسيسين، والعبء ثقيل»، فأجاب كبيرهم وكان طبيبا: «اللعنة على السياسة، نحن نخوض معركة وجود وليس معركة سياسة. ثم إننا إذا تطلب الأمر سنتعلم السياسة، ولكن ليس على طريقتكم وطريقة أحزابكم».

زج الشباب السوري بنفسه في معركة لم يكن يخطر ببال أحد قبل 15 مارس (آذار) من عام 2011 أنه يمتلك هذا القدر المذهل من روح الفداء التي وظفها فيها، وأنه على استعداد للموت من أجل الحرية، التي يرى فيها سبيله إلى العدالة والمساواة والكرامة. قاتل الشباب من جميع الاتجاهات والتيارات والانتماءات الدينية والآيديولوجية بهذا البرنامج البسيط طيلة الفترة الماضية، من دون أن يعقدوا الأمور أو يضيعوا أنفسهم في متاهات الكلامولوجيا. لقد رفعوا راية الحرية ومضوا إلى ميادين الثورة والشهادة، فأنجزوا معجزتين لم يكن يخطر ببال أي سوري أن وقوع أي منهما ممكن: ثورة مجتمعية/ شعبية لا سابقة ولا مثيل لها في سوريا الماضي والحاضر، وعرفوا حتى الآن كيف يديمونها ويحولون دون سحقها على يد قوات متفوقة تفوقا عسكريا وتنظيميا ساحقا عليهم، وكيف يمنعون النظام من كسر موازين القوى القائمة على الأرض لصالحه، وبالتالي من إطفاء الانتفاضة. حدث الأمر الأول بفضل ابتكار أشكال نضال مبدعة ومفاجئة، عبأت قطاعات واسعة جدا من الشعب وراء هدف الحرية، وحدث الثاني لأن الشباب لم يتخلوا عن مطلبهم، الحرية والعدالة والكرامة، ولم يضيعوا وقتهم في حديث أحزاب وقوى المعارضة عن النظام البديل، وأشكاله وأنماطه وقواه وكيف يقوم ويقعد، وهل هو ديمقراطي مدني أم مدني ديمقراطي، أم مدني وديمقراطي، أم ديمقراطي ومدني.. إلخ. تجاهل الشباب هذا الحديث، الذي لن تكون له أي قيمة إذا ما نجح النظام في كسر شوكة الثورة، وذكروا من يهمهم الأمر بأن مهمة المعارضة تكمن في تحصين النضال الشعبي، ومنع تحول موازين القوى ضده عبر وضع برامج وخطط عملية وجداول زمنية للمراحل التي سيمر، أو يمكن أن يمر النضال بها، قبل سقوط النظام وبلوغ النظام الديمقراطي البديل.

هذا الشباب الرائع يتعرض للظلم من جهتين: السلطة التي تستهدفه بالقمع والقتل الجسدي، ومن يعملون لانتزاع دوره والالتفاف على أهدافه وتضحياته، بالمصادرة والتهميش حينا، والمزايدات والمغامرات حينا آخر.

لكن ثورة الشباب مستمرة، ومستمرة معها قدرته على استقطاب قطاعات المجتمع الأهلي وكسبها للحرية، ومستمر أيضا تصميمهم على النصر ورغبتهم في الخلاص من الاستبداد، وفي فتح طرق جديدة أمام الثورة وزج قوى جديدة في معركتها السلمية، حتى ليمكن القول إن سوريا لم تكن يوما أقرب إلى نيل حريتها منها الآن، بفضل نهر الدماء التي سفحها الشباب على دربها، ووطنيتهم وروحهم المجتمعية الجامعة، ووحدة إرادتهم وتعاليهم على الطائفية وأمراض المجتمع الأخرى، وصبرهم على الموت والعذاب، وهم يمضون شامخي الرؤوس نحو سوريا الحرة!

رد الشباب الروح إلى وطنهم، الذي يجب أن يضع مقدراته بين أيديهم، بعد أن ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل حريته، وأثبتوا أنهم جديرون به، وأنه سيكون بهم ومعهم أحسن حالا مما كان في أي يوم مضى من تاريخه القديم والحديث!

هنيئا لسوريا بشبابها، الذين يضعونها فوق أي حساب أو اعتبار!

=================

نظام يترنح!

عماد الدين أديب

الشرق الاوسط

23-5-2012

النظام السوري يترنح في اختياراته بتوسيع نطاق التوتر والمجازر من سوريا حتى يصبح مسرح الأحداث في لبنان أيضا، عملا بمنطق التهديد بهدم المعبد على الجميع حتى تتم المقايضة على استقرار لبنان في حال الحاجة إلى ذلك.

وتؤكد تقارير مصرفية أوروبية أن نظام الحكم في دمشق قد تكبد نحو 8 مليارات من الدولارات من الاحتياطي النقدي السوري في البنك المركزي. وتقول هذه المصادر إن سوريا تنفق منذ بدء سخونة الاشتباكات في الأحداث الأخيرة قرابة المليار دولار شهريا. وقيل أيضا إن إيران تلعب دور المساند الرئيسي والوحيد ماديا للخزانة السورية، عبر تحويلات مالية شهرية من بنوك لبنانية في بيروت، أو بمبالغ نقدية يتم نقلها عبر الحدود اللبنانية - السورية.

ويبدو أن العقوبات الدولية التي قُررت مؤخرا على سوريا وعلى أسماء كبار الشخصيات الرسمية السورية قد سببت صعوبات شديدة في التحويلات الشخصية وفي إمكانية حركة أجهزة الأمن السورية خارجيا.

والشيء المحزن والمخيف معا أن هذه المعادلة القائمة على الانهيار المعنوي، بالإضافة إلى الانهيار المالي، بالإضافة إلى المقاطعة الدولية، هي وصفة مؤكدة لسقوط أي نظام سياسي. هكذا علمنا التاريخ القديم، وهكذا علمتنا خبرات انهيار العديد من الأنظمة المعاصرة.

ورغم معرفة الدكتور بشار الأسد، وكل آل الأسد، وكل أفراد نظامه وأجهزته الأمنية المتعددة، بهذه الحقائق التي لا تحتاج إلى عبقري أو أستاذ علوم سياسية لفهمها جيدا، فإنهم يصرون على دفع أغلى فاتورة عناد ومكابرة.

إذا كانت تلك هي نهاية الفيلم السوري الدموي، وإذا كانت معروفة مسبقا، فلماذا نكابر ونصر على إسقاط الضحايا وتهديد المنطقة وهدم الاقتصاد الوطني من دون أي عائد أو أمل في تغيير الواقع المؤلم؟!

يعلم الجميع أن النظام الحالي سوف يسقط، وأن البلاد سوف تدفع ثمن الحرب الأهلية، وأن توسيع مسرح الأزمة كي يشمل لبنان سوف يزيد الأزمة تعقيدا لكنه لن يؤدي لإنقاذ نظام الأسد.. السؤال: إذا كان العقل يقول لنا ذلك، فلماذا نصر على الجنون؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ