ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 19/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

سورية تحت رحمة الإرهابيين!

الوطن أون لاين

أسامة سعيد القحطاني

18-5-2012

النظام البعثي يحاول إقناع العالم أن بديله الإرهاب، ولكن الحقيقة أن التأخر في دعم الشعب سيكون بديله إرهابين وليس إرهابا واحدا؛ إرهاب السلطة القائمة وإرهاب المتشددين الذين صنعهم النظام

أصبح من الغريب ألا تسمع بقصص الموت والقتل اليومي في سورية، وصرخات الثكالى والأطفال المُبكية مع نشرات الأخبار! القتل والقصف والحصار واللاجئون.. ثم نستمع إلى مبعوث الأمم المتحدة يقول: أخشى أن يتحول الوضع في سورية إلى حرب أهلية! لا ندري متى سيعتبر السيد عنان الوضعَ في سورية حرباً؟ أم أنه ينتظر أن يرى قنبلة نووية تنفجر حتى يصدق أن هناك حربا حقيقية، إلا أنها ليست بين دولتين، بل بين نظام إجرامي وشعبِه! لا أدري هل خانت عنان العبارة؟ أم أنه لا ينظر إلا بعيون إسرائيل والمصالح الغربية في المنطقة فحسب!

بعد اندلاع الثورة السورية بفترة وجيزة؛ قام رأس النظام بإرسال مخلوف إلى أميركا، محذرا من أن نجاح الثورة في سورية لن يكون في صالح إسرائيل، وقد نُشرت هذه الرسالة في عدد من الصحف الأميركية آنذاك، وقد صَدَقَهم في ذلك وهو كذوب. فالحقيقة أن إسرائيل لن تجد نظاما إجراميا يحمي حدودها كالنظام السوري الحالي، بل مع تاريخ إسرائيل الدموي لم يسبق أن وقع للفلسطينيين مثل ما يقوم به هذا النظام الإجرامي من عنف وإرهاب في شعبه!

من الواضح لأي مراقب للأحداث في سورية؛ أن هناك ترددا كبيرا من قبل أميركا والغربيين في دعم الشعب السوري بشكل فعال، وبعد أن أصبح عمر الثورة أكثر من عام؛ نجد أن الوضع أخذ يسير بشكل تدريجي نحو تهدئة التصريحات والضغوط الدبلوماسية على النظام! فبعد التهديد بفرض مناطق آمنة، وبفرض حظر جوي وغير ذلك، لم نعد نسمع بشيء من ذلك الآن!

لا أعتقد أن هذا فقط عائد إلى معارضة روسيا والصين، فطالما تجاوزوهما في أحداث كثيرة، آخرها الضربات الجوية على قوات القذافي التي تجاوزت القرار الأممي بكثير، إلا أن المصالح هناك مختلفة! فلا يوجد لدى السوريين نفط ليبيا! ولا توجد إسرائيل بالقرب من ليبيا أيضا. بنظري أن اللعبة تبدأ من إسرائيل، فإذا اقتنعت إسرائيل بجدوى دعم الثورة فإن الغرب سيفعل.

بالنظر إلى التاريخ المعاصر وما تعاقب فيه من أحداث، وبالنظر إلى التيارات السياسية والدينية في المنطقة يجب ملاحظة أن عدم معالجة الأمر بسرعة سيؤدي إلى نشوء بقعة سوداء ستكبر كل يوم، ولا يدري أحد إلى أين ستنتهي تلك البقعة! فليس من صالح إسرائيل ولا دول المنطقة أن يؤول الأمر إلى المجهول.

فلا النظام الإجرامي سيقبل بالتنازل حفاظا على البلد والشعب، ولا الشعب سيقبل المهانة والدنيَّة التي يعيش فيها تحت هذه المأساة! فالاضطرابات ستتواصل ولن تقف، ربما تهدأ ولكنها لن تقف، حيث إن الجدار الذي بُني في سنوات وسقط فجأة؛ لن يعود كما كان بأي حال من الأحوال.

وإذا لم يُعالج الأمر بسرعة فإنني شبه متأكد بأن جميع دول المنطقة ستندم على الموقف السلبي الذي يحصل تجاه الشعب السوري حاليا.

بلا شك أن النظام البعثي يحاول إقناع العالم أن بديله الإرهاب، ولكن الحقيقة أن التأخر في دعم الشعب سيكون بديله إرهابينِ وليس إرهابا واحدا؛ فالحصيلة ستكون بقاء إرهاب السلطة القائمة، وإرهاب المتشددين الذين صنعهم النظام. ثم لا ندري لمن سيكون الحسم بعد ذلك؟ وربما تتطور الأوضاع لتكون أسوأ حالا من الفترة التي تلت احتلال العراق، ولكن الفرق الآن أن الفوضى ستكون بمقربة من إسرائيل، مما سيُعقد الوضع كثيرا، خاصة مع تدخل إيران وحزب الله ومحاولتهما المتوقعة بإشعال المنطقة حفاظا على مصالحهما فقط.

بعد تشابك الخطوط في سورية أصبح واضحا أنها تحولت إلى ميدان لصراع القوى الكبرى في العالم، ولكن الإشكال أن أحد الطرفين قد اتخذ موقفه الحاسم والواضح في تسليح النظام البعثي الفاشي (روسيا وإيران)، والنظام بدوره لا يحافظ إلا على بقائه، ولا يعنيه دمار البلد وخرابه، وأما الطرف الآخر فهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى، ولم يُقدم حتى رصاصة واحدة للشعب السوري الضحية!

الآن وبعد سلسلة المؤتمرات التي قامت بها المعارضة السورية، وبعد وضوح مدى ثبات وإصرار الشعب على خلع هذا الضرس الفاسد الذي عانى منه لعقود، بالإمكان التفاوض والوصول لاتفاق مع المعارضة ودعمها بشتى الأشكال سياسيا وماليا وعسكريا. وأما من يطالب المعارضة أن تتفق وكأنها في مدرسة أطفال، فهذا لا يمكن أن يتحقق في أي بلد، فضلا عن بلد تتنازعه الذئاب من كل صوب! إلا أن المعارضة هناك قد خطت خطوات كبيرة وفعالة في الاتحاد والتنسيق، وأبدت وعياً كبيرا، لكن الأطراف الدولية لم تقابله بالدعم والاعتراف المكافئ لما قامت به المعارضة، سوى ما قامت به دول الخليج من دعم، إلا أن الحاجة مُلحّة إلى دورٍ أكبر من قبل الدول الكبرى المؤثرة من المنطقة.

آمل أن تنتهي هذه المأساة التي يعاني منها إخواننا السوريون، وأن يزول هذا الغمام الأسود قريبا.

====================

قنابل الدخان في لبنان لن تحجب قمع الأسد

الوطن أون لاين

2012-05-18

كشفت الأحداث الدامية التي شهدتها طرابلس الأيام الماضية أن وكلاء سورية في لبنان يعملون ليل نهار لتنفيذ أجندة نظام بشار الأسد، على حساب سيادة بلادهم واستقرارها. ولم يعد خافيا على أحد طبيعة المؤامرة وعلاقة النظام السوري بافتعالها بعد أن أبدت المدينة احتضانها للنازحين السوريين والمعارضة السورية. وما جرى في طرابلس ليس قضية اعتقال ناشط مناهض لنظام دمشق، بل قضية سياسية كان يديرها نظام الأسد في السابق والآن يديرها أوصياء هذا النظام. فالمؤامرة على المدينة تديرها عصابة يقف خلفها النظام السوري وحزب الله اللذان توليا توزيع السلاح عليها.

إن هدف حزب الله من افتعال مثل هذه الأحداث أن تعمل كقنابل دخان للتغطية على حملات القمع الدموي التي تنفذها كتائب الأسد وشبيحته ضد المدنيين، ومن ثم فإن حزب الله وفي دفاعه المستميت عن النظام المتداعي في سورية، لم يستثن حتى النازحين الأبرياء الذين هربوا من الجحيم في بلادهم، إذ منع منظمات الإغاثة من تقديم خدماتها لهم، كما حرض السلطات الحكومية ضدهم، بل إن عناصره لم يتوانوا في تنفيذ عمليات قتل وتعذيب وخطف ضد الناشطين السوريين، ضاربا عرض الحائط بكل القيم الإنسانية.

سيطرة حزب الله على مفاصل المشهد اللبناني بقوة السلاح تمثل سيطرة صريحة على الحكومة القائمة وفرض وصاية على البلاد بالكامل، إذ من المؤكد أن الحزب لن يتوانى في ضرب استقرار وأمن لبنان والمنطقة برمتها في مقتل إذا كان في ذلك تحقيق لمصلحة آنية للنظام السوري الذي يغذيه مع طهران بالمال والسلاح. وما من شك في أن مصالح إيران ونظام الأسد تقتضي الحفاظ على جذوة التوتر والانفلات الأمني متقدة على الدوام وإذكاء أوارها متى شارفت على الانطفاء. ومثل هذه المؤامرات المفضوحة ظلت للأسف تجد طريقها للتنفيذ، مما يعني أن الأصابع التي تعبث بالملف اللبناني لا تزال فاعلة رغم الزخم الإقليمي والدولي الذي ظل يحيط بثورة سورية.

====================

النظام السوري يفشل في تقديم نفسه ضحية للإرهاب!

د. نقولا زيدان

المستقبل

18-5-2012

لم تفاجأ بتاتاً الشعوب العربية في رؤية الاعلام الرسمي السوري ومعه مندوب النظام القابع في دمشق وهم يحاولون بشتى الطرق إلصاق تهمة الارهاب بالانتفاضة الشعبية السائرة بثبات نحو هدفها الرئيس ألا وهو إسقاط هذا النظام. فالثورة السورية الجماهيرية ظلت سلمية لأشهر طويلة، لا تملك سلاحاً سوى التظاهر والتنديد بالطبقة الحاكمة والأسرة الأسدية، دون اللجوء الى العنف المسلح، إلا أن حق التظاهر ممنوع في سوريا كما يعلم القاصي والداني، فالنظام الفاشي لا يسمح لا بالتظاهر ولا بالاعتصام ولا بالتنظيم الحزبي، ولا بالتجمع ولا بالاعتراض، ولا برفع اية شعارات سياسية أو مطلبية، ولا بالكتابة ولا بالنشر ولا بالتوزيع ولا بأية اشكال للتعبير عن الرأي لا تتفق مع عقيدة حزب البعث المفلس. كما لا يسمح النظام بالتنظيم النقابي الحر ولا بالرابطات الفكرية. ولا بالنوادي الثقافية ولا حتى بالكشافة التي لا ينظمها سوى الحزب. وما الجبهة القومية المزعومة سوى الإطار الذي ابتدعه النظام الأسدي لتدجين واحتواء الأحزاب السياسية الأخرى فيمسك بها من عنقها ليمزقها ويشتتها ويحدث فيها انقسامات بغية إلغائها نهائياً من الحياة السياسية. أليس هذا ما جرى للحزب الشيوعي السوري صاحب التاريخ العريق الذي يعود الى عشرينات القرن الماضي؟ ان أسماء مثل دانيال نعمة ورياض الترك ومصطفى السباعي وجورج صبرا لها تاريخ طويل في الكفاح من أجل الديموقراطية. أما الانتماء مجرد الانتماء الى الإخوان المسلمين فهو بنظر النظام الفاشي جريمة تستحق عقوبة الاعدام. فعن أي ارهاب يتحدث بشار الجعفري في أروقة مجلس الأمن؟ ومن هم الارهابيون؟ أليسوا هم رجال البوليس السياسي السري "غستابو" الزمن الأسدي المخيف؟ لن تزول أبداً من الذاكرة السياسية السورية ومن الحياة العامة مراكز التوقيف مثل "الضابطة الفدائية" و"فرع فلسطين" وكل مراكز الاعتقال والتحقيق. ماذا عن سجن المزة وتدمر وسجون سريّة أخرى يساق اليها الى غير رجعة سجناء الرأي والكتّاب والمفكرين والنقابيين، أولئك المشكوك بولائهم للأسرة الأسدية وكل لفيفها وأقربائها الحاكمين بقوة الحديد والنار؟ 23 سنة قضاها رياض الترك في السجن في زنزانة انفرادية خرج منها وقد نهشه داء السكري وأمراض القلب وعوارض السرطان! هذا هو رياض الترك وهو خير الرجال.

فليجب النظام عن أسئلة من قبيل: ماذا جرى ليوسف زعين رئيس الحكومة الأسبق، وماذا كان من أمر رئيس الدولة نور الدين الأتاسي وعضو القيادة القومية صلاح جديد؟ ماذا جرى لضافي جميعاني الذي ظن خطأ أن شعار حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد يمثل هدفاً جدياً للزبانية الحاكمة سعيداً في قصور "المهاجرين" وضواحي دمشق؟ هل فوجئنا بمذبحة حماه عام 1982 وبطلها هاشم المعلا الذي جاء يختال في مقاهي بيروت ومطاعمها ومسابحها إبان الانتداب السوري عندنا؟.

فليتذكر الجعفري جيداً مآسي لبنان منذ عام 1975. وليتذكر كيف حوّل النظام السوري المخطوفين الأجانب الى ثروات هائلة تقاسمهامع جلاوزة حلفائه في بيروت والضاحية. لماذا اختطف العالم ميشال سورا وتم تعذيبه على يد "حزب السلاح" بإشراف خبراء من ضباط الأمن السوريين وثم دفن سراً في ظروف مريبة، ولم تسترجع الدولة الفرنسية رفاته إلا بعد صفقة عقدتها دمشق مع باريس على خلفية المصالح المشتركة. من الذي جعل لحزب العمال الكردستاني قاعدة في البقاع بقيادة عبدالله أوجلان بطل الشعب الكردي الذي تم إبعاده الى اليمن وبعدها الى نيروبي حيث تم اختطافه في مؤامرة مدبرة ليست أصابع المخابرات السورية بريئة منها على الاطلاق؟ من الذي احتضن الارهابي "كارلوس" في البقاع ودمشق ثم جرى التخلص منه الى اليمن وبعدها الى الخرطوم ليجد نفسه مكبلاً بالحديد لتنقله طائرة عسكرية فرنسية الى باريس؟.

من الذي سلّم عناصر الجيش الأحمر الياباني الى الحكومة اليابانية من البقاع، فساقتهم أجهزة المخابرات السورية الى مطار بيروت ثم الى مطار عمان حيث أرسلت المخابرات اليابانية طائرة أحضرت خصيصاً لنقلهم الى اليابان؟

أي نظام هو هذا الذي يحاضر عن الارهاب الذي على امتداد سنوات طويلة كان على تنسيق كامل مع نظام طهران الظلامي الذي جمع عناصر القاعدة عنده ليرسلهم الى دمشق ثم الى الانبار في محاولة مكشوفة للحصول على حصة له من العراق الذي مزقه الاحتلال الأميركي عام 2003؟ ماذا عن المفقودين اللبنانيين؟ أين أصبحوا الآن؟ ماذا عن مآثر رفعت الأسد في سجن تدمر وسرايا دفاعه "المجيدة" في تصفية آلاف المعتقلين في ليلة واحدة؟ لماذا تمّت تصفية اللواء غازي كنعان وعائلته وأقاربه؟ هل كان ينوي الهرب والانشقاق؟ ماذا بوسع الجعفري أن يخبرنا عن آلاف معتقلي "فتح" في سوريا أثناء حرب المخيمات ومغدوشة عام 1965 و1986"؟ وماذا يعلم عن "فتح الاسلام" في حرب نهر البارد؟ ليس من عاقل في الدنيا بإمكانه أن يتجاهل دورالنظام الأسدي في الضلوع في اغتيال الرئيس الحريري جريمة العصر الموصوفة، والاعتداء الارهابي الذي هز لبنان والعالم.

حقاً ان القحة والفجور والتلاعب بعقول الناس وذاكرتهم قد بلغت بالنظام السوري الهتلري حدوداً فاقت كل التوقعات. أما كان أجدى بالجعفري الصمت عوضاً على الافتراء والكذب في محاولته الرخيصة إلصاق تهمة الارهاب بالمعارضة السورية وانتفاضتها البطلة. وما الوقائع التي فسّروها هنا سوى غيض من فيض، فالشعوب العربية تعلم جيداً سجّل نظام الأسد الدموي الارهابي.

تبرز بوضوح أكثر من أي وقت مضى أهداف النظام الأسدي في تسويق نفسه والترويج بشتى الوسائل لإقناع المجتمع الدولي انه معاد للارهاب، لعل بالإمكان إزالة تلك الوصمة التي التصقت به بحق على أن سوريا في ظل حكم آل الأسد ظلت بامتياز دولة مارقة.

بل أخطر من ذلك أيضاً في قدرته الآثمة على استخدام بعض الحركات الثورية ذات الأهداف المشروعة والنبيلة، لغايات ارهابية لا تخدم في حقيقة الأمر سوى اصراره بكل ما أوتي على البقاء، ولو على حساب الجماهير السورية وتطلعاتها نحو الحرية والكرامة والانعتاق.

===================

ما دلالة تغير الموقف الإسرائيلي من سوريا؟

النهار

رندى حيدر

2012-05-18

تدل التصريحات الأخيرة لرئيس استخبارات الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي خلال زيارته للعاصمة الأميركية عن تغير الموقف داخل الجيش الإسرائيلي من بقاء نظام بشار الأسد في سوريا على التخبط الإسرائيلي حيال التغييرات السياسية التي تشهدها المنطقة ضمن اطار "الربيع العربي"، كما تدل على مدى التداخل بين موضوع مواجهة خطر السلاح النووي الإيراني ومصير مستقبل نظام الأسد في سوريا. فمعلوم ان إسرائيل لم تكن في يوم من الأيام مع الثورة في مصر مثلما كانت ضد التغيير في سوريا. وإذا كان دفاعها عن بقاء حليفها حسني مبارك مفهوماً، فان تخوفها من ذهاب نظام الأسد لم يكن مفهوماً. وفي كل الأحوال تبدو إسرائيل عاجزة عن ان تلعب دوراً مؤثراً في تغيير الموقف الأميركي والدولي بعدم التدخل العسكري في ما يجري هناك. والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي دلالة تصريحات كوخافي؟

 يمكننا ربط التبدل في الموقف الرسمي الإسرائيلي من نظام الأسد في سوريا بالتصعيد الكلامي على جبهة مواجهة الخطر الإيراني أكثر مما يجري داخل سوريا نفسها. وهو يعكس رغبة إسرائيل في ادخال احتمال سقوط نظام الأسد ضمن حسابات الربح والخسارة للمواجهة الدائرة بينها وبين إيران.

تتخوف إسرائيل بشدة من أن يؤدي نجاح الجولة الثانية من المحادثات بين الدول الست الكبرى وإيران إلى اقتناع المجتمع الدولي بنجاح المساعي الديبلوماسية في حل المشكلة النووية الإيرانية، بينما يؤمن المسؤولون السياسيون والعسكريون في إسرائيل بأن هذه المحادثات عقيمة، وأن إيران تستغلها للاستفادة من الوقت كي تواصل مشروعها، وأن لا شيء يمكن أن يردع إيران سوى التلويح بالحرب عليها.

 وفي الآونة الأخيرة برزت مواقف لمسؤولين عسكريين إسرائيليين كبار تحدثت عن أن إسرائيل باتت تملك خياراً عسكرياً لمواجهة الخطر الإيراني، وأنها مستعدة لتحمل عواقب هذا الخيار ودفع ثمنه. وقد ظهر هذا في المقابلات التي أدلى بها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وفي كلام القائد السابق لسلاح الجو. والهدف تمرير رسالة واضحة الى جميع الأطراف بأن خيار استخدام القوة العسكرية ضد إيران بات جاهزاً ويمكن أن يدخل حيز التنفيذ في أي وقت. وحتى مئير داغان رئيس "الموساد" السابق الذي يعارض بشدة الهجوم الإسرائيلي على إيران، نراه يدعم التحضير للحرب كما لو انها ستقع، ففي رأيه أن "الاعداد الجيد للحرب على إيران قد يجنب إسرائيل خوضها".

تريد إسرائيل أن توحي الى الإيرانيين بأن الجيش الإسرائيلي أنهى استعداداته وتحضيراته للحرب، وأن خيارها العسكري بات جاهزاً، فهل تنجح في كبح إيران من خلال التهديد فقط بالحرب؟

===================

الاعلام السوري و«فبركة الاعترافات»

الدستور

18-05-2012

تحاول وسائل الاعلام الرسمية السورية جاهدة اظهار الانتفاضة في صورة مؤامرة ارهابية اسلامية وليست معارضة شعبية واسعة النطاق لحكم الرئيس السوري بشار الاسد. ويبث التلفزيون السوري مقابلات مع رجال يعترفون بأنهم ارتكبوا أعمال عنف وذلك بهدف تشويه صورة معارضي الاسد. لكن الكثير من السوريين يسخرون من هذه المقابلات وقالت معدة تلفزيونية سابقة -طلبت عدم ذكر اسمها خوفا من انتقام جهة عملها السابقة منها- ان العديد من الاعترافات مفبركة.

وعلى الرغم من أنها كانت من أقوى المؤيدين المتحمسين للاسد قالت المعدة السابقة انها منزعجة مما وصفته بحملة تضليل يقوم بها تلفزيون “سوريا” الرسمي.

وقالت لرويترز “كنت أصل الى العمل فيخبرني أحد المحررين أن لدينا شخصا للاعتراف.” وأضافت “بعض الرجال هم أناس عاديون اعتقلوا في مظاهرات مناهضة للحكومة واخرون هم لصوص ومجرمون أوشكوا على انهاء فترة العقوبة الصادرة بحقهم.” وقالت “قيل لهم انه سيفرج عنهم اذا اعترفوا بالجرائم المفبركة”.

ومن بين من اعترفوا للتلفزيون السوري قصي شقفة وهو من مدينة حماة التي شهدت قتالا بين المعارضين وقوات الحكومة في الشهور القليلة الماضية ولها ماض طويل من المعارضة ضد الاسد ووالده الراحل حافظ الاسد الذي كان قد أرسل قوات لقمع انتفاضة هناك عام 1982 مما أسفر عن مقتل الالاف.

وقال شقفة “29 عاما” في البرنامج الذي بثه التلفزيون السوري ان المعارضين قتلوا أفرادا من قوات الامن وألقوهم من فوق جسر. وأضاف أنه اتصل بصحفيين يعملون في وسائل اعلام أجنبية وأرسل لهم صورا مفبركة لمظاهرات سلمية مناهضة للاسد حتى يستخدمونها كدعاية ضد الرئيس السوري.

وحقق اعتراف اخر شهرة على نحو خاص في سوريا بدا فيه رجل يدعى غسين سلواية من مدينة اللاذقية الساحلية ممتثلا لطلبات معد البرنامج.

وقال سلواية متلعثما وهو محاط بمسدسات ورشاشات وأسلحة ذكر مذيع البرنامج أنه عثر عليها بحوزته أنهم أحرقوا حافلات وقاوموا دوريات أمنية وان الامر كله كان شغبا. وقال نشطاء في المعارضة ان عائلة سلواية ذكرت أنه اعتقل قبل الانتفاضة لارتكابه جرائم لا علاقة لها بما يجري. وتحظر الحكومة السورية عمل وسائل الاعلام لذا يصعب التحقق من التقارير.

وتقول جماعات معنية بحقوق الانسان ان محتجين سلميين يطالبون منذ أكثر من عام بالاطاحة بالاسد يعتقلون ويتعرضون للتعذيب والقتل. لكن المعارضة السورية تلجأ بشكل متزايد الى الاكمنة المسلحة وهجمات القنابل على رجال أمن الدولة واتهم تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر في الاونة الاخيرة المعارضة المسلحة بالقيام بعمليات خطف وتعذيب وقتل.

ولم تتحدث قط وسائل الاعلام السورية الرسمية عن أي انتهاكات من جانب الحكومة لكنها بثت “اعترافات ارهابيين” في أوائل العام الماضي عندما بث نشطون لقطات فيديو لقوات الاسد وهي تطلق النار على متظاهرين ولم يكن هناك مؤشرات كثيرة على وجود انتفاضة مسلحة.

ويسخر الكثير من السوريين سواء المعارضين أو المؤيدين للاسد من هذه الاعترافات.

وقال رامي “33 عاما” وهو موظف حكومي أجريت المقابلة معه عبر سكايب من دمشق وطلب ذكر اسمه الاول فقط لاعتبارات أمنية مثل باقي من تحدثت معهم رويترز في هذا التقرير “لا أعتقد أن التلفزيون السوري يكذب في كل تقاريره لكن المعلومات التي تتضمنها هذه الاعترافات متضاربة بالفعل ومحيرة.” وقالت ريم وهي صحفية تبلغ من العمر 32 عاما انها لم تثق قط في وسائل الاعلام الرسمية وترى أنها لسان حال الدائرة المقربة من الاسد لكن الاعترافات التي يبثها التلفزيون تمثل سقطة جديدة. وأضافت “اذا كانوا مجرمين بالفعل فيجب ارسالهم الى المحاكم وليس الى استوديو التلفزيون.. الاعترافات مضحكة جدا.. من الواضح أنها غير منطقية”.

واستطردت “يطلب منا رؤساؤنا أن نختلق قصصا قابلة للتصديق. على سبيل المثال اذا كان لدينا رجل من مدينة معينة فنطلب منه أن يتحدث عن شوارع محددة أو يعترف بجريمة ارتكبت في الاونة الاخيرة في هذه المدينة”. وقالت “كان هناك بعض من الذين اعترفوا بدت عليهم اثار تعذيب لكنني لم أوجه لهم أسئلة كثيرة.”

===================

سلامة كيلة يصيبهم بالاحباط!!

الدستور

ياسر الزعاترة

18-05-2012

الأرجح أن الرفاق اليساريين، وربما القوميين أيضا سيصابون بالإحباط من جراء تصريحات المفكر اليساري سلامة كيلة الذي وصل الأردن بعد أسابيع من الاعتقال في أقبية المخابرات السورية (سبق أن اعتقل طويلا في السجون السورية)، لاسيما أن بعضهم لم يتردد في المطالبة بالإفراج عنه مع إدانة اعتقاله، وبالطبع حرصا على صورة النظام المقاوم والممانع، لأن سلامة كيلة ليس متهما بالمذهبية كما هو حالنا (مسيحي المولد)، كما أنه ليس متهما أيضا بأنه من ثوار الناتو وعملاء الإمبريالية كما هو حالنا أيضا على اعتبار أن الأرض لا تستوعب ثوارا غير الرفاق إياهم بينما استمرأ الآخرون ركوب قطار الإمبريالية حتى لو غادروه بعض الوقت لهذا السبب أو ذاك!!

لا حاجة للرد على كل هذا الهراء الذي تفيض به كتابات وتصريحات كثيرة هنا وهناك، ودائما لاعتبارات حزبية وطائفية ومذهبية تختبئ خلف شعارات رنانة، ليس فقط لأننا نرد عليه بشكل دائم، بل أيضا لأن التهم التي توجه إلينا هي ذاتها التي يمكن إلصاقها بالغالبية الساحقة من جماهير الأمة خارج الدوائر الإيرانية التي تتحرك وفق روحية مذهبية، مع وجود قلة قليلة من إخوتنا الشيعة الذين انسجموا مع مبادئهم ومبادئ الحسين الشهيد، تماما كما انسجم سلامة كيلة مع المبادئ التي يؤمن بها، تلك التي تنحاز لجماهير الشعوب المسحوقة، وليس للظلم والدكتاتورية.

سلامة كيلة قال بكل بساطة كل ما قلناه، وما يمكن أن يقال عن نظام الإجرام في دمشق، ويبدو أن “نظره القاصر” لم يسعفه ليرى المؤامرة الإمبريالية التي تحاك ضد نظام المقاومة والممانعة، وعليه تبعا لذلك أن يجلس في عمان بين يدي الرفاق ليتلقى دروسا مهمة تعيده إلى رشده!! والأرجح أنهم سيحاولون، وقد يكدون عليه الجاهات لكي يتوقف عن إدانة نظام بشار، لكن الحوار الذي أجراه معه مراسل الجزيرة نت في عمان سيبقى شاهدا على قناعات الرجل التي لا نعتقد أنه سيغيرها ببساطة.

والحال أننا لسنا في حاجة إلى شهادات سلامة كيلة لكي ندرك أننا إزاء نظام دكتاتوري مجرم يواجه ثورة شعبية لا تنتمي إلى مؤامرات خارجية حتى لو أيدها كل شياطين الأرض، فضلا عن أن تكون يتيمة مخذولة يُباع لها الكلام أكثر من الفعل في معظم الأحيان، بخاصة من لدن التحالف الأمريكي الغربي، لكننا مع ذلك سنضطر للاستشهاد بكلامه، ولو لأجل مناكفة الرفاق الذين يطاردوننا بنصوصهم وتصريحاتهم المعجونة بفكر المؤامرة بطبعته الأكثر بؤسا وسطحية في بعض الأحيان.

إليكم هنا فقرات مما قاله سلامة كيلة لا تتضمن تفصيلات اعتقاله وتعذيبه من قبل المخابرات الأسدية، وهي فقرات مهداة لكل الذين يرددون بعض ذلك الهراء الذي نضطر لمتابعته مكرهين كل يوم، أكان عبر المقالات والتصريحات، أم عبر التعليقات على ما نكتب ويكتبه سوانا حول الثورة السورية وشعبها البطل. لنقرأ:

“اكتشفت بعد لحظات من الاعتقال أنني في سوريا كلها من إدلب إلى حلب إلى حوران، بسبب تنوع السجناء وانتمائهم لشتى مناطق سوريا”... “استمعت إلى روايات تعذيب مرعبة، والهدف منها تأكيد النظام روايته المسبقة بأن هناك عصابات مسلحة تقتل وتغتصب وتنهب، وعندما تصبح كل الاعترافات بنفس النص فهذا يعني أن هناك ملقنا”...”كان المحققون يشتمون الشعب الفلسطيني (لأن أصله فلسطيني بالطبع) بأنهم باعوا وطنهم وخانوا سوريا التي قدمت لهم الكثير”....”من التقيته من الشباب في السجن بسيط وطيب جدا، لا توجد لديه ثقافة سياسية، لكنه يعرف أن الأفق مسدود ويجب أن ينكسر، وأن الصراع مع هذه السلطة لا بد منه، وأن المسألة لا طائفية ولا غيرها، هؤلاء شباب من جيل التسعينيات الذي أعتقد أنه سيغير الشرق الأوسط خلال عشر سنوات”....”أغلبية الشباب الفلسطيني مع الشارع السوري، والشباب السوري يؤمن بهذا الشعار (يقصد شعار من أجل تحرير فلسطين، يجب إسقاط النظام السوري)، لأن النظام يتاجر بالقضية الفلسطينية، وهو لا يجرؤ على الاقتراب من الجولان ولا يحضّر لأي حرب، والنظام تحول إلى عائق في المواجهة مع إسرائيل”....”لا يوجد أي أفق لحرب طائفية في سوريا، وكل محاولات النظام خلال السنة الأخيرة لجر البلاد لهذه الحرب فشلت، أنا قابلت شبابا متدينا في السجن لكن لا توجد لديه أي طائفية”.

أخيرا وبعد تأكيده على أن “النظام زائل لا محالة”، تحدث الرجل إلى رفاقه اليساريين فقال ما يلي: أقول لهؤلاء أن يترووا قليلا، وأن يعودوا لعقلهم وأن يفكروا بموضوعية لا بسطحية عالية. نحن ضد الإمبريالية ويجب أن نكون ضدها، لكن الوضع في سوريا كان تكيفا مع الإمبريالية، الاقتصاد الذي صنعه النظام السوري كان يطلب رضا الأمريكان. سوريا تتعرض لجريمة قتل كبرى يمارسها النظام من القتل إلى الصراعات الطائفية إلى التعذيب. سيكتشف هؤلاء أنهم دافعوا عن أكبر مافيا في المنطقة، أتمنى عليهم ألا يعتقدوا أن الأمور هي إمبريالية فقط، لأن الإمبريالية تتجسد في تكوينات محلية، والشعب السوري هو الذي ضحى من أجل فلسطين وضد إسرائيل وأمريكا وليس النظام، والشعب يقاتل اليوم من أجل فلسطين وليس فقط من أجل تغيير النظام. روسيا اليوم إمبريالية صاعدة ولم تعد اشتراكية كما يظن أصدقاؤنا، فلماذا نحن مع إمبريالية ضد إمبريالية؟! انتهى كلام كيلة؛ والمقال أيضا.

===================

تركيا وارتفاع وتيرة الاصطفافات في الشرق الأوسط

الرأي

د. صالح لافي المعايطة

18-05-2012

مع الموجة الجديدة والمتسارعة في متغيرات البيئة الدولية والاقليمية والمحلية إضافة الى إرتفاع وتيرة التوتر بين انقرة وبغداد وهذا قد يقود الى توتر محتمل بين انقرة وطهران، إضافة الى التراكمات السلبية السابقة في العلاقات التركية الاسرائيلية،وهذا مؤشر على أن الابواب الشرقية الجنوبية لتركيا لم تعد مفتوحة كما ان دبلوماسية تصفير المشاكل مع دول الجوار التي يتبناها داود أوغلو منذ ثلاثة أعوام قد اصيبت بنكسات متتالية، حيث اصبحت تركيا في مواجهة دبلوماسة مفتوحة مع اسرائيل مروراّ بروسيا وسوريا وصولاّ الى العراق، وستكون تركيا امام خيارات حاسمة بعد تبلور الخريطة الجديدة للشرق الاوسط الكبير في ضؤ المتغيرات التي تشهدها المنطقة وتداعياتها المتوقعة و...المفاجئة.

لم تكن تركيا في مثل هذا الوضع يوماّ ما وذلك بسبب الجهد الذي قام حزب العدالة والتنميةمنذ استلامه السلطة عام 2002 حيث قام هذا الحزب بتحويل تركيا الى دولة محورية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا على المستوى الاقليمي والدولي بسبب موقعها الاسترتيجي بين بين الشرق والغرب، إضافة الى تكامل عناصر القوة الوطنية للدولة(مساحة، سكان، موقع استراتيجي،اقتصاد، تجانس ديني وثقافي واجتماعي)، وحققت تركيا الشيء الكثير من دورها في كوسوفو والعراق وافغانستان، إضافة الى توسطها في عملية السلام في الشرق الاوسط، وتوسطها في الملف النووي الايراني كما قامت تركيا ايضا بتقليل وتصفير المشاكل مع دول الجوار وذلك من انعاش اقتصادها وتجارتها مع دول الاقليم واوروبا بقصد الحصول على عضوية الاتحاد الاوروبي.

من خلال التحليل والمتابعة نجد ان تركيا استفادت كثيرا من تفكك النظام الاقليمي في الشرق الاوسط ومن الصراع المتصاعد بين الغرب وايران ومن الضعف الذي اصاب روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولكن بعد متغيرات ومستجدات ثورات الربيع العربي وجدت تركيا نفسها انها على مفترق طرق، ولم يعد متاحاّ لها ان تقيم في عالمين او على خطين متنافرين لايبدو أنهما سيلتقيان، ولم يعد متاحاّ لتركيا ايضا ان تجمع المتناقضات في سياسة واحدة، ولا يمكنها مثلآ ان تستضيف بعض منظومة الدرع الصاروخية الاطلسية او تطمئن روسيا او إيران الى حيادها وقدرتها على التوسط في الملف النووي الايراني في آن واحد ولايمكن ان تقدم نفسها نموذجا لإنظمة الربيع العربي الجديدة وان ترعى المعارضة السورية وأن تتوافق مع موسكو وطهران على مستقبل الوضع في سوريا، ولايمكن ان تقيم تنسيقاّ واسعا مع دول الجامعة العربية ولاسيما الخليجية منها، وان تقنع القيادة الايرانية بإنها تقف على مسافة متساوية من الجميع.

لم تؤد متغيرات ثورات الربيع العربي الى توتر في العلاقات التركية الايرانية ولا حتى الموقف المتناقض من الازمة السورية، ولكن بعد استقبال تركيا لمنظومة الدرع الصاروخية الاطلسية توترت العلاقة بين البلدين مرة ثانية وذلك ان ايران وروسيا تعتقدان أنهما المستهدفتان من منظومة الدرع الصاروخي، ومما زاد من التوتر والاصطفاف ايضا هو التصريحات المذهبية الاخيرة المتبادلة بين رئيس الوزراء التركي رجب اوردوغان ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حول القضايا الاقليمية العالقة.

أعتقد ان تركيا تخشى أن يختل التوازن او صيغة المحاصصة الحالية بما يؤدي الى اهتزاز العلاقات بين مكونات العراق المذهبية والطائفية والاثنية وتكريس غلبة طرف على آخر بما يكرس ارجحية النفوذ الايراني في العراق ويهدد وحدته واستقلاله مع ما يترك ذلك من انعكاسات على كل الجيران وعلى رأسها تركيا.

===================

مراجعات 'الربيع العربي'، أو كيف يحنّ الاستشراق إلى الاستبداد

القدس العربي

صبحي حديدي

2012-05-17

آخر صرعاته، لأنه والحقّ يُقال صاحب صرعات من صنوف لا يتجاسر عليها سواه، هي تشخيصه الفريد لطبيعة أنظمة عربية سقطت أو يُستكمل سقوطها (زين العابدين بن علي، في تونس؛ وحسني مبارك، في مصر؛ ومعمّر القذافي، في ليبيا)، وأخرى تصارع قبيل السقوط (بشار الأسد، في سورية): تلك أنظمة لم تكن دكتاتورية تماماً، خلاصة القول عنده؛ ورغم التشابه مع أوروبا سنة 1848 (حين اجتاحت الثورات جميع بلدان القارّة عملياً، ما عدا إنكلترا)، فإنّ العالم هناك، في الشرق الأوسط، ما يزال بعيداً عن التبدّل والتحوّل. وتلك حال لا تحول، مع ذلك، دون انجذاب الرجل إلى تعبير 'الربيع العربي'، ليس بسبب دلالاته ذات الرنين الاستشراقي الخلاب، فحسب؛ بل كذلك لأنّ المعنى هنا يظلّ غائماً فضفاضاً، يدغدغ هوى المستشرق، مثلما يعفيه من شرّ استقراء الواقع الملموس.

صاحب هذه التشخيص هو المؤرخ البريطاني بول جونسون، مؤلف لائحة تزيد عن 50 كتاباً في مواضيع شتى، تضمّ كتابين ضخمين عن الحياة الفكرية المعاصرة، ومجلدات أشدّ ضخامة تؤرّخ للمسيحية واليهودية وإنكلترا وإرلندا، وأخرى تروي سيرة إليزابيث الأولى والبابا يوحنا الثالث والعشرين، فضلاً عن حضارات الأرض المقدسة، وتاريخ العالم بأسره. وفي أقلّ من عشر سنوات كان قد أصدر المؤلفات التالية التي تحتوي على مفردة 'تاريخ' في عناوينها: تاريخ المسيحية، تاريخ العالم الحديث، تاريخ الشعب الإنكليزي، تاريخ اليهود، تاريخ الأزمنة الحديثة... ولضرب أمثلة على بعض 'المحتوى الدسم' لتلك المجلدات، وبعض الصرعات الأخرى استطراداً، هنا منتخبات من كتابه عن تاريخ اليهود: 'استعباد الفراعنة لليهود كان استبطاناً بعيداً، لا يقلّ خبثاً، لبرامج السخرة التي وضعها هتلر لليهود'؛ 'بدون اختراع السكك الحديدية، يصعب أن نتخيّل وقوع الهلوكوست'؛ 'الغرف الخمس في أوشفتز كانت مجهزة بشكل يتيح إفناء 60 ألف رجل وامرأة وطفل، كلّ 24 ساعة'؛

وجونسون مثال ساطع على الدوران، بزاوية تامة، من صفوف اليسار إلى صفوف اليمين، وقد أتمّ عمادته على يد أمثال ريشارد نكسون ومارغريت ثاتشر، خلال عقود السبعينيات. السيرورة بدأت حين انتقل من دوائر اليسار المعتدل الملتفة حول حزب العمال البريطاني، إلى دوائر اليمين الرجعي في حزب المحافظين (حين يتواجد في بريطانيا) والمحافظين الجمهوريين الجدد (حين يتواجد في أمريكا). وما يسرده في أعماله ليس تاريخاً بأي معنى علمي جدير بالاحترام، بل سلسلة اجتهادات خرافية، وأقنعة إيديولوجية، واستيهامات افتراضية تفتقر تماماً إلى أبسط قواعد المنطق السليم (كما في الجزم حول الطاقة الاستيعابية لغرف الغاز).

وليس الأمر أنه لا يرى ما يجري في العالم من حوله، ولكنه يفضّل النظر إلى الحاضر والمستقبل اعتماداً على 'قاعدة مركزية في التراث اليهودي المسيحي، تقول بوجوب أن يحصي المرء نِعَمَه'، كما يقول؛ وأوّلها عنده أنّ الغرب خرج ظافراً من هذا القرن المرعب و'الأكثر خطورة في تاريخ البشرية'. لقد بلغ به الكبر عتيّاً، 84 سنة، وهذا عمر يسمح له باستذكار ثلاثة أحداث رهيبة كادت تدني العالم المتحضّر من شفير الهلاك والفناء: 1940، حين حاول 'النظام النازي وإيديولوجيته الفرنكنشتاينية' السيطرة على القارّة الأوروبية وبعض آسيا وأفريقيا؛ و1946، حين أوشك الأمريكيون على سحب قوّاتهم من أوروبا، تاركين العالم لقمة سائغة أمام ستالين؛ وأعوام السبعينيات، حين بدت 'فضيحة ووترغيت' وكأنها تجرّد الجبار الأمريكي الأعظم من جميع هياكله القيادية والأخلاقية.

أمّا في ما يخصّ التسعينيات والعقد الأوّل من الألفية الثالثة، فإنّ جونسون واصل البحث عن إمبريالية ضائعة، لا مخرج للإنسانية إلا باستعادتها: 'لقد حان الوقت للكفّ عن نواح القرن العشرين، والشروع بتدبّر السُبُل الكفيلة بضمان استقرار كوني ورفاهية واسعة. الخطوة الأولى هي إعادة تأسيس الإمبريالية الغربية'. مات الآن نظام العوالم الثلاثة، كما أخبرنا، ونحن اليوم نعيش نظام العالم الأوّل، والوحيد الذي يشهد انتقال قيم الغرب وطرائق عيشه إلى جميع أرجاء المعمورة، انتقال النار في الهشيم. ونحن بحاجة إلى إرساء هذا العالم الوحيد على سبعة أعمدة (ولا بدّ من هذا الرقم، لكي نتذكّر لورنس العرب وكتابه المأثور)، هي حكمة القرن الراهن.

الأمم المتحدة هي أولى الأعمدة، ولقد كان الغرب محظوظاً حين أسفرت الحرب الباردة عن انضمام روسيا إلى العالم المتمدن، واسترداد مجلس الأمن بدوره كذراع طويلة للقوى الغربية الجبارة. ولكي يكون أداء الأمم المتحدة لائقاً بأخلاقيات العالم الأوّل، ثمة هذه الشروط: وضع عملية 'عاصفة الصحراء' نصب أعين مجلس الأمن الدولي، كلما رنّ ناقوس على وجه البسيطة؛ وضمّ اليابان إلى الدول دائمة العضوية، لكي يكتمل عقد الجبابرة؛ وتطبيق إجراءات تكفل وضع دول العالم الثالث على هامش المنظمة الدولية، لكي لا يتكرر خطأ الرئيس الأمريكي هاري ترومان في منح الجمعية العامة حقّ اتخاذ القرارات، أو خطأ زميله دوايت أيزنهاور الذي سمح لشخص مثل داغ همرشولد بإدانة فرنسا وبريطانيا جرّاء حرب السويس!

وإذا كان من واجب الولايات المتحدة أن تتولى دور الشرطي الكوني، يتابع جونسون، فإنّ من حقها على مجلس الأمن الدولي أن يتحوّل إلى ما يشبه المخفر الساهر على تطبيق القانون. ذلك يفضي إلى العمود الثاني، أي تحويل الأمن الجماعي من قوّة سلبية تتحرك وفق مبدأ ردّ الفعل، إلى 'كلب حراسة' يقظ، قادر على التقاط رائحة الجريمة والحيلولة دون وقوعها؛ وهنالك، بالتالي، ضرورة لتعديل ميثاق الأمم المتحدة بحيث يمتلك مجلس الأمن أواليات تدخّل ديناميكية.

العمود الثالث يتفرّع عن الثاني، ويتصل بحقّ التدخل، وطرد 'الأوهام الطوباوية' و'الإيديولوجيات المضلِّلة' حول 'خرافة الاستقلال الوطني'، ثمّ أوهام انتصار 'الثورات' الراهنة على 'الدكتاتوريات' في العالم العربي. عشرات الدول في آسيا وأفريقيا لا تفقه حرفاً واحداً في أبجدية إدارة الدولة والمجتمع، يقول جونسون، وينبغي عدم التردد في استئناف العمل باتفاقية فرساي ونظام الإنتداب (الذي يرى جونسون أنه كان ناجحاً في كلّ مكان... باستثناء فلسطين، حيث ارتكب البريطانيون جملة أخطاء بحقّ 'الحركة الصهيونية الديمقراطية'). ولأنّ مجلس الأمن الدولي هو مخفر الجبابرة، فإن جونسون ينيط به مهمة 'إحياء الحيوية الإمبريالية، واستعادة المعنى النبيل لكلمة الاستعمار'.

العمود الرابع هو العمل الحثيث لاستيعاب الصين، وإعادة توجيهها في أقنية إيجابية وبنّاءة (رغم الماركسية والتوتاليتارية، كما يقول)، وذلك لضمان القدر الأقصى من الانسجام في علاقات القوّة، ولدرء خطر الشرق. الصين عنده هي 'صدّام حسين مضروباً بأربعين ضعفاً'، ولكنها تتحرّك ضمن معادلة جيو ستراتيجية واقتصادية مكمّلة لحركة الغرب، وموازية لحركة اليابان والتنانين الآسيوية الصغيرة في أندونيسيا وتايوان وسنغافورة وكوريا.

وإدخال الصين في إيقاع الاقتصاد الدولي عنصر ضروري للعمود الخامس المركّب: المجموعة الأوروبية، اتفاقية ماستريخت، 'الاتفاقية العامة حول التعرفة والتجارة'، معدّلات صرف العملة، وما إليها. ومنذ ابتداء هذا القرن الجديد، سوف تتكوّن كتلة شرائية هائلة من خمسة مليارات وربع المليار (هي مجموع سكان الصين والهند والباكستان وأندونيسيا وبنغلادش وفييتنام)، وستُفتح أسواق هائلة لا مفرّ من تقاسمها بين الكتل الثلاث الأوروبية والأمريكية والآسيوية، والصين بهذا المعنى مفتاح محوري في صناعة التقاسم، وفي 'ضبطه' و'حراسته'.

ضغط العامل الديمغرافي يقود جونسون إلى العمود السادس، أي تربية البشرية وفق القواعد الليبرالية الغربية، وتعليمها سبل الدخول السلمي في نظام العالم الواحد الوحيد، تفادياً لتحوّلها إلى قنبلة سكانية موقوتة، وحاضنة خصبة للتيارات الراديكالية والأصولية والإثنية. هذه 'القوى السوداء'، كما يسمّيها، يمكن أن تنضمّ بسهولة إلى حال الجهل المقنّع في أوروبا وأمريكا الشمالية، بحيث تتحوّل الأجيال الجديدة إلى 'أفواج رعاع' لا مواطنين صالحين. ليس لانتفاضات العرب أي دور تربوي تطهيري هنا، إذْ يبدو العكس هو الصحيح في ناظر الرجل. وهذه مسألة ثقافية، تجعله يرى في جياع الصومال وأفريقيا تجسيداً لهدر الموارد، وليس فظائع الجوع والعطش والموت. العمود السابع في حكمة القرن الواحد والعشرين هو الحفاظ على الموارد وحسن استغلالها وتطويرها، وهي هنا تتجاوز الثروات الطبيعية إلى الدماغ والإبداع والمخيّلة والذوق والحساسية. ذلك يدفعه إلى أن يلاحظ، بقلق جلي، كيف أخذت جوائز نوبل تذهب إلى أبناء ماليزيا وكوريا وتشيلي وتركيا وسنغافورة والهند ومصر والكاريبي...

ليس غريباً، والحال هذه، أن تحظى أفكار جونسون بالترحاب الشديد في أوساط المحافل اليمينية المتشددة، والرجعية، وأن يعطيها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة مكانة الصدارة، وأن يمنحه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن 'قلادة الحرّية' الرئاسية (كان جونسون قد وصف الأخير ب'خليفة ثاتشر'، ووصم بوش الأب ب'رئيس الاستكانة'). ويُسجَّل له أنه كان في طليعة ناصحي رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، حين تولى المنصب في الولاية الأولى سنة 1997: 'أخبرته أن يبقى ملتصقاً بالأمريكيين، فهم حلفاؤنا، ونحن مثل أسرة واحدة، وليذهب الأوروبيون إلى الجحيم، فلا تثق بهم، وخاصة فرنسا'!

وفي الحصيلة، إذا جاز للمرء أن يركن إلى المنطق البسيط حتى في غياهب هذه التناقضات غير المنطقية، كيف يبدو جونسون غير سعيد تماماً، أو غير مستبشر، أو متشكك، أو 'مراجِع' في التوصيف الألطف، لواقع انتفاضات العرب التي انطلقت لتوّها، او التي تعد بالانطلاق في كلّ حين، ما دامت أهدافها الأولى هي تحرير الإنسان العربي من نير الاستبداد؟ وإذا لم تكن أنظمة بن علي ومبارك والقذافي والأسد 'دكتاتورية تماماً'، حسب جونسون، فكيف إذاً، وأين، تكون الدكتاتوريات كاملة تامة، على وجه البسيطة؟ ومتى يجوز استدخال انتفاضات العرب، أياً كانت تحفظات جونسون عليها، في أيّ من دهاليز أعمدة الحكمة السبعة، التي اختطها للكون والإنسانية؟ وهل الخيار الوحيد، لكي يتغيّر هذا العالم العربي أو يتحوّل، هو 'استعادة المعنى النبيل لكلمة الاستعمار'، كما يحثّنا المؤرّخ الأريب؟

ليس من باب العبث أن تُطرح هذه الأسئلة، أو يُعاد طرحها كلما ظهرت 'مراجعة' جديدة تنمّ عن حنين استشراقي فاضح إلى تلك الكليشيهات العتيقة الأثيرة، حتى إذا كان بعضها يعيد تأهيل الاستبداد تحت مسمّيات شتى. وكما يتوجّب التذكير في كلّ مناسبة مماثلة، فإنّ سيرورات 'هذا العالم العربي الجديد'، حسب التعبير الأخر الذي شاع بدوره اسوة ب'الربيع العربي'، هزّت أركان المعارف الغربية عن العرب، والشرق عموماً، وكانت هذه راسخة قبلئذ، مكينة وثابتة مسلّماً بها، تقتات على تنميطات 'الذهن العربي' و'السيكولوجية العربية' و'الروح الشرقية'؛ وكلّ ما يقترن بهذه من صفات الركود والجمود واللاتاريخ والسرمدية، فضلاً عن مقاومة التغيير، ورفض الديمقراطية...

وليس يسيراً أن تفلح انتفاضات العرب في قلب مفاهيم الاستشراق، رأساً على عقب، ثمّ تحظى باستحسان أمثال برنارد لويس، دافيد روثكوف، دانييل بايبس، وبول جونسون.

' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

===================

روسيا السورية: خيارات متعددة لكن أحلاها مُرّ!

الحياة

محمد مشموشي *

18-5-2012

ليس من دون معنى سياسي، وحتى استراتيجي، أن تصدر روسيا، بلسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف مواقف علنية عدة (4 حتى الآن) غير السياسية البتة منذ بدء خطة المبعوث العربي – الدولي كوفي أنان في سورية، وتالياً مهمة المراقبين الدوليين، تحمل فيها ما تسميه «مجموعات مسلحة» و «قوى خارجية» مسؤولية عدم وقف العنف، وحتى تطالب النظام السوري ب «ضرب الارهابيين بحزم» كما جاء في أحد البيانات.

المعنى الكامن في هذه المواقف، السياسي والاستراتيجي معاً، هو ابلاغ من يعنيه الأمر (في دمشق أولاً، ثم في واشنطن وغيرها من عواصم العالم) أن موسكو لا ترى حرجاً في دفاعها عن نظام بشار الأسد حتى الآن ولا في موافقتها على خطة أنان ذات النقاط الست، أياً كانت النتيجة النهائية للخطة وللمهمة. ما تريد موسكو أن تقوله، لدمشق ولواشنطن وللعالم، هو أنها لا تزال على موقفها من هذا النظام، واستطراداً أن خياراتها كلها باتت محصورة في هذه الزاوية – زاوية مبادرة أنان – من دون غيرها. لماذا؟. لسبب وحيد هو أنها الأقل سوءاً، سواء بالنسبة للنظام في دمشق أو بالنسبة لارتباطاتها معه ومصالحها في سورية وفي المنطقة بشكل عام.

لكن السؤال: هل هذه هي الزاوية السليمة، بالمعنى السياسي والاستراتيجي للكلمة، التي تجد موسكو أن لا بديل لها في مقاربتها للوضع في سورية بين النظام والثورة الشعبية المتصاعدة ضده؟

من نافل القول إن أمام روسيا، وكذلك أمام الصين وان بنسبة مختلفة، خيارات عدة في ما يتعلق بمصالحها في سورية، وفي المنطقة وامتدادها في العالم، بإزاء ما تشهده سورية منذ أكثر من أربعة عشر شهراً. ومع أن ما يوصف دولياً بالربيع العربي قد فاجأ موسكو، كما فاجأ غيرها من عواصم العالم، بدليل موقفها من الثورة الليبية (تقول دائماً أنها لا تريد له أن يتكرر)، فلا حاجة الى تبيان أنها كانت تملك في مواجهة الثورة في سورية خيارات تقيها تكرار «الخطأ الليبي»، وفق تعبيرها، في الوقت الذي تحافظ على ما تعتبره مصالحها في سورية والمنطقة العربية، ثم بازاء الولايات المتحدة والغرب عموماً على صعيد توازن القوى الدولي.

ومن دون الغرق في مقولات الاخلاق وحقوق الانسان في مواجهة القتل والعنف المنظمين، المفترضة في مواقف دولة عظمى كروسيا، فضلاً عن حقوق الشعوب في الحرية والديموقراطية وتقرير المصير، فتلك كلها لا تدخل في سياسات الدول ومصالحها (ومصالح زعمائها فقط في بعض الأحيان)، يمكن القول إنه كانت لدى روسيا، ولا تزال للآن، خيارات متعددة كما يأتي:

أولاً، استخدام نفوذها لدى الأسد لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية، وتحديداً عدم استخدام الحل الأمني، منذ الأيام الأولى للانتفاضة في درعا منتصف آذار (مارس) 2011، والمحافظة على النظام ومصالحها معه وفي سورية.

بدلاً من ذلك، بدا جلياً أن سياسة شراء الوقت واستخدام العنف توقعا لانهاء الانتفاضة في خلال أيام وربما أسابيع، كانت هي السياسة التي اعتمدتها العاصمتان، موسكو ودمشق معاً، الأولى عبر تغطية النظام في مجلس الأمن الدولي ومنعه من اتخاذ قرار حتى بالإدانة وإنزال عقوبات بحقه، والثانية عبر تصعيد العنف والقتل بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة. وبدا جلياً من اللحظة الأولى أيضاً أن موسكو تبنت مقولة النظام عن «العصابات المسلحة» و «القوى الأجنبية» تنكراً منها لحقوق ومطالب الشعب السوري التي تعرف موسكو قبل غيرها، أو مثلها على الأقل، أنها حقوق ومطالب محقة ولم يعد ممكناً تجاهلها أو التنكر لها.

الآن، وقد أيقنت روسيا أن سياسة اعطاء المهل قد فشلت تماماً، فضلاً عن أنه لم يعد ممكناً الرهان عليها لا حالياً ولا في المستقبل القريب، فإنها تجد نفسها في موقف العاجز عن التراجع (اذا كانت تريد التراجع أصلاً) بقدر ما هي عاجزة في الوقت ذاته عن التقدم خطوة أخرى في السياسة نفسها.

ثانياً، التقاط المبادرة العربية الأولى بعد فترة قصيرة من الانتفاضة، أو حتى الثانية في مرحلة لاحقة، أقله لإبعاد الحرج تجاه من تعتبره حليفها في دمشق أو صديقها الآخر في طهران، والعمل مع الجامعة العربية من أجل انجاح خطتها لوقف دورة العنف وادخال سورية في مسيرة ديموقراطية اصلاحية فعلية تنقذها من جهة كما تنقذ مصالح روسيا فيها وتالياً في المنطقة... ولو على حساب النظام اذا كان لا بد من تغييره في نهاية المطاف من جهة أخرى. فما يفترضه المنطق السياسي أن مصالح روسيا في سورية هي مع الشعب والدولة، وليس مع نظام الحكم فيها، بغض النظر عن ماهية هذا النظام.

لم يحدث ذلك سابقاً، ولا يبدو أنه سيحدث الآن على رغم أنه لا يزال ممكناً، بل على العكس تماماً كانت نتائج «الحوار» الديبلوماسي - وبعده لقاء لافروف وجهاً لوجه مع مجلس الجامعة في القاهرة – كارثية الى حد كبير، ان على الوضع في سورية الذي يتجه اما الى سقوط النظام نهائياً أو نشوب حرب أهلية مديدة، وعلى مصالح روسيا السياسية والاستراتيجية فيها، ومعها على مصالحها التي يفترض أنها أكثر أهمية واتساعاً في العالم العربي.

ثالثاً، عقد تسوية «منتصف طريق» ما بينها وبين مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة والغرب أساساً) حول معالجة الوضع في سورية، في ظل البيانات الأميركية والغربية المتكررة لاستبعاد التدخل العسكري، يكون من شأنها تسهيل أحداث التغيير ونقل السلطة بطريقة سلمية، وبالتالي المحافظة على مصالح روسيا، فضلاً عن «التوازن» الدولي – السياسي والاقتصادي والعسكري – غير المتوازن أصلاً في عموم الاقليم.

يقال ان ما تريده موسكو، بقيادة من يسمى «قيصر روسيا الجديد» فلاديمير بوتين، هو انهاء هذا اللاتوازن في المنطقة، أو أقله منع حدوث المزيد منه بنتيجة سقوط النظام السوري وتداعيات هذا السقوط على البقية الباقية من مواقع النفوذ الروسية فيها.

ويقال أكثر، إن في ذهن بوتين تذكير واشنطن بما وصف ب «تقاسم المصالح» بينها وبين موسكو السوفياتية بعد توافقهما على انهاء حرب السويس العام 1956 على حساب نفوذ بريطانيا وفرنسا، وذلك انطلاقاً من نظرته الشخصية الى الربيع العربي، واعتباره بداية النهاية لمرحلة دولية كاملة في المنطقة غالباً ما اطلق عليها اسم «ما بعد السويس».

لكن هل روسيا هي الاتحاد السوفياتي، وهل الولايات المتحدة بعد سقوط أوروبا الشرقية وحلف وارسو هي الولايات المتحدة في الخمسينات؟ أم أن المسألة في النهاية هي البحث عن «صفقة» ما يمكن الوصول اليها؟

أياً يكن الأمر، فقد كانت لدى روسيا السورية، ولا تزال حتى الآن، خيارات متعددة ازاء الأزمة السورية والمحافظة على مصالحها فيها وفي المنطقة... لكن أحلاها كما يبدو مر، وربما بالغ المرارة!

... وحتى مهمة أنان، التي تختبئ موسكو وراءها حالياً، فلن يكون مصيرها على يد نظام الأسد أفضل من غيرها من الخيارات.

* كاتب وصحافي لبناني

===================

مهلة أنان واللعبة السورية القديمة

الحياة

وليد شقير

18-5-2012

مهما كانت مظاهر الفوضى في لبنان التي تجعل من الصعب تفسير أسباب الانفلات الأمني الذي حصل في طرابلس ومن يقف وراءها، ومهما كانت التفاصيل الصغيرة والكبيرة كثيرة الى حد يجعل المرء يضيع في تقويم الغث والسمين منها، ومهما كانت الخصومات المحلية كثيرة ومتشعبة بين الطوائف والمذاهب والأحياء والزواريب والعائلات، فإن بعض المواقف العلنية والإشارات التي تأتي من المشاهدة بالعين المجردة تكفي لتجاوز التشويش الذي يمكن أن يصيب المراقب لتدحرج الأحداث في البلد الصغير المثخن بكل أنواع الصراعات ومخلفات حروبه القديمة والحديثة.

ولأن بعض المواقف العلنية تزيل أي التباس تفرضه تراكمات المشاكل التي تعصف بلبنان وستستمر في إعاقة استقراره، فإن ما جرى ويجري في طرابلس ومناطق أخرى من لبنان يفرض التوقف عند الآتي:

1 – تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد عبر تلفزيون "روسيا 24" التي قال فيها: "إذا قمتم بنشر الفوضى في سورية فإنكم ستعانون منها وهم يفهمون ذلك جيداً". وهي رسالة واضحة الى الدول الداعمة للمعارضة بأن سورية قادرة على دعم أطراف في دول عدة يقود دعمها الى تقويض الاستقرار فيها.

2- ما لم يوضحه الرئيس الأسد، تكفل بتوضيحه نائب وزير خارجيته فيصل المقداد حين قال أول من أمس: "نريد من لبنان أن يراعي مبدأ الجيرة ولا يكون خادماً لأجندات من بعض دول الخليج... ومن يعادي سورية يخسر مع سورية وداخل لبنان".

3 – وما بقي ملتبساً في كلام المقداد تولى المسؤول السياسي في الحزب الديموقراطي العربي في طرابلس رفعت عيد الإفصاح عنه حين اعتبر أن الوضع في المدينة قد يذهب الى المجهول وأن ضبطه قد يُوجب الطلب الى الجيش السوري الدخول الى لبنان لوقفه... وعلى رغم استحالة ذلك، فإن هذا التوقع يهدف الى القول إن التفاوض مع سورية يساعد في وقف التدهور.

4 – إن الحليف السياسي – الأمني التاريخي للقيادة السورية، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، أحمد جبريل زار لبنان فجأة والتقى علناً جميع حلفاء دمشق بدءاً بالأمين العام ل "حزب الله" السيد حسن نصرالله. وليس من عادة جبريل أن يأتي الى لبنان من دون أن تشكل زيارته رسالة ما.

5 – إن الوزراء الحلفاء لدمشق أكدوا في جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، أن أحداث طرابلس قد تعم كل لبنان. وهذا ما جعل وزير الداخلية مروان شربل يبدي مخاوفه من أن ينتقل الوضع في طرابلس الى عكار ومنها الى البقاع ومنه الى كل لبنان.

مع هذه المواقف تصبح التفاصيل الأخرى المتعلقة بالاحتجاج الطرابلسي على عدم محاكمة الموقوفين الإسلاميين والسجال حول طريقة توقيف الناشط الإسلامي شادي المولوي وغيرها في مرتبة ثانية من الأهمية.

ومقابل المبالغة في الحديث عن وجود "القاعدة" في لبنان والمخاوف من أعمال تقوم وستقوم بها يشكل نفي وزير الداخلية وجودها في لبنان ثغرة كبيرة في معزوفة التخويف المستمر منها... ويُضعف من قيمة "الخدمة" التي تسعى دمشق الى الإيحاء لدول الغرب بأنها تقدمها لها وبأنها تشاركها مكافحة الإرهاب.

في خلفية كل ما يجري اعتقاد سوري بإمكان ممارسة اللعبة القديمة إياها: إظهار القدرة على اللعب بما يسمى الأوراق الإقليمية، عبر تهديد استقرار دول محيطة وعبر عنوان الإرهاب، للتفاوض مع الغرب والدول المعنية عليها. والواقع أن القيادة السورية قررت العودة الى هذه اللعبة مع اضطرارها نتيجة الضغط الروسي للموافقة على خطة المبعوث الدولي – العربي كوفي أنان، لعلها تستفيد من مهلة الثلاثة أشهر التي أعطيت لمهمة المراقبين الدوليين لاستعادة الاعتراف باستمرارية النظام وشرعيته.

فهم النظام في سورية أن مهلة أنان تخدمه لاستعادة بعض ما فقده، بدءاً من لبنان عبر تصعيد الضغوط على ما سمي الكتلة الوسطية (رئيسا الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط) لشعور دمشق بأن مواقف الثلاثي، خصوصاً سليمان وجنبلاط، عرقلت إمساك حلفائها بالقرار السياسي، لأن قبضتها على السلطة فيه لم تعد قوية كما في السابق نتيجة أزمتها الداخلية.

العودة الى لعبة الأوراق الإقليمية قد لا تقتصر على لبنان. والأرجح أنها لن تلقى استجابة دولية، غربية أو عربية، لأن الدول المعنية في وادٍ آخر، ولم تعد تقبل بخوض هذه اللعبة بعد أن باتت أزمة سورية داخلية وبات النظام مهدداً. وستكون للعبة القديمة وظيفة وحيدة هي مزيد من تخريب في النسيج اللبناني الذي يدفع ثمنه المواطنون العاديون، ويدفع ثمنه حلفاء النظام قبل خصومه.

==================

«ألم يَحن الوقت للمفكرين والحكماء أن يقولوا كلمتهم»؟

الحياة

الحسن بن طلال *

18-5-2012

تضع التطورات في سورية المواطن والمُفكر العربي أمام مسؤولية غير مسبوقة منذ أن حَلَّ ما يُسمى الربيع العربي على منطقتنا. ولعل ما يُثقل هذه المسؤولية ويثير تساؤلات مشروعة، بعد أن وصلت الأزمة السورية إلى مرحلة تُنذر بخطر يتهددَ وحدة سورية أرضاً وشعباً، هو السؤال المهم الذي يراود الكثيرين منا:

هل يمكن اعتبار ما يحدث في سورية استثناء عما حصل في الدول التي سبقتها، ونعني تونس ومصر وليبيا واليمن، ومن قبل العراق؛ حتى وإن اختلفت الظروف والوسائل؟ وبالتالي، فإن هذا التساؤل يدعونا إلى إعادة تقويم ما حدث في الحِراكات السابقة ونتائجها وآثارها بعيدة المدى على مجتمعاتنا وعلى مصالح أمتنا.

لعل التفجيرات المؤسفة التي حصلت أخيراً في دمشق، بما أوقعته من عدد كبير من الضحايا ونوعية تلك التفجيرات والدلالات التي تحملها شكّلت سابقةً خطيرةً، إن لم تكن نقطة تحوّل في اتجاه الأزمة ومستقبل المواجهات والأدوار التي يمكن أن تقوم بها أطراف جديدة في الأزمة.

غني عن البيان اننا كنا نتابع الأزمة باهتمام وقلق كبيرين، ولم نشأ أن نتدخل منذ البداية على أمل أن تفضي الجهود العربية والدولية وغيرها إلى نتيجة، إلا أن ذلك لم يتحقق، وبالتالي وجدنا أن من الواجب أن نحيي مبدأ الشورى في ما بيننا في هذه المرحلة الدقيقة، آخذين في الاعتبار قدرة العقل السوري الواعي على تطوير حلول عملية سريعة تخرج البلاد من الثنائية العدمية، وتفتح آفاقاً لتوافق وطني جديد يشارك فيه الجميع على أسس واضحة من الديموقراطية والمشاركة والتعددية وقبول الآخر.

إننا في منتدى الفكر العربيّ ومنذ تأسيسه قبل أكثر من ثلاثة عقود اعتدنا أن تكون لنا كلمة حين يتعلق الأمر بمستقبل أمتنا ومكانة عالمنا العربيّ، وأن يكون لأبنائه دور فاعل في رسم مصيرهم، مستنيرين بتاريخنا بكل ما يحمله من صفحات مشرقة وتجارب قاسية أدى فيها مفكرو الأمة وحكماؤها الدور المطلوب والمنتظر.

ولعلنا في هذه اللحظات التاريخية نستذكر الجهود التي بذلناها لمنع وقوع الحرب على العراق عام 1991 وتجنيبه النتائج الكارثية التي لحقت به وبالمنطقة، فقد اطلقنا آنذاك، وفي ظروف قد تكون مماثلة لما يحصل اليوم في سورية، نداء قبيل وقوع الحرب والتي أعقبتها نزاعات طائفية في جنوب العراق، للاحتكام الى العقل وترجيح صوت الحكمة لتجنب الحرب. وكما كان الحال في عراق العروبة نشهد اليوم ما يحدث في سورية ميسلون... سورية النهضة وعاصمتها الفيحاء الشامخة تواجه تحديات ومحاولات عبثية بغيضة لتغييب الحكمة والمنطق... ودعوني في هذا السياق أن أقول صراحة، ونحن في أسبوع ذكرى نكبة فلسطين، من سيطالب بالجولان والاراضي الفلسطينية المحتلة اذا استمر التدهور على هذا المنوال؟ ماذا سيكون حالنا لو تضعضع الوضع في لبنان، لا سمح الله، ونحن نشهد في مدينة طرابلس مواجهات سنّية – علوية؟

إذا كانت هذه الشرذمة ستستمر، فإننا مقبلون على حروب أهلية وصراعات تأكل الاخضر واليابس، وسيدفع ثمنها الجميع وستنال مما تبقى من سيادة الدول التي كانت تسمى دول الطوق حول إسرائيل... إسرائيل التي تتجاوز دول الجوار ومن بعدها بالتهديد والوعيد... تارة لإيران وأخيراً لمصر، تحت مسوغات وأسباب متعددة، ومنها الارهاب وكأن مواجهة الارهاب تتم بإرهاب الارهاب.

وانطلاقاً من مسؤوليتنا وحتمية مصيرنا المشترك، وإيمانا منا بمبدأ رفضنا للصمت إزاء أزمات وتحولات كهذه، لأن ديدننا الموضوعية وكلمة الحقّ والعمل بما في وسعنا في سبيل مصلحة أمتنا من دون أن تأخذنا في الحق لومة لائم، فإننا نرى أنه كلما طالت الأزمة في سورية سنحت الفرصة لأصحاب الأغراض أن يتسللوا ويفرضوا مصالحهم وأهدافهم على حساب أصحاب القضية ومن لهم مصلحة حقيقية في البحث عن الحلول الناجعة، وهم بالطبع أبناء هذه الأمة أينما كانوا ومهما اختلفت توجهاتهم ورؤاهم ومصالحهم الخاصة، أي أن الحاجة الى الدور العربي في سورية أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، ولا سيما في قضية لم تعد تَهم سورية أو تُختصر بنظام سياسي أو مصلحة فئة أو حزب معين، على رغم أن سورية الشعب والكيان هو الضحية والخاسر الأكبر.

إن ما يَزيد القلق ويُربك المشهد ويترك ظلالاً قاتمة على المستقبل أن يجري الحديث عن الأقلية والأكثرية في سورية، كأن المسألة تتعلق بصراع مذهبيّ – طائفي، وبالتالي تمهيد الأذهان لقبول مسوغات حربٍ أهلية؛ بل التسليم بوقوعها، في حال غياب حل واقعي للأزمة.

وتأسيساً على وجوب أن يكون الحل عربياً من ناحية الفعل والتأثير، وأن يُسمح لحكماء هذه الأمة أن يقولوا كلمتهم ويساهموا في إيجاد مَخرج يُجنب سورية والعالم العربي المزيد من الأذى والتشظي، فإننا ندعو الأطراف المعنية بالأزمة أن تحتكم إلى العقل والواقعية، وألا يتمسك كل طرف بأهدافه وأجندته، وأن يعي المخططات والأهداف من وراء الزعم بالحرص على مصلحة سورية وتقديم الدعم من هنا أو هناك.

ولكي نتلمّس الأخطار المحدقة بهذا البلد العربي، دعونا نلقي نظرة سريعة على نتائج الجهود التي بُذلت منذ أن بدأت الأزمة وإلى الآن.

إن ما يدعو إلى الصدمة والأسى أن تُطالعنا أخيراً وسائل الإعلام بتحذير مبعوث الأمم المتحدة و(الجامعة العربية) السيد كوفي أنان أمام مجلس الأمن «باحتمال اندلاع حرب أهلية في البلاد ما لم تتراجع معدلات العنف»؛ مُشدداً القول بأنه: «يمكننا أن نتوصل إلى نتيجة مفادها أن الخطة (خطة أنان) لا تحقق النجاح المنشودّ، وأن مساراً آخر قد يُتخذ، وهو ما سيكون يوماً شديد السوء ويوماً شديد القسوة على المنطقة».

وبصراحة أكبر يُحذر أنان قائلاً: «إنني متأكد من أنني لا أخبركم سراً عندما أقول إن البلاد قد تدخل بدلاً من ذلك في حرب أهلية كاملة ستكون فاجعة للغاية».

وفي ضوء هذه الحقائق، وبعد مرور كل هذا الوقت من المحاولات المختلفة التي بذلت لإيجاد مخرج لها، أفلا تُشكل هذه التصريحات إقراراً بفشل الجهود الإقليمية والدولية إلى الآن لحل الأزمة... يُقابل ذلك تصعيد خطير لوتيرة العنف ودخول أطراف جديدة في شكل معلن، ومن دون اكتراث لتأثير ذلك في مسار الأزمة وحجم التضحيات البشرية والمادية وعلى نحو غير مسبوق؟

هل سنظل ننتظر أن يتشظى هذا البلد العربي، ثم نبدأ بلوم أنفسنا والتنصل من مسؤولية ما حصل؟

ماذا يعني الحديث الآن عن البحث عن الخطة (ب) في حال فشل خطة أنان؟! ماذا تعني مطالبة مجلس الأمن بإيجاد الأرضية اللازمة للتوافق بين أعضائه للبحث عن حلّ بديل؟! وماذا يعني الحديث عن تدفق الأسلحة إلى جميع الأطراف في سورية، وعن التفجيرات النوعية التي طاولت المدنيين الأبرياء؟! وما هي دلالات إدراج الموضوع على جدول أعمال القمة المقبلة لمجموعة الثمانية؟

ألا ينبغي أن يُشكّل كل ذلك دافعاً لنا للبحث عن «حل عربي» بما تعنيه الكلمة من معنى؟!

إن ما يدعو إلى الأسف والألم أن المدى الذي وصلت إليه الأزمة يجعل جميع أطرافها يتمسكون بمواقفهم ويراهنون على وعود ومتغيرات لا يملكون دوراً أو تأثيراً فيها، ومن دون اعتبار للآثار الإنسانية الجسيمة والمصير الذي ينتظر سورية.

ولأننا نثق بقدرات هذه الأمة ودور مفكريها وأبنائها، فإننا ندعو الجميع إلى الاحتكام إلى العقل والمصلحة العليا لسورية والمنطقة.

وفي ضوء حقيقة وصول جهود الأطراف الإقليمية والدولية إلى حائط مسدود، فإننا ندعو إلى عقد اجتماع عاجل، يستضيفه منتدى الفكر العربي، للمفكرين والمعنيين في العالم العربي للإسهام في البحث عن حلّ بعيداً من السياسيين والأجندات المطروحة، عسى أن يستمع أصحاب القرار والأطراف المؤثرة في الأزمة إلى صوتٍ آخر لم يُسمح له أن يؤدي دوره إلى الآن، وبذلك نكون جميعاً قد أدينا واجبنا إزاء قضية تخص المواطن العربي أينما كان وتتعلق بالأمن القوميّ العربيّ، بل وفي الصميم منه.

أللهم فاشهد إني قد بلغت

* رئيس منتدى الفكر العربي

==================

الأخطاء الثلاثة لإيران في سوريا والعراق والبحرين

الشرق الأوسط

أمير طاهري

18-5-2012

لا يزال نظام الخميني يتشبث بثلاثة آمال بائسة، خوفا من العزلة في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط شكلا جيوسياسيا جديدا.

ويتمثل الأمل الأول في إنقاذ النظام البعثي الحاكم في دمشق، حتى ولو كان ذلك يعني تقبل أعباء مادية لا يستطيع الاقتصاد الإيراني المنهك تحملها، أما الثاني فيكمن في منع إحياء العراق كمنافس محتمل، في حين يتمثل الأمل الثالث في استغلال الأزمة السياسية والاجتماعية الموجودة في الب حرين من أجل الاستحواذ على السلطة.

في سوريا، تقوم استراتيجية الملالي على تصوير الثورة على أنها مؤامرة غربية لمعاقبة نظام يفترض أنه جزء من «المقاومة أو الممانعة»، وتزعم إيران أن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون لإقصاء القوى المعادية الحالية أو المستقبلية مثل إيران وروسيا والصين من المنطقة.

ويتمنى الملالي تأجيل سقوط نظام الأسد، بحث يكون لديهم متسع من الوقت لزيادة نفوذهم في جنوب العراق، وهو ما يمثل أملهم الثاني.

وقد يتأثر الشعب العراقي بانتصار إخوانهم في سوريا، ويرى أن دولته قوية بما يكفي لتجنب أي هيمنة جزئية أو كلية من جانب إيران.

وتتمثل خطة طهران بالنسبة للعراق في تشجيع إقامة دولة منفصلة للشيعة في الجنوب تحت اسم الفيدرالية، وهو ما يمكن إيران من السيطرة على مركز العقيدة للشيعة في النجف، وبالتالي تستبق أي تهديد محتمل للفكر الخميني.

ومن الواضح أن علي خامنئي، «المرشد الأعلى» للنظام الخميني، يفتقر إلى المؤهلات التي تجعله قائدا روحيا للشيعة في العراق ولذا تعمل أجهزة الأمن الإيرانية على سيناريو آخر يقوم بموجبه أحد الملالي من ذوي المراتب المتوسطة بدور آية الله ومرجع التقليد للشيعة في العراق.

إن الملا المقصود هو محمود الشاهرودي والمدرج اسمه بقائمة الموظفين العاملين بالحكومة الإيرانية منذ ثلاثة عقود. وبادئ ذي بدء، كان الشاهرودي عضوا بإحدى الجماعات التي شكلها الحرس الثوري الإيراني لمحاربة صدام حسين. وبعد ذلك، ارتدى عباءة الملا وتحول إلى رجل دين، ويترأس حاليا لجنة استشارية ملحقة بمكتب خامنئي.

وبينما تحاول طهران الآن إمداد النظام السوري بالمال والأسلحة، فإن خطة إيران بشأن العراق تكمن في السيطرة من خلال شبكة دينية تدعمها قوات شبه عسكرية خاضعة للحرس الثوري الإيراني.

وتتسم الخطة الخاصة بالبحرين بأنها أكثر وضوحا، لأنها تهدف إلى ضم أرخبيل الجزر اعتمادا على ادعاءات إيران التاريخية.

وفي مقالتها الافتتاحية يوم الثلاثاء الماضي، أكدت صحيفة «كيهان» الإيرانية اليومية، التي ينشرها مكتب الإرشاد، على أن «البحرين جزء من إيران»، وأن «غالبية الشعب البحريني ينظر إلى البحرين باعتبارها جزءا من إيران.. ويجب أن تعود للوطن الأصلي وهو إيران».

وفي مقال سابق، ذكرت نفس الصحيفة بالأحداث التي وقعت عام 1970 والتي تحولت بمقتضاها من دولة تحت الوصاية البريطانية إلى دولة مستقلة.

وخلال الأسابيع الأخيرة، كانت هناك مؤتمرات أكاديمية لكي «تثبت» أن البحرين جزء من إيران، وأصبح هذا شيئا مألوفا في الحوزات الإيرانية. وطبقا للفولكلور الخميني، كان قرار الشاه بقبول «بعثة التقييم» التابعة للأمم المتحدة من أجل تقرير مصير البحرين هو «خيانة عظمى».

ومن أولى الخطوات التي اتخذها الخميني عقب استيلائه على السلطة عام 1979 تكوين ما يسمى بجيش تحرير البحرين والذي حاول غزو البحرين باستخدام عدد قليل من القوارب، ولكن تم إيقافها من قبل البحرية الإيرانية التي كانت لا تزال خاضعة لسيطرة حكومة رئيس الوزراء مهدي بازركان. وعقب استيلاء «الطلبة» على السفارة الأميركية في طهران في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1979 وغزو العراق لإيران في شهر سبتمبر (أيلول) عام 1980، تم إرجاء فكرة غزو البحرين.

وفي الحقيقة، كان تدخل طهران في كل من سوريا وإيران والبحرين له تأثيرات سلبية مزدوجة، ففي سوريا، أدى التدخل الإيراني إلى زيادة الخسائر البشرية قبل الفترة الانتقالية التي تبدو أنها قد أصبحت شيئا محتوما ولا مفر منه. وقد أعطى هذا التدخل لما يعتبر في الأساس صراعا داخليا على السلطة بعدا خارجيا لا يستطيع الشعب السوري التحكم فيه. وفي العراق، منع التدخل الإيراني تعزيز حالة الإجماع الوطني التي تشكلت عقب سقوط نظام حزب البعث عام 2003 والصراعات الدموية خلال الفترة بين عامي 2004 و2009. ويتعين على العراق أن يجد طريقه للخروج من تلك المشكلة وأن يقوم بإعادة بناء هياكل الدولة. وعلى الرغم من ذلك، ارتفعت تكلفة القيام بذلك نتيجة التدخل الإيراني. وبالمثل في البحرين، فإنه من غير المحتمل أن يوافق غالبية البحرينيين الذين يبحثون عن مزيد من الإصلاحات والمشاركة بشكل أفضل في السلطة، على العيش تحت حكم ولاية الفقيه (حكم الملا)، ولن يكونوا على استعداد للتضحية بمصالحهم الوطنية لحساب نظام يعاني بشدة داخل إيران نفسها.

وعلاوة على ذلك، فإن المغامرة الثلاثية التي قام بها خامنئي في سوريا والعراق والبحرين كان لها تأثير سلبي على مصالح إيران نفسها كدولة قومية.

ولا توجد أي مصلحة لإيران، سواء كدولة أو كشعب، في تمكين نظام الأسد من قتل السوريين في المدن والقرى السورية، كما لن تحصد إيران أي مكاسب من نشر بذور التفرقة والعنف في العراق ومنع التوصل إلى إجماع وطني في البحرين.

ومرة أخرى، وفي هذه الحالات الثلاث الهامة، فإن مصالح إيران كدولة قومية لا تتطابق مع مصالح إيران كوسيلة للآيديولوجية الخمينية.

=============

النظام السوري ومعركته الأخيرة في لبنان

رضوان السيد

الدستور

17-5-2012

أخبرنا الأمين العام لحزب الله قبل أيام أنهم صائرون – النظام السوري وهم- إلى تفجير الوضع بطرابلس والشمال، وربما في أماكن أُخرى عندما قال: إنه إما أن يبقى نظام الأسد، أو يكون الدمار من جانب المؤامرات والتطرف والإرهاب! ثم راح يحدّثنا عن تمثيل تيار المستقبل لأهل السنة على طريقة التبصير وفناجين القهوة والشاي. ثم ضحك على ذقون السُذَّج بوصْف أحداث العام 2008 بأنها مؤسفة وليس يوماً مجيداً كما سبق له القول!.

قبل حوالي الشهر، كانت استخبارات النظام السوري، قد أَوصلت إلى الجهات الأمنية والسياسية قائمةً بأسماء وإجراءات آمِرةً بتنفيذها. وكالعادة فإنّ ميقاتي وأتباعه نأَوا بأنفُسهم عنها، بل الأَحرى القول: إنّ السوريين ما عادوا يكلّفون أنفسهم ولا حلفاءهم بإخبار ميقاتي، وهم يعلمون بل يوقنون أنّ ميقاتي لا يجرؤ على فعل أو قول أي شيء منذ شهورٍ طويلة. وعلى أيّ حال؛ فقد كان مقصوداً القيام بالقبض على شادي المولوي بهذه الطريقة النافرة، لإحداث عدة آثارٍ وتداعيات:.

- إثارة الإسلاميين بطرابلس لكي يصطدموا بالجيش، وتنهال عليهم القذائف من بعل محسن، فينتشر الاضطراب، ويتركز الاهتمام على لملمة الوضع بدلاً من استمرار التركيز على دعم الثورة السورية، وملاحقة ميقاتي وحزب السلاح والمسلحين.

- إرسال رسالة لميقاتي (وللصفدي) أنهم لا يساوون شيئاً في حسابات سورية وحزب الله وعون، وأنهم تفضّلوا عليهم بالتعيين، وهم لم يرعوا الجميل كما يجب. وفي المدة الأخيرة انتقل ميقاتي من تحت مظلتهم إلى مظلة فيلتمان، وهذا إن لم تصبح المظلة كبيرة ومشتركة.

- إعادة تظهير طرابلس وأهل السنة بلبنان وسورية بأنهم عبارة عن شبكات أصولية وإرهابية، والأسد وحزب الله هم القادرون على حماية إسرائيل والولايات المتحدة من الإرهاب أو تهديدهما، كما سبق أن فعلوا منذ العام 2000 وما بعد.

- إرباك تيار المستقبل أكثر مما هو مُرْبَك. وقد بدا هذا الاهتمام في كلام نصر الله عندما سخر من سعد الحريري، رغم أنّ الحريري كان قد مدَّ له يده في خطابه في ساحة الشهداء عندما جَهَّلَ الفاعلين ليس في اغتيال رفيق الحريري فقط؛ بل وفي احتلال بيروت عام 2008!.

- زيادة التوتر بين أهل الشمال والجيش بعد الضغوط المتبادلة خلال الشهور الماضية. وتقديم عروض في الوقت نفسه لقيادة الجيش إزعاجاً لرئيس الجمهورية.

إنها المعركة الأخيرة للنظام السوري، وللمحور الإيراني، وليس في لبنان فقط، بل في لبنان وسورية والعراق واليمن وفلسطين والبحرين. وقد قال اسماعيل هنية- غير المعروف بالحكمة في العادة – إنه ليس مستعداً للتضحية بغزة وفلسطين من أجل عيون إيران أوحزب الله!.

يريد أهل الممانعة والمقاومة والإصلاح (على طريق الأمن العام للحزب) إذن إنزال ضربة تأديبية بأهل السنة بلبنان عقاباً له على معارضة نظام الأسد، وإعداداً لما يأتي من الأيام- إمّا لأنهم متطرفون وإرهابيون، وإمّا لأنهم يسكتون على الإرهابيين، أو يُعارضون النظام السوري وحزب الله. وأما المسيحيون فإنهم يعودون لتهديدهم بالاغتيالات؛ في حين يحاول وليد جنبلاط النجاة من خلال معارضة النظام السوري، ومجاملة الحزب والاستتار بنبيه بري الذي ما عاد يستطيع ستر أحد!.

بيد أنّ المعرفة بكلّ هذا وذاك ليس فيها عزاء. لأنّ تيار المستقبل وجهات 14 آذار ما فعلت ولا تفعل شيئاً (سياسياً بالطبع) لحماية الجمهور من الاختراقات والتطرفات؛ بالاحتضان من جهة، وبالكشف والتمحيص من جهةٍ أُخرى، وبالضبط والانضباط والتخطيط في كلِّ الأحوال.

هذا عامٌ أخيرٌ وخطير. وستكون لتحشدات واعدادات سائر الأطراف تأثير في المستقبل. ولذا علينا الاهتمام بأنفسنا ومصالحنا وجماعتنا وبطرائق مختلفة عما سلكناه سابقاً وثبت فشله.

============

معركة الحدود

السفير

17-5-2012

ساطع نور الدين

لم تنته معركة طرابلس، الأرجح انها بدأت للتو، ويمكن ان تتسع لتتحول الى ما يشبه حرب حدود تشمل الأقضية الأربعة كلها، قبل أن يتوصل البلدان والشعبان الشقيقان الى صيغة لتنظيم العلاقات الثنائية تكون بديلاً من كل ما ساد بينهما منذ الدخول العسكري السوري الى لبنان في صيف العام ١٩٧٦، بل حتى منذ الاستقلال حتى اليوم.

المعركة التي وضعت في سياق محلي ضيق، باعتبارها عقوبة سورية للمدينة ولرئيس الحكومة نجيب ميقاتي على سياسة النأي بالنفس، لن تتوقف حتى ولو تم التراجع والاعتذار عن هذه السياسة التي ساهمت في ضبط التوتر الداخلي العميق.. والتي يبدو أنها استنفدت أغراضها، وباتت طبيعة الأزمة السورية تستدعي اعتماد خيار مختلف.

التحذير من استدعاء الأزمة السورية الى لبنان ضاع سدى. فقد أصبحت ضيفاً ثقيلاً في مختلف الجهات والبيوت اللبنانية. وبات الشرخ أعمق من أي وقت مضى، بحيث يطوي فترة التعقل والتروي التي اتسمت بها مواقف جميع الفرقاء اللبنانيين، والتي يبدو أنها صارت من الماضي، وأفسحت المجال لفرز جديد بناء على معطيات جديدة تقدمها الحرب الأهلية السورية.

أول هذه المعطيات وأهمها أن النظام السوري يفقد تدريجياً السيطرة على المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان، التي تحولت من ملاذ آمن الى عمق ثابت للمعارضين والمنشقين السوريين، ما يدفع النظام الى تحريك حلفائه وأنصاره اللبنانيين والفلسطينيين لإقفال تلك الحدود أو مساعدته في ضبطها.

وليس هناك توصيف آخر لهذا المعطى الجديد سوى القول إن الحرب الأهلية السورية امتدت الى لبنان، بغض النظر عن المبادر الى مثل هذه الخطوة الخطرة، التي باتت تطرح معضلة جدية على البلدين والشعبين، لا يمكن تعريفها بأنها مشكلة حدود جديدة، مثلما لا يجوز تركها تتطور وتسهم في تأجيج الحريق الكبير في سوريا.

المعضلة ليست في طرابلس فقط، ولا في الشمال. هي الآن معضلة الأقضية الأربعة التي انتزعت من سوريا بعد الاستقلال، كما هي معضلة الحدود الشمالية والشرقية المفتوحة التي لا يمكن لأي قوة في العالم أن تضبطها، من دون استقرار ثابت في دمشق وبيروت ومن دون تفاهم جديد بين العاصمتين.. لكن يمكن التكهن الآن بأن نشر قوات دولية بين الدولتين هو أحد الخيارات التي سيتم التفكير فيها، إذا ما طالت الحرب الأهلية السورية، وأدت في النهاية آلى ما يشبه التقسيم للكيان السوري، الذي يشهد بالفعل عمليات تطهير طائفي واسعة النطاق.

معركة طرابلس، او بالأحرى معركة الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا، أكبر مما تبدو بالعين المجردة، وأخطر من ان تنسب الى حاجة طرفي الحرب الأهلية السورية للسيطرة على تلك الحدود.

==========

هدنة الصيف

غسان شربل

(الحياة)

، الخميس 17 أيار 2012

ليس سهلاً على لبنان التعايش مع الحريق المندلع في سورية. ولا ضرورة للإسهاب في الشرح. على مدى عقود كانت سورية اللاعب الأول على المسرح اللبناني. دعمت سياسيين واخترعت سياسيين وشطبت سياسيين. نصّبت رؤساء ووزراء ونواباً ومخاتير. وتركت بصماتها في السياسة والأمن والاقتصاد.

وليس بسيطاً ما تعيشه سورية. إنه زلزال غير مسبوق تكاد كل نتائجه تكون مؤلمة. إذا بقي النظام سيبقى جريحاً ومتهماً ومحاصراً. وإذا غرقت سورية في حرب أهلية مديدة ستكون الأثمان باهظة لها وللمنطقة. واضح أن لا عودة الى الوضع المستقر الصارم الذي كان قائماً قبل شرارة الاحتجاجات. سورية الآن دولة مريضة تكرّست ملعباً بعدما كانت لاعباً.

في المقابل الوضع اللبناني أكثر من صعب وأكثر من معقّد. إنه بالغ السوء والخطورة في آن. لا دولة ولا رائحة دولة. ما بقي من الدولة يتبخر ويتفكك ويتلاشى ويندثر.

وجود الرئاسات والمواكب والأعلام لا يلغي ما تقدم. والتجارب تعلّمنا ان الأعلام يمكن ان ترفرف فوق الخرائب. والحكومة عجيبة غريبة على رغم حصافة سياسة النأي بالنفس. زرتُ الكثير من الدول المريضة البائسة ولم أعثر على حكومة مؤلمة كهذه. جزر متوترة ومتناحرة تتبادل التسريبات والاتهامات ونصب المكائد.

لا دولة ولا رائحة دولة. كل ما كان يجمع اللبنانيين يقسمهم الآن. من الحريق السوري الى سلاح «حزب الله». من موقع لبنان الى مواقع الطوائف والمذاهب فيه. من المحكمة الدولية إلى مخالفة قانون السير. لم تعد الدولة مرجعية لأحد حتى لأجهزتها العسكرية والأمنية. صار اعتقال شاب من طائفة أخرى ينذر بفتنة. لم يسبق أن وصلت العلاقات السنّية - الشيعية الى هذا الدرك. وبما اننا ضجرنا من التهذيب واللياقة وتشذيب الأوصاف، نقول إن التفكك اللبناني يتعمق الى درجة تحويل الانتخابات محطات من الحرب الأهلية.

أقرأ صحف الصباح فيرتبك دمي. بحبرها وسمومها. أتابع نشرات المساء فأهرب الى النوم. لا تنتابهم الرحمة ولا تأخذهم الشفقة. فوق المسرح المهدد بالانهيار الكامل يفتحون الجراح ويدسون الملح. كأنهم يملكون وطناً بديلاً. أعرف الملعب واللاعبين والخيوط والامتدادات والرهانات. وعلى رغم ذلك تنتابني أحياناً سذاجة المراسل الغريب. على أبواب الصيف ومع تحرّق اللبنانيين لرؤية السيّاح، كم أتمنى إعلان هدنة لشهر واحد يمتنع السياسيون خلالها عن أي تصريح أو إطلالة إعلامية.

لن تنهار الثورة السورية إذا امتنع الرئيس سعد الحريري عن تكرار تأييده لها. يمكنه توظيف شهر الصمت هذا لإعادة ترتيب تيار «المستقبل» أمام محاولات اختراقه أو سرقة الشارع السنّي منه. لن ينهار النظام السوري إذا امتنع السيد حسن نصرالله على مدار شهر عن تكرار تأييده له. يمكنه توظيف هذا الشهر في التفكير في مستقبل الشيعة اللبنانيين في العالم العربي الجديد الضائع بين هجوم الربيع والهجوم الإيراني وتسللات «القاعدة». يمكنه أيضاً التفكير في مستقبل الشيعة العرب.

يستطيع الرئيس نبيه بري توظيف الشهر لعقد دورة تدريبية للنواب الشباب. هدف الدورة إقناعهم بأن بعض الشتائم والاتهامات التي تبادلوها تحت قبة البرلمان مضرّة بصحة الوطن والمواطن أو بما تبقى منهما، وأن العنتريات الهزلية تشكل احتقاراً مدوياً للمواطنين والمشاهدين.

يستطيع الدكتور سمير جعجع توظيف شهر الصمت لإعداد حزب «القوات اللبنانية» للانتخابات خصوصاً بعدما رسخت محاولة اغتياله الانطباع بأنه «مطلوب» في السلم كما في الحرب. وما يصدق على سمير جعجع يصدق ايضاً على وليد جنبلاط.

لا النظام السوري باق بقوة اللبنانيين ولا الثورة مستمرة بقوتهم. الهدنة مفيدة ايضاً للرئيس الجنرال ميشال سليمان تريحه على الأقل من راجمات الجنرال عون. يستطيع الرئيس ميقاتي توظيف شهر الصمت لإعادة صيانة النأي بالنفس.

ليتكم تغادرون الشاشات لشهر واحد. ليتكم ترحمون المواطنين وتدعون السياح يتدفقون. لن تهتز مواقعكم ولن تميد الأرض تحت أقدامكم. ومن يدري فقد تعجبكم التجربة وتقررون تمديدها الى آخر الصيف، وإن فعلتم سنمتدحكم طويلاً. طبعاً مع الإشارة الى ان الهدنة مطلوبة ايضاً من سياسيي الصفَّين الثاني والتاسع فضلاً عن جيش المحللين. ويمكن صاحب الغبطة ان يمضي الشهر في التأمل والصلاة بعيداً من أشواك الربيع العربي.

===========

جهد إنساني كبير

رأي الراية

الراية

17-5-2012

سجّلت الجمعيات الخيرية في قطر على مدى الأشهر الماضية جهدًا إنسانيًا كبيرًا ونبيلاً في دعم وإغاثة اللاجئين من أبناء الشعب السوري الذين فرّوا من بطش النظام السوري إلى الأردن ولبنان وتركيا، حيث جنّدت الجمعيات الخيرية القطرية كل إمكاناتها البشرية والمادية من أجل التخفيف عن معاناة أبناء الشعب السوري وتقديم الدعم الإغاثي الطبي والغذائي والتعليمي لهم في مخيمات اللجوء.

لقد كان للجهد الإنساني الذي تقوم به جمعية قطر الخيرية وجمعية الشيخ ثاني بن عبد الله آل ثاني "راف" وجمعية الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية أكبر الأثر في تخفيف المعاناة عن عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين من خلال القوافل الإغاثية التي جرى إرسالها إلى مخيمات اللاجئين في الدول الثلاث وإلى مناطق إقامتهم.

إن الجهود الخيرية والإنسانية المتواصلة لهذه الجمعيات لم تكن لتنجح لولا تكاتف ودعم المجتمع القطري الكبير لهذه الجهود الإنسانية، حيث سارع أبناء المجتمع القطري بكل فئاتهم للتبرّع لمشاريع الإغاثة التي تقوم بها الجمعيات القطرية لصالح المهجّرين من أبناء الشعب السوري.

كما يأتي إعلان جمعية قطر الخيرية عن مبادرة جديدة لتوسيع خدماتها الصحية الموجّهة لصالح اللاجئين السوريين في الأردن إضافة نوعية للجهد الإنساني الذي تقوم به؛ بما سيساهم في تخفيف معاناة الجرحى والمصابين والمرضى من اللاجئين السوريين، حيث ستقوم جمعية قطر الخيرية بتطوير مستوصف طبي كانت قد بدأته من قبل بمدينة المفرق، بالتعاون مع جمعية المركز الإسلامي الخيرية، واشتملت عملية التطوير على إضافة عدة خدمات واستكمال بناء طابقين بالمستوصف، وشراء سيارة إسعاف. إضافة إلى تنسيق الإجراءات المتعلقة بعلاج الجرحى والمصابين من اللاجئين والمصابين السوريين عند إدخالهم إلى المستشفيات الأردنية.

كما تشمل مبادرة الجمعية إضافة عيادات للأشعة والأسنان ومختبرات للتحاليل الطبية والعمليات الجراحية الصغرى إلى المستوصف وكذلك تحسين البنية التحتية فيه لاستيعاب الأعداد المتزايدة للاجئين. حيث يستفيد من المشاريع والمساعدات التي تقدمها الجمعية أكثر من مائة ألف لاجئ سوري.

دور الجمعيات الخيرية القطرية التي كانت سبّاقة في تحسس آلام الشعب السوري وسعت منذ اللحظة الأولى إلى مساندته والوقوف إلى جانبه في هذه المحنة التي يتعرّض لها على أيدي النظام لم يقتصر على توفير الغذاء والدواء بل امتدّ إلى الإيواء من خلال المساهمة في دفع إيجارات منازل وتوفير التجهيزات الأساسية؛ بما ينعكس إيجابيًا على حياة اللاجئين ويخفِّف من معاناتهم الإنسانية.

===============

كيف يفكر الأسد

طارق محمد الناصر

الرياض

17-5-2012

 كأني بالرئيس السوري بشار الأسد يتساءل عندما يخلو بنفسه: لماذا؟. لماذا يستمر هؤلاء المجانين بالخروج للشوارع مرددين تلك الهتافات السخيفة رغم وضوح تصميمي على منعهم؟ هل يتوقعون انهم قادرون على إزاحتي من موقعي؟ أيظن هؤلاء الحمقى، فعلا، بأنهم قادرون على ذلك؟ ألا يخشون انتقامي؟ ألا يخافون الموت؟

الموت! غريب جدا كيف إنهم ما عادوا يخافونه. لقد جربت كل شيء من أجل إسكاتهم، لكنهم، كالجراثيم، يتزايدون. جربت القتل فلم يقفوا. جربت الاغتصاب فلم يرتدعوا. جربت حتى الإرهاب العشوائي فلم يهدؤوا. ألا يرون العالم كله يتغاضي عن أفعالي بل ويحثونني، سراً، وبإلحاح، لإنهاء هذه الألعاب الصبيانية.

العالم، حقيقة، لم يقصّر معي. منحني فرصاً كثيرة كي أنهي هذه المهزلة. ربما أكون الوحيد في العالم الذي يلتقي حوله الشرق والغرب. ألا يرون القوى العالمية في الغرب وروسيا والصين تقف معي؟ ألا يشاهدون الدعم بالمال والسلاح الذي تقدمه لي إيران ورجالها في العراق ولبنان؟ هل هم عميان؟ العميان لديهم عقول، أنا طبيب عيون وأعرف ذلك.

وحتى لو كانوا قد صدقوا تلك التهديدات الجوفاء التي يرددها قادة العالم، أليس من الواضح بأنني ضرورة إسرائيلية؟ ألا يعرفون بان إسرائيل لن تكتفي بالوقوف، سراً، معي بل هي على استعداد لخوض الحرب من أجلي؟ نعم، إسرائيل لن تتخلى عني ولديّ وعد صريح منهم بذلك. إسرائيل صديقة حقيقية، وستدعمني حتى تستقر الأوضاع.

ينبغي عليّ عندما تستقر الأوضاع أن أجري تغييرات كثيرة في أجهزتي الأمنية. إذ لا يعقل أن يبتلع هؤلاء الأوغاد الحصة الأكبر من مواردي وعندما أحتاج إليهم لا أجد من يستطيع أن ينجز المهمة بسرعة وكفاءة. 13 جهازاً أمنياً لم تفلح بالقضاء على ثلة من المدنيين. ياللفضيحة.

كيف سأكون مهاباً في الداخل والخارج وأجهزتي الأمنية منيت بهذا الفشل الذريع. كان صدام حسين محقاً عندما رفض التصريح بأنه لا يملك أسلحة دمار شامل خشية انتقاص مهابته لدى إيران. الهيبة هي كلمة السر. كان أبي يقول بأنني أفتقر للهيبة، ماذا يريدني أن أفعل فليس ذنبي أنني لست عسكرياً بحواجب كثة مثله ومثل صدام.

صدام كان لديه عدو كبير كإيران. أنا لديّ لبنان. لبنان النائي بنفسه!. هذا اللبنان الذي أغرقني سياسيوه بتفاصيل دسائسهم على بعضهم البعض وهم يقسمون بالولاء لي وعندما اهتزت هيبتي انفضوا من حولي. يجب عليّ، أيضا، أن أجري كثيرا من التغييرات هناك. لن تمر مواقف من تجرؤوا عليّ دون عقاب. كلا لن أرحمهم.

لن أرحم أحداً، وسأحاسب الجميع. هؤلاء الذين يحمون رقبتي وأولئك الذين يرغبون بالنيل منها. لن أبقي على أحد .. أقسم على ذلك.

============

الجدل حول المسألة السورية

د. بشير موسى نافع

2012-05-16

القدس العربي

تنقسم وجهات النظر المتدافعة حول مستقبل سورية إلى ثلاثة معسكرات رئيسية. تقول الأولى بضرورة التغيير السياسي الجذري، الذي يعني رحيل النظام وإصلاح بنية الدولة السورية، بما في ذلك أجهزتها الأمنية وقياداتها العسكرية. وتطرح الثانية إصلاحاً سياسياً جزئياً وتدريجياً في ظل القيادة السورية الحالية، ويقول دعاة وجهة النظر هذه أن رفض هذا النهج سيودي بالبلاد إلى الهاوية، أو ما تقول به وجهة النظر الثالثة: صراع مدمر، طويل المدى، بين النظام ومعارضيه، ينتهي إلى حرب أهلية وربما التقسيم. تطرح وجهات النظر الثلاث في عدد من الكتابات، في خطابات شخصيات عربية عامة، في تعليقات المعارضين ونشطاء الثورة وأنصار النظام، وفي أوراق تحليلية وقراءات للموقف. ولأن الجدل حول سوية لا يقل حدة عن الصراع الدائر في شوارع المدن والبلدات السورية بين جموع الشعب وقوات النظام العسكرية والأمنية، لا تكاد توجد مساحة ولو صغيرة للحوار بين وجهات النظر الثلاث.

ليس من الصعب رصد معسكر القائلين بوجهة النظر الأولى، الذي يضم الأغلبية العظمى من أبناء الشعب السوري، كما تكشف حركة التظاهر والاحتجاج الهائلة، التي لا تغطي معظم المحافظات السورية وحسب، بل والمستمرة أيضاً بلا هوادة منذ منتصف مارس/ آذار 2011، بالرغم من إجراءت القمع الدموية التي تتعهدها قوات النظام وأجهزته وميليشياته. ويقف إلى جانب الشارع السوري أغلب قوى وشخصيات المعارضة السورية في الداخل والخارج، إضافة إلى القطاع الأكبر من الرأي العام العربي وتركيا وعدد من القوى الغربية. أما وجهة النظر الثانية فتمثل إطروحة النظام، وأنصاره في المجال العربي، سواء من جماعات وشخصيات قومية عربية تقليدية ومحدودة الحجم والتأثير، أو القوى السياسية الشيعية، وعلى رأسها حزب الله؛ إضافة إلى إيران والعراق، وربما الجزائر، وروسيا والصين من القوى الدولية.

وجهة النظر الثالثة هي الأكثر التباساً، سواء في مضمونها أو القوى والشخصيات التي تقول بها، وتستبطن الافتراض بأن الأوضاع في سورية الآن ليست بالسوء الشائع، سواء من جهة مستوى العنف أو الخسائر أو الانقسام السياسي والاجتماعي. وتبدو وجهة النظر الثالثة أقرب إلى التهديد منها إلى سبيل الحل؛ وينتمي بعض القائلين بها إلى هامش المعارضة، حيث يعلو صوت عناصر قليلة تقول بأن هذا النظام لن يسقط بدون حرب شاملة ضد مؤسساته ومكوناته وأنصاره ومؤيديه. ولكن القطاع الأكبر من القائلين بوجهة النظر هذه هم أنفسهم الداعون للخيار الثاني، خيار الإصلاح بقيادة النظام وإشرافه والتفاهم معه؛ بمعنى أنها تحمل التهديد بتصعيد العنف الرسمي ضد الشعب والمعارضة، حتى إن انحدرت البلاد إلى حرب أهلية وإقليمية واسعة النطاق، ودمرت البلاد ومقدراتها، ووجد النظام وأنصاره أن لا مناص من التقسيم. وكانت تقارير، ليس من سبيل للتحقق من مصداقيتها، نسبت التهديد بهذا السيناريو إلى مسؤولين إيرانيين؛ كما أشير إليه في عدد من خطابات السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله.

الدعوة إلى تغيير سياسي قطعي هي جوهر الثورة السورية، والشعار الأوضح لحركة الاحتجاج والتظاهر الشعبية. لم تكن هذه الدعوة واضحة تماماً، وقاطعة تماماً، في التظاهرات الأولى للسوريين؛ ولكن العنف الأهوج الذي مارسه النظام وأدواته القمعية ضد شعبه، أدى، على الأقل منذ بداية صيف العام الماضي، إلى تصاعد المطالب الشعبية، وإلى وقوع قطيعة نهائية بين الشعب والنظام. ما ساهم في تبلور هذه القطيعة كان خطاب الاستعلاء والاستهتار الذي استخدمه الرئيس السوري في معالجاته للأزمة، وسياسية الإصلاح العرجاء وغير الجدية التي اتبعها. في قصور سياسي لا يخفى، ظن الرئيس السوري أن التعاطف مع آلام الشعب والاعتذار له سيفهما باعتبارهما مؤشر ضعف؛ ولم تكن لديه الشجاعة أو الحنكة لاتخاذ خطوات إصلاحية جدية وملموسة، خطوات تصنع تغييراً حقيقياً في المناخ السياسي وحياة السوريين. وما إن انتشرت عصابات الشبيحة، تسفك الدماء وتعيث فساداً، وأعطيت الأوامر لقوات الجيش الموالية لاقتحام المدن والبلدات الثائرة، حتى تحولت مطالب الإصلاح إلى مطالب صريحة بسقوط النظام كله.

تبلورت الدعوة للتغيير السياسي أولاً في الداخل السوري، في شوارع المدن والبلدات وبأصوات النشطين الشبان، لتلحق بها بعد ذلك القوى والشخصيات السورية المعارضة، وقوى وشخصيات عربية. وليس حتى منتصف الصيف أن أخذت دول غربية، مثل فرنسا والولايات المتحدة، تطالب بتغيير النظام السوري. وكانت تركيا، التي حاولت جاهدة طوال شهور إيجاد حل لا يتضمن إطاحة رأس النظام، آخر من التحق بركب المنادين بالتغيير الجذري. وهذه هي المسألة التي يتم تجاهلها في الجدل المحتدم حول سورية ومستقبلها. بمعنى أن الصراع على سورية في أصله ليس صراعاً إقليمياً ولا دولياً. ما تشهده سورية اليوم لا علاقة له، إلا من جهة الشكل ربما، بما عاشته سورية في الخمسينات. هذا صراع بين النظام وشعبه، وهو صراع لم يستهدف منذ البداية التغيير الجذري، بل تطور تدريجياً بفعل أخطاء النظام، أو على الأرجح عجزه المتوطن عن إدارة الأزمة. نظام بني أساساً على القهر والسيطرة المطلقة، لم يستطع الانقلاب على ذاته مرة واحدة وانتهاج سياسة التفاوض والمساومة مع الشعب وقواه السياسية. وما أن اتسع نطاق التظاهرات من دمشق القديمة إلى درعا وحمص وحماة، حتى نزع النظام القناع السياسي الذي وضعه لعدة أسابيع وعاد إلى طبيعته الأصلية.

بذلك سقط نهج الإصلاح تحت قيادة النظام وبالتفاوض معه. النظام هو الذي أسقط هذا الخيار وليس التدخلات الخارجية المدعاة، إقليمية كانت أو دولية. عندما تلغى حالة الطوارىء وتهاجم الجموع العزلاء في كل مرة تخرج فيها للتظاهر؛ وعندما تقال حكومة وتعين حكومة أسوأ منها؛ وعندما يوضع قانون جديد للإعلام والحريات بينما يسقط عشرات القتلى في أنحاء البلاد يومياً وهم يمارسون أقل ما يجب أن يوفره لهم القانون من حقوق؛ وعندما يعلن عن دستور جديد، ويعين الرئيس اللجنة التي تروقه لكتابة هذا الدستور، ويأتي الدستور الجديد ليؤكد سلطات الرئيس وصلاحياته وحكمه المديد؛ وعندما يتجنب النظام المس، بأي صورة من الصور، بالمؤسسة الأمنية، أو يعلن حتى النية بتقليص صلاحياتها وإصلاحها؛ يصبح من المستحيل إقناع الشعب السوري بجدية الإصلاح تحت قيادة هذا النظام. ثمة عدد من الادعاءات والاتهامات الموجهة لدول مثل تركيا وقطر والسعودية ودورها في تأجيج الصراع والإصرار على هدف التغيير السياسي الجذري وتعطيل مسار الإصلاح بقيادة النظام. وفوق أن هذه الادعاءات تسقط من حسابها حقيقة تطور الأزمة، ودور النظام في تبلور المطالب الشعبية الجذرية، فإنها تهمل إلى حد كبير الدور الأكثر فعالية وتدخلاً التي تتعهده الدول المساندة للنظام، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. السؤال الرئيسي في النهاية لابد أن يوجه للنظام: لمذا لا يتقدم بحزمة إصلاحات ملموسة وجادة، يمتص بها الحراك الشعبي أو يحتويه؟ لماذا لا يطلق النظام فعلاً حملة إصلاحية، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك نيته بناء سورية حرة وعادلة؟ وإن كان النظام يرى أن المجلس الوطني مرتبط بجهات أجنبية تريد الضرر بسورية ودورها، فلماذا لا يبادر إلى عزل المجلس الوطني وتهميشه، والتفاوض مع القوى السياسية المعارضة في الداخل، التي يصعب، حتى لأنصار النظام اتهامهم بالارتباط مع القوى الخارجية؟

وجهة النظر الثانية، التي تقول بالإصلاح بقيادة النظام وتحت إشرافه، ينتابها الكثير من العوار، إن لم تكن مجرد محاولة أخرى للسيطرة على الشأن السوري وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه. ما يتبقى هو التهديد، التهديد بتصعيد العنف، الحرب الأهلية والإقليمية، وتقسيم البلاد. وهذا تهديد جاد، بالطبع، ولابد أن يثير الخوف على سورية وعلى جوارها المشرقي، سيما أن المجال العربي الإسلامي لم يخرج بعد من الكارثة التي تسبب فيها غزو العراق واحتلاله وسقوطه من ثم في براثن نظام فئوي، متسلط، وأهوج. ولكن مشكلة هذا التهديد افتراضه بأن النظام لم يتبن سوى أساليب حميدة في تعامله مع الثورة الشعبية. الحقيقة، إن حجم العنف والدمار الذي أوقعته قوات النظام بالمدن الثائرة، وما تزال، لم تشهده أي من الدول التي عرفت ثورات شعبية سلمية منذ الثورة الروسية في العقد الثاني من القرن العشرين. وحتى في روسيا، فإن معظم العنف والدمار يعزى إلى الحرب الاهلية اللاحقة وليس لحدث الثورة ذاتها. تصميم النظام على إخضاع السوريين، بالرغم من مظاهر الرفض الشعبي القاطع، التي تغطي الآن كل جهات الوطن السوري، واستهتاره بمجمل القيم والتقاليد والقوانين التي تحكم علاقة الدول بشعوبها، لا يمكن أن يقارن بسلوك أي نظام استبدادي آخر. وكما أن مطالب السوريين لم تتطور إلى التغيير السياسي الجذري إلا بعد شهور من اندلاع الحراك الشعبي، فإن سوريين لم يرفعوا السلاح في وجه قوات النظام وشبيحته إلا بعد أن تيقن هؤلاء من أن سياسة القتل والتدمير هي استجابة النظام الوحيدة للحركة الشعبية، وأن النظامين العربي والدولي عاجزان عن حماية حياة المدنيين السوريين وحرماتهم.

الأوضاع بالتأكيد يمكن أن تتصاعد. ما يبدأ باشتباكات صغيرة ومتفرقة بين العناصر المسلحة من قوى المعارضة وقوات النظام وشبيحته، يمكن أن يتحول إلى حرب واسعة النطاق بين الطرفين. والتدخلات الإقليمية، الصريحة أحياناً والخفية في أحيان أخرى، سواء لدعم النظام وتعزيز مقدراته أو لتسليح المعارضة، يمكن أن تتحول إلى حرب إقليمية، سيما أن عوامل الحرب الكامنة في المشرق العربي الإسلامي لا تقتصر على المسألة السورية. ولكن المسؤول عن هذا التصاعد، إن وقع، سيكون النظام وحلفاؤه. ما كان يجب أن تعمل الأطراف كافة من أجله أن يدرك قادة النظام أن سورية ليست استثناء، وأن الطريقة التي حكمت بها سورية طوال عقود لا يمكن أن تستمر، وأن التغيير السياسي في دمشق، كما هو في تونس والقاهرة وطرابلس وصنعاء، قادم لا محالة. تعقيد عملية التغيير وإطالة أمدها ليس في مصلحة أحد.

=============

متى يعلن أنان فشل مهمته؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

17-5-2012

بلغة دبلوماسية قال الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، إن الثقة بمهمة السيد كوفي أنان في سوريا «تتضاءل بسرعة»، ومعنى ذلك بلغة مباشرة، أن مهمة أنان فشلت، وهذا هو المتوقع منذ البداية، وليس انتقاصا من السيد أنان كما قلنا مرارا، بل لعدم مصداقية النظام الأسدي ليس اليوم، وإنما طوال عقود من حكم الأب والابن!

الأدلة على عدم مصداقية النظام الأسدي كثيرة، ومن السهولة رصدها، لكن دعونا نتوقف عند أحد مثالين آنيين، وهو ما قاله الصحافي التركي الذي أطلق النظام الأسدي سراحه بعد اعتقال دام شهرين، حيث يقول آدم أوزكوس، الصحافي بصحيفة «ملليت» التركية، إنه كان على متن سفينة المساعدات التركية المتجهة إلى غزة في عام 2010، وتعرض للاحتجاز مع ناشطين آخرين على متن السفينة من قبل القوات الإسرائيلية ووضع في السجن هناك وقتها. ويقول الصحافي التركي، إن مقارنة السجون الإسرائيلية بالسجن الذي وضع فيه بسوريا يجعل السجون الإسرائيلية وكأنها من فئة خمس نجوم، مضيفا أنه طوال شهرين بالسجون الأسدية كان يسمع في بعض الأحيان أناسا يصرخون ألما وحزنا، والسؤال هنا هو ماذا عن تنفيذ أحد بنود مبادرة أنان وهو إطلاق سرح المعتقلين بالسجون الأسدية؟ الإجابة لا شيء، بل إن الاعتقالات في تزايد!

والأسوأ من السجون الأسدية هو عدم توقف آلة القتل الأسدية للآن، والقصة كما قال الفيصل ليست بانخفاض العدد، بل بوجوب وقف القتل، وبالطبع سحب الآليات العسكرية من الشوارع، وهو الأمر الذي لم يتم، بل على العكس؛ فها هي التقارير الموثقة بأشرطة فيديو تظهر تورط عناصر من حزب الله بالشأن السوري، ودعمهم للقوات الأسدية بعملية قمع السوريين، وقبلهم بالطبع كان وما زال هناك الإيرانيون، حتى إن بعض المصادر - وبالتأكيد الأمر لا يخفى على السيد أنان والمجتمع الدولي - تلك المصادر تقول، إن هناك ورشة عمل إيرانية تعمل على قدم وساق بدمشق لدعم النظام الأسدي، تنسيقا وتخطيطا، ناهيك عن التمويل والتسليح، وخلافه. فهل بعد ذلك يمكن القول إن جهود السيد أنان ستؤتي أكلها؟ بالطبع لا.

فها هي الأمم المتحدة ما زالت غير قادرة على إيصال المعونات المقررة لقرابة مليون محتاج سوري، وذلك نظرا لإصرار النظام الأسدي على أن يتولى هو نفسه عملية توزيع تلك المساعدات، مما يعني أن النظام الأسدي ينوي تعقب المحتاجين ومعاقبتهم، فلو كان النظام أصلا حريصا على السوريين لما وصل عدد القتلى إلى الاثني عشر ألف قتيل، ولما كان عدد المحتاجين لمساعدات مليون سوري، ناهيك عن مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في دول الجوار.

الحقيقة أن مهمة أنان ولدت ميتة، وليست ذات جدوى، ومن يدفع ثمن فشلها اليوم هم السوريون، ويوما بعد الآخر فإن الجميع سيدفع ثمن ذلك، فمن المستحيل أن تجدي المهمات السياسية نفعا مع نظام مثل النظام الأسدي، هذا هو المعلوم، وهو ما تثبته الأيام والوقائع، فمتى يتحمل السيد أنان مسؤوليته الأخلاقية ويعلن فشل مهمته رسميا؟ هذا هو السؤال!

==========

خطة أنان فاشلة لا محالة والأسد ذاهب إلى الحرب الأهلية!!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

17-5-2012

رغم مرور أكثر من شهر على إقرار خطة المبعوث العربي والدولي كوفي أنان المتعلقة بمعالجة الأوضاع المتفجرة في سوريا فإن الملاحظ، رغم مرور كل هذه الفترة ورغم أن هذه الخطة أعطت لنظام الرئيس بشار الأسد مهلة محددة لسحب المظاهر المسلحة من المدن والأماكن السكنية وإعادتها إلى معسكراتها السابقة، فإنه لم يتم أي شيء على الإطلاق بل ويلاحظ أن هناك تراخيا مقصودا إن من قبل الجامعة العربية وإن من قبل المجتمع الدولي وذلك وقد اتضح أن هذا النظام بات يدفع الأمور نحو الحرب الأهلية المدمرة.

لقد تضمنت خطة أنان ست نقاط أهمها البنود التي تنص على وقف القتال وسحب الأسلحة الثقيلة من المدن وإعادتها إلى مواقعها السابقة وضمان وصول المساعدات الإنسانية «في الوقت الملائم» إلى كل المناطق المتضررة والإفراج عن المعتقلين وضمان حرية حركة الصحافيين في أنحاء البلاد واحترام حرية التجمع وحق التظاهر سلميا للسوريين، لكن ورغم مرور كل هذه الفترة منذ العاشر من أبريل (نيسان) الماضي وحتى الآن فإن أيا من هذه البنود لم يجرِ تطبيقه لا بصورة جزئية ولا بصورة كلية بل وقد بادر نظام الرئيس بشار الأسد إلى إعلان عدم الالتزام بوقف إطلاق النار بحجة أن سوريا تتعرض لعمليات إرهابية.

ولعل ما من المفترض أنه استرعى انتباه أنان ومجلس الأمن الدولي والعرب أن هذا النظام، الذي أعلن وزير خارجيته وليد المعلم أكثر من مرة عن تباهيه بالبراعة في المناورات والألاعيب السياسية لنظامه، قد تعامل مع خطة المبعوث العربي والدولي بالطريقة نفسها التي تعامل بها مع تلك الخطة العربية التي تم التوافق عليها في اجتماع مع ممثلين سوريين انعقد في مدينة الدوحة في الثلاثين من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011 والتي جرى إفشالها ولم يعد هناك من يذكرها أو يتحدث عنها على الإطلاق.

وللتذكير فقط فإن هذه الخطة العربية التي ماتت قبل أن يبدأ تنفيذها قد تضمنت النقاط التالية: -

أولا: وقف كافة أعمال العنف من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين وثانيا: الإفراج عن المعتقلين بسبب الأحداث الراهنة وثالثا: إخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة ورابعا: فتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا.

وقد نص هذا الاتفاق أيضا في فقرة كاملة في نهايته على: «ومع إحراز التقدم الملموس في تنفيذ الحكومة السورية لتعهداتها الواردة آنفا تباشر اللجنة الوزارية العربية بالقيام بإجراء الاتصالات والمشاورات اللازمة مع هذه الحكومة ومع مختلف أطراف المعارضة السورية من أجل الإعداد لانعقاد مؤتمر حوار وطني وذلك خلال أسبوعين من تاريخه»!!

لكن ولأن الحكومة السورية لم تلتزم ولا ببند واحد من بنود هذا الاتفاق فقد عقدت الجامعة العربية في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 اجتماعا خاصا للجنة الوزارية المكلفة بالملف السوري، حيث تقرر تعليق عضوية سوريا في هذه اللجنة وحيث جرى التهديد بتنفيذ عقوبات اقتصادية ضد نظام بشار الأسد «إذا لم يوقف العنف»، لكن هذه القرارات قد تبخرت وذهبت أدراج الرياح وقد تبعتها إلى هذا المصير نفسه القرارات التي اتخذت في اجتماع الرباط الذي انعقد في السادس عشر من نوفمبر إياه والتي أكدت على العقوبات الاقتصادية الآنفة الذكر وعلى حظر السفر على بعض كبار المسؤولين السوريين.

بعد ذلك بدأت قصة المراقبين العرب الذين وصلت المجموعة الأولى منهم إلى دمشق في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 2011 لكن هذه القصة لم تكتمل كما هو معروف، إذْ استطاع نظام بشار الأسد إحباط هذه المحاولة وكانت النهاية أن أعلنت الجامعة العربية في الثامن والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2012 عن تعليق عمل هؤلاء المراقبين «بسبب تصعيد العنف وحدوث مجازر».

وهكذا فقد باءت محاولات الجامعة العربية كلها بالفشل الذريع، بما فيها القرار الذي سُمّي «مبادرة لحل الأزمة السورية» والذي نصَّ على تسليم السلطة لنائب الرئيس فاروق الشرع وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتمديد بعثة المراقبين، مما أدى إلى تحويل هذه المبادرة إلى مجلس الأمن الدولي من أجل المساعدة في التنفيذ!! وكانت النتيجة أن أصبحت هذه القضية في يد الأمم المتحدة ولقد اتخذت كل المسارات التي اتخذتها إلى أن انتهت إلى خطة المبعوث العربي والدولي كوفي أنان هذه التي اتضح ومنذ اللحظة الأولى أن نهايتها ستكون الفشل الذريع، بل إن معظم التقديرات قد أشارت ومنذ البداية إلى أنها قد ولدت ميتة وأن مصيرها سيكون كمصير كل الخطط والمبادرات العربية البائسة والفاشلة.

لكن ورغم كل هذه التقديرات والأحكام المسبقة فقد ساد اعتقاد بأن خطة كوفي أنان سوف تُمكِّن الشعب السوري من إسقاط نظام بشار الأسد بالمظاهرات والأنشطة السلمية وبالتالي فإنها ستجنب سوريا خطر الانزلاق إلى الفوضى والحرب الأهلية وكل هذا بالإضافة إلى القول بأن الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية والدول العربية أيضا قد اعتمدت هذه الخطة، وهي تعرف أن الحكومة السورية لن تلتزم بها وأنها ستسعى إلى إفشالها كما أفشلت كل خطط ومحاولات الجامعة العربية، كي تستدرج روسيا والصين إلى قرار يصدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

والآن ومع أن النظام السوري لم يلتزم ولا ببند واحد من بنود خطة أنان هذه ومع أنه مستمر بالعنف وبارتكاب المجازر اليومية الدامية ضد شعبه وأيضا مع أنه بحجة أنه يواجه «القاعدة» والعصابات الإرهابية المسلحة يسعى لإجهاض مهمة المراقبين الدوليين كما أجهض مهمة المراقبين العرب، فإن هناك من لا يزال يراهن على هذه الخطة، التي ولدت ميتة بالفعل، ويرى أنها خشبة الخلاص الوحيدة لإنقاذ سوريا من الفوضى والحرب الأهلية المدمرة ولا يوجد أي بديل لها في المرحلة الحالية.

ولذلك فإن هؤلاء يرون أنه بالإمكان ممارسة المزيد من الضغط على النظام السوري وفي الوقت ذاته مواصلة السعي للتوصل مع روسيا، إنْ ببعض التهديد وإن بالإغراءات المشجعة، إلى حل سلمي لانتقال السلطة من بشار الأسد بصورة مؤقتة إما إلى نائبه فاروق الشرع، الذي جرى تغييبه نهائيا منذ القرار الذي أصدرته الجامعة العربية بهذا الخصوص في الثاني والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي، أو إلى من يتم الاتفاق عليه من الطائفة العلوية وإلى أن يصبح بالإمكان إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حرة وديمقراطية ويستطيع الشعب السوري أن يقرر مصيره بنفسه.

وهنا فإنه يمكن تذكر عجز بيت الشعر القائل: «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن» فأولا لا بد من أن يأخذ الذين يطرحون مثل هذا الطرح في اعتبارهم ثلاث مسائل أساسية هي أولا: أن قبول بشار الأسد بالتنازل عن الحكم غير وارد على الإطلاق وحتى ولو أُفني الشعب السوري عن بكرة أبيه وحتى لو اكتوت سوريا بنيران أبشع حرب أهلية عرفها التاريخ، وثانيا: أن الثمن الذي ستطلبه روسيا كي تتخلى عن هذا الحليف سيكون مكلفا جدا وإلى الحد الذي لا يمكن أن توافق عليه لا الولايات المتحدة ولا غيرها، وثالثا: وحتى وإن تمكنت أميركا من استدراج فلاديمير بوتين إلى صفقة مجزية فإن هناك إيران التي تعتقد أنها إن هي فقدت هذا الحليف السوري فإنها ستفقد لبنان وستفقد العراق وستفقد كل تأثيرها في منطقة الخليج وبالتالي فإنها ستخسر مشروعها الشرق أوسطي كله ولهذا فإنها لا يمكن أن تفرط في هذه «الجوهرة الثمينة» حتى وإن اضطرت إلى افتعال حرب مدمرة في الإقليم كله.

==========

بشأن الفيتو في مجلس الأمن .. "الخمسة الصغار" يتحدون "الخمسة الكبار"

بقلم ثاليف ديين/وكالة إنتر بريس سيرفس

الأمم المتحدة, مايو (آي بي إس)

من المتوقع أن تصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة -ذات ال 193 عضواً- على قرار "تاريخي" يطلب من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن النظر في "الامتناع عن استخدام حق النقض ضد إجراءات تهدف إلى منع أو إنهاء الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الانسانية".

 

لكن "الخمسة الكبار" قد صرحوا بأن الجمعية العامة، وهي الهيئة العليا لوضع السياسات بالأمم المتحدة، لا شأن لها بتقديم مثل هذه التوصيات إلى مجلس الأمن.

 

هذا القرار -الذي ترعاه خمسة من أصغر الدول الأعضاء، وهي كوستاريكا، الأردن، ليختنشتاين، سنغافورة، وسويسرا-، يهدف إلى "تعزيز شفافية ومساءلة وفعالية مجلس الأمن"، ضمن قائمة طويلة من التوصيات .

 

وفي هذه الشأن، تخوض هذه البلدان الخمسة، التي تصف نفسها "بالخمسة الصغار"، معركة حقيقية مع "الخمسة الكبار". ومن المتوقع اجراء تصويت في وقت لاحق من هذا الأسبوع.

 

ويقول دبلوماسي آسيوي لوكالة إنتر بريس سيرفس، "إنها معركة غير متساوية ... ولكن دعونا نرى ماذا سيحدث عند التصويت".

 

ويدعم هذا القرار بقوة إئتلاف المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك التحالف الدولي لمسؤولية الحماية وتحالف المحكمة الجنائية الدولية، وهي المحكمة التي تحاكم المتهمين بارتكاب جرائم حرب وابادة جماعية .

 

وقال وليام بايس، وهو من تحالف المحكمة الجنائية الدولية، لوكالة إنتر بريس سيرفس، "إن مجلس الأمن سوف يرضخ إذا ما اعتمد هذا القرار. فالخمسة الصغار يطلبون من الجمعية العامة أن تقدم توصيات إلى مجلس الأمن، باعتبارها جهاز رئيسي يخاطب نظيره".

 

ويضيف، "مثل هذا القرار سيكون ملزماً، لكن التأثير السياسي والمعنوي لمثل هذا القرار يمكن أن تكون هائلاً مع مرور الوقت”.

 

وأضاف بايس، "اذا إعتمدت الجمعية العامة قرار الخمسة الصغار، ونفذ المجلس التوصيات العشرين الواردة به، فيمكن أن يكون ذلك من أهم التطورات في مجلس الأمن". وقال، "ونتيجة لذلك، سيتم انقاذ حياة الملايين من الأشخاص، وسيمكن منع عشرات الحروب والثورات خلال ال 30 سنة القادمة.

 

وفي بيان صدر في الأمم المتحدة، قال جيمس كريستي، رئيس حركة الفدرالية -معهد السياسة العالمية، أن ومنظمته "لا تتفق مع وجهة نظر الخمسة الكبار التي مفادها أن الجمعية العامة ينبغي أن تبقى بعيدة عن شؤون مجلس الأمن.

 

وأضاف، "كيف ذلك والجمعية العامة تنتخب 10 أعضاء (غير دائمين) لمجلس الأمن كل سنتين. كما أن الجمعية العامة تقر الميزانيات المقترحة من قبل مجلس الأمن ... وهذان سببان رئيسيان يؤكدان أن رأي الخمسة الكبار هو غير عقلاني".

 

وقد أثنى بايس على الخمسة الصغار لما أبدوه من شجاعة تجسدت في المشاركة بتقديم مشروع القرار المؤلف من خمس صفحات، والذي يوصي باتخاذ تدابير عدة "للنظر فيه من قبل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن".

 

وتشمل هذه التدابير شرح أسباب اللجوء إلى استخدام حق النقض، أو الإعلان عن نيتها القيام بذلك، لا سيما فيما يتعلق باتساق التدابير مع مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الساري.

 

ويقول، "ينبغي أن تعمم نسخة مشروحة كوثيقة منفصلة من وثائق مجلس الأمن لجميع أعضاء المنظمة. ويضيف،"يحظى هذا القرار بأهمية إضافية في ضوء تصويتي الفيتو في العام الماضي من قبل روسيا والصين حول القرار الذي رعاه الغرب والذي يهدد بفرض عقوبات ضد سوريا لقتلها المدنيين".

 

ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة، هناك أكثر من 7500 من المدنيين، على كلا جانبي الصراع، قد لقوا حتفهم منذ اندلاع الانتفاضة في مارس 2011.

 

وكان مجلس الأمن متباطأً أيضاً في الرد على جرائم الإبادة الجماعية عام 1994 في رواندا حيث قتل أكثر من نصف مليون شخص. ففي ابريل 1994، أدان المجلس عمليات القتل لكنه رفض وصفها بأنها "ابادة جماعية".

 

وقال بايس للصحفيين إن قرار الخمسة الصغار ليس له تأثير على المفاوضات الجارية لإصلاح وتوسيع عضوية مجلس الأمن التي وصفها بأنها "مثيرة للانقسام" لأنها تنطوي أيضاً على تعديل ميثاق الأمم المتحدة.

 

وفي بيان صدر هنا، قال الدكتور اندرياس سيربين، رئيس التحالف الدولي لمسؤولية الحماية، إن المادة 24 (2) من ميثاق الأمم المتحدة تتطلب بوضوح أن تتم جميع قرارات مجلس الأمن، بما في ذلك استخدام حق النقض /الفيتو، بطريقة تتفق مع مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة.

 

وأشار إلى أن الأمر المأساوي، هو أنه في كل عام تقريباً وحتى في الوقت الحالي، يشهد المجتمع الدولي مداولات مجلس الأمن حيث يستخدم حق النقض (أو يساء استخدامه) بشكل لا يتفق مع هذه الأحكام -وهو وضع يحاول هذا القرار التصدي له.

 

وفي الوقت نفسه، أكد الخمسة الصغار في رسالة موجهة إلى الدول الأعضاء، أن مسودة نص مشروع القرار سبق تقديمها قبل حوالي عام كامل، "على أمل إشراك مجلس الأمن في حوار بناء حول مقترحاتنا". والآن، "وبعد عام من المشاورات، حان الوقت لإعطاء الجمعية العامة فرصة لإبداء رأيها بشأن هذه القضية".

 

والمصلحة الوحيدة للخمسة الصغار، كما تقول الرسالة، هي جعل الأمم المتحدة تعمل بشكل أفضل قليلاً. فحالياً، يضم المجلس 15 عضواً: الخمسة الكبار و10 أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم كل سنتين على أساس جغرافي.

 

وتضيف الرسالة: "معظمنا أعضاء (غير دائمين) في مجلس الأمن لمرة واحدة في العمر. وبعض الدول لم تكن عضواً قط أو لن تكون أبداً”. "والآن، نقدم لكم الأدوات التي تسمح للعضوية الأوسع أن تكون مطلعة بشكل أفضل وتتم استشارتها حول ما يجري في المجلس".

 

وتقول الرسالة في سعيها للحصول على دعم الدول الأعضاء: "هل تريدون إبقاء الأمور كما هي أو تفضلون أن يتم التعامل معكم بقدر أكبر من الشفافية والإنفتاح. الخيار لكم”.

(آي بي إس / 2012)

======================

صعود "القاعدة" في سورية

دانييل برود - (ميدل إيست أونلاين)

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

الغد الاردنية

17-5-2012

الموجة الأخيرة من التفجيرات الانتحارية في سورية، سوية مع القبض على سفينة شحن محملة بالأسلحة مرسلة للثوار السوريين، تشير إلى أن ثمة تسللاً يتم إلى سورية، ليس من جانب الأيديولوجية الجهادية السنية وحسب، بل وللأسلحة والتكتيكات والمقاتلين من عموم الشرق الأوسط أيضاً. ومن المرجح أن تكثف تلك القوى، سوية مع الإسلاميين السوريين الراديكاليين، هجماتها على الأهداف المدنية والحكومية على حد سواء، في محاولة لتحويل سورية، على الرغم من عدم أرجحية ذلك، إلى عراق جديد.

على العكس من مصر، أثبتت الحكومة السورية أنها متخندقة جيداً وأبعد ما تكون عن أن تزيلها الاحتجاجات المدنية والضغط الدولي وحدهما. وقد أفضى هذا الإدراك، سوية مع الحملة التي تزداد وحشية باطراد، إلى تعزيز العسكرة الحتمية للصراع الدائر في سورية، والذي أضافت إلى اشتداده العناصر السنية في عموم الشرق الأوسط، وفي المملكة العربية السعودية وقطر وليبيا بشكل رئيسي. وعلى الرغم من أنه لم يعد بمقدور المتشددين السنة إلحاق الهزيمة بالقوة القتالية الرسمية السورية المسلحة جيداً، التي تملك زمام المبادرة والكفؤة في ميدان القتال، فإنهم ينزعون إلى تبني استراتيجية يرجح أن تصبح فيها التفجيرات والهجمات البشعة الأخرى على الأهداف الحكومية والمدنية على حد سواء، هي الصبغة التي يصطبغ بها المستقبل القريب للمشهد السوري.

أما وقد قيل ذلك، فإن المعارضة السورية تظل متسمة بالنشاط والقدرة على القيام بنشاطاتها. ولكن، ولسوء طالعها، فإن حكومة الأسد لن تذهب إلى أي مكان في وقت قريب. وبينما ما يزال العديد من المعارضين السنة يتوقون إلى تحصيل حقوق شخصية وسياسية أكبر، فقد كان ثمة إدراك مبكر لتلك الحالة، والذي يقول بأن ذلك غير مرجح للحدوث ما لم تتم الإطاحة بالعلويين العلمانيين، المنضفرين معاً بإحكام. وفي الأثناء، ذهبت سورية إلى ما هو أبعد كثيراً من مجرد النضال من أجل حقوق شخصية وسياسية، لتدخل في أتون كفاح إقليمي على السلطة -بين العلويين وحلفائهم الأقليميين، وبين تكتل سني إسلامي صاعد مصمم على إعادة سورية إلى فضائه الإسلامي.

وبالرجوع وراء، سيكون من المهم ملاحظة أن التشدد السني والإسلام السياسي لا يشكلان تهديدا خارجياً موجهاً ضد النظام العلوي. ذلك لأن عائلة الأسد استطاعت الصمود، وعلى مدار أربعة عقود، في وجه هذه التهديدات، ونفذت العديد من العمليات العسكرية، بما فيها مجزرة حماة في العام 1982، من أجل قمعها. وعلى عكس ما كان عليه حالها في العام 1982، تتوافر حركة الإخوان المسلمين في هذه الأوقات على دعم أكبر، وهي تسير في مسار تصاعدي في عموم المنطقة -وكذلك هو الحال مع قطاعات إسلامية أخرى، حتى أكثر راديكالية.

وبينما تستمر المعارضة السورية في إنكار أي دور لها في التفجيرات الأخيرة في سورية، فإن السياق الطائفي للأزمة، والذي يحرك التوترات عبر الحدود في تناغم مع صعود النزعة التطرفية في عموم العالم الإسلامي، يجعل من هذه الادعاءات غير مرجحة بنسبة عالية. وبالإضافة إلى ذلك، ثمة مجموعة سنية متشددة، هي "جبهة النصرة"، والتي أعلنت فعلياً على موقع عنكبوتي جهادي، مسؤوليتها عن الانفجار الذي وقع في دمشق في الاسبوع الماضي، بالإضافة إلى مسؤوليتها عن تفجيرات انتحارية سابقة.

الآن، يتلقى السنة السوريون الدعم من كافة أنحاء العالم الإسلامي. ومن الشيشان شرقاً إلى ليبيا غرباً، يبدي السنة تصميماً على رؤية النظام العلوي "الإلحادي" وقد أطيح به، كما أن العديدين يبدون رغبة في دعم شن المزيد من الهجمات المتشددة لتحقيق هذه الغاية. وفي الأثناء، ذكر على نطاق واسع بأنه تم تسجيل تدفق لمقاتلين من القاعدة من العراق المجاور إلى داخل الراضي السورية، ومن غير المرجح إلى حد كبير أن يكون هؤلاء قد قدموا من أجل رفع اليافطات الاحتجاجية. بل من المرجح أكثر أنهم إنما يجلبون معهم حربهم المقدسة -تلك التي استهدفت ذات مرة الشيعة والمسيحيين والأميركيين في العراق- لمقاتلة العلويين وحزب الله وإيران، في سورية.

وبالإضافة إلى المقاتلين الأجانب، أصبح العديدون من السنة السوريين راديكاليين واتباعاً للمبادئ الجهادية أيضاً. ويظهر هذا من خلال التسميات الإسلامية بوضوح للعديد من كتائب الجيش السوري الحر، وأشكال مقاتليها، وإعلاناتها، إلى جانب المد المتطرف المتنامي في عموم المنطقة، والذي لم يتخطّ سورية بالتأكيد. وكما أسلفنا سابقاً، فإن الإسلام السياسي كان قد لجأ إلى العنف في سورية من قبل. ولكن، وعلى النقيض من المرات السابقة، فإن التهديد المحتمل والحقيقي الآن لا يأتي من جهة الإخوان المسلمين، وإنما من العناصر السلفية والوهابية الموجودة راهناً داخل سورية.

وعلى الرغم من أن حركة الإخوان المسلمين تعد تقليدياً أهم حزب سوري سني، فإن الطائفتين الوهابية والسلفية الأكثر راديكالية تبدوان آخذتين في الصعود حالياً في سورية. وبالإضافة إلى ذلك، تنطوي هاتان الطائفتان على قدرة شن حرب مقدسة متواصلة. ويصبح صعودهما هناك، والحرب المقدسة اللاحقة في سورية، أكثر ترجيحاً على ضوء تنامي المعتقدات الجهادية، التي جرى ترويجها في السياق مع "الربيع العربي" في عموم الشرق الأوسط.

في النهاية، وعلى الرغم من أن المعارضة قد فشلت سلمياً وعسكريا في خلع نظام الأسد، تبدي عناصر أكثر راديكالية في داخل سورية وفي خارجها الاستعداد لترويج وتنفيذ استخدام هجمات متشددة أكثر عدائية وعنفاً في داخل سورية. أما هدفها المرجح، فهو يكمن في إضعاف النظام العلوي في سورية وجعله يتآكل على المدى البعيد، إلى حد تحويل البلد في نهاية المطاف إلى العراق التالي.

*محلل استخبارات مع مؤسسة ماكس سيكيوريتي سوليوشنز الاستشارية في المخاطر الجيوسياسية، والتي تتخذ مركزاً لها في الشرق الأوسط.

*نشر هذا المقال تحت عنوان

: Al-Qaida's Rise in Syria

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ