ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 21/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

تداعيات الأزمة في سوريا

رأي الراية

الراية

20-5-2012

تشكل دعوة قطر والإمارات والبحرين لمواطنيها إلى "عدم السفر" إلى لبنان نظرًا للتوتر الأمني السائد في هذا البلد حاليًا، والطلب من الموجودين هناك "المغادرة" حجم القلق العميق لدى المسؤولين في الدول الثلاث من تأثر الساحة اللبنانية بالأحداث المؤلمة التي تشهدها سوريا خصوصًا بعد الاشتباكات التي شهدتها مدينة طرابلس في لبنان على خلفية الانقسام اللبناني من الموقف من الثورة الشعبية السورية.

قرار الدول الثلاث لا يأتي لمعاقبة لبنان أو التخلي عنه في هذه الظروف الصعبة والدقيقة التي تمر بها المنطقة، فقطر والإمارات والبحرين من أكثر الدول التي دعمت لبنان ووقفت إلى جانبه دائمًا لكن القرار يأتي لحماية مواطني الدول الثلاث من أي تداعيات محتملة لاستمرار الأزمة السورية التي طالت بسبب عنف النظام السوري وقمعه لمواطنيه.

إن استمرار القتل والعنف الذي يمارسه النظام في وجه الثورة الشعبية والفشل في تطبيق بنود خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان الذي سبق أن وافقت عليها الحكومة السورية دون أن تقوم بتطبيق بنودها ومنها وقف العنف وسحب الأسلحة الثقيلة من المدن والبلدات السورية.

يترك آثاره ليس على سوريا فحسب بل على دول الجوار خاصة لبنان التي ما زالت تستقبل يوميًا اللاجئين السوريين الذين يفرون من أعمال القتل التي ترتكبها قوات النظام بحق المدنيين.

ثمة إجماع عالمي على ضرورة تطبيق خطة عنان بوصفها المخرج الوحيد للأزمة في سوريا التي تجنبها الانزلاق نحو حرب أهلية لا يربح فيها أحد إلا أن ما يجري على الأرض السورية.

واستمرار عمليات القتل والاعتقال ومحاصرة المدن وقصفها وإطلاق النار على المظاهرات السلمية رغم انتشار المراقبين الدوليين في مختلف المدن والبلدات السورية يشير بوضوح إلى أن النظام في سوريا الذي وافق على خطة عنان لم يلتزم بتطبيقها وأنه أراد من خلال إعلانه قبول الخطة كسب مزيد من الوقت آملا في أن ينجح في إخماد الثورة السورية. وهو ما فشل وسيفشل فيه لأن أعمال العنف والقتل التي تقوم بها قوات النظام وأجهزة أمنه فاقمت من الأزمة ودفعت بالآلاف من الجنود السوريين إلى الانشقاق عن الجيش النظامي والالتحاق بالثوار لرفضهم تصويب رصاصات بنادقهم إلى صدور أبناء وطنهم.

ما يجب أن يعرفه النظام في سوريا أن المجتمع الدولي الذي يدعم خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي ويؤكد على ضرورة تطبيقها بشكل كامل لن يسمح أن تستمر الأزمة السورية إلى الأبد أو بانتقال تداعيات الأزمة إلى دول الجوار وأن ثمة لحظة ستأتي في ظل استمرار عمليات قتل المدنيين ليقول للنظام في سوريا كفى لن نسمح باستمرار القتل.

=================

معوقات نجاح الثورة السورية

مها بدر الدين

الرأي العام

20-5-2012

أربعة أشهر بعد السنة مرت على اندلاع الثورة السورية من معقلها الأول في درعا، توسعت خلالها رقعة الثورة جغرافياً وارتفعت وتيرتها عسكرياً بتدخل أطراف خارجية سواء دولية أو شخصية في أحداثها حتى تجاوزت حدود الوطن وبدأ غبارها ينتشر في المحيط القريب من الأراضي السورية التي أصبحت مستباحة أمام الكثير من الطامعين والمستفيدين والمتآمرين والمنتقمين وكل ذي حقد دفين.

و بعد مرور هذ الفترة الطويلة بأيامها، والأطول بمآسيها وعذاباتها، لابد من الوقوف للحظات لتقييم هذه الثورة التي تتوسع حلقاتها مع بزوغ كل فجر جديد، وتتداخل فيها الخطوط البيضاء بالسوداء حتى بات من الصعب تلمس الخط الفاصل بين الثورة الشعبية العظيمة بتضحياتها وأهدافها ودوافعها، وبين هذه الفوضى الدموية غير الخلاقة التي أصبحت اليوم عنوان الموقف في الشارع السوري الثائر.

فمقارنة مع الثورات العربية الأخرى وبالنظر لاختلاف النظام السوري بوحشيته الأمنية وممارساته القمعية عن بقية الأنظمة العربية التي أطاحت بها شعوبها، فإن الثورة السورية تعتبر الأطول عمراً والأصعب هدفاً والأكثر دموية والأغلى كلفة، ساعد في ذلك التخاذل الدولي والعربي أمام حقوق الشعب السوري المسلوبة، ودعم بعض الدول والجهات الخارجية للنظام السوري سياسياً وعتادياً ومادياً، وعدم جدية الأمم المتحدة والولايات المتحدة الاميركية تحديداً بوضع حد لانتهاكات هذا النظام التي باتت مكشوفة وموثقة وعلنية، بالإضافة لبعض العوامل الداخلية التي تتعلق بالتنظيم السياسي والميداني للثورة نفسها، والتي قد تكون أكثر خطراً على مصير الثورة من أي عوامل خارجية، وربما تقف حجر عثرة ومعوقاً رئيساً أمام وصول الثورة السورية إلى هدفها في إسقاط النظام الاستبدادي القائم حتى هذه اللحظة بسبب أخطاء الثورة نفسها.

أول تلك العوامل وأهمها هي المعارضة السورية التي تشكلت منذ بداية الثورة من جناح المعارضة الخارجية الذي كان منوطاً به تمثيل حركة الشارع السوري أمام المجتمع الدولي، والعمل على التأثير على الرأي العام العالمي، وحشد التأييد الدولي اللازم لدعم قضية الشعب السوري، وجناح المعارضة الداخلية الذي تولى العمل الميداني داخل الأراضي السورية والذي تمثل بداية بالتظاهر السلمي وتبعه تشكيل الجيش الحر الناتج من عمليات الانشقاق عن الجيش الأسدي، إضافة إلى جيوب المقاومة الأهلية التي شكلها الأهالي داخل الأحياء السكنية لحماية ممتلكاتهم وتنظيم حياتهم المعيشية وتوزيع المساعدات والإغاثات وتأمين الخدمات الطبية والإسعافية للجرحى والمصابين.

وقد كان المطلوب من هذين الجناحين التوافق والانسجام التام في سرعة الحركة ووحدة الاتجاه، لتمكين الثورة السورية من المضي بشكل سلس وسريع نحو هدفها، توفيراً للدماء التي تسيل بشكل هستيري يومياً، لكن للأسف أثبتت المعارضة الخارجية خلال مسيرتها السابقة أنها ما زالت في دور الحضانة السياسية الذي لم يمكنها من تحقيق آمال الداخل رغم كل الدعم الذي توافر لها داخلياً وخارجياً، فقد انقسمت هذه المعارضة على نفسها وانبثق منها عدة مجالس وهيئات كان أبرزها المجلس الوطني السوري الذي حظي بداية بتأييد شعبي منقطع النظير وأعلن من ميادين الثورة بأنه الممثل الشرعي لها، لكن هذا المجلس قد جنح بمسيرته نحو الانفرادية والتفرد وكرس حالة الأنا المتضخمة التي يتميز بها السوريون عموماً، وظهرت على السطح السياسي مظاهر التنافر بين أعضائه والتناحر في ما بينهم على الكراسي والمناصب والرغبة في استبعاد كل طرف رؤية الطرف الآخر، وهو ما أصاب مهامه بالشلل وأغرق عمله في بحور من المهاترات والانقسامات والاستقالات، وأضعف من قدرته على التأثير على مراكز القوى خارجياً، وخيب أمل المعارضة الداخلية التي تجاوزت سرعة جناحها سرعة المعارضة في الخارج بمراحل ما ينذر بخطر محدق بمستقبل الثورة أو على الأقل وضع نهاية إيجابية لها في الوقت القريب، خصوصا مع غياب ممثل شرعي للثورة يتمتع بالحنكة السياسية والقيادة التوافقية والرؤية الديموقراطية.

و العامل الثاني الذي بدأ يطفو على السطح أخيرا فيتعلق بالدعم المادي الذي تتلقاه المعارضة الداخلية من الخارج، أو ما يعرف بالتبرعات لإغاثة الشعب السوري والتي تجمع من المغتربين ورجال الأعمال السوريين في الخارج، والمناصرين للشعب السوري من الإخوة العرب في مختلف الدول العربية خصوصا شعوب دول الخليج، فرغم السخاء المادي وتوافر الأموال الهائلة الكافية لدعم كل من الجيش الحر وجماعات المقاومة وإعالة الأسر والعوائل المهجرة والمنكوبة، إلا أن عدم التنظيم في جمع التبرعات وتوزيعها بشكل منظم وموثق وعادل بين المناطق المنكوبة وأولويات الصرف، وبدء ظهور تلاعب في مصير هذه الأموال وتشتتها في اتجاهات مختلفة، ورغبة البعض من جامعي التبرعات في بناء مجد شخصي لهم وإعادة الفضل لأنفسهم في جمع هذه الأموال، وعمل البعض الآخر على تطبيق مقولة «الأقربون أولى بالمعروف»، كل هذا أثر على قوة هذا المال الذي تحتاجه الثورة لدعمها مادياً ومعنوياً، خاصة وأنها ثورة أصبحت مسلحة بالأمر الواقع وترتبت عليها مسؤوليات تجاه الشعب المنكوب، وبالتالي فهذه العشوائية وتغليب المصالح في تنظيم الموارد المالية للثورة من المؤكد أنها ستنعكس آجلاً أم عاجلاً على قدرتها على الاستمرار في ظل هذه الفوضى المالية.

أما العامل الثالث فهو يتعلق مباشرة بالعامل الثاني، وهو ظهور بعض التفاوت التجهيزي والعتادي بين جماعات المقاومة الأهلية نتيجة لتفاوت الموارد المالية والدعم المادي الذي يصل إلى كل جماعة جراء الفوضى المالية سابقة الذكر، أدى بالتالي إلى تفاوت الاستعداد التسليحي والقتالي بين هذه المجموعات، فكل جهة قادرة على جمع التبرعات في الخارج تدعم مجموعتها بالداخل على أساس مناطقي أو عائلي، وبالتالي تنعكس قوة الجهة الداعمة على المجموعة المدعومة فيظهر هذا التفاوت بين المجموعات القتالية، وتسوء الأمور عندما تحاول المجموعة الأقوى مادياً فرض سيطرتها وكلمتها ورؤيتها على الساحة واعتبار نفسها أنها صاحبة الثورة والكفيلة بإنجاحها، بل ان إخفاء بعض هذه المجموعات لمصادر الدعم المادي الذي تتلقاه بدعوى السرية، قد أجج بعض الإشكاليات في العلاقة بين هذه المجموعات القتالية التي من المفترض أنها رديف داعم لعمل الجيش السوري الحر وتحت لوائه والذي يعتبر المسؤول الأول أمام الشعب السوري الثائر على إيصال الثورة إلى مرساها الأخير.

ان الثورة السورية اليوم في مضمارها الأخير، وإصرار الشعب السوري الحر بإزاحة النظام عن كاهله إصرار تاريخي سيدفع بالثورة حتماً إلى الفوز المؤكد والنصر المؤيد، لكن يجب الانتباه والوعي في هذه المرحلة الخطرة من ثورتنا العظيمة على هذه المعوقات التي قد تؤثر بشكل سلبي على نتيجة الثورة وقوتها، ومن الواجب على كل ثائر حر يبتغي الخلاص لسورية وأهلها من هذا الكابوس الأسود، أن يتق الله في فعله وقوله، وأن يكون عمله خالصاً لخدمة الشعب السوري العظيم.

=================

الثورة السورية ليست «ملتحية» ... والثوار ليسوا علمانيين

زين الشامي

الرأي العام

20-5-2012

استحوذت الأخبار المتعلقة بالانفجارات التي هزت العاصمة السورية دمشق ومدينة حلب وغيرها من المناطق في الآونة الاخيرة على حصة كبيرة من التعليقات واستجلبت التكهنات الكثيرة والمخاوف الكبيرة من ان يكون تنظيم القاعدة، او غيره من التنظيمات والجماعات المتطرفة المؤيدة له، هي من تقف وراء تلك التفجيرات، وهو الامر الذي من شأنه ان يجعل المجتمع الدولي اكثر حذرا في التعاطي مع ما يجري وأقل دعما وتأييدا للمحتجين والمعارضين السوريين.

وللحقيقة فإنه، ومع ازدياد العنف الذي يمارسه النظام السوري وقواته الأمنية ضد معارضيه وضد المناطق المنتفضة، اضافة الى العنف المضاد الذي يمارسه الجيش الحر وعناصر كثيرة على الارض باتت تملك السلاح، أصبح هناك الكثير من المخاوف من أن تبلغ الثورة السورية، التي بدأت اشهرها الاولى سلمية تماما ضد أحد أعتى الأنظمة في الشرق الاوسط، مستوى من العنف لا يمكن لجمه وان تصل الى مستنقع من الفوضى لا أحد يعرف متى وكيف سينتهي؟

ان الثورة التي بدأت بشعارات مثل «الموت ولا المذلة» و«الشعب السوري ما بينذل» وكان ابناؤها يواجهون الموت بصدور عارية، وصلت الى مرحلة لم تعد الغالبية العظمى من المحتجين والمنتفضين فيها تؤمن الا بلغة السلاح والعنف من اجل الدفاع عن النفس والحسم ضد النظام لاحقا. لقد اضاف تأخر وربما «تواطؤ» المجتمع الدولي اسبابا لذهاب المنتفضين نحو خيار السلاح والعنف.

النظام السوري التقط اليأس الشعبي المعبر عنه بلجوء المنتفضين وشغفهم المتزايد بالسلاح، فراح يؤكد روايته السمجة عن «المجموعات الارهابية المسلحة» بصور مرعبة وغير لائقة إعلاميا للأشلاء وضحايا التفجيرات والمباني المحترقة ومواطنين جاهزين ليلعنوا «الحرية والديموقراطية» أمام كاميرات التلفزيون الحكومي ووسائل الاعلام المحلية. لقد كان لافتا للنظر تلك اللقاءات «العفوية!» التي تأتي من لحظة ومكان التفجير مباشرة حيث الأطراف البشرية والجثث متناثرة بين السيارات المحروقة، لسوريين يقولون حرفيا: «تريدون ديموقراطية؟ تريدون حرية؟ انظروا ماذا جلب لنا دعاة الحرية والديموقراطية»... ثم يبدأون بكيل السباب على زعماء وقادة بعض الدول العربية والغربية.! بعد ساعات أو دقائق قليلة تبدأ وسائل الاعلام المحلية ووكالة الانباء الرسمية بنشر بيانات وتصريحات «لمصدر مسؤول» يحمِّل تنظيم القاعدة مسؤولية الانفجارات، بدورها وسائل الاعلام العربية والدولية التي تنتظر وتتابع، تلتقط الموقف الرسمي وتعيد ترديد ما اعلنه المصدر المسؤول عن «القاعدة»، بعده يأتي دور اجهزة الاستخبارات الدولية والمعلقين الذين يجرون مقارنات غبية عن التفجيرات التي كانت تقع في افغانستان والعراق و«أساليب وبصمات القاعدة» المتشابهة... لقد بلع الجميع الطعم، ولم تعد رواية النظام عن «العصابات الارهابية المسلحة» مجرد رواية تبعث على الضحك، لقد باتت غالبية تتحدث عن «القاعدة» وتخشى من «الثورة السورية» والتطرف وأصحاب اللحى الطويلة الذين يصولون ويجولون في المدن والقرى السورية المنتفضة.!

طبعا النظام يلعب ويستفيد من دخول عناصر عربية الى الاراضي السورية، وغالبيتهم ممن يؤمنون «بالجهاد» عبر الحدود، ليدعم روايته، لكن ان تستطيع تلك العناصر تنفيذ تفجير ضخم في قلب دمشق عبر سيارة تحمل نحو طن من المتفجرات قرب احد المقار الامنية المعزولة بالكتل الاسمنتية، فهذا امر مبالغ به كثيرا. ان مثل هذه العمليات اكبر كثيرا من قدرة الافراد. ان تفجيرات منطقة «القزّاز» في دمشق تشبه الى حد ما التفجير الذي اودى بحياة رفيق الحريري في لبنان.

ان التفجيرات المتزامنة دائما مع دخول مراقبين عرب او اجانب يشكِّلان فرصة للنظام السوري لكي يؤكِّد للمراقبين وللعالم أجمع وجهة نظره القائلة «إن الاحتجاجات في البلاد تدبِّرها وتقودها القاعدة وقوى خارجية أخرى بغرض زعزعة استقرار البلاد».

وللحقيقة فإنه وعلى الرغم من ان الغالبية من المحتجين والمنتفضين هم من خلفية اجتماعية محافظة ومتدينة، الا ان هؤلاء انتفضوا منذ البداية على الاستبداد وغياب الحريات والبطالة والفساد. هذا جل ما في الامر، اما ان يذهبوا بعيدا في اطلاق لحاهم والاغراق في التدين فهذا ليس بالضرورة «تطرفا» بقدر ما هو اشارة «يأس» تبحث عن معين وقوى خارقة من اجل المساعدة، كذلك التدين المفرط واطلاق اللحى على نحو واسع بين المنتفضين يعكس حالة من الاحباط من امكانية حصول تدخل خارجي يساعد السوريين على الخلاص من نظامهم القمعي والوحشي، لا بل ان الولايات المتحدة والدول الغربية قالت ذلك صراحة : «لن نتدخل في سورية».

لهذا السبب رأينا ان تسمية ايام الجمع في مجملها لها دلالات دينية تحمل رجاء وتوكلاً على «الله» وحده في ان ينصر ويساعد ويخلّص الشعب السوري مما هو فيه، ولهذا السبب أثارت لحية الملازم عبدالرزاق طلاس، قائد كتيبة «الفاروق» في الجيش السوري الحر في مدينة حمص، أزمة بين الإسلاميين والعلمانيين، فمنهم من رآها «رمزاً للثورة على الطغيان»، بينما اعتبرها آخرون «إساءة للثورة السورية» وربط بينها وبين ما تزعمه السلطات السورية في رواية «جماعات إرهابية مسلحة».

ان الحقيقة هي ان الثورة السورية ليست ملتحية... والثوار ليسوا علمانيين.

=================

تعقيدات الملف السوري مَن يحسمها

د. صالح بن سبعان

عكاظ

20-5-2012

لماذا يبدو الملف السوري على هذا النحو المريع من الغموض والتعقيد ؟، فمطالب الشعب السوري وفقا لأي معايير سياسية أو أخلاقية، ووفقا للقوانين الدولية أيضا في غاية الوضوح، ومطالبته بإزالة النظام الحزبي الديكتاتوري القمعي، ومطالبه بحقه للتمتع بالحرية والكرامة والعدالة هي مطالب شرعية، وقد سبقته في العالم كله، شرقا وغربا، شعوب ثارت من أجل هذه الحقوق الإنسانية واستطاعت أن تنال حقها، والثورات التي انتصرت في دول الربيع العربي أقرب أمثلة على ذلك، ورغم هذا لم تتلكأ الدول الكبرى ولا المنظمة الدولية سواء في الهيئة العامة للأمم المتحدة أو في مجلس الأمن عن تأييد حق هذه الشعوب في تقرير مصيرها وتحقيق إرادتها.. فما الجديد إذن في ثورة الشعب العربي السوري الشقيق؟.

يجمع المحللون على أن انتفاضة الشعب السوري قبل أربعة عشر شهرا لم تكن بتحريض من أي قوى خارجية حتى يقال بأنها قامت لتحقيق أهداف قوى خارجية، كما أنها لم تكن مدعومة لا بالمال ولا بالسلاح من أي طرف داخلي أو خارجي، وإنما قامت لأسباب داخلية تخص الشعب السوري وحده، وقامت واستمرت لأكثر من عام سلمية سلاحها الوحيد هو هتافات الحناجر وشعارات يكتبونها على الأقمشة والحيطان، وطيلة هذا العام كانت أسلحة النظام البعثي تعمل فيهم قتلا وتدميرا للمنازل والمساجد والمستشفيات بوحشية لم يشهد لها العالم مثيلا، وعندما تحركت ضمائر بعض أفراد من أجهزة جيش النظام الأمنية وآلت على نفسها حماية أبناء الشعب الأعزل تدخل السلاح للدفاع عن المدنيين من الأطفال والنساء والرجال.

ولكي يحافظ النظام على توازنه الأخلاقي أمام العالم، قام بسلسلة من التفجيرات ليشيع للعالم بأن هناك أيادي أجنبية تتآمر على الشعب السوري، وبالشعب هو يعني نظامه، ثم أشاع بأن دولا بعينها هي التي تقوم بتسليح المنظمات الإجرامية، ثم أمعن في الهروب إلى الأمام، ليعلن للعالم بأن تنظيم القاعدة هو الذي يشعل الحرب، وهي الفزاعة نفسها التي رفعها، لسخرية الأقدار من قبل، القذافي وعلي صالح ومبارك وابن علي.

تستطيع روسيا كحليف للنظام السوري أن تتبنى هذه المزاعم كورقة توت تغطي بها سوأتها الأخلاقية كشريك في هذه المذابح، ولكن أن يصدق الغرب هذه المزاعم ويتخذها كمبرر وذريعة لتخاذله عن اتخاذ موقف حاسم لوقفها فأمر يدعو للشك والريبة.. لكن من الواضح أن دم الشعب السوري ومطالبه وحقوقه دخلت «مزاد» المصالح والأطماع والصراعات الدولية والإقليمية، ما بين روسيا والصين وبين الكتلة الأطلسية من ناحية، وما بين تركيا وإيران إقليميا من ناحية أخرى، مع لاعبين صغار في المنطقة من دول الجوار لهم مصالحهم أيضا مثل إسرائيل وحزب الله في «مزاد» الدم السوري الشقيق، الذي يكاد يهدر عبثا وتهدر حقوقه المشروعة في الحرية والكرامة والعدل، إلا أن الشعب السوري الشجاع يظل وحده هو الذي يملك الكلمة الأخيرة والفاصلة في هذه الضجة.

 أكاديمي وكاتب سعودي.

=================

يوم طويل في حياة قصيرة

تاريخ النشر: الأحد 20 مايو 2012

د. رضوان السيد

الاتحاد

سمعتُ هذه العبارة مراراً في الأيام الأخيرة عن شبان مشاركين في الثورة السورية، قاتلوا في بابا عمرو والخالدية والقصير وتل كلخ ثم ماتوا في الرستن، وهم جميعاً في العشرينات من أعمارهم. وهكذا فقد تحولت الثورةُ السورية إلى يومٍ واحدٍ طويلٍ من التظاهُر والقتل والاعتقال والتهجير، في سائر أنحاء البلاد وبدون استثناءٍ لدمشق وحلب كما كان يحدث من قبل!

على جبهة النظام هناك نوع من "الاستقرار". فقد تضاءلت أعمال الهيئات الأمنية والشبيحة، واقتصرت مهامُّها على الاعتقال والتعذيب، وانفرد الجيش بالأعمال القتالية، وهي الفِرَقُ المضمونةُ الولاء، أما الفِرَقُ الأُخرى التي لم تتفكك فتقتصر أعمالُها على المراكز الثابتة، وهي التي لا تزال تحدث فيها الانشقاقات. وهكذا فهناك عدد يتراوح بين مائة ومائة وعشرين ألفاً من مقاتلي النظام على الأرض، وهم مقسَّمون إلى ثمانية أو تسعة قطاعات يختص كلُّ قطاع بمنطقة ثائرة، فلا يحتاج إلى الحركة لمسافات طويلةٍ إلا في حالاتٍ نادرة. والإيرانيون والعراقيون و"حزب الله" يمارسون أعمالاً لوجستيةً وقياديةً كثيرة وكبيرة. لكنهم لا يتحركون على الأرض. إنما هناك أخبار تقول إن عناصر من "حزب الله" احتلت قُرىً في منطقة القصير قبل أسبوعين، ولا تزال فيها. والإيرانيون والعراقيون وبعض الجهات الموالية تدفع للنظام مليار دولارٍ شهرياً لإعانته على الصمود، هذا بالإضافة إلى شحنات الأسلحة المتوسطة والثقيلة الآتية من إيران باستمرار، فضلاً عن نوعيات معينة من روسيا. ولا تزال للنظام السوري متنفَّسات مالية من لبنان والعراق وتركيا أحياناً. ويدلُّ كلام الأسد قبل يومين على أنّ النظام وطَّنَ نفسَه على حربٍ طويلة الأمد اعتماداً على إيران وروسيا والعراق ولبنان: روسيا للموقف الدولي بمجلس الأمن، وإيران والعراق ولبنان للمساعدة المالية والعسكرية والاستخباراتية. وقد سخر بعض المعلِّقين من كلام الأسد الذي هدَّد فرنسا بنشر الاضطراب فيها إن استمرت في التدخل ببلاده كما فعلت من قبل! لكنّ الفرنسيين يعرفون أن نظام الأسد كان يرسل عناصر تفجّر بفرنسا وغيرها، ثم يعطي معلوماتٍ عن بعضهم للسلطات الفرنسية إظهاراً للتعاوُن وكسْباً للود. وهو يفعلُ ذلك بالداخل السوري منذ شهور، ثم يصرخ شاكياً من الإرهاب، فتستجيب له الولايات المتحدة وإسرائيل، ويشاركونه الحديث عن "القاعدة" والإرهاب الذي تمركز في سوريا ولبنان من جديد! ولا إرهاب منذ سنوات بسوريا ولبنان والعراق إلا عن طريق النظام السوري وأعوانه والعناصر التي يرسلها. وقد قال مندوب النظام السوري بالأمم المتحدة قبل أيام إنه سلَّم الدول الأعضاء بمجلس الأمن قائمةً بأسماء إرهابيين انتشروا في سوريا ولبنان وغيرهما! ثم ظهر المقصود بذلك، وهو أنها عناصر "أطلقت إيران سراحها"، وأتت عبر سوريا إلى لبنان، حيث ورَّطت المولوي وزملاءه والأجهزة الأمنية اللبنانية. وعندما أَوشكت الأحداث أن تخمد بالمدينة المعذبة، بدأ القصف عليها من جبل مُحسْن الذي تأتمر عناصره ب"حزب الله" والاستخبارات السورية. فلو لم يكن هناك سببٌ للخلاص من النظام السوري غير مكافحة الإرهاب والفِتَن الداخلية، لكان ينبغي المسارعة للقيام بذلك!

أما بشأن الثورة السورية، فلا جديد في الحراك على الأرض سوى الدخول القوي لحلب. أما المناطق الثورية الأُخرى فإنها ما خمدت، إنما ازداد فيها النشاط العسكري من جانب الثوار، وهي: حمص ومناطقها، وإدلب ومناطقها، وحماة ومناطقها، ودرعا ومناطقها، ودمشق وريف دمشق، ودير الزور ومحيطها. و"الجيش السوري الحر" يزداد عدداً وعُدَّةً، وليس عبر الانشقاقات وحسْب، بل وبدخول مجندين سابقين إليه. لكنه يبقى على مستوى المناطق وأحياناً البلدات والقرى من خلال تنظيمات الكتائب. والروايات متناقضةٌ بشأن تسليحه في الشهرين الأخيرين. لكنه لا يبدو فعّالاً حتى الآن إلاّ في مواجهة قوات الأمن والشبيحة والمراكز العسكرية الثابتة والصغيرة الحجم. إنما له وظيفةٌ أُخرى قد تظهر آثارُها في الشهور المقبلة، وهي تأمين المناطق التي ينسحبُ منها الجيش النظامي، فيما يشبهُ اصطناعاً لخطوط تماس بدأت تحدث وستتزايد مع انقضاء خطة عنان. بيد أن التنسيقيات تبقى عصب الثورة وقوتها المتصاعدة، فهي لا تنظّم التظاهرات فقط، بل ترعى سائر شؤون الحياة والعيش في المناطق الثائرة، وتساعد المصابين والمعتقلين، وتتلقى المساعدات، وتنقل الأخبار إلى الخارج الإعلامي والإنساني والدولي. وهناك كلام كثير عن "ماهية" هذه التنسيقيات ومن يسيطر عليها. وهذا سؤال مشروع ويستدعي التفكير والإجابة، لو كان الوضع بسوريا يشبه مصر وتونس أو حتى ليبيا واليمن، أي لو كانت هناك مناطق يسيطر عليها الثائرون. أما الواقع فهو أن التنسيقيات هي نهوض شبان رفضوا القتل والاعتقال، وتضامنوا بإمكانياتهم وإبداعاتهم وقدراتهم التنظيمية مع أهلهم وذويهم وأبناء وطنهم. وقد صدرت عن عشرات منهم كتب ومقالات وأحاديث في وسائل الاتصال. ولا يخلو الأمر من ميل حزبي أو سياسي لدى بعض الشبان لهذه الجهة أو تلك، لكن الحراك الثوري أعاد ترتيبهم، فانتهت سائر الحساسيات لدى أهل التنسيقيات. وإنما لم تنته بالطبع لدى جهات المعارضة التقليدية التي لديها دافعان: دافع المشاركة في الثورة من موقعها الحزبي، ودافع عدم القطيعة مع النظام. بيد أن المعارضة هذه لا علاقةَ لها بما يجري على الأرض، ولا تأثير لها غير استمرار تقسيم المعارضة بالخارج.

أما قصة المعارضة الخارجية، فهي قصة ائتلافات المجلس الوطني. وللحزبيين الإسلاميين وغير الإسلاميين، كما للمستقلين، دور في أفكاره وبياناته وتحركاته. وقد أفاد الثورة في التواصل مع الجهات الخارجية، وفي استقطاب السوريين بالخارج والعرب بالمهجر، وحصل على اعترافاتٍ عربيةٍ وإقليميةٍ ودولية. لكنه ما استطاع الوصول إلى أمرين: التحول إلى قيادة فاعلة للحراك الثوري الداخلي، وإنتاج خطط وبدائل حاضرة ومستقبلية للوضع في سوريا. وبذلك فقد اقتصرت فوائده على أنه تحول إلى عنوانٍ للثورة يمكن مخاطبته من الجهات الرسمية والدولية والوكالات الإنسانية. ولأن هذه الأدوار كلَّها ما كانت كبيرةً ولا مؤثّرةً في مسار الثورة ومصيرها، فقد ظهر التذمُّرُ منه لدى عدة جهات: الجهات الثورية الداخلية (التنسيقيات) التي أرادت دعماً أكبر بكثير ولم تحصل عليه. كما ظهر التذمُّرُ من أطراف سورية وعربية ودولية، أرادت أن لا يذهب المجلس الوطني باتجاه الدعوة للتدخل العسكري الخارجي أو حتى باتجاه الدعوة لمناطق آمنة. ولأن ذلك حصل فقد اعتبرته عدة جهات تابعاً لمحورٍ دولي، وتقصد به الولايات المتحدة التي تُصرُّ يومياً على القول إنّ التدخل العسكريَّ غير وارد! وظهر التذمُّر من الأطراف المعارِضة السورية الأُخرى، لأنها رأت فيه انتقاصاً لدورها ونضالها. والواقع أن طول زمن الثورة، وزمن المُعاناة قد يؤثّران في بقاء المجلس الوطني، لصالح نشوء قيادة بالداخل، وبخاصةٍ إذا توافرت مناطق سيطرةٍ معتبرة، وإن لم تكن "آمنة". لقد ثبت أنّ المجلس الوطني مفيد، لكنه غير ضروري بحالته الحاضرة.

ولا شك أن المعاناة الطويلة في اليوم الطويل هذا للثورة في سوريا، إنما تعود إلى ثلاثة عوامل: تماسُك النظام حتى الآن، والتحالف الإقليمي الذي يستند إليه، والتردد الأميركي بسبب الحرص على أمن إسرائيل. وهذه العوامل متداخلةٌ وليست منفصلة، لذلك فإن حدوث اختلال في أحدها، ربما أدى إلى انهدام منظومة أمن النظام كلها وسقوطه. وحتى يحصل ذلك، فإن الأمور تبقى بالنسبة لشباب الثورة في سوريا بمثابة يوم طويل في حياة قصيرة!

=================

النظام السوري و"العروبة التجارية"

رستم محمود

المستقبل

20-5-2012

قضي الأمر، ولم يُشفع للكاتب الفلسطيني الأردني سلامة كيلة أي شيء، ورُحل إلى الأردن. أبُعد بعد اسبوع واحد من اعتقاله، فقد بات في المكان غير الصحي من معركة النظام السوري، المعركة التي ربما تكون الأخيرة. لم يشفع لكيلة مئات المقالات وعشرات الكتب التي سطرها طوال عمره، دفاعا عن قضايا العدالة الاجتماعية والسياسية والثقافية. وكذلك لم يشفع له نضاله المديد والحاسم لسنوات طويلة عن قضية فلسطين واهلها. والأهم، أن زواجه من سورية (رفيقة دربه المناضلة والكاتبة السورية ناهد بدوية) وسنين اقامته المديدة في سوريا، لم تردعا آلة النظام من إلقائه خلف الحدود، فهذان الاعتباران يؤخذان قضائياً، حين تكون القضية متعلقة بالإبعاد. فالعرف القضائي العالمي يأخذ الذاكرة وتعلق الفرد بالمكان والمجتمع في اعتباره، حين يهم باتخاذ أي قرار يتعلق بإبعاد إي فرد عن الدولة، أيا كان جرمه. فسلامة كيلة الذي لم يعرف غير دمشق وحواريها ومقاهيها وجدالاتها وناسها وهمومها مكانا، انتزع جسده من كل تلك البحيرة الإنسانية، بكل أبعادها، بجرة قلم واحدة.

قبل قضية كيلة بأربع سنوات بالضبط، كانت السلطات السورية قد أبعدت الدكتور غازي العليان الفلسطيني-الأردني الآخر، بسبب النشاط السياسي لزوجته، الدكتورة فداء أكرم الحوراني. حيث أتُخذ ذلك القرار بالإبعاد، بالتزامن مع الحكم الصادر على زوجته بسبب رئاستها لتجمع "إعلان دمشق" المعارض. وقبل ذلك بعامين انتشرت الكثير من الشائعات مفادها أن السلطات السورية سلمت العشرات من الناشطين الأحوازيين العرب لإيران، ولسوء الطالع، فإن أحد هؤلاء كان يحمل الجنسية الهولندية، حيث كُشفت القضية بعد متابعة الحكومة الهولندية لها. بين زمن القضيتين، كانت السلطات السورية نفسها، قد هددت الحكومة العراقية بترحيل آلاف العراقيين المقيمين على أراضيها. كانت تهدد بذلك، كلما كانت السلطات العراقية تتهم نظيرتها السورية بالوقوف وراء العلميات الإرهابية التي تنفذ على أراضيها. شكلت كل تلك الأمثلة، والكثيرات الاخريات مثلها، نماذج عن سلوكيات النظام السوري تجاه المواطنين العرب الذين يقيمون على الأراضي السورية بظروفهم المختلفة، لاجئين كانوا أو مقيمين. حيث يشكل ذلك التعامل دليلا ومعيارا معبرا عن طبيعة فهم ووعي النظام السوري الفعلي المباشر لل"العروبة". فطالما أن العروبة برمزيتاها وطروحاتها الكبرى، في الوحدة والحرية والاشتراكية، لا تملك دلالات ومعايير عيانية لقياسها، فإن مثل تلك التصرفات المباشرة الجزئية، تدل على طبيعة الوعي البراغماتي الاستغلالي لمفهوم العروبة، بحكم موقع سوريا الجغرافي وطبيعة المجتمع السوري.

دوما، كان ثمة ما يشبه الترافق بين تحولات طبيعة النظام السوري الحقيقية، وبين استلهامه ووعيه لمفهوم العروبة، ربما لأن العروبة بأشكالها المختلفة، وعلى نحو دائم، كانت تشكل البنية الحقيقية للأنظمة السورية المختلفة. فحكم البعث الأول (1963 -1970)، امتاز بالخضوع النسبي للنظام السياسي لطروحات العروبة البعثية. حيث كان ذلك مدخلا لبرود العلاقة بين سورية ومحيطها العربي والتركي، بسبب ذلك التطابق بين الطروحات العروبية والنظام السياسي. فقد كانت "سوريا الايديولوجيا" وقتها، تشكل الاستفزاز السياسي النظري لكل محيطها السياسي. وفي الوقت نفسه، كانت القطيعة قد رسمت الخطوط بين النظام السياسي والطبقة البرجوازية التقليدية السورية التي كانت تحكم سابقاً. ذلك التماهي بين النظام السوري وقتها و"القيم" النظرية للعروبة أدت، بما تسببت به من أزمات، إلى انفصام قاطع بينهما في انقلاب 1970. فنظام الرئيس الأسد (1970-2000) تخلى منذ البدايات عن ذلك الانشغال النظري بالعروبة ومفاهيمها، وإن حافظ في الخطاب السياسي والمحمول الايديولوجي للنظام على خطابيته العروبية تلك. فجل التحالفات والسلوكيات السياسية الاقليمية التي نسجها نظام الأسد، كانت تتوزع على طيف واسع من الخيارات التي كانت تتباين في كثير الحالات مع ذلك التبني النظري للعروبة العقائدية، وإن كانت في مرات كثيرة تتناقض معها بالتمام، خصوصا في مرحلة الثمانينات، حين الانقسام الاقليمي الحاد بين المحورين العراقي والإيراني. وفي الداخل السوري، كان الاسد قد اعاد الاعتبار، وربما التحالف حسب الكثير من التحليلات، للبرجوازية التجارية المدينية، وأوقف كل السياسات العقائدية التي كانت تمارس قبل انقلابه، وفي دلالة على تلك المصالحة بين الجانبين، رفع تجار سوق الحميدية لوحة على مدخل السوق مكتوب عليها "أردنا من الله المدد، أرسل لنا حافظ الأسد".

في التحول السياسي الثالث الذي دخله النظام السوري منذ عام 2000، تم التخلي الكامل عن البنية الحزبية والخطابية العروبية التي كان النظام يستند إليها، حيث بقيت العروبيات الخطابية بكل أشكالها الحزبية والقانونية والمؤسساتية، نزورا ونكاتا يتناولها الشارع السوري. فالبقية الباقية من "التراث" النظري والعياني قد تم التخلي عنه، من خلال السياسات الاقليمية القائمة على المصلحة الامنية البحتة للنظام السياسي من طرف، ومن خلال السياسات الاقتصادية الليبرالية غير المعقلنة من طرف آخر. فالنظام السوري في عقده الأخير تحول إلى جسم محض أمني وجهازي، فلا عقيدة سياسية ولا جوهر ورؤية نظرية وخطابية له. فالنظام جوهر ذاته، واسباب بقائه هي معنى ومقياس أدائه وسلوكياته. فالعروبة لم يبق منها، إلا ما بقي للسيف من استعمال في العصر الحديث.

وفق سيرة التعامل الانتهازي مع العروبة، كانت تجري حكايات تعامل النظام السوري مع كل الأطر النظرية الأخرى في حمالته السياسية، من إسلام وطائفية وليبرالية وحرية واصلاح وتصليح...الخ. فالنظام جوهر نفسه، وباقي العدة لزوم ما لا يلزم، فالظاهر أن الاستبداد هو منبع الأنانية من دون استثناء.

مرة طالب أحد النواب اللبنانيين من اللواء غازي كنعان رئيس قوات الاستطلاع السورية في لبنان، طالبه بأن تخفف القوات السورية من ضغوطها وممارساتها غير اللطيفة مع المواطنين اللبنانيين، الذين يشكون منها. فابتسم اللواء كنعان ورد ببساطة: بس لو يشوفوا شو بتساوي هالقوات بالمواطنين السوريين !!

لن تكون سوريا بلداً للعرب والأكراد والمسلمين والشرق أوسطيين وكل البشر، قبل أن تكون وطناً حراً لمواطنيها السوريين الأحرار أولاً.

=================

تركيا وإيران والربيع العربي

بقلم:  محمد زاهد جول

المصدر: الديمقراطية

http://digital.ahram.org.eg/Policy.aspx?Serial=891308

شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تقارباً بين تركيا وإيران، نتيجة سياسة العمق الإستراتيجي لتركيا، ومبدأ تصفير المشاكل اللذين ابتكرهما وزير خارجيتها أحمد داود أغلو، وبالأخص بعد الفوز الثاني لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية عام 2006.

ويمكن القول إن ما لا يطمئن الدول والشعوب العربية من إيران هو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبعد نجاحها في مد نفوذها في العراق وسوريا ولبنان ضمن نظرية الهلال الشيعي، فإنها وبعد ثورات الربيع العربي طمعت في أن تستثمر هذه الظروف في زيادة نفوذها إلي الدول التي نجحت في إسقاط الحكومات الاستبدادية فيها، بحكم أن مقاليد الأمور السياسية في هذه الدول قد آلت إلي الحركات الإسلامية التي كانت في صداقة سابقة مع قيادات الثورة الإسلامية الإيرانية، فبدت بشائر الفرح في تصريحات القادة الإيرانيين مما يجري في الربيع العربي، وفي مقدمتها كلمات المرشد الأعلي علي خامنئي، الذي رحب بالتغييرات الجارية في الوطن العربي، إثر سقوط رؤساء: تونس ومصر وليبيا، وكذلك دعمت إيران الاعتصامات والمظاهرات التي يقوم بها مواطنون بحرينيون في المنامة، فبدت إيران وكأنها داعمة للربيع العربي، وتسعي إلي تحسين علاقاتها مع هذه الأنظمة الجديدة، ولكنها، وعندما وصل الربيع العربي إلي عقر دارها وتحالفها الرباعي علي الأرض السورية، فإنها رفضته ووقفت في وجهه، بل استنفرت كل إمكانياتها الإعلامية بالتنديد بالربيع العربي في سوريا، وتابعت وصف النظام السوري البعثي بأن ما يجري أعمال إرهابية وإجرامية تقودها وتحركها القوي الغربية، وبعض الدول العربية المؤيدة للثورة السورية، وأن الآلاف من الإرهابيين العرب قد دخلوا سوريا لمقاتلة النظام الحاكم هناك، وبذلك كشف القناع مرة أخري عن الوجه الحقيقي للجمهورية الإسلامية الإيرانية نحو الشعب العربي، وأن إيران لا تقف إلي جانب الدول العربية ولا الشعب العربي إلا من أجل مصالحها هي، وأنها تضع مصالحها الخاصة قبل أي اعتبار.

إن الموقف الإيراني والعراقي واللبناني التابع لحزب الله يعبر عن وجهة نظر حلف واحد، هو الحلف الرباعي أو الحلف الشيعي أو الهلال الشيعي أو غيرها، ومواقف هذا الحلف ليست غريبة عن أحداث الربيع العربي عموما، ومن الموقف من الثورة السورية، لأن هذا التحالف يحمل مشروعاً للمنطقة أولاً، وللعالم الإسلامي ثانياً، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تجد دولة إسلامية في العالم الإسلامي اليوم تحمل الراية الإسلامية وتدافع عنها في المحافل الدولية، لا من العرب، ولا من الأتراك، ولا من الباكستانيين، ولا من الماليزيين، ولا من الأندونسيين ولا من غيرهم، وأن الساحة الإسلامية، ومنذ انهيار الدولة العلية العثمانية فارغة من القيادة الإسلامية علي مستوي العالم الإسلامي كله، وان ما توفر لها من إمكانيات في العصر الحديث في إيران عام 1979، وفي سوريا أيضاً من أيام حافظ الأسد، وفي لبنان عام 1982 و2006 في حرب تموز، وفي العراق عام 2003 و2011 إثر الانسحاب الأمريكي من العراق، وأخيرا سقوط أنظمة عربية كانت للنفوذ الإيراني بالمرصاد، في كل ذلك تري إيران فرصتها الذهبية التاريخية التي ربما لم يتوافر لها مثيل ولا أيام الدولة الصوفية، ولذا فهي أمام فرصة تاريخية أن تقود العالم الإسلامي، وهي عازمة علي جعل كل ذلك في معادلات النفوذ والقوة الإيرانية في الإقليم، وفي العالم الإسلامي كافة، وعلي هذا الأساس دعت إلي العديد من المؤتمرات لكافة الحركات الإسلامية، لعقد مباحثاتها مع القيادة الإيرانية وأخذ توجيهاتها ودعمها منها، وبالأخص منها المشاركة في الصحوة الإسلامية في بلدانها، بل لم تسلم الحركات الصوفية منها، ودعتها إلي إيران، ودعتها إلي الوحدة الإسلامية ضمن المفهوم الإيراني الشيعي للوحدة الإسلامية والعمل الإسلامي المشترك.

وبعد أن وصلت إيران إلي هذا المستوي من التخطيط والنجاح والنفوذ، شكلت الثورة السورية لها تحدياً كبيراً، وبالأخص لمشروعها في المنطقة العربية التي أن نجحت في كسبها إلي جانبها فإنها ستكون قد حققت النصر الكبير، هذه هي الغاية التي تأمل الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحقيقها من خلال دعمها للتغيرات التحررية في الوطن العربي، ولكنها، وقبل أن تنتقل ثورات الربيع العربي إلي الأماكن التي تخطط لها في الخليج العربي، وجدت نفسها في مواجهتها في سوريا، فصدمت من أن هذه الثورات قد دخلت أحد معاقلها، ونالت اكبر أعمدتها في المنطقة، وهو النظام السوري الطائفي، وأن المظاهرات تهتف بسقوط أول ركن من أركان وجودها في الوطن العربي، وهو بشار الأسد، مما جعلها في حالة دفاع مستميت عنه، وكلفت رجلها الثاني في المنطقة، حسن نصرالله بعد بشار الأسد أن يستنفر كل إمكانياته الخطابية والإعلامية ورصيده الشعبي السابق بين العرب والمسلمين لدعم النظام السوري وبشار الأسد، وعدم التخلي عنه مهما تكن النتائج، ومهما تكن الجرائم التي يقوم بها بشار الأسد وعصاباته الإجرامية، فالأمر أخطر من سوريا وما يجري في داخلها، بل إن إيران بذلك قد ضحت بمكانة حسن نصر الله بين العرب لصالح بشار، وكان عليها أن لا تفعل ذلك، وبذلك كشفت عن أن ما يجري هو صراع علي سوريا وليس صراعاً في سوريا، وفي نظرها أن خسارة أحد أركان الحلف الرباعي يعني خسارة الحلف لأهم دعائمه العربية، بل هو مقدمة لخسارة المشروع بأكمله، في سوريا وفي لبنان وقد يصل الأمر إلي العراق أيضاً، وهذا ما جعل حسن نصرالله ينخرط في العملية الإيرانية إما عن قناعة أو خيار المستميت، لذا فإن أمين عام حزب الله يدرك أن ما يجري في سوريا هي معركته هو كما هي معركة بشار الأسد، وأنها معركة العراق، ومعركة إيران أيضاً، فلا غرابة إذاً ما تنادي مليشيات شيعية عراقية أو ألوية من الحرس الثوري الإيراني أو من حزب الله أيضاً للقتال في سوريا دفاعاً عن حلفهم الرباعي وهلالهم المهدد.

إن كل ما يقال عن وجود قيادة عسكرية إيرانية تخطط وتقاتل في سوريا بعنف وقسوة وشدة هو أمر قابل للتصديق، لأن هذه المليشيات معبئة ومنذ زمن بعيد للانتقام والثأر، وهم يعلمون أو لا يعلمون أنهم ينتقمون من أخوة لهم وليس من عدو حقيقي لهم، فليس بين الشعب السوري مهما تكن طوائفه، ومن السنة تحديدا، أي عداء بينهم وبين أخوتهم اللبنانيين الشيعة في حزب الله، ولا في العراق، ولا في إيران، ولا يوجد ثأر قائم اليوم بين العرب مع بعضهم بعضاً، ولا مع الفرس، ولا مع الأتراك ولا مع غيرهم، لأن ما يجري في سوريا ينبغي أن يفهم علي أنه شأن سوري محض، مثل الذي حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن، فلماذا تورط إيران نفسها في هذه القضية العربية الشعبية.

إن دخول الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي القضية السورية بكامل قوتها الإعلامية والأمنية والعسكرية هو الذي عقد الأمر، لأن سقوط بشار لو سار في الوضع الطبيعي لن يخلق نظاماً معادياً لإيران ولا لحزب الله، وقد لا يكون متعاوناً مع المشروع الإيراني، ولكن ليس بالضرورة أن يكون ضده، وهذا الأمر ينبغي أن يكون موضع بحث ومفاوضات في البحث عن الحل للأزمة السورية، وإلا فإن الحلم الإيراني في بناء إيران دولة قوية سيحبط في مهده.

ومن هنا، يمكن أن نفهم التصور التركي للأزمة الراهنة في سوريا وموقفها من الربيع العربي عموماً، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية تريده ربيعاً عربياً لصالح النفوذ الإيراني فقط، فإن كانت الثورات للمشروع العربي الخالص فإنها لن تكون معه، بل من الممكن أن تقف ضده كما هو حاصل الآن في سوريا، بينما تركيا تريده ربيعاً عربياً وتصالحاً إسلامياً يعبر عن إرادات الشعوب العربية وخيارتها المستقبلية الحرة، دون أن تتدخل تركيا في الشؤون العربية ولا في تقرير مصيرها الثقافي، ولا الاجتماعي ولا الاقتصادي، ولا السياسي، ودون أن تفرض عليها الانضواء في المشروع التركي الإقليمي أو العالمي إلا بإرادتها الحرة والمستقلة والندية التامة وليس التبعية فقط.

من المعلوم أن سياسة تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية قامت علي سياسة العمق الإستراتيجي لتركيا وسياسة تصفير المشاكل، وبعد عقد كامل من مباشرة حزب العدالة والتنمية لهذا المشروع، وإذا به يدخل في عقده الثاني، وهو يسعي لإطفاء الحرائق في المنطقة التي كان يخطط لها بالرفاه والازدهار والتقدم، وكأن دور حزب العدالة والتنمية التاريخي والرسالي أن يتحول من التبشير بالمستقبل الأفضل إلي الإنذار من الغد الأسوأ، مما قد يقع في المنطقة من حروب وتدمير وخراب، إدراكاً منه بأن عدم نجاح الاستراتيجية السابقة أو تعطلها أو تعثرها لا ينبغي أن يؤدي إلي دمار شامل، فجاءت الإنذارات التركية علي مستوي رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ووزير خارجيته، بأن النظام السوري لا يستطيع أن يواصل قتله للشعب السوري إلي الأبد، ولا دون مساءلة، وأن تركيا لا تسمح بدخول سوريا ولا المنطقة في حرب أهلية بين السنة والشيعة، وأن شعوب المنطقة في غني عنها، وأن تركيا ليست في معزل عن هذا الخطر، بل ستجد نفسها مرغمة في رحي هذه الحروب الحمقاء إن لم تتدارك دول المنطقة أمورها في الوقت المناسب.

لا شك في أن ثورات الربيع العربي قد أثرت علي الإستراتيجية التركية السابقة، وأنها ربما أعاقت مسار استراتيجية تصفير المشاكل، وهذا أمر تتفهمه السياسة التركية، وتعمل علي جعله عامل قوة في نجاح الاستراتيجية السابقة وليس عامل ضعف، ولا خلق تحالفات بغيضة أو محاور مذهبية في المنطقة، وقد تفاعلت الحكومة التركية مع ثورات تونس ومصر وليبيا، وهي في مهدها وحتي نهايتها، بينما تفاعلت مع الأحداث في سوريا قبل اندلاع الثورة بشهرين تقريباً، وكانت إلي جانب النظام السوري، وفي صداقة حميمة مع الرئيس بشار الأسد، ولذلك حذرت النظام السوري، الذي كانت ترتبط به في علاقات سياسية واقتصادية وثيقة من المراهنة علي الحل الأمني، ونصحته بإجراء إصلاحات سريعة، والتفاوض مع المعارضة السورية قبل أن تندلع الثورة، ولكن النظام الأسدي أصم أذنيه وأعمي عينيه عما يجري في بلاده حتي وصل إلي ما وصل إليه، واليوم وبعد أن وصلت الأحداث في سوريا إلي إشعال فتيل حرب كاملة في المنطقة، فإن الدبلوماسية التركية تتحرك، وهي تلوح براية الخطر المحدق بالمنطقة كلها، لا خوفاً منها علي نفسها، ولا علي مشاريعها الاقتصادية التي خططت لها طويلاً، وإنما لما يحدق بأبناء الأمة الواحدة من خطر الحروب الأهلية والمذهبية والعرقية والقومية بما لم يعرف التاريخ الإسلامي له مثيلاً لا قدر الله.

إن الدول العربية وتركيا وإيران أمام مسئولية تاريخية تجاه الشعب السوري، فليست مصلحة أسرة حاكمة بأفضل ولا بأحق من مصلحة شعب بأكمله، إن لدي العرب وتركيا مصالح كبري لدي إيران ولدي الصين، ولدي روسيا، ومن يدافع حقيقة عن سوريا وتمنعه من وقف العنف هي إيران بحكم ما سبق بيانه، فإما أن تضع إيران الأمور في نصابها وإلا فإن مصالحها لدي العرب وتركيا هي في معرض التهديد والتجميد، بل هي أمام خيارات مفتوحة أشد وأقسي، وهو أمر لا تملك إيران أن تراهن عليه في ظل أزمات داخلية وخارجية، فأمريكا لا يؤمن مكرها بإيران إذا ما استنفدت مصالحها لديها، وأن مصلحة إيران والشعب الإيراني هي مع دول الجوار العربي والتركي قبل غيرهم، وأنه ليس أمام هذه القوميات الإسلامية الثلاث الكبري إلا احترام بعضها بعضا،ً وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأحدها، فكما أن للإيرانيين مشروعهم الحضاري والتصنيعي فكذلك للأتراك وكذلك ينبغي أن يكون للعرب، وما مشروع الربيع العربي إلا الخطوة الأولي في التحرر من الاستبداد فقط، والعرب أمام خطوات كبيرة وكثيرة في المستقبل، ينبغي أن يكون أول المساندين لها هي الدول الإسلامية ذات المشاريع الناجحة، مثل تركيا وإيران وماليزيا وغيرها.

لقد كانت دبلوماسية تصفير المشاكل ناجحة بكل المقاييس، لأنها دعت إلي التفاهم والتعاون بين الدول والشعوب معاً، فأيدتها الحكومات تحت ضغوط الشعوب التواقة إلي التقارب والتعاون وانتهاء أسباب الخلاف بين الأخوة والجيران، ولذلك سرعان ما حققت بعض ثمارها الاقتصادية والسياسية عند العرب والأتراك، ولم تأت ثورات الربيع العربي لتوقف التعاون والتقارب بين العرب وتركيا، بل لزيادتها، وكذلك ينبغي أن تكون في الحالة مع إيران ومع كل شعوب العالم، فالثورات تسعي للأفضل وليس للحروب الأهلية، ولا للفتن المذهبية، ولا للبغضاء العنصرية.

إن ضخامة المظاهرات في الربيع العربي وعنفوانها وصلابتها قد أذهلت شعوب العالم أجمع، وكان يمكن للحكومة التركية أن تؤيد المظاهرات، وتساند الحكومات في معالجتها لها في نفس الوقت، لو لم تقوم الحكومات العربية بمواجهة هذه المظاهرات السلمية بالعنف والبطش وإراقة الدماء والقتل المفرط للمتظاهرين، مما اضطر الحكومة التركية أن تندد بالعنف الرسمي والأمني من قبل السلطات الحاكمة، وهي تعلم أن ذلك قد يكون علي حساب العلاقات الودية مع الحكومات العربية تلك، ولكنها لم تراهن علي الحكومات المستبدة والظالمة والقاتلة لشعوبها، وهي اليوم تطالب إيران بالتعقل والاقتداء بها، وعدم مساندة النظام السوري، وهو يمعن في قتل الشعب السوري.

لقد كان واضحاً لكل متابع للمواقف التركية من الربيع العربي أن هناك حزمة من الثوابت في السياسة التركية نحو الربيع العربي، وهو التأييد التركي لمواقف الشعوب العربية في ثورات الحرية والديمقراطية والحقوق السياسية وبناء الدول العربية العصرية، وهذا التأييد التركي مشروط في أن تكون كافة التظاهرات ومطالب التغيير سلمية وغير عنفية، وقد توجهت بالنصيحة إلي الرؤساء العرب بقبول مطالب الشعوب، وإحداث التغييرات الواجبة بالطرق الديمقراطية، وعمل إصلاحات داخلية توافقية مع قوي المعارضة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في كافة مستوياتها، البلدية والبرلمانية والرئاسية، وعدم استعمال القوة لا من الأنظمة الحاكمة بهدف قمع المظاهرات السلمية، ولا من المتظاهرين سواء بهدف تغيير النظام بالقوة، ولا باستعمال العنف في مواجهة قمع النظام، لأن ذلك يؤدي إلي إراقة المزيد من الدماء، ويغير وجه الثورة السلمية.

وليكن واضحا أن المستفيد الأكبر من تواصل القتل والتدمير والتشريد في سوريا هي القوي المعادية للأمة العربية والإسلامية معاً، وكما توافقت مصالح تركيا وإيران في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، ومن بينها موقفهما من عدم السماح للدولة الإسرائيلية أن تكون الدولة المهيمنة علي المنطقة، ودعمهما لقوي المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية حماس، واعترافهما بها حكومة شرعية، ورفض الحصار المفروض علي غزة، ومساعدة الشعب الفلسطيني في صموده ضد الاحتلال، فكذلك ينبغي أن يكون موقفهما من كافة القضايا العربية، ومنها قضية التحرر من الأنظمة الاستبدادية، وأن تتم المساعدة لمن يطلبها بالطرق السلمية، بأن تكون الدعوات المشتركة التركية والإيرانية للأنظمة العربية التي تشهد ثورات شعبية، بأن تجري فيها انتخابات حرة ونزيهة، وأن يسمح لكافة القوي الشعبية أن تشارك فيها، فالتجربة الإيرانية السياسية هي خيار الشعب الإيراني، وكذلك التجربة التركية السياسية هي خيار الشعب التركي، والشعب العربي تواق ليكون حراً، أسوة بالشعب الإيراني والتركي وغيرهما، فالمستقبل في العلاقات العربية والتركية والإيرانية ينبغي أن يكون نحو التعاون بينهم.

إن الواقع الحالي لا يشير إلي أن العلاقات التركية - الإيرانية متوافقة نحو ثورات الربيع العربي، بل إن الاختلاف بينهما واضح لأكثر من سبب، وفي أكثر من مجال، ولعل أولها تغليب إيران مواقفها الأيديولوجية ونفوذها السياسي في المنطقة العربية علي مصالحها الاقتصادية وعلاقات حسن الجوار، بينما تغلب الحكومة التركية المصالح الاقتصادية وحسن الجوار أو تصفير المشاكل علي اعتبارات النفوذ السياسي أو فرض رؤي تركية خاصة في الثقافة أو الأنظمة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية في الدول العربية، فضلاً عن أن يكون لها رغبة في النفوذ الأمني أو العسكري، بل تعمل الحكومة التركية علي أن تكون علاقاتها مع الجوار وبالأخص الدول العربية علاقات ودية.

ترجع مواقف تركيا وإيران من الثورات العربية إلي اعتبارات عديدة منها التاريخي، ومنها المعاصر، وقد استطاعت تركيا أن تصحح مواقفها التاريخية من الدول العربية بعد الإستراتيجية التركية الجديدة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، بينما لم تتمكن إيران من تصحيح مواقفها التاريخية إلا مع العدد القليل من الدول العربية، وفي ظروف استثنائية ومشبوهة، مثل علاقتها مع العراق أثناء وبعد الاحتلال الأمريكي لها، وضمن تحالفات خاصة تلعب الأيديولوجيا فيها عاملاً كبيراً مثل علاقة إيران بسوريا في ظل عائلة الأسد العلوية الشيعية، ومع لبنان في ظل هيمنة حزب الله الشيعي علي الساحة اللبنانية في العقود الأخيرة، ولكن صورة إيران عند الشعب العربي في تضاؤل وتآكل متسارع، بسبب ما يجري في سوريا من مذابح وجرائم لا تعمل الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي وقفها ولا التنديد بها، ولا تشارك جهود جامعة الدول العربية علي إيجاد مخرج من هذه الأزمة، إن لم تكن شريكا حقيقياً فيها.

إن ما أصبحت إيران تملكه عند الشعوب العربية هو مزيد من الخسارة في رصيد الثقة بها، لأنها فشلت علي المحك السوري، كما فشلت علي المحك العراقي والأفغاني من قبل، وقد قيل إن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، والشعب العربي لدغ من الجحر الإيراني مرات عديدة في أقل من عقد واحد، بينما ارتفع الرصيد التركي لدي الشعب العربي قبل الربيع العربي وبعده، لأنه وقف مساندا لمواقف الشعوب وليس باحثاً عن نفوذ سياسي ولا مكاسب خاصة، دون أن يكون العرب شركاء متساوون فيها إطلاقاً.

===============================

نيرون سوريا... ولبنان

احمد عياش

2012-05-20

النهار

يقول مرجع أمني لكاتب هذه السطور ان من يريد أن يتبصر في ما يجري التحضير له لطرابلس هذه الايام عليه أن يتذكر ما جرى للبنان بعد زيارة الرئيس أنور السادات للقدس في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي عندما أشعل معارضو السادات ومؤيدوه النيران في هذا البلد ضمن حسابات خاصة لكل منهم ليلتقوا في النهاية على تدمير لبنان وهذا ما فعلوه.

الأمبراطور الايراني في هذا الزمن وحاكم إحدى ولاياته في دمشق ومعهما الجندي اللبناني في جيش ولاية الفقيه قرروا اليوم اشعال حريق طرابلس كما نيرون روما لاخضاع الخاصرة الصلبة لنظام بشار الأسد التي تمتد من حمص شمالاً الى طرابلس الشام جنوباً. فيما يعتبر "حزب الله" ان سائر أقضية لبنان الثلاثة: بيروت، الجبل والبقاع تدور في فلكه. فبيروت أخضعت في 7 أيار 2008 والجبل موزع بين توازن رعب انتهى الى تفاهم مع زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط وبين التحاق كامل من الزعيم البرتقالي ميشال عون. ويترامى سهل البقاع جزراً تائهة وعاصية وموالية يقرر مصيرها حزب السلاح. أما الجنوب، وهنا قصة مختلفة. فالقرار 1701 الذي نظم الادارة الدولية لهذه المنطقة بعد حرب تموز 2006 أنتج في نهاية المطاف ثلاثية حقيقية غير تلك الملفقة "جيش وشعب ومقاومة" قوامها "اليونيفيل" و"حزب الله" وجيش يفرض الاستقرار على غرار استقرار الجولان والسوري المحتل والذي خرج من قاموس النظام السوري منذ حرب عام 1973.

العارفون ببواطن محور طهران – دمشق – بيروت ينقلون عن المرشد الأعلى لهذا المحور ان الغلطة التاريخية التي تمثلت في خذلان الإمام الحسين قبل 14 قرناً لن تتكرر اليوم مع الأسد الذي يجب أن يبقى حاكماً لسوريا. ولترجمة هذه الفتوى أنشئت في الضاحية الجنوبية لبيروت غرفة عمليات بقيادة الطرابلسي (س. أ) تتولى تنظيم العمليات في طرابلس حالياً بالتعاون مع قوى مموّلة بالكامل من طهران. وليس الديك الذي يصيح فوق جبل محسن وحيداً في ساحة المعركة التي يجري تحضير بروفتها مع باب التبانة.

هل جاءت رسالة المندوب السوري الى الأمم المتحدة التي تضم حرفياً برقيات أمنية لبنانية بمثابة تحضير لمخيم طرابلس الحار بعد انهيار امارة مخيم نهر البارد بقيادة صنيعة المخابرات السورية شاكر العبسي؟ ربما تندفع الامور في هذا الاتجاه. لكن من باب المؤكد ان "حزب الله" هو العبسي الفعلي اليوم، وكم تبدو مضحكة ومحزنة دعوة الرئيس بري الى الحوار. ولعله يدرك بعد قرار حظر السفر الخليجي الى لبنان ان شرف التشاطر لن يخفي الخطر الداهم الذي يقتضي مؤتمر حوار سياحي طارئ على الأقل.

=================

هل يهدد الأسد بالفوضى أو يحذر منها؟!

ياسر الزعاترة

الدستور

20-5-2012

في آخر ظهور إعلامي له (مقابلة روسيا 24)، حذر بشار الأسد الدول “التي تبث الفوضى في سوريا”، من أنها “قد تعاني منها”، وزاد قائلا “بالنسبة لقادة هذه الدول أصبح واضحا أن هذا ليس ربيعا، بل فوضى وكما قلت من قبل إذا قمتم بنشر الفوضى في سوريا فإنكم ستعانون منها”، مضيفا “وهم يفهمون ذلك”.

ليس من العسير القول إن جزءًا من كلام بشار الأسد ربما كان موجها لبعض دول الجوار، بخاصة تركيا التي تتواجد فيها أقلية علوية ربما تنتصر بهذا الشكل أو ذاك لنظامه عبر قلائل تثيرها أو تُدفع لإثارتها من أجل إحداث بلبلة في البلاد تنتقم من حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب موقفه من الثورة السورية، وقد ينطبق هذا الكلام على الأردن، وربما لبنان في إشارة للقوى التي تناصر للثورة، مع أن البلد يخضع عمليا لسيطرة حزب الله المؤيد بقوة للنظام.

لكن الرسالة الأهم التي ينطوي عليها الكلام لا تشير إلى قلاقل بوسع النظام إثارتها في الدول التي تناصر الثورة بهذا القدر أو ذاك مثل السعودية وقطر (البحرين فيها قلاقل لا تستدعي إثارة من النظام)، بل ينطوي على تحذير لها من أن نهاية الثورة السورية ستضع حدا للربيع العربي، بينما سيؤدي نجاحها إلى إثارة شهية شعوبها للمطالبة بالإصلاح السياسي، الأمر الذي قد يعني شكلا من أشكال الفوضى.

والحال أننا إزاء تحذير بالغ الخبث، لأن الثورة السورية قد عطلت عمليا الربيع العربي في ظل اهتمام شعبي عربي عارم بمجرياتها اليومية؛ خاصة في دول الخليج التي زاد انحياز شعوبها لثورة سوريا تبعا للحشد المذهبي الذي كان في بعض تجلياته نتاج إثارة سياسية في مواجهة إيران من جهة، ومن جهة أخرى تحذيرا للشارع من إمكانية استغلال الأقليات الشيعية لمطالب الإصلاح من أجل رفع سقف مطالبها وإثارة القلاقل الداخلية في مواجهة الأنظمة.

يجدر بنا التذكير هنا بتحذير الأسد لأمريكا والغرب من “الفالق الزلزالي” الذي تمثله سوريا تبعا لخطورة تغيير وضعها على أمن الكيان الصهيوني، تماما كما فعل حبيبه وخازن ثرواته (رامي مخلوف) في مقابلته مع “نيويورك تايمز” العام الماضي؛ الأمر الذي يعني مساومة رخيصة تقايض وجود النظام بأمن دولة الاحتلال، في نسف لمقولات المقاومة والممانعة التقليدية.

الآن يلوّح الأسد لبعض الدول العربية بأن إفشال الثورة في سوريا يعني ضربا لمسيرة الربيع العربي وإنهاءً لحراك الشارع الإصلاحي، الأمر الذي يصب في مصلحتها، خلافا للحال لو نجحت الثورة، ما يعني أن عليها أن تكف عن دعم الثورة حتى لا تجني ثمار ذلك فوضى داخلية.

اللافت هنا أن الأسد قد وصم الربيع العربي كله بأنه “فوضى”، الأمر الذي خالف ما كان عليه الحال عندما رحب نظامه بانتفاضة الشعب التونسي، ومن بعدها انتفاضة الشعب المصري واليمني، وفي ذلك ما فيه من تناقض، بل من فضح للحقيقة التي يسعى بشار وشبيحته في الداخل والخارج إلى إخفائها ممثلة في أن ثورة سوريا تنتمي للربيع العربي ولا صلة لها بالمؤامرة المزعومة على المقاومة والممانعة.

هي إذن تصريحات تفضح طبيعة النظام ونهج تفكيره أكثر من أي شيء آخر، ولا قيمة بعد ذلك لما ورد في المقابلة من حديث عن الانتخابات المهزلة التي اعتبرها تأكيدا على وقوف الشارع السوري معه ضد المعارضة، ويؤيد الإصلاحات التي أجراها، تلك التي كانت من الهزال بحيث استبدلت في الدستور الجديد حزب البعث القائد بالقائد التاريخي الذي يسيطر على كل شيء في البلاد، مع أن حزب البعث لم يعد قائدا منذ سنوات طويلة بعدما تحول النظام إلى نظام أسرة داخل الطائفة.

بقي القول إن تحذير الأسد الخبيث ربما وجد آذانا صاغية لدى البعض، لكن الشعب السوري لم يعد معتمدا في ثورته على جهة بعينها، كما أن أكثر الأنظمة التي تؤيد الثورة لم يعد بوسعها الانقلاب على موقفها في ظل انحياز شعوبها العارم للثورة، بل إن تغييرا من هذا النوع ربما أدى إلى نتيجة عكسية.

ليس أمام الأسد والحالة هذه غير الرحيل، فبعد هذه الأنهار من الدماء والخراب والتعذيب، لم يعد ممكنا الحديث عن إصلاحات مهما كانت، والانتصار هو قدر السوريين مهما طال الزمن وعظمت التضحيات.

=================

هل بدأ الأسد بحرق الشرق الأوسط من طرابلس؟

حلمي الأسمر

الدستور

20-5-2012

قبل أشهر هدد الأسد بحرق الشرق الأوسط اذا لم يستطع أن يطفىء النار المشتعلة بملابسه، وفيما بعد تداولت تقارير صحفية نقلا عن مصادر دبلوماسية دولية أن الرئيس السوري بشار الأسد أكد للموفد الدولي كوفي عنان لدى استفسار الأخير منه عما اذا كان يعي خطورة أن تتحالف دول في الاقليم لتشكيل تحالف عسكري بري لمهاجمة أراضيه، واقامة مناطق عازلة برا وجوا. قكان جواب الأسد لأنان أنه شخصيا ما زال مسترخيا، قائلا أن معلومات الاستخبارات السورية تشير الى أن دولا عربية خططت سرا لاقتحام الحدود الجنوبية لسوريا عبر مدينة درعا، وفرض منطقة عازلة، وأنه ينتظر فعلا أن تقدم هذه الدول على خطوة من هذا النوع، فهو الآن يريد حسما خارجيا أيضا الى جانب سعي قواته المسلحة للحسم الداخلي. وتروي مصادر المعلومات أن الموفد الدولي حاول التأكيد أمام الأسد أنه لا يملك معلومات محددة،الا أن الرئيس السوري الذي تشير المعلومات أنه بدا مرتاحا للغاية خلال اللقاء، وكرر في وجه عنان قدرته على التصدي العنيف لأي محاولات خارجية لاقتحام عسكري، مؤكدا أن الصواريخ السورية ستكون أسرع منهم بكثير، شارحا للموفد الدولي، أن السعودية والأردن واسرائيل والأسطول الأميركي العسكري في مرمى القوة الصاروخية السورية، وأن دمشق لن تقف مكتوفة الأيدي أبدا، ولن ترحم أي معتد ٍ، وفق ما قيل على لسانه..

ويبدو أن الأسد، وبعد أن شارفت خطة عنان الأممية العربية على «اعلان وفاتها السريرية» بدأ يستبق الأمور، كي لا تصل الى نقطة العمل العسكري، فبدأ مخططه أولا باشعال النار في لبنان، تنفيذا لتهديده بحرق «الشرق الأوسط» معتمدا خيار شمشون : علي وعلى «أعدائي» ففي الأنباء أن الأوضاع في لبنان، بعد افتعال «فتنة طرابلس» مرشحة لمزيد من التفجر، وعلى وقع هذه الأحداث سارعت دول خليجية الى دعوة مواطنيها الى عدم السفر الى لبنان، ووضعت كل التسهيلات الممكنة أمام من يريد منهم «الهرب» على جناح السرعة!.

في لبنان، يطرحون عدة سيناريوهات لتفسير اشعال النار في لبنان، ومنها أن ما يحصل في طرابلس قد يكون أقرب الى تدفيع العاصمة اللبنانية الثانية، وبالتالي لبنان برمته، ثمن تباينات متفاقمة داخل المعسكر المناهض لسوريا. حيث يعتبر أصحاب هذا الرأي أن ثمة انكفاء غربياً واضحاً عن السير في الهجوم ضد الحكم السوري القائم. وذلك لأسباب عدة باتت مكررة: صمود الوضع بين دمشق وحلب. عدم توافر البديل. تعاظم ثمن الاستمرار في الحملة على اصحابها. مستجدات غربية طارئة بين باريس الآخذة حكماً فترة سماح انتخابية رئاسية، وواشنطن الداخلة على فترة مماثلة. اتضاح توازن الرعب الدولي أكثر فأكثر على خط موسكو بكين ... لتتوّج هذه المروحة بالكلام الايجابي والتوقعات المتفائلة بمحطة بغداد في 23 أيار الجاري، بين الايرانيين والأميركيين في الملف النووي. كل هذا، وغيره من الأسباب، فرض وجود سرعتين مختلفتين في العمل المستمر ضد سوريا: سرعة غربية متباطئة حتى الجمود، في مقابل سرعة اقليمية، وخصوصاً خليجية، تسعى الى تكثيف الجهد لاسقاط الأسد. ويبدو أن ما يحصل منذ فترة في لبنان وسوريا هو انعكاس لهذا التباين في السرعتين...

وأيا ما يكن تفسير ما يجري الآن، في المنطقة، فثمة من يقول على تويتر: الأسد مش هو اللي مولعها في لبنان ... اللي مولعها في لبنان هم السلفيين واللي بيمولهم، فيما يقول آخرون: نقل الموت الى لبنان: لضيق الدائرة على المجرمين في سوريا حركوا اذنابهم بلبنان لقتل السنة بطرابلس والجيش يتفرج، وبين هذا وذاك، يشتعل المشهد اقليميا ويقف على اعتاب المجهول.

=================

لماذا كل هذا الصمت؟!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

20-5-2012

تستغرب أوساط الأمم المتحدة المعنية أن تصل أرقام النازحين واللاجئين السوريين إلى هذه الأرقام المرتفعة التي اقتربت من المئة وعشرين ألفاً هذا بالإضافة إلى الستة عشر ألفاً الذين جرى استيعابهم في المخيمات الحدودية وتحار هذه الأوساط في فهم الصمت الرسمي الأردني تجاه كل هذا التدفق البشري من الجارة الشمالية الشقيقة الذي قد تقفز أرقامه ،في حال تفجرت الأوضاع أكثر مما هي متفجرة، ليصل إلى نصف مليون وأكثر ما دام أن منافذ الحدود الأردنية مفتوحة ومن غير الممكن إغلاقها.

ولعل ما يمكن اعتباره تصرفاً غير مفهوم هو ما يقال عن أن الجهات الرسمية الأردنية المعنية مضطرة لأن تصمت كل هذا الصمت لأن ذكر الأرقام الحقيقية للنازحين واللاجئين السوريين الذين تتزايد أعدادهم يوماً بعد يوم لتزايد العنف الذي يتعرض له الشعب السوري ربما يزعج الحكومة السورية التي تخشى من أن ذِكْر الحقائق بالنسبة لهذا الأمر قد يكون مبرراً لإجراءات دولية ضدها تحت عنوان حقوق الإنسان قد يصل إلى استخدام القوة العسكرية.

إنه أمر طبيعي أن تغضب الحكومة السورية من الإفصاح عن الأرقام الحقيقية للنازحين واللاجئين من أبناء الشعب السوري إن في اتجاه الأردن وإن في اتجاه تركيا ولبنان والعراق فهذا يشكل إحراجاً لهذه الحكومة التي تقول إن معركتها تنحصر في مواجهة تنظيم «القاعدة» وفي مواجهة المجموعات الإرهابية وأن شعبها يعيش في أمان وسلام وأن كل هذا التدمير الذي تتناقل مشاهده الفضائيات ووسائل الإعلام هو مجرد أفلام كرتونية لا حقيقة لها على أرض الواقع.

كان الرئيس السابق حافظ الأسد قد برر تدخله العسكري في لبنان في منتصف سبعينات القرن الماضي بالقول إن بلاده لا تستطيع تحمُّل أكثر من ربع مليون نازح ولاجئ لبناني وهذا هو ما جعل الحكومة السورية ترفض ذكر الأرقام الحقيقية للنازحين واللاجئين السوريين إلى الدول المجاورة فالمثل يقول :»كما تدين تدان» والحجة التي استخدمت لتبرير ذلك التدخل السوري العسكري في الشؤون اللبنانية من غير المستبعد أن يُستخدم من قبل مجلس الأمن والمجتمع الدولي وليس لا من قبل الأردن ولا من قبل لبنان لتبرير نفس التدخل العسكري في الشؤون السورية.

لكن هذا في حقيقة الأمر يجب ألاّ يشكل مبرراً لكل هذا الصمت المثير للتساؤلات على الأرقام المرتفعة جداً للاجئين والنازحين السوريين إلى الأردن وهنا فإن الخوف كل الخوف ألاّ يستطيع بلد كبلدنا ،يواجه أزمة اقتصادية طاحنة، تحمُّل كل هذه الأرقام المرتفعة المتزايدة من أشقائنا الأعزاء ولهذا فإنه لابد من قول كل شيء بالنسبة لهذه المسألة الحساسة ولابد من وضع الأمم المتحدة وكل الهيئات الدولية الإنسانية في صورة كل ما يجري وبكل صراحة ووضوح وبلا أي مراوغة كي تتحمل مسؤولياتها وكي تساعد هذا البلد الذي عانى من هجرات الأشقاء الشيء الكثير في تحمل هذا العبء الذي لن يستطيع القيام به وحده وبخاصة إذا تطورت الأمور نحو الأسوأ وارتفعت أعداد هؤلاء النازحين واللاجئين إلى أرقام فلكية.

إنه أمر مؤكد أن بلدنا الواقع في قلب الوطن العربي لا يستطيع إغلاق حدوده و أبوابه في وجوه الأشقاء الذين يفرُّون من أوضاع مأساوية للاستجارة به لكن ومع أن هذا التزام يدل على كم أن هذا البلد عروبي وقومي وكم أن شعبه لا يستطيع إلاّ أن يضع المستجيرين به من الإخوة الأعزاء في حدقات العيون إلاّ أنه غير جائز على الإطلاق تحاشي ذكر الأرقام الحقيقية لأعداد إخوتنا السوريين الذين تحت ضغط أوضاعهم التي لم تعد تطاق قد جاءوا إلينا يطلبون الأمان فالأمم المتحدة ومعها هيئاتها الإنسانية يجب أن تتحمل جزءاً من هذا العبء الكبير وهذا يتطلب إطلاعها على حقيقة الأعداد المتزايدة لهؤلاء الأخوة الذين يتواصل مجيئهم من الجارة العزيزة في الشمال.

=================

في سوريا: السيناريو والتغيير!

طارق مصاروة

الرأي الاردنية

20-5-2012

في المشهد السوري زوايا معتمة لا يمكن رؤيتها واستيعابها بمجرد متابعة اخبار الفضائيات:

- فنحن لا نعرف نتائج الانتخابات النيابية التي اجرتها السلطة مؤخراً. ما هي نسبة التصويت في حمأة المدافع والدبابات والعنف؟ كم نجح من مرشحي حزب البعث او الجبهة الوطنية أو المستقلين. لماذا لم تستقل الحكومة حسب الدستور وتتألف حكومة جديدة؟!

الذي تسرّب حتى الآن من وراء الكواليس المعتمة أن نسبة الذين ادلوا بأصواتهم هي 51%, هذا اذا سقط في الصناديق الانتخابية هذا الرقم!! وان المقاعد التي اشغلها حزب البعث هي 70% من 220 مقعداً. فهل ستكون الحكومة «البرلمانية» المقبلة هي نتيجة تسوية سياسية بين النظام والمعارضة؟ هذا قد لا يحدث ولن يحدث ابداً.

- بالمقابل فإن الزاوية المعتمة الاخرى هي زاوية المعارضة, فلا أحد يعرف لماذا تأجل اجتماعها في الجامعة العربية دون تحديد موعد جديد لهذا الاجتماع الذي سمعنا أنه سيضع كل فرق المعارضة تحت خيمة واحدة.

ثم فجّر د. برهان غليون قنبلته باعلان استقالته من رئاسة المجلس الوطني دون اعلان الاسباب.

وقبل تسرّب انباء الانتخابات النيابية سمعنا أن د. غليون كان مدعوما من الاخوان المسلمين. وأن بقية المعارضة تجد أن عمل المجلس كان متواضعاً نسبة الى الاحداث في سوريا, وديناميكية الثورة ورجالها: فهل أن ثقل القيادات الداخلية للمعارضة هي التي اظهرت تواضع جهد وفعاليات المجلس الوطني؟! وهل تم الان حساب جيش سوريا الحر في هذا الثقل؟! وهل أن قيادات هذا الجيش استوعبت المسلحين من الاخوان المسلمين, وهي تريد التخفيف من وزن قياداتهم في الخارج؟!

هذه الاسئلة تطرحها واشنطن على حلفائها في المنطقة, فواشنطن غير مستعجلة في اسقاط النظام, أو في اعطاء المعارضة دفعة أقوى.. من حيث تمويلها وتسليحها ودعمها لوجستياً, والذين اعلنوا بأعلى صوت تسليح المعارضة وتمويلها هم في موازاة الحركة الاميركية. لم يتقدموا عليها خطوة ولم يتأخروا.

هذه الدموية والعنف والاوجاع التي يمر بها السوريون, مرشحة للاستمرار مع الاسف, فالقوى الكبرى وقوى المنطقة لا تجد أنها معنية بتدخل جاد لوقف الكارثة. فالطيب الذكر هنري كيسنجر لم يجد أن الولايات مدعوة الى تدخل حقيقي في ازمة الاحتلال الاسرائيلي التي نسميها ازمة الشرق الاوسط, الا بعد حرب تشرين. فالحرب تعني أن «الازمة استوت» وصار من الممكن التدخل لفكفكتها!!

حتى الان لم تستو الكارثة السورية وعلينا أن ننتظر. فهناك من الخبثاء من يقول: يجب أن ننتظر انهاك النظام للاخوان المسلمين, فلا ينتهي الصراع الا بعد افلاس النظام كلياً, وخلع جذور الاخوان كلياً أو جزئياً. وتعود القوات المسلحة الى دورها التاريخي دون الحزب القائد, ودون أي حزب يملك انياباً ومخالب. وما يجري في ليبيا أو في مصر أو حتى في تونس ليس بعيداً, رغم التفاوت في شدة المذابح وعنف الصراع. ففي ليبيا ثم اسقاط النظام مباشرة بثمانين طائرة من الحلف الاطلسي, وبثورة الشباب. وبقيت قوة التيار الديني التي يتم الان انهاكها. وفي مصر سقط حكم مبارك وبقي العسكر والاخوان. والان جاء دور انهاك الاخوان. فالدلائل تشير الى أن احداً منهم لن يكون الرئيس. وأن وضع الدستور سينهي المجلس التأسيسي الذي نسميه مجلس النواب ذي الاكثرية الاخوانية – السلفية. وهذا من صلاحيات الرئيس الجديد والمجلس الاعلى.

نحن أمام مسرحية كبيرة فصولها.. واحدة!! واذا صحّت المعلومات عن نتائج اجتماعات الاميركي الشيخ كيري مع وزير الخارجية الروسي لافروف في العقبة, وابرزها اقتناع روسيا برحيل الاسد عن السلطة والبدء بمرحلة انتقالية يتفق خلالها ممثلو النظام والمعارضة على تركيبة الحكم الجديد. فإننا نكون وصلنا الى نظرية: الانتظار حتى تستوي الظروف الداخلية السورية!

=================

التحريض على الاقتتال في لبنان

الأحد ٢٠ مايو ٢٠١٢

عبدالله الاسكندر

الحياة

يبدو ان ثمة إصراراً سورياً رسمياً على ربط مضاعفات الازمة الداخلية ببلدان الجوار، خصوصاً لبنان. ويتجاوز هذا الاصرار المناطق الحدودية حيث يلجأ سوريون فارون من العنف في بلدهم، الى صلب الحياة اللبنانية.

معروف ان اللاجئين السوريين الى لبنان، كما الى غيره من دول الجوار، هم عائلات تضم نساء واطفالا، يسعون الى النفاذ بجلدهم من آلة القتل في قراهم وبلداتهم. وفي لبنان خصوصاً، تكاد تقتصر المساعدات لهؤلاء على الهيئات الاهلية، بعدما تخلت الدولة بفعل ميزان القوى الداخلي عن القيام بواجبها الانساني في هذا الشأن. لكن السلطات في دمشق التي تنتقد في شدة سياسة النأي بالنفس عن التطورات السورية تضغط عبر حلفائها في الحكم اللبناني من اجل طرد هؤلاء اللاجئين وتسليمهم الى السلطات في دمشق بذريعة انهم من المجموعات المسلحة ويشكلون قاعدة خلفية لجمع السلاح وارسال المقاتلين الى سورية. وقد دأبت وسائل اعلامية لبنانية موالية لدمشق، ومنذ فترة طويلة، على نشر «تحقيقات» عن قواعد «الجيش الحر» في لبنان، استباقا للحملة السورية الرسمية في هذا الاتجاه. وجاءت احداث مدينة طرابلس الشمالية، والقريبة الى الحدود السورية، لتوفر حجة اضافية عن المجوعات المسلحة والسلفية التي تقاتل النظام السوري، علماً ان شرارة هذه الاحداث كانت اعتقال ملتبس وغير قانوني لأحد سكان المدينة بتهمة انه قاتل في سورية وانه يشرف على ارسال مقاتلين جهاديين اليها، في الوقت الذي لم يثبت على المتهم سوى انه ينشط في مجال مساعدة اللاجئين السوريين.

لكن الحادث في ذاته وكيفية الاعتقال على يدي جهاز امني غير معني عادة بمثل هذه القضايا، وترتبط قيادته بطرف لبناني مؤيد لدمشق، كل ذلك يدعو الى استنتاج ان امر الاعتقال والتهمة جاءا من وراء الحدود. ولم تكن دمشق، وحلفاؤها في لبنان، مضطرين الى مثل هذا الاجراء الفظ لو ان رئيسي الجمهورية والحكومة يتولان التغطية السياسية الكاملة للخطة السورية في لبنان.

وبدا انه، حتى بعد احداث طرابلس وفي اطار معالجتها امنياً، لم يقتنع رئيس الحكومة خصوصاً بضرورة انحياز القوى الامنية على الارض الى جانب انصار سورية في طرابلس. وجاء تحريك القوى الامنية على الارض ليساوي بين طرفي النزاع في طرابلس، اي عدم تغطية تهمة اهل المدينة بأنهم سلفيون وجماعات مسلحة ينبغي التصدي لهم.

ويعتقد بان هذه الممانعة من رئيسي الجمهورية والحكومة للتماهي الكامل مع الرواية الرسمية السورية في لبنان عن المجموعات المسلحة والسلفيين هي، بين اسباب اخرى، وراء رسالة السفير السوري لدى الامم المتحدة بشار الجعفري عن نشاط هؤلاء في لبنان.

الامم المتحدة ومجلس الامن تعاملا بتشكيك كبير مع مضمون الرسالة، وتالياً افتقاده لأي قيمة جدية. ووزع في بيروت نفي لبناني لتوافر اي معلومات عن كل ما ورد فيها، وتالياً يكون مصدرها غير رسمي. وهذا يعني ان ثمة تلفيقاً سورياً، يستعين ربما بأجهزة لبنانية تتعامل مباشرة مع دمشق بتجاوز للسلطة التنفيذية في بيروت، من اجل توريط كامل الدولة اللبنانية بالرواية الرسمية السورية، ودفعها الى مواجهة فئة واسعة من اللبنانيين بذريعة انهم سلفيون ومجموعات مسلحة.

وفي هذا المعنى تشكل رسالة الجعفري تحريضاً على اقتتال لبناني تكون الدولة طرفاً فيه الى جانب الحكم السوري، ونقل المواجهة بين الحكم في دمشق والمعارضة السورية الى لبنان.

=================

ارتباكات المعارضة السورية

فايز سارة

الشرق الاوسط

20-5-2012

شهدت ساحة المعارضة السورية في الفترة الأخيرة أحداثا وتطورات، عكست واقع الارتباك الذي تعيشه المعارضة السورية منذ انطلاقة ثورة السوريين في مارس (آذار) 2011، والأهم في تلك الأحداث، كان عدم انعقاد ملتقى المعارضة السورية في القاهرة الذي دعت إليه جامعة الدول العربية الأسبوع الماضي، والثاني تمثل في الخلافات التي طفت على السطح في المجلس الوطني السوري عقب اجتماعه الأخير في روما، وقراره تجديد رئاسة برهان غليون للمجلس الوطني.

ورغم أهمية الظروف التي أحاطت بالحدثين الأخيرين، وما يتمخض عنهما من تبعات سياسية وتنظيمية تتعلق بالمعارضة السورية من حيث موقعها ودورها في الصراع الدائر في سوريا وحولها، فإن من المهم العودة للعوامل، التي سببت وتسبب ارتباكات المعارضة السورية، والتي يمكن إجمالها في ثلاثة أسباب:

يتصل أولها بالعوامل الذاتية المحيطة بالمعارضة، وأساسها قائم في ضعف المعارضة وتنظيماتها، وهي التي عاشت عقودا متواصلة من الحظر والملاحقة والعيش في ظل العمل السري وخاصة مع وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، وكلها أسباب لم تسمح لجماعات المعارضة بالسير في سياق تطور طبيعي في مستويات إعداد كادراتها، وإنضاج خططها الفكرية والسياسية والتنظيمية، ولا أن تكون طبيعية في ميدان الممارسة السياسية سواء في علاقاتها الداخلية أو في مستوى علاقاتها مع المجتمع والسلطة، كما في علاقاتها الخارجية على تعددها وتنوع مستوياتها.

وحيث إن أمر جماعات المعارضة بدا على هذا النحو من سوء الأوضاع الذاتية، فقد فتح الباب أمام ظهور شخصيات معارضة، أكثر من ظهور جماعات، وهو أمر يفسره أحيانا إطلاق اسم شخص معارض على تنظيم سياسي، والأمثلة في هذا كثيرة، وقد فتح ذلك الباب لظهور مرض الفردية السياسية الذي يكاد يميز العمل السياسي والمعارض بشكل خاص في سوريا.

ويتصل ثاني أسباب ارتباكات المعارضة في السياسة التي طبقها النظام الحاكم في التعامل مع السياسة وفكرها وشخصياتها، حيث تم تهميش السياسة وصولا إلى تغييبها، وإحلال الأمني محلها، وجرى استبعاد وتهميش رجال السياسة، وصولا إلى نفيهم، وتزامن مع ما سبق الهجوم على الجماعات والأحزاب السياسية فتم حظرها وملاحقتها، ولم يقتصر الحظر والملاحقة على العائلات الآيديولوجية المختلفة مع البعث باعتباره حزب النظام مثل الإسلاميين من الإخوان المسلمين وحزب التحرير، والشيوعيين بتنوعهم والقوميين السوريين والليبراليين، بل شمل القوميين من القوميين العرب إلى انشقاقات البعث، التي كثيرا ما صنفت باعتبارها العدو رقم واحد للنظام.

ولم تفلت من طوق الملاحقة والتهميش القوى والجماعات المتحالفة مع النظام وحزبه في إطار الجبهة الوطنية التقدمية بما فيها حزب البعث الحاكم الذي تم تدمير نخبته السياسية والثقافية وإحلال الأمنيين ومن في حكمهم في مكانة النخبة.

والسبب الثالث في ارتباكات المعارضة السورية، يكمن في التدخلات الخارجية التي طرأت على بعض جماعاتها ومن خلال بعض الشخصيات السورية في الخارج، وكثير منهم ممن عاشوا واستقروا في الخارج منذ عقود، وقد شجعتهم انطلاقة ثورة السوريين على الانخراط في الشأن السوري، والتوجه إلى ساحة العمل المعارض، لكنهم حملوا مع مجيئهم ظروفهم وعلاقاتهم، وألقوا بها في إطار جماعات وكتل ضعيفة في بناها وأدائها في مواجهة مهام صعبة ومعقدة.

غير أن التدخلات الخارجية، لم تقتصر على شخصيات وافدة إلى المعارضة، بل امتدت إلى تدخلات دول ومؤسسات، يمكن أن ينعكس التغيير في سوريا سلبا أو إيجابا على مصالحها، ويمكن ملاحظة التعبيرات المباشرة لهذه التدخلات في تصريحات مسؤولين عرب وأجانب وفي تصريحات قادة من المعارضة السورية، كما يمكن ملاحظة تعبير آخر من تلك التدخلات في سلسلة المؤتمرات التي عقدتها جماعات وكتل معارضة في العديد من العواصم العربية والأجنبية.

إن تلك الأسباب، لا تفسر الارتباكات التي تحيط بالمعارضة السورية فحسب، إنما تفسر أيضا دورها الضعيف في ثورة السوريين، وغياب فاعليتها في قيادة حراكهم أو في التأثير عليه، كما تفسر عجز المعارضة عن وحدة قواها ليس بالمعنى الفكري والتنظيمي، فهذا أمر مستحيل وغير مطلوب، وإنما تحقيق الوحدة بمستوى البرنامج السياسي أو بمستوى توافقات سياسية مرحلية، وهو أمر سيكون في مصلحة سوريا والسوريين، لأن توفر ذلك، يمكن أن يرد عن سوريا والسوريين تبعات السقوط الحر للنظام والذي لا يمكن تقدير نتائجه وتداعياته الخطرة.

إن وقائع الإرباك وما يمكن أن يتمخض عنها من زيادة التردي في أوضاع المعارضة السورية وزيادة معاناة السوريين في ظل الأزمة الراهنة، يتطلب الذهاب إلى علاجات عاجلة من جهة وأخرى في المدى البعيد، ولعل الأهم في العلاجات العاجلة، يكمن في سعي الأكثر إخلاصا من الجماعات والشخصيات نحو توفير أجواء إيجابية تنبذ الخلافات وتحاصرها، وتسعى إلى توفير مستويات أعلى للتوافقات على أرضية المصلحة الوطنية، والعمل على إعطاء الداخل السوري ولا سيما الحراك الشعبي والشباب خصوصا وزنا أكبر في تحليل الأزمة ورسم ملامح الخروج منها والقيام بدور أكبر في العملية السياسية المقبلة، ويندرج في إطار المعالجة العاجلة توجه المعارضة السورية نحو مزيد من الاستقلالية عن الخارج للأفراد والجماعات والكتل وتغليب الوطنية السورية على ما عداها، وجعلها الأساس الذي تنطلق منه العلاقات مع الآخرين من مؤسسات وهيئات ودول.

أما في الإجراءات البعيدة الأثر في معالجة ارتباكات المعارضة، فإن الأبرز فيها تقوية روح المؤسسات والهياكل السياسية وتعزيز دورها وجعله فوق دور الأفراد، وإطلاق روح الديمقراطية والحوار والتقارب في الحياة العامة والسياسية على وجه الخصوص، وإقامة معاهد لتدريب ورفع قدرات الكادرات العاملة في الشأن العام، وخاصة في الجماعات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، إضافة للاستعانة بما تقدمه مراكز أو معاهد قائمة في بلدان عربية وأجنبية مهتمة من مساعدة في مجال تدريب ورفع قدرات الكوادر السورية.

=================

سوريا: طرابلس هي قندهار

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

20-5-2012

المواجهات المتقطعة في شمال لبنان، تحديدا طرابلس، يمكن أن نفسرها بأنها امتداد طبيعي للتوتر القائم في الدولة الجارة سوريا. هنا يسكن علويون مع سنة، في وقت يعتبر البعض أن ما يحدث في سوريا الآن صراع بين الطائفتين، أو هكذا يحرص البعض على رسم الأحداث. والنظام السوري منذ مطلع الثورة يحاول تفجير الوضع في مناطق التماس هذه وجر لبنان إلى حرب أهلية، لكن رغم التوتر والاشتباكات المتقطعة بقي الشمال، بما فيه جبل محسن وباب التبانة، حيث يشتبك المتطرفون من الجانبين، هادئا نسبيا. إلا أن النظام السوري يريد أن يقنع العالم بقصته الوحيدة وهي أنه لا يحارب ثوارا بل جماعات إرهابية، القشة التي يتعلق بها لكسب تأييد الغرب. يقول إذا كان الثوار هم «القاعدة» فإن طرابلس هي «قندهار»، وأن الخليجيين يمولون العمليات الإرهابية ضد النظام السوري. خدمة لهذا الفيلم الرديء قامت عناصر من حزب الله، ضمن جهاز الأمن العام اللبناني، بالقبض على شخص اسمه شادي المولوي. ولأنه سني يسكن في منطقة سنية وضعت له كمينا حتى يأتي إلى مكتب زعيم سني هو محمد الصفدي وطلبوا منه الحضور ليتسلم منه مساعدة اجتماعية وهناك تم القبض عليه.

وحتى قبل أن يبدأ التحقيق معه أطلق السوريون أخبارا رددتها وسائل الإعلام اللبنانية الموالية لهم، تقول إنه من «القاعدة»، ويقوم بتمويل عمليات ضد النظام السوري. وحتى تبدو القصة متكاملة ألقي القبض على مواطن قطري جاء للعلاج، بحجة أنه جاء للبنان لتمويل «القاعدة» لمقاتلة نظام الأسد وهو من موّل مولوي. تدخلت الأطراف مستنكرة هذه الرواية السخيفة، هل يعقل أن يذهب شيخ قطري إلى لبنان لتمويل «القاعدة» دون أن يخشى أن يفتضح أمره؟ فالتسلل تهريبا إلى سوريا والعمل ضد النظام أهون من دخول خليجي إلى لبنان للقيام بأعمال مضادة لسوريا، حيث تغص بيروت بأجهزة الأمن والمخابرات التابعة للنظام السوري.

وعندما سئل الذين قبضوا على الشاب مولوي كيف أخذوا اعترافاته دون محام قالوا إنه رفض توكيل محام عن نفسه، ثم بعد التواصل معه اكتشفوا العكس تماما. طبعا الروايات المنسوبة إليه كلها رواية عناصر في الأمن اللبناني الموالي للنظام السوري تحاول بشكل حثيث بناء رواية تقول إن شمال لبنان تحول إلى أرض ل«القاعدة»، وإن الخليجيين في لبنان هدفهم تمويل الإرهابيين. والنتيجة من هذا التسلط السوري، وتواطؤ حزب الله معه، أن أصدرت الدول الخليجية أمس تحذيراتها لمواطنيها بالامتناع عن السفر إلى لبنان لأنه لم يعد بلدا آمنا. هذا ما يريده النظام السوري، تصدير الفوضى إلى لبنان وتخريبه ونحن على أبواب الإجازة الصيفية.

منذ بداية الثورة السورية والأجهزة الأمنية السورية تعمل مع حلفائها في لبنان على تحقيق هدفين؛ الأول توسيع دائرة الأزمة بحيث تشمل الجار الصغير لبنان. والهدف الثاني السيطرة عليه وتمكين حلفائها من التحكم فيه مستفيدة من ضعف الحكومة الحالية. المؤشر الخطير في قصة الثنائي (مولوي - عطية) ليس ما ترتكبه الأجهزة الأمنية السورية بل خضوع الأمن اللبناني وسكوت المؤسسات الرسمية اللبنانية الأخرى عن هذه الخروقات الخطيرة. ومع أنه أطلق سراح القطري وغادر إلى بلاده فإن النظام السوري حقق مبتغاه بضرب الاقتصاد اللبناني وإدخاله في دائرة الفوضى.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ