ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 23/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

القاعدة تضرب.. ومؤشرات حرب أهلية في لبنان!

يوسف الكويليت

الرياض

22-5-2012

  دول الربيع تعيش إيقاع الفرح والخوف من قادم الأيام، فباستثناء مصر وتونس اللتين لا يزال الجيش حارس الأمن، فالباقي في حالة تأهب لوضع مجهول، ولعل حالة اليمن هي التي تطرح البعد الأمني بشكل عاجل، وخاصة أمام تحديات عنف القاعدة والتي في الأمس حصد تفجيرها عشرات القتلى ومئات الجرحى، وهو رد على حصارها في مواقعها الحساسة، والهدف تشتيت تفكير الدولة التي تمر بترتيب أوضاعها الاقتصادية والأمنية، لكن ذهاب أرواح (٩٦) إنساناً ومضاعفات هذا العدد، والقابل للزيادة من المصابين صدمت كل الشعب اليمني والرافضين لأساليب الإرهاب..

التغلب على العمل السري وسط فوضى أمنية صعب ومعقد حتى على الدول ذات التماسك الأمني والوعي المتواصل لتلك التنظيمات ورصدها، واليمن لا يزال ساحة مفتوحة، لكن استهداف مواطنين عسكريين يزيد من غضب الشارع، وخسائر القاعدة وتقلصها جاء من تراكم أخطائها عندما لم تفرق بين بريء ومتهم وفق قناعاتها وايدلوجيتها..

العراق اكتوى بهذه النيران، لأن طبيعة طبيعة الحكم الذي حاول عزل فئات مؤثرة في مجتمعه وتجميد أخرى بدعاوى فصل مذهبي بين مكونات الشعب الواحد، دفع البعض الاستعانة بالشيطان في محاربة سلطة البعد الواحد، وهي مشكلة داخلية فتحت الثارات من خلال نظام مركزي ادعى الديموقراطية، ومارس الدكتاتورية الطائفية سلاحاً ضد كل من ادعى أنهم خصومه..

لبنان النظام الهش بين الأنظمة العربية كلها، فقد اجتاحته القوات السورية بإذن دولي، تحول إلى سلطة ضربت مكونات الشعب ببعضه، شيعة أمل مع حزب الله، والمسيحيين الموالين لها مع المعارضين، والفلسطينيين مع كل طرف، والسنّة مع السنّة بلعبة قذرة، وتم تصفية رؤساء جمهوريات ووزراء ونواب وإعلاميين وغيرهم، وبعد الانسحاب خرج الجيش السوري، وبقي نفوذ دولته من خلال أطراف عديدة، تعودت أن تكون ولاءاتها لمن يدفع، مما أحدث خللاً عاماً في التوازنات الحزبية والطائفية..

الآن، ومحرك اللعبة يريد فتحها على الجانب اللبناني، دفع بالعلويين لمناوشات السنّة في مدينة طرابلس ومدن شمال لبنان، وهي صيغة طالما حذر منها لبنانيون أن تفجير لبنان على قائمة أولويات سوريا، لفهمها أن حدودها مع هذا البلد الصغير والمتوتر لا يمكن السيطرة عليه لا من قبل الحكومة اللبنانية ولا غيرها، حتى أنها كانت المسرح المفتوح، وإلى اليوم بتسليح حزب الله، أو الفئات المناصرة لها، والادعاء بأن السبب يعود لتهريب أسلحة من لبنان للجيش الحر السوري، يقابل بدعم عراقي - إيراني بإرسال الأسلحة والمتطوعين علناً إلى حكومة الأسد، وفي مثل هذه الظروف يصبح اللاعب من الخلف أكثر من قوة، وسوريا ولبنان، هدفان لأن يصل السلاح من مختلف الجهات المؤيدة للسلطة والمحاربة لها..

نعرف أن استقرار لبنان هو من جلب إعادة إعماره، وازدهاره من جديد، والخليج العربي مؤثر أساسي، لا في استيراد السلع الزراعية والملابس وبعض المصنوعات، لكن السياحة تأتي كعنصر أهم من كل المداخيل، وهنا أصاب الذعر كل اللبنانيين عندما حذرت أكثر من دولة خليجية مواطنيها بعدم التوجه للبنان والخروج منه، لأنهم مستهدفون من خلال الرؤية السورية التي ترى أن دولهم الداعم الرئيسي لجيش التحرير، وبالتالي فهم على قائمة من سينالهم شرر هذه الأزمة، والخسارة سياسية ومادية ستصيب كل اللبنانيين بمقتل جديد..

=================

لبنان وتداعيات "الربيع العربي"

تاريخ النشر: الثلاثاء 22 مايو 2012

د. أحمد يوسف أحمد

الاتحاد

اشتعلت الاشتباكات في لبنان مجدداً منذ أيام زادت على الأسبوع بين حيي"باب التبانة" و"جبل محسن" في طرابلس. وليست هذه هي المرة الأولى التي تنشب فيها مثل هذه الاشتباكات بالنظر إلى التركيبة الطائفية المعقدة للبنان، ولكنها قد تكون الأخطر، لأنها تتم بمناسبة الأحداث الجارية في سوريا بين مؤيدي النظام القائم (العلويين) ومؤيدي الثورة (السُّنة)، ولذلك فإن الأحداث للأسف دليل على تأثر لبنان المباشر والعميق بما يجري في سوريا، ومن ثم على المخاطر المجتمعية والسياسية التي يمكن أن تصيبه من جراء تداعيات "الربيع العربي"، والتي قد تصل لا قدر الله إلى العصف بالكيان اللبناني كله. ومع أن لبنان "الرسمي" قد تبنى موقف النظام في سوريا، فاعترض على سبيل المثال على كافة قرارات جامعة الدول العربية ذات الصلة، فإن من الواضح أن المواقف الرسمية لا قيمة لها ما لم تعبر عن الحقائق المجتمعية القائمة، فمن المعروف أن لبنان منقسم الآن بين أنصار سوريا وأنصار الثورة على نظامها، ولو حدثت تطورات جذرية في الساحة السورية سواءً ببقاء نظامها الحالي أو سقوطه فإن التداعيات على لبنان ستكون أكثر فداحة مما جرى من قتال حتى الآن بين "باب التبانة" و"جبل محسن"، ولن تكون هذه هي العناوين الوحيدة لصدامات أخرى من المرجح أن تقع، ذلك لأن كل فريق من مؤيدي النظام السوري أو مؤيدي الثورة عليه يمكن أن يشعر بأن وجوده في خطر أو على الأقل وزنه في المعادلة اللبنانية وفقاً لمجريات الأمور في سوريا.

ولقد زاد الطين بلة الموقف الذي أعلنه يوم الأربعاء الماضي رفعت عيد المسؤول السياسي ل"الحزب العربي الديمقراطي"، الذي طالب فيه بعودة الجيش السوري "لضبط الوضع الأمني على الساحة اللبنانية"، وهو موقف غير مسؤول بكل تأكيد، لأن من شأن تدخل الجيش السوري مجدداً في لبنان أن يعيده إلى أجواء الحرب الأهلية، إن لم يلق به في أتونها بالفعل، وفي مواجهة ردود الفعل التي ترتبت على تصريحات عيد تمسك الأخير في تصريح عبر محطة "إن بي إن" بالموقف الذي أعلنه، ولكنه قال إنه لا يشكك "بقدرة الجيش اللبناني، وهو وإن حصل على الغطاء السياسي للدخول إلى المدينة (طرابلس) إلا أنه لم يحصل على غطاء كامل في بعض الأحيان"، مطالباً بحسم أكبر من القوى الأمنية. وقد جدد عيد تأكيد موقفه من تدخل الجيش السوري في لبنان بقوله: "إذا دخلنا في المجهول، أو كنا سندخله، سأكرر المطالبة بدخول الجيش السوري إلى لبنان لتهدئة الوضع، فأنا لا أرى بعد اليوم أن هناك لبنان أو سوريا أو الأردن أو مصر، وإنما هناك مشروعان: إما سقوط سوريا وتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات طائفية، أو إجراء تسوية مع سوريا". وأعرب عن اعتقاده بأن الشمال اللبناني ذاهب باتجاه الفتنة. ومع الاعتراف بوجود مؤامرات خارجية على الوطن العربي ومنه سوريا فإن هذا لا يجب أن يحرف انتباهنا عن المعضلة السورية الراهنة، وأن عدم إيجاد مخرج لها هو أقصر السبل لنجاح هذه المشروعات الخارجية، وبالعكس فإن الحفاظ على تماسك سوريا من خلال إصلاح حقيقي يمثل إحدى الأدوات الناجعة لفض هذه المؤامرات.

ولحسن الحظ فإن الدولة اللبنانية قد أظهرت توحداً في مواجهة الفتنة، فشارك رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والجيش وأعضاء بارزون من مجلس النواب اللبناني -خاصة الممثلين لمنطقة الصدام- في محاولة تمهيد الأرض لتسوية أو حل، كما لعب رجال الدين دوراً مقدراً في هذا الصدد، ولكن المشكلة تبقى متمثلة في تجذر الاقتناع لدى المواطن العادي -وقود الصدامات وضحيتها- بأن ما هو مطروح عليه لا يضمن أمنه، أو يحمي وضعه في المعادلة اللبنانية، والهواجس هنا كثيرة، والتحريض الخارجي مغرض، ولذلك فإن تجسيد الرؤية الرسمية سواءً لرئيس الجمهورية أو لرئيس الحكومة أو لأعضاء من النخبة البرلمانية على أرض الواقع ليس بالعمل السهل، وهو ما قد يجعل تأثير تدخل هؤلاء للأسف تأثيراً وقتيّاً وسطحيّاً. والواقع أن من الأمور المحبطة ما يبدو من أنك لكي تضمن حلاً مستقراً "لفتنة طرابلس" عليك قبل ذلك أن تضمن الشيء نفسه للبنان كله، وفي هذا السياق يمكن القول إن الدعوة التي أطلقها وليد جنبلاط للحوار دعوة مقدرة، غير أنه قد يكون من الصعب الوصول إلى حلول فورية أو سريعة "لفتنة طرابلس" عن طريق حوار كهذا، نظراً لأن الوضع في لبنان كله صار على المحك، وما لم تحَل القضايا الأساسية العالقة في الملف اللبناني فسيكون من الصعب تصور التوصل لحلول حاسمة في القضايا الجزئية. وعلى المدى القصير قد يكون التوصل إلى تسوية للوضع في سوريا هو أفضل الحلول للبنان، ذلك لأن الحلول التي تستند إلى انتصار طرف على الآخر سيكون لها مردود خطير على استقرار لبنان وكيانه، والتسوية بطبيعة الحال حل غير عادل بالنسبة للثوار، ومع ذلك فإن التوصل إليها ليس بالأمر اليسير، ذلك لأن الصراع في سوريا تحول إلى "مباراة صفرية": إما النظام وإما الثوار.

ولكن البعد الثاني "لفتنة طرابلس" بعد يتعلق بما بات يسمى "الربيع العربي" وتداعياته، ذلك لأن "ربيع الثورة العربية" ارتبط للأسف بمناخ انقسامي عام في الوطن العربي ساعدت عليه خلخلة دولة الاستبداد، وعدم النجاح في تأسيس دولة قوية محلها تعبر عن الواقع الجديد، وقد خيم شبح الانقسام على ليبيا حينما أعلنت فئة في "برقة" مطالبتها بوضع فيدرالي. صحيح أن أنصار هذه الفئة أكدوا على أن الانفصال ليس وارداً في قاموسهم، ولكن الاتجاه للانفصال عادة ما يبدأ على هذا النحو. وفي مصر وتونس نشأ الانقسام وإن على أسس سياسية، وهذا هو أهون أنواع الانقسام، وفي اليمن تبلور مطلب "الحراك الجنوبي" بعد الثورة في المطالبة الصريحة بالانفصال، فإذا أضفنا لهذا كله انفصال جنوب السودان عن شماله في العام الماضي، وما يعانيه السودان من حرب ومشكلات في كردفان ودارفور تهدد باستمرار تفتيت الشمال إلى أقصى حد ممكن لوجدنا أن الحديث عن سايكس- بيكو جديدة أو شرق أوسط جديد مهما كان عدم دقته لابد وأن يجعلنا نتوقف بصرامة وحسم للتفكير في مستقبل المنطقة وحمايتها من محاولات الاستتباع الدؤوبة من قبل قوى خارجية، ولن تكون هناك إمكانات لدى القيادات في الوطن العربي للتوصل إلى حلول تواجه هذه التحديات، لأنها طرف وليست حكماً في الصراع الدائر في الوطن العربي. وللاعتبار نفسه فإن الدعوة لقمة عربية استثنائية لن يكون ممكناً -في أغلب الظن- أن تلقى استجابة من الأغلبية المطلوبة لعقدها، وحتى إن حدثت مثل هذه الاستجابة فإن القمة لن تكون فاعلة في إيجاد الحلول بسبب كافة المشكلات السابقة، وإنما يبقى الحل في الأمد المنظور معلقاً بإرادة الشعب السوري، وإلى أي مدى تكون قادرة على فرض واقع جديد يكون بداية للخلاص من هذه المعضلة برمتها؟

=================

الدولة الجديدة في سوريا وكيف نراها!

مصطفى اسماعيل

المستقبل

22-5-2012

منذ عقود تقف سوريا أمام سورٍ اسمنتي شاهق، تحولت فيها الدولة إلى مجرد سلطة احتكارية أممّت البلاد في أنساقِ مفاهيمها ورؤاها الضيقة والمُغلقة، وطرح هبوب الربيع العربي ضرورة تغيير الفضاءات الداخلية في المستويات كافة وإعادة الدولة المُغيّبة والمحجوبة، بما يعنيه من إنهاء الشمولية والتسلطية والأحادية الوخيمة التي صادرتْ سوريا طيلة عقود.

ما يجري الآن في سوريا هدفهُ بناءُ الدولة المُحطّمة مجدداً. إعادة تأسيسها. إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي. إعادة مونتاجٍ لبلادٍ أزهقت روحها، وإرجاعها بالتالي إلى خضم السيرورة التي اجتثت منها ذاتَ انقلابٍ من العسكر الذين حولوها إلى مجرّد ثكنة وقبو أمني، وإخضاعها بالتالي إلى ضروب العنف والظلم واضطهاد مكوناتها.

الدولة القادمة في سوريا هي الدولة المؤسسة على إرادة الجماعة، وليست دولة الحاكم الفرد المُؤلّه، ولكي يكون الكيان السياسي القادم دولة للمجموع السوري عليه تفكيك البنى القديمة، بنى الدولة الشمولية والاستعاضة عنها ببنى مستجدة تعبر عن الطموح الجماعي للسوريين، بما يليق بتضحياتهم الهائلة لأجل الحرية والديمقراطية طيلة أشهر مفتوحة على شتى الاحتمالات.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة إيلاء المواطن كل الأهمية واحترام حقوقه وكرامته، وهي دولة لا مكان فيها للأجهزة الأمنية المرعبة التي لا تحصى وتدخلاتها السافرة في حيوات المواطنين، وهي ستكون دولة حماية المواطن ورعاية مصالحه، لا دولة وصائية وعصا غليظة فوق رؤوس المواطنين، وهذا يقتضي تفكيك الدولة الأمنية الحالية وتقليم أظافرها وتجريدها من المخالب وإلباسها قفازاتٍ من حرير.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة التعبير الأمثل عن الفسيفسائية المُغتالة منذ تأسيس سوريا ومنذ استقلالها الوطني ومنذ انقلاب جنرالات البعث، حيث تم تحويل البلاد إلى خشبة مسرحٍ مونودرامي ليس عليها سوى ممثل واحد، فيما حُوِّلت القوميات والإثنيات الأخرى إلى كومبارسٍ مجرد من أي حركة أو فعل، ومن أجل ذلك يتوجب على المعارضة السورية التي سقط قناعها في اسطنبول يوم 27 مارس 2012 مغادرة سرير رفيقها البعثي.

الدولة القادمة في سوريا هي الدولة المحتفية بمؤسسات المجتمع المدني، كبديلٍ طبيعي ومُعادلٍ موضوعي لدولة مختزلة إلى سلطة لوياثان متغولة تديرها المخابرات، لم يُعثرْ فيها يوماً على حزبٍ سياسي حقيقي ولا جمعية خيرية حقيقية ولا مؤسسةٍ مدنية ولا نقابة حرة ولا إعلامٍ حر، وكان قصبُ السبقِ فيها دائماً لما يفرخهُ البعثُ، وما يجود به المطبخ الأمني من سقط متاعٍ تحت مسميات شتى، لقد نُحِرَتْ النقابات في أواسط ثمانينيات القرن المنصرم، وتم الحجرُ عليها ومصادرتها باسم الضرورة الأمنية والمقتضيات الأمنية، وحينَ أعاد ربيع دمشق قبل عقدٍ المُغيَّب المدني الجميل إلى الواجهةِ تعرض النشطاء ومؤسساتهم إلى التنكيل الأمني والبطش والردع والقمع.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة برلمانية، يكون فيها البرلمان منتخباً من خلال انتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة وبمراقبة دولية، ولن يكون برلمانَ غنمٍ سعيد أو برلمانَ شخصياتٍ معينة لممارسة الشخير على مقاعده، ذلكم البرلمان سيمتلكُ صلاحياتٍ عديدة من بينها تشكيلُ وزارةٍ من الحزب الأكثر نيلاً للأصوات، وسيكون بيده الحلُّ والربطُ، وليس مجرد مؤسسة صورية أو مؤسسة إكسسوار لتجميل قباحات السلطة أو النظام الحاكم.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة خادمة، دولة تحقيق الرفاه لمواطنيها وتيسيرِ سُبل العيش لهم، دولة تُحاربُ الفسادَ وتكفلُ تأمين فرص العمل وبالتالي القضاء على البطالة المتفاقمة والمتفشية عبر عقود، ولن تكون الدولة القادمة ملكية حصرية لأقلية من رجال الأعمال يتحولون إلى بقراتٍ سمان على حساب غالبية عظمى من المواطنين ينحدرون إلى ما تحت خط الفقر.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة الإعلام الحر والمؤسسات الصحافية الحرة والمنابر الإعلامية الحرة، وأتمنى أن تكون خالية من مقص الرقيب وتدخلاته، وخالية أيضاً من وزارة لا مبرر لها اسمها (وزارة الإعلام) التي تحولت مخفورةً بقانون مطبوعاتٍ مهترئ إلى جهازٍ لمصادرة أية بذرة إعلامية تحاول أن تطل برأسها في البلاد.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة تمثيل الفسيفساء السوري، وتكفل الاعتراف الدستوري بالشعبين الكردي والآشوري وحقوقهم القومية في البلاد وفق العهود والمواثيق الدولية وعلى أساس اللامركزية السياسية، ولن تكون دولة القومية الواحدة أو اللون الواحد أو اللغة الواحدة، وفي حال عدم تحقق ذلك ستكون سوريا القادمة دولة فاقدة للشرعية وساقطة في نظر مواطنيها من جميع المكونات.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة الفصل بين الدين والدولة، لن يكون فيها الإسلام هو مصدر التشريع، ولن يرحب فيها بالتيارات السلفية والأفغان السوريين، وهذا يعني أن تحول سوريا إلى نموذج قندهاري أو ثيوقراطي غير مسموح به، فوضع سوريا لا يحتمل قيام دولة دينية أو دولة للإخوان المسلمين فيها.

الدولة القادمة في سوريا هي دولة مستقلة ذات سيادة، لن تنخرط في اتفاقيات أمنية مع جوارها على حساب مكوناتها، ولن تقبل التحول إلى شرطي لمصالح جوارها الجغرافي على حساب حياتها الوطنية.

الدولة القادمة في سوريا ستكون دولة لا تعاني من مشاكل في الحواس الخمس.

=================

تمهيد الفوضى

سليمان تقي الدين

السفير

22-5-2012

لا يستطيع أي طرف سياسي لبناني الزعم أنه غير متورط في الأزمة السورية. نشأ الانقسام الوطني الكبير حول العلاقة بسوريا. جميع الأطراف يريد سوريا حضناً دافئاً له ويختلفون على أي نظام في سوريا يريدون. لا تسعى القوى الطائفية إلى بناء مشروع لبناني يملك استقلالاً وطنياً عن سوريا لأن منطق الغلبة في الداخل يحتاج إلى شكل من أشكال الحماية الخارجية. في العام 2005 تعذر إنتاج معادلة راودت البعض «لدمج إنجازي التحرير والاستقلال»، أو لمزاوجة هدف التخلص من الاحتلال ومن الوصاية.

لم يكن التحرير مستقلاً عن رعايته الإقليمية ولم يكن إنهاء «عهد الوصاية» مستقلاً عن القرار الإقليمي والدولي. عملياً تحوّل الإنجازان إلى التصادم لأنهما جاءا من بيئة طائفية وإقليمية مختلفة. لا يوجد على أرض الصراع مكوّن وطني لبناني مشترك يضغط باتجاه المصالح اللبنانية العامة، ولا توجد قوى سياسية استقلالية طموحها صياغة الوحدة اللبنانية على الركائز التي سبق أن تبلورت في تسوية الطائف.

خلال سبع سنوات لا صوت يعلو على صوت الخطاب الطائفي المذهبي المتوتر الاتهامي التهديدي الإقصائي التقسيمي من كلا الطرفين. لم يتقدم اللبنانيون خطوة واحدة في اتجاه بلورة موقف وطني من العدو الإسرائيلي وكيفية مواجهته، ولا خاضوا جدياً في تطوير الإطار السياسي الديموقراطي لنظامهم، ولا عالجوا المشكلة الطائفية المتفجرة، ولا قدّموا حلولاً لأزماتهم الاقتصادية والاجتماعية، ولا ارتضوا علاقة سويّة مع سوريا.

ذهب اللبنانيون أبعد فأبعد نحو خيارات قصوى في تحصين وتعميق مواقعهم الطائفية المتنابذة. ترتبت على هذه الخيارات أولويات سياسية وجودية لدى الجماعات أسقطت من جدول الأعمال أي عنوان توحيدي إصلاحي تنموي أو ديموقراطي. بل صار الحديث بهذه العناوين بلا أدنى مصداقية في السلوكيات وفي المناورات المكشوفة الانتقائية والفئوية وانعدام الرؤية للمصالح اللبنانية كافة.

انفجرت الأزمة السورية وكانت أدعى أن يأتي اللبنانيون جميعهم إلى البحث عن تفاهمات تمنع استيراد المشكلات السورية إلى لبنان. لكن ذلك يتطلّب التزاماً حقيقياً بمشروع الدولة وتسوية تضمن مصالح الجميع وتؤمّن الشراكة وتعزّز الخيار الديموقراطي. بخلاف ذلك هجرت القوى السياسية الحوار الوطني وعلّقت مشكلاتها الداخلية وانجرفت في الرهان والتورّط بأشكال مختلفة في النزاع الداخلي السوري تبعاً للخيارات الإقليمية والمواقع الطائفية والمصالح السلطوية.

يعتقد اللبنانيون برغم التجارب والخيبات أنهم يستطيعون التأثير في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة. تورّطوا في حلف بغداد وخصومه، وفي «لعبة السلام المنفرد» ونقيضها، وفي نصرة الثورة الفلسطينية وضدها، وفي محور الممانعة ومعاداته، وما زالوا يتنكّبون هذه الرهانات قبل أن ينهضوا بمهمة وحدتهم الوطنية ودولتهم التي تحظى بالشرعية والولاء.

في واقع الأمر كانت الحرب دائرة في لبنان وعلى حدوده بصورة متقطّعة وجزئية حتى تفاقمت الوقائع الدالة على زجّ القوى الإقليمية جميع أوراقها في الصراع وتوسيع دائرة الاشتباك واستدعاء القوى اللبنانية إليه.

ليس مهماً الآن مَن هو الطرف المبادر أو الذي تعجّل أو الذي يعنيه هذا التوقيت بالذات، فهذه كلها تصبح نسياً في لحظة وقوع الاشتباك بعد تراكم أسبابه ومحرّضاته. استجابت القوى الطائفية لنداء الصدام، كل منها بوسائلها وعناصر قوتها وشعاراتها.

في هذه المواجهة لا قضية وطنية ولا مصلحة لبنانية عامة أو خاصة حتى للمتورطين فيها، ولا للمواطنين المهدّدين بدورة عنف أهلي تدمّر حياتهم. فلا مقاومة إسرائيل تعززها الحرب الأهلية ولا السيادة ولا الكرامة الوطنية والإنسانية تتحقق في ظل القتل والخطف والتعدي والتسلّط والسيطرة وإلغاء الآخر. فهل تملك القوى اللبنانية الفاعلة الشجاعة والرؤية لاستدراك الموقف باستنقاذ الوضع اللبناني كمهمة وطنية لا توازيها مهمة أخرى، أم أنها قرّرت المغامرة بالمصير اللبناني كما في كل تجربة سابقة لمصلحة قضايا وصراعات أكبر من لبنان فلا تخدم تلك القضايا ولا تحمي لبنان من الخراب؟! هناك مسؤولية تاريخية جسيمة على القوى الفاعلة في مراجعة مواقفها وممارساتها وطروحاتها قبل انقطاع حبل الأمن وسقوط آخر المعاقل الشرعية للدولة الواحدة. لامست أحداث الشمال الحد الفاصل بين الأمن والفوضى، بين الدولة وسقوط الدولة، بين العيش المشترك والحرب الأهلية. لعلها الفرصة الأخيرة والإنذار الأخير.

=================

شمال لبنان تحت نيران النظام السوري من جديد

ياسر الزعاترة

الدستور

22-5-2012

للشمال اللبناني سيرته المرة مع نظام آل الأسد في سوريا، فقد تعرض أبناؤه طوال عقود لظلم لا تحمله الجبال من قبل أجهزة أمن ومخابرات النظام السوري، ويبدو أن مسلسل الظلم لا يزال مستمرا إلى الآن على يد الدولة اللبنانية التي تعيش بدورها تحت رحمة حزب الله وتحالفه الانتهازي مع التيار العوني.

في ضوء ذلك، هل يمكن لعاقل أن يتخيل أن سنّة الشمال اللبناني على وجه التحديد يمكن أن يتعاطفوا مع نظام بشار الأسد حين يواجه ثورة داخلية؟ المؤكد أن هناك من أبنائه من يتحرقون شوقا لقتال من أذلهم، والأمر هنا لا يتعلق فقط بمجموعات سلفية، بل يشمل قطاعات أوسع من الشارع الشعبي، فكيف حين يأتي التصعيد على خلفية حشد مذهبي ينهض إذلال السنة في لبنان على يد حزب الله كواحد من الشواهد عليه؟!

لا يتوقعن عاقل أن يمر اجتياح بيروت من قبل حزب الله أيار عام 2008 دون مرارات ستظل كامنة في القلوب تبحث عن طرائق للتنفيس عنها، فكيف حين يضاف إلى ذلك سيطرة عملية من الحزب على الساحة السياسية من خلال حكومة يتحكم بها، إلى جانب سيطرة أمنية طاغية لا يجاريها أحد؟!

حين يبقى 300 معتقل إسلامي منذ أربع سنوات في السجون بلا محاكمة، بينما يخرج حليف حزب الله، مساعد الجنرال عون (فايز كرم)، من السجن بعد 27 شهرا من الاعتقال مرفوعا على الأكتاف، وهو الذي ثبتت عليه تهمة التعاون مع الاحتلال الصهيوني لزمن طويل، عندما يحدث ذلك، فهذا يعني أن على سنّة لبنان أن يفهموا الرسالة بوضوح، ومفادها أن أصبحوا الطرف المستضعف في لبنان، وعليهم التعايش مع هذه الحقيقة.

كاية الجيش اللبناني وسيادته وحياديته لم تعد تقنع أحدا، وصدق العلامة الشيعي اللبناني (السيد علي الأمين) حين قال في تغريدة له على صفحته في “تويتر”: “نقول للذين يرفعون شعار التأييد للجيش اللبناني: إن الحب للجيش لا يكون بإعطائه سلطة في مكان، وحرمانه منها في مكان آخر”، يقصد الضاحية الجنوبية ومناطق حزب الله الأخرى في الجنوب.

بقتل الشيخين السنيين في الشمال بطريقة مباشرة لم يعد ممكنا السكوت على هذا الظلم، لاسيما حين يروج أركان النظام السوري بأن الشمال اللبناني قد أصبح ممرا للإرهابيين من الإخوان والقاعدة، بينما يعلم الجميع أن لبنان بممراته وموانئه يقف إلى جانب النظام السوري وليس العكس.

لا ننكر أن سنّة لبنان لن يتركوا وسيلة يمكنهم من خلال دعم إخوتهم السوريين إلا ويستغلوها، ليس فقط تضامنا مع أقوام يعيشون ما عاشوه هم من ظلم على يد نظام مجرم، وليس فقط لأن الحشد المذهبي قد بلغ مداه، بل أيضا لأنهم يدركون أن سقوط النظام السوري قد يكون نقطة انفراج على نحو يعيد التوازن للساحة اللبنانية التي يهيمن عليها حزب الله بقوة السلاح الذي يدعي المقاومة بينما يعلم الجميع أنه بات مكرسا للداخل بعد انتشار قوات “اليونيفيل” على طول الحدود عقب حرب تموز 2006، وفي ظل حقيقة أن الإسرائيليين لم تعد لهم حاجة بلبنان ما دامت الجبهة الحدودية هادئة.

لا خلاف على أن معضلة السنّة في لبنان تتمثل في ممثلهم “تيار المستقبل” الذي يبدو بائسا بقياداته وتحالفاته، لكن الجنرال عون (حليف حزب الله) في المقابل ليس شيئا عظيما، وكل الزعامات السياسية في لبنان جاءت عن طريق الوراثة باستثناء حزب الله، وربما حركة أمل.

ما ينبغي أن يكون واضحا هنا هو أن سنّة لبنان لن يكفوا عن دعم الثورة السورية بما تيسر لهم من وسائل دعم، وهم لن يقبلوا بوصاية حزب الله ومن معه من سنّة تحالفوا معه لحسابات شخصية وفئوية، وأي كلام عن الوحدة الوطنية ورفض الحشد الطائفي من قبل حزب الله لن يكون مقنعا، بينما هو يسيطر على الساحة ويصطف بالكامل (بما في ذلك عسكريا) إلى جانب النظام السوري كجزء من منظومة الدعم الإيرانية.

لن يكون حلالا على حزب الله مثل هذا الموقف، بينما يجرَّم سنّة لبنان إذا وقفوا في الخندق المقابل، لاسيما أنهم لا يأخذون موقفا يخالف ما عليه إخوتهم من العرب باستثناء التابعين لدائرة النفوذ الإيراني.

سيخرج علينا موتورون من هنا وهناك يتحدثون عن موقفنا المذهبي، متجاهلين أن من يقف من نظام مجرم على خلفية مذهبية هو المذهبي المقيت، فيما وقفت الأمة ونحن جزء منها مع ثورة السوريين كجزء من وقفتها مع ثورات الشعوب العربية قاطبة وليس لاعتبار آخر قبل أن يدفع موقف إيران وحلفائها الناس قسرا نحو الاصطفاف المذهبي.

الكرة في ملعب إيران بوصفها مرجع الشيعة، وإذا لم تلجم غرور القوة الذي يتلبسها، فإن الحشد المذهبي سيتصاعد على نحو يضع الحب في طاحونة أعداء الأمة، لكنها هي من سيكون أكبر الخاسرين منه رغم خسارة الأمة بأسرها.

التاريخ : 22-05-2012

=================

المشهد السوري والحل السياسي التفاوضي

طلال الميْهني *

الثلاثاء ٢٢ مايو ٢٠١٢

الحياة

منذ انطلاقة الانتفاضة السورية في آذار (مارس) 2011 والشعب السوري المنتفض على الاستبداد يواجه قمعاً دموياً ممنهجاً، مما أوصل المشهد السوري إلى حالة من الاستعصاء والتعقيد، وبات الجميع يتساءل: ما هو الحل؟

لا شك في أن طبيعة «الحل» ستؤثر في صياغة بنية ومستقبل الدولة في المرحلة المقبلة. ومع أنه أعقد من أن يُلَخّص في مقالة، إلا أن خيارات «الحل» معتمدة على الغاية التي نصبو إليها. فإن كانت الغاية إسقاط النظام «فقط» ولتذهب سورية الدولة والشعب إلى الجحيم، فكل الخيارات متاحة، والتحالف مع كل شياطين الأرض مباح. وهذا ما نراه عملياً في تباري بعض الأطراف المتصارعة في بيع سورية، فالنظام يرتمي في أحضان روسيا، وبعض الأطراف في المعارضة تتغزل بحكومات الغرب.

أما إن كانت الغاية إسقاط النظام «و» إخماد نار حرب أهلية محتملة، «و» الحفاظ على دولة سورية موحدة تحقق أهداف الانتفاضة بالحرية والكرامة، فنحن أمام معادلة صعبة. ولا يمكن لهذه المعادلة أن تتحقق إلا من خلال «حل سياسي تفاوضي» لنقل السلطة عبر مرحلة انتقالية. أقول هذا في وقت أضحى فيه مجرد الحديث عن حلول سياسية مدعاةً للاستنكار، والتهكم، والاتهام بالطوباوية، أو اللاواقعية، أو حتى التخوين.

لكن هذا «الخيار السياسي» لا ينطلق فقط من مقاربة نظرية ومثالية، بل من معطيات عدة تتعلق بالمشهد السوري الذي استعصى من دون حسم. ولتوضيح هذه النقطة علينا أن نطرح الأسئلة بطريقة معكوسة؛ فعوضاً عن سؤالنا «كيف نُسْقِط النظام»، لا بد أن نسأل «لماذا لم يسقط النظام؟». وحينها سنقع على أسباب معقدة ومتشابكة. فالنظام ذو قاعدة موالية تمتزج فيها عوامل تتجاوز الولاء السياسي، والحراك الشعبي منتشر في المدن الصغرى والريف، لكنه ليس بذات الزخم في حلب ودمشق (تاريخياً لا يمكن الحسم خارج العاصمة). وقد أسهم الأداء البائس للمعارضة، ووقوع الانتفاضة في مطبات العسكرة والمطالبة التدويل، في تعقيد الصورة وانكفاء الشرائح الوسطى/البينية عن دعم الحراك بشكل نشط حتى لو كانت هذه الشرائح متضامنة مع الحراك وغير موالية للنظام.

فالعسكرة، مهما تم تبريرها، لم تكن ولن تكون حلاً، بل ليست سوى رد فعل على عنف النظام وغياب الحل! وهناك فارق شاسع بين صنع حل وبين البقاء أسارى لمنطق رد الفعل كما هي الحال في معظم سياسيي المعارضة. وبأخذ بنية المجتمع السوري في الاعتبار، فقد أدى ما سبق إلى انقسام مجتمعي في الموقف من الحراك الشعبي مما ينذر بتعايش أهلي مشوه، أو حرب أهلية دموية قد تتلوها «بَلْقَنة» للدولة السورية وتقسيمها إلى دويلات.

والأمر ذاته ينطبق على التدويل والتدخل الخارجي الذي يقوض مفهوم الاستقلال والسيادة، ويطيح بواحدة من الدعامات القليلة التي تجمع المجتمع السوري في ظل الدولة الحديثة.

ومع الاعتراف بأن هذا «الخيار السياسي» ليس جاهزاً أو محشوراً في جيب من ينادي به، لا بد من الاعتراف أيضاً أن كل الخيارات الأخرى ليست جاهزة أو محشورة في جيب من ينادي بها. وهنا لا بد من التنويه بأنه في كل الأحوال لا يمكن التعويل على النظام الحالي الذي لا يعدو كونه مسخاً عاجزاً عن إطلاق أي مبادرة. وبالتالي فسؤال من قبيل «وهل سيقبل النظام بالخيار السياسي؟» سؤال غير دقيق لأنه يصور النظام وكأنه سيقبل بالخيارات الأخرى من عسكرة وتدخل خارجي!

كما أن هذا السؤال حول قبول النظام من عدمه مغلوط أساساً لأنه يتعامل معنا «نحن السوريون» وكأننا كائنات منفعلة تنتظر منة أو تكرمة من نظام فاقد للأهلية. فنحن لم نأخذ إذناً من النظام لكي نقوم بثورتنا، ولن نأخذ إذناً منه حين نصنع حلاً آمناً يضمن مستقبلنا، بل سنُرْغِمُهُ على ذلك.

ولا بد أخيراً من إشارة مختصرة إلى الآليات العملية الكفيلة بتحقيق ما سبق، والتي يبدو أنها ما زالت غير ناضجة. إلا أن التوافق الدولي الأولي وما تلاه من ضغط على النظام من قبل حلفائه، ومن دعم لمبادرة كوفي أنان يمكن أن يشكل، على رغم السلبيات، بداية معقولة وأساساً للخيار السياسي.

لكن لا يمكن التعويل على مبادرة أنان بطريقة منفعلة، بل يتطلب نجاحها عملاً نشِطاً من مختلف الأطراف المعارضة، وإلا فالمبادرة مهددة بالفشل بخاصة أن أطرافاً كثيرة تسعى إلى إجهاضها وعلى رأسها النظام.

كما تجب معالجة الأسباب التي أدت إلى تأخير تحقيق أهداف الانتفاضة. ولعل أهم ما يمكن القيام به هو ترجمة الحراك الاحتجاجي في تجمعات شبابية علنية ذات قول سياسي واضح، بحيث تتجاوز حالة الاستعصاء التي تعاني منها المعارضة التقليدية، وتأخذ على عاتقها تصعيد العمل الاحتجاجي السلمي في المدن الكبرى. وسيشكل ما سبق بالتوازي مع الحراك التظاهري المنتشر في عموم سورية ضغطاً داخلياً يتعاضد مع الضغط الخارجي على النظام.

وأخيراً لا يمكن لأي حل تفاوضي أن يكتب له النجاح في ظل فقدان كامل «للثقة» بين الأطراف المعنية بالعملية التفاوضية. وعليه يتوجب تفعيل «لجان للوساطة» مؤلفة من شخصيات مستقلة عربية ودولية، حيث تعمل هذه اللجان على التوسط بين النظام والمعارضة السياسية والميدانية وفق جدول زمني وبرنامج عمل معلن بما يمهد لتطبيق بنود المبادرة وإطلاق المفاوضات.

وريثما تنضج آليات الحل السياسي، يستمر الألم عنواناً للمشهد السوري المصطبغ بالدم، ويمتزج بآهات الجرحى والمعتقلين، في حين ينادي فيه الشعب السوري المنتفض بحرية مستلبة وكرامة مهدورة.

=================

قاعدة الأسد!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

22-5-2012  

حدثان دمويان شهدتهما المنطقة لا بد من ربطهما مع بعضهما البعض لتتضح الصورة الأكبر، والأهم، لسير الأحداث في منطقتنا، سواء في اليمن، أو سوريا، أو لبنان، وربما الخليج لاحقا، لكن المهم الآن هو ربط ما حدث في اليمن أمس بما يحدث في لبنان، وبالتالي ما يحدث في سوريا، وقد يقول قائل: كيف؟

لا بد أولا من التمعن جيدا في العملية الإرهابية الدموية التي قام بها تنظيم القاعدة في اليمن لاستهداف الجيش هناك، حيث أقدم انتحاري محسوب على «القاعدة» بتفجير نفسه وسط حشد كبير من العسكريين اليمنيين، ومن تلك العملية يتضح أسلوب «القاعدة» الدموي، والوحشي، والهادف لإيقاع أكبر عدد من القتلى، كعادة التنظيم في كل عملياته الإرهابية، فما حدث في اليمن يشبه تماما جرائم «القاعدة» في العراق، من ناحية العنف والدموية، والرغبة في إسقاط أكبر عدد من القتلى، وهو أسلوب مشابه لعمليات «القاعدة»، سواء في أفغانستان، أو في السعودية من قبل حين استهدفت مجمع المحيا، أو مجمع وزارة الداخلية، وهكذا.

بينما نلاحظ أن كل العمليات المنسوبة إلى «القاعدة» في سوريا كانت تستهدف مباني أمنية جل من هم في داخلها من المعتقلين السوريين المتعاطفين مع الثورة، وغالبا ما يكون أكثر الضحايا منهم، وليس من الأمن المحسوب على نظام الطاغية الأسد، مع ملاحظة أمر آخر مهم وهو التوقيت، بالنسبة للعمليات التفجيرية في سوريا، فمن خلال هذه المقارنة البسيطة، والمهمة، يظهر أن «القاعدة» الموجودة في اليمن، مثلا، أو العراق مختلفة تماما عن «القاعدة» التي يدعي نظام الأسد وجودها في سوريا، فما هو موجود في سوريا يشبه كثيرا «أبو عدس»، وهو أسلوب النظام الأسدي، بينما الموجود في اليمن والعراق وأفغانستان هو «القاعدة» الحقيقية ذات البعد الدموي المقيت.

ولذا، فإن ما شهدناه في سوريا هو قاعدة الأسد، وليس «القاعدة» الدموية المقيتة، وقاعدة الأسد تقوم على حياكة المؤامرات، واستخدام أوراق لإشعال الملفات، وليس التدمير من أجل التدمير، وبث الرعب كما يفعل تنظيم القاعدة، فما يحدث في لبنان اليوم بكل بساطة هو أن نظام الأسد قرر أن يشعل الحريق هناك على أمل رفع الضغط عنه في سوريا، ومن أجل أن يأتي المجتمع الدولي لمفاوضته لإعادة الهدوء إلى لبنان، وهذا بالطبع مؤشر على إفلاس النظام الأسدي، وأبسط مؤشر على إفلاس النظام هو أن الصراعات في لبنان لم يدخل فيها أي من حزب الله، أو حركة أمل، وإنما بضعة محسوبين على النظام الأسدي، وليس لهم قيمة، وهذا هو أسلوب قاعدة الأسد بكل امتياز، أي تعقيد الأمور لتملك أوراق الحل، فعلها الأسد مرارا في لبنان ونجحت، لكن اليوم الوضع مختلف، حيث فشل في سوريا، وها هو يعود لتكرارها في لبنان، وقد تفشل أيضا.

ورغم كل ذلك، فإن الخطورة اليوم تكمن في أنه كلما طال بقاء الأسد فقد يسعى لاستخدام قاعدته في الخليج، أو مكان آخر، فالواضح أن نظام الطاغية يريد - كما قال مرارا - إحراق المنطقة ليبقى في الحكم، ومن هنا فإن قاعدة الأسد لا تقل خطورة عن تنظيم القاعدة الذي نراه باليمن، والفرق أن التنظيم الإرهابي واضح، بينما قاعدة الأسد متحايلة، ومتذاكية، وبسلطة نظام دمشق بالقوة!

=================

حرب أهلية ترضي الجميع!

نشر : 22/05/2012

منار الرشواني

الغد الاردنية

مفهوم تماماً أن يدفع النظام السوري باتجاه تفجير حرب أهلية، وبشكل يتناسب طردياً مع الاعتقاد بإمكانية فقدان السلطة التي تعني المال والثراء، المتأتيين عن نفوذ غير خاضع لأي مساءلة. وأهم من ذلك، أن إدراك أركان هذا النظام لتاريخ استبدادهم طويل، يجعل من الحرب الأهلية ملاذهم الأخير للدفاع عن حياتهم في مواجهة القصاص المحتوم.

بذات القدر، يبدو مفهوماً أيضاً حاجة أنصار النظام السوري، من قوميين ويساريين وإسلاميين عرب، إلى حرب أهلية تدمر سورية. فمع تأييدهم لهذا النظام رغم مجازره الممتدة عقوداً، والتي تزداد بشاعة وانكشافاً في كل يوم، لا يستطيع هؤلاء تبرير موقفهم اللاأخلاقي (بافتراض أنهم يقرون بذلك سراً) إلا بدمار البلد كاملاً. فهكذا مأساة هي وحدها ما سيمكنهم من الادعاء أن دعمهم عقوداً للدكتاتورية (أو لحرب الواحد والعصابة ضد الجميع) ليس سببه إلا أنها تظل أفضل من حرب "الجميع ضد الجميع"! وهو ما يذكر بالموقف من صدام حسين الذي يُطلب اليوم معاملته كقديس وشهيد، لأن الدمار الذي ألحقه الأميركيون بالعراق كان أكثر فظاعة من جرائمه! مع عدم جواز السؤال عن دور الرئيس الراحل، باستبداده ومغامراته العسكرية، في الوصول ببلده إلى ما هو عليه اليوم.

وحتى من يفترض أنهم على الطرف الآخر، أي المعارضة السورية وتحديداً المجلس الوطني، لا يمانعون –هذا إن لم يرغبوا- في رؤية حرب أهلية تدمر سورية. فمثل هذه الحرب بموازين القوى القائمة تعني مذبحة أو مذابح "يؤمل" أن تجر المجتمع الدولي إلى التدخل العسكري في سورية، ما يعني تحقيق الهدف (المرحلي) الوحيد للمجلس منذ تأسيسه! وبما يضمن لاحقاً، بغض النظر عن طول مدة الحرب وثمنها، اقتسام أعضاء المجلس "كعكة" السلطة الجديدة دون زيادة عدد الشركاء من جهات المعارضة الأخرى.

لا يغير من الحقائق السابقة وجود "طرف ثالث"، بحسب الأمم المتحدة، ربما يكون هو المسؤول عن التفجيرات الأخيرة، لاسيما تلك التي تطال المدنيين. فهذا الأمر إن صح، فلا يعدو أن يكون دليلاً دامغاً على التقاء النظام الذي أسس للحرب الأهلية عقوداً وأشعلها أخيراً، وكذلك معارضة المجلس الوطني التي لا تمانع استعار أوار هذه الحرب، التقائهما مع المعادين حتماً لسورية، ويرون في هكذا حرب وضعاً مثالياً لاستنزافها وتدميرها، ليس وحدها على الأغلب بل مع دول أخرى مجاورة وقريبة. لكن ربما يظل يحسب للأعداء علنيتهم، في مقابل نظام أولاً ومعارضة ثانيا، يدمران سورية باسم الوطن والوطنية، ويتحدثان باسم المواطن الذي يقدم وقود معركة.

وحدهم المواطنون السوريون الثائرون يرفضون الحرب الأهلية التي يستخدمون فيها وقوداً. لكن ربما يكون عزاؤهم الوحيد أنها ثمن محتوم لاستعادة حريتهم وكرامتهم، كما هي فرصة قسرية لاختبار ومعرفة جميع مستعبديهم سابقاً ومستغليهم حالياً.

=================

حماية الاعتدال السني الشامي

مشاري الذايدي

الشرق الاوسط

22-5-2012

بعد نحو عام على اندلاع الثورة السورية الشعبية ضد النظام الأمني الأسدي، حيث انطلقت شرارة الثورة في مارس (آذار) 2011، عجزت الأجهزة الأمنية الأسدية، بكل تشكيلاتها، عن قمع الغضب الشعبي، وإيقاف المد.

اليوم المشهد شديد الخطورة والتعقيد، ولولا «التخاذل» الأميركي والأوروبي، لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، حيث تم تسليم القياد الدولي كله للقيصر الروسي بوتين، ومعه التنين الصيني، ومعلوم مدى رهافة حس القيصر والتنين تجاه حقوق الإنسان!

سبق أن قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن جميع الخبراء وأهل القرار في الغرب يوافقون الروس في إدارتهم للأزمة السورية، طبعا خلف الأبواب المغلقة، وأن الكلام العلني الإعلامي هو للاستهلاك فقط.

خلاصة هذه المقاربة، هي أن النظام الأسدي هو أنسب الحلول بالنسبة لإسرائيل، وبالنسبة لتحجيم القوة الإسلامية في هذه المنطقة، بعد قضم القوى الأصولية لتفاحة الثورة وزهور الربيع العربي من المغرب إلى مصر.

البديل، وفق هذه المقاربة الروسية - الغربية، هو نظام غير مضمون، بينما الأسد، مع إضعافه قليلا، هو الأفضل، حيث يقف حاجزا أمام هذا المد السني الأصولي، الذي لو تمكن من بلاد الشام، فستصل أمواجه إلى عتبات الساحة الحمراء في موسكو، حيث تكون الشعوب الإسلامية «السنية» جزءا كبيرا من نسيج الاتحاد والكومنولث الروسي.

هذه هي « زبدة» المنطق، في الممانعة الروسية، مع مقاومة التفرد الأميركي طبعا بالقرار الدولي، لكن هذا جزء يخص المزاج الروسي، بينما «المشترك» بينهم وبين الأوروبيين والأميركان، هو الرغبة في إبقاء نظام مضمون بجانب إسرائيل، والرغبة في إيقاف المد السني عند هذا الحد.

حسنا، مضى الآن قرابة العام على بداية الثورة السورية، وواضح أن كل «ألاعيب» المجتمع الدولي، والجامعة العربية لم تجدِ نفعا، لا بعثة الجنرال السوداني الدابي، ولا خطة عنان، ولا بعثة الجنرال مود وجنوده المساكين من ذوي القبعات الزرقاء.

ها هي «الانفجارات» تدخل على الخط، بعد أن كانت البداية فقط من خلال التجمع والتظاهر والهتاف، الآن تدخل المفخخات، بعد البنادق. وها هي النار تنتقل إلى لبنان الذي يتلظى بنار الثورة السورية من طرابلس إلى بيروت، في بروفة حرب أهلية مصغرة، وربما تتدحرج كرة النار أكبر من ذلك.

هل أجدى التخاذل الدولي والرهان على الوقت؟

لا، وسيزيد التطرف الثوري، وسيكون أكثر أصولية وسنية، بسبب منع النجدة الدولية عن الثورة.

ما يخشاه الغرب من «تطرف» الثورة، إن هو غذاها وسلحها ودعمها، حصل بسبب منع هذه التغذية والدعم والتسليح، أي إنه حصل عكس ما يريده الغرب، ومعهم الروس أيضا.

تخيل التالي، شخص سوري سني ثوري، لكنه معتدل وغير متطرف، وشخص آخر سوري ثوري ولكنه متطرف سنيا، يتحاوران حول وجوب إبقاء الثورة في ثقافة وطنية جامعة تتعالى على النزعات الطائفية، المتطرف ينادي بوجوب رفع البيرق السني الجهادي ضد العلويين والكفرة والباطنيين والصليبيين، بينما المعتدل الثوري ينادي بوجوب رفع اللواء الوطني المتحضر، وأن الثورة هي ثورة إنسانية أخلاقية وطنية، وليست ثورة جهادية أصولية.

المتطرف: نظام الأسد يقتلنا ويفتك بأطفالنا ويهدم دورنا، لأننا سنة، وهو يكرهنا لأجل ذلك، وكان يكتم كراهيته فقط لأننا كنا خاضعين.

المعتدل: أبدا، النظام يفتك بنا لأننا نريد كرامتنا وحريتنا، دون تفريق بين سني ومسيحي ودرزي، وحتى علوي، ودون تفريق بين كردي وعربي وتركماني.

المتطرف: لماذا إذن يدعم الغرب المسيحي، ومعه الروس، هذا النظام، ويمدونه بأسباب البقاء، بينما لم يفعلوا ذلك مع النظام التونسي أو المصري أو الليبي؟ أليس ذلك من أجل خاطر إسرائيل، وخوفا من ثورتنا لأن من قام بها هم من السنة ضد العلويين؟

المعتدل: الوضع معقد قليلا، والغرب لديه بعض الأمل في تجاوب النظام، وهم متعبون من الحروب، وسيتضح لهم أمر هذا النظام سريعا، ويدعمون ثورتنا، والروس لديهم موقف مناكفة مع الأميركان، وليست القصة قصة منطلق طائفي.

المتطرف يقطع حديثه فجأة بسبب قذيفة أطلقتها الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، مزقت أشلاء محاوره المعتدل، ليقوم هو بتجميع أشلاء رفيقه الثوري المعتدل، ثم يلقي خطبة جهادية سنية عصماء على رفاقه، ويداه ساخنتان من دماء رفيقه القتيل.

هذا المشهد المتخيل، ربما يلقي بعض الضوء على خطورة هذه المقاربة الدولية السطحية والأنانية، في إضعاف الاعتدال السني السوري في حالة الكف عن دعم الثورة السورية أسوة بما جرى في تونس ومصر وليبيا.

كما قال شوقي:

أحرام على بلابله الدوح

حلال للطير من كل جنس

يجب النظر بعيدا في المستقبل، والاستثمار في الاعتدال السني وليس في هذه الحيل المكشوفة.

إذا أردنا مستقبلا هادئا، في هذه المنطقة، فيجب الاستثمار في الاعتدال السني، وتنميته، وإكساب المعتدل السني حجة ومنطقا أمام رفيقه المتطرف السني، ليقول له لاحقا: انظر، ألا ترى كيف هبت أميركا والغرب «المسيحي» ليدعم مطالبنا الإنسانية المحقة، القصة قصة أخلاقية وإنسانية يا صديقي، وليست حربا صليبية، بدعم من الطوائف الكارهة لنا كما تتوهم.

النظر أبعد من مواضع أقدامنا هو المطلوب الآن.

من هنا، فإن بعض الأصوات التي خرجت مؤخرا في أميركا، قد تكون مؤشرا إلى بداية اليقظة من هذه الغفلة التي تسير فيها إدارة أوباما المترددة.

قبل أيام، كتب السيناتور الأميركي جوزيف ليبرمان، مقالا لخص فيه رؤيته للأزمة السورية، بعد زيارة قام بها للمنطقة. واستعرض فيها جانبا من مرارة الناس من موقف إدارة أوباما الرخو تجاه الثورة السورية.

مما قاله في مقاله اللافت هذا، شارحا وجوب التدخل الأميركي الفاعل في الأزمة السورية: «سيكون الطريق صعبا، فهناك الكثير من العقبات التي تحول دون توفير المساعدة لمقاتلي المعسكر المعارض داخل بلادهم. ومن المؤكد أن سوريا ستواجه الكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية خلال حقبة ما بعد الأسد. وسيتضمن أي تدخل مخاطر، لكن من الواضح أنه من دون تدخل أكبر، سوف يقودنا المسار الحالي إلى خطر أكبر متمثل في كارثة إنسانية واستراتيجية تتعلق بقيمنا الأخلاقية ومصالح أمننا القومي. ويمكن تفادي هذه النتيجة من خلال تغيير ميزان القوى العسكري داخل سوريا سريعا، ويعتمد هذا بالأساس على القيادة الأميركية».

وقبله كان السيناتور الأميركي الآخر جون ماكين، قد تحدث عن أن موقف الإدارة الحالية المتخاذل تجاه الثورة السورية، وتجاه المأساة الإنسانية في سوريا التي ترتكب فيها المجازر من قبل قوات النظام - يعتبر «حلقة مخزية» في التاريخ الأميركي.

هل يعتبر هذا تحولا في الموقف الأميركي؟ لا ندري، فهذه مواقف تعبر عن أشخاص خارج الإدارة، لكن أهميتها في تنبيه الرأي الأميركي إلى خطورة هذه السياسة الضعيفة المتخذة تجاه الأزمة السورية.

بكلام وجيز: عدم دعم الثورة السورية، واحتضانها وقيادتها، هو الذي سيقود إلى الكارثة الكبرى في المنطقة، وليس العكس، وترك الأمور للزمن سيزيدها تعقيدا وخطورة وليس العكس. إن كان ثمة من يرى أو يسمع ما نراه ونسمعه..

=================

لا مزاح مع الديكتاتور

محمد الرميحي

الشرق الاوسط

22-5-2012

الأسبوع الماضي اختفت أخبار المقاومة السورية خلف الكثير من العبث السياسي والإعلامي، في الوقت الذي يقف فيه العالم مبهورا أمام تضحيات الشعب السوري احتراما للقرابين اليومية التي يقدمها طعما لنيران ديكتاتورية حمقاء، شعب فاجأ العالم وفاجأ نفسه بحجم التضحيات الكبرى التي يقدمها. يخرج علينا بعض أعضاء المجلس الوطني الانتقالي كي يقولوا كم هم مختلفون فيما بينهم، كما يخرج علينا التنسيقيون ليؤكدوا كم هي خلافاتهم عميقة مع الانتقالي، وما يزيد الطين بلة تصريح برهان غليون: «إذا انتخبتم بدلا عني فسوف أستقيل»! تلك التصريحات والأخبار والخلافات صرفت الأنظار عما يدور في سوريا، وتبع تلك الأخبار سيل من المعلقين الذين ينتمون - كما يقولون - إلى الثورة السورية المجيدة، تفنيدا وشرحا على فضائيات العالم حول أسباب الاستقالة وما هي مبررات الاختلاف.

على الرغم من قناعتي الشخصية بأن كل تلك الخلافات لا تعني تعويق الثورة، فإنه في المقابل هناك ضرر أن تقع تلك الخلافات على العامة بعد تضخيمها من النظام على أنها فشل للثورة. تلك مخاطرة لا أظن أن البعض في الخارج يعرف عواقبها الإعلامية، إنه عبث ما بعده عبث يتخطى سوء الإدراك إلى البلاهة السياسية. زاد من تلك البلاهة ما صرح به بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، حيث قال إن التفجيرات في سوريا من عمل «القاعدة»، وهي إشارة سبقه إليها بعض تصريحات صادرة من الإدارة الأميركية. بان كي مون لا ينطق عن الهوى، فهو قبل أن ينطق يستشير وتأتي الإشارة من متخذ قرار في الخارجية الأميركية بمثابة توجيه، ولكنه عاد من جديد ليقول إنه ليس لديه أي معلومات دقيقة في هذا الأمر، بعد ماذا؟ بعد أن استفادت مؤسسات الإعلام المنتمية للنظام السوري ومقربيه من تلك التصريحات، هل هي بلاهة على مستوى أممي؟!

إذا جمعنا الظاهرتين معا: عبث صادر من المجلس الانتقالي وبقية مجموعات المعارضة في الخارج، يتسور عليه الكثير من مدعي المعرفة ببواطن الأمور من جهة، وما يأتي من تصريحات دولية من جهة أخرى، نعرف على وجه الدقة أن هناك أوركسترا تعزف طوعا أو عن غفلة لإبعاد نظر الرأي العام عن تضحيات ومطالب الشعب السوري الحقة. حتى تلك الأخبار التي تركز على عدد القتلى كل يوم أيضا تصرف النظر عن الأهم، وهو ما يعانيه الشعب السوري ويتعرض له من إبادة يومية. لقد كذب الجميع المظاهرات العارمة في الجامعات السورية، كما كذبها على الأرض تماسك القيادة الناضجة والمتمرسة على الأرض.

لا أحد يمزح مع الديكتاتور، فقد قرر النظام السوري أن يتبنى ما كان يتبناه صدام حسين من قبل، أي أنه على استعداد لتصفية نصف الشعب السوري من أجل أن يبقى في الحكم حتى على الجماجم، أي مقولة القذافي القديمة «إما أن أحكمكم أو أقتلكم»، إما القصر أو القبر. القطبة المخفية أن الشعب السوري بأطيافه المختلفة قد قرر أن يذهب إلى النهاية في مقاومة الديكتاتور، وهو يعرف أنه لن يترك القصر إلا إلى القبر، شعب بهذه الصلابة تتمحك قيادته المفترضة في الخارج بهذا الشخص أو ذاك، وبهذه الفكرة أو تلك. لا جدال أن الشعب السوري قد أعلن أنه هو أو النظام، وأن كل الوسائل المتاحة مباحة؛ لأن التغيير السلمي لم يعد ممكنا، حيث فات زمانه مع سقوط أول الشهداء الذين يناهز عددهم اليوم العشرين ألف (يقارب عددهم شهداء حماه عام 1982)، أما من هم في السجون فإن عددهم فاق عشرات الآلاف.

أمام هذا الزخم من العار السياسي ومن المماحكات في داخل المؤسسات التي نذرت نفسها لتمثيل الشعب السوري في الخارج، كان البعض يريد أن يختلف على جلد الدب قبل اصطياده. إن كل ما يقال من أن الخلاف صحي ومطلوب في المجالس التي تمثل مقاومة الشعب السوري، هو قول مرسل لا يستقيم مع المنطق الصحيح ولا مع الهدف، وفوق ذلك لا ينسجم مع التضحيات الكبرى التي تقدمها الأم والشابة والولد والرجل العاديون في مدن وقرى سوريا. التمرينات الذهنية والخلافات الصغرى والبكائية على الكراسي وتوزيع المهام، شيء مخجل، بل عار على من يرتكبه. إنه المدخل الذي يفتحه هؤلاء بغباء أمام تشتت الجهد السوري المقاوم، ولا يأخذون في حسابهم كل تلك الدماء التي تراق وتسيل يوميا.

لا أحد يجادل في أن المهمة صعبة، وأن العصي توضع في العجلة من قبل قوى النظام، ولكن لا أحد يجادل أيضا في أن الوقت وقت التضحية ووقت تقديم المصالح العامة على مصالح مجموعة أو تيار أو شخصيات تثير الغثيان، عندما تخرج تلك الشخصيات على الفضائيات لتبرر موقفها من هذا الموضوع أو ذاك. الوقت وقت رص الصفوف وإنكار الذات، فالملاذ الوحيد لقطع دابر الديكتاتورية النكراء هو تجاوز الشقاق بأي ثمن، فمشاعر القلق والاستنكار بدأت تنمو في أذهان المتابعين لتضحيات الشعب السوري جراء هذا الشقاق العبثي الذي يعرف الجميع أن استمراره يضيع على هذا الشعب التضحيات الجسام التي تكبدها ولا يزال، وتطيل من عذابه، لأن الديكتاتورية لا تمزح ولا تنقصها الحيل في اختراع كل الأكاذيب والإشاعات، فما بالك إن كان الشقاق يقدم لهم على طبق من تصريحات؟!

مطلوب من كل من ينادي بالإطاحة بالديكتاتورية الفجة أن يتجاوز الصغائر وألا يترك الأصل متمسكا بفرع زائل، حيث إن استمرار هذا العبث السياسي يصرف كثيرين على المستوى الدولي عن المناصرة والدعم، ويفوت على الشعب السوري قرب قطاف ثمرات ثورته التي عُمّدت بالدم. يحتاج من قدم نفسه للقيادة أن يكون القدوة للمستقبل وترسيخ قواعد في العمل المشترك قائمة على قاعدة إنكار الذات من أجل هدف أسمى من كل الأسماء ومن كل التجمعات، وهو حرية الشعب السوري وفرض العدالة التي افتقدها لسنوات طوال، فالمزح مع الديكتاتور له ثمن باهظ.

آخر الكلام:

السيدة ليلى الطرابلسي سوف يصدر لها كتاب قريبا بالفرنسية يشرح موقفها من الثورة التونسية وأيضا موقف زوجها زين العابدين، يقول من اطلع على مسودة الكتاب إنها تتهم الجيش التونسي بتغيير الولاء، مما تسبب في سقوط حكم زوجها، كلهم الآن يبحثون عن مبرر، لكن لا اعتراف بأن الناس العاديين يمكن في ظروف غير عادية أن يسحقوا جلاديهم!

=================

الأسد بين شعارين

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

22-5-2012

المشهد السوري يزداد فجورا، وهي ألطف كلمة من الممكن أن تطلق على أعمال وتصرفات وسياسات النظام في سوريا، حيث تعطلت لغة الكلام الاعتيادية عن القدرة على وصف الأفعال المؤلمة والمجازر التي يمارسها بحق شعبه لأكثر من سنة ونصف السنة متواصلة منذ انطلاق الثورة السورية ضد النظام، مع عدم إغفال أن هذا الشعب ما كان ليثور إلا بعد أن بلغ السيل الزبى؛ جراء أكثر من أربعة عقود من الذل والمهانة والعذاب قضاها مع نظام لم يرحمه أو يكرمه.

المزيد من التفجيرات المفخخة التي حصلت في أكثر من موقع بسوريا، وبحسب الإعلام الرسمي لنظام الأسد فإن من يقف خلفها هو المنظمات الإرهابية، وهي «الأسطوانة المشروخة» التي يرددها النظام وزمرته منذ انطلاق الثورة، ولكن هناك سؤالا بديهيا لا بد أن يفرض نفسه وقد يبدو ساذجا ولكنه مهم: يا ترى لماذا لا تحدث «التفجيرات الإرهابية» إلا في مواقع ومدن هي قائمة ضد النظام وتشهد المظاهرات الملتهبة ضده؟ فكيف من الممكن أن تقوم الجماعات الإرهابية (وهي بحسب الإعلام الرسمي السوري ترغب في إسقاط النظام؛ لأنها جزء من مؤامرة كونية ضده، وكذلك الثوار، وبالتالي كلاهما - الثوار والمنظمات الإرهابية - على نفس الصفحة)، بالتفجيرات في مواقع الثورة وليس في مواقع آمنة للنظام في مدن ساحلية وجبلية محسوبة أنها موالية للنظام؟

هذا السؤال بقي في رأسي باستمرار منذ انطلاقة «التفجيرات» في مختلف المدن السورية التي لا تحدث إلا بوجود مراقبي الجامعة العربية أو الأمم المتحدة في صدفة عجيبة! وبقيت تفسيرات النظام السياسية والإعلامية لما يحصل أقرب للهزل والكوميديا منها إلى المنطق والمعقول والمقبول، وبدلا من أن يعمل النظام السوري على حقن دماء شعبه والكف عن القتل والاعتقال والالتزام بأي من المبادرات التي قدمت له على طبق من ذهب، واصل نهجه المدمر والدموي، واهتم باختراق المعارضة وتفتيتها وتشويه صورتها وإبراز رموزها على أنهم عملاء وخونة ومرتزقة وأصحاب سوابق، ومروجو أكاذيب، على الرغم من أن الكثير من رموز المعارضة هم أطهر سمعة وأجدر من كل أعضاء النظام الحالي بلا أي شك ولا جدال، ولكن هذا هو الحال المزري والمؤسف لما وصلت إليه الأمور في سوريا.

وتواصل ماكينة الإعلام السوري الرسمي ترويج قصص عن قضاء أعضاء رئيسيين في النظام في عمليات اغتيال موجهة، ثم ينفي النظام هذه القصص بشكل آخر وذلك لإفقاد المعارضة المصداقية، وبالتالي الشعبية، وهو أسلوب قديم ورخيص، وليت النظام اكتفى بذلك ولكنه الآن ينقل جزءا من المشكلة والثورة إلى الجار لبنان، بدءا من مواجهات أججها ودعمها بالعتاد واللسان الأطراف المحسوبون والداعمون لنظام الأسد في الكيان السياسي بلبنان، وهم كثر كما هو معروف، ونقل المشهد فورا وسريعا إلى قلب العاصمة اللبنانية بيروت، ينفذ هذه المسألة أحزاب سياسية طائفية داعمة للأسد ومشروعه، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، ولكن نائبا من الحزب القومي السوري في البرلمان اللبناني قام يصيح بأعلى صوته داخل قاعة البرلمان يطالب بعودة الجيش السوري إلى لبنان فورا، وذلك لأجل حفظ الأمن والاستقرار ووضع حد للفوضى.

هذا طبعا جزء من «خطة» كان وضعها بعض أطراف النظام السوري، أن تعاود القوات السورية الدخول إلى لبنان بعد أن توجد الأسباب للعودة نتاج خلاف أمني وسياسي، فتضطر سوريا للدخول حفاظا على أمنها وحماية الجار، ولكن الغرض الأهم هو السيطرة على سلاح حزب الله ومصادرته، وذلك من خلال صفقة سياسية أمنية وعسكرية ومخابراتية كبرى مع إسرائيل والغرب (أشبه بما فعله القذافي مع أميركا وجورج بوش حينما تنازل عن برنامج إنتاج سلاح الدمار الشامل الكيماوي)، ولكن التردد الكبير لبعض الأطراف داخل النظام أجل تنفيذ هذه الخطة وعطل إمكانية تحقيق النتائج المرجوة، خصوصا في ظل تعاظم التكلفة البشرية من موتى وجرحى وتواصل الثورة بلا توقف.

لبنان إذا لم يتماسك جيدا فسيتم جره إلى حلبة الصراع بشكل سريع ومكلف، وها هي الدول الخليجية تدرك أن الخطر يحيط بمواطنيها في لبنان الرسمي الذي سيدعم الأسد بكل الوسائل وسيقدم «القرابين البشرية» إثباتا لهذا الدعم، وما قصة الشيخ الذي أردي قتيلا في طرابلس سوى شرارة ستشعل لبنان لأجل الأسد. ف«بالروح والدم نفديك يا أسد» ليست شعارا ولكن نهج بدأ به نظام الأسد ويبدو أنه يختم مسيرته السياسية السوداء بشعار آخر: الأسد أو نحرق البلد.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ